من مظاهر تخلف دول العالم الثالث، أنها تبني كيانها على رجل واحد، يظهر كبطل صاعد ومنقذ.
مسلح بشعارات مستهلكة ومستوردة من مدينة أفلاطون المثالية.
البطل المزعوم لا يظهر إلا في أرذل عمره، وما إن تصعد روحه إلى السماء تتبخر معه أحلامنا نحن البؤساء، ويعود المسلسل إلى حلقاته الأولى.
بينما الأبطال الحقيقيون خلف الكواليس يتقاسمون ثرواتنا نحن النائمون الحالمون أمام الشاشات...ومازالت المشاهد نفسها تتكرر، ومازلنا نحن نكرر نفس المشاهدة، بنفس الحماس، ونفس التصديق، ونفس التصفيق.
وهو ظاهرة تاريخية نعاني منها في العصور المتأخرة، ساهم فيها النخب بشكل كبير من خلال كتبهم ومؤلفاتهم.
ذكر أحد المفكرين أن المؤلفين لطالموا اعتمدوا على تناول سيرة بطل تاريخي ك "أيقونة" وهذا يأخذنا إلى اشكالية كبيرة، فهذا الفهم يوجه نحو العمل الفردي، ويحول دون العمل الجماعي ، ويطمس في العقول مفهوم المسؤولية الجماعية لأفراد الأمة. فتظل الأمة متثاقلة إلى الأرض وعاجزة ، تنتظر المعجزة وظهور القائد المخلص، وترسم له صورة غيبية أسطورية وتتناقش حول ماهيته وهويته، فتارة يقولون المهدي المنتظر وتارة يقولون بفاتح جديد.
بينما في حقيقة الأمر لن ينقذ أمتنا هئا ولا ذاك، انما هي الجهود المشتركة والوعي الجمعي الذي يؤدي للاصلاح في شتى الميادين.
تلك الكتب والمؤلفات أهملت دور النساء -على سبيل المثال- فقد جرت عادة المؤلفين على تجزئة الظواهر التاريخية، والموضوعات العلمية، فتتناول تلك الكتب تلك الشخصيات مقتصرة تخصصها ومكانتها العلمية فقط بدون تناول الجوانب الحياتية الأخرى والمحيطة بهذه الشخصية أو تلك.
ولهذا كان واجبا على الباحث مسؤولية كبيرة في ترميم الظاهرة التاريخية التي توضح دور تلكم الشخصيات في قالب مزيج من الأحداث والوقائع لتبيان دورها الفعال وما ترتب على هذا الدور من اسهامات في اخراج ذلك الجيل المتميز.
والمصادر الاسلامية التي أرخت للأحداث لا تورد تفاصيل كثيرة، ذلك أن منهج المؤرخين الاسلاميين القدامى ينسب الأحداث للأشخاص الذين يتصدرون القيادات السياسية والعسكرية، ويعالج الأحداث باعتبارها منجزات فردية لا أثر للعمل الجماعي فيها، ولا ترابط بين مسلسل الوقائع، غير أن المطلع والمتأمل يدرك جيدا سير الأحداث وجهود المصلحين ودورهم قبلها.
فلقد ترتب على تلك الجهود التربوية والتعليمية لتغيير ما بأنفس القوم من أفكار وتصورات وقيم واتجاهات أن برز جيل مسلم يختلف عن الأجيال السابقة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق