عن زوجة أخي المدخلية:
كنت قد كتبت موضوعا للترفيه سابقا، عن صدمتي بفتيات بفكر مدخلي حين كنا نخطب لأخي، إلى أن فاض بي الكأس وكتبت عن آخر تجربة، كتبت المنشور بصيغة تهكمية ساخرة..
ليس سخرية من شخص الفتاة معاذ الله، ولم يسبق لي السخرية أو الحديث عن شخص بعينه حين أتحدث عن المداخلة.
إنما غالبا أسخر وأتهكم من الأفكار التي يحملونها، ولا أطيقها، وأحاول كثيرا التوعية بشأنها.
وكثيرا ما حذرتني الغالية مريم خنطوط، وكذا الجميلة هند أومدور وسألنني الكف عن هذا الأسلوب لأنه غير مجد، بل يزيد الطين بلة...لكن ولعقدة في نفسي وتجارب سلبية كثيرة مررت بها...كنت أرعوي أحيانا ثم أعود لنغمة السخرية من جديد.
والحق أقول أنه أكثر منهج أبغضه، وبغضه لي علماء كثر عانوا ولا زالوا من طلبة العلم المنتسبين لذلك المنهج، وقصص كثيرة حدثت ولازالت تحدث.
ولا أخفيكن أنني حين أراجع طلبات الصداقة، أقبل كل الأشكال مغمضة العينين ماعدا من تكتب في بروفايلها عبارات تشي بأنها من حزب المداخلة.
وذلك أني أفر منهم فرار السليم من الأجرب، أفر من نقاشهن وجدالاتهن لأنني جربتها من قبل، فوجدتها مستنزفة، وبغير طائل كونهم لا يحترمون العلماء، ويتعصبون لآراءهم ومشايخهم وآفات أخرى كثيرة كالتعالم والغرور وانعدام الأدب في النقاش.
حقيقة لم أبلغ بعد الدرجة التي تخولني احتواءهم، وامتصاص غضبهم، والصبر على أخلاقهم.
ومع معرفتي أن كثيرات منهن حديثات عهد بالتدين، وأن المنهج المدخلي تمكن منهن لأنه الغالب على الساحة الدعوية بالجزائر اليوم(صادف قلبا خاليا فتمكنا)..وغالب المنتسبين حين يتعمقون في التعلم بعدها، يتركون ذلك الطريق...لذا فالصبر على أمثال هؤلاء مطلوب أيضا..
ومع علمي كذلك بوجود مدخليات قمة في الأخلاق والأدب يشاركن في صفحتي بآراءهن باحترام
ومع علمي كذلك بأن الانسان يتغير، وبأن القلوب بيد الرحمن يقلبها كيفما يشاء، وكثيرا ما وصلتني رسائل في علبة الصراحة، لبنات كن يبغضنني وأفكاري، ومع المتابعة اليومية أحببنني وتغيرت نظرتهن لكثير من الأمور.
مع علمي بكل هذا غير أن هذا الأمر نقطة ضعف لدي، ولا زلت أتجنب مجالسهن أو نقاشاتهن.
الأمر مع زوجة أخي كان مختلفا، فهي واقع علي التعامل معه، لا أخفيكن أنني خفت في البداية من التعامل مع هذا الواقع الجديد، رغم أني لمست أن الفتاة رقيقة ومؤدبة، ويسهل التعامل معها.
لقد كنت أفكر في حلين لا ثالث لهما، أن أستميلها لجانبي، وأخلصها من براثن ذلك الفكر المسموم، أو أعاملها بسطحية وبرود...لكن لم أرغب البتة في التعايش مع الأمر.
كنت شبه متأكدة من قدرتي على التأثير بها، فقد قلت بتبجح أن لدي تأثيرا خفيا أشبه بالسحر على البنات، كان ذلك هو الغرور بعينه...إضافة أني كنت سأعاملها بود مصطنع، وليس بحب لأنني أحمل ضغينة مسبقة لهؤلاء.
لكنها حلت ببيتنا، وحل معها النور والبركات، فتاة لا كالفتيات في الرقة والأدب والجمال..
تحمل بين جوانحها قلبا دافئا نقيا يفيض عذوبة وجمالا..
قرابة العام وأنا أرقب حركاتها وسكناتها من بعيد، ترقب المستنفر الذي اتخذ وضعية الهجوم.
وحين عرفتها حقا، عرفت فتاة تقرأ القرآن بقلب خاشع، وصوت ندي رائع.
حين تفزع إلى الصلاة، تهزك طريقة صلاتها وخشوعها وسكونها وكأنها تسبح في عالم غير عالمنا.
هل رأيتم في حياتكم صلاة تفتن من قبل؟!
في حياتي كلها لم تَفْتًِنًِي صلاة أحدهم من قبل...لقد كنت أتسمر لمرآها وهي تصلي، لقد كانت غائبة عن الوعي تماما، أو في قمة الوعي، لا أدري حقا كيف تسمى تلك الحالة البهية من تماهي الروح في حضرة ملكوت الله.
لا تترك صلاة التهجد بالأسحار، حتى وهي ضيفة عندنا ولا تنسى وردها اليومي أبدا..
إذا جلست في مجلس فإنها تترفع عن الثرثرات وتحفظ لسانها عن الغيبة والنميمة...
كثيرة الذكر والشكر، ذات لسان رطب بذكر الله، ويلهج دوما بالدعاء.
كنت أرقبها وأحس بنفسي تتضاءل أمام روعتها، وجمال تدينها..
وكنت كلما رأيت منها سلوكا حسنا صغرت نفسي في عيني كثيرا...
ثم أتاني الشيطان..من باب آخر
كذلك كان الخوارج من قبل..
كنت لتحقر صلاتك مع صلاتهم، وصيامك مع صيامهم، وقرآنك مع قرآنهم..
ألم يخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك عنهم؟
لكن فلتجربيها في المعاملات، والحقوق والواجبات..
لا تضعفي، دوسي على هذا القلب، ودعي عنك لغة المشاعر، وبيتي العداوة لها، وجهزي الحرب لأجلها😈
أقتنع أنا بوجهة نظر إبليس عليه لعنة الله..
أواصل التعامل بحذر وبرود...
وأبيت النية للقضاء على الفكر المعشش برأسها...
فإما أن تكون مثلي، أو أتجاهل وجودها في حياتي إلى الأبد..
أنتظر الفرصة المناسبة...وما ستسفر عنه الشهور والأيام...
هذه المرة امتحان صعب يواجهها...خلافها مع والدتي مع أول يوم ولجت فيه بيتنا...
والدتي الحنون، العاقلة الرزان، المتدينة التي كانت تعقد جلسات صلح بين الحموات والكناين.
والدتي التي علمها أبي، وتحدثنا طويلا معها عن أحكام الشرع ومشكلات الكنة والحماة وحلولها اليسيرة في الشرع الحكيم...
كان أخي أقرب الأبناء وأبرهم بوالدتي، لذلك غارت عليه من غريبة أخذته بعيدا..
فجأة ودون سابق إنذار استيقظت (الحماة الشرقية بداخلها)، فما عدنا نعرفها..
أعيتنا معها النصائح والسبل...وخفنا على الفتاة من والدتي.
الامتحان كان صعبا للغاية..
ورغم أن والدتي لم تؤذها بعد، إلا أنها نفرت منها قليلا مع أنها كانت تشفق عليها وتظهر لها ودا مصطنعا.
لكن الفتاة تفهمت عاطفة الأم حين يشاركها شخص في فلذة كبدها..حين قلت لها: نحن النساء مهما ادعينا من ثقافة وعلم واتزان سنتصرف مثلها تماما...أنا...وأنت...وكل النساء
هذه هي طبيعة المرأة...
كانت تسألني ماذا تحب والدتي وماذا تكره..
وتتلمس مواطن رضاها وتتحسسها وتجتهد لأجل ذلك...
وكذا تحرص أن لا ترى منها ما يغضبها أو ينفرها منها...
هذا رغم أنها كانت تسكن بسكن مستقل..ولا ضرورة تدفعها لذاك الفعل..
كانت تقتني من الهدايا أفخمها، وتهديها كل مرة ما يبهجها...
لا تقدم على أمر دون استشارتها، حتى وهي بعيدة تستأذنها في زيارة أهلها..وفي أمور أخرى هي في غنى عن رأي والدتي بخصوصها...
تتظاهر بالجهل في أمور البيت والطبخ، فقط كي تسأل والدتي فتمدها بوصفة أو فكرة، تطبقها ومن ثم تثني على والدتي أمام زوجها ووالدتها وكل أفراد العائلة.
وهكذا سحرتني بأخلاقها ومعاملاتها، وسحرت كل من بالبيت وأولهن أمي..
لقد وجدت مدخلا لشخصيتها، وجعلتها تحبها أكثر من بناتها..
هذا هو السحر الحلال..
ليت كل البنات مثلها...
وليتني بمثل قلبها وجمالها..
كم كبرت في عيني وعيون الجميع..
وكم أجدني أتضائل أمام جمال قلبها..
صرنا نتسامر سوية، نثرثر ونضحك كثيرا، نتساعد في تحضير أشهى الطبخات والمخبوزات ونعجنها بماء الحب.
نقضي فترة ما بين المغرب والعشاء في الحفظ والترتيل، فتكون هي معلمتي في الأحكام لأنها متقدمة عني في الدروس.
فلنختلف أو نتفق لم يعد يهمني مادمت تحملين هذا القلب...أسأل الله أن يرضى عنك ويرضيك
ويحفظ قلبك الطاهر البرئ...
للغزالي رحمه الله عبارة تقول: ((أن الفرق بين تدين الشكل وتدين المضمون هو قسوة القلب أو رقته)).
والدعوة فن يتطلب حكمة وصبرا...
والتنميط والحكم على الأشخاص من خلال انتمائهم وأفكارهم، أمر مذموم وغير صائب.
واستعمال أسلوب التهكم والسخرية من الأشخاص والجماعات لا يزيدهم سوى تمسك بمواقفهم وأفكارهم.
ولنعلم أن غالب المنتسبين الجدد لذلك الفكر المسموم، إنما يعتقدونه لأنه يظنون أنه الدين والإسلام...
قال الله تعالى:(( يا أيها الذين ءامنوا، لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم، ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن))
واحذر ان يبتليك الله ويهدي غيرك ويعافيه!!
#شمس_الهمة