‏إظهار الرسائل ذات التسميات مجموعات قصصية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مجموعات قصصية. إظهار كافة الرسائل

الأحد، 11 ديسمبر 2022

أماكن سياحية أم شركية؟!

 أماكن سياحية أم شركية؟!


كان الفصل ربيعا، عندما قرر خالي أخذنا في نزهة لنستمتع بجمال الربيع، قال أنه سيأخذنا إلى مكان فسيح يضم كل أشكال ومباهج الربيع.

انطلقت السيارة في الصباح الباكر، أخذت مكاني المطل على النافذة، ولزمت شقيقة زوجة خالي الجانب الآخر،( فتاة في الرابعة عشر من العمر)، وتوسطنا طفلهما ذو الخمس سنوات.

كنت فرحة ومتحمسة جدا، وملأت السيارة صخبا، وغناء وضحكا لا ينقطع(ولم أكن أعلم ماذا كان ينتظرني جراء ذلك الضحك، اعتدت توقع الأسوء كلما أكثرت الضحك، أو أسرفت في الفرح، طبعا لا طيرة في الإسلام، ولكن اذا تطيرت فتحمل النتيجة وحدك). 

أعتقد أنني غنيت كل أناشيد طيور الجنة منذ افتتاحها، رفقة ابن خالي ذلك اليوم.

صحيح أنني على أعتاب الشيخوخة، وأن فارق السن بيني وبينه، كان مثل مساحة القارة العجوز، لكنني كنت أتصابى رفقة الأطفال، حتى ليخيل إلى الناظر إلي اذا كنت معهم، أنهم راشدون ناضجون، وأنا الطفلة الوحيدة بينهم.

سارت السيارة مسافة طويلة، حرمني فيها ذلك الطفل الشقي التمتع بمناظر الربيع والخضرة من خلال النافذة.

 كان يود أن يظل انتباهي وتركيزي الكامل معه، ومع الأغاني والنكات المختلفة.

وبينما أنا على تلك الحال، توقفت السيارة فجأة، إنه الوصول، لم أنتبه إلى الوقت بتاتا..

ترجلنا من السيارة، مكان خال فسيح، وأعلام ملونة على طول الطريق، توحي وكأنه سفارة، أو ساحة احتفالات،(يبدو أن الدولة تهتم بهذا المكان جيدا ، لاحظت نظافة لا توجد في أماكن أخرى أيضا)، أناس هنا وهناك، وسور عملاق، يضم فناء فسيحا، يتوسطه مسجد جميل(هكذا خمنت).

- خالو، علاش نزلتنا هنا؟! راه الصباح ، ياك الظهر مازال!!

خالي مغمضا عينيه، مطأطأ رأسه، ثم مالبث أن رفعه عاليا، وأخذ يضحك، وزوجته تدعمه بضحكات صفراء ماكرة.

- سيدي امحمد،  جامي شفتيه باينة، أبيك ماجابكمش هنا، راني عارف هو مايأمنش بالولية -الأولياء الصالحين-.

- سيدكم امحمد، شاوالا، منك بصح خالو؟!

حمبوك قولي راني نزعق برك.

اغرورقت عيناي بالدموع، وأسقط في يدي، وتسمرت في مكاني غير مصدقة لما يحدث.(سيدهم امحمد ولي صالح، ببلدية سيدي امحمد بغليزان، أشهر قطب شركي في الغرب الجزائري).

أومأ خالي لزوجته، فتقدمت نحوي، وأخذتني بعيدا، وهمست الي بالآتي:

- راني عارفة ما تأمنيش بالولية، ما لقينا كي نديروا، مابغيناش نخلوك فالسكنى وحدك، أبيك مايبغيش، وأنت تخافي تقعدي وحدك.

ثم استطردت قائلة:

- احنا ماشي غادي نطلبوا الولي، هدا شرك راني عارفة، البارح شفت منام، وحد المرا قاتلي روحي شعلي الشموع فالوالي، وقيسي الزيارة، هدا مكان.

لبثت في مكاني كالبلهاء، كل تلك المواعظ والدروس، مع زوجة خالي لم تنفع، كانت تتظاهر أمامي بالورع والتوبة، وتطلب مني أن أحدثها دوما، وخالي-----، ما باله هو الآخر؟!

وأين تأثير دروس عبد الرحمن الهاشمي التي كنا نسمعها سوية؟!

لقد عهدته في فترة العزوبية يمقت هذه الأشياء، ويمقت النساء الجاهلات، والسحارات(على حد تعبيره).

خالي يعشق زوجته كثيرا، يا لتأثير النساء!!

أو ربما ليس الحب من جعله هكذا، إنه( السحور)،  أكيد زوجة خالي قامت بالواجب، فلم أعهد خالي هكذا، كان مسلوب الإرادة تماما.

لا، لا ...أستغفر الله العظيم.

صحيح أن خالي كان ذا مبادئ، لكنه لم يكن يطبق...كان يكتفي بالتمني فقط.

(زوجة صالحة، مصلحة، ومتدينة) بينما لم يكن هو ذلك الشاب الصالح أو المصلح يوما !!

كان كمن يهجر الصلاة، طيلة حياته، ويتمنى الموت ساجدا !!

أفقت من سرحاني، وعدت إلى السيارة، وأغلقت علي الباب.

- خالي: ماذا تفعلين؟!

- سأنتظركم هنا، لن أنزل، أو أشارك في الإثم.

- آحوجي، وكون يسمع أبيك بلي خليتك فاللوطو وحدك، راكي عارفة شاغادي يصرا؟!

وزيد احنا غادي ندخلوا نشوفوا وصاي، ماغادي نطلبوه ماوالو، وزيد ماهوش الموسم نتاعو.

استسلمت لكلامه، لقد أمسكني من اليد التي توجعني، يعرف صرامة والدي وغضبه، ويعرف أيضا خوفي منه.

ترجلت من السيارة، مهزومة، منكسة الرأس، وغصة مريرة في حلقي.

- ماذا أفعل هنا، ما الذي أتى بي إلى هذا المكان الموبوء؟!

قبالة المسجد شيخ كبير، واقف على رزقه، وأي رزق، في مكان كهذا، مال الحرام؟!

كان يبيع رقائق البطاطس، والذرة، وعلب العصير الصغيرة، بالإضافة إلى الحلويات واللبان، تأملت خلسة عينيه، بدا طيبا، أشفقت عليه مما هو فيه، وما ينتظرنا يوم الوعيد.

تقدم ابن خالي لابتياع ما يلزمه، كنت أنظر إليه، منتشيا، يأكل ويريد أن يلقمني، فأرفض، وأتمنى لو أضع إصبعي في حلقه ليتقيأ الحرام.

ما ذنبه ليأكل السحت، و ينمو من الحرام؟!

لا أستطيع فعل شيء، مكبلة ، ومنقادة كالخراف.

لقد اعتدت الانقياد، والحماية من والدي واخوتي، لدرجة لا أعرف فيها روح المبادرة أو القيادة.

كنت مسجونة بين أربع جدران، فإذا حدث وخرجت من معتقلي ذاك، لا أحسن التصرف، ولا الكلام، ولا الدفاع عن نفسي، ولا تحضرني البديهة لإنقاذ نفسي، لطالما كان والدي واخوتي الشباب، من يقومون بحمايتي، والتفكير بدلا عني.

كانوا يحرصون على أن لا أخرج ماشية على قدمي إلا فيما ندر، لم يحدث أن خرجت بمفردي لشيء ما، ولم أركب مواصلات عامة أيضا، كانوا يصطحبونني في السيارة فقط، واذا ما اشتقت الى المشي، فلأنسى الأمر، واذا حدث، وهو نادر الحدوث، كان أحدهم يتولى رفقتي، مثلما يفعل معتز مع أخواته في باب الحارة.

عندما كنت أتأمل غيرتهم الشديدة تلك، كان يخيل إلي أنني أميرة مفقودة -منذ الطفولة- ومن نسل نبيل، وعائلتي تقوم بحمايتي إلى حين تهدأ الأمور في المملكة، ويسقط الأعداء، لأظهر أنا فجأة وأقوم باستلام العرش!!

بالتأكيد لست "أنستازيا رومانوف"، لكن الممالك كثيرة، ربما أهلي الحقيقيون يبحثون عني الآن في احدى الممالك.

***********

أمرنا خالي أن نتبعه إلى داخل الفناء، فمشينا معه، فناء رحب شاسع وبلاط اسمنتي نظيف.

ترك خالي زوجته تقودنا، وذهب هو إلى وجهة غير معلومة.

كنت كالبلهاء تماما، أتبع فقط، وكأنني جارية مستضعفة تقاد إلى سوق نخاسة.

شردت قليلا أفكر في ردة فعل والدي حال عرف بالأمر، وكيف سيكون احساسه وشعوره، كان ليتبرأ مني، أعرف الأمر.

لقد أفنى سني حياته كلها يلقننا العقيدة الصحيحة، لم يركز والدي على شيء مثلما ركز على التوحيد، ومحاربة عبادة القبور والتوسل بهم.

لقد كان باديسيا إلى النخاع، كانت كل معاركه الكلامية والفيسبوكية تدور رحاها حول عباد القبور.

وا خيبتك بي أبتاه!!

بلعت ريقي بصعوبة، وحاولت التماسك والتجلد، وعدم التفكير بالأمر، لكن المرأة الساخطة مستيقظة بداخلي، و تأبى أن تدعني بمفردي، إنها تظهر أمامي كالشبح مجددا.

هذه المرة تذكرت ردة فعل اخوتي، أختي التي تكبرني بسنتين فقط، ستهزأ بي حتما، لطالما فعلت، ستقول كعادتها أنني ضعيفة وجبانة، وسهلة الانقياد كالخراف.

ولن تكتفي بهذا ستقول أنها لا يمكن أن تتعرض لموقف مشابه، لأنها ببساطة قوية، وقريبة إلى الله، لطالما كفت البنات عن الغيبة عند رؤيتها، حتى أنها قالت لي بأن صديقاتها يخفنها ويخجلن منها أكثر من أمهاتهم، حتى أنهم لا يجرؤون على اتيان أمر محرم أو حتى مكروه أمامها، قالت بأن حلولها عليهم يذكرهم بالإيمان، وحضورها يردع شياطينهم ويخيفها، لطالما كانت قوية الشخصية، بينما أنا لم أكن يوما كذلك، خلقت ضعيفة وجبانة وداء الخجل يلازمني أينما حللت، كنت أحب جميع الناس، وأشفق عليهم، لم أكره العصاة يوما، كنت أكره الأفعال الشائنة فقط، لدي عاطفة أمومة جياشة، أشعر وكأن جميع الناس أبنائي، فهل تملك الأم سوى أن تشفق وترحم؟!

أهز رأسي، لا لن أخبرها بالأمر، مستحيل.

أحاول تجاهل أمرها، فأتذكر هذه المرة أخي الذي يصغرني بسنتين، سيقوم هو الآخر بلومي وتقريعي، وربما غمسني في نار جهنم وأعادني، مواعظه قوية وشديدة، وهو إلى ذلك غير متسامح، لن ينساها لي أبدا، ولن يسمح لي بزيارة خالي مجددا.

للأمانة ، يومها فكرت بكل أفراد الأسرة، بينما جعلت الله جل في علاه أهون الناظرين إلي، لم أحسب حسابا لله، لم أتضرع إليه، ولم أحس بالخوف منه، الله يعلم ما بقلبي، ويعلم ضعفي وارتباكي وقلة حيلتي(هكذا خمنت)، فما أتعسني وما أشقاني!!

لقد نجح مجتمعنا، وآباؤنا في جعلنا نخافهم أكثر من خوف الله.

لا يمكن لامرأة تربت على الخوف، أن تقدم شيئا للأمة.

لا تنتظر خيرا من امرأة تخافك، ولا تخاف ربها وضميرها.

نفضت تلك الأفكار عن رأسي، تقدمنا قليلا، فوجدنا رجلا ذميما مظلم الوجه، نظر إلينا كما لو كنا قاتلي أباه، وطلب منا أن ننزع أحذيتنا ونتمشى في المكان حفاة!! فهيبة المكان وقدسيته تتطلب ذلك...قلت في نفسي(ليتهم يفعلون ذلك مع بيوت الله!!)

نظراته وصوته كانا كفيلين بجعلنا ننفذ الأمر بآلية مدهشة كما لو أنه قام بضغط زر فوق رؤوسنا.

اقتربنا من الغرفة التي فيها الضريح، فوجدنا قرابة الخمسة عشر رجلا جالسين القرفصاء على طول البناء ومحيطين بجانب الباب الوحيد، ونظراتهم الخبيثة المقرفة، مصوبة كالسهام إلى كل مرتادات الضريح.

في الداخل كان هنالك قاعة مزينة بالسيراميك الملون، حتى أعلاها، مع قبة كبيرة تتلألأ جمالا.

وبجانب الباب كانت هنالك لوحة بشجرة نسب الولي، قرأتها كاملة فاستغربت وأنا أقرأ لقب موسوي، لأنني كنت أسمع هذا اللقب كثيرا لدى الشيعة، وقبل أن أكمل القراءة، قلت لنفسي: سبحان الله، حتى الولي الذي يعبدونه ويقدسونه ربما شيعي؟!

لأكتشف بعد إنهائي القراءة أن نسله ينتهي إلى النسب الشريف، هذا إن كان ما كتب صحيحا.

طلبت مني زوجة خالي الولوج معها إلى الداخل فرفضت، دخلت هي تتلوى كالأفعى، وبقيت أنا أتعوذ بالله وأستغفر وأحوقل.

ثم تفطنت إلى وجود كوة تطل على غرفة الضريح، اقتربت منها فرأيت الضريح مغطى بأقمشة كثيرة يتوسط تلك الغرفة، وحوله تطوف النسوة سبعة أشواط!!

نسوة، أحسست وأنا أنظر اليهن بالقرف، وكل معاني الإزدراء.

وجوه سوداء، مظلمة، عابسة، مكفهرة ومجعدة.

أمعنت النظر وكلي حيرة واستهجان:

- طواف!!

- يا إلهي ثبت علينا العقل والدين!!

- ماذا جرى لتلك العقول، حتى تنحرف هكذا؟!

أحسست بالغثيان، فتركت شقيقة زوجة خالي وابنها، وأخبرتها أن لا يقلقوا علي، وأنني سأنتظرهم خارجا.

جف حلقي، وتيبست شفاهي، وأحسست بقشعريرة تعم جميع بدني.

كتمت العطش، فلن أشرب الماء من هذا المكان الآسن.

أتمت زوجة خالي نذورها، وجاءتني تبرر أفعالها، وتحكي آلامها وأحلامها، قلت:

- سقط القناع، لن أثق بك بعد اليوم.

ارتبكت قليلا، وانهالت علي تستسمحني وتقبلني، وتحاول أن تمزح معي ، وتضحكني، فقلت:

-استغفري الله، واطلبي منه أن يسامحك، أما أنا فانسي أمري.

 خرجنا من المكان، فوجدنا خالي بانتظارنا، طلب أن يشتري لنا شيئا يؤكل فرفضت أن أطعم شيئا في هذا المكان.

استسلم خالي لرغبتي، وذهبنا نتمشى بالجوار.

هنالك ذهلت لرؤية منظر جميل، جبل مرتفع يتوسطه حجر ضخم في القمة، وكأنه شاهد قبر كبير غرس غرسا في قمة الجبل.

وفي ثنايا الجبل درجات من صنع البشر، تشق طريقا ضيقا للصعود، والناس اليها ما بين صاعد ونازل.

كنت فتاة مرحة بطاقة عالية، كما أنني لم أكف عن ممارسة الرياضة إلى يومنا هذا، كنت محرومة من المشي في الهواء الطلق، فاستأذنت خالي الصعود إلى قمة الجبل.

حاولت إقناعه وزوجته بالأمر، وأنه سيكون بمثابة الرياضة لهما وحرق بعض من السعرات الحرارية لكنهما رفضا.

كانا يعانيان زيادة في الوزن، وحتى تلك الطفلة شقيقة زوجة خالي كانت فوق الميزان الطبيعي لأقرانها ، ورفضت هي الأخرى مرافقتي.

لم أجد سوى ذلك الطفل الصغير لأتخذه محرما خلال رحلتي تلك، مخافة من الشبان.

لقد كان بدينا هو الآخر...لكنه تحمس لرفقتي.

لقد كان المكان يعج بثنائيات الشباب مع صديقاتهم البنات، فأي ولي صالح وأي ثواب ذلك الذي كانوا يدعونه؟!

فقط خلوات، ومجون، واختلاط!!

صعدت بخطوات متحمسة نحو القمة، أحسست وكأنني سأبلغ قمة "افريست"، وكان كل أملي نظرة من عل إلى الأسفل، أحس فيها بالانتصار ، وأذوق فيها طعم النجاح لأول مرة في حياتي..

كان الصعود يستغرق عشرين دقيقة إلى نصف ساعة، كما أن الممر الوحيد كان زلقا، وخطيرا بسبب قطرات الندى، والعشب المبتل.

ابن خالي الصغير أصبح ملتهب الوجه مثل بندورة حمراء، كان مظهره باعثا على الضحك.

وصلت إلى القمة ، فداعب وجنتي الهواء النقي العليل، وصدمني وجود غرفة شبيهة بقباب الأولياء، نظرت نحوها ففوجئت بامرأة مسنة تقبع داخلها، وكان مظهرها يوحي بأنها تسكن هناك ربما.

استغربت كيف تمكنت من صعود كل تلك المسافة الطويلة، مع سنها ذاك...واذ بها تفاجئني بقولها:

- ادخلي ارمي الزيارة، باش تدي البركة.


- لاااا...ليس مجددا، هربت من الشرك، لأصعد إليه بكل قوتي.

أعوذ بالله من غضب الله، أعوذ به أن أشرك به شيئا.(أقول في نفسي).

لم أدعها تكمل كلماتها تلك، وحملت الصغير المنهك بين ذراعي، ونزلت تلك الدرجات لا ألوي على شيء.

لم أتمكن حتى من إلقاء نظرة من فوق.

لم أسترد أنفاسي حتى.

لم أتمتع برؤية الجمال الطبيعي.

تبااا لكم ولما تعبدون من دون الله.

حسبنا الله ونعم الوكيل فيمن أحيا التوسل والبدع والشركيات، بعدما كدنا نتخلص منها.

حسبنا الله ونعم الوكيل في كل من حرمنا الأماكن السياحية الجميلة مثل أعالي يما غورايا وغيرها، ليتخذ منها مكانا لعبادة القبور.

نتوسل إليك يارب، ونعوذ بك من أن نشرك بك شيئا.

اللهم اهد آباءنا، وأمهاتنا وأحبابنا.

اللهم اهد شباب وبنات المسلمين.


#شمس_الهمة


الاثنين، 24 يناير 2022

الكتوم (قصة قصيرة)

 

الكتوم(قصة قصيرة)

كانت في طريقها إلى المنزل عائدة من الجامعة، فلمحت أخاها المراهق ئو الثلاثة عشر عاما مع فتى ضخم الجثة وأكبر منه سنا، فهو يبدو في السادسة عشر من العمر...فانقبض صدرها وتوجست من الأمر..ليس هذا فحسب، فقد كان ذلك الفتى يرتدي المقطع من الثياب، والذي صار موضة هذه الأيام، ويرفع شعره كعرف الديك بتسريحة غريبة، كما يفعل فتيان السوء..
هرولت (حليمة) بخطى متسارعة، توازي دقات قلبها لتلوذ بالمنزل الآمن.
أسرعت إلى غرفتها
، فوجدت شقيقتها الوسطى(نور) في الغرفة، فغَلَّقت بابها جيدا، ثم التفتت إلى شقيقتها بكلام يشبه الهمس، مخافة أن ينتقل الكلام خارج حيطان الغرفة فتسمعه والدتهما..
- ما الأمر؟! ما الذي جرى لك حتى اختفى لون شفتيك، هل هنالك خطب ما؟!قالت (نور مستفهمة)
- شششش..ردت حليمة محذرة أختها من رفع صوتها بالكلام..
رأيت منظرا لا يسر، شقيقنا المراهق (بلال)، وجدته يجالس احد الشباب الأكبر منه سنا، وقد كانت أوصافه كيت وكيت، لم أرتح للأمر...تعرفين أن بلال كتوم جدا، ولا نعلم مع من يقضي وقته خارج المنزل...هو مجتهد في دراسته، والأول على صفه، يلزم دروس حفظ القرآن، ويحافظ على الصلوات في المسجد، لكن هذا لا يكفي...نحن لا نعلم أصدقاءه، ولا من يخالط، وهذا السن حساس جدا، أنا خائفة عليه..
- بلال كتوم جدا نعم، لكنني أعرفه جيدا وأعرف أخلاقه..ردت نور مطمئنة شقيقتها حليمة..
لكن حليمة لم تقتنع، كانت من النوع الذي يعتبر الشك وسوء الظن من الحزم، الجميع بنظرها متهم حتى تثبت إدانته، تعتقد ان الخصوصية مساحة ترتكب فيها الأخطاء والخطايا، تكره المسافات، وتعتقد أن من هم أصغر منها ضعفاء طيبون، وفريسة سهلة لرفقاء السوء..
تعتقد أن الكل يخطئ ويقع في المزالق، ماعداها...كانت تشك بالجميع وتتهم الجميع، لكنها لا تقبل ذلك على نفسها..فهي قوية الشخصية، ثابتة الإيمان، جاهزة فقط للأحكام الجاهزة...
عكسها تماما كانت شقيقتها نور، هشة وضعيفة، وكثيرة الأخطاء، تعتقد أن كل الناس أفضل منها، وتنظر لكل شخص بعين الإعجاب، وتتمنى لو كانت مثل هذا في صلابته، وذاك في إيمانه، وذاك في كفه عن النميمة ...وهلم جرا..
- سأقوم بمواجهته، لن أطيق الانتظار لأعرف..يجب ان نستنطقه ليتكلم، ونكثف مراقبته، ونفتش أشياءه، حاسوبه، ملابسه وجيوبه...فأبناء هذا الجيل لا يؤتمن جانبهم.. قالت حليمة.
-‏ تقصدين أنك تريدين التحقيق معه، هذا خطأ، أرجوك لا تفعلي، لم تسيئين الظن؟ نحن نعرف تربيتنا، ونثق بابننا، ولا شك لديه تبرير مقنع، أمهليني بعض الوقت لأتمكن من سؤاله بطريقة غير مباشرة.
-‏حسنا، لك ذلك، وإن كنت أعتقد أنه بدون جدوى، وستكلل مساعيك بالفشل..ذلك أن بلال شخص كتوم، لا يعرف المرء ما يدور برأسه الصغير ذاك...
قالت نور كلامها ذاك ولبثت أياما تحاول الاقتراب من بلال، وسحب الكلام منه، لكن بدون جدوى..كان قلبها مطمئنا، لكنها كانت تحتاج شيئا يؤكد شعورها ذاك..
ثم اهتدت لفكرة اللعب معه، كان عاشقا لألعاب الحاسوب، وكان والده يسمح له بساعة في اليوم فقط..لذلك عمدت نور إلى مناداته، وقالت أنها تريد تعلم لعبة المزرعة السعيدة، وكذا اللعبة التي يعشقها بلال كثيرا ، لعبة (ساندرياس).
استأذنت من والدتها لتمنح لهما أربع ساعات متواصلة على الحاسوب فوافقت أم بلال، شريطة أن ينهي واجباته المدرسية قبل ذلك..
بعدها لم تفعل نور شيئا طوال أربع ساعات سوى الضحك والمرح رفقة بلال، حتى نسيت تماما ما جاءت لأجله..
حين انتهت الأربع ساعات، جلبت نور قطعا من الكعك مع فنجانين من القهوة، وجلست بجانب بلال، وأخذا يتجاذبان الحديث حول ساندرياس وإحراز النقاط..ثم انعطف الحديث وأخذ مجرى آخر، حين سألت نور أخاها بلال عن كم العنف الموجود باللعبة، وعن حركات بطل اللعبة(سي جي)، ولماذا يرغب في الانتقام وقتل الناس؟
فحدثها بلال عن اللعبة، وعن مأساة(سي جي)، وأنه مكث سنوات في السجن بسبب الظلم الذي تعرض له من قبل مع الشرطة الفاسدة..
أخذ بلال يتحدث ونور تستمع فقط دون أن تقاطعه، تحدث عن الظلم، عن الفساد، عن ظواهر الأشخاص وبواطنهم، ثم قال:
- تعرفين؟ منذ أسبوع حدثني فتى يكبرني بثلاث سنوات، فتى من ذلك النوع الذي يشار إليهم بالفساد، فيهمزهم الناس، ويلمزونهم...شعر منكوش، سروال مقطع، سلسال على الرقبة، وشم في الذراع وهلم جرا..
في هذه اللحظة، أرعت نور كامل سمعها، وأرهفت كل حواسها، وجلست تنتظر المزيد..
واصل بلال سرد قصته، فقال أن ذلك الفتى جلس أمامه، وحكى له ضياعه، وأنه من بين كل أبناء الجيران توسم فيه خيرا، ويريد منه مساعدته...حكى له ظروفه ومأساته، والمشاكل التي يعاني منها مع بيت منهار، ووالدين منفصلين، ومشاكل لا تعد ولا تحصى..
وأنه لجأ بسبب كل ذلك إلى رفقاء السوء، فتعلم منهم كل منقصة، ويخاف على نفسه من مآلات هذا الطريق...لكنه لا يعرف كيف ينجو بنفسه، ولا كيف يسحب نفسه من شلة السوء تلك..
- بم أجبته؟ وكيف يمكن مساعدة هذا الفتى الطيب؟ قالت نور تريد سحب الكلام من أخيها، كان لديها ثقة به، وبنفس الوقت تخاف عليه أن يتورط مع أمثاله..
- ‏صحبة المسجد، وبعض الفيديوهات حملتها له من اليوتيوب ليسمعها، لا يوجد حل آخر..ولا أريد تمثيل دور الشيخ، فأتورط معه..لازلت في طور التعلم أنا الآخر، وأخاف على نفسي أيضا..
ذهلت نور من إجابة بلال، وراقها العقل الكبير الموجود بداخل ملامح الطفل البريء تلك، وراحت تطرح المزيد من الأسئلة.
- لكن هل تكفي حقا صحبة المسجد؟ أتمنى من الله أن يكون معه، الأمر ليس سهلا. إنه جهاد كبير.قالت نور
- ‏لقد عرفته على الشيخ، وقصصت عليه خبره، ولا أظن الشيخ سيتركه..إضافة أنه سيملأ وقته لحفظ القرآن في المسجد، ويتنافس مع أقرانه، علاقتنا مع الإخوة رائعة في المسجد، وتلك الروح التنافسية على الحفظ، تصنع جوا من البهجة، ينسيك العالم الخارجي تماما..أنا متفائل خيرا بذلك..(رد بلال)
*************
كانت حليمة ونور، تحملان هم الأخ الأصغر، بسبب خيبات سابقة عاشتاها مع الشقيق الأكبر الذي اعتنق العلمانية، والشقيق الأوسط الذي اختار التشدد..
كانتا مصدومتان تماما، فالواضح أن أبناء هذه العائلة من الذكور، سبب للهم والغم في أسرة لم تعرف سوى السعادة والهناء من قبل.
كانت الابتلاءات تتوالى على ذلك البيت الصغير، بشكل نسي فيه الوالدان أن لهما أربعة من الأبناء الآخرين، ينتظرون الرعاية والاهتمام، ومن يربت على مخاوفهم ومشاعرهم بحنان..
لقد ترك هؤلاء الأربعة للخواطر والهواجس تتآكل قلوبهم وعقولهم الصغيرة..
مضت الأيام تركل بعضها...غادر الشباب المنزل لأجل الضرب في الأرض، والبحث عن لقمة العيش..
تزوجت حليمة وفارقت المنزل، والتحقت الصغرى بكلية بعيدة..
وبقيت نور في المنزل رفقة الصغير بلال..
كبر بلال وأصبح شابا مكتمل الرجولة والبهاء...شاب كما يقول المثل السوري(أختو بتعشقو).
شاب هادئ، وسيم ، يلوذ دوما كعادته بالصمت..
ولم يتخل عن طبعه الكتوم، لدرجة كانت تسبب القلق لوالدته التي فجعت بأبناءها الآخرين..وكذا والده الذي لم يكن يكف عن استجوابه كل يوم، من دون أن يحصل على كلمة يطمئن بها على حاله..
أما نور فلم تكن أحسن حالا من باقي أفراد الاسرة مع بلال..ومع إحسانها الظن إلا أن المخاوف والهواجس لم تكن تفارق رأسها الصغير..كانت تخاف على بلال رفقة السوء، تخاف عليه أن يشبه مصيره، مصائر أخويه السابقين...تخاف عليه الإلحاد، والتطرف، وكل مشكلات الكون وتحديات العصر التي تتهدد هذا الجيل من الشباب...فتن متلاطمة كقطع الليل المظلم..
نور كانت تؤمن بثقافة الخصوصية، وفن المساحات، وكذا عدم مصادرة حق الغير في التجربة والخطأ..
لكن طبع بلال الكتوم، جعل قلبها لا يهدأ، وبالها غير مطمئن عليه..
إضافة انها كانت تحلم أن ترى بلال يشغل وقته بالنافع من الأمور، كانت تتمنى لو أنه يقوم بالتطوع في الجمعيات الخيرية كما يفعل الصفوة من الشباب، أو يلتحق بفريق كرة قدم يشغله قليلا ويملأ أوقاته الفارغة تماما، كانت تتمنى أن يكون من هؤلاء الذي يفتحون كتابا، فيفتح لهم آفاقا من الفكر، ويربت على حيرتهم، ويجيب على تساؤلاتهم المختلفة.
لكن شيئا من ذلك، لم يكن موجودا ببلال...كان شابا يدرس سنته الأولى بالجامعة، وحين يعود يقضي وقته كاملا رفقة الأصحاب، وأي أصحاب، لا أحد يعلم عنهم شيئا بعد..
************
بلال صرح لنور ذات مرة عن تجاربه في الأنترنت، عن حبه للتصميم، عن تعلمه فن القرصنة، كما ذكر لها أنه دخل مواقع الدارك ويب، فصعقت لأجل ذلك..
كانت تتمنى لو تعرف ماذا يدور برأسه، أي أفكار تقفز إلى دماغه، من أين أتت؟ من أصدقاءه بالتأكيد، أو مما يراه على وسائل التواصل الاجتماعي؟ لا أحد يعرف..
كانت نور ترى خيبة أخرى في الاسرة، تلوح في الأفق، ولم تكن مستعدة لتحملها هذه المرة أيضا..
وكانت تلوذ بالدعاء في صلاة القيام، كي يحفظ الله شقيقها بلال..
لكن الأيام كانت تحمل ما يعمق مخاوف نور..
فبلال كان يبكر صباحات الجمع خارج المنزل، ويغيب حتى منتصف النهار، وحين يعود تسأله والدته عن سبب بكوره، فيتعلل أنه كان رفقة أصحابه..
- هؤلاء الاصحاب يأخذون عقله ووقته وجل تفكيره..أصحاب، أصحاب...لا يجيد سوى هذه الكلمة(قالت والدته بحنق).
استمر قلق نور، وتفاقمت سلوكات بلال الغريبة التي عمقت مخاوف نور كما لم تخف يوما من قبل..
فقد كانت كل تصرفات بلال تدعو إلى الريبة، من ذلك أن نور وفي أثناء ترتيبها خزانة الثياب الخاصة ببلال، وجدت مبلغا كبيرا من المال(عشرة ملايين) يخبئه بلال جيدا بين ثيابه....ترك ذلك المبلغ مدة يومين، ثم اختفى من خزانته بعد ذلك...فانتاب نور الهم والغم..وعمدت إلى سؤاله بطريقة غير مباشرة فقالت له:
- بلال، أود سؤالك، عمتي خديجة وجدت مبلغا كبيرا من المال بين ثنايا الأغطية والأفرشة، تعتقد أنه يعود لولدها "مراد"، ولا تدري من أين جاءه المال..ما رأيك أنت؟
- ‏ذلك المال يعود لتاجر مخدرات يستغل ابن عمتي مراد..أعرفه جيدا، وأعرف علاقتهما معا، وكل المدينة تعرف ذلك، عدا عمتي المسكينة(قال بلال)
- معقووول، كان الله في عون عمتي..يا للمصيبة التي حلت بها..
انتهى النقاش في مهده، فلم يكن بلال شخصا يستكثر من الكلام، وأسقط في يد نور، فلم تكن من النوع الذي يكثر من نمط الأسئلة المخابراتية، وكانت تخاف أن تقع في سوء الظن فتفقد ثقة أخيها بلال إلى الأبد..لم تعرف هل تفرح بإجابته التي تدل على وعي ونضج كبيرين، أم تتأول أن الإجابة تدل أنه يعلم جيدا كوليس ذلك الوسط الموبوء، لأنه ربما يحمل عضوية في نادي السوء ذاك..
كالعادة استغفرت نور الله بإسراف، لكن الوساوس والهواجس مالبثت تزورها باستمرار...
كان والد بلال يمنع بلال من أن يسهر خارج البيت بعد الساعة الحادية عشر...وكان بلال يلتزم بذلك حرفيا، فلا يزيد عن الوقت المتفق عليه، متجنبا مناوشات قد تحدث مع والده بسبب الأمر..
لكن بلال مؤخرا، صار يذهب خلسة على الساعة الثانية عشر، وأحيانا الواحدة ليلا، دون أن يعلم والده بذلك، يغيب لفترة قصيرة جدا، ثم يعود أدراجه لينام..
كانت نور الوحيدة التي تتفطن لفعلته تلك، ولم تعرف السبب وراءها..
سألته مرة أو اثنان عن ذلك، فقال لها أمر خاص..منهيا بذلك محاولاتها لمعرفة الأمر..
وذات ليلة كان نائما كالعادة، فتلقى اتصالا هاتفيا على الساعة الواحدة ليلا، ففتح الباب خلسة وخرج مهرولا من تحت فراشه الدافئ، إلى مكان مجهول...ثم عاد سريعا ككل مرة..
بدل ثيابه، ثم نام قليلا، وفي الصباح توجه إلى جامعته البعيدة..
نور لم تنم ليلتها تلك بسبب تصرف بلال، ولم تجرؤ على إخبار والديها بالأمر، لم تعرف ماذا تفعل، ثم توجهت إلى غرفته وقامت بتفتيش حاجياته..فعثرت على ملابس عليها أثر القيء الذي كان بلون قريب من اللون الأحمر القاني، ورائحة نفاذة وغريبة..
قامت نور بغسل الثياب قبل ان تتفطن والدتها للأمر...ثم توجهت إلى هاتفها تبحث عن إجابة، فاكتشفت أن ذلك القيء واللون يعود ربما للخمر..
- خمر؟! يا إلهي هذا لا يحتمل..
ارتجفت نور، وسقط الهاتف من يدها، وتسارعت دقات قلبها، وضاقت عليها الأرض بما رحبت..
هذه المرة عزمت على مواجهة بلال، لتحصل على إجابات لأسئلتها، وليحدث ما يحدث، فقد باتت لا تستطيع تحمل فرط التفكير والهواجس التي تنتابها.

**************

انتظرت نور أسبوعا كاملا، حتى يعود بلال من جامعته..كان في مزاج سيء، فآثرت تأجيل الأمر قليلا..
- اصبري بعد، لم يبق القليل لموعد المواجهة..قالت نور تحدث نفسها..
في الليل زارها ألم الضرس، وحرمها النوم، فقررت زيارة طبيبتها الخاصة بوهران..وطلبت من بلال مرافقتها..فوافق على الفور..
في الحافلة تحدث بلال كثيرا يومها، ولم تتمكن نور من مقاطعته، وآثرت كالعادة تأجيل المواجهة..
كان حديثا حميما ينم عن قلب عطوف بالغ الرقة، مع عقل مكتمل الرجولة والنضج..
أتمت نور مهمتها، وعادت أدراجها إلى المنزل...وفي طريق العودة الطويل ذاك، لم يكف بلال عن الكلام في الحافلة، وكأنه كان ينتظر اللحظة المناسبة، ليفرغ حمولة قلبه بعد كل تلك السنوات من الكتمان..
تحدث عن قيم المسجد الجديد، وكيف أنه أسوأ شخص عرفه في حياته..
- تخيلي، لم نعد ننظف المسجد أيام الجمع، لأنه لا يثق بنا، عكس قيم المسجد القديم "أبو مروان"، الذي كان يفرح بنا ويهش ويبش في وجوهنا، ويمدنا بكل أدوات التنظيف..كان رجلا رائعا بحق..
- ‏هل كنتم تنظفون المسجد؟ متى وكيف؟ لم أرك يوما تفعل هذا، ولم تخبرنا يوما بذلك؟
(قالت نور والدهشة تملأ عقلها)
- معقول، لا تعرفين..وماذا عن ذلك البكور أيام الجمع؟ ونصف اليوم الذي كنت أغيب فيه عن البيت!!
- لكنك، لم تصرح يوما بذلك(قالت نور)
- ‏هذا العمل لوجه الله، لو صرحت به لن يرتفع ثواب العمل إلى السماء.(أجاب بلال).
- ‏هل أخفيت عنا أمورا اخرى يا بلال؟ هات اعترف الآن..قالت نور ممازحة بلال.
- ‏لا تعلمون مثلا أنني اعمل في جمعية خيرية، وأن مهمة الاحتفاظ بالتبرعات موكلة إلي، وأني أخبئ مال الجمعية كل مرة ويكون في العادة مبلغا كبيرا، هل تعلمين بهذا؟
-لا، لم أكن اعلم بهذا (قالت نور ذلك مدعية أنها لا تعلم بالأمر، وكان قلبها المسكون بالهواجس والوساوس قد بدأ يهدأ أخيرا، بعد طول عناء).
-‏تعلمين لم لم أعلمكم بكل هذا، أنت تعرفين ردة فعل والدي، وإطلاقه للأحكام الجاهزة، وتعلمين الخوف الذي يسيطر على والدتي، خوفها وحبها المفرطين يخنقانني..
-‏ لكن، ما الذي استجد اليوم، لم تخبرني بكل ذلك؟قالت نور
-‏الولد يختلف عن الفتاة يا نور، أنتن الفتيات تهرعن إلى أمهاتكن حين تواجهن أية مشكلة، لكن الولد حين يشب يعمد إلى إخفاء كل شيء عن والديه، ويرغب بالاستقلالية، والانعتاق من التبعية حتى يحقق الرجولة المنشودة..
-‏ أقنعتني أيها الرجل الصغير(قالت نور مداعبة بلال).
- ليس هذا فحسب، هنالك أسباب أخرى، أترين طريقة والدي في التربية صحيحة؟
يريد اختيار أصدقاءك، يقيس حركاتك وخطواتك بالقلم والمسطرة، يمنعك من التجربة ويصادر حقك في التعلم والخطأ، ويمنعك من مخالطة أناس معينين..
لكنني نضجت الآن، ولدي أصدقاء من كافة الأطياف، وقد خبرت قلوب الرجال حين مارست العمل التطوعي..ودرست بالجامعة...المظاهر وحدها لا تكفي للحكم على الناس...
- نعم، كلامك صحيح، أوافقه تماما.
أضاف بلال قائلا:
تخيلي لدي أصدقاء مدخنون، لكنهم يصلون ويسارعون لفعل الخيرات، ويتطوعون معنا بالجمعية..
أعرف أشخاصا متعاطين أيضا، لكنهم بحاجة ماسة لمن ينتشلهم من ضعفهم ذاك..
هل تتذكرين صديقي سمير؟
- نعم، أذكره جيدا، ذلك الفتى الطيب الذي التحق بالجيش ليعيل أسرته؟
- ‏نعم هو ذاك....(أجاب بلال واكتست ملامحه غلالة حزن غامضة..)
- ‏لقد تغير حاله كثيرا ...مؤخرا صار يشرب ويسكر..
يهاتفني كل ليلة ويطلب مني أن أوصله للمنزل حين يكون ثملا..
فأهرع إليه من نومي، يستند علي، وأجره كل ليلة إلى منزله، والناس ينظرون..
إنهم يتحدثون عنا بالسوء..ويسيؤون بنا الظنون..
أتعرفين أقسى ما في الموضوع؟!
لا يهمني رأي الناس بي ولا تهمني نظراتهم ولا همزهم، فأنا أعرف نفسي وصديقي جيدا..
إنما المؤلم في الأمر أن أصدقاءنا الآخرين انفضوا من حولنا أيضا، وجعلوا منا فاكهة لمجالسهم..
يتحدثون عن سمير، ولا يعلمون أنه يحمل هموما تنوء بحملها الجبال..ووالله لو علموا بمصابه لخجلوا من أنفسهم على ذلك..
سمير فتى بقلب ماسي، فتى طاهر ونقي، لم يكن كذلك من قبل، لقد كان شاب مستقيما من أقرب الأصحاب إلى قلبي، ولي معه مواقف رجال لا أنساها له..
مؤخرا صار يشرب كثيرا، نتكلم معه، فيعدنا أنها المرة الأخيرة، ثم يعود مجددا للسكر والعربدة..
صرت أخجل منه ومن تصرفاته، وذات يوم أغلظت له القول والنصح، فانهار تماما، وأخذ ينشج ويشهق ببكاء مرير مثل طفل صغير..
سمير كان رجلا تام الرجولة، ليس ضعيفا، ولا جبانا، ولا هشا في مجابهة المشكلات..
كان يبكي ويتحدث بصوت متهدج يقطع نياط القلوب، عن مشكلاته الأسرية..عن جفاء والده، وخيانته لزوجته، وظلمه لأولاده، عن لا مبالاة أخيه...عن الفقر...والجوع...
ثم قال لي هل تعرف أني اكتشفت أني لست ابنا شرعيا؟
أغمض بلال عينيه، ونكس رأسه، وانحبس الكلام داخل شفتيه..وأومأ لنور أنه لا يستطيع إخبارها بالمزيد...وأن تلك المصيبة التي اكتشفها سمير، واحدة فقط من عديد المصائب والهموم التي يعانيها..
كانت هذه المأساة مصدرا لأزمة شديدة في حياته، لقد شعر وهو فتى حدث في التاسعة عشر من العمر، أنه أوقظ بشدة من أحلام مدرسته، ليشهد حقائق الحياة الواقعية القاسية.
تلك المصائب انهالت على قلبه دفعة واحدة، فقصمت ظهره وقضت على ما تبقى من صبره وثباته..
- يا الله!! يا لقلب الفتى المسكين، كان الله بعونه.
قالت نور ذلك واستندت على كتف شقيقها بلال، كان قلبها مفطورا، قد انشطر إلى نصفين..ويتعارك بقلبها شعوران متضادان، شعور الحزن العميق لأجل الفتى سمير، وشعور الحب والإعجاب لموقف شقيقها بلال، والقلب النبيل الذي يحمله بين جوانحه..
لقد شلها هذا الأمر تماما، ولم تجد بدا من أن تريح رأسها المثقل على كتف بلال..
بلال استغرب سلوكها ذاك لوهلة، ثم استسلم لمشاعر الدفء التي أزاحت البرود وجبل الجليد الذي أخفى من وراءه عن قلبه الدافئ المكلوم..
ونور وجدت أخيرا رجل البيت، الذي يستحق أن تتكئ على كتفه أخيرا..
- بلال، لا تتركه، سمير بحاجتك، أرجوك لا تتخلى عنه.(قالت نور جملتها تلك وغطت في نوم عميييق).
- ‏لن أتركه، اطمئني يا نور..

*تمت*

#شمس_الهمة







السبت، 1 يناير 2022

عن عشق الكرة

 أتذكر تلك الأيام جيدا، حين كان عمري(15 سنة)، وبعد إلحاح كبير من جدتي لوالدي، سمح لي أخيرا بمرافقتها إلى مدينة أخرى غير مدينتي..

إلى مدينة غليزان حيث كان أخوالي الشباب متغربين للعمل هناك.

قررت جدتي الذهاب لخدمتهم فهي تعرف أن الشباب لا يحسنون الاعتناء بأنفسهم كثيرا..وقلب الأم لا يمكن أن يهنأ، وهي تعرف أن أبناءها مشتاقون لحساء ساخن بدل النواشف كل يوم..

وهي إلى ذلك كانت تستوحش هناك بمفردها، فتصطحب كل مرة فتاة من العائلة تؤنسها وتساعدها في جلي الصحون.

كان ذلك أول تغرب لي بعيدا عن أسرتي الصغيرة، كنت حتى ذلك الحين أعيش في قوقعة تم تعقيمها جيدا، ولم أكن أريد لأي شيء في العالم أن يسحبني من قوقعتي تلك، أو يتجرأ فيقتحمها.

وصلت لبيت أخوالي صباحا، كانوا يستعدون للذهاب إلى أعمالهم، وحين ذهبوا تفقدت الغرف فإذا بالفوضى تعم المكان، كان المطبخ مليئا عن آخره بكراتين عملاقة لأدوات كهربائية وكهرومنزلية..

حوض المطبخ مكدس بأطباق متسخة، علل الخال الأصغر بأنهم ينظفون يوميا، وأن الأوسط هو المسؤول عن هذه الفوضى، كونه لا يغسل الأواني حين يأتي دوره...وكنت أضحك في سري من مشاكساتهم تلك..

وكانت إحدى الغرف ممتلئة في وسطها بالملابس حتى السطح، كبحر ألقى بأحشائه إلى الشاطئ، لدرجة قلت فيها لجدتي أين سننام اليوم، كل الغرف شاغرة، فضحكت جدتي ملء شدقيها من كلماتي تلك...وقالت لا تخافي سننظف هذه الفوضى..

قال خالي أن البيت صار نظيفا، رحبا، عبقا بروائح العطور والزهور، وكذا أشهى الطبخات.. قال أنه استحال ربيعا، بعد أن نثر مجيئنا الورود في غرفه وباحاته..

هي ذي الأنثى، يملأ حضورها المكان إشراقا، والبيت سكينة وبهجة..ودفئا..وتنتشر لمسات الرقة والأنوثة فتزيد المكان سحرا..

كاتوا فرحين جدا بمقدمي بينهم، وكانوا يتناوبون على تدليلي تارة، ومشاكستي تارة أخرى..

لكن وبعد مرور ثلاثة أيام تكورت على نفسي وأخذت في البكاء، لأني اشتقت إلى أسرتي، فلم أكن قد فارقت منزلنا قبل ذلك اليوم..

لكن جدتي وبختني بشدة، واعتبرت تصرفي ذاك تصرف أطفال صغار..فكتمت بذلك دموعي، وصرخت في سري (ماما متى تأتي لتنقذيني من هذا المكان؟!).

بعدها تغير الحال، فقد أنساني الأنس بأخوالي أبي وأمي وكل عائلتي، فلم أعد أسأل عنهم أو أهاتفهم حتى..

لقد أبهجني أخوالي الشباب، وأخذوا بلبي وقلبي..

كان بينهم حب عجيب، ومشاكسات لا تنتهي، وأخوة حميمة يندر وجود مثلها بين الناس.

كانوا يتوقون للعودة من العمل بفارغ الصبر، فقط كي يقضوا الوقت كاملا رفقتنا..

فيغمروننا بالحب والأحضان، يقبلون جدتي في جبينها، ينامون في حجرها، وأحيانا يأتي الواحد منهم من وراءها ويغمض عينيها، ويومئ لي أن أسألها عن اسمه، حتى يعرف إن كان أحب واحد إلى قلبها...

الخال الأكبر كان مولعا بكرة القدم، والاستيديوهات التحليلية، وكان يقتني جريدة الهداف يوميا، فيتكوم أطنان منها فوق الثلاجة..

الأوسط كان كسولا عن ممارسة مهام البيت، لكنه كوميدي بطريقة عجيبة، إضافة أنه كان يحب الطعام ومشتقاته، وحين يساعد جدتي بحمل الأطباق إلى طاولة الطعام، يقوم بأكل كل حصص اللحم في طريقه إلى غرفة الطعام...فيغضب أخوالي ويضحكون من فعله ذاك...ويقولون لجدتي أن لا تكلفه بتلك المهمة، فهو لا يؤتمن على الطعام..

وكان إلى ذلك شخصا كثير النسيان، كل يوم يعدني بإحضار كعكعة( آيس كريم)، من النوع الفاخر ودجاجتين لأنه علم بحبي الشديد لهما...وكنت أنا أنتظر بلهفة، وكان هو كل يوم يخلف وعده، وكانت جدتي تلومه على سلوكه ذاك، (حرام عليك واش راك دير للطفلة).

الخال الأصغر، كان يناديني شهريار، لأني كنت أقص عليهم قصصا من التراث عن أيام العرب و(الكرم، والجود، والوفاء والبطولة وووو)

وكنت أنا أغضب لذلك، وأصحح له كل يوم، الأميرة اسمها (شهرزاد، شهرزاد)، الملك الرجل هو من كان يسمى شهريار..

فيعجبه ذاك، ولا يمل من ترديد شهرياااار، وذلك لمشاكستي..

أما علاقتهم بكرة القدم فعجيبة، كانوا يتابعون المباريات العالمية، ويشجعون بحماسة وعنفوان..

يتحلق ثلاثتهم أمام التلفاز، ويتفاعلون مع المباريات، ويصرخون بكل قوة حين تكون هنالك أهداف..

لدرجة أنهم هتفوا ذات مرة حين سجل أحد الأهداف، حتى رجت الأرض تحت أقدامنا من صراخهم ذاك..ثم سمعنا صوت جرس الباب، وكانوا هم منغمسين تماما مع اللعبة، فطلبوا مني تفقد الطارق..

ارتديت خماري وهرولت مسرعة مع الدرج، وحين فتحت شباك الباب، وجدت رجلا ستينيا يقف بالباب فسألته ماذا يريد؟

فقال:( شكاين عندكم؟! زلزلة، ولا قارورة غاز ولا واش هاد الحية اللي سمعناها؟!)

فأجبته بخجل: ( لا لا عمو مكاين والو، هادوك اخوالي راهم يتفرجوا فالماتش وينفعلو حبتين😅)

فرد بابتسامة دافئة بعد أن عادت إليه الروح: ( آه، تسما هكا، أيا الحمد لله، ربي يفرح لي جان، بلغيلهم السلام).

هكذا ببساطة، ذهب فرحا لأن أحدا لم يصب بأذى، ذهب وابتسامة حنون ترتسم على محياه..

وعدت أنا حائرة من سلوكه ذاك...

كيف لم يغضب؟ كيف لم يمتعض، كيف لم يزمجر؟

كيف لم يلعن هؤلاء، أو يلعن كرة القدم، أو يصفهم بالتفاهة على الأقل؟

لقد اكتفى بابتسامة أبوية دافئة، متفهما لعنفوان هؤلاء الشباب..

أتخيل شخصا آخر ممن ينصبون نفسهم من حملة المدافعين عن الدين والقيم، ماذا كان سيفعل؟

تخيلت ما تم غرسه في أذهاننا طوال سنوات عن التفاهة، وجلد منفوخ، و عن شباب مضيع للأمة ووو

ثم قارنت ذلك مع حنو ذلك الشيخ وابتسامته الدافئة وحبه الخير وشفقته على شباب المسلمين...وصرت كما كرة التنس، يتقاذفني خاطران ويتعاركان بذهني، ثم فازت الابتسامة الحانية المشفقة على خطاب الوعظ المتعالي..


هوسهم بالكرة جعلهم يعاملونني مثل الدمية، اشترى لي أحدهم قميصا للفريق الذي يفضله، واشترى لي آخر بدلة كاملة...وحملني أحدهم وراءه في دراجته وطاف بي شوارع المدينة...

وكانوا إذا انتصر فريقهم المفضل، يحملونني كما يحمل اللاعبون مدربهم، ويطيرونني في الهواء، 

فأحس أنا بالحبور والحب.


 وكنت وقتها فتاة زاهدة يحسب الناظر إلي أن رابعة العدوية بعثت من جديد...

فتاة تدمن الكتب، وتحمل هموم العالم فوق رأسها، تمشي بوقار الشيوخ، وتسمح للدمع أن يترقرق بسخاء.

في بداية مقدمي كان الشعور بالاستعلاء يدب في أوصال نفسي الصغيرة، على ضعفاء النفوس هؤلاء، الذين يستسلمون لمشاهدة المباريات، ولا ينهون النفس عن الاستكثار من المباحات.

وكنا إذ نجتمع في السهرة أمام التلفاز، يطلبون مني أن أقص عليهم من تلك الحكايات التي قرأتها، أو سمعتها من الدعاة، وكنت أحدثهم عن عذاب القبر، وقصص حسن الخاتمة، وكذا سوء الخاتمة...

وكانوا ينصتون إلي باهتمام كبير دون سخرية، أو مقاطعة..


وحين أطلت المكث بينهم، صرت أقارن حياتنا الكئيبة الراكدة وروتينها الممل، والكبت الذي يجعلك تتكلم همسا، بحياة الفرح والسرور، والعفوية والبهجة التي كان يصنعها هؤلاء..

صرت أقارن إخوتي الذي زهدوا في مشاهدة مباريات كرة القدم في سن صغير جدا، فقتلوا طفولتهم وشبابهم، وأحرقوا زهرة أيامهم، لبسوا عباءة المشيخة مبكرا، يمشون بوقار الشيوخ، لم يأخذوا حظهم من التجربة والخطأ والحماسة...

كانت تلك التربية الدينية التقليدية لجيل كامل، تقتل الطاقة في الشباب، تجعلهم مجرد روبوتات تمشي بلغة الأوامر، يخطط لحياتها وأحلامها بالقلم والمسطرة.


«تماما كما تفعل مدارسنا، تقوم برحلة للمتفوقين، ينصحونهم بأن يظلوا صامتين مؤدبين طوال الرحلة، كي يشكرهم سائق الحافلة في نهاية الرحلة على هدوءهم...

شاركت في الكثير من تلكم الرحلات طيلة ست سنوات، وفي السنوات الست تلك لم نستمتع ولا بواحدة..»


كنت إذ أقضي اليوم بسعادة وسرور، أحس في نهاية اليوم بتأنيب الضمير، وأستغفر الله بإسراف، ثم أتسلل قبيل أذان الفجر إلى الطابق السفلي، أتوضأ وأبث حيرتي إلى الله، فقد تعودت أن أقول كل ما بقلبي لله وحده، أتحدث معه بكل شيء، وعن كل شيء، وأحس أنه يسمعني ويفهمني، ولا يسخر من أسئلتي وإن كانت سخيفة وغبية...


تساءلت عن دور الغربة الساذجة الذي كنا نتقمصه، عن الورع البارد...عن العيش على الهامش، وانعدام التأثير...عن جدوى وجودنا...وعن واجبنا الدعوي، وأثر بصمتنا على الناس..

هل نحن حقا أهل للتأثير؟

لماذا ينفر منا الناس؟

ولماذا لا نستطيع التأثير؟

وكيف كانت الجواري والإماء، والشباب والشيوخ، يتركون ديارهم وأوطانهم ويسحرون بأخلاق المسلمين، فيختارون هذا الدين، وينضمون تحت لواءه؟

لماذا اختفى كل ذلك؟

ولماذا لا يسحر بنا المقربون؟

لماذا تتعامل المنظومة التقليدية مع الشباب بقالب الطهرانية و الملائكية، الذي يصعب معه تقبل بشريتنا وطبيعة احتياجاتنا كبشر؟!

لماذا فتنت أنا وسحرت بهم، بينما نعجز كملتزمين عن فعل ذلك؟!


ثم اكتشفت بعدها أننا كنا نخدر ضمائرنا بهاحس الغربة، فيما لا يستحق.

وأن الذي قرر العيش على الهامش، فلا يسأل عن التأثير والتغيير.

ثم أدركت أخيرا أنهم استمالوني وسحروني، بسبب كمية الحب الصادق الذي يحملونه بين جوانحهم لي..وعرفت بعد ذلك أن من يحمل شعور الاستعلاء الخفي بقلبه لا يمكن له كسب الآخرين.


#شمس_الهمة








المأموم بضرب الإمام

 

قال أحدهم والعهدة على الرواي:
كنا نعمل بمجمع صناعي، في صحراء منقطعة عن الناس والبشر، بعيدون عن الأهل والصحب والخلان.
لا نفعل شيئا طوال الأسبوع، سوى الركض في عجلة دوارة، تطحننا الحياة والأعمال طحنا.
حين نعود إلى مهاجعنا، نعود وقد نال منا التعب، والسأم والفراغ، لننام فورا..
حياة بلا جدوى، فارغة تماما، عمل، وأكل ثم نوم.ثم عمل فأكل ثم نوم..
وكنا آخر الأسبوع نذهب إلى أحد المساجد لصلاة الجمعة..
وحدث أن جلسنا مرة نستمع لدرس الجمعة وخطبة الجمعة..
فإذا بالإمام يتناول ماذا قال العالم المبتدع فلان، وماذا فعلت الفرقة كذا
وأخذ يعدد معاركه، وحربه على أمثال هؤلاء.
وأنهم ضالون مضلون مجرحون..
استمرت الخطبة والدرس على هذا النحو..
ثم قمنا إلى الصلاة..
وحين سلمنا وجلسنا نتلو الأذكار.
وإذ بنا نسمع شوشرة وجلبة..
ثم رأينا أحد المصلين ينزع حزامه، وينهال ضربا بالسوط على الإمام، ويصيح:
((كل الأسبوع مطحونين بالشقاء والتعب والشغل، ننتظر الجمع بفارغ الصبر لموعظة أو أحاديث ترقق القلب، فإذا بك تتحدث عن معاركك مع فلان، وطائفة فلان، وفصيل فلان، فأوغرت صدورنا وتسببت بمزيد قسوة لقلوبنا!!
ماذا استفدت أنا منك؟ ومن معاركك الشخصية؟!
ولماذا تحدثني عن فلان وعلان؟))
ثم انفض الجمع، وقد كانوا في سرهم يباركون فعلته التي فعل.

حجر صغير

 

حجر صغير:

كان الوقت عقب صلاة الفجر، سارعت منال ووالدها الخطى حتى لا يتأخرا عن الحافلة المتجهة إلى وهران، نسمات الفجر المنعشة داعبت وجنتيها الدافئتين، وجعلتها تسرح في تأمل المنازل عبر الطريق، كان الظلام حالكا إلا من بعض أعمدة إنارة خافتة تمتد متباعدة عبر الطريق، أما المنازل فكانت مظلمة على ساكنيها، ككل مرة تسافر فيها منال وقت الفجر، كانت تقوم بعد المنازل الممتدة عبر الطريق، خمسون، ستون، سبعون منزلا، لا يوجد بها إضاءة مما يدلل أن أصحابها نيام، ومما يثبت توقعاتها صوت الشخير المدوي لأناس يغطون في نوم عميق.
شعرت بخيبة أمل كبيرة، وتنهدت بأسى:
- إلى متى يا الله! قالت والحسرة تملأ قلبها الصغير.
ثم لاحظت إضاءة خافتة من أحد المنازل، سارعت الخطى للاقتراب أكثر لإلقاء السلام على جدران ذلك المنزل، ثم خيبة أمل مجددا، إنها إضاءة مرآب، شخص ما يخرج سيارته، إنها قطعا لأب كادح يلهث خلف لقمة العيش بينما ينام أولاده وبناته عن صلاة الفجر.
صعدت عينيها نحو السماء، داعية الله أن يوقظ الأمة من سباتها، بعدها تغير شعورها من الإحساس بالخيبة والشفقة على الناس، ودب شعور خفي بالاستعلاء في قلبها الصغير، تعثرت بحجر صغير أدمى رجلها.
- انتبهي أكثر، يقول والدها محذرا
الظلام حالك، والطريق غير معبدة، تحسسي مكان خطواتك.
انتبهت فورا بعد الوجع الذي سببه الحجر الصغير برجلها، إنها إشارة لي من الله، كانت مرهفة جدا وتؤول كل مصيبة تحدث معها على أنها تنبيه من الله، جعلها ذاك تعيد التفكير مليا وتتأمل حياتها، وشعور التميز الذي أحست به قبل برهة، فعوقبت لأجله بحجر صغير، وتنهدت بأسى" علمني يا الله" فلم أفهم رسالتك إلي.

منال فتاة في السادسة عشر من العمر، متوسطة الطول، ممشوقة القوام، بعيون عسلية ذابلة، كانت تمتاز برهافة الحس، تبكي على أتفه الأسباب، كان منظر صرصور كفيلا بارعابها والتسبب باغماءة فورية لها..
عكسها تماما كانت أختها الكبرى زينب فتاة قوية، واثقة، ومتفوقة دراسيا أيضا، مما أهلها للدراسة بكلية الطب بوهران.
وصلا إلى محطة الحافلات، استقلا أول حافلة متوجهة إلى كلية الطب بوهران، لقد كانت الزيارة بطلب من زينب، لأن الكلية تقيم فعاليات دينية بمناسبة المولد النبوي الشريف، تتخللها محاضرات عديد المشايخ، ولعل ضيف الشرف كان الشيخ "بريكسي" أشهر مشايخ بالغرب الجزائري، ولم يكن والد منال وزينب ليفوت هذا الحدث، وارتأى أن يصطحب معه منال، ناهيك أنها كانت أول زيارة لها إلى الجامعة.وكان إلى ذلك يهدف للقاء المشايخ واستشارتهم في المشكلة العويصة التي يعانيها مع ابنه.
*********
كانت زينب مشغولة بالدراسة، و استغلت ساعة فراغ ، استقبلت فيها منال بالأحضان، عرفتها بالجامعة، ثم الإقامة، أخذتها إلى الغرفة لترتاح، ثم انطلقتا مجددا كل منهما نحو وجهة معينة، زينب نحو قاعة الدروس، لكنها قبل ذلك أوصلت شقيقتها منال لقاعة المحاضرات.

في جناح الفتيات، ابتدأت الفعاليات، وتناوب المشايخ على قاعة المحاضرات، بينما وصلت منال متأخرة إلى القاعة.
دلفت منال من الباب الخلفي بهدوء، فوجدت ثلاث مشايخ يتصدرون القاعة، والمدرجات تكاد تكون خاوية من البنات، اللواتي توزعن بشكل غير منتظم، وغير متراص، فالكراسي الفارغة بين كل مجموعة مكونة من بنتين أو ثلاثة كانت تشي بعدم الانسجام واللحمة التي يريدها الله بين عباده.
وفور جلوس منال، تكلم الشيخ عن وجوب رص الصف، وأعاد النظام للمدرجات، لدرجة أربكت منال، وأحست وكأن الشيخ يمتلك "الحاسة السابعة"، حاسة تخول له سماع ما تتحدث به النفوس في سرها.
مرت ساعات الصباح الأربع بين محاضرات التزكية والدعوة إلى الله، والوعظ والإرشاد.
ثم توقفت الفعاليات وقت الغداء، لتستأنف بعد صلاة الظهر من جديد.
***********
ابتدأت الفعاليات، محاضرات، دروس، لدكاترة ومشايخ وأستاذات يحضرون بالتناوب.
كان كل شيء عاديا، خاملا، والمدرج هادئا هدوء الأموات، وكأن الطالبات اتفقن اتفاقا غير معلن على أخذ قيلولة مريحة، حتى قدم داعية شاب في الأربعين من عمره، متوسط الطول، يرتدي السواد، وله بطن بارزة قليلا من وراء قميصه، يرتدي حذاء مدببا من الأمام، اعتنى بتلميعه جيدا.

جلس، وحيا الطالبات، ثم عرف نفسه على أنه طبيب، ويعمل في حقل الدعوة إلى الله،
كان مظهره يوحي بحدة العقل العلمي وحوافه القاطعة، لكن ما إن يبتدئ الكلام، حتى تحس برفيف فراشة يدف في المكان.وألق ملون يشع قريبا منك.
كان أسلوبه الدعوي متميزا، فقد كان يستعمل القصص كثيرا، وطريقته الهادئة في الكلام كانت تشد السامع إليه.
كان الشيخ يحكي القصص، ويطرح الأسئلة لإشراك الأخوات، وكثيرا ما طرح أسئلة تتعلق بصحابي أو صحابية، طالبا نبذة عنه، لكن أزيد من خمسمائة طالبة كن يجهلن تاريخ الأمة، وأعيان الصحابة بشكل مخجل ولافت شكل صدمة لدى منال، التي كانت ترفع يدها كل مرة للإجابة، لكن الشيخ كان يؤخرها لحين تأكده أن فتاة أخرى لن تجيب.
منال كان لديها رصيد تاريخي وشرعي ممتاز، وقد أبهرت جمهور الأخوات بإجاباتها الدقيقة المفصلة.

نحى الشيخ ورقة كانت أمامه جانبا...ازدرد كأسا من الماء..اقترب من الميكروفون..وشرع يتحدث بصوت هادئ:
«يقول أحد من السلف:
سهرت ليلة مع أبي وحولنا نِيام
فقلت: لم يقم من هؤلاء من يصلي ركعتين !
فقال :
يا بني لو نمتَ لكان خيرًا لك من وقوعك في الخلق.»

ويقول «ابن القيم»: إذا فتح الله عليك فى قيام الليل فلا تزدرى النائمين، وإذا فتح الله عليك فى باب الصيام فلا تزدرى المفطرين، وإذا فتح الله عليك فى باب الجهاد فلا تزدرى القاعدين، فرُب قائم ومفطر وقاعد أقرب إلى الله منك، وأن تبيت نائماً وتصبح نادماً، خير لك من أن تبيت قائماً وتصبح معجباً، فإن المعجب لا يصعد له عمل.

فركت منال عينيها الناعستين، عدلت جلستها، وحملقت في الشيخ بانتباه..والدهشة تعلو محياها، وعرفت على الفور رسالة الله لها من وراء ذلك الحجر الصغير الذي أدمى رجلها..

انتقل الشيخ بالحديث إلى الواقع الدعوي، وحكى قصصا من الواقع عايش تفاصيلها.
تسمرت الأجساد، خشع الأثير، تجمدت ذرات الفضاء، وطفق الترقب ينسج خيوطه على رؤوس الحاضرات..
تنهد المحاضر، ازدرد شربة ماء من قارورة أمامه، ثم توجه ببصره نحو جمهور الأخوات، وأخذ يسرد تفاصيل حكاية حقيقة حدثت معه فقال:
‏كان لي زميل يدعى عبد القادر، كنت أحقر صلاتي مع صلاته، وصومي مقارنة بصيامه،كان شابا وسيما، ذكيا، متفوقا، ومجتهدا في العبادة من صلاة وقيام وتلاوة قرآن.
‏كان ملتزما جدا، ومتشددا على نفسه والناس، وكثيرا ما لامني على استسهالي لبعض الأمور الشرعية.
مرت أيام الجامعة بحلوها ومرها، تخرجنا ومضى كل منا في دروب الحياة، بعضهم أكمل التخصص، بعضهم آثر العمل، كثيرون تزوجوا، وأصبح لدى كثير منهم أطفال.
إلا عبد القادر مكث سبع سنوات بطالا، يبحث عن الوظيفة، ولا يجدها، كلما طرق بابا أغلق في وجهه، لم يكن يجد حتى ثمن مشاوير التاكسي، أو ثمن فنجان قهوة يخوله الاستراحة باحدى المقاهي بعد عناء البحث عن وظيفة.
مر بأيام عصيبة جعلته يعتقد أن لا رابط يربطه بالمستقبل، لا رابط أمل ولا ولد.
كنت وإياه وبعض الأصدقاء على تواصل دائم، ثم بدأ يسحب نفسه عن مجموعتنا تدريجيا، وأصبح وحيدا كئيبا منعزلا عن الناس.

ثم وفي أحد الأيام نزل علينا خبر كالصاعقة، لم نتوقعه أبدا، ولم نحسب له حسابا من قبل، عبد القادر ألحد، كفر بوجود الله.

اجتمعت والشلة، وتباحثنا الأمر، وتكهنا الأسباب، وقررنا مساعدته وانتشاله مما هو فيه، لكنه كان يرفض صحبتنا، ويصرخ في وجوهنا، وانفجر بغضب كما تنفجر القنبلة، وألقى علينا بكلام كفري، لا أدري يومها هل ألقى كلاما فيه معنى، أو دلوا فيه ماء؟

كان يرفض كل اتصالاتنا ومحاولاتنا، ويقول لكل من تسول له نفسه محادثته (لا أريد الحديث عن الله، إذا كنت تريد لقائي لهذا السبب انس الأمر)

لذلك هجره الأصدقاء واستمروا بعيش حياتهم بعيدا عنه، لقد أدوا واجب النصيحة لكنه أبى الاستماع.

لكني لم أتركه، طلبت مقابلته ذات يوم في مقهى شعبي، وحين قدم ذهلت لحاله.
‏لقد سقط بجانبي على الكرسي كما يسقط كيس من العظام على الأرض، ثم أدرك حيرتي فقال:
- ‏لعلك ظننتني خارجا من المستشفى، أو مبعوثا من القبر، ‏إنما هو جسم يذوب في نار من الهم لا تخبو، وروح تزهق في حشرجة من الكرب لا تنقطع..

وحكى لي يومها معاناته في البحث عن وظيفة، كيف أن اصدقاءه توظفوا وتزوجوا، حكى عن وفاة والدته التي لم يجدوا المال الكافي لعلاجها، والتي خلفت وفاتها ندوبا في الروح لن تشفى..وألما وإحساسا بالعجز...كره معه الحياة كلها..

استمرت مجالسنا، وكنت فيها المستمع فقط، لم أكن ارغب بالكلام، ولا النصيحة، أردت مواساته، وفهم معاناته كي أتمكن بعدها من مساعدته..

وفعلا، تم الأمر بنجاح، وعاد صديقي أخيرا إلى رحاب الإيمان، وحسن إسلامه، وأناب لخالقه بتوبة صادقة فقبله الله، وحاشاه حاشاه أن يرد عبدا عاد إليه..

ثم توجه الداعية الشاب بسؤاله إلى البنات...
- قد تسألونني ما السر  الذي جعله يعود؟! ماهي الوصفة التي اتبعتها؟!
من يمكنها التكهن؟

صاحت الفتيات:” السر في فنجان القهوة، فنجان القهوة“
استغرب الداعية إجاباتهن، واستغربت منال أيضا في سرها، وطلب الشيخ إيضاحا، فقلن له أنه وضع شيئا بالقهوة!!
- سحر مثلا!!
أجاب الشيخ باستغراب..وتفطن أن الفتيات لم يفهمن القصة ربما...
سخرت منال من سذاجة البنات في سرها، ثم رفعت يدها تستأذن لسؤال الشيخ..فأذن لها الشيخ بالكلام.
سألته منال قائلة:
- هل يمكن أن تدلنا على المدخل الذي دخلت منه لشخص صديقك، فأثرت به وأعدته باذن الله إلى الطريق؟!
أجابها الشيخ:
- لا يمكنني ذلك، فالطبيب معروف، وهذا التفصيل الصغير لو ذكرته، سيعرفه الناس منه...
أضافت منال سؤالا آخر:
- طيب شيخنا، فهمنا أنك اتبعت أسلوب اللين والشفقة معه رغبة في الإصلاح، ‏لكن شيخنا جلوسك اليومي معه في المقهى، يترتب عليه أن يدفع ثمن قهوتك أحيانا، فهل كنت تشربها؟!
‏فنحن إذ نسمع مواعظ الشيوخ، علمنا ان الملحد لا يجوز تزويجه، ولا إلقاء السلام عليه، لا نبيعه ولا نشتري منه، ولا نأكل من كسب يديه..
هب أن الملحد أخوك، أو أبوك، كيف تتعامل معه؟
وهل تأكل من كسب يديه؟
لذلك غالبا لا يستعمل الناس أسلوب الإصلاح، ويرون أن الهجر هو الحل الأمثل..
قالت ذلك السؤال وعقلها كان مشغولا بأخيها الذي ألحد مؤخرا، وكيف كانوا يتعاملون معه طيلة ثلاث سنوات بأسلوب الهجر فزاده ذلك قسوة وابتعادا وكرها للإسلام وأهله..

أنصت الشيخ باهتمام لسؤال منال، وأثنى عليها واعتبره سؤالا ذكيا بالغ الأهمية..
وراح يشرح لمنال والحاضرات أن أسلوب الهجر لا يستعمل كبداية، وأنه يلزم اتباع أسلوب الإصلاح في البداية، والصبر على الناس، وفهمهم..
ثم أضاف قائلا:
“- أرى أن السبب وراء الإلحاد في العالم الإسلامي، هي مشاكل نفسية، تؤدي الى زعزعة ثقة هذا الذي ألحد بالله، ثم بعد أن يلحد، يلجأ إلى تدعيم الضلال الذي يعيش فيه بالعلم والأدلة العلمية..
- أرى وبكل وضوح أن الإلحاد أزمة نفسية يمر بها الملحد، ومعالجة هذه المشكلة لا يتأتى إلا بعلاج أزمته النفسية، فإذا أردت الحديث مع ملحد لا تندفع لمحاولة إقناعه بوجود الله سبحانه وتعالى بالحجة والأدلة، والأفضل أن تسأله عن حاله ونفسيته ومشاكله، وتفتح له قلبك حتى تضع يدك على "الأزمة النفسية التي أدت الى ذلك"، ثم تعالجها ، وقتها سيبكي ويعود الى ربه...
- الإيمان بوجود الله فطرة إنسانية طبيعية، لا يفقدها إلا من تعرض إلى ظروف غير طبيعية.

بعد المحاضرة، عاد والد منال إلى مدينته محزونا، قلقا، وطعم الخيبة عالق بحلقه، ذلك أنه لم يتسن له لقاء الشيخ« بريكسي» والحديث معه لأنه غادر مبكرا لظرف ما..
في الحافلة لم تكف منال عن الثرثرة بحماس، وكانت مثل آلة تسجيل تعيد سرد تفاصيل اليوم بدقة لا متناهية...عن قصة الحجر الصغير..وعن قصة الطبيب..
وحين أنهت كلامها، وجدت الدموع تترقرق من عيون والدها..
لقد حصل على مبتغاه من الرحلة هو الآخر...

#شمس_الهمة



الاثنين، 6 ديسمبر 2021

يحدث في بلد العميان (قصة)

 يحدث في بلد العميان:


عاد سالما من ايطاليا التي أنهكها الوباء، عاد وجثث الموتى لا تفارق مخيلته وتفكيره.

وصل إلى منزله، مكث مدة الحجر اللازمة، كان لا ينزع الكمامة حين ينزل إلى الشارع، وكذلك القفازات، يترك دائما مسافة الأمان اللازمة بينه وبين الناس، كان لا يكف عن توعية الناس، وسرد قصص الوباء، لكن لا أحد كان يأخذ الأمر على محمل الجد.

ثم ماذا حدث؟

اعتبره الناس حاملا للفيروس، وأشاعوا ذلك بين الناس، ورفضوا الاقتراب من بقالة أخيه، قاطعها الجميع، وكسدت بضائعه، ولم يجد ما يقوت به عياله.

أما أخوه الآخر فكان يبيع الخضروات، وتمت مقاطعته هو الآخر، تاركين أولاده يتضورون جوعا.

وكل ذلك بسبب المثقف الواعي العائد من ايطاليا.


كانت امرأة مثقفة وواعية، موسوسة نظافة، وتحرص على أخذ التدابير اللازمة، تتابع مختلف النشرات والأخبار لدرجة جعلتها مهووسة وخائفة على زوجها وأطفالها، تلقى زوجها اتصالا بأن عائلة أخيه الأكبر كلها تعاني المرض، كانوا مصابين بالكورونا، ويخفون الأمر، قالوا له أن الجدة تحتضر ويلزمه الحضور فورا.

لم يجد بدا من الذهاب لإلقاء النظرة الأخيرة على والدته المسنة، ارتدت زوجته الكمامة والقفازات، ورفضت الضيافة المقدمة بأدب، فلم تأكل أو تشرب شيئا، وحين غادرت المكان رفقة زوجها، أمر صاحب الدار أن ينظف مكانها جيدا، ثم أردف قائلا:( لقد رفضت نزع الكمامة، هذا يعني أنها مصابة بالفيروس).

أصبح الصحيح المعافى متهما، والمريض الحامل للفيروس بريئا غير متهم.


قال "عادل" في منشور على الفيس بوك أنه في حال إصابته بالفيروس فلن يخفي أمر إصابته. فهذا أمر عادي، والمرض ليس فضيحة.

- لماذا يخفي الجميع خبر الإصابة؟ هل هذا هو الوعي؟!(تساءل قائلا).

بعد أيام أصيب بالفيروس، واحتاج سيارة تقله إلى مركز التحاليل، طلب من ابنته أن تهاتف صديقه(فلان) ليقلهم إلى ذلك المكان.

قامت ابنته بالمطلوب، هاتفت العم (فلان)، وأخبرته حقيقة المرض، فاعتذر بأدب وتحجج بشتى الأمور.

هاتفت أصدقاءه واحدا بعد الآخر، رفض الجميع أن يقله.

هنا توجه "عادل" لصفحته على الفيس بوك، وكتب منشورا يقول:( تبا للأطباء، لقد قالوا أنني أصبحت مصابا بالفيروس، وحين أجريت التحليل النهائي، وجدوه سالبا، وقالوا أنها انفلونزا موسمية فقط، فالحمد لله من قبل ومن بعد).


يقول أحدهم: كان ممرضا، يناديه الناس من أجل الحقن، فالمستشفى لا يستقبلهم هناك بسبب الوباء، اشتكى لي أن الناس الذين يتصلون به يوميا مصابون بالفيروس، لكنهم لا يخبرونه الحقيقة، وأنهم إلى ذلك لا يرتدون الكمامة، ولا يتخذون الإجراءات اللازمة، وأن إحداهن ظلت تسعل أمامه.

سأله الفتى إن كان يرفض أن يتعامل مع هؤلاء المرضى، فأجابه بالنفي، معتبرا أن ما يقوم به عمل انساني، لكنه ينشد الحقيقة فقط، ليحتاط لنفسه.

في المساء هاتفه الفتى راجيا منه أن يزور والدته المسنة المصابة بالفيروس، من أجل الحقن، أجابه بأنه قادم، وأنه سيكون أمام بيته خلال عشرة دقائق.

مرت عشر دقائق، عشرون، ثلاثون، ساعة كاملة من الانتظار

هاتفه ثانية(الهاتف مغلق أو خارج مجال التغطية).


من الصعب العيش بمثالية وسط الحمقى والجهال، ومن يفعل ذلك لا شك سيغدو أحمقا بنظرهم، وسينتظره نفس المصير الذي حدث للمبصر في بلد العميان.


#خواطر_زمن_الوباء


الثلاثاء، 30 نوفمبر 2021

عن زوجة أخي المدخلية:

 عن زوجة أخي المدخلية:


كنت قد كتبت موضوعا للترفيه سابقا، عن صدمتي بفتيات بفكر مدخلي حين كنا نخطب لأخي، إلى أن فاض بي الكأس وكتبت عن آخر تجربة، كتبت المنشور بصيغة تهكمية ساخرة..

ليس سخرية من شخص الفتاة معاذ الله، ولم يسبق لي السخرية أو الحديث عن شخص بعينه حين أتحدث عن المداخلة.

إنما غالبا أسخر وأتهكم من الأفكار التي يحملونها، ولا أطيقها، وأحاول كثيرا التوعية بشأنها.

وكثيرا ما حذرتني الغالية مريم خنطوط، وكذا الجميلة هند أومدور وسألنني الكف عن هذا الأسلوب لأنه غير مجد، بل يزيد الطين بلة...لكن ولعقدة في نفسي وتجارب سلبية كثيرة مررت بها...كنت أرعوي أحيانا ثم أعود لنغمة السخرية من جديد.


والحق أقول أنه أكثر منهج أبغضه، وبغضه لي علماء كثر عانوا ولا زالوا من طلبة العلم المنتسبين لذلك المنهج، وقصص كثيرة حدثت ولازالت تحدث.

ولا أخفيكن أنني حين أراجع طلبات الصداقة، أقبل كل الأشكال مغمضة العينين ماعدا من تكتب في بروفايلها عبارات تشي بأنها من حزب المداخلة.


وذلك أني أفر منهم فرار السليم من الأجرب، أفر من نقاشهن وجدالاتهن لأنني جربتها من قبل، فوجدتها مستنزفة، وبغير طائل كونهم لا يحترمون العلماء، ويتعصبون لآراءهم ومشايخهم وآفات أخرى كثيرة كالتعالم والغرور وانعدام الأدب في النقاش.


حقيقة لم أبلغ بعد الدرجة التي تخولني احتواءهم، وامتصاص غضبهم، والصبر على أخلاقهم.

ومع معرفتي أن كثيرات منهن حديثات عهد بالتدين، وأن المنهج المدخلي تمكن منهن لأنه الغالب على الساحة الدعوية بالجزائر اليوم(صادف قلبا خاليا فتمكنا)..وغالب المنتسبين حين يتعمقون في التعلم بعدها، يتركون ذلك الطريق...لذا فالصبر على أمثال هؤلاء مطلوب أيضا..

ومع علمي كذلك بوجود مدخليات قمة في الأخلاق والأدب يشاركن في صفحتي بآراءهن باحترام

ومع علمي كذلك بأن الانسان يتغير، وبأن القلوب بيد الرحمن يقلبها كيفما يشاء، وكثيرا ما وصلتني رسائل في علبة الصراحة، لبنات كن يبغضنني وأفكاري، ومع المتابعة اليومية أحببنني وتغيرت نظرتهن لكثير من الأمور.

مع علمي بكل هذا غير أن هذا الأمر نقطة ضعف لدي، ولا زلت أتجنب مجالسهن أو نقاشاتهن.


الأمر مع زوجة أخي كان مختلفا، فهي واقع علي التعامل معه، لا أخفيكن أنني خفت في البداية من التعامل مع هذا الواقع الجديد، رغم أني لمست أن الفتاة رقيقة ومؤدبة، ويسهل التعامل معها.


لقد كنت أفكر في حلين لا ثالث لهما، أن أستميلها لجانبي، وأخلصها من براثن ذلك الفكر المسموم، أو أعاملها بسطحية وبرود...لكن لم أرغب البتة في التعايش مع الأمر.


كنت شبه متأكدة من قدرتي على التأثير بها، فقد قلت بتبجح أن لدي تأثيرا خفيا أشبه بالسحر على البنات، كان ذلك هو الغرور بعينه...إضافة أني كنت سأعاملها بود مصطنع، وليس بحب لأنني أحمل ضغينة مسبقة لهؤلاء.


لكنها حلت ببيتنا، وحل معها النور والبركات، فتاة لا كالفتيات في الرقة والأدب والجمال..

تحمل بين جوانحها قلبا دافئا نقيا يفيض عذوبة وجمالا..

قرابة العام وأنا أرقب حركاتها وسكناتها من بعيد، ترقب المستنفر الذي اتخذ وضعية الهجوم.

وحين عرفتها حقا، عرفت فتاة تقرأ القرآن بقلب خاشع، وصوت ندي رائع.

حين تفزع إلى الصلاة، تهزك طريقة صلاتها وخشوعها وسكونها وكأنها تسبح في عالم غير عالمنا.

هل رأيتم في حياتكم صلاة تفتن من قبل؟! 

في حياتي كلها لم تَفْتًِنًِي صلاة أحدهم من قبل...لقد كنت أتسمر لمرآها وهي تصلي، لقد كانت غائبة عن الوعي تماما، أو في قمة الوعي، لا أدري حقا كيف تسمى تلك الحالة البهية من تماهي الروح في حضرة ملكوت الله.


لا تترك صلاة التهجد بالأسحار، حتى وهي ضيفة عندنا ولا  تنسى وردها اليومي أبدا..

إذا جلست في مجلس فإنها تترفع عن الثرثرات وتحفظ لسانها عن الغيبة والنميمة...

كثيرة الذكر والشكر، ذات لسان رطب بذكر الله، ويلهج دوما بالدعاء.

كنت أرقبها وأحس بنفسي تتضاءل أمام روعتها، وجمال تدينها..

وكنت كلما رأيت منها سلوكا حسنا صغرت نفسي في عيني كثيرا...


ثم أتاني الشيطان..من باب آخر

كذلك كان الخوارج من قبل..

كنت لتحقر صلاتك مع صلاتهم، وصيامك مع صيامهم، وقرآنك مع قرآنهم..

ألم يخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك عنهم؟

لكن فلتجربيها في المعاملات، والحقوق والواجبات..

لا تضعفي، دوسي على هذا القلب، ودعي عنك لغة المشاعر، وبيتي العداوة لها، وجهزي الحرب لأجلها😈

أقتنع أنا بوجهة نظر إبليس عليه لعنة الله..

أواصل التعامل بحذر وبرود...

وأبيت النية للقضاء على الفكر المعشش برأسها...

فإما أن تكون مثلي، أو أتجاهل وجودها في حياتي إلى الأبد..

أنتظر الفرصة المناسبة...وما ستسفر عنه الشهور والأيام...

هذه المرة امتحان صعب يواجهها...خلافها مع والدتي مع أول يوم ولجت فيه بيتنا...

والدتي الحنون، العاقلة الرزان، المتدينة التي كانت تعقد جلسات صلح بين الحموات والكناين.

والدتي التي علمها أبي، وتحدثنا طويلا معها عن أحكام الشرع ومشكلات الكنة والحماة وحلولها اليسيرة في الشرع الحكيم...

كان أخي أقرب الأبناء وأبرهم بوالدتي، لذلك غارت عليه من غريبة أخذته بعيدا..

فجأة ودون سابق إنذار استيقظت (الحماة الشرقية بداخلها)، فما عدنا نعرفها..

أعيتنا معها النصائح والسبل...وخفنا على الفتاة من والدتي.

الامتحان كان صعبا للغاية..

ورغم أن والدتي لم تؤذها بعد، إلا أنها نفرت منها قليلا مع أنها كانت تشفق عليها وتظهر لها ودا مصطنعا.

لكن الفتاة تفهمت عاطفة الأم حين يشاركها شخص في فلذة كبدها..حين قلت لها: نحن النساء مهما ادعينا من ثقافة وعلم واتزان سنتصرف مثلها تماما...أنا...وأنت...وكل النساء

هذه هي طبيعة المرأة...

كانت تسألني ماذا تحب والدتي وماذا تكره..

وتتلمس مواطن رضاها وتتحسسها وتجتهد لأجل ذلك...

وكذا تحرص أن لا ترى منها ما يغضبها أو ينفرها منها...

هذا رغم أنها كانت تسكن بسكن مستقل..ولا ضرورة تدفعها لذاك الفعل..

كانت تقتني من الهدايا أفخمها، وتهديها كل مرة ما يبهجها...

لا تقدم على أمر دون استشارتها، حتى وهي بعيدة تستأذنها في زيارة أهلها..وفي أمور أخرى هي في غنى عن رأي والدتي بخصوصها...

تتظاهر بالجهل في أمور البيت والطبخ، فقط كي تسأل والدتي فتمدها بوصفة أو فكرة، تطبقها ومن ثم تثني على والدتي أمام زوجها ووالدتها وكل أفراد العائلة.


وهكذا سحرتني بأخلاقها ومعاملاتها، وسحرت كل من بالبيت وأولهن أمي..

لقد وجدت مدخلا لشخصيتها، وجعلتها تحبها أكثر من بناتها..

هذا هو السحر الحلال..

ليت كل البنات مثلها...

وليتني بمثل قلبها وجمالها..


كم كبرت في عيني وعيون الجميع..

وكم أجدني أتضائل أمام جمال قلبها..


صرنا نتسامر سوية، نثرثر ونضحك كثيرا، نتساعد في تحضير أشهى الطبخات والمخبوزات ونعجنها بماء الحب.

نقضي فترة ما بين المغرب والعشاء في الحفظ والترتيل، فتكون هي معلمتي في الأحكام لأنها متقدمة عني في الدروس.


فلنختلف أو نتفق لم يعد يهمني مادمت تحملين هذا القلب...أسأل الله أن يرضى عنك ويرضيك 

ويحفظ قلبك الطاهر البرئ...


للغزالي رحمه الله عبارة تقول: ((أن الفرق بين تدين الشكل وتدين المضمون هو قسوة القلب أو رقته)).

والدعوة فن يتطلب حكمة وصبرا...

والتنميط والحكم على الأشخاص من خلال انتمائهم وأفكارهم، أمر مذموم وغير صائب.

واستعمال أسلوب التهكم والسخرية من الأشخاص والجماعات لا يزيدهم سوى تمسك بمواقفهم وأفكارهم.


ولنعلم أن غالب المنتسبين الجدد لذلك الفكر المسموم، إنما يعتقدونه لأنه يظنون أنه الدين والإسلام...


قال الله تعالى:(( يا أيها الذين ءامنوا، لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم، ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن))


واحذر ان يبتليك الله ويهدي غيرك ويعافيه!!


#شمس_الهمة



القصة الأولى:

 



القصة الأولى:


كان شابا سلفيا قارب الثلاثين، قد أرهقه البحث عن زوجة سلفية منقبة تناسبه...

كانت والدته وشقيقته تعرضان عليه نماذج فتيات لكن لم ترقه ولا واحدة منهن..

وكان أصدقاؤه يرشحون له فتيات من معارفهن..

لكن ذوقه في النساء كان صعبا جدا..

وقال عنه الناس لن يتزوج أبدا..

كان يريدها صغيرة السن، فائقة الجمال، تحفظ القرآن كاملا، ومهتمة بطلب العلم الشرعي..تغطي وجهها وترتدي الإسدال، لا تعرف وسائل التواصل الاجتماعي، بكر لم يمسس عاطفتها أحد، وماضيها ناصع البياض..

كان صديقه مرهقا من الجدال معه بشأن الموضوع، وكذلك والدته وأصدقاءه..

قال صديقه له يوما أنت تريد الكمال، وهذه مواصفات حورية من الجنة...مستحيل أن تتزوج وأنت تحمل هذا التفكير..

وأجابه الأخير بأن يقينه بالله كبير، وهل أنت تستكثر أن يجيب الله دعوة بسيطة مثل هاته، وله سبحانه مفاتيح خزائن الأرض والسماء!!

فأجابه صديقه بأن النموذج الذي تبحث عنه من سابع المستحيلات.

والدته كانت تقول له أن كل الفتيات يكملن تعليمهن اليوم، ومن لا تكمل تعليمها غالبا تتزوج بسرعة، أو تكون غير دينة، ناهيك أن حفظ القرآن آخر اهتمامات بنات هذه الأيام.

توالت الأيام وبلغ ذلك الشاب سن الأربعين وهو دون زواج، لكن يقول صديقه: لم يفقد ثقته ويقينه بالله.

ولم يفقد رباطة جأشه، وكان يستكثر من الطاعات والعبادات وقيام الليل، وكذا يلح بالدعاء.

حفظ بصره عن النساء وعف نفسه طوال تلك المدة.

وهل يعجب الله إلا من شاب ليس له صبوة.

فقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم فقال:« إن الله يعجب لشاب ليس له صبوة»

بمعنى أن الله يعجب لشاب صان نفسه ولم يرتكب المعاصي أو يقع في الحرام.

كان له سلسلة محلات لتجهيز العرائس، فقد من الله عليه بنجاح كبير ومال وفير..

وذات يوم زارته في أحد المحلات الكبرى التي يشرف عليها، امرأة كبيرة وابنة لها ترافقها لا يبدو منها شيء. ترتدي جلبابا أسودا فلا يرى منها شيء.

تقدمت والدة الفتاة، بينما ابتعدت الفتاة عن عيون صاحب المحل وشغلت نفسها بتفقد السلع والبضائع ريثما تنهي والدتها أمورها.

كانت والدتها تساومه على بعض القماش، فسألها ممازحا: ألا تريدين غيره؟ لم لا تجهزين جهازا كاملا من عندي؟

فأجابته المرأة أنها زوجت كل أبناءها، ولم يتبق لها سوى هذه الفتاة التي لم يأت نصيبها بعد.

ووعدته أنه إذا أتى النصيب فستقوم بتجهيزها من عنده.

فسألها عن سنها فقالت أنها في السابعة عشر من العمر.

فسألها إن كانت تدرس، فأجابته أنها كانت متفوقة لكنها توقفت عن الدراسة، لكنها تحفظ القرآن كاملا، وحاليا بدأت مسيرتها في طلب العلم الشرعي.

فانفرجت أسارير الرجل، وقال لها من فرط حماسه، إن كانت قد توافق على شخص بنفس عمره.

فأجابته الأم أن يزور بيتها وان شاء الله خير، وأعطته العنوان.

وفعلا تمت الخطبة والزواج.

وقد رزقه الله بفتاة الأحلام، وبنفس المواصفات التي كان يريدها.

يقول صديقه صدمة الجميع بزواجه، وأن العروس كانت بنفس المواصفات التي اشترطها جعلتنا نتأمل مليا فتوحات الله على عباده، وإجابة الدعاء ولو كان مستحيلا بنواميس البشر، بشرط لزوم الدعاء واليقين به عز وجل.

وقفة:

القصة لا تشجع على طلب واشتراط الكمال في الطرف الآخر، إنما ذكرتها لأنها حدثت بالفعل ولتعزيز جانب اليقين بالله، والإلحاح بالدعاء، وكذا صون النفس عن الحرام. 


#شمس_الهمة

القصة الثانية:(الموسوسان)

 

القصة الثانية:(الموسوسان)

كان شابا جامعيا ملتحيا قد تخصص بمجال الحاسوب والمعلوماتية.
نشأ في أسرة بسيطة لم يعرف أهلها الالتزام بأوامر الشرع.
وكذا كل محيطه تقريبا..
جد واجتهد في عمله، لكنه كان معقدا من النساء لما كان يراه من تبرج وسفور.
لدرجة عزف فيها عن الزواج.
وكلما رشحوا له فتاة وجد لها عيبا..
فهذه لها علاقات..
وأخرى مشيتها لا تروقه..
وتلك جريئة جدا...
وبعد رحلة بحث طويلة، تعقد من النساء كلهن.
"لا فتاة تصلح للزواج، لم يعد هنالك فرق بين فتاة من البادية، وفتاة من المدينة جميعهن في سلة واحدة كالبيض منتهي الصلاحية."
تقدم به العمر، وتزوج كل أقرانه، وبقي وحيدا كمعلم أثري يتحدى الزمن والآفات.
القصص التي كان يسمعها أضافت لمأساته مأساة أخرى، خيانات زوجية، قصص طلاق، وانعدام أخلاق.
‏تلك القصص نكتت بقلبه وطبعت عليه بالسواد.
‏تقول شقيقته كنت أرثى لحاله، شاب وسيم خلوق يحفظ بصره، ويصون نفسه عن علاقات الحرام، لكنه يحمل فكرا ومنطقا شائها عن النساء، وكنت أراه شكاكا موسوسا وكنت أخشى على فتاة سيتزوجها من طباعه تلك.
‏لكن عبثا كنا نحاول إقناعه بفكرة الزواج، كان موسوسا لدرجة أن كل فتاة تمر من أمامه يقول عنها في نفسه أنه لا شك أن ماضيها أسود بالعلاقات المحرمة.
لكنه مع ذلك لزم القرآن والمسجد والطاعات، وظل يصون نفسه عن البنات.

*************

في جانب آخر من العالم كانت هي فتاة جامعية حسناء تخصصت بمجال الحاسوب والمعلوماتية.
فتاة ذكية، متفوقة على أقرانها، وكانت الأولى على دفعتها..
تهتم بالعلوم على اختلاف تفرعاتها، ويستهويها التاريخ والقراءة عنه.
لها إلمام كبير بالأدب والشعر والعلوم الدينية..
فوالدها كان مدرسا للعلوم الإسلامية، لذا فثقافتها الدينية كانت ممتازة...وكذلك كان تدينها مستقيما معتدلا وناضجا.
في الفترة التي كانت صويحباتها يتزوجن ويقمن علاقات مع الشباب كانت هي تسأل الله وتقف ببابه
كي يرزقها الزوج الصالح المصلح.
وحين ولجت النت، وعرفت مواقع التواصل الاجتماعي نضج فكرها على مشكلات النساء، والكنة والحماة
وكذا خيانة الأزواج...وشيئا فشيئا تعقدت من الزواج وفقدت الأمل بالحصول على زوج صالح تقي نقي لم يعرف علاقات من قبل.
فكل الرجال سواء، ولا يوجد رجل لم يعرف علاقات من قبل-هكذا خمنت-
وكذا اعتبرت أن كل الحموات شريرات هدفهن التسلط على الكنة وإذلالها.
كان الخطاب يتوافدون لخطبتها، وكانت ترفضهم من أول فرصة.
كانت شقيقتها ووالدتها ترجوانها فقط إعطاء فرصة للخاطب بدل إلقاء التهم والأحكام، لكن...عبثا كانوا يحاولون.
فقد كانت عنيدة، صعبة الاقتناع، ولا تترك فرصة للنقاش والحوار..
لكنها وبعيدا عنهم كانت تقوم في جوف الليل وتبتهل إلى الله بالدعاء.
كانوا يقولون لها وقد أصبحت في الثالثة والثلاثين أنها لن تتزوج أبدا.أو أنها ستتزوج مطلقا أو أرملا أو شيخا عجوزا.
لكنها كانت تجيبهم أنها تدعو الله أن يكون شخصا جامعيا مثقفا، خلوقا، متدينا وأعزبا أيضا.
كانت تقول ذلك بثقة تستغربها الفتيات من حولها.

************
صاحبنا الأول وبعد أن فقد الأمل بالعثور على زوجة صالحة، قرر الزواج بأي نموذج كان..
فتقدم لخطبة فتاة وهو يحمل عريضة محاذير (الهاتف ممنوع، الفيس ممنوع، فتح النوافذ ممنوع وهلم جرا)
لكن الفتاة وأمها طردنه من بيتهم وقلن عنه معقد وإرهابي..
وحين انتهت حلول الأرض رفع رأسه إلى السماء مناجيا الله.
وبعد أسبوع عرض عليه صديقه زيارة فتاة من معارف زوجته، قال أنها بنفس المواصفات التي يريد.
لكن الشاب رفض الفكرة كي لا يتعرض لما تعرض له في آخر تجربة.
أما زوجة صديقه فتوجهت إلى الفتاة المعنية وطلبت منها أن تمنح الشاب فرصة للتعارف الأولى فرفضت الفتاة كونها سمعت أن سنه يقارب الأربعين ولم يتزوج...محال أنه لم يكن دون علاقات محرمة.
ومضى عام كامل على القصة.

************
بعدها عاود صديقه الكرة لعل وعسى يتمكن من إقناعه بالرؤية الشرعية على الأقل...وفعلا وافق صاحبنا أخيرا..
وكذا فعلت زوجته وأقنعت الفتاة أخيرا...
ماذا حدث بعدها؟
حصل القبول وتم الزواج في ظرف شهر فقط.

*********

‏عقب الزواج:
‏عاش الزوجان ثلاثة أشهر من الريبة والشك لبعضهما، وخمن المقربون لكلا الطرفين نهاية مأساوية لهذا الزواج.
‏فوالدة الفتاة وشقيقتها يعرفان وسواس ابنتهما، ويعرفان حقدها المسبق على الحماة.
‏وأشقاء الزوج وأصدقاؤه يعرفون غيرته الشديدة، والشك والوسواس الذي ينخر بقلبه.

خلال الثلاثة الأشهر الأولى عرف كل منهما معدن صاحبه، فالفتاة كانت كثيرة التهجد والصيام والقيام.
وكذلك كان الزوج...كان يؤمها في الصلاة، وكانا يتلوان القرآن عقب صلاة الفجر معا..
لم يتركهما الله للشك والوسواس، رأفة بقلبيهما الطاهرين..وقذف الحب في قلبيهما فتلاشت كل تلك الوساوس وكأنها ما عمرت بتلك القلوب من قبل.

كانت تملك هاتفا، وحسابا على الفيس، ورغم ذلك لم يدر بخلده مراقبتها أو التجسس عليها قط.
وحين سألته يوما بدافع الفضول قال أنه فطن ويعرف كيف تتصرف الزوجة التي تخون.
وأنه ما من داع للشك، سيما وأنك لا ترتبكين بحضوري، ولا يوجد قرائن للريبة.
وأنا حمدت الله على مثلك، ولا أريد تلويث أيامنا الجميلة بوسواس الغيرة المرضية والشك.

وفي أحد الأيام فاجأها الزوج برغبته في أن يعتمرا معا...فرفضت الفتاة.
رفضت لأنها رغبت أن تكون حماتها الجميلة معها، فحماتها كبيرة في السن ولم يسبق أن تحج أو تعتمر من قبل.
وصدمها حين قال لها أن سبب ذلك، أن والدته لا تملك دفترا عائليا، فوالده تزوجها عرفيا وسجل كل أبناءها في دفتر الزوجة الأولى.
وأنهم حاولوا تسوية وضعيتها لكن الأمر كان بالغ الصعوبة.
لكن دين الفتاة وأخلاقها منعاها من القيام بعمرة دون أن تكون حماتها الحنون موجودة معهما.
وسألت الله أن يعينهما على تقديم هذا المعروف كي يكلل زواجهما ببركة دعائها لهما.
وفعلا قضيا حولا كاملا في التنقل بين المراكز الحكومية وتكللت أخيرا مجهوداتهما بالنجاح.
وقاما بأول عمرة مصطحبين فيها ابنهما الرضيع، ووالدتهما تاجا فوق الرؤوس.
وفي العام الثاني رزقهم الله حج بيته الكريم.
والآن وبعد خمس سنوات، وطفلين يعيشان بسعادة وهناء.

لا يزالان إلى يوم الناس هذا يصومان الاثنين والخميس، يقومان الليل، ويكثران من النوافل.
وحين سئلا عن ذلك، قالا أن الله الذي أتانا سؤل قلبينا يستحق أن يعبد ويشكر.
ومحال أن نتراخى عن العبادة في الرخاء، وقد حرصنا عليها في الشدة والضراء.

وقفة1:(عن الشك والوسواس)
للأسف ما يحكمنا في هذه المسألة وغيرها تمثلات تسربت إلى أذهاننا من تجارب الآخرين، وأصبحت توجهنا إقداما وإحجاما، وكأننا نريد الشيء المأمونة نتائجه، فلا نلتفت إلى أننا بذلك نحرم أنفسنا من نعمة الاختيار واتخاذ القرار.

وقفة2:
الله مطلع على القلوب، وهو يعلم من يعبده ليرضيه، ومن يعبده فقط ليعطيه.
ويبغض الذي الذي ينساه في السراء..
ويبغض العبد الذي يعبده على حرف، فإن أعطاه سؤله صبر وشكر، وإن لم يعطه سؤله جحد وكفر.

‏#شمس_الهمة

القصة الثالثة:(لن أتزوج فتاة تعمل)

 القصة الثالثة:(لن أتزوج فتاة تعمل)


قالت إحداهن فيما ترويه عن عمها الأعزب:


كان شابا مدخليا وسيما فارع الطول، بأدب جم، تتمناه زوجا كل من تراه.

كان مستواه محدودا فهو لم يكمل تعليمه الجامعي بسبب فتاوى تحرم اختلاط الجنسين.

وهكذا قضى على مستقبله الدراسي، وحكم على حياته بالفشل، وقضى على ما حباه الله من تفوق ونبوغ.

وهو إذ ترك الاختلاط الجامعي، فإنه مارس الاختلاط أكثر حين مارس مهنة تجارة الملابس، فقد كان أغلب زبائنه من النساء.

تقول ابنة أخيه أنه كان يحرم عليها كل شيء، يمنعها من الخروج، ويحرض أباها كي يمنعها من إتمام تعليمها. ولو كان بيده أن يمنع عنها الهواء لفعل.

وبعد نجاحها في شهادة البكالوريا بتقدير جيد جدا، قام ببلبلة كبيرة، وأثار جدالا عائليا...رغبة في منع الفتاة من إتمام تعليمها...لكنه هذه المرة لم يتمكن من فرض سيطرته على والدها.

كون المقربين تدخلوا كي يقنعوا والدها بالسماح لها بإتمام تعليمها، فمعدلها يؤهلها لأرقى التخصصات.

وحين اختارت تخصص الطب، لم تسلم سنواتها السبع من مضايقاته وفتاويه وتسلطه.

تقول الفتاة أنها كانت تدعو الله دوما كي يخلصها منه، وكان من جملة دعائها أن يرزقها الله بزوج متفتح يخلصها من براثنه.

كل سنواتها خاضتها بطوفان من الدموع، وهي تفكر أن مستقبلها الدراسي مهدد بالضياع مادامت تحت رحمة عمها المتشدد.

كان يكره الجامعة وفتيات الجامعة، ويكره النساء العاملات ويقول عنهن فاسقات.

تأخر زواجه وكللت كل مساعيه في البحث عن زوجة صالحة بالفشل.

ولا عجب!! تقول ابنة أخيه، شدد علينا فشدد عليه الله.

ولو رحمنا لرحمه الله وأنار طريقه.

بعد قنوطه لان قليلا مع بنات أخيه، وأصبح يعاملهن بلطف.

المشكلة تقول ابنة أخيه لم تكن في التشدد فحسب، إنما كانت في المواصفات الخيالية التي كان يريدها بزوجة المستقبل، حسناء طويلة، ليست جامعية، تحفظ كتاب الله، قارئة نهمة تقرأ كتابا كل ليلة، والأهم أن لا تكون عاملة. ولا تعرف وسائل التواصل الاجتماعي.

تقول وكنت أنا أسخر من أحلامه الطفولية السخيفة، وأقول في نفسي :"نعم انتظر، ستنزل عليك فتاة الأحلام من السماء".

استمرت معاناة الشاب، واستمر كذلك بغضه لجميع النساء وخصوصا العاملات.

ثم تزوج ثلاثة من اخواله في فترة متقاربة، وكلهن كن ضد المرأة العاملة، وبارك هو اختيارهم.

وبعد مدة رأى بنفسه حصاد سوء الاختيار، فتيات فارغات لا هم لهن سوى المسلسلات، وحفلات الزفاف، والتسكع في الأسواق والطرقات، لا يرعين حق زوج فيخرجن في غياب أزواجهن عند الجارات، ولا يهتممن بتربية أطفالهن وتثقيفهم.

ولأنهن لم يكملن تعليمهن، وتوقفن عن الدراسة في سن متأخرة، فقد اكتسبن من الشارع والعجائز وكذا مجالس الغيبة والنميمة لغة وتربية شوارعية مشبعة بالجهل والخرافة والأوهام والدجل. 

وكن يعوضن عقدة النقص لديهن بالبهرجة في المأكل والملبس، والتكبر ، التكبر على الحماة، وعلى الزوج والنعم، وكذا التكبر على خلق الله.

كيف لا، وقد قيل: ”وملء السنابل تنحني بتواضع والفارغات رؤوسهن شوامخ“.

كان يرى ويسمع كل يوم شكاوى أخواله، فتعقد أكثر من النساء.

ثم تزوج اثنان من أبناء عمه بزوجات عاملات، احداهن معلمة والأخرى أستاذة.

وكان ينتظر بشغف وقوع المشكلات، ليظهر تشفيه بعد قيامه بنصحهما لكنهما لم ينتصحا.

لكن مضت الأيام والأشهر والأسابيع هادئة هانئة والأزواج في انسجام.

ولأنهم كانوا يسكنون بفيلا مشتركة، فقد كان يسمع أخبارا طيبة عن الزوجتين الجديدتين.

وكيف كانت والدته تعقد مقارنة بينهن وبين نساء أخواله، فتجد البون شاسعا والفرق واضحا..

من حسن تبعل، ونظافة، وبراعة في فنون الطبخ، وكذا أدب وتواضع وأخلاق.

كان التنميط السائد لديه ولدى أمثاله من الشباب أن الجامعيات فاسقات، مخشوشنات، جريئات ولا يعرفن كيف يسلقن بيضة، ويعتقدون إلى ذلك أنهن بغير حياء ولا دين ولا يوجد فتاة منهن لم تعرف علاقة محرمة من قبل.

تقول ابنة أخيه وجاءت سنة التخرج، وقد كنت أحمل هم ما بعدها، فعمها وإن سمح لها بالدراسة مرغما حتى الحصول على الشهادة، فإنه مؤكد لن يسمح لها بالعمل سيما مع وجود مناوبات ليلية.

وكنت أدعو الله الخلاص.

وقبل انتهاء السنة، كان عمها قد يئس من العثور على فتاة سلفية، فطلب من والدته أن تبحث له عن فتاة عادية كي يتزوج والسلام.

لكن حتى هذا المسعى لم يوفق إليه..

لذا قرر اللجوء إلى الله بقيام الليل، ثم قرر الانطراح بين يدي الله في بيته، فقام بأداء عمرة.

كان يعمل تاجرا، والله مغدق علين بالمال الوفير، بعدها بأشهر قرر فتح مطعم للبيتزا مع صديقه، ودفع فيه كل أمواله...

وقتها ابتدأ الحراك فأفلس المطعم، وخسر أمواله وأصبح مدينا..

عرضت عليه والدته أن تخطب له فتاة صادفتها في مناسبة زفاف، فرفض كون المواصفات غير مشجعة، إضافة لإفلاسه فمن أين سينفق عليها.

ودخل في حالة يأس، وكآبة شديدة، وقرر اللجوء إلى الله والانطراح بين يديه.

لكن بعدها بأسبوع فاجأه صديقه باتصال يقول فيه أنه وجد فتاة سلفية تناسبه..

تعمل طبيبة، وقالت أنها ستتوقف عن العمل حال الزواج.

قال أنها منقبة، وجميلة، وتحفظ القرآن.

كان الشاب قد وصل إلى مرحلة القنوط واليأس بخصوص العثور على زوجة صالحة، وكذا بات يدرك أخيرا أن عمل المرأة لا ينال بالضرورة من أخلاقها وشرفها..لذلك تحمس قليلا للفكرة، ثم ما لبث أن أحس بحزن شديد، كونه لا يملك الان المال الكافي للزواج..وكونه قد يكون غير مقنع ومرغوب للفتاة. من جهة لتواضع تعليمه، ومن جهة أخرى وضعه المادي.

لم تكن الطبيبة تريد شيئا سوى شاب سلفي، وكانت قد مرت بتجربتين فاشلتين من قبل مع الخطبة والزواج.

لذلك كانت تحرص كل الحرص أن يكون سلفيا حقا، وليس مثل الآخرين لحية وقميص فقط.

ذهب لمقابلتها وهناك تم القبول وحدث الزواج بعد ثلاثة أشهر.

وفتح الله عليه بالمال من طريق وحكاية أشبه بالمعجزة، فاكترى منزلا وابتاع أثاثا ودفع مهر الفتاة.

تقول ابنة أخيه، بعد الزواج بأسابيع كنت أراه سعيدا بها، وهي سعيدة به.

كانت فتاة جميلة جدا، تقرأ الكتب، وتحفظ القرآن، وتتبع المنهج السلفي، تماما مثلما أراد.

وشعرت أنا بالقهر، كيف يستجيب الله له، وهو بهذا السوء؟

كيف يتزوج طبيبة وكان سيقضي على حلمي ومستقبلي؟

كيف تزوج هو، وبقيت أنا هنا لا أزال تحت رحمته،( الآن أصبحت لديه فرصة أكبر ليتبجح علي بزوجته الدكتورة التي قرت في البيت، ويطلب مني أن أفعل مثلها).

ثم أعود فأستغفر الله بإسراف، وأبحث عن سبب أفسر به ما حدث.

مرت الأيام والأسابيع، وأنا في حيرة شديدة..

جاء قرار عملي أخيرا بعد ستة أشهر من المكوث في البيت..

فبارك عمي وزوجته وظيفتي الجديدة، ولم يثر عمي كما كان يثور من قبل.

فهمت بعدها أن زوجته الطبيبة، غيرت بأدبها وأخلاقها كل ما كان يعتقده عن العاملات..

لكن سؤال لماذا رزقه الله وهو بهذا السوء كان صداه لا يزال يتردد بأذني..

حتى أتى ذلك اليوم الذي تسامرت فيه أنا وزوجته فحكت لي كيف كان عقب يأسه وقنوطه يدعو الله ويلح بالدعاء والصيام والقيام.

بينما نظرت إلى حالي فوجدتني مقصرة كثيرا في هذا الباب، وهو كان مجتهدا وصادقا في لجوءه إلى الله.

وعلمت أيضا أن لكل شخص ورقة امتحانه، وقد استوفى عمي شروط معادلة النجاح من صبر وإعفاف النفس ولزوم الطاعات والنوافل، فكافأه الله.

فرغم سوء الأشخاص، أو قسوتهم الظاهرية، أو المعاصي المبتلين بها، غير أننا لا نعلم حقا ماذا بينهم وبين الله، فقد تكون لهم حسنات خفية مطمورة في بحر سيئاتهم.

بعد ذلك تزوجت أنا الأخرى، تزوجت بشاب مثلما تمنيت، من قرابة زوجة عمي، وكانت هي من رشحتني له.

فأدركت وقتها حكمة الله وتدبيره، وأن ما كنت أعتقده شرا محضا، حمل لي خيرا كثيرا( الوظيفة والزوج).

ولولا تدبير الله لما كان ماكان.


#شمس_الهمة




القصة الرابعة(الامتحان):

 القصة الرابعة(الامتحان):


كانت شابة جميلة ملتزمة، وقد جربت خيبات كثيرة في فترة الخطوبة..

فغالب الخطاب كان ظاهرهم التدين، لكن أخلاقهم كانت بعيدة عنه.

وكذا كانت متابعتها لوسائل التواصل قد أعطتها نظرة شائهة عن الحموات وأخوات الزوج.

كانت أخوف ما تخافه حماة متسلطة، وشقيقة زوج حقودة وغيورة.

ومشكلة أخرى كانت تعانيها حين تجد الخاطب المناسب، أن والدها كان يرفضه..

لقد كان الرفض مرة تلو الأخرى بأسباب واهية، فقد كان يغالي في مهرها ليمنع عنها الخطاب..

وكان إلى ذلك يشترط عليهم السكنى بنفس مدينته، فهو متعلق جدا بابنته الوحيدة..

في البداية كانت الفتاة تحسن الظن بوالدها، ثم دق ناقوس الخطر بقلبها حين تكررت خيباتها..

لقد كان والدها يعضلها(يمنعها من الزواج)، وذلك بسبب حبه الشديد لها وتعلقه بها كونها ابنته الوحيدة.

لم يكن يعرف أنه بذلك يظلمها من دون أن يدري، فكثيرا ما كان الظلم بدافع الحب أيضا.

بعدها زارها شاب متدين وسيم، رفقة شقيقته ووالدته، فارتاحت للشاب، لكنها كانت متخوفة من شقيقته ووالدته وسبب ذلك قصص الحموات التي كانت تقرأ عنها في وسائل التواصل.

منح الخاطبان نفسيهما أسبوعا للاستخارة والاستشارة والتفكير..

ثم تم القبول، وجاءت جلسة المهر، وكانت هي خائفة تتوجس من والدها..

والدها أقام مزادا علنيا وكأنه يريد بيع بقرة أو سيارة...كان يطلب مهرا خياليا إضافة إلى الذهب وكبشين أقرنين..

والشاب كان موظفا بسيطا، اشترى سكنا ولازالت عليه ديون وأقساط يجب أن يدفعها...

عاد الشاب وأهله من جلسة المزاد تلك محطمون..يائسون..

وأخذوا يفكرون ماذا سيعملون...فالفتاة نالت استحسان الشاب وأسرته ولا يريدون التفريط بها...

لكن من أين لهم تدبير مثل ذلك المبلغ وهم يعانون الديون؟!

فلو كان الشاب يملك المبلغ لدفعه كاملا لأنه رأى أنها فعلا تستحق كل خير...ولكن ما باليد حيلة

فالعين بصيرة واليد قصيرة..

ثم اهتدوا لفكرة قد ترضي والدها، أن يدفعوا المهر كاملا أما الذهب فيكتب ضمن العقد ويبقى دينا في رقبة الزوج إلى الممات، يسدده حالما يفتح الله عليه.

وفعلا تمت مهاتفة والد الفتاة وإطلاعه على هذا الخيار فرفض رفضا قاطعا..

كان أسبوعا ثقيلا على الجميع(الفتاة...الخاطب ...وأسرته أيضا).

أسقط في يد الفتاة، ولم تعرف ماذا تفعل، وخشيت أن يغادرها الخطاب كسابقيهم من دون رجعة، وشق عليها ذلك كثيرا، كونها تعلقت بهم أكثر من غيرهم..

ناقشت والدها وترجته كثيرا، لكن بدون جدوى..

ثم خطرت ببالها فكرة، فهاتفت شقيقة الخاطب تخبرها ما يلي:

قالت ادفعوا المهر كاملا، واجلبوا معكم الذهب الخاص بشقيقة الخاطب أو والدته، فقط أمام والدي

وحين ينصرف الرجال أعيد لكم الذهب كاملا، فلست أريد شيئا..

تململت أخت الخاطب، وقالت لها أن هذا حل جيد ، لكن فيه شبهة أنه قد يكون غير جائز.

قالت لها انتظري حتى أسأل أخي ووالدي ثم أخبرك بردهما..

وفعلا في المساء هاتفتها تقول أن والدها قال أن هذا تغرير وخداع للأب، وفعل غير جائز..

ولا يمكنهم القبول بهذا الحل..فالمسلمون على شروطهم..وأنهم إذا اتفقوا على شيء فسيكون كلام رجال، ومن المعيب الرجوع عن الكلمة والاتفاق والعهد.


لكنها قالت أن إحدى الأخوات في المدرسة القرآنية فعلت ذات الشيء، وقد استفت في ذلك الشيخ فركوس حسبما تذكر.

واتفقت مع شقيقة الخاطب أن يبحثوا في الأمر ويستفتوا العلماء.

أذكر يومها أنها اتصلت بي (أنا شمس)، وسألتني أن أبحث لها عن فتوى..

وقمت يومها بالسؤال في مجموعات الفتاوى، ووجدت أن المشايخ لا يجيزون ذلك.

وحين نقلت لها الفتاوى، أسقط في يدها وقالت: لماذا يحدث معي كل هذا؟!

فطيبت خاطرها، وقلت لها عسى أن يكون خيرا، وإن كان لك نصيب فسيتم الله الأمر، وإن لم يكن خيرا لك فسيصرفهم الله عنك.

فقالت كيف يكون خيرا ووالدي يصعب الأمر؟

فسألتها كيف كان شعورك حين رفضوا اقتراحك؟

فقالت أنهم كبروا بعينها أكثر، وأنها تعتقد أنهم أمناء.

فقلت لها: أرأيت؟ لقد كان امتحانا بسيطا وقد فزت أنت به وقد فازوا هم أيضا في الامتحان

فسألتني كيف ذلك؟

فقلت: أما هم فقد تأكدوا أنك فتاة طيبة لا يهمها المال، إنما كل همها الدين والأخلاق.

وأنت عرفت بعد هذا الاختبار صدق تدينهم، وورعهم، وأمانتهم، فلو كان غيرهم لربما كان قد قبل بعرضك.

فاستفاقت من دوامة الحزن التي منعتها من رؤية حكمة الله، وارتسمت ابتسامة على وجهها، ثم عادت للعبوس والحزن مجددا، لكن أبي عنيد ومصمم، ما الحل الآن؟

فقلت لها قفي بباب الله، فوالله لن يردك.

مضى ذلك الأسبوع ثقيلا على الجميع، وانقطع الاتصال بين والد الشاب ووالد الفتاة..

فخمن الأخير أنهم لن يرجعوا ربما لأنه أثقل عليهم بالطلبات، فنادى ابنته وسألها إن كانت لا تزال راغبة بهؤلاء القوم، فأجابته أن نعم، وأنهم كبروا في عينها أكثر سيما وأنها عرضت عليهم كيت وكيت ولم يقبلوا بخداعه (تقصد الأب).

حينها شعر والدها بالخجل من نفسه، وأكبر موقفهم ذاك، وعلم أنه إذ يسلم ابنته لهؤلاء القوم، لن يخاف عليها، فستكون بالحفظ والصون، فمن حفظوا هيبته وكلمته بظهر الغيب، سيحفظون ابنته كذلك.

وبخ ابنته ممازحا كونه متمسكا بها وهي تريد الابتعاد عنه، ثم حمل الهاتف واتصل بوالد الشاب وقال له تعال خذ الفتاة بملابسها إن شئت...أما المهر فليدفع حبيبي ما يقدر عليه، الربع أو النصف...ولن نختلف باذن الله أبدا..

وفعلا تم الزواج في ظرف شهر.


#شمس_الهمة


أخبار الحمقى والمغفلين: وأخبار الساذجين وحفظ الله رب العالمين:

 فسحة:

أخبار الحمقى والمغفلين:

وأخبار الساذجين وحفظ الله رب العالمين:


كنا نتسامر ذات ليلة، وتطرق أشقائي للحديث عن العشرية السوداء، وسردوا قصصا تقشعر منها جلود الذين آمنوا...

ثم تذكر أخي طرفة في الموضوع، رواها أصدقاءه حين كان طالبا بالمدرسة القرآنية برويبة(أبي زيد القيرواني).

تقول القصة الأولى:

أن الإرهاب كانوا ينصبون حاجزا أمنيا في الطريق، وغالبا لم يكن يسلم منهم أحد، فقد كانوا يقومون بعمليات ذبح وتقتيل من دون سبب...فقط لمجرد إرهاب الناس..

مر بذلك الحاجز فلاح بسيط(على باب الله)، يحمل شاحنة محملة بالبطاطا..

تم توقيفه، وتفتيشه، ثم أمروه بالانصراف..

لقد نجا من الموت...

مشى مسافة أمتار، ثم عاد أدراجه فسألوه: ما الخطب؟ ما سبب عودتك؟

فأجابهم قائلا: بغيت نسقسيكم، مالكم نتوما والدولة؟

الترجمة: ما الذي بينكم وبين الحكومة؟!

فقالوا له: روح روح خير لك😅


القصة الثانية:

حدث في مدينة بومرداس، أنه كان هنالك شخص (نية) بمعنى ساذج، أي على نياتو كما يقول المشارقة.

وكانت الحكومة الجزائرية آنذاك تلاحق فلول آخر الإرهابيين، وتعد بجائزة مالية، لمن يقتل إرهابيا ويأتي بجثته.

أحدهم كان معدما ففكر أن يستدرج صديقه(الساذج) إلى الغابة، ويسلمه مع غنيماته، للإرهاب في مقابل أن يقتلوه، ويسلموه جثته..فقد كان جبانا على أن يقتل بنفسه..

استدرجه لمرتين، لكن في كل كانت مساعيه تبوء بالفشل..

بعدها بأشهر أو أعوام لا أدري، ندم على تفكيره الإجرامي ذاك، وقرر مصارحة صديقه.

وبالفعل أخبره بكل شيء وطلب منه أن يسامحه.

فقال له الأخير: على هاد الهدرة ارواح نديروا فيها قهوة.😄

هكذا ببساطة😅


تذكرت في هذا الصدد، سؤال أحد الآباء للشيخ عمر عبد الكافي عن ولده حين قال للشيخ:

ولدي ياشيخ بعمر 17 لكن على نياتو، وأنا خايف عليه من الدنيا والمجتمع.

فأجابه الشيخ عمر عبد الكافي قائلا بأن الدنيا ستربيه، وبأنه سيتعلم من أخطاءه.

فقال الأب: ياشيخ ماذا يتعلم؟ أقولك والله درويش..

فقال له الشيخ: إذن لن يضيعه الله.

الله يحفظ عباده الطيبين.


#شمس_الهمة

لماذا لا يستجيب الله دعائي؟!

 لماذا لا يستجيب الله دعائي؟!


في مرحلة المتوسط، كانت تدرسني أستاذة لغة إنجليزية جميلة وملتزمة، وتدرس المادة بإتقان وحب.

وكان من أثر ذلك على كل تلاميذها، أنهم أتقنوا المادة وتفوقوا بها وأحبوا اللغة الانجليزية بسببها..

وكان زوجها يدرس أخي اللغة العربية، والتربية الإسلامية، وكان شخصا دينا ملتحيا ومتخلقا..

وكان يقول أخي؛ يحب الأدب ويستعذب الشعر، ويحبب اللغة العربية للتلاميذ..وكان حين تأتي حصة التربية الإسلامية، ينتهز الفرصة ليهرب من المقرر الجاف، ليحكي لهم قصصا من السيرة العطرة، والصحابة الأطهار، وكذا أخبار المعارك وبطولات المجاهدين الأبرار.

وكنا نحن الذكور ننسجم مع قصص المجاهدين، وبطولات الشهداء..

بينما كانت الإناث تذرف الدموع مع الأستاذ شوقا للرسول صلى الله عليه وسلم، أو حزنا على خبر مقتل هذا الصحابي أو ذاك...وكان الأستاذ إذ يرى مدامعهن، يرق حاله ويذرف الدمع أيضا، فلا نصبر نحن، ويجهش الفصل كله بالبكاء.

تلك الأستاذة كانت تخبرنا أن زوجها يحلم أن يصير محاميا، وكانت تقول بحسرة أنه يدعو الله كثيرا ويقوم الليل من أجل تحقيق هذا الحلم...وكثيرا ما طلبت من الدعاء لزوجها وأب أولادها..

وكان هو حين يتذكر أنه يفشل فء مسابقات المحاماة لمدة تزيد عن خمسة عشر عاما، تخنقه العبرات، على تلك الغصة بقلبه..

لقد كانت المحاماة شغفه وحلمه..

وكان الجميع من بعيد أو قريب يعرف ذلك..

في أواخر دراستي بالطور المتوسط...سمعت أنه نجح أخيرا...

فرحت وقتها من قلبي لأجله...

بعد أربع سنوات من ذلك التاريخ...قال لي أخي مرة هل تذكرين الأستاذ فلان وزوجته؟

فأجبته أن نعم...فمثلهما لا ينسى..

فقال لي أن الأستاذ حين أصبح محاميا طلق زوجته وشتت أطفاله الخمسة، وقضى على بيته السعيد

وهو الآن يعربد في الليل ويأخذ الرشاوى على القضايا الفاسدة في النهار..

نعم، هكذا أصبح ذلك الأستاذ النبيل...

نسأل الله العافية..

كلما تذكر أخي أستاذه وقدوته ذاك، فاضت مآقيه بالدموع..

ليته ما ربح...ليته ما صار محاميا...ليته ما دعا


#شمس_الهمة


الأربعاء، 10 نوفمبر 2021

الرجولة الحقيقية:

 الرجولة الحقيقية:

حدثتني احداهن وهي فتاة ملتزمة تقول:

كنت فتاة حسناء لافتة الجمال، لذا كان الخطاب يتقدمون لبيتنا مذ بلغت مبلغ النساء، ولا أخفيك أنني كنت أود التوقف عن الدراسة، والقرار في البيت، وتأسيس أسرة.

لكن بعد قصصي مع الخطاب، كرهت الزواج، وكرهت الرجال، وخاب أملي في الملتزمين.

كان أقصى طموحاتي رجل ملتزم، يعرف حدود الله، ويحتكم لشرعه، لكنني وجدت مظاهر التدين ولم أجد الدين، فلم أجد أحدا يفهم لب الدين وجماله وفلسفته، كل ما وجدته هو مظاهر وقشور، وكان أن رفضتهم الواحد تلو الآخر، فلم يملأ علي واحد منهم قلبي وعقلي وروحي.

وكنت بيني وبين نفسي أضع شروطا للخاطب، لا يمكنني التنازل عنها، ألا وهي الكفاءة في الفكر والعلم والثقافة(فلم أكن لأقبل بشخص لم يكمل تعليمه)، السكن المستقل، وإتمام دراستي الجامعية حتى الحصول على الشهادة، أما فيما يخص مواصفات الشريك، فلم أكن متطلبة، ولم أكن أميل للشكل أو المظهر الخارجي، فالرجل عندي لا يعيبه شيء سوى الدين والخلق.

غير أن الشيء الوحيد الذي كنت أنفر منه، هو البدانة الظاهرة في الرجل، والكرش المتدلي، والصلع.

كنت سأقبل بالقصير، والذميم، والنحيف وغيرهم...غير أني كنت لا أحب الرجل السمين، ولا أتخيلني زوجة لهكذا شخص.

في أحد الأيام انتقل إلى مدينتنا شاب يعمل في صناعة الحلويات، وأصبح أخي شريكا معه في المحل، وأخي الآخر عاملا به، ٱضافة لعمال آخرين.

كان الشاب غريبا عن المدينة، من أقصى الشرق، (جيجل) بالتحديد.

أخي قام بالتجارة وبأعمال حرة وكثيرة، ومختلفة، وقام بشراكة مع كثيرين، وكان ينتقد شركاءه كل مرة، لعدم الوفاء بالعهود، وكلام الرجال، وغيرها من المشاكل، لدرجة أصبح لديه خبرة بمعادن الرجال.

لكن هذه المرة وطيلة سنة كان كل مرة يكتشف مواقف تسره من صديقه، فقد كان طيبا، شهما، خلوقا، وحنونا، رغم أن مظهره لا يوحي بالالتزام.

كان يحنو على العمال ويتواضع لهم ويلاطفهم، ويمنحهم أجورهم قبل أن يجف عرقهم، ولا يكلفهم فوق طاقتهم.

إضافة لتخصيصه يوم الجمعة مجانا للفقراء، أما الحلويات البائتة فكان يتصدق بها ولا يبيعها.

هذا إضافة إلى وفاءه بالعهود، وسماحة طبعه.

أما أخي الصغير، فكانت مهمته تقتضي بيع تلك الحلويات، لذا كان صندوق المال كله تحت تصرفه، وهو لما يبلغ بعد مبلغ الرجال فقد كان مراهقا في السادسة عشر من عمره.

وكان هو الآخر لا يكف عن الإعجاب بأخلاقه، وطريقته في التعامل، فكان يمنحه الثقة المطلقة، ويطلب منه أن يلجأ إليه عند الحاجة، أو حين يخطئ بدل الخوف الذي يؤدي للكذب وأشياء أخرى...وكان يشاركه البيع أحايين كثيرة فيرى أخلاق المروءة والرجولة في بيعه وتعاملاته، في صبره وحلمه، وجده وهزله، وراحته وتعبه.

وكذا اكتشف كيف تغدق يمناه، دون أن تعلم يسراه.

تقول الفتاة لي وهي تضع كلتا يديها على قلبها، وتسرح بعيدا، وكأنها تعرفه أول مرة:

لا أخفيك، فقد أمضيت عاما كاملا أخفي خفقات قلبي، وأنا أتسمع حديث اخوتي اليومي عنه، كلما ظهر موقف جديد يبرز نبل الرجل.

ثم حدث أن أسر لأخي أنه يريد الزواج وطلب منه أن يبحث له على عروس، وشرطه الوحيد أن لا تكون فتاة مادية.

وأخي الأحمق تركني في حسرتي أعاني، وأخذ على عاتقه مهمة البحث، والأنكى أنه طلب مني ترشيح فتاة تناسبه من الفتيات والصديقات اللاتي أعرفهن.

مرت فترة طويلة من البحث، ولم يجدوا طلبه، وكان الكثير من الشباب يعرضون أخواتهم عليه، غير أنه لم يجد مواصفات المرأة التي يريدها، بعد السؤال والتقصي عن تلكم البنات.

أمام كل ذلك، شعرت بالخوف أول مرة، شعرت بأنه بين لحظة وضحاها قد يصير لأخرى، فألمحت لأمي أني أرغب فيه بقوة، وأن كل شروطي السابقة أتنازل عنها كي أفوز بمثله.

أمي لم تملك نفسها هي الأخرى، فلطالما تمنت رؤية ابنتها بالفستان الأبيض...

تكلمت مع أخي في الموضوع، وطلبت منه تحديد موعد يتعارف فيه الطرفان.

تردد أخي وتململ وشعر بالإحراج، وصعب عليه أن يعرض أخته، بعدما تعود أن يأتيها الخطاب إلى بيتها هرولة في كل مرة، لكن والدتي قالت أن الآخرين ليسوا بأحسن منا، وأن الرجل يخطب لابنته أيضا، ومثله رجل لا يفرط به.

تم الموعد، تعارفت وإياه، قال أنه الأخ السابع لستة أشقاء، لكنه يود العيش مع والديه، والفوز بمرضاتهما.

تنازلت أنا عن السكن المستقل إذ علمت منه أنه سيوفر لي الطابق الأعلى والخصوصية اللازمة.

كان شابا ثلاثينيا سمينا ذا كرش متدلية، برأس تعلوه صلعة ، وهو إلى ذلك لم يكمل تعليمه، فقد توقف في عامه الثالث بالمتوسط، لكن كل ذلك لم يعد يهمني فقد أخذ بلبي وأحببت كل شيء فيه.

لدرجة جعلتني أتنازل عن أمور أخرى ما كنت لأتنازل عنها لأحد غيره، ألا وهي دراستي، لقد كنت في عامي الأخير، ومع ذلك قلت له أني سأتوقف إن طلب ذلك، فلست بحاجة لدراسة ولا شهادة بعد الظفر بشخص مثله، ملأ علي كياني كله، وأحسست بالأمان بوجوده.

لكنه رفض ذلك، قال أنه سيخطبني، ويترك لي فسحة لإتمام عامي الأخير، وأن المقادير بيد الله، ولا يمكنه أن يترك زوجته عالة تتكفف الناس لو حدث له مكروه.

وأن الشهادة سلاح بيد المرأة، إذا تقلب بها زورق الحياة.

وأمام موقفه الرجولي الشهم هذا، كبر بعيني أكثر، وأيقنت أنه نسيج وحده لا يقارن بغيره.

اليوم بعد عشر سنوات زواج، لو عاد بي الزمن إلى الوراء، فلن أختار غيره.

لكن تجربتي استثناء، ولن أقول للفتيات عبارة (اعطيهولي فاهم وماشي قاري)، ولن أقول لهن تنازلن عن كل شيء للرجل، لأنني إذ تنازلت، تنازلت بعد معرفتي له معرفة حقيقية دامت لسنتين، خبرت فيها سلوكه وأخلاقه وأحواله، ولم أغامر بالتنازل لشخص لم أعرفه بعد حق المعرفة.

وأن الشريك والسند الحقيقي هو ذاك الذي لا يجعلك بين خيارين أحلاهما مر، بل هو ذلك الشخص الذي يوجهك أحسن توجيه، ويحسسك بالأمان، ويتيح لك البدائل والخيارات التي تناسبكما معا.

وأقول أيضا أن المرأة مستعدة للتنازل عن أشياء كثيرة، إذا صادفت رجلا تام الرجولة، تحس معه بالأمان.

وأختم بهذه القصة ((قال رجل لعمر بن الخطّاب -رضي الله عنه-: إنّ فلانًا رجل صدق، قال: سافرت معه؟ قال لا، قال: فكانت بينك وبينه خصومة؟ قال لا، قال: فهل ائتمنته على شيء؟ قال لا، قال: فأنت الذي لا علم لك به، أراك رأيته يرفع رأسه ويخفضه في المسجد!.))

#شمس_الهمة








صباح الخير يا جاري، انت فحالك وأنا في حالي!!قصة

 


صباح الخير يا جاري، انت فحالك وأنا في حالي!!


قدم رجل وزوجته وطفليه لبلدة جديدة، ومكث فيها مدة لم يتعرف فيها على جيرانه، ولم يتعرفوا عليه، تماما كما يفعل جيران هذه الأيام.

وذات ليلة من الليالي، كانت زوجته حبلى ففاجأها ألم المخاض في منتصف تلك الليلة، فطلبت من زوجها أن ينقلها للمستشفى.

وكان له طفلان صغيران، أحدهما يحبو والآخر يمشي.

فكر الرجل بينه وبين نفسه، أيترك الطفلين نائمين، أم يوقظهما ويأخذهما معه إلى المستشفى، أم ماذا يفعل بالضبط؟!

نقل الزوج انشغاله لزوجته المنهمكة بآلامها، فأشارت عليه بأنها لن تستطيع الانتظار وأن المستشفى قريب وسيعود إليهما سراعا قبل استيقاظهما.

خرج الزوج وزوجته تاركين أطفالهم نائمين، أغلق عليهم الباب بالمفتاح وانطلق وزوجته بالسيارة إلى المستشفى.

أدخل زوجته إلى قسم الولادة، وقام بكل الإجراءات اللازمة، ونقلت زوجته إلى غرفة الولادة، وحين أتم أموره كلها، انصرف مسرعا إلى بيته فهو يعلم تماما أنهما لوحدهما والباب مغلق دونهما.

فالزوج لم يخبر أو يعلم أحدا من جيرانه، ولم يوصي أحدا منهم بأطفاله.

انطلق مسرعا بالسيارة، واذ به يتسبب بحادث سير أودى بحياته.

حضرت الشرطة ورجال الحماية المدنية، وكذا الإسعاف، تم إزاحة السيارة عن الطريق، ونقل جثة الرجل إلى ثلاجة حفظ الموتى.

بقيت الزوجة في غيبوبة إثر التخدير الكامل لمدة يومين كاملين، أفاقت الزوجة بعد ذلك، ونقلت إلى غرفة عامة هي ومولودها الجديد.

استغربت الزوجة عدم اتصال زوجها، فليست تلك عادته، فقد كان السباق دوما للسؤال عنها في الأفراح والأحزان.

لم تكن تعلم أن الزوج ميت، والأطفال تركوا لوحدهم في الشقة.

يقال أنهما عطشا، ويقال أنهما اختنقا من الحر، صرخوا وصرخوا وصرخوا، بكوا وبكوا وبكوا لكن لا مجيب.

بعد فترة غير يسيرة من الصراخ والبكاء توفي الطفلان.

تحمل مولودها مسرورة، لكنها استبطئت زوجها ولعبت برأسها الخواطر والأفكار.

انتظرت كثيرا، وتضايقت من الأمر فأرسلت من يسأل لها موظفي الاستقبال، وقدمت لهم المعلومات الكافية حول اسم زوجها ولقبه وموعد زيارته الأولى، وقالت أنهما تركا طفليهما لوحدهما في الشقة.

لم يجد مسؤولو المستشفى من يدلهم على الزوج فالهاتف لا يجيب، وأمام هذا الوضع قالوا لها أنه لايوجد حل سوى السؤال عنه في قسم الحوادث.

وبالفعل تم الاتصال وتقديم المعلومات الكافية، فكان الجواب بعد رحلة بحث طويلة أن الزوج توفي بحادث سير تلك الليلة، وأن جثته محفوظة في ثلاجة حفظ الموتى، تنتظر من يتعرف عليها ويأتي لاستلامها وإكرامها بالدفن الذي يليق.

أخبرت الزوجة بذلك فشرعة في البكاء المرير، ثم تذكرت أطفالها فأرسلت من يأتيها بالخبر اليقين.

ذهبوا لتفقد الشقة فإذا الطفلان قد توفيا جوعا أو عطشا أو خوفا الله وحده يعلم ظروف وسبب الوفاة الحقيقي.

لا الجيران عرفوا بأمرهم، ولا الأقارب، ولا أحد كان يعلم شيئا.

حملت جثة الطفلين، وضمت لجثة والدهما، وأتى الأهل والأعمام والأخوال وأتى الجيران، وحين سئلوا قالوا أنه جار جديد جاء منذ شهر، لم نتعرف إليه ولم يتعرف إلينا.

فانتبهوا يا عباد الله، بعضنا صار يقول أنني لا أحتاج أحدا من الحيران.

أملك المال والعيال ومستغن عن العباد.

أعيش كالسلطان في بيتي فلا أخالط جارا ولا بشرا

أبتعد عن المشاكل والناس فلا أريد أن أسبب الصداع لنفسي؟!

انتبهوا واحرصوا على الصلاة جماعة في جامع الحي

الجامع سمي الجامع لأنه يجمع الناس.

الثلاثاء، 26 أكتوبر 2021

قصة غرق

 التقيته في الخدمة العسكرية، شابا خلوقا طيبا لكن به مسحة حزن عميق جدا، وهو إلى ذلك انطوائي لا يكاد يجلس معك لهنيهة حتى يغادر فورا ليختلي بنفسه.

كانت ليلة مقمرة هادئة حين توليت نوبة الحراسة الليلية وكان هو شريكا لي بتلك المناوبة.

تجاذبنا أطراف حديث عميق لأول مرة، حكى لي فيها سبب وجوده بالخدمة العسكرية، وسبب حزنه الدفين ذاك.

قال انظر للقمر، وأشار بإصبعه نحو السماء.

هل ترى جماله؟ لقد كان مثل القمر تماما

- من؟! سألته مستغربا

فأجاب: ضياء كان اسمه، ابن لأختي البكر 

كان حبة القلب ومهجة الفؤاد...كنت أحبه حتى إني لأمرض إذا غاب عني أسبوعا واحدا، طفل بهي في الرابعة من عمره.

ثم جاء ذلك اليوم المشؤوم...أردت الذهاب إلى البحر وراودت أمه وأباه لأخذه معي.

وافق أبوه، وامتنعت أختي.

ولازلت بها حتى أقنعتها...

يومها كان بجانبي، رن هاتفي فملت على جيبي ثانية واحدة لالتقاطه.

وفي جزء من الثانية، أعدت رأسي لوجهته، فلم أجد الصبي.

بحثت وبحثت وبحثت بلا جدوى.

-لقد كان هنا، من ثانية فقط كان هنا

-ماذا حدث بعدها؟ سألته مستفسرا

وجدوه بعد مدة، بعد أن لفظه البحر، جثة هامدة.

التحقت بالخدمة العسكرية فرارا من تأنيب الضمير، لكن الاحساس بالندم والذنب يلاحقانني أينما ذهبت.

أنام بالمهدئات، وأكاد أفقد عقلي.

(قصة حقيقية) رواها أخي على لسان صديقه

الخميس، 9 سبتمبر 2021

لن أتزوج الطبيبة!!قصة

 من الأرشيف:


لن أتزوج الطبيبة:


- البنت طبيبة .. وجميلة .. ومن عائلة .. وأخلاقها زي الفل...لم ترفضها؟


- أفضل أن أتزوج هندية أو صينية ولا ( إني أتزوج ) بنت عمي الطبيبة ؟؟


- لم ياصديق .. لم يامغفل ..؟؟


- لأنها تعمل في المستشفى .؟؟


- والمستشفى يا "ـــــــــــــــــ" هو مسرح أو كباريه أو ** ــــــــــــــ ؟


- ترفضها لمجرد أنها تحمل فضيحة (طبيبة) !!!


- تمعض وجهه و تغير و كأنني نطقت بكلمة مشينة......وبدأ بإلقاء محاظرة عن وجوب ملازمة المرأه لبيتها و عدم اختلاطها بالرجال وووو....


- ألستم تركضون ببناتكم وأمهاتكم وأخواتكم للمستشفى عند بوادر أي عارض ؟


إنها المهنة الإنسانية الشريفة.. وفي مجتمعنا آلاف الطبيبات العفيفات المحتشمات)..(جديرات بالإحترام والتقدير)..


أتعجب من نظرتك للطبيبة وكأنها نزعت دينها وعفافها!!!


( كيف تريد طبيبة تعالج محارمك وأنت تحتقر تلك التي تعبت وسهرت سنين من عمرها حتى تجدها في المستشفى بإنتظار مرضى بنات المسلمين )؟


- يا أخي شوف المستشفيات الخاصة مثلا:


أول ما تدخل المستشفى يحطوا لك بنت متبرجة عليها سطل مكياج في وجهها – كنوع من الدعاية اللامباشرة للمستشفى-


- الطبيبة لم تفرط في دينها ولا في عفتها وشرفها بل طلبت العلم وسهرت وكافحت بحجابها وأخلاقها وخرجت من بيتها ليلاً ونهاراً في سبيل المهنة الشريفة في وقت ترضى لمحارمك الخروج بأنصاف الليالي والعوده فجرا على حفلة رقص وغناء وأفراح, الطبيبة يحدث أن تختلط بالرجال وتتحدث معهم وهي مجبرة على ذلك فكيف بك تترك, أخواتك ونسائك في الأسواق يتمشين بين الباعة ولم تتحرك غيرتك الساكنة ونبذت هذه الطبيبة واحتقرتها وهي التي تؤدي عملها في حشمة وأدب؟؟؟


- الطبيبات مجرد «عاهرات» تلقين تعليما جيدا!!!


قالها وانصرف بسيارته بعيدا عني تحاشيا منه لمزيد من النقاش حول الأمر....


******************


كان ذلك صديقي"شريف" من أيام الدراسة ... شاب ثلاثيني لعوب ....كل يوم يشرب ويلهو ويصرف على الفتيات اللواتي يسهر معهن ..


لم تجد والدته – كعادة كل النساء الشرقيات- بدّا من القيام بتزويجه عسى أن يهديه الله ....!!!


لم تجد أمامها أحلى ولا أجمل ولا أنضج من ابنة عمه الطبيبة ( قمر ) والتي لا يحلم هو ولا ألف من شاكلته بأن يمروا بجانبها ..


قامت الأم بخطبة الفتاة....ووافق أهل الفتاة على طلبها كعادة كل الأسر الشرقية التي ترفض تزويج بناتها لمن لايعرفونه ..."ابن عمها أولى فيها من الغريب" ...


**************


رفضها بحجة أنه نما إلى علمه أنها تعمل في المستشفى وأنها في مكان مختلط..!! وعلى الفور تم فسخ الخطوبة ..


المشكلة أن هذا "الجاهل" ( تلقى تعليمه في الخارج ) متعلم ومثقف حسب معايير الفتيات اللواتي يخالطهن والعائلات الثرية التي ينتمي هو إلى إحداها ..!


لا أدري لماذا شعرت لحظتها بحاجتنا الملحة الى ** ينظف البلد من التخلف المعشش في أدمغة يصعب علاجها إلا بالقهر ..!


ولا أدري حينها لم جال بنفسي هذا الخاطر "هل لابد أن نمر بتجربة تاريخية مؤلمة حتى نحترم المرأة وبالأخص الطبيبة ؟


حتى نعيد لها الإحترام الذي منحه لها الله والرسول صلى الله عليه وسلم .. وسلبه منها الجهل والعصبيه الغبية ؟؟


****************


مرت شهور على الحادثة, وتزوج صديقي شريف من فتاة متواضعة الجمال, لم تكمل تعليمها الثانوي, طبعا أصبحت تلك عادة عند الشباب الذي جرب شتى أنواع النساء,لدرجة أنك تجد الشاب أحيانا بقمة بالسوء, تافها و لعوبا, وإذا أراد الزواج


بحث عن قطة مغمّضة لاتعرف من الدنيا ولا التكنولوجيا ولا الحياة شيئا يذكر!!!


لذلك يقال :"من أشد أنواع الظلم الاجتماعي هو بحث الأهل عن زوجة صالحةلإبنهم السيء" ....


هاهي الأيام تمر, وصديقي شريف يستعد ليكون أبا, فزوجته حبلى وقريبا يزدان البيت بطفل تملأ ضحكاته وصرخاته أجواء المكان....


لكن ترى ماذا يخبئ له القدر؟؟؟


******************


كانت الساعة تشير الى السابعة من صباح ذلك اليوم المشهود, عندما استيقظت على صوت صراخ وعويل نساء الجيران, والتي علمت فيما بعد أنها تعود لجارتنا أم شريف...


أسرعت الى الباب الخارجي لألقي نظرة وأعرف ماحدث لجيراننا, فاذا بي أجد الشارع مكتظا بالناس والمارة وسيارات الشرطة تطوق المكان ...


سألت أحد المتجمهرين لأستوضح منه الخبر فقال :


- صديقك شريف أطلق النار على طبيب قام بتوليد زوجته البارحة...


وقع علي الخبر كالصاعقة لم أتوقع أن يصل الأمر الى هذا الحد...وعادت بي الذاكرة الى الوراء فقد تذكرت حينها الخاطر الذي مر بي أثناء نقاشي مع صديقي "شريف " هل لابد أن نمر بتجربة تاريخية مؤلمة حتى نحترم المرأة وبالأخص الطبيبة ؟"


***************


انتشر الخبر انتشار النار في الهشيم,حيث نشرت صحيفة "العالم الثالث" مقالا عن الأمر جاء فيه:


" برر مطلق النار على طبيب النساء والولادة بالمستشفى ظهر اليوم بأن سبب هجومه على الطبيب كونه قام بإجراء عملية الولاده لزوجته ، وأن المستشفى **يفترض** أن تكون به طبيبة للنساء والولاده !!


وفي التفاصيل وفقاً لموقع سبق، أن الجاني قدم للطبيب داخل عيادته وأستدعاه, وقال له أريد أن أقدم لك الشكر والعرفان, على ما قمت به تجاه زوجتي, التي قمت بتوليدها، وقام بإستدراجه الى حديقة المستشفى, التي كانت تعج حينها بالأطفال، وقام بإطلاق الرصاص عليه ولاذ بالفرار، فيما تم نقل الطبيب للعناية المركزة حيث استقرت الرصاصة بكتفه.


هذا وقد تم القبض على الجاني بعدما لاذ بالفرار بعد واقعة إطلاق النار .


و بين المتحدث الإعلامي ‏‏أنه تم إسعاف الطبيب حيث تبين أنه تعرض إلى طلق ناري في الذراع الأيسر حيث اخترقت الرئة ‏وصولا إلى استقرارها في الكتف....


قرأت المقال وأنا لا أزال في حالة من الحيرة والذهول, ثم تتبعت تعليقات رواد مواقع التواصل الاجتماعي عن الحادثة, الأمر الذي أطلق العنان لتعليقات المتابعين في العالم العربي, والتي كان معظمها يطالب بضرورة وجود الطبيبات في مستشفياتنا...


- هل انقرضت طبيبات النساء في العالم حتى يجلب لنا الذكور؟


- لماذا الرجال يعالجون نساءنا, هل نحن في أوروبا ؟


- نريد امرأة في قسم الاشعة


- نريد امرأة في قسم التوليد


- نريد امراة في الطوارئ


تعليقات أخرى ذمت تصرف الرجل وقامت بشن هجومات شرسة ...


- ليته تركها حتى يموت الجنين و ينقطع نسل هذا الحيوان أو يأخذها لطبيب بيطري يناسبه..


- الضرورات تبيح المحضورات قاتل الله الجهل والجهلاء...


- هل تعلم أيها الجاهل أن العمليات القيصيرة يجريها أطباء جراحين يعني عدد الطبيبات شيئ لا يذكر .....


وحتى لا أتهم بالمبالغة فإن نظرة عابرة إلى ردود الفعل في وسائل التواصل على هذه الجريمة البشعة تبين وجود قدر لا بأس به من التعاطف مع صديقي معصوم والتأييد له، ومن المتعاطفين من ذهب به التعاطف إلى اعتباره بطلا عظيما وقدوة للغيورين!


فكانت تعليقاتهم كالآتي:


- بالنسبة له كرجل أخذ حقه واستعاد شرفه من الطبيب...


- الدكتور يستاهل !!


- خلوا العلم لكم وحدكم واتركونا في جهالتنا إذا كنتم ممن يرضون الكشف على عورات نسائهم فمبارك لكم هذا التحضر وهنئتم عيشا في الدنيا وفي الآخرة ...!!!!


- غيرتنا خير لنا من تفتحكم وتحضركم والواضح أن الغيرة قد نزعت من قلوبكم..


ليرد آخر على تلك التعليقات قائلا:


- داووا مرضاكم بالمسدسات. ------- المُجرِم الأخطر هو ذلك الذي بَرَّرَ الجريمة وقال: "يستاهل الدكتور".


وبين أولئك وأولئك ,حار فكري وضاقت بي أنفاسي, وأصابني الصداع, من ازدواجية هذا المجتمع..حينها كتبت مداخلتي التي قطعت تدفق طوفان التعليقات بالآتي:


- مرة ضد عمل المرأة !


- مرة ضد الزواج من الطبيبات !


- مرة ضد وجود إمرأة في مناوبة ليلة!


***


- ومرة نريد إمرأة في قسم الاشعة !!


- نريد إمرأة في الطوارئ!!


- نريد إمراة في المناوبة الليلة!!


الذين يطالبون بضرورة وجود الطبيبة هم أنفسهم يرفضون أن تدرس بناتهم أو أخواتهم في المجال الصحي أو أن يعملن في المناوبات والمستشفيات !!!


من يوفق بين هذه العبارات؟


الغيرة والديوثة وعمل المرأة والحلال والحرام...؟


/


/


/


حتى في الإسلام الأول في عهد النبي عليه الصلاة والسلام كانت المرأة تعمل فمثلا هذه الصحابية رفيدة فتح لها الرسول مستشفى في إحدى الخيام وممن عالجتهم كان الصحابي الجليل سعد بن معاذ لقد كان بإمكان الرسول أن يعلم رجلا ويجعله هو يعالج؟! مثل آخر الصحابية هند بنت عتبة أقرضها الخليفة عمر بن الخطاب مالا لتعمل في التجارة ! فهل كانت ستتاجر مع نساء؟؟! إنه يعلم أنها كانت ستعمل مع رجال ولو كان الأمر حراما لمنعها ثم إن عمر رضي الله عنه وكل أمر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الأسواق لامرأة إسمها الشفاء!


قرأنا عدة فتاوي تمنع المرأه من الخروج


و الأن نقرأ ( مواقف صحيحة ) لنساء زمن الرسول عليه الصلاة و السلام


فأيهما أحق بالاتباع .. !!


بقلمي شمس الهمة

العيد

 تلك اللحظات الحرجة قبيل يوم العيد، ذلك التعب، والضغط، تلك الأمور التي أنجزت نصفها والنصف الآخر ينتظر منك اتمامه حالا، ذلك التوتر، وتلك الأع...