لماذا أعتقد ببدعية الأعياد الوضعية؟!
شخصيا لا أحبذ الاحتفال بالأعياد الوضعية كعيد الميلاد، وعيد المرأة والأم وغيرهما، ولا تلك التي تتسم بطابع ديني كعيد المولد، ورأس السنة الهجرية وغيرهما.
وفلسفتي في هذا أننا كمجتمع مسلم لنا عيدان، ومواسم أخرى للطاعات هي بمثابة الأعياد أيضا، كيوم الجمعة، وشهر رمضان، وموسم الحج وووو.
والسبب في هذا أننا لو اتخذنا كل الأيام عيدا لتشابهت عندنا الأيام وخفتت بهجة العيد.
فالعيد لا يكون عيدا وقتها بل سيكون يوما كسائر الأيام.
وهذا ما نلاحظه مؤخرا، فالناس باتت لا تحفل بالعيد ولا تحس بالفرحة فيه.
وذلك لكثرة الأعياد والمناسبات التي تسببت بفقدان العيد لبهجته.
سبب آخر يجعلني لا أحبذ تلك الأعياد والمناسبات، رغم أن البعض يعتبرها مناسبات لإشاعة البسمة والسرور وحسب.
أقله يشعرني بأن بين جوانحي مضغة بقي فيها شيء من العطف والإحساس بالآخرين، في جو أضحى ملوثا حتى ما عاد أحدنا يلفي فسحة أمل في غد أجمل..
عن عيد الأم في الجزائر ، فلا زلنا كجزائريين لا نحفل به، ولا نعتبره عيدا، ولا يوما مميزا، ولا تحتفل الأسر الجزائرية به، وأقصى ما يفعله الناس عندنا سلوك الأطفال الأبرياء، حين تتكلم المعلمة أو الأستاذ فيه عن دور الأم، وسهرها وتعبها، فيقوم الطفل بإهداء وردة برية لوالدته تعبيرا عن مدى حبه وامتنانه لها.
لكن في بعض دول المشرق العربي، أصبح هذا اليوم عيدا حقيقيا، ومناسبة تقتضي ما يقتضيه العيد من احتفال، وسؤال، وهدايا، ولمة عائلية.
فكل أم هناك يحتفى بها من قبل بناتها وأولادها، فيجتمعون ذلك اليوم عندها، ويحضرون لها الهدايا، ويقيمون مأدبة فيها ما لذ وطاب من الطعام بهذه المناسبة.
إلى هنا كل شيء يبدو عاديا ربما...
لكن دقيقة تفكر واحدة، تجعلك تحس أن الأمر لن يحمل السرور للجميع- كما نتوهم- وقد يصاحب ذلك اليوم هم وغم لبعضهم، ويستجلب لهم الأحزان ويثير فيهم الأشجان.
فماذا يقول الأب يومها، وهو يرى التكريم للأم فقط، والهدايا لها وحدها، وكذا الامتنان؟
أما عن تعبه هو وسهره الليالي، وتحمله الأسفار في سبيل تأمين لقمة الخبز فلا أحد يكترث لها من الأبناء!!
وبسبب هذا الأمر سنت احداهن عيدا للأب أيضا، فيما يسمى ب(Father's day)، فوالدها كما تقول قام بتربيتها واخوتها الأيتام الخمسة، بعد وفاة والدتها، فكان لهم الأب والأم معا.
وماذا عن الطفل اليتيم يومها، وهو يرى مظاهر الفرح لدى بقية الأطفال بأمهاتهم، في مقابل فقده، ويتمه وحزنه، وتعاسته!!
ماذا عن مشاعر شريحة من النساء لا يستهان بعددهن، هن أولئك اللائي لم يكتب لهن الزواج لسبب أو لآخر أو حتى المطلقات والأرامل اللاتي شاء القدير لحكمة ألا يكون لهن فرصة لتكوين أسرة وإنجاب أطفال.
صراحة لا يسعني تخيل شعور تلك المرأة التي لم تصبح أما، وهي تنصت لأغنية عنوانها "ست الحبايب يامو"، أو أغنية" أحن إلى خبز أمي ...وقهوة أمي..."الأغنيتان اللتان لا تتوقف الفضائيات عن بثها في ذلك العيد السعيد - حسب اعتقادهم-.
وتلكم المسكينة ترى بأنها لاشيء، وأن لقب *الأم* صار حلما بعيد المنال فتتكون لديها حالة من الكآبة والحزن قد لا يفارقانها ما دامت حية.
وأتذكر حلقة من أحد المسلسلات السورية، جسدت هذا الاحتفال وتبعاته، بحلقة درامية تقطع نياط القلوب، فالطفلة اليتيمة(نارا)، تجد نفسها فجأة مع بداية الصباح، حين تشغل جهاز التلفاز، مع أغاني عن الأم، تغير القنوات فتجد نفس الأغنية مكررة هناك، إنه يوم الأم العالمي!!
تغلق التلفاز بحنق، وتذهب لتناول فطور الصباح مع والدها الذي يلاحظ صمتها المطبق، وعينيها الحزينتين.
تسأله الفتاة: لماذا ماتت أمي؟ لماذا تركتنا؟ لماذا الكل سعيد هذا اليوم وباقي الأيام، إلا أنا يذبحني شعور الفقد واليتم، وحين أحاول النسيان والتأقلم، يأتي هذا العيد ليحرك مواجعي؟
تغادر الفتاة من دون تناول الفطور...يتألم الأب، يترك ما بيديه ...فنفسه سدت عن الأكل.
يغادر منزله متوجها إلى عمله...يشغل الراديو....أغاني الأم في كل الإذاعات...يمتعض لذلك، ويلعن ذلك اليوم ومن اخترعه، ويتمنى لو تم حذفه من رزمانة الأيام.
أما عيد الحب الذي يتخذه الأزواج والعشاق يوما لتبادل الهدايا، والمشاعر الرومنسية التي اختفت في متاهات الحياة، ودورة الأيام، فتحدثني صديقتي الطبيبة أنهم يستقبلون في هذا اليوم الكثير من حالات الانتحار، بقطع الشرايين، وحالات أخرى مستعجلة بسبب جرعات كبيرة من الهيروين.
وحين سألتها عن السبب، أجابت(عيد الحب)، وهؤلاء الشباب لا حبيبات لهم!!
بعيدا عن معارك الملتزمين -التي لا أقرها- ما بين مجيز ومحرم، وطريقة الإنكار التي يستعملونها...
هل وعينا رحمة الله، وعدله، ولطائف تشريعه لنا؟!
.......
#شمس_الهمة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق