مراجعة المسلسل التركي رغم الأحزان:
(قراءة في فكرة زمن العلمنة الناعمة)
يقول أحد الكتاب: كل القصص قد حكيت من قبل ، و الكاتب الشجاع ليس من يجد قصة جديدة بل من يجد طريقة جديدة في سرد قصة قديمة ، و لو تمكن من فعل هذا لصار نتاجه بمثابة تحفته الموعودة ( الماستر بيس). ينبغي علينا دوما ان نجد طرقا جديدة للقص(الكاتب الإيراني شهريار مندانيبور مؤلف الرواية الشهيرة: (قصة حب إيرانية تحت مقص الرقيب)
كلنا شاهد أفلاما ومسلسلات تتحدث عن فتاة فقيرة مسكينة، تعيش أوضاعا مزرية، وبعد بلوغها سن الثامن عشر، تكتشف أنها ابنة أحد الأثرياء، وأنه تم اختطافها عند ولادتها من قبل شخص سيء.
لطالما شاهدنا أفلاما ومسلسلات تعيد هذه القصة وتكررها بأساليب مختلفة، ولعل أشهر من يلوك هذه الفكرة ولا يجيد غيرها هم كتاب الشعوب المتخلفة التي ابتعد عنها التفكير والإبداع لإنتاج قصص وأعمال إبداعية مغايرة (المكسيك، فنزويلا، الهند وتركيا وغيرهم كثير...)
ورغم إعادة إنتاج هذه القصة بنسخ مختلفة قليلا، إلا أن جمهورها لا يزال كبيرا، وغالبا تدر على أصحابها إيرادات لا بأس بها...فكلنا نتشوق للحظة النهاية، لحظة اكتشاف الفتاة لوالديها الحقيقيين، لحظة اجتماع الأسرة المشتتة من جديد في ضمة دافئة بين الأب أو الأم والفتاة.
لحظة الحضن الدافئ، والعاطفة الأبوية الصادقة، تجعلنا دوما نبكي ونتأثر ونتفاعل معها.
لكن رغم ذلك نادرا ما نشاهد نموذجا متفردا يعيد إنتاج القصة بطريقة إبداعية تشدنا، فغالب الأعمال تركز على الثراء، وانتشال الفتاة من حياة الفقر، وأنها الوريثة الوحيدة لأسرة غنية، من دون خروج عن هذا القالب.
لكن قصتنا اليوم مختلفة تماما، قصة المسلسل دراما تحاكي حقبة تاريخية عاشتها تركيا زمن التسعينات...
زمن حكم الجنرالات العلمانيين المعادين للدين والإسلام ومظاهره كالحجاب والآذان والصلاة...
الحبكة والعقدة:
روووعة القصة تكمن في روعة الحبكة والتشويق وكثرة الأحداث وكذا التفاصيل الصغيرة.
قصة تجعلك ترى بأم عينك خيوط القدر، وهي تنسج وفق مراد الله وحكمته...قصة تجسد العدالة الإلهية، وسنن الله في الكون...وكيف تحوط عناية الله عباده المؤمنين المخلصين.
(لا توجد لقاءات عبثية في الحياة، كل إنسان تصادفه هو إما اختبار أو عقوبة أو هدية من السماء)
تبدأ قصتنا مع فتاة قروية إسمها (إليف) حلمها أن تصبح طبيبة، لكن والدها يزوجها دون رضاها بزوج غني مدلل...
والدة الفتاة تسهل هربها إلى إسطنبول، وتمنحها بعض المال، مع وررقة صغيرة عليها اسم رجل قالت أنه سيساعدها...
خارج حدود القرية تصادف الفتاة ضابطا شابا كان يخدم بالقرية يدعى(عزيز)، يجد أنها ملاحقة فيساعدها في الهرب إلى إسطنبول بعد أن يعرف قصتها.
تذهب الفتاة إلى العنوان المطلوب، فتفاجأ أنه سكن عسكري يضم ضباطا برتبة كبيرة...تسأل الحراس عن الاسم المكتوب في القصاصة والذي كان(قدرت كاراي)، فيخبرونها أنها وصلت للعنوان الصحيح، لكن القوانين لا تسمح لها بالدخول لأنها محجبة...تستغرب الأمر وتنتظر عند الباب الخارجي إلى أن يصل الجنرال قدرت كاراي في سيارته الخاصة، وحين تتحدث معه ويعرف قصتها، يقوم بطردها شر طردة، ويقول أنه لا يعرفها ولا والدتها ولا يشرفه معرفة (هيك أشكال) يقصد المحجبات.
تتابع الحلقات أين تجد (إليف) سكنا للبنات، تسكن به، وتبدأ مسيرتها في دراسة الطب...لتلتقي هناك بمديرة الجامعة الدكتورة (رنا كاراي) والتي يتصادف أنها أخت الجنرال (قدرت كاراي).
رنا كاراي كانت تكره المحجبات أيضا، وكل ما يمت بصلة إلى الإسلام، مثل أخيها تماما.
تناضل (إليف) وصديقاتها المحجبات عن الحجاب، وأحقية ارتداءه بالجامعة، وأحقية الدراسة..
وينشأ حقد وضغينة ومعارك بينها وبين الدكتورة (رنا كاراي) بسبب الحجاب.
مشهد آخر يقودنا إلى حياة رنا كاراي الخاصة، رنا كاراي التي تحتفظ بثياب طفلة صغيرة في صندوق صغير، تقوم كل يوم بإخراجها من الصندوق وشمها وضمها والبكاء فترة طويلة...لأنها لم تحظ بضم ابنتها فقد توفيت عقب ولادتها مباشرة.
ويقودنا مشهد ذكريات رنا كاراي إلى قصة زواجها من المحامي (ابراهيم)، وكيف تركها بدون تبرير
وأخلف وعده وهي حامل وبأمس الحاجة إليه.
المحامي ابراهيم كان شخصا متدينا وقتها، والجنرال قدرت كاراي كان ضد زواج شقيقته من شخص ملتزم...لذا عارض زواجها، لكنها تزوجت رغما عنه.
وحين فشل زواجها وتخلى عنها زوجها بعد مدة...كرهت رنا كاراي كل المتدينين، وكرهت معه المنظومة الإسلامية برمتها.
تتابع الأحداث و يستمر التشويق، وتتعرض والدة إليف (غير الحقيقية)إلى مرض شديد في السجن تضطر معه لإخبار إليف أنها ليست ابنتها الحقيقية، وأنها متبناة، وأن لا أحد يعرف والديها الحقيقيين سوى الاسم الذي كان مكتوبا بالقصاصة (قدرت كاراي) فهو من أوصى بالطفلة إلى ضيعة(قرية)مجهولة وأغدق على أصحابها المال حتى يكفلوا الطفلة من دون أن يفتشوا في ماضيها أو عن والديها.
المحامي ابراهيم يخرج من السجن، ويضطر للظهور في حياة (رنا كاراي) مجددا، ولكن للأسف ليس كحبيب، إنما كخصم وعدو لدود، فقد أخذ على عاتقه مهمة الدفاع عن المحجبات وضرورة حصولهن على التعليم الجامعي مثل غيرهن.
المحامي ابراهيم، ويا لروعة الأقدار وجمال ما تخبئه عناية الله، كان دوما مع (إليف) وصديقاتها المحجبات، كان يرعاهن ويأويهن في منزل البنات ويقدم لهن خدمات وتوجيهات كثيرة...خصوصا إليف لتميزها عن الجميع بصلابتها ونضالها وحرصها على نيل حقوقها دون التفريط بمبادئها.
بعدها تكتشف رنا كاراي الحقيقة والسر المخبأ من 18 سنة، تكتشف أن ابنتها لا تزال حية، وتكتشف أن ابراهيم لم يتخل عنها إنما أجبر لفعل ذلك تحت التهديد، فقد أجبره الجنرال قدرت كاراي على التخلي عن رنا كاراي وإن لم يفعل قتلها بدون رحمة.
يعود الزوجان ليقابلا بعضهما، ويقرران البحث معا عن ابنتهما وفلذة كبدهما...ولا يعلمان أن القدر وضع الفتاة أمام ناظريهما مجددا.
نعم إليف كانت ابنتهما، وكانا يقابلانها كل يوم دون أن يعرفا أنها ابنتهما، فعناية الله ساقت لهما ابنتهما بعد 18 سنة.
يستعمل الجنرال قدرت كاراي قوته وسطوته ونفوذه، ويلجأ إلى تهديدهما مرة أخرى، أنه في حال عادا للاجتماع معا رفقة ابنتهما فسيقتل الجميع، وهكذا يقوم الزوجان بحماية ابنتهما من بعيد فقط، ودون إخبارها أنهما أبويها الحقيقيان.
الجانب الرومنسي من القصة:
لطالما نفرت من القصص الرومنسية واعتقدت بيني وبين نفسي أنها مجرد تخدير وتغييب للعقول، وأن الأجدر بالكتاب الملتزمين أن يتجنبوا الكتابة عن مسائل الحب لأننا طيلة عقد من الزمان أتخمنا منها، ولم نقرأ أو نشاهد سواها..وأن الأولى كتابة أعمال هادفة تناقش قضايا مجتمعية دون التطرق لمسائل الحب.
لكن عقب قراءة أعمال إسلامية ملتزمة، وجدت كيف يمكن توظيف الرومانسية بطريقة إيجابية تخدم القيم والدين وتقوم بتوجيه عاطفة الحب توجيها صحيحا سليما بدل معاداته معاداة شاملة.
وبالفعل فقد نجح كاتب القصة في استغلال الجانب الرومنسي وتجييره لخدمة القضية الأساسية في المسلسل.
فقد وقع الضابط (عزيز) ابن الجنرال (نزار)، الرجل الثاني في البطش بالإسلاميين واليد اليمنى للجنرال قدرت كاراي، وقع في حب القروية المحجبة (إليف).
وكان عليهما النضال ضد الجميع، للحفاظ على حبهما وزواجهما.
فزواج ضابط شهير من محجبة، كان سيكون بمثابة الفضيحة المدوية للجنرال نزار الذي كافح طيلة مسيرته في الجيش، لمنع الإسلام والقضاء على الحجاب والدين.
الأحداث السياسية:
من فرط واقعيتها بدت حقيقية إلى أبعد حد.
فالكاتب اقتبس من تاريخ ليس ببعيد، وكل ما كتب بالمسلسل حدث مثله في تركيا وتونس والجزائر.
واضطر القائمون على المسلسل كتابة عبارة (أن الأشخاص والأحداث في المسلسل، محض خيال وإن تشابهت مع الواقع)، تجنبا لأي ملاحقات أو مساءلات قضائية.
المسلسل عميييق جدا، ويصور بدقة كواليس الإطاحة بالإسلاميين وكيفية اختراق الأحزاب والتنظيمات الإسلامية، وكذا يكشف بدقة صناعة الإرهاب والمظاهرات والثورات في مختبرات الأنظمة الشمولية، واستغلال التفجيرات الإرهابية للإطاحة بالإسلاميين.(تماما كما حدث عندنا بالجزائر، وكيف تم اختراق حزب الفيس الإسلامي).
المخابرات متواجدة في الجامعات، شخصية الشاب (ضياء)، والشابة المحجبة (سراب).
كيف يتغلغلون داخل البيت الإسلامي، وكيف يوجهون الطلاب الملتزمين، وكيف يصنعون الأحداث، ويقومون بالأعمال المتطرفة وكذا التفجيرات الإرهابية ويلصقونها بالملتزمين.
الجيش وكواليس المؤسسة العسكرية حكاية أخرى مشوقة:
المشاهد التي تم عرضها في المسلسل تشبه إلى حد كبير ما يحدث في مؤسسة الجيش عندنا بالجزائر.
مؤخرا وعقب الأحداث الأخيرة وحكاية *النوفمبرية الباديسية* وما أشيع أنه صراع أجنحة في مؤسسة الجيش..جناح الوطنيين الشرفاء، وجناح العصابة والعلمانيين الذين عتوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد.
- جناح العلمانيين ممثل بالجنرال قدرت كاراي، وذراعه اليمنى الجنرال (نزار) ويا لغرائب الصدف، فالجنرال (نزار) عندنا بالجزائر كان رمزا للإرهاب والبطش بالإسلاميين.
- جناح الوطنيين الشرفاء ممثلا بالجنرال (صبري)، وكذا الضباط الشرفاء مثل الرائد شاهين والضابط عمار وغيرهما ممن كانوا يصلون خفية عن الأعين في المخازن والأقبية داخل مؤسسة الجيش حتى لا يتم اكتشافهم.
وهذا يحيلنا لتجربتنا في الجزائر التي لم تخل من الشرفاء والوطنيين منهم من فر خارج الوطن ك(النقيب شوشان، الملازم حبيب سويدية صاحب كتاب الحرب القذرة...وغيرهم كثير)، ومنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر...
الرأس المدبر والذي يحكم من خلف الكواليس:
كان يوجه الجنرالات ويعادي الحكومة ويتحكم بها، شخص لا يظهر في الصور ويحرك خيوط اللعبة من بعيد، يأخذ أوامره من جهات خارجية مشبوهة، ومنظمات عالمية، يشبه تماما (مدين توفيق) الذي لم يعرف الناس صورة وجهه ولا اسمه ردحا من الزمان، رغم أنه كان الرجل الأول بالجزائر والحاكم الفعلي لها.
خطة مؤمن آل فرعون:
الإسلاميون بتركيا يشهد لهم بالفطنة والتعقل وقوة الشكيمة، لا يشبهون الإسلاميين العرب في سذاجتهم، والذين لم يفيدوا من التجارب السابقة للأسف، ولا يحسنون قراءة الواقع، ولا يعرفون دهاليز وأروقة السياسة.
تركيا أسسوا لحزب سياسي اسلامي عقلاني مرن، ودخلوا على إثره السجون، وعذبوا وتعرضوا للإعدامات، ضحوا بأنفسهم لكنهم لم يضحوا بالشعب مثلما حصل بالجزائر، ففور ظهور بوادر حرب أهلية في تركيا سارع أربكان للاستقالة ليحفظ البلاد والعباد.
وأسس حزبا آخر بخلفية غير إسلامية يديره هو من خلف الكواليس، ظاهره علماني، وحقيقته عكس ذلك، وذلك للتغلغل داخل مفاصل الدولة.
في المسلسل يظهر نضال الجنرالات الوطنيين والشرفاء، واستخدامهم الهدوء، المرونة والحيلة، في مواجهة التيار العلماني المتحكم.
الجنرال صبري تفطن لطيبة الضابط عزيز وصدقه ووطنيته، وكذا عداءه لأبيه بسبب وقوف الأخير في وجه زواجه من فتاة محجبة..ونجح في استمالته إلى جانب تيار الشرفاء، وفضح أمامه شناعة أعمال أبيه، وطلب منه أن يكون عينا لهم على أبيه وكذا عينا على الجنرال (قدرت كاراي) لقربه منه...وبالفعل كان خير عون لهم.
من يقتل من؟!
ما حدث في تركيا أتاتورك يشبه تماما ما حدث في تونس والجزائر.
تتشابه مع تونس في منع الحجاب...
وتتشابه مع الجزائر في عقلية الجنرالات وتحكمهم بالبلاد، ومنع الصلاة، ومظاهر التدين ووو
وكذا التقتيل والعمليات الٱرهابية..
وهذا المشهد يشبه كثيرا ما عانته الجزائر في فترة العشرية السوداء.
مشهد بيقطع القلب:
الرائد شاهين:(وهو يخاطب ضابط يريد الانتحار لأنهم سرحوه من الجيش بسبب تهمة الصلاة في القبو، وكذا منعوه من الوظائف الحكومية، فاضطر لبيع الخضر في عربة متنقلة، ومع هذا كانت الشرطة كل مرة تقوم بإهانته، وإسقاط عربته على الأرض).
الرائد شاهين:
- ضاط مراد، نحنا حاربنا سوا، مو متذكر أنو انت اللي حميتني، وأنقذتني من الكمين؟
الضابط مراد:
- هديك الأيام راحت، ماضي وانتهى
كانت الأمور سهلة والعدو معروف
هلأ ما بتعرف مين العدو ومين الصديق
نفس الأشخاص اللي علقولي الأوسمة، شالولي الرتب بعدين!!
ما عاد عندي ثقة بحدا، قلي بمين بدي أوثق هلأ؟
الرائد شاهين:
- ثيق بربك، وبالناس اللي بتآمن فيك
خلي ايمانك بالله قوي.
انتهى المشهد.
وفي مشهد آخر يعقد مجلس للأمن القومي يترأسه الجنرال قدرت كاراي، ويستدعى لحضوره كل الجنرالات والضباط المهمين كالجنرال صبري والضابط عزيز.
فيقول الجنرال صبري للضابط عزيز :" حين تسمع كلمة أمن قومي يتبادر إلى ذهنك حرب مع دولة أجنبية معادية، ولكن يا للأسف هذا المجلس انعقد لمحاربة المؤمنين من أبناء هذا الشعب "!!
مشهد آخر يتحدى فيه الضباط (الشرفاء)الجنرال قدرت بعدما أغلق مسجدا قريبا من ثكنة عسكرية كان بعض الضباط يصلون فيه الجمع خلسة.
لكن الجنرال قدرت قام بتشميعه...فاندفع هؤلاء الضباط الشرفاء للصلاة جهارا أمام مقر (قدرت كاراي)
غير آبهين بما سينالهم من تعذيب أو إعدام.
حينها قال الضابط صبري جملة بالغة الروووعة:
"تقدر تحط قفل على باب الجامع بس مستحيل تحط قفل على إيمان الناس يا قدرت" الضابط صبري الحلقة64.
زمن العلمنة الناعمة وعدم مصادمة الجمهور:
في نهاية مسيرة الماريشال قدرت كاراي، كان الشعب قد استيقظ، وسئم حكم العسكر، وبدأ الإلتزام ينتشر انتشار النار في الهشيم..في أوساط العامة، وكذلك بين ضباط الجيش.
لذلك قرر الجنرالات التضحية بالماريشال (قدرت كاراي)، وقاموا بفضح ممارساته السابقة، وبدأوا عهدا جديدا، قالوا فيه سنقوم بالتضييق على المتدينين في المسجد والشارع والجامعة ثم نبعث لهم (الرجل المنقذ) الذي يدافع عن الحجاب والمحجبات، والصلاة، ووو...فيلتف الشعب حوله...فيصنعون منه بطلا مناضلا ...ثم يزجون به في السجن لبضعة أسابيع أو أشهر كي يظهروا أنه معاد للدولة...وأنه إرهابي رجعي..
بعد أشهر تتم محاكمته، وتكون الأدلة ضده ضعيفة، فيطلقون سراحه..
أثناء تواجده بالسجن...تعرف على المحامي(ابراهيم)، هذا المحامي شخص حر، نبيل وشريف، ومعروف بالتزامه، أمضى كل شبابه وكهولته متنقلا بين السجون وذلك بسبب نضاله ضد العلمانية...
مع اقتراب نهاية المسلسل كانت نهاية الماريشال (قدرت كاراي)، وتم الإفراج عن (البطل المنقذ)، ومن ثم ترأسه لحزب سياسي، فتقليده منصبا مهما.
وكذا تم أخيرا الإفراج عن المحامي ابراهيم...
(البطل المنقذ) طلب مقابلة المحامي ابراهيم كي يقنعه بالعمل معه (لطالما احتمى الذئاب بالوطنيين والشرفاء، وجعلوهم واجهة لأعمالهم)، ودار بينهما هذا الحوار:
- البطل المنقذ: محامي ابراهيم انت انظلمت كتير من الجنرال قدرت كاراي، ومثلما بتعرف انتهى زمن الظلم، انتهى زمن الجنرال (قدرت كاراي) ورح نعيش بتركيا جديدة ويكون المستقبل إلنا....احنا بنتمنى إنك تعمل معنا.
فيجيبه المحامي ابراهيم بوقار ، وبصيغة تهكمية مملوءة بالشك قائلا:
- أنا بحترم كتير الجنرال قدرت كاراي، هو على الأقل كان واضح بعداءه لنا...لكن يا خوفي رح نعيش بزمن فيه ذئاب متلبسة بوجهين، ما رح نعرف نكون معها ولا ضدها.وهل هي بتعمل معنا ولا ضدنا.
انتهى المشهد.
شخصية البطل المنقذ بالمسلسل أداها ممثل بنفس مواصفات أردوغان...نفس الوجه تقريبا، نفس الشارب...نفس الحركات...وحتى نفس النضال....ونفس المنصب الذي تقلده عقب خروجه من السجن..
البطل المنقذ الذي سرق نضال الإسلاميين الشرفاء الحقيقيين...والذي يعمل في العلن على الشعبوية وكسب الجمهور واستغلال العاطفة الدينية...أما في الخفاء فيخطط لعلمانية ناعمة غير مصادمة للجمهور.
وهذا هو الأخطر في الموضوع...تركيا صنعت من قبل بطلا وهميا هو أتاتورك...فهل تعيد الكرة مع أردوغان ونحن في غفلة عن هذا؟!
قرأت مقال الدكتور عبد الكريم الدخين عن أردوغان والعلمنة الناعمة، فقلت أنها ربما محض تحليلات سياسية.....ثم شاهدت المسلسل فجعلني أراجع وأتأمل وجهة نظر الدخين. وحين كنت قد أنهيت كتابة المقال، وجدت لغطا حول أردوغان بسبب إحياءه لذكرى العلماني المقبور أتاتورك، (هذا والله أعلم)
مقال الشيخ عبد الكريم الدخين:
((هو الإشكالية ليست بعلمانية اردوغان التي نستفيد منها وما زلنا ، وليس بنوعية علمانيته وهي الانجلوساكسونية ، ولا بطبيعة تحركاته ومنطلقاته وأهدافه ، المشكلة الكبرى هي في عدم إدراك جماعتنا لعلمانيته وإحسان الظن بها مما يسهل تجذرها داخل المنظومة الإسلامية وهم مازالوا غارقين في عسل الوهم بتدرجه ..
نحن وعينا مشكلة العلمانية لأنها جاءت ومعها أسلحة الاستعمار ، وفرضتها الدول الوظيفية وريثة المستعمر ، ولأنها فرضت بالقوة من قبل عالم نشاهده ينهش من لحمنا ويرتوي من دمائنا ، بينما قبل كثير منا كثير من مضامين الليبرالية لأنها جاءت عبر نافذة الفقهاء أمثال جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وجيلهما وتلاميذهم ..
الفرض بالقوة لم ينجح ، بينما الانبثاق من الداخل وعبر مؤسسات الداخل نجح إلى حد كبير ..
وكثير من المفكرين حاليًا يتداولون فرضية الإصلاح من الداخل والإصلاح عندهم العلمنة ، كثير منهم استوعبوا إشكالية رفض العلمنة من العقل الإسلامي ، وبدأوا بالفعل بالتنظير في كيفية إيجاد جذور للعلمنة من داخل المكون الفقهي ، وسيجدون حمير يركبونهم من الفقهاء بلاشك ، وأخشى كل الخشية أن التجربة الاردوغانية التي يطبل لها بعض السذج بكل مافيها ستكون أول درجة يركب عليها العلماني ليصل لظهر الفقيه المغفل))انتهى كلام الشيخ.
لست مع شيطنة كل إسلامي على الساحة كما يفعل المداخلة، لكني أبقي عقلي مفتوحا على كامل الاحتمالات، ودائما أحتفظ بنسبة 1٪ للشك.
وقد كتبت مقالا من قبل عن أردوغان منذ سنوات، وطلبت عدم تقديسه أو تجريحه لأن كلا الفعلين مذمومين عندي..
بإسقاط أحداث المسلسل على واقعنا الجزائري فإن نفس السيناريو يحدث أمام أعيننا...انتهى زمن العصابة...وحل محله زمن الباديسية النوفمبرية....استعملوا أشخاصا شرفاء للمهمة....وحين استتب الوضع ألقوا بهم في سلة المهملات...لا وجود لباديسية نوفمبرية...النظام جدد نفسه بنفسه...استعمل شعارات دينية وعاطفية...تظاهر بعداءه لفرنسا والفرنسية...للزواف والعلمانية...لا يرغبون الآن بمصادمة الجمهور...
العلمنة الناعمة هي الحل وهي البديل الأمثل...
فإذا كان ذلك صحيحًا، فإن أي شخص يحاول مجرد طرح الفكرة للمناقشة، يقابل بالصد والهجوم، فالإسلاميون العرب لا زالوا عاطفيين، وهم دوما آخر من يعلم، بل هم كالذى يغمض عينيه ولا يريد لأحد أن يوقظه، وإذا فعل فالويل له.
مشهد علق بذاكرتي من المسلسل:
إليف تتحدى مديرة الجامعة الجديدة بكل ثبات وثقة، حين قالت لها الأخيرة:(احنا ما رح نخلي المحجبات بدولتنا، تركيا علمانية ورح تبقى علمانية)
فردت عليها إليف: أنا مؤمنة بالله، ومتأكدة أن المستقبل رح يتغير ويكون إلنا، واللي حضرتك بتعتقدي أنو الحقيقة المطلقة، رح يجي يوم وبتعرفي أنو مانو هيك، وأنو كلو ظلم بظلم.
ذكرتني هذه الجملة بواقع تركيا اليوم، وكيف أصبحت الجامعة تعج بالمحجبات...
ذكرني هذا بنهاية الظلم وإن طال أمد الليل الحالك...
وذكرني كذلك بمقولة في مسلسل (أصحاب الكهف) تقول:" الحقيقة التي تخشون النطق بها في الظلام، ستصدعون بها يوما ما على شرفات المنازل".
ويقال أيضا:”الفكرة التي تعتبر جريمة اجتماعية في عصر ما، تصبح دينا في العصر التالي“
#شمس_الهمة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق