الثلاثاء، 26 أكتوبر 2021

عن ربات الخدور:

 

عن ربات الخدور:

«إذا تودر حمار التوميات، سال النسا السنيات»
الترجمة:
«إذا تاه أي "ضاع" حمار التوميات(التوميات اسم قبيلة)، فاسأل ربات الخدور»
هذا مثل شعبي متداول في منطقتي، وقصته تقول أمي حقيقية، يتداولها الأجداد
تقول القصة أن حمارا لقبيلة تدعى التوميات تاه، فبحث عنه رجال القبيلة وصغارها فلم يجدوه.
حتى دلتهم النساء في البيوت عن مكانه، نساء محبوسات في البيوت ولا يرين العالم إلا من ثقب الباب.
كيف حدث ذلك، وما قصتهن؟ وكيف استطعن اكتشاف ما عجز عنه الرجال.
تقول أمي أن لذلك عدة أسباب، أولها الفراغ والبطالة وخلو عالمهن من شيء جديد، فلا حصاة تسقط ببركة أيامهن الراكدة والمتشابهة.
لذلك يتخففن من ثقل ذلك السجن، باستراق النظر من خلف ثقب صغير لعالم ماوراء الباب.
ولا تفوتهن شاردة ولا واردة.
أذكر أنني كنت مرة ضيفة عند قريبي، الساكن بعمارة لمدة شهرين رفقة قريبتي، وحدث أن تزوج قريبي ذاك بإحداهن، وبعد مرور شهر فقط، قمنا بزيارتهما ثانية، فسردت لي العروس كل أسماء الجيران، وقصصا أخرى كثيرة، وهي غريبة عن المدينة، وتفاجأت أنا إذ مكثت مدة شهرين ولم أعرف أحدا هناك.
والسبب تقول لي أنها حين لا تجد ماتفعله تلزم النافذة بالساعات، فعلمت بذلك كل ما يدور هناك وهي عروس جديدة.

أما ابنة عمي فتحدثني تقول، أنه كلما تقدم لها خاطب من المدينة، تقول لأخيها الذي -لا يعرفه- أنه ما من داع للسؤال عنه، وتخبره هي بأصله وفصله وجذوره، واسم حبيبته وجده الخامس.
هذا وهي فتاة محبوسة لا تخرج إلا نادرا، فيستغرب أخوها ذلك، ويسميها (شبكة الجزيرة)، ذلك أنها تملك معلومات عن كل ساكني المدينة، وهذا كله بسبب التواصل في الهاتف مع بنات الأخوال والأعمام والجيران، وأحاديثهن التي لا تنتهي عن أحوال الناس.

ليس هذا فحسب إنما يقول أحد الكتاب أن الفراغ والبطالة مع انعدام التربية والتثقيف للفتاة، يجعل النساء يتفوقن في الكذب، والمكر والخداع...فلا ينمو عقلهن ومداركهن بطريقة صائبة، انما يتجه العقل في خط مشوه معوج يقود إلى درك سحيق.

ولبثينة العيسى اقتباس تقول فيه:“أن تعيش في مكانٍ يصادرك حتى آخر سنتمتر منك، يعني أن تبرع في فنون الالتفاف”.

ويقول اقتباس آخر:

أضلَّت المرأة عقلها في ظلمات الأجيال الماضية؛ ففقدت رشدها، وأدركها العجز عن تناول ما تشتهي من الطرق المسنونة؛ فاضطرت إلى استعمال الحيلة، وأخذت تعامل الرجل — وهو سيِّدها وولي أمرها — كما يعامل المسجون حارس سجنه والحفيظ عليه، ونمت فيها ملكة المكر إلى غاية ليس وراءها منزع؛ فأصبحت ممثِّلة ماهرة ومشخِّصة قادرة تظهر في المظاهر المتضادة والألوان المختلفة في كل حال بحسبها، كل ذلك لا عن عقل وحكمة وإنما هي حيل الثعالبة. ولكن لا لوم عليها وعذرها أنها ليست حرَّة، وإنما فقدت الحرية؛ لأنها فقدت السلامة في قوَّة التمييز، بل اللوم كل اللوم على الرجال؛ أريد بهم مَنْ سبقنا ممَنْ أهملوا تربيَّـة نسائنا.”

فالبيئة المتسلطة الظالمة، لا يصلح جوُّها، ولا تنفع أرضها لنمو الفضيلة، ولا يربو فيها إلاَّ نبات الرذيلة.
وفي هذا يقول سيد قطب في الظلال:
((وليس أشد إفسادًا للفطرة من الذل الذي ينشئه الطغيان الطويل، والذي يحطم فضائل النفس البشرية، ويحلل مقوماتها، ويغرس فيها المعروف من طباع العبيد: استخذاء تحت سوط الجلاد، وتمردًا حين يرفع عنها السوط، وتبطرًا حين يتاح لها شيء من النعمة والقوة)).

تذكرت كل هذا وانتبهت له حين استغربت البنات امتلاكي لعديد حسابات الفيس بوك، وما الذي يدفع بعاقلة لهذا الفعل، وجعلني هذا أستغرب فعلتي أنا الأخرى، وأقول (هل كنت بكامل قواي العقلية وقتها؟!)
ولكنه الأسر والسجن أرهف حسي، وزاد ملكة التدقيق والمراقبة عندي..وضاعف حاسة الحدس والتنبؤ بالأشياء وكذا توقعها.
وكذا تعلمت فنون الالتفاف والحيلة كي أحمي نفسي، ويشهد الله أني ما كذبت مازحة أو جادة من خلال حروبي الفيسبوكية تلك، فتربيتي وديني يمنعاني من ذلك، إنما هو التمويه والحيلة فقط.

الأمر أشبه بما يفعله المسجونون عادة، فمن يومين فقط شاهدت سلسلة الأسير(552) بغوانتنامو، الرجل الكويتي الشهم (نايف الكندري).
ذكر أنهم كانوا يطورون لغة التخاطب من تحت أبواب الزنازين الانفرادية، وحتى الصلاة يؤمهم من يتقدم بالزنزانة، وأشياء أخرى كثيرة، تجعلك تذهل لقدرة المخلوق البشري على التأقلم مع الظروف بعون الله، وتطور حواس السمع، وملكات أخرى يمنحها الله، كتعويض لكل من يعاني النقص في مجال ما.

لطالما حفظت أسماء الأماكن والأشخاص، وفي حياتي لم ألتق بشخص ونسيته بعدذاك، حتى أني حين ألقى فتاة ما، لا تعرفني بينما أعرفها، وأذكر لها اسمها ولقبها وأصلها وفصلها وتاريخ لقاءنا، وموقف جمعني بها، وكان يحزنني دوما اني أتذكر الأشخاص ولا يذكرونني، ثم علمت بعدها أن للناس علاقات وحياة يومية ويلتقون أشخاص ويتعرفون عوالم كثيرة تجعلهم ينسون الأشخاص العابرين بسهولة.
بينما شخص مثلي لا يرى طيلة السنة أشخاصا ولا عوالم جديدة البتة.

لكن مع كل ماذكرت، إلا أن غالبية المحبوسات بالبيوت، لا يملكن التصرف في المواقف الحقيقية، ولا يملكن سرعة البديهة لذلك.
وكثيرات منهن يسقطن مع أول امتحان لهن في الحياة، وقس على ذلك قصص فتيات الجامعة اللواتي ينحرفن، و غالبهن نتاج بيئات متزمتة ومتسلطة، لم يرين الحياة من قبل، ولا يملكن هامشا للحرية، ولا ثقة متبادلة مع أهاليهن، وطبعا لا أعمم هنا، فمن تربت على الأخلاق والدين، سيحميها ذلك ويقيها شر المزالق.

وقد تستغربن لو قلت لكن أني من فرط الحماية صرت أضعف، مسكونة على الدوام بالخوف، لا أثق في الناس بسهولة، وحيدة هنا، ووحيدة في عالم الفيس أيضا...فليس لي صديقة أبثها أسراري، ولم يسبق لي التحدث في هاتف -والدتي- مع إحداهن.
في الحياة الواقعية كنت أتعرض لعديد المواقف التي يكاد يكون فيها حتفي، وذلك لعجزي وقلة حيلتي، وتعودي الحماية من أفراد أسرتي، فلا أستطيع دفع أذى أو مكروه بنفسي.

أفاضل كثر خطبوني على الفيس مثلا، وكنت أفر، وأختفي، وأغلق الحساب وألجأ للبكاء كوني لا أعرف كيفية التصرف مع الأمر، رغم أن والدي يعطيني هامشا من الحرية والثقة، ورباني وأنا طفلة صغيرة أنه في حال راقني أحدهم يكفي أن أقول لوالدي(يا أبت استأجره، إن خير من استأجرت القوي الأمين) وكان يكرر هذه القصة على مسامعي دوما، وكنت أحس بالحبور والحب والأمان.
ورغم ذلك كبرت وما جرأت على ذلك، كوني أعلم الفرق بين النظرية والتطبيق، بين الموقف النظري والموقف الحقيقي الذي تطيش معه الأفهام.
وكوني أعرف حقا أنه لا يمكن لوالدي أن يثق البتة بخاطب يأتي عبر العالم الأزرق...وغالبية جيل الآباء يتوجسون من كل جديد ولا يملكون الثقافة اللازمة للتعامل مع التكنولوجيات الحديثة.

ولأني لم أكن أملك صديقة حقيقية، لم أعلم كيف يتصرف الناس في هذه الأمور.. وأنا العجوز الناضجة
التي بلغت من العمر عتيا، غير أني لا زلت طفلة في عالم الصداقات والعلاقات ولا أجيد التعامل مع الناس.

وحين وجدت مريم خنطوط، الفتاة التي وثقت بدينها وأمانتها، بحت لها ذات مرة بقصصي فقالت ببساطة( ما الصعب في الأمر؟)، (وما الضير في خاطب الفيس لامرأة ناضجة وليست مراهقة؟).
وعلمتني كيف أتعامل مع الأمر ولمن ألجأ، ومن يصلح أن يكون الوسيط في هذه الأمور، وكيف نجرب الشخص؟ وكيف نتأكد من دينه وأمانته؟
وصارت هي وخالتو (الجميلة) التي لن أذكر *اسمها* حتى لا تزعجوها باستشاراتكن.صارتا مستشارتي في أمور القلب ومتعلقاته.
وميريام الحبيبة أيضا.

أكتب كل هذا بغية أن يتعلم الناس، أن يتعلم الأخ كيف يثق بأخته، والأب كيف يثق بابنته، والأم كيف تحتوي ابنتها؟
أما الورع البارد، والمثاليات الجوفاء، والوعظ المتعالي فلن ينجح في صنع المسلمة السوية لو كنتم تفقهون. والسلام

أستاذة فشل تحكي تجاربها فتعلمن.😅

#شمس_الهمة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

العيد

 تلك اللحظات الحرجة قبيل يوم العيد، ذلك التعب، والضغط، تلك الأمور التي أنجزت نصفها والنصف الآخر ينتظر منك اتمامه حالا، ذلك التوتر، وتلك الأع...