طاعة الزوج:
الوسط الدعوي اليوم يشهد تجاذبات فكرية بين الدعاة والعلماء ما بين مغال ومفرط، ومتمسك بالقديم ومجدد.
ولعل راية التجديد في قضايا المرأة تحملها داعيات فاضلات ونحسبهن كذلك.
وفيهن صنفان: صنف مغاليات يرددن ما يقول به الرجال.
وصنف تجاوزن الغلو إلى التفريط.
حيث خرجت علينا دكتورة فاضلة منذ أيام تطالب بإلغاء حق الطاعة للزوج، وفندت الأحاديث التي دعت إلى ذلك، وقالت أنها إما ضعيفة أو منكرة(ولعلي لا أناقش هذا الأمر لأن له أهله المتخصصون)
وقالت أن الزواج شراكة بين اثنين مختلفين فيزيولوجيا، لذا لا يلزم أن يفرض طرف رأيه على الآخر، لأنه لا يعي تركيبته، ووظيفته التي تختلف عنه تمام الاختلاف.
وقالت أن الاستئذان من الزوج (غير واجب)، ولا دليل صحيح يعضده، ومواقف السيرة تفنده.(انتهى كلام الدكتورة).
***********
فقلت:
أما عن طاعة الزوج واستئذانه في كل كبيرة وصغيرة كما هو الحال عليه في زماننا هذا، فلا أعتقد بها.
بحيث يتم إلغاء كيان المرأة كاملا، بعقلها وخياراتها، ورغباتها لتخضع لسلطان زوج مستبد يجعلها تذوب في شخصه، وتتماهى مع قرارته.
وكثيرا ما نشاهد في واقع حياتنا اليوم، أزواجا غير أكفاء، وأقل ثقافة وعلما من المرأة، يفرضون جاهليتهم على زوجاتهم العاملات والمتعلمات والملتزمات، فكثيرا ما صادفت زوجة عاملة، لا حظ لها من الشراكة الزوجية سوى مرتبها الذي تدفعه كاملا للزوج، أما عن الخروج من غير العمل، فلا يسمح لها بزيارة أرحام ولا صديقات إلا تحت رقابة مشددة، وبإذن تعسفي من الزوج.
ووصل حد الإساءة للقوامة إلى منع المرأة من المباحات، فتجد الرجل يفتش هاتف الزوجة ويطلب كلمة المرور لحسابها على الفيس، وبعضهم يمنع عنها الهاتف والفيس في حين يتمتع هو بكل تلك الأمور دون قيد أو شرط.
ولعله إلى زمن قريب لم يكن موجودا هذا التشدد والتنطع على النساء، فكان لهن مملكتهن الخاصة التي لا يحق للرجال ولوجها، فترى مثلا في مسلسل باب الحارة، حين وجود خطب ما أو طارئ لا تستأذن المرأة زوجها، بل تقول لابنتها أو جارتها(ارتدي ملاءتك واتبعيني)، وتوصي أحدا ما بإبلاغ الزوج عن مكانها في حال غيابها، ولا يعترض الزوج، ولا يغضب، ولا يتم استعمال الحديث الشريف(أيما امرأة خرجت من دون اذن وليها، تلعنها الملائكة حتى ترجع) كسوط لجلد أخلاقها.
ولا يقتصر خروجهن من دون اذن على الأمور الطارئة والضرورية، بل حتى الأمور المباحة، فللسوريات مثلا عادة تسمى(الصباحية) تقضي بالتقاء الجارات عند واحدة منهن لتبادل الأفكار التربوية ومناقشة الكتب، وترديد الأذكار، وحين سألتهن عن موقف الزوج من هذا الأمر، قيل لي أن الأزواج لايعترضون على ذلك لأنها عادة متوارثة، والزوج يثق في زوجته لأنها مع رفقة مأمونة.
وأعرف في واقعي ومحيطي كثيرا من الأسر غير الملتزمة التي تنتهج فيها النساء هذا النهج، ولا يغضب الزوج، فخالتي مثلا تخرج من غير اذن زوجها إذا سمعت خبر وفاة أحد ما، أو قصد زيارة جارة ما، وتعود لبيتها ولا يسمعها زوجها موشحا من الخطب والوعظيات كما يفعل الملتزم-للأسف- لماذا ياترى؟
ببساطة شديدة، لأن أولئك النسوة متفاهمات مع أزواجهم، وأخذن ثقة خولت لهن إذنا مسبقا ودائما.
لكنهن طبعا يستأذن أزواجهن في أمور أخرى، وتختلف استجابة الزوج كل مرة ولا ينزعجن من ذلك.
وهذا الأمر نجده في السيرة ومواقف الصحابيات، فكن تارة يستأذن أزواجهن، وتارة يتصرفن بما يمليه عليهن الموقف، ولم نجد هذا التعقيد والتقعيد الذي طبع علاقاتنا اليوم.
نعم زماننا تغير، والمرأة تغيرت، ونحن بحاجة ماسة لمراجعات فكرية وتجديد لمفاهيم متكلسة، وتسليط الضوء على الممارسات الخاطئة، ونفض الشوائب التي علقت بالدين لقرون وهي ليست منه.
وأعتبر هذه المرحلة ضرورية ومؤقتة، ولا أنادي بمعارك بين النساء والرجال، بل أدعو للاحتكام إلى الشرع الحنيف، والتكامل لبناء الأمة.
" لكن أرى بعض الدعوات تضغط على الجرح أكثر من اللازم وهذا قد يؤدي لاتساع الجرح بدالا من التئامه.
فمع وجود النساء المظلومات المسلوبات الحقوق هناك منهن من لا ترعى حقا ولا عرفا، وكما أن هناك من تنتظر كلمة انصاف لتعرف حقوقها، هناك من تنتظر أي مسوغ لتتمادى في غيها. وليس من العدل مقابلة الافراط بالتفريط. والحياة الزوجيه يجب أن يكون أساسها التفاهم والاحسان وبنفس الوقت مؤسسة الزواج تحتاج لادارة، والسفينة لا تمشي مطمئنة بربانيين . لذلك كانت قوامة الرجل والحض على طاعته فيما يلزم مصلحة هذه المؤسسة لا على العموم والاطلاق، صحيح أن الكثير من الرجال استخدم هذه الطاعة على هواه ولكن هذا لا يبرر نسف مبدأها.ولكن بنفس الوقت أن ننبه من التفريط. فأصحاب المعرفة والخبرة والإنصاف يعلمون أنه كثيرا ما تحول المظلوم إلى ظالم ، وهذا ما لن يفيد أي منا إذا كان سعينا لنصرة ديننا وخير مجتمعاتنا.
فالزوجان يعيشان معا ويديران نفس البيت واختلاف المهام والتركيبة لا ينافي امكانية الادارة، وهناك الكثير من القرارات داخل البيت التي يجب ان تُتخذ كرأي واحد. وان كان الأمر حربا بين الجنسين، فإننا سنحتاج الى كتب لتفصيل مهام وخصوصيات كل طرف وسينقسم البيت الى غرفتي عمليات الاولى بيد الزوج والثانية بيد الزوجة . إن معظم المؤسسات فيها من العناصر والتركبيات المختلفة ما يفوق مؤسسة الزواج ولكنها مع ذلك تبقى تحت ادارة واحدة ، المؤسسات والشركات الهامة المحترمة لها مجلس ادارة وللمجلس رئيس . وأنا أرى البيت بنفس الطريقة المرأة شريك مهم وبنسبة النصف تقريبا في مجلس الادارة لكن للرجل الرئاسة بالدرجة التي أعطاها الله له . وهذا أبدا لا يسمح له طبعا بالتسلط على شريكته ولا التدخل بمسؤولياتها ولا التحكم في مسؤوليتها الأخرى خارج اطار الزوجية. وعند حدوث هذا يفترض الرجوع لمرجعية مراقبة أعلى من كليهما، كما في تفاصيل حل النزاعات الزوجية، لذلك لا أتفق مع نفي الطاعة نهائيا.
ولا أتفق طبعا مع من ينادين بإلغاء القوامة أو طاعة الزوج، فباعتقادي أن سوء تطبيق النظرية من البعض لا يعني فساد النظرية."
#شمس_الهمة
الكلام الأخير بين قوسين منقول بتصرف يسير
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق