زواج ابنة المدينة في الريف:
قالت لي: أتعرفين... أكثر ما أخافه رجل تقليدي، أو بيئة تقليدية كالقرى أو المدن الصغيرة.
أحس أن اختيار أب لأطفالك مسؤولية، وتلك البيئات المنغلقة لا تساعد المرء.
تخيلي أن أختي خطبها فارس أحلامها، وكل ما تمنته رزقها الله اياه.(زوج ملتح، خلوق وأمواله كثيرة) يعيش بمدينة برتبة دائرة، لكنها جد متخلفة...تخيلي أنه لا يأخذ معه ابنه إلى المسجد مخافة العين، لأن ساكني تلك المدينة متفرغون لمراقبة بعضهم...
وتخيلي أن تلك المدينة لا يوجد بها مصلى للنساء ولا مدرسة قرآنية لا للأطفال ولا للنساء ولا للرجال.
وأختي لا تخرج إلى أي مكان...يأكلون ويشربون وينامون...
حتى صار وزنها ثلاثة أضعاف...
وحين رجته أن ينتقل إلى مدينة أخرى، رفض قائلا(ماذا ستقول عني والدتي واخواني وقبيلتي؟)
لا أستطيع مفارقة أهلي...
هل هذه هي الحياة التي أمر الله بها؟
هل هذا هو الزواج؟
وقالت أخرى:
صديقتي سلفية كانت تحلم بأخ سلفي ملتح، بقميص ومقصر، لم تتمنى ولم تشترط شيئا إذا وفقها الله لزوج من هذا النوع، صديقتي تلك ابنة مدينة وهران، فتاة عرفت نمط الحياة في المدينة منذ نعومة أظفارها، تخرج للصلاة في المسجد، والمدرسة القرآنية، إذا أحست بالملل تخرج لتتمشى رفقة صديقاتها بالحديقة، أو تتعب أقدامها في ماراتون التنقل من مركز تجاري لآخر.
ثم تزوجت...رزقها الله بزوج سلفي وسيم بلحية وقميص كما تمنت...
يوم زفافها كان ماطرا، جاءت السيارات من ولاية قريبة لتخطف العروس من أهلها ومدينتها، وحين وصلت السيارات إلى القرية التي يقطن بها العريس، تفاجأ أهل العروس بانعدام طريق معبدة، واضطرت السيارات للتوقف في مكان بعيد، وتم جلب حصان لنقل العروس، وشاحنة من نوع (تراكتور) لنقل مرافقاتها.
وحين وصل الجميع إلى المنزل، وجدوا كل شيء إلا مسمى منزل، سمه آثارا رومانية، أو فينيقية، أو بقايا بيوت متهدمة من زمن المستعمر...
فالجدران أحجار متراكبة فوق بعضها، والبلاط غير موجود وبدله اسمنت مسلح، لا رخام، ولا جدران مدهونة، لا توجد تدفئة، والحمام غير مجهز بالوسائل الضرورية.
هذا هو قصرك عزيزتي!!
صرخت الأم من هول الصدمة!!
(لماذا دفعت بابنتي لهذا المكان؟)، والحقيقة أنها لم تدفعها، ولكن الفتاة اندفعت بعاطفة جياشة وانساقت وراء الفارس والأمير.
......بعد ثلاثة أشهر
أدركت الفتاة أنها سيقت إلى المنفى، وأن نمط الحياة التي كانت تعيشها بات من الماضي، فلا مساجد، ولا مدارس قرآنية، ولا صديقات، ولا حدائق...
الفتاة لم تتمكن من التأقلم، زارت طبيب أعصاب، وهي الآن تتناول المهدئات...
وقالت أخرى:
نعيش بالمدينة، لكن بعقلية تقليدية عتيقة، فزوجي يحبسني ويحبس أطفاله، ولا يرغب أن يدفع بأبنائي للمراكز الثقافية أو الرياضية، وذلك كله لأن زوجي ابن بادية لم يتخل عن أخلاق البداوة.
في حين تعيش الفتيات من حولنا بالطول والعرض، من رحلات وأسفار، ومتع...
ويكتشفن العالم والناس، والحياة...وينشأ أطفالهن في جو بهيج يعج بالحركة والحياة والاستكشاف...
يقبع الملتزمون والمحافظون في أماكنهم، اعتقادا أن هذا من الدين والبر...
والأدهى اعتقادهم بأن مجرد اختيارهم للزوجة الصالحة، سينشئ أطفالا صالحين، متفوقين، أقوياء..
والنتيجة أطفال خجولين، هزيلي الثقافة والعلم، لم ينجحوا ولم يسعدوا دينا ولا دنيا...
نحن ننادي بالإصلاح و نفسد أهم حلقة فيه " المرأة".
الماء الراكد فاسد، عكس الماء الجاري..
والمسلم رجلا كان أو امرأة ، لا يعيش على الهامش بمعزل عن العالم...إنما يؤثر ويتأثر ويتفاعل...
وبالتلاقي يتجدد الايمان، وتتبادل المنافع، وينتشر التنافس على الخيرات، ويعم الصلاح بدل الفساد.
كيف للمرأة أن تربي جيلا وهي حبيسة المنزل لا تعلم شيئا عن معارك الحياة...
كيف تربي جيلا قويا وهي لا تعرف كيف هي أحوال الدنيا وتقلباتها...
الوظيفة أو الدراسة وغيرها من أي دور تأخذه المرأة خارج بيتها، بات ضرورة في زمن أصبح فيه لزاما أن ننهض بأمتنا، وحتى نفعل ذلك يجب أن نفعل دور المرأة في المجتمع..
“حفظتني أمي القرآن وأنا ابن عشر سنين وكانت توقظني قبل صلاة الفجر وتُحمي لي ماء الوضوء في ليالي بغداد الباردة، وتُلبسني ملابسي، ثم تتخمر وتتغطى بحجابها، وتذهب معي إلى المسجد؛ لبعد بيتنا عن المسجد ولظلمة الطريق”.
هكذا يتحدث الإمام أحمد بن حنبل عن أمه التي غرست فيه غراس الإيمان منذ الصغر ليصبح فيما بعد إمامًا لأهل السنة والجماعة.
أتسائل في زمن الجاهلية المعاصر هذا، هل كان سيسمح للأرملة الصغيرة(18سنة)، أن تخرج لصلاة الفجر مع وليدها، كما فعلت والدة الإمام أحمد، لا ، طبعا، بل كانت لتسجن بداعي الغيرة والرجولة وكلام الناس؟
- من وصية مالك للشافعي:
(لا تسكن الريف فيذهب علمك ، من أراد العلا هجر القرى ، فإن الحسد في الأرياف ميراث).
- سئل الشيخ ناصر الألباني رحمه الله(هل للحضري أن يستوطن البادية؟) فقال:
أنا أقول لا يجوز أن تخرج من الحضر إلى البداوة هذا ممكن جديد بالنسبة لبعض الناس، لا يجوز أن تخرج من الحضر إلى البدو
،، لم؟.
لأنه الحضارة فيها علم فيها ثقافة فيها مساجد فيها مدارس فيها فيها إلخ ..أما البداوة ما فيها غير كما يقول بعض البدو ما فيها إلا التشول إلا الصحراء إلا البادية ثم قال عليه الصلاة والسلام : من بدا جفا
والكثير من الشباب الجزائري اليوم، يعتبر المرأة التي تشترط السكنى بالمدينة، "متطلبة" ، ولا تنطبق عليها صفات الزوجة الصالحة.
وفي هذا يقول شريعتي أن الفقر، ونمط العيش السهل المريح الخالي من التحديات والتعقيد، في أحايين كثيرة خيار وليس قدرا محتوما:
الزهد نوع من الاستحمار، لأنه يأمر الانسان ان يترك حقوقه الاجتماعية ،وحاجاته الطبيعية جانبا، ويقطع حبل الامل منها جميعا ، ويبقي الانسان مرتبطا بحاجات بسيطة جدا ، لا تتجاوز حاجات الحيوان.
خاتمة:
الكلام أعلاه، ليس للتعميم، وليس لحث الناس على ترك قراهم ومدنهم الصغيرة، أو أمهاتهم وعائلاتهم حين يكونون في أمس الحاجة لهم، والزحف نحو المدن، ولا يخص أولئك الذين لا يملكون حيلة ولا يهتدون سبيلا، فالمال والسيارة، والظروف المختلفة لها قوانينها الخاصة.
إنما نتكلم هنا عن ذهنيات متخلفة، تمتلك المال، والقدرة وترضى بالدون، ونمط العيش الروتيني الممل، الخالي من التعقيدات والتحديات والتغييرات.
الحياة الزوجية التي تختزل في الأكل والنوم والشرب، حياة بهيمية لا تحقق معنى الإسلام ولا تطبقه، ولا تعيشه.
والمرء اذا لم يختر الشريك المناسب والبيئة المناسبة فتلك التربة غير صالحة للغراس..فلا يتوقع المعجزات، وهو لم يحقق شروط المعادلة الصحيحة.
#شمس_الهمة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق