باديسية نوفمبرية، سيناريو تركيا وأردوغان؟!
في المسلسل التركي رغم الأحزان، دراما واقعية ممتعة تحكي حقبة حكم العسكر في تركيا، بتفاصيل دقيقة ومشاهد تحاكي أحداثا تاريخية حقيقية، مشاهد وثقت مخططات أهل الباطل وحكت بشاعات الجنرالات العلمانيين الذين حكموا تركيا ردحا من الزمان، كنت أنوي عمل مراجعة طويلة ودقيقة للمسلسل لأنه فعلا يستحق، لكن ظروف ما جعلتني أؤجل الأمر في كل مرة.
لكن اليوم سأتكلم عن حلقة مميزة وغريبة لفتت انتباهي، وضعت حولها أسئلة عدة في مجموعات التواصل، رغبة في إشباع فضولي، وتقصي تكهناتي حولها، لكن محاولاتي باءت بالفشل..ثم زارتني شقيقتي المتزوجة فسألتها إن كانت قد شاهدت المسلسل بغية سؤالها عن تلك الحلقة...فقالت أنها شاهدت فقط بضع حلقات متفرقة، وأن إحدى الحلقات طرحت لديها تساؤلا وشكا غريبا، فسألتها عن الحلقة ويا للمفاجأة حين وجدتها الحلقة نفسها التي كانت تثير فضولي.
الحلقة باختصار سألخصها بهذا المشهد:
الجنرالات كان لديهم ماريشال قوي اسمه(قدرت كاراي) مشهور ببطشه بالإسلاميين والمتدينين، معروف بعداءه للدين، ويسن قوانين تمنع إظهار شعائر الدين كمنع الحجاب في الجامعات، منع الآذان، محاسبة وتسريح من تثبت عليه تهمة الصلاة *في الأقبية* من ضباط الجيش وووو.
في نهاية مسيرة الماريشال قدرت كاراي، كان الشعب قد استيقظ، وسئم حكم العسكر، وبدأ الإلتزام ينتشر انتشار النار في الهشيم..في أوساط العامة، وكذلك بين ضباط الجيش.
لذلك قرر الجنرالات التضحية بالماريشال (قدرت كاراي)، وقاموا بفضح ممارساته السابقة، وبدأوا عهدا جديدا، قالوا فيه سنقوم بالتضييق على المتدينين في المسجد والشارع والجامعة ثم نبعث لهم (الرجل المنقذ) الذي يدافع عن الحجاب والمحجبات، والصلاة، ووو...فيلتف الشعب حوله...فيصنعون منه بطلا مناضلا ...ثم يزجون به في السجن لبضعة أسابيع أو أشهر كي يظهروا أنه معاد للدولة...وأنه إرهابي رجعي..
بعد أشهر تتم محاكمته، وتكون الأدلة ضده ضعيفة، فيطلقون سراحه..
أثناء تواجده بالسجن...تعرف على المحامي(ابراهيم)، هذا المحامي شخص حر، نبيل وشريف، ومعروف بالتزامه، أمضى كل شبابه وكهولته متنقلا بين السجون وذلك بسبب نضاله ضد العلمانية...
مع اقتراب نهاية المسلسل كانت نهاية الماريشال (قدرت كاراي)، وتم الإفراج عن (البطل المنقذ)، ومن ثم ترأسه لحزب سياسي، فتقليده منصبا مهما.
وكذا تم أخيرا الإفراج عن المحامي ابراهيم...
(البطل المنقذ) طلب مقابلة المحامي ابراهيم كي يقنعه بالعمل معه (لطالما احتمى الذئاب بالوطنيين والشرفاء، وجعلوهم واجهة لأعمالهم)، ودار بينهما هذا الحوار:
- البطل المنقذ: محامي ابراهيم انت انضلمت كتير من الجنرال قدرت كاراي، ومثلما بتعرف انتهى زمن الظلم، انتهى زمن الجنرال (قدرت كاراي) ورح نعيش بتركيا جديدة ويكون المستقبل إلنا....احنا بنتمنى إنك تعمل معنا.
فيجيبه المحامي ابراهيم بوقار ، وبصيغة تهكمية مملوءة بالشك قائلا:
- أنا بحترم كتير الجنرال قدرت كاري، هو على الأقل كان واضح بعداءه لنا...لكن يا خوفي رح نعيش بزمن فيه ذئاب متلبسة بوجهين، ما رح نعرف نكون معها ولا ضدها.وهل هي بتعمل معنا ولا ضدنا.
انتهى المشهد.
سأتكلم هنا عن سبب فضولي حول الحلقة...وسبب تساؤلاتي الكثيرة...
شخصية البطل المنقذ بالمسلسل أداها ممثل بنفس مواصفات أردوغان...نفس الوجه تقريبا، نفس الشارب...نفس الحركات...وحتى نفس النضال....ونفس المنصب الذي تقلده عقب خروجه من السجن..
البطل المنقذ الذي سرق نضال الإسلاميين الشرفاء الحقيقيين...والذي يعمل في العلن على الشعبوية وكسب الجمهور واستغلال العاطفة الدينية...أما في الخفاء فيخطط لعلمانية ناعمة غير مصادمة للجمهور.
وهذا هو الأخطر في الموضوع...تركيا صنعت من قبل بطلا وهميا هو أتاتورك...فهل تعيد الكرة مع أردوغان ونحن في غفلة عن هذا؟!
قرأت مقال الدكتور عبد الكريم الدخين عن أردوغان والعلمانية الناعمة، فقلت أنها ربما محض تحليلات سياسية...ثم شاهدت المسلسل فأكد لي وجهة نظر الدخين.(والله أعلم)
مقال الشيخ عبد الكريم الدخين:
((هو الإشكالية ليست بعلمانية اردوغان التي نستفيد منها وما زلنا ، وليس بنوعية علمانيته وهي الانجلوساكسونية ، ولا بطبيعة تحركاته ومنطلقاته وأهدافه ، المشكلة الكبرى هي في عدم إدراك جماعتنا لعلمانيته وإحسان الظن بها مما يسهل تجذرها داخل المنظومة الإسلامية وهم مازالوا غارقين في عسل الوهم بتدرجه ..
نحن وعينا مشكلة العلمانية لأنها جاءت ومعها أسلحة الاستعمار ، وفرضتها الدول الوظيفية وريثة المستعمر ، ولأنها فرضت بالقوة من قبل عالم نشاهده ينهش من لحمنا ويرتوي من دمائنا ، بينما قبل كثير منا كثير من مضامين الليبرالية لأنها جاءت عبر نافذة الفقهاء أمثال جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وجيلهما وتلاميذهم ..
الفرض بالقوة لم ينجح ، بينما الانبثاق من الداخل وعبر مؤسسات الداخل نجح إلى حد كبير ..
وكثير من المفكرين حاليًا يتداولون فرضية الإصلاح من الداخل والإصلاح عندهم العلمنة ، كثير منهم استوعبوا إشكالية رفض العلمنة من العقل الإسلامي ، وبدأوا بالفعل بالتنظير في كيفية إيجاد جذور للعلمنة من داخل المكون الفقهي ، وسيجدون حمير يركبونهم من الفقهاء بلاشك ، وأخشى كل الخشية أن التجربة الاردوغانية التي يطبل لها بعض السذج بكل مافيها ستكون أول درجة يركب عليها العلماني ليصل لظهر الفقيه المغفل))
لست مع شيطنة كل إسلامي على الساحة كما يفعل المداخلة، لكني أبقي عقلي مفتوحا على كامل الاحتمالات، ودائما أحتفظ بنسبة 1٪ للشك.
وقد كتبت مقالا من قبل عن أردوغان منذ سنوات، وطلبت عدم تقديسه أو تجريحه لأن كلا الفعلين مذمومين عندي..
هذا رابط المقال:
(المقال في أول تعليق)
نعود للجزائر والأحداث الأخيرة، قرأت مقالات عدة كتبها مغاربة حول الحادثة الأخيرة، فوجدتني أتفق مع كلامهم...قالوا بأن الجنرالات الذين لم يتورعوا عن قتل شعب كامل في العشرية السوداء وافتعال الإرهاب والهجمات الإرهابية...لن يتورعوا عن قتل جنودهم وإلصاق التهمة بالمغرب...
قالوا بأن لعبة الجنرالات باتت واضحة...تجييش الشعب ضد المغرب...إقناعه بأننا مظلومون...وبأن المغرب التي تطبع مع اليهود تخطط لإفناءنا....اللعب على ورقة معاداة التطبيع والصهيونية...بينما يطبعون تحت الطاولة...وهكذا يتم إلهاء الشعب الذي لم يعد مقتنعا بحيلة الباديسية النوفمبرية....ومنعه من حراك جديد...وإشغاله بالعدو الوهمي(الجارة المغربية)، وبهواجس حرب تلوح في الأفق لا تبقي ولا تذر...
ما جعلني أوافق تلكم المقالات، ما يحدث الآن أمام أعيننا ولكن لا نلاحظه بسبب انشغالنا بالحرب الكلامية مع الجارة المغربية(تسريح ڨايدي من منصبه...ڨايدي الرجل الوطني الشريف الذي قيل أنه يصوم الاثنين والخميس، وبأنه متدين وصادق وأمين...استعمل في البداية رفقة الڨايد صالح...ثم تم التخلص منهما عقب انتهاء المهمة)
وكذا تبرئة الهامل من إحدى التهم الموجهة إليه، في غفلة عنا ودون أن يثير هذان الخبران صدمة أو دهشة أو يسيلا حبرا...
بإسقاط أحداث المسلسل على واقعنا الجزائري فإن نفس السيناريو يحدث أمام أعيننا...انتهى زمن العصابة...وحل محله زمن الباديسية النوفمبرية....استعملوا أشخاصا شرفاء للمهمة....وحين استتب الوضع ألقوا بهم في سلة المهملات...لا وجود لباديسية نوفمبرية...النظام جدد نفسه بنفسه...استعمل شعارات دينية وعاطفية...تظاهر بعداءه لفرنسا والفرنسية...للزواف والعلمانية...لا يرغبون الآن بمصادمة الجمهور...
السياسة الناعمة هي الحل وهي البديل الأمثل...
ملاحظة: المقال تفكير بصوت مسموع وطرح استفهامات، وليس اتهاما مباشرا.
#شمس_الهمة