الأنثى الكاتبة:
حين تكتب الأنثى، الأمر مختلف، مرعب، شاق، وهو أشبه بخروج الروح من الجسد.
رأسمال الأنثى حياءها، خجلها المستتر، مشاعرها المكنونة التي لا يعلم عنها أحد..
لكن حين تكتب، تصبح مشاعرها مشاعا، تمنح الكثير من ملامحها للنص المكتوب...
حين تكتب الأنثى، فهي تتحدى ذاتها، تتعارك معها، وتطرح الخجل مؤقتا بعد معارك ضارية..
وهذ لعمري أمر شاق، فالجرأة في الكتابة تسبب الألم للكاتبة...لا أقصد هنا تناول المواضيع المسكوت عنها (الطابوهات الثلاث) كما تفعل بعض الكاتبات للأسف...إنما مواضيع عادية جدا، لكن الزمن، المجتمع، والناس لا يتقبلون أن يكون للأنثى رأي حيالها، وعليه يحكمون على الكاتبة الشجاعة بقلة الحياء والاسترجال ربما...بينما لا يعدو الأمر كونها رجلة في الحديث وحسب.
أن تمنح الكاتبة النص بعضا من ملامحها، شاق أيضا، الكتاب هم أكثر الناس شفافية، لذلك تصلنا أفكارهم وتؤثر بنا..
لكن الكاتبة إذ تفعل ذلك، تشعر بالتكشف، وبأنها حاسرة الرأس، وبأنها صارت كتابا مفتوحا للجميع...
غالبا لا يستشعر القراء ذلك، وقد لا يرونه، لكن الكاتبة تراه كما لو كان تحت عدسة مكبرة.
لذلك غالبا تتألم المرأة الكاتبة، عقب كل نص أو قصة تكتبها، وقد تغلق حسابها، مباشرة بعد كتابة نص ما.
الأمر الثاني الذي تعانيه الكاتبة الأنثى، الاتهام، وتأويل النصوص والقصص التي تكتبها، وإسقاطها على حياتها الشخصية.
فمن تكتب قصصا عن الحب، تتلقى دوما أسئلة من قبيل ” أنت المقصودة بالقصة؟ لا شك أنك تعانين مشكلة عاطفية؟ هل القصة شخصية؟! وهلم جرا.
لا يعرف هؤلاء أن الكاتب يجيد تقمص الأدوار، فحتى وإن كتب بلسان المتكلم، فذلك لأن هذا الأسلوب أدعى للتأثير على القراء، وليس بالضرورة قصة حقيقية أو شخصية.
ولا يعرف هؤلاء أيضا أن الكاتب يكتب أشياء كثيرة يفتقدها في واقعه، كي يعيش حياة موازية يتخفف بها من ثقل الواقع المؤلم الذي يعيشه.
الأمر الثالث هو المعاناة مع الجمهور من الجنسين، ولعلي لا أتحدث هنا عن الأذية التي تلحق الكاتبة من بنات جنسها، كي لا أسهب في الموضوع، إنما سأكتفي بتناول الأذية التي تتلقاها من جنس الرجال.
- هنالك جمهور راق ومحترم، يضيف للكاتبة الكثير من النصح والتوجيه والثناء لتكمل الطريق دون خوف، وهذا يحتاجه الناس جميعا، بالأخص من يتصدر لمخاطبة الناس، سواء بالتأليف أو الكتابة على وسائل التواصل الاجتماعي..
- جمهور آخر من النخب المثقفة علميا وأدبيا ودينيا أيضا، لكنه جمهور مؤذ، يترك الدكتور أو البروفيسور أو الشاعر أو الأديب زوجته المدفونة في المطبخ، ويأتي لمغازلة الكاتبات على وسائل التواصل، وقد يدبج الواحد منهم قصيدة لأجلها..بينما في الحياة الواقعية يكره هؤلاء المرأة الطموحة والناجحة والمثقفة، وقد يدفن طموح زوجته، وموهبتها، ثم يحتقرها وينظر لغيرها من الناجحات..
- معجبون آخرون يظل الواحد منهم وراء الكاتبة أو الشاعرة، ويهيم بها إعجابا وحبا، حتى تقبل به وترضى به زوجا،
وحين يحصل على مراده، وتوافق عليه، تبدأ مرحلة محاولته لتغييرها...لا تكتبي، لا تعملي، لا تتصدري، أشعر بالغيرة وووو...وحين تتغير المسكينة لأجله، وتتخلى عن شغفها ودورها، وكينونتها وشخصيتها، يمل منها، لأنها ما عادت تلك الشخصية التي سحرته من قبل، ماعادت هي نفسها، بل تحولت لنسخة مشابهة لكل النسوة التي كان يراهن ولم يملأن قلبه وعقله.
- معجبون آخرون متسرعون، يحكم على الكاتبة من منشور أو اثنين، ويستعجل التقرب من الكاتبة وخطبتها، هؤلاء غالبا تخاف منهم الكاتبة، ذلك أن طلبًا كهذا بناء على قراءة منشور أو اثنين، فيه من التسرع و الجهل مافيه ولو صدُقت النية.
ولأن الكاتبة معتادة على جمهور من هذا النوع، جمهور يسرع في إظهار انبهاره وإعجابه وتقديسه، ثم لا يلبث مع الأيام أن يتحول لشخص مصدوم بهذا الكاتب، وكيف أنه خيب آماله لأنه كتب موضوعا أو اثنين لا تتناسب ورؤية الأخير، حتى وإن كان الأخير مخطئا في حكمه وفهمه للمسألة المكتوبة.
- المعجبون الحقيقيون الصادقون يراقبون عن كثب كل المنشورات والقصص والمقالات، ثم يقول بثقة (هذه هي فتاة الأحلام) التي أرتضيها زوجة وأما لأطفالي...لكن المشكلة هنا بالكاتبة، الكاتبة شخص حساس، غالبا لديها تجارب وخيبات..إضافة للعاطفة التي تتحكم بمشاعرها...تتمنى الكاتبة أن تُخْتَار لعقلها وفكرها، وحين يتم لها ذلك، تقول في نفسها، لا يريدني لذاتي، إنما أعجبته الحروف، ولو قرأ لمن هي أفضل مني لاختارها قطعا وفضلها علي..مشاعر الغيرة، تتسبب لها بالإحباط وانعدام التقدير للذات، وتلك المقارنة التي قامت بها غالبا غير صحيحة، فلكل كاتبة جمهورها الخاص، وتوليفتها السحرية الخاصة بها...وبذا تعتبر الكاتبة أنها لا تستحق الحب، فتدمر العلاقة في البداية عن غير وعي.
- المعجبون الحالمون هذه الشرذمة من البشر لا تمتلك الوعي والنضج الكافيين، فهو يحكم على الكاتبة من خلال ما يقرأ، فيرسم صورة مثالية بعيدة عن الواقع، فيتخيل الكاتبة فاتنة الجمال، وبشرا لا يخطئ، ولا يمنح نفسه فرصة التعارف الجيد في فترة الخطبة، ويكتفي بالمعرفة الأولية التي جمعها عنها من كتاباتها...بعضهم يفاجأ بالشكل حين يخطب، ويصدم، ويرفض الفتاة مخلفا عندها شعورا سيئا، إن كانت الكاتبة واعية وناضجة غالبا لا تتأثر لأنها تعلم هذا مسبقا، ولأنها تعرف نفسها جيدا، ولأن المفروض أن تتكلم مع الخاطب أن لا يتوقع جمالا فتانا ..وهكذا تسهل الأمر عليه وعلى نفسها..
وغالبا من يصدم لشكل الفتاة، يكون شخصا غير ناضج، رسم له مخياله صورة خيالية ساحرة..وإلا فالانسان الناضج يبحث عن الدين والأخلاق، وإذ يقدم على الرؤية لا يكون هنالك سقف عال من التوقعات بخصوص الشكل، ويذهب وهو مستعد لذلك..وإن حصل العكس ولم يتم القبول بين الطرفين، يعرف الطرفان أن الله لم يكتب لهما الحياة معا، وأن عند الله العوض.
بعضهم الآخر يصدم بعد الزواج بشخصيتها التي لم تناسب شخصيته ربما...فيقول ليست هذه من أردت الارتباط بها..لأنه ببساطة توقع(الكمال) أن الكاتبة شخص كامل ، منزه، لا يخطئ.
نقطة أخرى تحدثت عنها الكاتبة المتألقة أميرة طاهر..أن الأنثى الكاتبة إذا لم تجد السند والدعم من الأب أو الزوج فستتعرض للاستغلال من قبل الوسط الثقافي "العفن"، فمن يعدها بتبني كتاباتها وترويجها، وإيصالها للجمهور..يفعل ذلك لحاجة في نفسه..ويستغل تعامل الفتاة معه..ليوقعها في شباكه..
وآخر يمدح وينفخ في الفتاة الكاتبة..حتى يجعل منها "عظيمة الزمان" بينما قد تكون مبتدئة جدا..وتقع هي في شرك هذا الوهم..في حين يستغلها الأخير في مخططات خبيثة كنشر الفساد..والروايات الماجنة وقصص الحب الخاوية..وقد يملي عليها ما تكتب..ويضع لها الخطوط العريضة التي لا ينبغي تجاوزها..ويلغي شخصيتها ومبادئها..وتقع هي فريسة للتنازلات..
وما أكثر ما رأينا هذا في واقع الساحة الأدبية العربية..
هذا والله أعلم
ملاحظة: النص كتبته منذ سنتين، بطلب من إحدى الكاتبات، ولم أنشره من قبل.
#شمس_الهمة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق