عن الحسابات والمواقع الوهمية:(الجزء الثاني)
رغبت كثيرا في كتابة هذا الموضوع، ليس بسبب حادثة اليوم، إنما الحادثة عجلت فقط بظهور المنشور.
حادثة قالت بأن فتاتين نعرفهما ولهما صداقات كثيرة، ظهرتا أنهما (حساب وهمي).
لا أود الحديث عن الفتاتين فكلنا نحبهما ولنا معهن قصص ورسائل ومواقف.
ولا أريد الخوض في سيرتهما، ولا أسمح بذلك في منشوري.
لكن حين وجدت لغطا كبيرا هذا الصباح، وعراكا بين المتهمين والمدافعين...عقبت بتعليق يقول أن الأمر غير مستغرب في هذه المواقع والفضاءات.
وقولي ذاك ليس اتهاما إنما منهجي في الحياة أن أتعامل بحسن الظن بنسبة 99٪ وأحتفظ دوما بنسبة 1٪ للشك.
فلا أسيء الظن بالناس، إنما الأصل حسن الظن.
إلا إذا كانت هنالك قرائن تتابعت عندي وتراكمت مع الوقت، فإنها لا تهدأ حتى تحصل على توضيح مع الأيام.
علمنا القرآن اجتناب سوء الظن، وأن بعض الظن إثم.
وكذا علمتنا الآية الكريمة وحادثة الإفك (لولا إذ سمعتموه ظن المسلمون بأنفسهم خيرا).
وتعلمنا من الصحابية قولها في حادثة الإفك(أحمي سمعي وبصري، أحمي سمعي وبصري).
لكن ولأن أحداثا وقصصا كثيرة مرت بي جعلتني لا أصدق الأمور ببلاهتي المعتادة، إنما أبقي دوما على نسبة شك أحتفظ بها لنفسي.
وكما أن حسن الظن مطلوب، إلا أن العرب تقول أيضا (احترسوا من الناس بسوء الظن) وتقول أيضا(إن من الحزم سوء الظن).
في فتاوى العلماء في مسألة الشك والغيرة بين الزوجين، تجدونهم يقسمون الغيرة إلى قسمين فالغيرة المحمودة شيء، والغيرة المرضية شيء آخر تماما، شيء مقيت ومذموم.
متى يحق للزوج أو الزوجة الشك في الطرف الآخر؟ قيل: الغيرة بريبة.يعني وجود قرائن (حقيقية لا وهمية) متتابعة، جعلت المعني يشك بالطرف الآخر.
وأذكر هنا قصة روتها لي أحد المقربات، حين قالت أنها حين تزوجت لم يسألها زوجها عن حسابها على الفيس، ولم يطلب منها كلمة المرور، ولم يشك بها يوما، فسألته بدافع الفضول عن الأمر فأجابها:( الأمر لا يحتاج كبير ذكاء، ولا كثير عناء)، فلو رأيتك تفتحين الفيس مثلا وحين ألج الغرفة ترتبكين أو تنهين محادثاتك أو تخرجين مسرعة لقلت أنك ربما تستعملينه فيما لايرضي الله.
فهاهنا انتفى مسمى الريبة، لا يوجد ما يجعل هذا الزوج يشك في زوجته أو أخلاقها.
حساب لشخص يدعى أبو عبد الرحمن كان ينشر مقالات دينية جميلة، ونقاشات عقلية ماتعة،
يتابعه خلق كثير، خصوصا طلبة العلوم الشرعية، وهذا الحساب معروف لأزيد من خمس سنوات والناس تتابعه على أنه علم، ومثقف ومتمكن.
لكن من أسابيع قليلة أعلن إلحاده. ليس هذا فحسب، إنما صار ينشر الشبهات.
وقال عنه العلماء والدكاترة أن عملا مؤسساتيا وراءه، وأنه على الأرجح ليس حساب شخص واحد.
أخت سلفية حدثتني مرة عن صديقة مشتركة بينها وبين البنات لمدة تزيد عن العامين، ثم اتضح في الأخير أنها حساب رجل...اعتذر منهن وقال أنه تاب من فعلته تلك.
قصة أخرى حدثت بالفيس هي قصة فتاة ادعت اليتم ومرضها بالسرطان لمدة غير يسيرة، ثم اكتشفوا أنها فتاة تعبث كي تستدر العطف والاهتمام فقط.
فتاة أخرى أعرفها في الواقع معرفة شخصية، طبيبة، ملتزمة، ونشيطة جدا، مثقفة، ونهمة للقراءة
عملت حسابين أحدهما لوالدها وآخر لوالدتها، يعلقون عندها وتعلق عندهم أحيانا...وهذا طيلة عامين
ولأن حبل الكذب قصير....تم اكتشاف أنها تدير تلك الحسابات كلها، وليسا لوالديها.
هذا غيض من فيض عن قصص وكوارث وحوادث حقيقية، لكن أبطالها مراهقون ربما.
لكن هنالك قصص لأشخاص ناضجين صدمنا بهم أيضا.
غير بعيد عنا قصة المخرج الذي يحسب على الوسط الإسلامي، والذي عرفناه من خلال برنامج ديني، والذي اتفق هو وزوجته على حادثة طعن له في تركيا.
تبين أنها مفبركة والهدف منها الترويج لعمل وثائقي كان يشتغل عليه.
منذ مدة نشر كاتب مرموق قصة فتاة منقبة قال أنها عشقته بجنون وتحاول أذيته وأسرته.
يومها كتبت مقالا عن ذلك المرض والهوس بالمشاهير، كوني قرأت عنه كثيرا ذلك الوقت.
بعد يومين أخذ ذلك الكاتب يروج لكتابه الجديد.
ثم كتبه الأخرى...
بعد فترة صار ينشر عن غيرته من نجاح أيمن العتوم بطريقة المزاح، لكنها وشت عن عدم اتزان في شخصيته، وغرابة لمسها كل المتابعين.
لا شك أن هذا الفضاء يمتلئ بالمرضى النفسيين، ولا شك أن دوافع مثل هذه السلوكات متعددة
فيروس حب الظهور...أحلام اليقظة...الحرمان العاطفي...تعويض النقص الذي يعيشونه.
من ليس لديها عائلة تحبها...تختلق عائلة...
من ليس لديها تشويق وسوسبنس في حياتها تختلق ذلك وتعيش جو الأفلام ...
والكثير الكثير من الدوافع التي لا يمكن عدها ولا حصرها.
طيب ماهو التصرف الأنسب هنا؟
هل نحسن الظن، أم نسيء الظن؟
هل نلوم الشخص الذي قال بأن هذا الحساب زائف؟
وهل نلوم من وقع الشك بقلبه، فانتظر البيان؟
أفضل موقف وأجله في هكذا لحظات هو حسن الظن بأخيك المسلم، والدفاع عنه بظهر الغيب وذكر محاسنه، وأنك لا تتوقع منه إلا صدقا.
وهذا الأمر يعكس نقاء القلب الذي تحمله بين جوانحك، حتى وإن ثبت لك عكس ظنك.
فالمهم أنك سليم القلب، وفزت بفضيلة إحسان الظن في أول امتحان لك. وعدم الخوض مع الخائضين في عرض أخيك.
لكن هل يلام من دخل الشك إلى قلبه، وانتظر البيان؟
وهل يلام من كانت لديه شكوك وقرائن متتابعة من قبل وينتظر التوضيح؟
وهل يلام من تهجم مع المتهجمين، بدون انتظار بينة ولا دليل؟
قصة حادثة الإفك مهمة لتربية الأمة وفيها دروس في قمة الروعة، فما عليك سوى البحث عن شيخ ثقة والاستماع إلى القصة لتخرج بمجموعة قناعات ودروس تحميك وتوجهك أوقات الفتن.
لا يجب اتهام الناس دون دليل، والأصل هو إحسان الظن...فهذه هي المنزلة الأسمى.
وأنه إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا
لكن مع الإبقاء على الفطنة، وأن تترك عقلك مفتوحا على كل الاحتمالات الأخرى.
فالرسول صلى الله عليه وسلم مثلا، لم يتخذ موقفا في حادثة الإفك، ولم يلجأ لتكذيب المدعين. ولم يسئ الظن بزوجه الكريم، العفيفة الطاهرة.
إنما انتظر البيان والبرهان من الله.
وأي شخص على هذا الفضاء يتحدث ويدعي أشياء، إن لم يصدقها الناس ولم تلج عقولهم فالقاعدة تقول أن البينة على من ادعى، فإذا ادعيت أنك دكتور، يلزم ورقة تثبت ذلك..وهكذا...
وهذا المقال كله كتبته لمن يستغرب أن شخصا واحدا يمكنه تأليف قصة بشخوصها وأحداثها وحساباتها.
وشخصيا لدي 17 حسابا على الفيس بوك، وأعرف سهولة الأمر، وكيف لشخص واحد فقط أن يخدع أمة من الناس بسهولة.
فرغم أني والله يشهد أني ما استعملت حساباتي سوى لحروبي الفيسبوكية، إلا أني تسببت بحيرة وبلبلة لمدينة كاملة، ولحد الآن لا يعرفون أن كل تلكم الحسابات هي لشخص واحد.بل يعتقدون أنهم مجموعة أشخاص.
المسلم السوي يحسن الظن، ولكنه أيضا كيس فطن(لست بالخب ولا الخب يخدعني)
#شمس_الهمة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق