حب الزعامة سلوك متأصل لدى الرجال:
(كيف السبيل للقضاء على فيروس حب الظهور؟!)
كمتابعة ومراقبة من بعيد لمجموعات مدينتي، قلت سابقا أن النخب كانت في سبات، ولم يستفد أحد مما تحمله رؤوسهم سوى الحلاق، وذكرت أيضا أنني اكتشفت صعوبة جمع المثقفين والنخب تحت راية واحدة.
يقال أنك تستطيع جمع أهل الباطل بسهولة لكن من الصعب جمع المثقفين فغرور الواحد منهم يدفعه إلى رفض الخضوع لمثقف آخر، إنها نقطة سلبية تجعل المثقفين أغبى من الحمقى الذين تجمعهم التفاهات والهراء المتداول.
أكبر تحد قبل بداية أي مشروع أو عمل ميداني:
حين سئل الأستاذ أحمد الشقيري عن أصعب تحد، وعائق، واجهه قبل انتشار برنامجه خواطر(هل كان المال، أم الدعم، أم ايجاد الأفكار)، أجاب قائلا:( تكوين فريق عمل)، كان أكثر شيء فشلت فيه مرات كثيرة، وشكل أكبر عائق حقيقي، وعقبة كأداء وأول ماتم الأمر نجح المشروع برمته.
ذكرت هذا الأمر لأخي المراهق، حين كان يود تأسيس ناد علمي ثقافي في الثانوية، وكان يومها في سنته الأولى من التعليم الثانوي، وضع شقيقي هذا الأمر نصب عينيه، وصمم أن ينجح في أصعب مهمة ألا وهي تأسيس فريق متكامل منسجم ومتفاهم، وبالفعل واجه مشكلات عدة تمثلت في حب الزعامة الذي يميز الذكور، والأنا، وحب الظهور، وعدم تقبل طرف لآخر وووو.
لذلك اضطر أخي عن التنازل عن رئاسة النادي، وإجراء انتخابات نزيهة لأولئك الراغبين في الزعامة.
وهذا القرار اتخذه بعدما قرأ فصلا من كتاب دايل كارنيجي ذكر فيه قصة لمدير شركة تنازل لشريكه عن اسمها في مقابل بقاء الشراكة التي خدمت الطرفين لعقود طويلة.
فنكران الذات لأجل المصلحة العليا فن لا يقدر عليه المصابون بفيروس حب الظهور.
وفعلا تم لأخي ما أراد، فكان هو النائب وصديقه المدير، لكنه كان مديرا شكليا فقط، أما الإدارة الحقيقية فكانت لشقيقي، الذي كان الجميع يلجأ إليه، بما فيهم رئيس النادي.
نجاحي بعد محاولات كثيرة في جمع المثقفين، تحت راية مجموعة واحدة لم يكن كافيا...فبعد مدة لاحظت داء عضالا يسري في رجالات المدينة الفاعلين، ملتزمين ومثقفين...إنه داء حب الزعامة..
صارت مجموعات المدينة، بؤرا للفتنة، والغيبة والنميمة، وصار هؤلاء العاملون ينالون من بعضهم البعض، بإنشاء تحالفات، وافتعال حروب وعداوات..
وانتشرت الفرقة كسوس ينخر تلك الجهود، وتفرقت السواعد التي جمعها حب الخير، وانقسمت الجمعيات إلى نصفين...
والعجيب في الموضوع أن هؤلاء النخب، كانوا كفاءات حقيقية ونادرة، مثقفون، عاملون، وبعضهم من الملتزمين..
كنت وأنا أراقب من بعيد أشعر بالغثيان لذلك الوضع، وأرثى للحال التي وصلنا إليها..ولم أكن أرى في هؤلاء سوى بضعة أطفال غير ناضجين..
لم يتقبل عقلي ذلك السلوك، ولم أعرف له سببا أو تشخيصا ناهيك أنني قطعت الأمل بوجود حل لتلك الأزمة...
رحت أبحث وأقرأ وأسأل في مجموعات القراءة عن كتب أو مقالات تتكلم عن داء حب الزعامة لدى الرجال، فلم أحر جوابا..
الأمر الثاني الذي وقفت حائرة أمامه، كان انتقاد العاملين في المدينة، وهمزهم ولمزهم..والنيل من أعراضهم، ليس ذلك فحسب، إنما كانوا يشيعون الأكاذيب حولهم، فتنتشر ويصدقها الناس، ولكني إذ درست سير العظماء، لم أصدق ما كان يشاع عن هؤلاء رغم عدم معرفتي بهم..
فكما قالت الأديبة الجميلة مريم خنطوط:
”يبدو لي هذا كالحقيقة الممتدّة في الزّمان والمكان؛
كلّ من تصدّرَ للقيامِ بأمرٍ رفيعٍ ينفع الله به، لابدّ أن تحتشد حوله فيالقٌ من النّاسِ لا همّ لهم إلاّ أن يروه قاعدا كما هم قاعدون، لا تشتدّ عزائهم إلاّ في توهينة والفتّ في همّته والطّعن في خلقه وعرضه ونواياه وتخذيل النّاس عنه، يعاديه بعضهم حسدا وبعضهم منافسة وصراعا، والبعضُ الآخر يعادي لمجرّد العداء؛ كأنّه قد وجدَ شيئا ينشغل به وحسبه ذاك.
ومَن كان عاقلا، انشغلَ بالغاية في غيرِ التفاتٍ إلى الرّدّ على كذبة هذا وافتراء ذاك وطعن أولئك، فإنّما غايتهم أن يعيقوه عن بلوغها، ولا يعيقه شيء كانشغاله بهم عنها.“
تأملت سير العظماء والمصلحين، وعدت بذاكراتي للتراجم والسير التي قرأتها، لكن لم أهتد للطريقة التي كانوا يستعملونها في تأليف الرجال...
كل الكتب كانت تكتب أن ذلك أول تحد قاموا به ونجحوا فيه، لكن لم أعرف الطريق الموصلة إليه..ولا الوصفة التي اتبعها هؤلاء..
شعرت بالعجز، فكل تلك الكتب التي التهمتها، لم أفد منها في الواقع..
ما فائدة العلم إذا عجزنا عن توظيفه في واقعنا؟!
ما فائدة العلم إذا أبقيناه حبيس عقولنا، ولم ننتفع به لتحسين حياتنا وتربية ذواتنا والتطبيق الفعلي على أرض الواقع؟!
وحين فشلت في عملية البحث تلك، قررت أن أجمع اقتباسات بسيطة لما قرأته، علها تفي بالغرض..
وحين جمعت بعض الاقتباسات، رحت أنشرها تباعا في المجموعة...
كنت أنشر وحسب، لإحساسي بالعجز، أنشر وأمضي، وأترك الأمر لله...وللأمانة لم أتوقع لبضع كلمات أن تحدث التغيير...فقد وصلت لمرحلة اليأس مع تلك العقول، ولم أصل لدواء لتلك العلة التي استحكمت بالنخب، وتغلغلت بالنفوس، ونكتت على القلوب.
لكن بعد فترة، والله شهيد على ما أقوله، رأيت أثر تلك الكلمات، والفضل لله وحده..
رأيت عودة الترابط والتلاحم من جديد، ومشاعر الأخوة، وإصلاح ذات البين، والعمل المشترك..
تذكرت هنا ماذكره الدكتور خيري العمري عن قوة الكلمات:
“في عالم لم يعد يؤمن بشيء، لا أزال أؤمن بقوة الكلمات...
في عالم لم يعد يؤمن بالمعجزات، لا أزال أؤمن بقدرة الكلمة على صنع المعجزات.. بل إنني أؤمن أن اختياره -عز وجل- للكلمة لتكون وعاء المعجزة الأخيرة للرسالة الخاتمة، يحوي دلالة عميقة على ما أؤمن به من قوة الكلمات..”
الاقتباسات التي استخدمتها:
سئل الشيخ العلامة الجزائري عبد الحميد بن باديس مؤسس فقيل له:
لماذا لم تؤلف الكتب ؟ فأجاب :
فقال: كنت منشغلاً بتأليف الرجال.
تأليف القلوب هو أول وأعظم خطوة في طريق الإصلاح.
وهو فعل الأنبياء والعظماء والمصلحين على مر التاريخ.
كي لا تجهل الأمة معاني الترقيع...إذا أتت على هذه الدنيا معاني التمزيق.
الرجل الناجح يصنع مجد أمة كاملة .
والجاهل يضيع أمة بأكملها.
إن صلاح الأمم والشعوب بحاجة إلى أفراد عظماء يتلاحمون فيما بينهم، ليصنعوا كيانا فتيا صلبا، والخطر كل الخطر أن يتراجع أصحاب المواهب والقدرات والإمكانات، ليرضوا بلعب دور صغير في الحياة، تاركين الساحة لمن هم أقل منهم لقيادة الدفة.
الرجل الحكيم يجب أن يكون ماهرا في نزع أشواك العصبية والانغلاق والتحزب.
وأسلافنا كانوا بارعين في نبذ الفرقة ، فإذا قلبت نظرك في صفحات التاريخ, ستجد أن العظماء كانوا دائما بارعين في بناء الجسور التي توصلهم لغيرهم
إن مثل الرجل العظيم كمثل المغناطيس، هذا تنجذب إليه المعادن لقوة جاذبيته، وذاك يلتف حوله الرجال الكمل لقوة شخصيته، وعلو همته، وكمال مروءته.
إن العظيم الحق هو من تطلبه الرئاسة، ويقدمها إليه الخيرة من الرجال.
#شمس_الهمة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق