مراجعة الفيلم الوثائقي (the true cost):
حين تشاهد الفيلم كاملا ستبكي كثيرا على نفسك, على الأمة وعلى الإنسانية جمعاء.
قطعة الملابس التي نشتريها, وراءها سواد حقيقي..
أين تصنع, ومن أين تستخرج المواد الخام, من يقوم بخياطتها وتحويلها لقطعة أنيقة, وكم يكسب أولئك من المال, حتى ننعم نحن بشراء ثوب بثمن بخس؟
كل هذه الأسئلة وغيرها يجيب عليها هذا الفيلم, من خلال رحلة بحث واستقصاء في المصانع المنتجة للملابس.
الملابس يتم إنتاجها في مصانع الدول الفقيرة مثل الهند و بنجلادش وغيرها بأسعار زهيدة جدا, العمال الذين يعملون في هذه المصانع هم أناس فقراء بسطاء من ذوي الدخل المحدود جدا, نساء, أطفال, شباب وعجائز أيضا.
المصانع والظروف التي يعملون بها لا تتوفر على أدنى شروط العمل المتعارف عليها دوليا...المصنع مظلم, مهترئ, الكهرباء والإنارة فيه غير ثابتة أو منعدمة..
الرطوبة, انعدام التدفئة, ساعات العمل اللامحدودة, الأجر الزهيد في مقابل تعب يوم كامل...انعدام الراحة والتأمين ووو
الكثير الكثير من الظروف المزرية..
الحوادث في المصانع كثيرة جدا, الانهيارات فوق رؤوس العمال, جثث وضحايا, أسر تفقد بعضا من أفرادها, نساء تترمل, أزواج يفقدون زوجاتهم...
مآسي كثيرة وحقيقية وموثقة عرضها الفيلم, يندى لها الضمير الإنساني الحي..
ولكن مات الضمير والإنسانية للأسف..
صناعة الأزياء هي السبب الثاني في تلوث الأرض:
صناعة الموضة, وعاداتنا الشرائية, تؤذيان كوكب الأرض وتفاقمان أزمة المناخ.
وتسهم صناعة الأزياء بنحو 10 في المئة من الإجمالي العالمي لانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وتنتج نحو 20 في المئة من مياه الصرف عالميا، وتستهلك كمية من الطاقة تفوق ما يستهلكه قطاعا الطيران والنقل البحري معا.
لا شك أن معظم السلع الاستهلاكية تؤثر سلبا على البيئة، لكن صناعة الأزياء تسبب أضرارا بيئية عديدة بسبب الوتيرة المتسارعة التي تتغير بها الموضة من موسم لآخر، والتي تغري المستهلك على الشراء لمواكبتها.
فظهور الfast fashion يلعب دورا كبيرا في كم الدمار البيئي الذي سيطال كوكب الأرض, فبدل وجود قطع ملابس مستدامة, أصبح لدينا ملابس ترمى بشكل متسارع لأن الموضة تتطلب الأحدث دوما..
عندما ينتهي الأمر بالملابس في مكبات النفايات، يمكن للمواد الكيميائية الموجودة في الملابس، مثل الصبغة، أن تتسبب في أضرار بيئية من خلال ارتشاح المواد الكيميائية...وكمثال على ذلك تحولت صحراء أتاكاما شمال تشيلي إلى مقبرة مليئة بأكوام من الملابس غير المرغوب فيها وهي تستخدم كمكب نفايات للملابس المستعملة.
فحسب وسائل الإعلام فإن حوالي 39000 طن من الملابس المهملة تراكمت في صحراء أتاكاما.
لكن ولا أحد مهتم بالأمراض التي ستصيب سكان هذه المناطق على أي حال.
تأثير صناعة الأزياء على نفسية الإنسان:
وسائل الإعلام والشركات تروجان للاستهلاك وتمارس على المشاهد حيلا بصرية, عن طريق إيهامه أن شراء الملابس يجلب السعادة ويحل المشكلات.
اليوتيوبرز ومشاهير السوشل ميديا أسهموا بشكل كبير في نشر ثقافة استهلاكية, والترغيب في حمى الاستهلاك.
جوهر عمليات التسويق هو التلاعب بنفسية الإنسان الذي يملك مجموعة من الاحتياجات الثابتة مثل احتياجنا للحب والتميز واحتياجنا لأن نشعر بأننا بشر مقبولون اجتماعيا..
يستخدمون فكرة تعريض المشاهد بشكل مكثف لقوالب معينة من البشر المثاليين الجذابين...وضغط الصورة اليومي الذي نتعرض له كفيل بإحداث شتى الأزمات النفسية لدى البشر بغية الكمال..
وأسوق هنا اقتباسا دقيقا لبثينة العيسى تقول فيه:
"وهذه الشاشة الكريهة تمارس كل يوم عبر روتانا وميلودي وستار أكاديمي إرهابا جسديا علي..فأنا لا أستطيع أن أواكب أجسادا كهذه..."
لا يمكننا الفرار اليوم من ضغط الصورة والإرهاب التي تمارسه على عقولنا, لأننا محاطون تماماً بكل زاوية بحياتنا على الانستغرام والفيسبوك والمؤثرين والمروجين وواجهات المحلات التجارية، وتطبيقات التسوق أون لاين والإعلام والقنوات التلفزيونية.
وقد تكون الطريقة المثلى للحد من تأثير الاستهلاك المجنون على البيئة هو شراء الملابس التي نحتاجها وننوي الاحتفاظ بها فقط.
ونحاول الابتعاد عن الأماكن المليئة بمغريات الشراء، مثل مراكز التسوق وكذا متابعة المشاهير..
وإذا شعرت أنك لم تعد تحتاج لبعض الملابس، فمن الأفضل أن تعطيها لأصدقائك أو ترسلها إلى المؤسسات الخيرية، لكن لا تحاول إخلاء مساحة في خزانة ملابسك لشراء ملابس جديدة.
وقد يتطلب الحد من الأثر البيئي للأزياء إحداث الكثير من التغييرات على مستوى الشركات والصناع والمستهلكين, والقرارات الواعية التي نتخذها كمستهلكين قد تسهم في الحفاظ على البيئة، ليس هذا فحسب، بل أيضا في تغيير قطاع الأزياء برمته.
ختاما:
انقلبت فكرة أن السوق موجود لخدمة البشر إلى النقيض من ذلك, لأننا فعليا نحن من يتم استغلاله لخدمة السوق.
فهدف الشركات الرأسمالية الجشعة ليس سعادة الإنسان ولا راحته هي موجودة فقط لزيادة رؤوس أموال شركات معينة لأشخاص لا يهتمون إلا بزيادة أموالهم على حساب الأيدي العاملة والمستهلكين والبيئة والكوكب !
ولنتعلم كيف نتقبل أشكالنا, ونتصالح مع ذواتنا, ونعي أننا نستحق الحب والانتباه بدون استخدام هذه السلع, فليست الملابس من تحدد قيمة الإنسان لأنّ قيمته محفوظة.
#شمس_الهمة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق