ثقافة البالة:
انتشرت مؤخرا فيديوهات، وعدة منشورات على الفيس بوك تتحدث عما يسمى بثقافة(البالة)، أي الثياب المستعملة.
هذه الفيديوهات والمنشورات كلها تدعو الشباب إلى اعتماد ثقافة البالة، وعدم الخجل بها، وتعدد لهم إيجابياتها المتمثلة بالأسعار الزهيدة، الماركة الأصلية، القماش القطني الممتاز، نوعية الجلد الرفيع في الأحذية، الصنعة المتقنة، توفر المقاسات التي لا تتوفر عادة في الملابس الجديدة....)
وذكروا إيجابيات أخرى تتمثل في كون ثقافة الاستهلاك من البالة هي بمثابة إعادة تدوير وحفاظ على البيئة من منتجات جديدة أخرى تستنزف الموارد الطبيعية)...
لنكون صرحاء، غالبية الشعب الجزائري يلبس من البالة، ويخفي ذلك، بينما تجده يسخر ممن يعترف صراحة بأنه اقتنى ثيابه من البالة.
ونعلم جيدا الظروف الاقتصادية، ومحدودية الدخل لدى الفرد الجزائري التي تدفعه لاقتناء ثيابه من البالة.
وشخصيا لا أحبذ من ينتقد الناس أو يقوم بتصنيفهم على حسب ماركات ثيابهم.
غير أنني لا أقر أبدا ثقافة البالة، ولا أتمنى انتشارها، وسأنتقد من يدعو إليها ويرغب بها.
ليس لأنني ضد الفقراء، وليس لأنني ضد ترشيد الاستهلاك، وليس لأنني ضد الحفاظ على البيئة
ولكن هنالك سبب واحد يجعلني أنفر وأتقزز من هذه الثقافة، وأعافها وتشمئز نفسي منها..
ليس بسبب الأمراض والفيروسات التي قد تحملها هذه الثياب، وليس بسبب رائحة الموت والكافور ولا الطاقة السلبية التي تنبعث منها، فقد تكون هذه الثياب لأموات قضوا.
وليس بسبب أنني أعاف ثوبا لامس جلد شخص ما قبلي...
ليس كل ذلك..
إنما السبب أنني لا أحبذ للجزائري المسلم أن يلبس فضلة أقوام آخرين، لأن له انعكاسا على النفس البشرية، لأن هذا السلوك يحسسك بالضعف والعجز والمهانة..
النفس غالية وعزيزة لا يجب أن ترخصوها...
أتذكر مشاهد من أفلام ثورية، تؤكدها جدتي فيما ترويه أنهم كانوا يبيتون جوعا تتضور بطونهم الفارغة، ولا يقبلون رغيفا ولا صدقة من مستدمر، فترى الطفل الجائع يحمل الرغيف بين يديه، ويقبله احتراما ((للنعمة))، ثم يضعه بمكان مرتفع لا تدوسه الأقدام ويفر هاربا، وهو أحوج ما يكون إليه.
وتخبرني جدتي كيف كانوا وهم أطفال لم يتذوقوا في حياتهم لوح شكولاتة لذيذة، يقدم لهم الضباط الفرنسيون الحلوى والشكولا فيرفضون تناولها، أنفة وعزة.
وأتذكر الرئيس هواري بومدين ومن قبله أحمد بن بلة، حين أصدرا مرسوما يمنع مهنة ماسح الأحذية، ومن قرارات الرئيس بن بلة "الانتقامية" من إذلال فرنسا الجزائريين بمهن وضيعة، أيضا، منع "البقشيش" في المطاعم والمقاهي والفنادق، ومنع سائقي سيارات الأجرة من أن يقلّوا راكبًا في المقعد الخلفي إذا كان المقعد الأمامي خاويًا، فلقد كانت هذه علامة من علامات الإذلال التي رفضها الجزائريون في عهد الحرية، حيث بات "لا سيّد فوق هذه الأرض إلا الشعب"، على حدّ تعبير شهير للرئيس الراحل هواري بومدين.
إن فرنسا "سعت من خلال تشغيل الأطفال الجزائريين في مسح الأحذية إلى إهانة هذا الشعب الذي وجدته كريمًا عزيز النفس متعلمًا".
"أرادت فرنسا أن يركع هذا الشعب وأبناؤه لحذاء الرجل الفرنسي والأوروبي عموما.. أرادت أن تجعله لا يرى شيئًا سوى حذاء الجندي.. وألا يرفع رأسه إلى السماء أبدًا".
لذلك أرى أن الترويج لثقافة البالة هو قابلية للاستعمار، والذل والمهانة، وتراجع خطير ينزل بنا دركات في هوة سحيقة من التخلف والانحطاط.
وكلامي هذا موجه للنخب التي تروج لهذه الثقافة وليس المواطن البسيط محدود الدخل مغسول الدماغ.
النخب عندما تروج لهكذا ثقافة فمعنى ذلك أننا مستلبون منهزمون ودعوات هؤلاء تفاقم المشكلة وتزيدها...
فعوض أن يشجعوا الإنتاج المحلي، والحرف اليدوية، والمنتوج الوطني...
يسوقون لخردة الأمم؟
ألا فرفقا بهذه الأرواح والأنفس التي بين جنباتنا فإن لنا عليها حقا، فكيف بنا نتجاهلها عمدا، وندوس بكل جرأة على آخر نبض يبشر بأنه ثمة حياة.
#شمس_الهمة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق