الثلاثاء، 30 نوفمبر 2021

القصة الثانية:(الموسوسان)

 

القصة الثانية:(الموسوسان)

كان شابا جامعيا ملتحيا قد تخصص بمجال الحاسوب والمعلوماتية.
نشأ في أسرة بسيطة لم يعرف أهلها الالتزام بأوامر الشرع.
وكذا كل محيطه تقريبا..
جد واجتهد في عمله، لكنه كان معقدا من النساء لما كان يراه من تبرج وسفور.
لدرجة عزف فيها عن الزواج.
وكلما رشحوا له فتاة وجد لها عيبا..
فهذه لها علاقات..
وأخرى مشيتها لا تروقه..
وتلك جريئة جدا...
وبعد رحلة بحث طويلة، تعقد من النساء كلهن.
"لا فتاة تصلح للزواج، لم يعد هنالك فرق بين فتاة من البادية، وفتاة من المدينة جميعهن في سلة واحدة كالبيض منتهي الصلاحية."
تقدم به العمر، وتزوج كل أقرانه، وبقي وحيدا كمعلم أثري يتحدى الزمن والآفات.
القصص التي كان يسمعها أضافت لمأساته مأساة أخرى، خيانات زوجية، قصص طلاق، وانعدام أخلاق.
‏تلك القصص نكتت بقلبه وطبعت عليه بالسواد.
‏تقول شقيقته كنت أرثى لحاله، شاب وسيم خلوق يحفظ بصره، ويصون نفسه عن علاقات الحرام، لكنه يحمل فكرا ومنطقا شائها عن النساء، وكنت أراه شكاكا موسوسا وكنت أخشى على فتاة سيتزوجها من طباعه تلك.
‏لكن عبثا كنا نحاول إقناعه بفكرة الزواج، كان موسوسا لدرجة أن كل فتاة تمر من أمامه يقول عنها في نفسه أنه لا شك أن ماضيها أسود بالعلاقات المحرمة.
لكنه مع ذلك لزم القرآن والمسجد والطاعات، وظل يصون نفسه عن البنات.

*************

في جانب آخر من العالم كانت هي فتاة جامعية حسناء تخصصت بمجال الحاسوب والمعلوماتية.
فتاة ذكية، متفوقة على أقرانها، وكانت الأولى على دفعتها..
تهتم بالعلوم على اختلاف تفرعاتها، ويستهويها التاريخ والقراءة عنه.
لها إلمام كبير بالأدب والشعر والعلوم الدينية..
فوالدها كان مدرسا للعلوم الإسلامية، لذا فثقافتها الدينية كانت ممتازة...وكذلك كان تدينها مستقيما معتدلا وناضجا.
في الفترة التي كانت صويحباتها يتزوجن ويقمن علاقات مع الشباب كانت هي تسأل الله وتقف ببابه
كي يرزقها الزوج الصالح المصلح.
وحين ولجت النت، وعرفت مواقع التواصل الاجتماعي نضج فكرها على مشكلات النساء، والكنة والحماة
وكذا خيانة الأزواج...وشيئا فشيئا تعقدت من الزواج وفقدت الأمل بالحصول على زوج صالح تقي نقي لم يعرف علاقات من قبل.
فكل الرجال سواء، ولا يوجد رجل لم يعرف علاقات من قبل-هكذا خمنت-
وكذا اعتبرت أن كل الحموات شريرات هدفهن التسلط على الكنة وإذلالها.
كان الخطاب يتوافدون لخطبتها، وكانت ترفضهم من أول فرصة.
كانت شقيقتها ووالدتها ترجوانها فقط إعطاء فرصة للخاطب بدل إلقاء التهم والأحكام، لكن...عبثا كانوا يحاولون.
فقد كانت عنيدة، صعبة الاقتناع، ولا تترك فرصة للنقاش والحوار..
لكنها وبعيدا عنهم كانت تقوم في جوف الليل وتبتهل إلى الله بالدعاء.
كانوا يقولون لها وقد أصبحت في الثالثة والثلاثين أنها لن تتزوج أبدا.أو أنها ستتزوج مطلقا أو أرملا أو شيخا عجوزا.
لكنها كانت تجيبهم أنها تدعو الله أن يكون شخصا جامعيا مثقفا، خلوقا، متدينا وأعزبا أيضا.
كانت تقول ذلك بثقة تستغربها الفتيات من حولها.

************
صاحبنا الأول وبعد أن فقد الأمل بالعثور على زوجة صالحة، قرر الزواج بأي نموذج كان..
فتقدم لخطبة فتاة وهو يحمل عريضة محاذير (الهاتف ممنوع، الفيس ممنوع، فتح النوافذ ممنوع وهلم جرا)
لكن الفتاة وأمها طردنه من بيتهم وقلن عنه معقد وإرهابي..
وحين انتهت حلول الأرض رفع رأسه إلى السماء مناجيا الله.
وبعد أسبوع عرض عليه صديقه زيارة فتاة من معارف زوجته، قال أنها بنفس المواصفات التي يريد.
لكن الشاب رفض الفكرة كي لا يتعرض لما تعرض له في آخر تجربة.
أما زوجة صديقه فتوجهت إلى الفتاة المعنية وطلبت منها أن تمنح الشاب فرصة للتعارف الأولى فرفضت الفتاة كونها سمعت أن سنه يقارب الأربعين ولم يتزوج...محال أنه لم يكن دون علاقات محرمة.
ومضى عام كامل على القصة.

************
بعدها عاود صديقه الكرة لعل وعسى يتمكن من إقناعه بالرؤية الشرعية على الأقل...وفعلا وافق صاحبنا أخيرا..
وكذا فعلت زوجته وأقنعت الفتاة أخيرا...
ماذا حدث بعدها؟
حصل القبول وتم الزواج في ظرف شهر فقط.

*********

‏عقب الزواج:
‏عاش الزوجان ثلاثة أشهر من الريبة والشك لبعضهما، وخمن المقربون لكلا الطرفين نهاية مأساوية لهذا الزواج.
‏فوالدة الفتاة وشقيقتها يعرفان وسواس ابنتهما، ويعرفان حقدها المسبق على الحماة.
‏وأشقاء الزوج وأصدقاؤه يعرفون غيرته الشديدة، والشك والوسواس الذي ينخر بقلبه.

خلال الثلاثة الأشهر الأولى عرف كل منهما معدن صاحبه، فالفتاة كانت كثيرة التهجد والصيام والقيام.
وكذلك كان الزوج...كان يؤمها في الصلاة، وكانا يتلوان القرآن عقب صلاة الفجر معا..
لم يتركهما الله للشك والوسواس، رأفة بقلبيهما الطاهرين..وقذف الحب في قلبيهما فتلاشت كل تلك الوساوس وكأنها ما عمرت بتلك القلوب من قبل.

كانت تملك هاتفا، وحسابا على الفيس، ورغم ذلك لم يدر بخلده مراقبتها أو التجسس عليها قط.
وحين سألته يوما بدافع الفضول قال أنه فطن ويعرف كيف تتصرف الزوجة التي تخون.
وأنه ما من داع للشك، سيما وأنك لا ترتبكين بحضوري، ولا يوجد قرائن للريبة.
وأنا حمدت الله على مثلك، ولا أريد تلويث أيامنا الجميلة بوسواس الغيرة المرضية والشك.

وفي أحد الأيام فاجأها الزوج برغبته في أن يعتمرا معا...فرفضت الفتاة.
رفضت لأنها رغبت أن تكون حماتها الجميلة معها، فحماتها كبيرة في السن ولم يسبق أن تحج أو تعتمر من قبل.
وصدمها حين قال لها أن سبب ذلك، أن والدته لا تملك دفترا عائليا، فوالده تزوجها عرفيا وسجل كل أبناءها في دفتر الزوجة الأولى.
وأنهم حاولوا تسوية وضعيتها لكن الأمر كان بالغ الصعوبة.
لكن دين الفتاة وأخلاقها منعاها من القيام بعمرة دون أن تكون حماتها الحنون موجودة معهما.
وسألت الله أن يعينهما على تقديم هذا المعروف كي يكلل زواجهما ببركة دعائها لهما.
وفعلا قضيا حولا كاملا في التنقل بين المراكز الحكومية وتكللت أخيرا مجهوداتهما بالنجاح.
وقاما بأول عمرة مصطحبين فيها ابنهما الرضيع، ووالدتهما تاجا فوق الرؤوس.
وفي العام الثاني رزقهم الله حج بيته الكريم.
والآن وبعد خمس سنوات، وطفلين يعيشان بسعادة وهناء.

لا يزالان إلى يوم الناس هذا يصومان الاثنين والخميس، يقومان الليل، ويكثران من النوافل.
وحين سئلا عن ذلك، قالا أن الله الذي أتانا سؤل قلبينا يستحق أن يعبد ويشكر.
ومحال أن نتراخى عن العبادة في الرخاء، وقد حرصنا عليها في الشدة والضراء.

وقفة1:(عن الشك والوسواس)
للأسف ما يحكمنا في هذه المسألة وغيرها تمثلات تسربت إلى أذهاننا من تجارب الآخرين، وأصبحت توجهنا إقداما وإحجاما، وكأننا نريد الشيء المأمونة نتائجه، فلا نلتفت إلى أننا بذلك نحرم أنفسنا من نعمة الاختيار واتخاذ القرار.

وقفة2:
الله مطلع على القلوب، وهو يعلم من يعبده ليرضيه، ومن يعبده فقط ليعطيه.
ويبغض الذي الذي ينساه في السراء..
ويبغض العبد الذي يعبده على حرف، فإن أعطاه سؤله صبر وشكر، وإن لم يعطه سؤله جحد وكفر.

‏#شمس_الهمة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

العيد

 تلك اللحظات الحرجة قبيل يوم العيد، ذلك التعب، والضغط، تلك الأمور التي أنجزت نصفها والنصف الآخر ينتظر منك اتمامه حالا، ذلك التوتر، وتلك الأع...