الثلاثاء، 30 نوفمبر 2021

القصة الرابعة(الامتحان):

 القصة الرابعة(الامتحان):


كانت شابة جميلة ملتزمة، وقد جربت خيبات كثيرة في فترة الخطوبة..

فغالب الخطاب كان ظاهرهم التدين، لكن أخلاقهم كانت بعيدة عنه.

وكذا كانت متابعتها لوسائل التواصل قد أعطتها نظرة شائهة عن الحموات وأخوات الزوج.

كانت أخوف ما تخافه حماة متسلطة، وشقيقة زوج حقودة وغيورة.

ومشكلة أخرى كانت تعانيها حين تجد الخاطب المناسب، أن والدها كان يرفضه..

لقد كان الرفض مرة تلو الأخرى بأسباب واهية، فقد كان يغالي في مهرها ليمنع عنها الخطاب..

وكان إلى ذلك يشترط عليهم السكنى بنفس مدينته، فهو متعلق جدا بابنته الوحيدة..

في البداية كانت الفتاة تحسن الظن بوالدها، ثم دق ناقوس الخطر بقلبها حين تكررت خيباتها..

لقد كان والدها يعضلها(يمنعها من الزواج)، وذلك بسبب حبه الشديد لها وتعلقه بها كونها ابنته الوحيدة.

لم يكن يعرف أنه بذلك يظلمها من دون أن يدري، فكثيرا ما كان الظلم بدافع الحب أيضا.

بعدها زارها شاب متدين وسيم، رفقة شقيقته ووالدته، فارتاحت للشاب، لكنها كانت متخوفة من شقيقته ووالدته وسبب ذلك قصص الحموات التي كانت تقرأ عنها في وسائل التواصل.

منح الخاطبان نفسيهما أسبوعا للاستخارة والاستشارة والتفكير..

ثم تم القبول، وجاءت جلسة المهر، وكانت هي خائفة تتوجس من والدها..

والدها أقام مزادا علنيا وكأنه يريد بيع بقرة أو سيارة...كان يطلب مهرا خياليا إضافة إلى الذهب وكبشين أقرنين..

والشاب كان موظفا بسيطا، اشترى سكنا ولازالت عليه ديون وأقساط يجب أن يدفعها...

عاد الشاب وأهله من جلسة المزاد تلك محطمون..يائسون..

وأخذوا يفكرون ماذا سيعملون...فالفتاة نالت استحسان الشاب وأسرته ولا يريدون التفريط بها...

لكن من أين لهم تدبير مثل ذلك المبلغ وهم يعانون الديون؟!

فلو كان الشاب يملك المبلغ لدفعه كاملا لأنه رأى أنها فعلا تستحق كل خير...ولكن ما باليد حيلة

فالعين بصيرة واليد قصيرة..

ثم اهتدوا لفكرة قد ترضي والدها، أن يدفعوا المهر كاملا أما الذهب فيكتب ضمن العقد ويبقى دينا في رقبة الزوج إلى الممات، يسدده حالما يفتح الله عليه.

وفعلا تمت مهاتفة والد الفتاة وإطلاعه على هذا الخيار فرفض رفضا قاطعا..

كان أسبوعا ثقيلا على الجميع(الفتاة...الخاطب ...وأسرته أيضا).

أسقط في يد الفتاة، ولم تعرف ماذا تفعل، وخشيت أن يغادرها الخطاب كسابقيهم من دون رجعة، وشق عليها ذلك كثيرا، كونها تعلقت بهم أكثر من غيرهم..

ناقشت والدها وترجته كثيرا، لكن بدون جدوى..

ثم خطرت ببالها فكرة، فهاتفت شقيقة الخاطب تخبرها ما يلي:

قالت ادفعوا المهر كاملا، واجلبوا معكم الذهب الخاص بشقيقة الخاطب أو والدته، فقط أمام والدي

وحين ينصرف الرجال أعيد لكم الذهب كاملا، فلست أريد شيئا..

تململت أخت الخاطب، وقالت لها أن هذا حل جيد ، لكن فيه شبهة أنه قد يكون غير جائز.

قالت لها انتظري حتى أسأل أخي ووالدي ثم أخبرك بردهما..

وفعلا في المساء هاتفتها تقول أن والدها قال أن هذا تغرير وخداع للأب، وفعل غير جائز..

ولا يمكنهم القبول بهذا الحل..فالمسلمون على شروطهم..وأنهم إذا اتفقوا على شيء فسيكون كلام رجال، ومن المعيب الرجوع عن الكلمة والاتفاق والعهد.


لكنها قالت أن إحدى الأخوات في المدرسة القرآنية فعلت ذات الشيء، وقد استفت في ذلك الشيخ فركوس حسبما تذكر.

واتفقت مع شقيقة الخاطب أن يبحثوا في الأمر ويستفتوا العلماء.

أذكر يومها أنها اتصلت بي (أنا شمس)، وسألتني أن أبحث لها عن فتوى..

وقمت يومها بالسؤال في مجموعات الفتاوى، ووجدت أن المشايخ لا يجيزون ذلك.

وحين نقلت لها الفتاوى، أسقط في يدها وقالت: لماذا يحدث معي كل هذا؟!

فطيبت خاطرها، وقلت لها عسى أن يكون خيرا، وإن كان لك نصيب فسيتم الله الأمر، وإن لم يكن خيرا لك فسيصرفهم الله عنك.

فقالت كيف يكون خيرا ووالدي يصعب الأمر؟

فسألتها كيف كان شعورك حين رفضوا اقتراحك؟

فقالت أنهم كبروا بعينها أكثر، وأنها تعتقد أنهم أمناء.

فقلت لها: أرأيت؟ لقد كان امتحانا بسيطا وقد فزت أنت به وقد فازوا هم أيضا في الامتحان

فسألتني كيف ذلك؟

فقلت: أما هم فقد تأكدوا أنك فتاة طيبة لا يهمها المال، إنما كل همها الدين والأخلاق.

وأنت عرفت بعد هذا الاختبار صدق تدينهم، وورعهم، وأمانتهم، فلو كان غيرهم لربما كان قد قبل بعرضك.

فاستفاقت من دوامة الحزن التي منعتها من رؤية حكمة الله، وارتسمت ابتسامة على وجهها، ثم عادت للعبوس والحزن مجددا، لكن أبي عنيد ومصمم، ما الحل الآن؟

فقلت لها قفي بباب الله، فوالله لن يردك.

مضى ذلك الأسبوع ثقيلا على الجميع، وانقطع الاتصال بين والد الشاب ووالد الفتاة..

فخمن الأخير أنهم لن يرجعوا ربما لأنه أثقل عليهم بالطلبات، فنادى ابنته وسألها إن كانت لا تزال راغبة بهؤلاء القوم، فأجابته أن نعم، وأنهم كبروا في عينها أكثر سيما وأنها عرضت عليهم كيت وكيت ولم يقبلوا بخداعه (تقصد الأب).

حينها شعر والدها بالخجل من نفسه، وأكبر موقفهم ذاك، وعلم أنه إذ يسلم ابنته لهؤلاء القوم، لن يخاف عليها، فستكون بالحفظ والصون، فمن حفظوا هيبته وكلمته بظهر الغيب، سيحفظون ابنته كذلك.

وبخ ابنته ممازحا كونه متمسكا بها وهي تريد الابتعاد عنه، ثم حمل الهاتف واتصل بوالد الشاب وقال له تعال خذ الفتاة بملابسها إن شئت...أما المهر فليدفع حبيبي ما يقدر عليه، الربع أو النصف...ولن نختلف باذن الله أبدا..

وفعلا تم الزواج في ظرف شهر.


#شمس_الهمة


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

العيد

 تلك اللحظات الحرجة قبيل يوم العيد، ذلك التعب، والضغط، تلك الأمور التي أنجزت نصفها والنصف الآخر ينتظر منك اتمامه حالا، ذلك التوتر، وتلك الأع...