القصة الثالثة:(لن أتزوج فتاة تعمل)
قالت إحداهن فيما ترويه عن عمها الأعزب:
كان شابا مدخليا وسيما فارع الطول، بأدب جم، تتمناه زوجا كل من تراه.
كان مستواه محدودا فهو لم يكمل تعليمه الجامعي بسبب فتاوى تحرم اختلاط الجنسين.
وهكذا قضى على مستقبله الدراسي، وحكم على حياته بالفشل، وقضى على ما حباه الله من تفوق ونبوغ.
وهو إذ ترك الاختلاط الجامعي، فإنه مارس الاختلاط أكثر حين مارس مهنة تجارة الملابس، فقد كان أغلب زبائنه من النساء.
تقول ابنة أخيه أنه كان يحرم عليها كل شيء، يمنعها من الخروج، ويحرض أباها كي يمنعها من إتمام تعليمها. ولو كان بيده أن يمنع عنها الهواء لفعل.
وبعد نجاحها في شهادة البكالوريا بتقدير جيد جدا، قام ببلبلة كبيرة، وأثار جدالا عائليا...رغبة في منع الفتاة من إتمام تعليمها...لكنه هذه المرة لم يتمكن من فرض سيطرته على والدها.
كون المقربين تدخلوا كي يقنعوا والدها بالسماح لها بإتمام تعليمها، فمعدلها يؤهلها لأرقى التخصصات.
وحين اختارت تخصص الطب، لم تسلم سنواتها السبع من مضايقاته وفتاويه وتسلطه.
تقول الفتاة أنها كانت تدعو الله دوما كي يخلصها منه، وكان من جملة دعائها أن يرزقها الله بزوج متفتح يخلصها من براثنه.
كل سنواتها خاضتها بطوفان من الدموع، وهي تفكر أن مستقبلها الدراسي مهدد بالضياع مادامت تحت رحمة عمها المتشدد.
كان يكره الجامعة وفتيات الجامعة، ويكره النساء العاملات ويقول عنهن فاسقات.
تأخر زواجه وكللت كل مساعيه في البحث عن زوجة صالحة بالفشل.
ولا عجب!! تقول ابنة أخيه، شدد علينا فشدد عليه الله.
ولو رحمنا لرحمه الله وأنار طريقه.
بعد قنوطه لان قليلا مع بنات أخيه، وأصبح يعاملهن بلطف.
المشكلة تقول ابنة أخيه لم تكن في التشدد فحسب، إنما كانت في المواصفات الخيالية التي كان يريدها بزوجة المستقبل، حسناء طويلة، ليست جامعية، تحفظ كتاب الله، قارئة نهمة تقرأ كتابا كل ليلة، والأهم أن لا تكون عاملة. ولا تعرف وسائل التواصل الاجتماعي.
تقول وكنت أنا أسخر من أحلامه الطفولية السخيفة، وأقول في نفسي :"نعم انتظر، ستنزل عليك فتاة الأحلام من السماء".
استمرت معاناة الشاب، واستمر كذلك بغضه لجميع النساء وخصوصا العاملات.
ثم تزوج ثلاثة من اخواله في فترة متقاربة، وكلهن كن ضد المرأة العاملة، وبارك هو اختيارهم.
وبعد مدة رأى بنفسه حصاد سوء الاختيار، فتيات فارغات لا هم لهن سوى المسلسلات، وحفلات الزفاف، والتسكع في الأسواق والطرقات، لا يرعين حق زوج فيخرجن في غياب أزواجهن عند الجارات، ولا يهتممن بتربية أطفالهن وتثقيفهم.
ولأنهن لم يكملن تعليمهن، وتوقفن عن الدراسة في سن متأخرة، فقد اكتسبن من الشارع والعجائز وكذا مجالس الغيبة والنميمة لغة وتربية شوارعية مشبعة بالجهل والخرافة والأوهام والدجل.
وكن يعوضن عقدة النقص لديهن بالبهرجة في المأكل والملبس، والتكبر ، التكبر على الحماة، وعلى الزوج والنعم، وكذا التكبر على خلق الله.
كيف لا، وقد قيل: ”وملء السنابل تنحني بتواضع والفارغات رؤوسهن شوامخ“.
كان يرى ويسمع كل يوم شكاوى أخواله، فتعقد أكثر من النساء.
ثم تزوج اثنان من أبناء عمه بزوجات عاملات، احداهن معلمة والأخرى أستاذة.
وكان ينتظر بشغف وقوع المشكلات، ليظهر تشفيه بعد قيامه بنصحهما لكنهما لم ينتصحا.
لكن مضت الأيام والأشهر والأسابيع هادئة هانئة والأزواج في انسجام.
ولأنهم كانوا يسكنون بفيلا مشتركة، فقد كان يسمع أخبارا طيبة عن الزوجتين الجديدتين.
وكيف كانت والدته تعقد مقارنة بينهن وبين نساء أخواله، فتجد البون شاسعا والفرق واضحا..
من حسن تبعل، ونظافة، وبراعة في فنون الطبخ، وكذا أدب وتواضع وأخلاق.
كان التنميط السائد لديه ولدى أمثاله من الشباب أن الجامعيات فاسقات، مخشوشنات، جريئات ولا يعرفن كيف يسلقن بيضة، ويعتقدون إلى ذلك أنهن بغير حياء ولا دين ولا يوجد فتاة منهن لم تعرف علاقة محرمة من قبل.
تقول ابنة أخيه وجاءت سنة التخرج، وقد كنت أحمل هم ما بعدها، فعمها وإن سمح لها بالدراسة مرغما حتى الحصول على الشهادة، فإنه مؤكد لن يسمح لها بالعمل سيما مع وجود مناوبات ليلية.
وكنت أدعو الله الخلاص.
وقبل انتهاء السنة، كان عمها قد يئس من العثور على فتاة سلفية، فطلب من والدته أن تبحث له عن فتاة عادية كي يتزوج والسلام.
لكن حتى هذا المسعى لم يوفق إليه..
لذا قرر اللجوء إلى الله بقيام الليل، ثم قرر الانطراح بين يدي الله في بيته، فقام بأداء عمرة.
كان يعمل تاجرا، والله مغدق علين بالمال الوفير، بعدها بأشهر قرر فتح مطعم للبيتزا مع صديقه، ودفع فيه كل أمواله...
وقتها ابتدأ الحراك فأفلس المطعم، وخسر أمواله وأصبح مدينا..
عرضت عليه والدته أن تخطب له فتاة صادفتها في مناسبة زفاف، فرفض كون المواصفات غير مشجعة، إضافة لإفلاسه فمن أين سينفق عليها.
ودخل في حالة يأس، وكآبة شديدة، وقرر اللجوء إلى الله والانطراح بين يديه.
لكن بعدها بأسبوع فاجأه صديقه باتصال يقول فيه أنه وجد فتاة سلفية تناسبه..
تعمل طبيبة، وقالت أنها ستتوقف عن العمل حال الزواج.
قال أنها منقبة، وجميلة، وتحفظ القرآن.
كان الشاب قد وصل إلى مرحلة القنوط واليأس بخصوص العثور على زوجة صالحة، وكذا بات يدرك أخيرا أن عمل المرأة لا ينال بالضرورة من أخلاقها وشرفها..لذلك تحمس قليلا للفكرة، ثم ما لبث أن أحس بحزن شديد، كونه لا يملك الان المال الكافي للزواج..وكونه قد يكون غير مقنع ومرغوب للفتاة. من جهة لتواضع تعليمه، ومن جهة أخرى وضعه المادي.
لم تكن الطبيبة تريد شيئا سوى شاب سلفي، وكانت قد مرت بتجربتين فاشلتين من قبل مع الخطبة والزواج.
لذلك كانت تحرص كل الحرص أن يكون سلفيا حقا، وليس مثل الآخرين لحية وقميص فقط.
ذهب لمقابلتها وهناك تم القبول وحدث الزواج بعد ثلاثة أشهر.
وفتح الله عليه بالمال من طريق وحكاية أشبه بالمعجزة، فاكترى منزلا وابتاع أثاثا ودفع مهر الفتاة.
تقول ابنة أخيه، بعد الزواج بأسابيع كنت أراه سعيدا بها، وهي سعيدة به.
كانت فتاة جميلة جدا، تقرأ الكتب، وتحفظ القرآن، وتتبع المنهج السلفي، تماما مثلما أراد.
وشعرت أنا بالقهر، كيف يستجيب الله له، وهو بهذا السوء؟
كيف يتزوج طبيبة وكان سيقضي على حلمي ومستقبلي؟
كيف تزوج هو، وبقيت أنا هنا لا أزال تحت رحمته،( الآن أصبحت لديه فرصة أكبر ليتبجح علي بزوجته الدكتورة التي قرت في البيت، ويطلب مني أن أفعل مثلها).
ثم أعود فأستغفر الله بإسراف، وأبحث عن سبب أفسر به ما حدث.
مرت الأيام والأسابيع، وأنا في حيرة شديدة..
جاء قرار عملي أخيرا بعد ستة أشهر من المكوث في البيت..
فبارك عمي وزوجته وظيفتي الجديدة، ولم يثر عمي كما كان يثور من قبل.
فهمت بعدها أن زوجته الطبيبة، غيرت بأدبها وأخلاقها كل ما كان يعتقده عن العاملات..
لكن سؤال لماذا رزقه الله وهو بهذا السوء كان صداه لا يزال يتردد بأذني..
حتى أتى ذلك اليوم الذي تسامرت فيه أنا وزوجته فحكت لي كيف كان عقب يأسه وقنوطه يدعو الله ويلح بالدعاء والصيام والقيام.
بينما نظرت إلى حالي فوجدتني مقصرة كثيرا في هذا الباب، وهو كان مجتهدا وصادقا في لجوءه إلى الله.
وعلمت أيضا أن لكل شخص ورقة امتحانه، وقد استوفى عمي شروط معادلة النجاح من صبر وإعفاف النفس ولزوم الطاعات والنوافل، فكافأه الله.
فرغم سوء الأشخاص، أو قسوتهم الظاهرية، أو المعاصي المبتلين بها، غير أننا لا نعلم حقا ماذا بينهم وبين الله، فقد تكون لهم حسنات خفية مطمورة في بحر سيئاتهم.
بعد ذلك تزوجت أنا الأخرى، تزوجت بشاب مثلما تمنيت، من قرابة زوجة عمي، وكانت هي من رشحتني له.
فأدركت وقتها حكمة الله وتدبيره، وأن ما كنت أعتقده شرا محضا، حمل لي خيرا كثيرا( الوظيفة والزوج).
ولولا تدبير الله لما كان ماكان.
#شمس_الهمة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق