الاثنين، 24 يناير 2022

الكتوم (قصة قصيرة)

 

الكتوم(قصة قصيرة)

كانت في طريقها إلى المنزل عائدة من الجامعة، فلمحت أخاها المراهق ئو الثلاثة عشر عاما مع فتى ضخم الجثة وأكبر منه سنا، فهو يبدو في السادسة عشر من العمر...فانقبض صدرها وتوجست من الأمر..ليس هذا فحسب، فقد كان ذلك الفتى يرتدي المقطع من الثياب، والذي صار موضة هذه الأيام، ويرفع شعره كعرف الديك بتسريحة غريبة، كما يفعل فتيان السوء..
هرولت (حليمة) بخطى متسارعة، توازي دقات قلبها لتلوذ بالمنزل الآمن.
أسرعت إلى غرفتها
، فوجدت شقيقتها الوسطى(نور) في الغرفة، فغَلَّقت بابها جيدا، ثم التفتت إلى شقيقتها بكلام يشبه الهمس، مخافة أن ينتقل الكلام خارج حيطان الغرفة فتسمعه والدتهما..
- ما الأمر؟! ما الذي جرى لك حتى اختفى لون شفتيك، هل هنالك خطب ما؟!قالت (نور مستفهمة)
- شششش..ردت حليمة محذرة أختها من رفع صوتها بالكلام..
رأيت منظرا لا يسر، شقيقنا المراهق (بلال)، وجدته يجالس احد الشباب الأكبر منه سنا، وقد كانت أوصافه كيت وكيت، لم أرتح للأمر...تعرفين أن بلال كتوم جدا، ولا نعلم مع من يقضي وقته خارج المنزل...هو مجتهد في دراسته، والأول على صفه، يلزم دروس حفظ القرآن، ويحافظ على الصلوات في المسجد، لكن هذا لا يكفي...نحن لا نعلم أصدقاءه، ولا من يخالط، وهذا السن حساس جدا، أنا خائفة عليه..
- بلال كتوم جدا نعم، لكنني أعرفه جيدا وأعرف أخلاقه..ردت نور مطمئنة شقيقتها حليمة..
لكن حليمة لم تقتنع، كانت من النوع الذي يعتبر الشك وسوء الظن من الحزم، الجميع بنظرها متهم حتى تثبت إدانته، تعتقد ان الخصوصية مساحة ترتكب فيها الأخطاء والخطايا، تكره المسافات، وتعتقد أن من هم أصغر منها ضعفاء طيبون، وفريسة سهلة لرفقاء السوء..
تعتقد أن الكل يخطئ ويقع في المزالق، ماعداها...كانت تشك بالجميع وتتهم الجميع، لكنها لا تقبل ذلك على نفسها..فهي قوية الشخصية، ثابتة الإيمان، جاهزة فقط للأحكام الجاهزة...
عكسها تماما كانت شقيقتها نور، هشة وضعيفة، وكثيرة الأخطاء، تعتقد أن كل الناس أفضل منها، وتنظر لكل شخص بعين الإعجاب، وتتمنى لو كانت مثل هذا في صلابته، وذاك في إيمانه، وذاك في كفه عن النميمة ...وهلم جرا..
- سأقوم بمواجهته، لن أطيق الانتظار لأعرف..يجب ان نستنطقه ليتكلم، ونكثف مراقبته، ونفتش أشياءه، حاسوبه، ملابسه وجيوبه...فأبناء هذا الجيل لا يؤتمن جانبهم.. قالت حليمة.
-‏ تقصدين أنك تريدين التحقيق معه، هذا خطأ، أرجوك لا تفعلي، لم تسيئين الظن؟ نحن نعرف تربيتنا، ونثق بابننا، ولا شك لديه تبرير مقنع، أمهليني بعض الوقت لأتمكن من سؤاله بطريقة غير مباشرة.
-‏حسنا، لك ذلك، وإن كنت أعتقد أنه بدون جدوى، وستكلل مساعيك بالفشل..ذلك أن بلال شخص كتوم، لا يعرف المرء ما يدور برأسه الصغير ذاك...
قالت نور كلامها ذاك ولبثت أياما تحاول الاقتراب من بلال، وسحب الكلام منه، لكن بدون جدوى..كان قلبها مطمئنا، لكنها كانت تحتاج شيئا يؤكد شعورها ذاك..
ثم اهتدت لفكرة اللعب معه، كان عاشقا لألعاب الحاسوب، وكان والده يسمح له بساعة في اليوم فقط..لذلك عمدت نور إلى مناداته، وقالت أنها تريد تعلم لعبة المزرعة السعيدة، وكذا اللعبة التي يعشقها بلال كثيرا ، لعبة (ساندرياس).
استأذنت من والدتها لتمنح لهما أربع ساعات متواصلة على الحاسوب فوافقت أم بلال، شريطة أن ينهي واجباته المدرسية قبل ذلك..
بعدها لم تفعل نور شيئا طوال أربع ساعات سوى الضحك والمرح رفقة بلال، حتى نسيت تماما ما جاءت لأجله..
حين انتهت الأربع ساعات، جلبت نور قطعا من الكعك مع فنجانين من القهوة، وجلست بجانب بلال، وأخذا يتجاذبان الحديث حول ساندرياس وإحراز النقاط..ثم انعطف الحديث وأخذ مجرى آخر، حين سألت نور أخاها بلال عن كم العنف الموجود باللعبة، وعن حركات بطل اللعبة(سي جي)، ولماذا يرغب في الانتقام وقتل الناس؟
فحدثها بلال عن اللعبة، وعن مأساة(سي جي)، وأنه مكث سنوات في السجن بسبب الظلم الذي تعرض له من قبل مع الشرطة الفاسدة..
أخذ بلال يتحدث ونور تستمع فقط دون أن تقاطعه، تحدث عن الظلم، عن الفساد، عن ظواهر الأشخاص وبواطنهم، ثم قال:
- تعرفين؟ منذ أسبوع حدثني فتى يكبرني بثلاث سنوات، فتى من ذلك النوع الذي يشار إليهم بالفساد، فيهمزهم الناس، ويلمزونهم...شعر منكوش، سروال مقطع، سلسال على الرقبة، وشم في الذراع وهلم جرا..
في هذه اللحظة، أرعت نور كامل سمعها، وأرهفت كل حواسها، وجلست تنتظر المزيد..
واصل بلال سرد قصته، فقال أن ذلك الفتى جلس أمامه، وحكى له ضياعه، وأنه من بين كل أبناء الجيران توسم فيه خيرا، ويريد منه مساعدته...حكى له ظروفه ومأساته، والمشاكل التي يعاني منها مع بيت منهار، ووالدين منفصلين، ومشاكل لا تعد ولا تحصى..
وأنه لجأ بسبب كل ذلك إلى رفقاء السوء، فتعلم منهم كل منقصة، ويخاف على نفسه من مآلات هذا الطريق...لكنه لا يعرف كيف ينجو بنفسه، ولا كيف يسحب نفسه من شلة السوء تلك..
- بم أجبته؟ وكيف يمكن مساعدة هذا الفتى الطيب؟ قالت نور تريد سحب الكلام من أخيها، كان لديها ثقة به، وبنفس الوقت تخاف عليه أن يتورط مع أمثاله..
- ‏صحبة المسجد، وبعض الفيديوهات حملتها له من اليوتيوب ليسمعها، لا يوجد حل آخر..ولا أريد تمثيل دور الشيخ، فأتورط معه..لازلت في طور التعلم أنا الآخر، وأخاف على نفسي أيضا..
ذهلت نور من إجابة بلال، وراقها العقل الكبير الموجود بداخل ملامح الطفل البريء تلك، وراحت تطرح المزيد من الأسئلة.
- لكن هل تكفي حقا صحبة المسجد؟ أتمنى من الله أن يكون معه، الأمر ليس سهلا. إنه جهاد كبير.قالت نور
- ‏لقد عرفته على الشيخ، وقصصت عليه خبره، ولا أظن الشيخ سيتركه..إضافة أنه سيملأ وقته لحفظ القرآن في المسجد، ويتنافس مع أقرانه، علاقتنا مع الإخوة رائعة في المسجد، وتلك الروح التنافسية على الحفظ، تصنع جوا من البهجة، ينسيك العالم الخارجي تماما..أنا متفائل خيرا بذلك..(رد بلال)
*************
كانت حليمة ونور، تحملان هم الأخ الأصغر، بسبب خيبات سابقة عاشتاها مع الشقيق الأكبر الذي اعتنق العلمانية، والشقيق الأوسط الذي اختار التشدد..
كانتا مصدومتان تماما، فالواضح أن أبناء هذه العائلة من الذكور، سبب للهم والغم في أسرة لم تعرف سوى السعادة والهناء من قبل.
كانت الابتلاءات تتوالى على ذلك البيت الصغير، بشكل نسي فيه الوالدان أن لهما أربعة من الأبناء الآخرين، ينتظرون الرعاية والاهتمام، ومن يربت على مخاوفهم ومشاعرهم بحنان..
لقد ترك هؤلاء الأربعة للخواطر والهواجس تتآكل قلوبهم وعقولهم الصغيرة..
مضت الأيام تركل بعضها...غادر الشباب المنزل لأجل الضرب في الأرض، والبحث عن لقمة العيش..
تزوجت حليمة وفارقت المنزل، والتحقت الصغرى بكلية بعيدة..
وبقيت نور في المنزل رفقة الصغير بلال..
كبر بلال وأصبح شابا مكتمل الرجولة والبهاء...شاب كما يقول المثل السوري(أختو بتعشقو).
شاب هادئ، وسيم ، يلوذ دوما كعادته بالصمت..
ولم يتخل عن طبعه الكتوم، لدرجة كانت تسبب القلق لوالدته التي فجعت بأبناءها الآخرين..وكذا والده الذي لم يكن يكف عن استجوابه كل يوم، من دون أن يحصل على كلمة يطمئن بها على حاله..
أما نور فلم تكن أحسن حالا من باقي أفراد الاسرة مع بلال..ومع إحسانها الظن إلا أن المخاوف والهواجس لم تكن تفارق رأسها الصغير..كانت تخاف على بلال رفقة السوء، تخاف عليه أن يشبه مصيره، مصائر أخويه السابقين...تخاف عليه الإلحاد، والتطرف، وكل مشكلات الكون وتحديات العصر التي تتهدد هذا الجيل من الشباب...فتن متلاطمة كقطع الليل المظلم..
نور كانت تؤمن بثقافة الخصوصية، وفن المساحات، وكذا عدم مصادرة حق الغير في التجربة والخطأ..
لكن طبع بلال الكتوم، جعل قلبها لا يهدأ، وبالها غير مطمئن عليه..
إضافة انها كانت تحلم أن ترى بلال يشغل وقته بالنافع من الأمور، كانت تتمنى لو أنه يقوم بالتطوع في الجمعيات الخيرية كما يفعل الصفوة من الشباب، أو يلتحق بفريق كرة قدم يشغله قليلا ويملأ أوقاته الفارغة تماما، كانت تتمنى أن يكون من هؤلاء الذي يفتحون كتابا، فيفتح لهم آفاقا من الفكر، ويربت على حيرتهم، ويجيب على تساؤلاتهم المختلفة.
لكن شيئا من ذلك، لم يكن موجودا ببلال...كان شابا يدرس سنته الأولى بالجامعة، وحين يعود يقضي وقته كاملا رفقة الأصحاب، وأي أصحاب، لا أحد يعلم عنهم شيئا بعد..
************
بلال صرح لنور ذات مرة عن تجاربه في الأنترنت، عن حبه للتصميم، عن تعلمه فن القرصنة، كما ذكر لها أنه دخل مواقع الدارك ويب، فصعقت لأجل ذلك..
كانت تتمنى لو تعرف ماذا يدور برأسه، أي أفكار تقفز إلى دماغه، من أين أتت؟ من أصدقاءه بالتأكيد، أو مما يراه على وسائل التواصل الاجتماعي؟ لا أحد يعرف..
كانت نور ترى خيبة أخرى في الاسرة، تلوح في الأفق، ولم تكن مستعدة لتحملها هذه المرة أيضا..
وكانت تلوذ بالدعاء في صلاة القيام، كي يحفظ الله شقيقها بلال..
لكن الأيام كانت تحمل ما يعمق مخاوف نور..
فبلال كان يبكر صباحات الجمع خارج المنزل، ويغيب حتى منتصف النهار، وحين يعود تسأله والدته عن سبب بكوره، فيتعلل أنه كان رفقة أصحابه..
- هؤلاء الاصحاب يأخذون عقله ووقته وجل تفكيره..أصحاب، أصحاب...لا يجيد سوى هذه الكلمة(قالت والدته بحنق).
استمر قلق نور، وتفاقمت سلوكات بلال الغريبة التي عمقت مخاوف نور كما لم تخف يوما من قبل..
فقد كانت كل تصرفات بلال تدعو إلى الريبة، من ذلك أن نور وفي أثناء ترتيبها خزانة الثياب الخاصة ببلال، وجدت مبلغا كبيرا من المال(عشرة ملايين) يخبئه بلال جيدا بين ثيابه....ترك ذلك المبلغ مدة يومين، ثم اختفى من خزانته بعد ذلك...فانتاب نور الهم والغم..وعمدت إلى سؤاله بطريقة غير مباشرة فقالت له:
- بلال، أود سؤالك، عمتي خديجة وجدت مبلغا كبيرا من المال بين ثنايا الأغطية والأفرشة، تعتقد أنه يعود لولدها "مراد"، ولا تدري من أين جاءه المال..ما رأيك أنت؟
- ‏ذلك المال يعود لتاجر مخدرات يستغل ابن عمتي مراد..أعرفه جيدا، وأعرف علاقتهما معا، وكل المدينة تعرف ذلك، عدا عمتي المسكينة(قال بلال)
- معقووول، كان الله في عون عمتي..يا للمصيبة التي حلت بها..
انتهى النقاش في مهده، فلم يكن بلال شخصا يستكثر من الكلام، وأسقط في يد نور، فلم تكن من النوع الذي يكثر من نمط الأسئلة المخابراتية، وكانت تخاف أن تقع في سوء الظن فتفقد ثقة أخيها بلال إلى الأبد..لم تعرف هل تفرح بإجابته التي تدل على وعي ونضج كبيرين، أم تتأول أن الإجابة تدل أنه يعلم جيدا كوليس ذلك الوسط الموبوء، لأنه ربما يحمل عضوية في نادي السوء ذاك..
كالعادة استغفرت نور الله بإسراف، لكن الوساوس والهواجس مالبثت تزورها باستمرار...
كان والد بلال يمنع بلال من أن يسهر خارج البيت بعد الساعة الحادية عشر...وكان بلال يلتزم بذلك حرفيا، فلا يزيد عن الوقت المتفق عليه، متجنبا مناوشات قد تحدث مع والده بسبب الأمر..
لكن بلال مؤخرا، صار يذهب خلسة على الساعة الثانية عشر، وأحيانا الواحدة ليلا، دون أن يعلم والده بذلك، يغيب لفترة قصيرة جدا، ثم يعود أدراجه لينام..
كانت نور الوحيدة التي تتفطن لفعلته تلك، ولم تعرف السبب وراءها..
سألته مرة أو اثنان عن ذلك، فقال لها أمر خاص..منهيا بذلك محاولاتها لمعرفة الأمر..
وذات ليلة كان نائما كالعادة، فتلقى اتصالا هاتفيا على الساعة الواحدة ليلا، ففتح الباب خلسة وخرج مهرولا من تحت فراشه الدافئ، إلى مكان مجهول...ثم عاد سريعا ككل مرة..
بدل ثيابه، ثم نام قليلا، وفي الصباح توجه إلى جامعته البعيدة..
نور لم تنم ليلتها تلك بسبب تصرف بلال، ولم تجرؤ على إخبار والديها بالأمر، لم تعرف ماذا تفعل، ثم توجهت إلى غرفته وقامت بتفتيش حاجياته..فعثرت على ملابس عليها أثر القيء الذي كان بلون قريب من اللون الأحمر القاني، ورائحة نفاذة وغريبة..
قامت نور بغسل الثياب قبل ان تتفطن والدتها للأمر...ثم توجهت إلى هاتفها تبحث عن إجابة، فاكتشفت أن ذلك القيء واللون يعود ربما للخمر..
- خمر؟! يا إلهي هذا لا يحتمل..
ارتجفت نور، وسقط الهاتف من يدها، وتسارعت دقات قلبها، وضاقت عليها الأرض بما رحبت..
هذه المرة عزمت على مواجهة بلال، لتحصل على إجابات لأسئلتها، وليحدث ما يحدث، فقد باتت لا تستطيع تحمل فرط التفكير والهواجس التي تنتابها.

**************

انتظرت نور أسبوعا كاملا، حتى يعود بلال من جامعته..كان في مزاج سيء، فآثرت تأجيل الأمر قليلا..
- اصبري بعد، لم يبق القليل لموعد المواجهة..قالت نور تحدث نفسها..
في الليل زارها ألم الضرس، وحرمها النوم، فقررت زيارة طبيبتها الخاصة بوهران..وطلبت من بلال مرافقتها..فوافق على الفور..
في الحافلة تحدث بلال كثيرا يومها، ولم تتمكن نور من مقاطعته، وآثرت كالعادة تأجيل المواجهة..
كان حديثا حميما ينم عن قلب عطوف بالغ الرقة، مع عقل مكتمل الرجولة والنضج..
أتمت نور مهمتها، وعادت أدراجها إلى المنزل...وفي طريق العودة الطويل ذاك، لم يكف بلال عن الكلام في الحافلة، وكأنه كان ينتظر اللحظة المناسبة، ليفرغ حمولة قلبه بعد كل تلك السنوات من الكتمان..
تحدث عن قيم المسجد الجديد، وكيف أنه أسوأ شخص عرفه في حياته..
- تخيلي، لم نعد ننظف المسجد أيام الجمع، لأنه لا يثق بنا، عكس قيم المسجد القديم "أبو مروان"، الذي كان يفرح بنا ويهش ويبش في وجوهنا، ويمدنا بكل أدوات التنظيف..كان رجلا رائعا بحق..
- ‏هل كنتم تنظفون المسجد؟ متى وكيف؟ لم أرك يوما تفعل هذا، ولم تخبرنا يوما بذلك؟
(قالت نور والدهشة تملأ عقلها)
- معقول، لا تعرفين..وماذا عن ذلك البكور أيام الجمع؟ ونصف اليوم الذي كنت أغيب فيه عن البيت!!
- لكنك، لم تصرح يوما بذلك(قالت نور)
- ‏هذا العمل لوجه الله، لو صرحت به لن يرتفع ثواب العمل إلى السماء.(أجاب بلال).
- ‏هل أخفيت عنا أمورا اخرى يا بلال؟ هات اعترف الآن..قالت نور ممازحة بلال.
- ‏لا تعلمون مثلا أنني اعمل في جمعية خيرية، وأن مهمة الاحتفاظ بالتبرعات موكلة إلي، وأني أخبئ مال الجمعية كل مرة ويكون في العادة مبلغا كبيرا، هل تعلمين بهذا؟
-لا، لم أكن اعلم بهذا (قالت نور ذلك مدعية أنها لا تعلم بالأمر، وكان قلبها المسكون بالهواجس والوساوس قد بدأ يهدأ أخيرا، بعد طول عناء).
-‏تعلمين لم لم أعلمكم بكل هذا، أنت تعرفين ردة فعل والدي، وإطلاقه للأحكام الجاهزة، وتعلمين الخوف الذي يسيطر على والدتي، خوفها وحبها المفرطين يخنقانني..
-‏ لكن، ما الذي استجد اليوم، لم تخبرني بكل ذلك؟قالت نور
-‏الولد يختلف عن الفتاة يا نور، أنتن الفتيات تهرعن إلى أمهاتكن حين تواجهن أية مشكلة، لكن الولد حين يشب يعمد إلى إخفاء كل شيء عن والديه، ويرغب بالاستقلالية، والانعتاق من التبعية حتى يحقق الرجولة المنشودة..
-‏ أقنعتني أيها الرجل الصغير(قالت نور مداعبة بلال).
- ليس هذا فحسب، هنالك أسباب أخرى، أترين طريقة والدي في التربية صحيحة؟
يريد اختيار أصدقاءك، يقيس حركاتك وخطواتك بالقلم والمسطرة، يمنعك من التجربة ويصادر حقك في التعلم والخطأ، ويمنعك من مخالطة أناس معينين..
لكنني نضجت الآن، ولدي أصدقاء من كافة الأطياف، وقد خبرت قلوب الرجال حين مارست العمل التطوعي..ودرست بالجامعة...المظاهر وحدها لا تكفي للحكم على الناس...
- نعم، كلامك صحيح، أوافقه تماما.
أضاف بلال قائلا:
تخيلي لدي أصدقاء مدخنون، لكنهم يصلون ويسارعون لفعل الخيرات، ويتطوعون معنا بالجمعية..
أعرف أشخاصا متعاطين أيضا، لكنهم بحاجة ماسة لمن ينتشلهم من ضعفهم ذاك..
هل تتذكرين صديقي سمير؟
- نعم، أذكره جيدا، ذلك الفتى الطيب الذي التحق بالجيش ليعيل أسرته؟
- ‏نعم هو ذاك....(أجاب بلال واكتست ملامحه غلالة حزن غامضة..)
- ‏لقد تغير حاله كثيرا ...مؤخرا صار يشرب ويسكر..
يهاتفني كل ليلة ويطلب مني أن أوصله للمنزل حين يكون ثملا..
فأهرع إليه من نومي، يستند علي، وأجره كل ليلة إلى منزله، والناس ينظرون..
إنهم يتحدثون عنا بالسوء..ويسيؤون بنا الظنون..
أتعرفين أقسى ما في الموضوع؟!
لا يهمني رأي الناس بي ولا تهمني نظراتهم ولا همزهم، فأنا أعرف نفسي وصديقي جيدا..
إنما المؤلم في الأمر أن أصدقاءنا الآخرين انفضوا من حولنا أيضا، وجعلوا منا فاكهة لمجالسهم..
يتحدثون عن سمير، ولا يعلمون أنه يحمل هموما تنوء بحملها الجبال..ووالله لو علموا بمصابه لخجلوا من أنفسهم على ذلك..
سمير فتى بقلب ماسي، فتى طاهر ونقي، لم يكن كذلك من قبل، لقد كان شاب مستقيما من أقرب الأصحاب إلى قلبي، ولي معه مواقف رجال لا أنساها له..
مؤخرا صار يشرب كثيرا، نتكلم معه، فيعدنا أنها المرة الأخيرة، ثم يعود مجددا للسكر والعربدة..
صرت أخجل منه ومن تصرفاته، وذات يوم أغلظت له القول والنصح، فانهار تماما، وأخذ ينشج ويشهق ببكاء مرير مثل طفل صغير..
سمير كان رجلا تام الرجولة، ليس ضعيفا، ولا جبانا، ولا هشا في مجابهة المشكلات..
كان يبكي ويتحدث بصوت متهدج يقطع نياط القلوب، عن مشكلاته الأسرية..عن جفاء والده، وخيانته لزوجته، وظلمه لأولاده، عن لا مبالاة أخيه...عن الفقر...والجوع...
ثم قال لي هل تعرف أني اكتشفت أني لست ابنا شرعيا؟
أغمض بلال عينيه، ونكس رأسه، وانحبس الكلام داخل شفتيه..وأومأ لنور أنه لا يستطيع إخبارها بالمزيد...وأن تلك المصيبة التي اكتشفها سمير، واحدة فقط من عديد المصائب والهموم التي يعانيها..
كانت هذه المأساة مصدرا لأزمة شديدة في حياته، لقد شعر وهو فتى حدث في التاسعة عشر من العمر، أنه أوقظ بشدة من أحلام مدرسته، ليشهد حقائق الحياة الواقعية القاسية.
تلك المصائب انهالت على قلبه دفعة واحدة، فقصمت ظهره وقضت على ما تبقى من صبره وثباته..
- يا الله!! يا لقلب الفتى المسكين، كان الله بعونه.
قالت نور ذلك واستندت على كتف شقيقها بلال، كان قلبها مفطورا، قد انشطر إلى نصفين..ويتعارك بقلبها شعوران متضادان، شعور الحزن العميق لأجل الفتى سمير، وشعور الحب والإعجاب لموقف شقيقها بلال، والقلب النبيل الذي يحمله بين جوانحه..
لقد شلها هذا الأمر تماما، ولم تجد بدا من أن تريح رأسها المثقل على كتف بلال..
بلال استغرب سلوكها ذاك لوهلة، ثم استسلم لمشاعر الدفء التي أزاحت البرود وجبل الجليد الذي أخفى من وراءه عن قلبه الدافئ المكلوم..
ونور وجدت أخيرا رجل البيت، الذي يستحق أن تتكئ على كتفه أخيرا..
- بلال، لا تتركه، سمير بحاجتك، أرجوك لا تتخلى عنه.(قالت نور جملتها تلك وغطت في نوم عميييق).
- ‏لن أتركه، اطمئني يا نور..

*تمت*

#شمس_الهمة







الثلاثاء، 4 يناير 2022

مراجعة الفيلم الوثائقي (the true cost):2

 

مراجعة الفيلم الوثائقي (the true cost):

 

حين تشاهد الفيلم كاملا ستبكي كثيرا على نفسك, على الأمة وعلى الإنسانية جمعاء.

قطعة الملابس التي نشتريها, وراءها سواد حقيقي..

أين تصنع, ومن أين تستخرج المواد الخام, من يقوم بخياطتها وتحويلها لقطعة أنيقة, وكم يكسب أولئك من المال, حتى ننعم نحن بشراء ثوب بثمن بخس؟

كل هذه الأسئلة وغيرها يجيب عليها هذا الفيلم, من خلال رحلة بحث واستقصاء في المصانع المنتجة للملابس.

الملابس يتم إنتاجها في مصانع الدول الفقيرة مثل الهند و بنجلادش وغيرها بأسعار زهيدة جدا, العمال الذين يعملون في هذه المصانع هم أناس فقراء بسطاء من ذوي الدخل المحدود جدا, نساء, أطفال, شباب وعجائز أيضا.

المصانع والظروف التي يعملون بها لا تتوفر على أدنى شروط العمل المتعارف عليها دوليا...المصنع مظلم, مهترئ, الكهرباء والإنارة فيه غير ثابتة أو منعدمة..

الرطوبة, انعدام التدفئة, ساعات العمل اللامحدودة, الأجر الزهيد في مقابل تعب يوم كامل...انعدام الراحة والتأمين ووو

الكثير الكثير من الظروف المزرية..

الحوادث في المصانع كثيرة جدا, الانهيارات فوق رؤوس العمال, جثث وضحايا, أسر تفقد بعضا من أفرادها, نساء تترمل, أزواج يفقدون زوجاتهم...

مآسي كثيرة وحقيقية وموثقة عرضها الفيلم, يندى لها الضمير الإنساني الحي..

ولكن مات الضمير والإنسانية للأسف..

صناعة الأزياء هي السبب الثاني في تلوث الأرض:

صناعة الموضة, وعاداتنا الشرائية, تؤذيان كوكب الأرض وتفاقمان أزمة المناخ.

 

وتسهم صناعة الأزياء بنحو 10 في المئة من الإجمالي العالمي لانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وتنتج نحو 20 في المئة من مياه الصرف عالميا، وتستهلك كمية من الطاقة تفوق ما يستهلكه قطاعا الطيران والنقل البحري معا.

لا شك أن معظم السلع الاستهلاكية تؤثر سلبا على البيئة، لكن صناعة الأزياء تسبب أضرارا بيئية عديدة بسبب الوتيرة المتسارعة التي تتغير بها الموضة من موسم لآخر، والتي تغري المستهلك على الشراء لمواكبتها.

فظهور الfast fashion يلعب دورا كبيرا في كم الدمار البيئي الذي سيطال كوكب الأرض, فبدل وجود قطع ملابس مستدامة, أصبح لدينا ملابس ترمى بشكل متسارع لأن الموضة تتطلب الأحدث دوما..

عندما ينتهي الأمر بالملابس في مكبات النفايات، يمكن للمواد الكيميائية الموجودة في الملابس، مثل الصبغة، أن تتسبب في أضرار بيئية من خلال ارتشاح المواد الكيميائية...وكمثال على ذلك تحولت صحراء أتاكاما شمال تشيلي إلى مقبرة مليئة بأكوام من الملابس غير المرغوب فيها وهي تستخدم كمكب نفايات للملابس المستعملة.

فحسب وسائل الإعلام فإن حوالي 39000 طن من الملابس المهملة تراكمت في صحراء أتاكاما.

لكن ولا أحد مهتم بالأمراض التي ستصيب سكان هذه المناطق على أي حال.

 تأثير صناعة الأزياء على نفسية الإنسان:

وسائل الإعلام والشركات تروجان للاستهلاك وتمارس على المشاهد حيلا بصرية, عن طريق إيهامه أن شراء الملابس يجلب السعادة ويحل المشكلات.

اليوتيوبرز ومشاهير السوشل ميديا أسهموا بشكل كبير في نشر ثقافة استهلاكية, والترغيب في حمى الاستهلاك.

جوهر عمليات التسويق هو التلاعب بنفسية الإنسان الذي يملك مجموعة من الاحتياجات الثابتة مثل احتياجنا للحب والتميز واحتياجنا لأن نشعر بأننا بشر مقبولون اجتماعيا..

يستخدمون فكرة تعريض المشاهد بشكل مكثف لقوالب معينة من البشر المثاليين الجذابين...وضغط الصورة اليومي الذي نتعرض له كفيل بإحداث شتى الأزمات النفسية لدى البشر بغية الكمال..

وأسوق هنا اقتباسا دقيقا لبثينة العيسى تقول فيه:

"وهذه الشاشة الكريهة تمارس كل يوم عبر روتانا وميلودي وستار أكاديمي إرهابا جسديا علي..فأنا لا أستطيع أن أواكب أجسادا كهذه..."

لا يمكننا الفرار اليوم من ضغط الصورة والإرهاب التي تمارسه على عقولنا, لأننا محاطون تماماً بكل زاوية بحياتنا على الانستغرام والفيسبوك والمؤثرين والمروجين وواجهات المحلات التجارية، وتطبيقات التسوق أون لاين والإعلام والقنوات التلفزيونية.

وقد تكون الطريقة المثلى للحد من تأثير الاستهلاك المجنون على البيئة هو شراء الملابس التي نحتاجها وننوي الاحتفاظ بها فقط.

ونحاول الابتعاد عن الأماكن المليئة بمغريات الشراء، مثل مراكز التسوق وكذا متابعة المشاهير..

وإذا شعرت أنك لم تعد تحتاج لبعض الملابس، فمن الأفضل أن تعطيها لأصدقائك أو ترسلها إلى المؤسسات الخيرية، لكن لا تحاول إخلاء مساحة في خزانة ملابسك لشراء ملابس جديدة.

وقد يتطلب الحد من الأثر البيئي للأزياء إحداث الكثير من التغييرات على مستوى الشركات والصناع والمستهلكين, والقرارات الواعية التي نتخذها كمستهلكين قد تسهم في الحفاظ على البيئة، ليس هذا فحسب، بل أيضا في تغيير قطاع الأزياء برمته.

ختاما:

انقلبت فكرة أن السوق موجود لخدمة البشر إلى النقيض من ذلك, لأننا فعليا نحن من يتم استغلاله لخدمة السوق.

فهدف الشركات الرأسمالية الجشعة ليس سعادة الإنسان ولا راحته هي موجودة فقط لزيادة رؤوس أموال شركات معينة لأشخاص لا يهتمون إلا بزيادة أموالهم على حساب الأيدي العاملة والمستهلكين والبيئة والكوكب !

ولنتعلم كيف نتقبل أشكالنا, ونتصالح مع ذواتنا, ونعي أننا نستحق الحب والانتباه بدون استخدام هذه السلع, فليست الملابس من تحدد قيمة الإنسان لأنّ قيمته محفوظة.

 

 

السبت، 1 يناير 2022

عرائس الماريونيت:

 عرائس الماريونيت:


يعرفون كيف يقومون بتجييش الشعب عاطفيا، يعرفون كيف يقومون يتهييجه إن لزم الأمر، يعرفون كيف يقومون بتوجيهه أيضا..

طعن إمام غدرا وهو راكع أو ساجد، وما صعد هذا الخبر لمرتبة"الترند"، وما نال استعطاف الجمهور..

أحرق إمام آخر كما أحرق جمال حرمه الله، لكن لا أحد انتفض لدمه..


يعرفون أيضا كيف يسكتون الجمهور، كيف يعملون ببراعة على إطفاء لهيب غضبه..

قضية جمال والمطالبات بالقصاص خرست إلى الأبد..

قبلها قضية الطالب أصيل..وشيماء...وغيرهما كثييير


واليوم نجحوا في امتصاص غضب الشعب، نعم خبر تأسيس مدرسة قرآنية، وتعيين الأستاذ المظلوم مديرا لها..

خبر كفيل بتخدير الشعب، ودغدغة العواطف، فإسكات الشعب وإخراسه إلى الأبد..

والمفروض هو إقالة المدير، ومعاقبته لإهانته للأستاذ...وكذا سن قوانين تحمي الأستاذ، وقوانين تضبط اللباس في المدراس...

لكنه زمن العلمنة الناعمة..

سنبني لكم المساجد..والمدارس القرآنية...صلوا واعبدوا ربكم فرادى ...وكمموا أفواهكم إلى الأبد..


هكذا تنسج قصص الترندات، وهكذا تنتهي...واللاعب يتقن جيدا تحريك عرائس الماريونيت من بعيد..


#شمس_الهمة

المرأة بين العمل المشروع والطموح:2

  المرأة بين العمل المشروع والطموح:


لنفرق هنا بين العمل المتوازن المشروع والطموح المعتدل المقبول، وبين الطموح المرتفع والشغف بالارتقاء:


تعمل المرأة إذا احتاجت للعمل أو احتاج العمل إليها.


1) عمل المرأة المتزوجة(النابغة في مجال معين، والتي يحتاجها المجتمع بشدة)، وقضائها كل تلك الأوقات بعيدا عن زوجها وأطفالها هو مأساة كبرى ولاشك.

لكن الحل لا يكمن أبدا في ابعادها، وحبسها أو ثنيها عما تقوم به، بل الواجب توفير الجو المناسب لعملها، وتوفير من يقوم بالعناية بأطفالها تعليما وتأديبا.

حتى في الجاهلية كانت النسوة يدفعن بفلذات أكبادهن إلى البادية لينشأوا على الفصاحة والأدب، وبعد النظر، والمروءة والنبل والشجاعة.

فهل قال قائل منهم آنذاك لنساء تلك الحقبة أنكن تضيعن الأطفال وتهملنهم؟

ثم لدينا في موروثنا الإسلامي زمن الأمويين والعباسيين ثقافة المؤدب للأطفال، بحيث يعنى بتثقيفهم وتأديبهم بدل الأمهات.

ولعله ظل متعارفا حتى أنك حين تقرأ سيرة الشيخ عبد الحميد بن باديس ستجد أن الأسر يومها كانت تبعث بأبنائها للمؤدب.

فلماذا نستخسر نحن على المسلمات المؤثرات والقائدات ذلك، علما أن مقام المؤدب تقوم به حضانات أطفال معاصرة وراقية جداا وبعضها اسلامي؟!

وأرى أن من واجبنا تجاههن أن نوفر لهن ذلك وندعمهن في مسيرتهن، لا أن نثنيهن عن ذلك.

والأولى النضال من أجل تغيير القوانين الوضعية كي تناسب المرأة والأسرة، لا أن نحارب عمل المرأة كلية.

وفي هذا تقول(آن ماري سلوتر):


في نهاية المطاف، يتعين على المجتمع أن يتغير، وأن يقدّر الخيارات التي تُقدِّم الأسرة على العمل بقدر ما يُقدّر الخيارات التي تُقدِّم العمل على الأسرة، إذا قدّرنا تلك الخيارات بالفعل، فإننا سنُقدّر الناس الذين يتخذونها؛ وإذا قدّرنا الناس الذين يتخذونها، فإننا سنبذل كل ما في وسعنا لتوظيفهم وحمايتهم؛ وإذا فعلنا كل ما في وسعنا للسماح لهم بالجمع بين العمل، والأسرة بالتساوي مع مرور الوقت، فإن الخيارات سوف تصبح أكثر سهولة.


2) الطموح المرتفع والشغف القوي:


هنا هذا الأمر لا يناسب الجنسين، وإذا ناسب الرجل فإنه لا يناسب المرأة بتاتا إلا إذا لم يكن هنالك من يسد ثغرة نقصها.

وقد عرفنا قصصا لدعاة رجال ضيعوا أسرهم وقصروا بحق زوجاتهم.

لكن الضابط هنا هو خوف الله، فالذي لا يستطيع أداء الحقوق يستقيل من مؤسسة الزواج، ويعترف بتقصيره على الأقل.

وكلنا قرأ سير العلماء العزاب كابن تيمية الذي لم يتزوج بسبب شغفه الكبير بالعلم وخوفه من تضييع من يعول.

وشيخنا عبد الحميد بن باديس الذي كان متزوجا، لكنه سرح زوجته سراحا جميلا وتفرغ للدعوة التي أفنى فيها حياته.

ووو....نماذج كثيرة تروي قصص عظماء رفضوا التقصير وتضييع أهلهم، وخوفهم من عدم قدرتهم على أداء حق الزوجة كاملا.

فأيما امرأة كان لها طموح كبير، أو أعباء جسام عرفت من نفسها أنها قد لا تقيم حق الزوج، وقد تضيع الأطفال، فالأفضل لها أن توازن خياراتها فإن كان عملها للإسلام والمسلمين فإن عليها البحث عن زوج متفهم جدا، أو زوج منشغل مثلها ذو همة ورسالة، وإذا انتفت الخيارات فلتقبل بزوج معدد، أو تسمح لزوجها بالتعدد.

المرأة النابغة، العالمة، المفكرة، القائدة، أو الداعية أو...أو.... والتي يحتاجها المجتمع بشدة:

 لن تستطيع القيام بواجبها الكامل مع الزوج نتيجة انشغالاتها الكثيرة، فهل تبقى مع زوجها مقصرة بحقه، أو تقوم بحقه كاملا وتهمل دورها في المجتمع، أم تبقى وحيدة، أم من الأفضل أن تحظى بزوج تقاسمها أخرى اياه.

فعن عباس أن امرأة من خثعم أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله أخبرني ما حق الزوج على الزوجة فإني امرأة أيم فإن استطعت وإلا جلست أيما؟ فلما أخبرها الرسول صلى الله عليه وسلم بحقوق الزوج عليها، قالت: لا جرم لا أتزوج أبدا.

فهنا لفتة مهمة جداا، ليس كل النساء تستطيع القيام بحق الزوج، فإذا بقيت هكذا امرأة وحيدة، تعبت وتألمت، وإذا بقيت مع الزوج أضحت مقصرة بحقه، والحل هنا إما مفارقته، أو السماح له بالتعدد.


3) ومع ذلك نقول ليس هنالك إطار محدد تؤطر فيه العلاقة الزوجية، فكل زوج هما كيان مختلف عن غيره بكل شيء..وكتاب الزوجان العالمان فيه نماذج كثيرة لثنائيات نجحوا في مؤسسة الزواج(رضوى عاشور ومريد البرغوثي، الدكتور ذاكر نايك وزوجته وابنه، ووو نماذج كثيرة جدا 

والشيخ عبد الكريم الدخين قال:((هناك طالبات علم أزواجهن أعانوهن جدا ، ولنذكر مثلا د. فوز كردي المهتمة بنقد الفلسفات الشرقية ، والتي تذكر أن زوجها خير معين وغيرها ..

 وبرأيي طالبات العلم اللواتي عندهن همة وطموح يتزوجن من يقدرهن أو يفكرن جديًا بخيار الزوجة الثانية حتى تتخف من أعباء ‍الزواج وتناله ولا تحرم من الأبناء))



اقتباسات من مقال ”لماذا لا تستطيع النساء الجمع بين الأشياء؟“:


- إنني أخطو هنا على أرض وعرة، ملغومة بالقوالب النمطية، لكن بعد أعوام من النقاشات والملاحظات، أصبحتُ أؤمن بأن الرجال والنساء يستجيبون بشكل مختلف تماماً، لا أعتقد أن الآباء يحبون أطفالهم بقدر أقل من الأمهات، لكن يبدو أن الرجال أكثر ميلاً إلى اختيار وظيفتهم على حساب عائلاتهم، في حين يبدو أن النساء أكثر ميلاً إلى اختيار عائلاتهن على حساب وظائفهن.


- ‏لا يزال الرجال ملتزمين اجتماعياً باعتقاد أن واجبهم العائلي الأساسي هو أن يكونوا المعيلين؛ بينما تلتزم النساء باعتقاد أن واجبهن العائلي الأساسي هو أن يكن مقدمات الرعاية.


- ‏إذا شعرت النساء بعمق، بأن رفض الترقية التي تنطوي على مزيد من السفر، على سبيل المثال، هو التصرف الصحيح الذي ينبغي القيام به، فإنهنّ سيواصلن القيام بذلك.


- في نهاية المطاف، يتعين على المجتمع أن يتغير، وأن يقدّر الخيارات التي تُقدِّم الأسرة على العمل بقدر ما يُقدّر الخيارات التي تُقدِّم العمل على الأسرة، إذا قدّرنا تلك الخيارات بالفعل، فإننا سنُقدّر الناس الذين يتخذونها؛ وإذا قدّرنا الناس الذين يتخذونها، فإننا سنبذل كل ما في وسعنا لتوظيفهم وحمايتهم؛ وإذا فعلنا كل ما في وسعنا للسماح لهم بالجمع بين العمل، والأسرة بالتساوي مع مرور الوقت، فإن الخيارات سوف تصبح أكثر سهولة.


 - في كتابها Midlife Crisis at 30، تستذكر ماري مالين الأيام التي كانت تعمل فيها كمساعد للرئيس بوش ومستشار نائب الرئيس تشيني:

“حتى عندما كانت الضغوط هائلة ـ في تلك الأيام التي كنت أبكي فيها في السيارة وأنا في طريقي إلى العمل أسأل نفسي “لماذا أقوم بهذا العمل؟” ـ كنت أعرف دوماً إجابة ذاك السؤال: أنا أؤمن بهذا الرئيس”.

لكن ماتالين تتابع لتصف خيارها بالاستقالة بكلمات تشبه إلى حدٍّ غير عادي، التوضيح الذي أخبرتُه للعديد من الناس منذ مغادرتي وزارة الخارجية:

“سألت نفسي أخيراً: “من الذي يحتاجني أكثر؟” وعندها أدركت أنه قد حان الوقت ليقوم أحد ما غيري بهذا العمل. فأنا لا غنى عني بالنسبة إلى أطفالي، ولكنني لا أقارب حتى أن أكون أمرًا لا غنى عنه بالنسبة إلى البيت الأبيض”.


- وجود شريك داعم قد يكون شرطاً ضرورياً إذا كانت النساء سيتمكنّ من الجمع بين الأشياء كلها، ولكنه ليس كافياً، إذا شعرت النساء بعمق، بأن رفض الترقية التي تنطوي على مزيد من السفر، على سبيل المثال، هو التصرف الصحيح الذي ينبغي القيام به، فإنهنّ سيواصلن القيام بذلك.


 - على النساء اليافعات أن يتوخين الحذر من العبارة التي تؤكد أنه “بوسعك أن تجمعي بين كل شيء؛ ولكن ليس دفعة واحدة


- أهم مسألة تتعلق بالتسلسل هي وقت إنجاب الأطفال، كانت العديد من القيادات النسائية العليا في الجيل الذي سبقني ـ مادلين أولبرايت، وهيلاري كلينتون، وروث بدر جينسبرج، وساندرا داي أوكونور، وباتريشيا وولد، ونانيرل كوهان ـ قد أنجبن أطفالهن في العشرينات وأوائل الثلاثينات من أعمارهن، كما كانت العادة في الخمسينيات، وحتى السبعينيات من القرن العشرين.


الطفل الذي يولد عندما تكون أمّه في الخامسة والعشرين من العمر، سوف ينهي المدرسة الثانوية عندما تكون أمّهُ في الثالثة والأربعين، وهي لا يزال لديها الوقت الكافي والطاقة للتقدم، مع الانغماس بدوام كامل في مهنتها.


- أنجبت طفلي الأول في سن 38 (وعددتُ نفسي محظوظة) والثاني في سن الـ 40، وهذا يعني أنني سأكون في الـ 58 عندما سيغادر ولداي المنزل علاوة على ذلك، يعني هذا أن العديد من أفضل فرص العمل ستتزامن مع سنوات مراهقة الأولاد على وجه التحديد، عندما يكون وجود الآباء إلى جانب أطفالهم على نفس القدر، من أهمية تواجدهم معهم في سنين طفولتهم الأولى، كما ينصح آباء متمرسون.


- لقد أسهمت النساء في تكوين صنم الحياة أحادية البعد، ولو بحكم الضرورة. إن الجيل الرائد من الحركات النسوية كن يحجبن حياتهن الشخصية عن شخصياتهن المهنية ليضمنّ عدم تعرضهن للتمييز أبداً بسبب افتقارهن إلى الالتزام بعملهن.


-بيد أن في يومنا هذا، يمكن للنساء في السلطة، بل وينبغي عليهن، أن يغيرن هذه البيئة، رغم أن التغيير ليس سهلاً. عندما أصبحت عميداً لكلية وودرو ويلسون في عام 2002، قررتُ أن إحدى مزايا العمل كامرأة في السلطة، هي أنني أستطيع أن أساعد في تغيير الأعراف من خلال التحدث عمداً عن أطفالي، ورغبتي في الحياة المتوازنة. وهكذا..


-بعد بضعة أشهر من ذلك، أتت عدة أستاذات مساعدات إلى مكتبي، وكن منزعجات إلى حد كبير. فقالت إحداهن: “يتعين عليك أن تتوقفي عن التحدث عن أطفالك.” “أنت لا تظهرين الوقار الذي يتوقعه الناس من عميد الكلية، مما يلحق بك ضررا، لأنك أول عميد امرأة للكلية”. قلت لهم إنني أقوم بذلك عمداً وواصلت فعل ذلك، ولكن من المثير للاهتمام ألا تبدو الوالدية والوقار على أنهما ينسجمان معاً.


- إن السعي إلى تحقيق حياة أكثر توازناً ليست قضية خاصة بالمرأة؛ بل إن التوازن سيكون أفضل بالنسبة لنا جميعاً. 


-----------------------


كاتبة المقال: آن ماري سلوتر هي رئيس مؤسسة أمريكا الجديدة، وتشغل كرسي برت ج. كيرستيتر ’66 كأستاذ السياسة، والشؤون الدولية، بجامعة برينستون. شغلت سابقاً منصب مدير تخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأمريكية، وعميد كلية وودرو ويلسون للشؤون العامة والدولية في برنستون.


🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸

#شمس_الهمة

#مقال_من_الأرشيف


كنت من قبل أعادي الروايات

 

كنت من قبل أعادي الروايات وأحذر منها بشدة، ذلك أن الهادفة منها نفعها قليل..والبقية تحمل مفاهيم وسموم وأفكار وايديولوجيات تتسلل بهدوء إلى عقولنا فتدمرها.
كنت أعادي الكتابات الرومنسية أيضا، وأدعو للتطرق لقضايا أهم، لم أعتقد أنه يمكن توظيفها في الكتابات الملتزمة.
وكنت أعادي قنوات الطبخ، وكتب الطبخ بسبب كثرتها، وأدعو النساء لفتح قنوات خاصة بمراجعات الكتب وتثقيف الفتاة.
لكن اكتشفت بعد ذلك، أني كنت مخطئة..
محاربة الروايات، أو محاربة قراءتها غير مجدية للأسف، حتى لو كتبنا المئات من المقالات..
الطريقة الناجعة كما قال الشيخ عبد الله العجيري(الذي قال أنه كان يحذر منها ثم تراجع عن ذلك)
الطريقة الناجعة هي التوجيه، توجيه القارئ للروايات العالمية النافعة، بدل محاربتها بالكلية.
نوجه القارئ للروايات النافعة، الادب الروسي مثلا ...عالمي..نهضوي...نظيف وهادف.
أما الطريقة الأنجع فهي تقحم هذا الفن من قبل الأقلام الملتزمة، وهذا ماصرنا نراه مؤخرا
(وداوها بالتي كانت هي الداء).
فللروايات أسلوب جذاب، ومسل، ويمكنك تضمين الرواية الإسلامية بمفاهيم تتغلغل في العقول، وتؤثر بالقلوب أكثر من المواعظ المباشرة.
تضمين الرومنسية في الأعمال الملتزمة نجح فيه كثيرون فاستمالو الكثير من الشباب(كتابات دعاء عبد الرحمن، رقية طه، حنان لاشين) وغيرهن كثيرات..ولم أكن أتخيل من قبل أن توظيف الرومنسية سيعمل كل هذا التأثير والنجاح.
اليوم وككل مرة أصور فيها طبخات وأضعها بالستوري، تنهال علي الكثير من الرسائل( المئات)، لدرجة أني أندم على وضعي تلك الصور بسبب الكم الهائل من الرسائل.
وعكس ذلك لا أتلقى مشاهدات وتفاعلات، لو وضعت اقتباسات من الكتب، أو شيئا من هذا القبيل.
حينها اكتشفت مهما أنه مهما بلغت درجة العلم و التعلم عند الجنسين (الرجل و المرأة)تبقى الأدوار الفطرية هي أدوارهما في الحياة..
أنا أؤمن أن القراءة والتثقيف للفتاة، هو أهم ألف مرة من تعلمها للجلي والطبخ وكيف تدقّ الثوم بطريقة عصرية حسب قناة فتافيت، لكن المرأة المثقفة تدرك مع الوقت، أن جزءا من كونها أنثى كاملة هو العناية بأهل بيتها لأنه تعبير عن حبها لهم.
لذلك من أرادت فتح قناة يوتيوب نافعة، فلتلجأ إلى الطبخ والحلويات، وتضمن الفيديو نصائح عن كتاب أو مراجعة له، أو أفكار للصدقات، أو خواطر دعوية.وأضمن لها ان نسب المشاهدة ستكون أعلى مما لو فتحت فقط قناة خاصة بالكتب، وهكذا تتمكن من التأثير والتغيير باذن الله.
لكي تؤثر في هذا الجيل، استخدم أدوات العصر التي يفهمها، بدل محاربتها.
لبنات هبلتوني بالرسائل على الستوري 😂😂
كل التحية كل الحب❤🌸
#شمس_الهمة

فكرة الترند

 كتبت سابقا أن فكرة

 الترند عندي= فكرة للإلهاء

فكرة الترند أنك تستفز الجمهور بفضيحة غير أخلاقية، أو أمر شاذ أو غريب أو أمر يمس الدين والقيم.

وللأسف الجمهور وبكل سذاجة يقع فريسة للترند.

وغالبا لا أثق بقصة الترند تلك، فكثير منها مفتعل.

ولا أثق بأطرافها أيضا..

فالضحية إما تكون طرفا في المؤامرة، وممثلا بارعا فيه، بينما نعتقد نحن أنه ضحية مسكين.

أو تكون فعلا ضحية في عمل أكبر منه، ويراد من وراءه أهداف بعيدة أو قصيرة الأمد.

(إكرام الجزائرية أنموذجا)...(بشرى عقبي أنموذجا)..

قصة الأستاذ( المعسكري) الذي طرده المدير من منصبه..لم أكن مرتاحة لها منذ البداية وعرفت أنها ستكون ترندا لمدة أسبوع أو يزيد..

 القصة كامل فيها اللوش..

سلوك المدير مرفوض تماما طبعا..

لكن تجنبت الخوض في تزكيات للأستاذ، واعتباره بطلا قوميا، مع أني أتعاطف مع حقه، وأقف في صفه... 

لأننا تعودنا وساخة المخابرات، وافتعالهم لهكذا قصص بحيث تكون اليد الطولى لهم في الأمر..

ثم بعد أسابيع، ربما أشهر...تظهر قضية ضد الأستاذ المتحدث باسم الدين، ويقال هاكم من كنتم تدافعون عنه، ماذا فعل؟

والإسقاط هنا (قصة إكرام أنموذجا).

إشغالنا كل مرة بجدل الثنائيات(وطنيين_زواف)،(عرب،قبايل)،(علمانيين_إسلاميين)...هو لأجل تشتيت عقولنا وإلهائنا عن قضايا أكبر أهمها الديكتاتورية والظلم..

اليوم تم تبرئة عبد المالك سلال، ونحن في خضم معركة الترند بين المدير والأستاذ.

وبالأمس القريب تمت تبرئة الهامل من إحدى التهم، وكنا وقتها منشغلين بجدل (حرب المغرب الشقيق)

 

#شمس_الهمة

ما سبب ضعف الرواية الإسلامية؟!

 ما سبب ضعف الرواية الإسلامية؟


كما هو معروف أننا ابتعدنا كثيرا عن قواعد لغتنا الأم، ونقاط القوة والجمال فيها، فصرنا لا نتذوق كلام الأولين لأننا ببساطة لا نفهمه، ولا نتقنه.

فصار الكتاب العرب المعاصرون يكتبون بدون إلمام ولا اتقان، ولمس هذا جميع الفنون من نثر و شعر

فاختل الوزن والنظام، وفسد الذوق العام.


لدرجة أن شيخ العربية أبو فهر محمد محمود شاكر قال:((فمنذ وقت طويل، لم نعد نملك في أذواقنا عبقرية اللغة العربية، يمكننا أن نستبنط من موازنة أدبية نتيجة عادلة حكيمة.))


ويقول الطنطاوي ذات الشيء تقريبا عن شعر الحداثة وكتابات الكتاب المعاصرين.


لكن كمبتدئين في هذا المجال، قرأنا للرافعي والمنفلوطي وغيرهما

وقرأنا لأدهم الشرقاوي والعتوم وأحلام مستغانمي ومي زيادة وغسان كنفاني وبثينة العيسى وغيرهم.

لكن الجميع حين يقرأ للرافعي يحس بالصعوبة والإرهاق فيلتفت لكتابات أحلام مستغانمي وغسان فيجد السهولة والبساطة والجمال وانسياب الحرف متزامنا مع دفق الشعور ودقة الوصف.


لكنك إن أثنيت على فنيات وأسلوب هؤلاء المعاصرين تقابلك وجهات نظر معاكسة وعدم اعتراف بأي جمالية في طريقة كتابة هؤلاء بينما يتم الثناء فقط على الرافعي والمنفلوطي وووو


شخصيا حين قرأت للرافعي ستة مؤلفات لم ترقني سوى ثلاثيته(وحي القلم) لقد كانت العمل الخالد المجمع عليه من جميع القراء بالجمال، في حين لم ترقني كتبه الأخرى التي قرأت، وأصابتني بالارهاق والملل.


لم أكن أعرف لماذا، ولم أكن أجرؤ على قول أنها لم ترقني مثل سلسلة وحي القلم، حتى وقعت على مقال للشيخ الطنطاوي قال فيه أنه كان منبهرا لفترة بالرافعي ثم زال ذلك الانبهار بعد أن وقع على كتب المنفلوطي لأنه وجد في كتب الأخير بساطة الكلمة ودفق الاحساس في مقابل التكلف الذي كان متبعا في كتابات الرافعي. فقال عنه:((وعلى رأيي أن الرافعي قد بدلته الأيام، فلم أعد أستحسن من الأساليب إلا ما قارب الطبع وبعد عن الصنعة)).

ثم قال أنه مالبث أن زال انبهاره بالمنفلوطي حين قرأ رفائيل للزيات فوجده كنزا من كنوز النثر.


لأعترف أن كلام الطنطاوي أراحني قليلا، فأن تحس أنك بعيد جدا عن لغتك الأم ولا تحسن تذوق ما يجمع عليه الناس، يشعرك وكأن اللسان استعجم، وأن ذوقك كاسد فاسد.


غير أن القراءة لبعض الكتاب المعاصرين(الروائيين بالتحديد)، الذين ذكرت أسماء بعضهم وأتحفظ عن ذكر أسماء البعض الآخرين بسبب فساد مضامين ما يكتبون، لطالما أبهرني وسحرني واجتذبني بقوة، ذلك أن الكتابة شاعرية، وطريقة السرد والوصف رائعة، إضافة إلى رصد الأحاسيس والمشاعر والانفعلات البشرية بدقة لامتناهية.


ولم أكن أعرف السبب، سبب أني أنجذب لكتابات الروائيين-غير الملتزمين- بينما أنفر وأستثقل روايات الملتزمين(أستثني هنا الروائي أيمن العتوم)، حتى وقعت على اعتراف من الشيخ سلمان العودة قال فيه:((قراءة تلك الروايات على مافيها من مجون صارخ، عودني سهولة التعبير، وتجنب الضغط على الحروف أوالتفاصح، والتنطع في المخارج كما كان يوصي به أئمة اللغة كأبي عمرو بن العلاء والأصمعي)).


ثم عثرت على مقولة لقاسم أمين يقول فيها:((الكاتب الحقيقي يتجنب استعمال المترادفات فلا يأتي باسمين مختلفين لمعنى واحد في مكان واحد، لأن ذلك يكون حشوا في الكلام مستهجنا، ودليلا على فقر في الفكر والخيال، ولكن إذا كان المقال يستدعي ذكر عدة معان متقاربة يجمعها معنى واحد، فاستعمال المترادفات الموضوع لها حسن، وقد يكون مطلوبا إذا كان لازما لتسهيل فهمها أو إظهار الفروق التي بينها، كذلك الكاتب المجيد لا يضع صفة بجانب الاسم إلا إذا اقتضى الحال أن يميزه بصفة مطابقة للواقع، على أن الاعتماد على ذكر الصفات والمبالغة فيها بقصد التأثير هو أقل درجات فن الكتابة، ويفضلها بكثير طريقة الغربيين الذين يعولون في الوصف على ذكر الوقائع وشرح ظروفها وتحليلها تحليلا دقيقا، أو تشريح الإنسان وفتح جوفه وكشف ما خفي من أعصابه، وسبر غور أحشائه، والتسمع على نفسه لإدراك ما يدب فيها من النزعات والخواطر والأميال والحركات، ويوصف منظر الشي بهيلكه التام بأجزائه كلها ليحدث في نفس القارئ والسامع صورة كاملة وشعورا تاما، وأثرا باقيا.))


ويجيب الأديب الكبير فايز محمد عن هذا الإشكال بقوله:((الكتابة الروائية هي كتابة فنية...والكاتب الروائي لابد أن يكون فنانا.

هنالك نوعان من الكتاب، الكاتب الفنان والكاتب الباحث الدارس المفكر العالم...هذا الأخير أعني الكاتب المفكر الدارس الباحث لا بصلح للكتابة الروائية...لأنه لا يمتلك الملكة الفنية...

الكتابة الروائية فن....يتطلب ملكة فنية...وليس كل من كتب رواية فنانا...كما أنه ليس كل من كتب قصيدة أو ديوانا شاعرا...الفن نقل للأحاسيس والانفعالات...وليس نقلا للمعاني والأفكار مجردة من الإحساس والانفعال...

و الأمر يشمل الكتاب الإسلاميين بشكل خاص.

غالبيتهم يستعمل المواد التاريخية والرسالة الوعظية بطريقة مباشرة تقتل الرواية.

لا بد من التنبيه إلى أن الرواية ينحط مستواها الفني....إذا ما دخلها التعليم والوعظ...اللهم إلا إذا كانا غير مباشرين وغير مكثفين...

وهذا ما يغيب عن ذهن الكثير من الكتاب الملتزمين حين يكتبون فن الرواية...

فتأتي أعمالهم إما تعليمية أو وعظية بحتة وجافة.

مكتظة بالتعليم والوعظ المباشرين الصريحين..))


أنتم ما رأيكم؟


#شمس_الهمة







وظيفة الكاتب

 


وظيفة الكاتب


بعض الأصدقاء والمتابعين، يريدون حصرك في زاوية معينة؛ أو الوصاية على عقلك وأفكارك؛


اكتبي عن التبرج..وفساد البنات..

 لماذا لم توضحي موقفك من هذه القضية، أو هذا الترند؟

 ‏ تجنبي حديث السياسة فستتضررين جراء ذلك..

 ‏لا تكتبي عن حقوق النساء سيحقد عليك الرجال..

 ‏إحداهن قالت لي لماذا لا تكتبين عن سوريا؟

 ‏أخرى طلبت مني الكتابة عن ليبيا...

 ‏

حقيقة أشكر كل هؤلاء على اقتراحاتهم، وأفكارهم، وأثمن نصائح من يراسلني رسالة محب مشفق..


لكن مع ذلك أقول نحن لا نختار المواضيع التي نكتبها...في الغالب هي من تختارنا.


أتنفس حرفا، ومع ذلك أقمع نفسي من التفكير، أقوم بوأد أفكاري في مهدها دوما، ولا أسمح لها بأن ترى النور...

أمارس عليها عمليات إعدام كل يوم، وأتفرج بمرآها تلفظ آخر أنفاسها..

أما تلك الحروف التي تتفلت من بين يدي، وتتمرد علي، وتناضل للبقاء، أنشرها هنا وهناك على صفحات الفبس بوك، فإن كانت أهلا للبقاء ستبقى وتفيد

وإن لم تكن أهلا لذلك فالأحسن أن تختفي وتباد.


أما بالنسبة للضرر الذي قد يطالنا من وراء الحروف، فهو موجود، وأيما شخص تصدر لخدمة العامة فلا  ريب سينال الناس من عرضه...

نحن نتعرض للتصنيف تارة والاتهام تارة أخرى..نتعرض للتبديع والتجريح..

والكاتب يدرك ذلك الضرر ويعيشه، يتألم منه تارة، ويتعذب تارة، وتارة أخرى يستمتع بذلك العذاب حين يحتسب كل ذلك عند الله...ويكتب الحق ولا يخاف فيه لومة لائم..

ولسان حاله يقول ما قاله الصحابي عثمان بن مضعون حين فُقِئَتْ عينه في سبيل الله، فضحك منه المشركون، فقال: (إنّ عيني الصحيحة لفقيرة إلى مثل ما أصاب أختها في الله) ... 


هنالك قوة داخلية تدفعنا للكتابة حتى لو حصل الضرر من وراءها..

يقول أحد الكتاب«من أحكم الأشياء التي يدور عليها تقدم النوع الإنساني ويؤكد حسن مستقبله هذه القوة الغريبة التي تدفع الإنسان إلى نشر كل فكرة علمية أو أدبية متى وصلت إلى غاية نموها الطبيعي في عقله، وأعتقد أنها تساعد على تقدم أبناء جنسه، ولو تيقن حصول الضرر لشخصه من نشرها، تلك قوة يدرك سلطانها من وجد في نفسه شيئاً منها، يشعر أنه إن لم يسابقها إلى ما تندفع إليه ولم يستنجد بقية قواه لمعاونتها  على استكمال ما تهيأت له غالبته إن غالبها وقاومته إن قاومها وقهرته إن عمل في قهرها، وظهرت في غير ما يحب من مظاهرها، كأنها الغاز المحبوس لا يكتم بالضغط، ولكن الضغط يحدث فيه فرقعة قد تأتي على هلاك ما حواه.»


الكتابة لا تخضع للضغوط، أو إملاءات الجماهير، و القلم قد لايطاوع صاحبه حين يود أن يكتب تحت الطلب..

ومن يرزقه الله قلما، لا ينبغي أن يكون عبدا لما يفرضه الجمهور..

الكاتب لا يكتب لتصفقوا له، ولا لينال الإعجاب على حساب دينه وقضاياه وما يؤمن أنه الحق.

الكاتب لا يهدهد القراء، ولا يجاملهم ليرضى عنه الذكوري والفيمينست، والمتشدد والكيوت ووو

وظيفة الكاتب لا تتمثل في الكتابة عما يوده القراء ويرغبون في سماعه، وظيفة الكاتب أن يكتب ما يحتاجه الناس لا ما يحبونه.


#شمس_الهمة

حب الزعامة سلوك متأصل لدى الرجال:

 حب الزعامة سلوك متأصل لدى الرجال:

(كيف السبيل للقضاء على فيروس حب الظهور؟!)


كمتابعة ومراقبة من بعيد لمجموعات مدينتي، قلت سابقا أن النخب كانت في سبات، ولم يستفد أحد مما تحمله رؤوسهم سوى الحلاق، وذكرت أيضا أنني اكتشفت صعوبة جمع المثقفين والنخب تحت راية واحدة.

يقال أنك تستطيع جمع أهل الباطل بسهولة لكن من الصعب جمع المثقفين فغرور الواحد منهم يدفعه إلى رفض الخضوع لمثقف آخر، إنها نقطة سلبية تجعل المثقفين أغبى من الحمقى الذين تجمعهم التفاهات والهراء المتداول.


أكبر تحد قبل بداية أي مشروع أو عمل ميداني:


حين سئل الأستاذ أحمد الشقيري عن أصعب تحد، وعائق، واجهه قبل انتشار برنامجه خواطر(هل كان المال، أم الدعم، أم ايجاد الأفكار)، أجاب قائلا:( تكوين فريق عمل)، كان أكثر شيء فشلت فيه مرات كثيرة، وشكل أكبر عائق حقيقي، وعقبة كأداء وأول ماتم الأمر نجح المشروع برمته.


ذكرت هذا الأمر لأخي المراهق، حين كان يود تأسيس ناد علمي ثقافي في الثانوية، وكان يومها في سنته الأولى من التعليم الثانوي، وضع شقيقي هذا الأمر نصب عينيه، وصمم أن ينجح في أصعب مهمة ألا وهي تأسيس فريق متكامل منسجم ومتفاهم، وبالفعل واجه مشكلات عدة تمثلت في حب الزعامة الذي يميز الذكور، والأنا، وحب الظهور، وعدم تقبل طرف لآخر وووو.

لذلك اضطر أخي عن التنازل عن رئاسة النادي، وإجراء انتخابات نزيهة لأولئك الراغبين في الزعامة.

وهذا القرار اتخذه بعدما قرأ فصلا من كتاب دايل كارنيجي ذكر فيه قصة لمدير شركة تنازل لشريكه عن اسمها في مقابل بقاء الشراكة التي خدمت الطرفين لعقود طويلة.

فنكران الذات لأجل المصلحة العليا فن لا يقدر عليه المصابون بفيروس حب الظهور.

وفعلا تم لأخي ما أراد، فكان هو النائب وصديقه المدير، لكنه كان مديرا شكليا فقط، أما الإدارة الحقيقية فكانت لشقيقي، الذي كان الجميع يلجأ إليه، بما فيهم رئيس النادي.


نجاحي بعد محاولات كثيرة في جمع المثقفين، تحت راية مجموعة واحدة لم يكن كافيا...فبعد مدة لاحظت داء عضالا يسري في رجالات المدينة الفاعلين، ملتزمين ومثقفين...إنه داء حب الزعامة..

صارت مجموعات المدينة، بؤرا للفتنة، والغيبة والنميمة، وصار هؤلاء العاملون ينالون من بعضهم البعض، بإنشاء تحالفات، وافتعال حروب وعداوات..

وانتشرت الفرقة كسوس ينخر تلك الجهود، وتفرقت السواعد التي جمعها حب الخير، وانقسمت الجمعيات إلى نصفين...

والعجيب في الموضوع أن هؤلاء النخب، كانوا كفاءات حقيقية ونادرة، مثقفون، عاملون، وبعضهم من الملتزمين..

كنت وأنا أراقب من بعيد أشعر بالغثيان لذلك الوضع، وأرثى للحال التي وصلنا إليها..ولم أكن أرى في هؤلاء سوى بضعة أطفال غير ناضجين..

لم يتقبل عقلي ذلك السلوك، ولم أعرف له سببا أو تشخيصا ناهيك أنني قطعت الأمل بوجود حل لتلك الأزمة...

رحت أبحث وأقرأ وأسأل في مجموعات القراءة عن كتب أو مقالات تتكلم عن داء حب الزعامة لدى الرجال، فلم أحر جوابا..


الأمر الثاني الذي وقفت حائرة أمامه، كان انتقاد العاملين في المدينة، وهمزهم ولمزهم..والنيل من أعراضهم، ليس ذلك فحسب، إنما كانوا يشيعون الأكاذيب حولهم، فتنتشر ويصدقها الناس، ولكني إذ درست سير العظماء، لم أصدق ما كان يشاع عن هؤلاء رغم عدم معرفتي بهم.. 

فكما قالت الأديبة الجميلة مريم خنطوط:

”يبدو لي هذا كالحقيقة الممتدّة في الزّمان والمكان؛

كلّ من تصدّرَ للقيامِ بأمرٍ رفيعٍ ينفع الله به، لابدّ أن تحتشد حوله فيالقٌ من النّاسِ لا همّ لهم إلاّ أن يروه قاعدا كما هم قاعدون، لا تشتدّ عزائهم إلاّ في توهينة والفتّ في همّته والطّعن في خلقه وعرضه ونواياه وتخذيل النّاس عنه، يعاديه بعضهم حسدا وبعضهم منافسة وصراعا، والبعضُ الآخر يعادي لمجرّد العداء؛ كأنّه قد وجدَ شيئا ينشغل به وحسبه ذاك.

ومَن كان عاقلا، انشغلَ بالغاية في غيرِ التفاتٍ إلى الرّدّ على كذبة هذا وافتراء ذاك وطعن أولئك، فإنّما غايتهم أن يعيقوه عن بلوغها، ولا يعيقه شيء كانشغاله بهم عنها.“


تأملت سير العظماء والمصلحين، وعدت بذاكراتي للتراجم والسير التي قرأتها، لكن لم أهتد للطريقة التي كانوا يستعملونها في تأليف الرجال...

كل الكتب كانت تكتب أن ذلك أول تحد قاموا به ونجحوا فيه، لكن لم أعرف الطريق الموصلة إليه..ولا الوصفة التي اتبعها هؤلاء..


شعرت بالعجز، فكل تلك الكتب التي التهمتها، لم أفد منها في الواقع..

ما فائدة العلم إذا عجزنا عن توظيفه في واقعنا؟!

ما فائدة العلم إذا أبقيناه حبيس عقولنا، ولم ننتفع به لتحسين حياتنا وتربية ذواتنا والتطبيق الفعلي على أرض الواقع؟!


وحين فشلت في عملية البحث تلك، قررت أن أجمع اقتباسات بسيطة لما قرأته، علها تفي بالغرض..

وحين جمعت بعض الاقتباسات، رحت أنشرها تباعا في المجموعة...


كنت أنشر وحسب، لإحساسي بالعجز، أنشر وأمضي، وأترك الأمر لله...وللأمانة لم أتوقع لبضع كلمات أن تحدث التغيير...فقد وصلت لمرحلة اليأس مع تلك العقول، ولم أصل لدواء لتلك العلة التي استحكمت بالنخب، وتغلغلت بالنفوس، ونكتت على القلوب.


لكن بعد فترة، والله شهيد على ما أقوله، رأيت أثر تلك الكلمات، والفضل لله وحده..

رأيت عودة الترابط والتلاحم من جديد، ومشاعر الأخوة، وإصلاح ذات البين، والعمل المشترك..


تذكرت هنا ماذكره الدكتور خيري العمري عن قوة الكلمات:


“في عالم لم يعد يؤمن بشيء، لا أزال أؤمن بقوة الكلمات...

في عالم لم يعد يؤمن بالمعجزات، لا أزال أؤمن بقدرة الكلمة على صنع المعجزات.. بل إنني أؤمن أن اختياره -عز وجل- للكلمة لتكون وعاء المعجزة الأخيرة للرسالة الخاتمة، يحوي دلالة عميقة على ما أؤمن به من قوة الكلمات..”


الاقتباسات التي استخدمتها:


سئل الشيخ العلامة الجزائري عبد الحميد بن باديس مؤسس فقيل له:

 لماذا لم تؤلف الكتب ؟ فأجاب :

فقال: كنت منشغلاً بتأليف الرجال.


تأليف القلوب هو أول وأعظم خطوة في طريق الإصلاح.

وهو فعل الأنبياء والعظماء والمصلحين على مر التاريخ.


كي لا تجهل الأمة معاني الترقيع...إذا أتت على هذه الدنيا معاني التمزيق.


الرجل الناجح يصنع مجد أمة كاملة .

والجاهل يضيع أمة بأكملها.


إن صلاح الأمم والشعوب بحاجة إلى أفراد عظماء يتلاحمون فيما بينهم، ليصنعوا كيانا فتيا صلبا، والخطر كل الخطر أن يتراجع أصحاب المواهب والقدرات والإمكانات، ليرضوا بلعب دور صغير في الحياة، تاركين الساحة لمن هم أقل منهم لقيادة الدفة.


الرجل الحكيم يجب أن يكون ماهرا في نزع أشواك العصبية والانغلاق والتحزب.

وأسلافنا كانوا بارعين في نبذ الفرقة ، فإذا قلبت نظرك في صفحات التاريخ, ستجد أن العظماء كانوا دائما بارعين في بناء الجسور التي توصلهم لغيرهم

 

إن مثل الرجل العظيم كمثل المغناطيس، هذا تنجذب إليه المعادن لقوة جاذبيته، وذاك يلتف حوله  الرجال الكمل لقوة شخصيته، وعلو همته، وكمال مروءته.

إن العظيم الحق هو من تطلبه الرئاسة، ويقدمها إليه الخيرة من الرجال.


#شمس_الهمة


عن عشق الكرة

 أتذكر تلك الأيام جيدا، حين كان عمري(15 سنة)، وبعد إلحاح كبير من جدتي لوالدي، سمح لي أخيرا بمرافقتها إلى مدينة أخرى غير مدينتي..

إلى مدينة غليزان حيث كان أخوالي الشباب متغربين للعمل هناك.

قررت جدتي الذهاب لخدمتهم فهي تعرف أن الشباب لا يحسنون الاعتناء بأنفسهم كثيرا..وقلب الأم لا يمكن أن يهنأ، وهي تعرف أن أبناءها مشتاقون لحساء ساخن بدل النواشف كل يوم..

وهي إلى ذلك كانت تستوحش هناك بمفردها، فتصطحب كل مرة فتاة من العائلة تؤنسها وتساعدها في جلي الصحون.

كان ذلك أول تغرب لي بعيدا عن أسرتي الصغيرة، كنت حتى ذلك الحين أعيش في قوقعة تم تعقيمها جيدا، ولم أكن أريد لأي شيء في العالم أن يسحبني من قوقعتي تلك، أو يتجرأ فيقتحمها.

وصلت لبيت أخوالي صباحا، كانوا يستعدون للذهاب إلى أعمالهم، وحين ذهبوا تفقدت الغرف فإذا بالفوضى تعم المكان، كان المطبخ مليئا عن آخره بكراتين عملاقة لأدوات كهربائية وكهرومنزلية..

حوض المطبخ مكدس بأطباق متسخة، علل الخال الأصغر بأنهم ينظفون يوميا، وأن الأوسط هو المسؤول عن هذه الفوضى، كونه لا يغسل الأواني حين يأتي دوره...وكنت أضحك في سري من مشاكساتهم تلك..

وكانت إحدى الغرف ممتلئة في وسطها بالملابس حتى السطح، كبحر ألقى بأحشائه إلى الشاطئ، لدرجة قلت فيها لجدتي أين سننام اليوم، كل الغرف شاغرة، فضحكت جدتي ملء شدقيها من كلماتي تلك...وقالت لا تخافي سننظف هذه الفوضى..

قال خالي أن البيت صار نظيفا، رحبا، عبقا بروائح العطور والزهور، وكذا أشهى الطبخات.. قال أنه استحال ربيعا، بعد أن نثر مجيئنا الورود في غرفه وباحاته..

هي ذي الأنثى، يملأ حضورها المكان إشراقا، والبيت سكينة وبهجة..ودفئا..وتنتشر لمسات الرقة والأنوثة فتزيد المكان سحرا..

كاتوا فرحين جدا بمقدمي بينهم، وكانوا يتناوبون على تدليلي تارة، ومشاكستي تارة أخرى..

لكن وبعد مرور ثلاثة أيام تكورت على نفسي وأخذت في البكاء، لأني اشتقت إلى أسرتي، فلم أكن قد فارقت منزلنا قبل ذلك اليوم..

لكن جدتي وبختني بشدة، واعتبرت تصرفي ذاك تصرف أطفال صغار..فكتمت بذلك دموعي، وصرخت في سري (ماما متى تأتي لتنقذيني من هذا المكان؟!).

بعدها تغير الحال، فقد أنساني الأنس بأخوالي أبي وأمي وكل عائلتي، فلم أعد أسأل عنهم أو أهاتفهم حتى..

لقد أبهجني أخوالي الشباب، وأخذوا بلبي وقلبي..

كان بينهم حب عجيب، ومشاكسات لا تنتهي، وأخوة حميمة يندر وجود مثلها بين الناس.

كانوا يتوقون للعودة من العمل بفارغ الصبر، فقط كي يقضوا الوقت كاملا رفقتنا..

فيغمروننا بالحب والأحضان، يقبلون جدتي في جبينها، ينامون في حجرها، وأحيانا يأتي الواحد منهم من وراءها ويغمض عينيها، ويومئ لي أن أسألها عن اسمه، حتى يعرف إن كان أحب واحد إلى قلبها...

الخال الأكبر كان مولعا بكرة القدم، والاستيديوهات التحليلية، وكان يقتني جريدة الهداف يوميا، فيتكوم أطنان منها فوق الثلاجة..

الأوسط كان كسولا عن ممارسة مهام البيت، لكنه كوميدي بطريقة عجيبة، إضافة أنه كان يحب الطعام ومشتقاته، وحين يساعد جدتي بحمل الأطباق إلى طاولة الطعام، يقوم بأكل كل حصص اللحم في طريقه إلى غرفة الطعام...فيغضب أخوالي ويضحكون من فعله ذاك...ويقولون لجدتي أن لا تكلفه بتلك المهمة، فهو لا يؤتمن على الطعام..

وكان إلى ذلك شخصا كثير النسيان، كل يوم يعدني بإحضار كعكعة( آيس كريم)، من النوع الفاخر ودجاجتين لأنه علم بحبي الشديد لهما...وكنت أنا أنتظر بلهفة، وكان هو كل يوم يخلف وعده، وكانت جدتي تلومه على سلوكه ذاك، (حرام عليك واش راك دير للطفلة).

الخال الأصغر، كان يناديني شهريار، لأني كنت أقص عليهم قصصا من التراث عن أيام العرب و(الكرم، والجود، والوفاء والبطولة وووو)

وكنت أنا أغضب لذلك، وأصحح له كل يوم، الأميرة اسمها (شهرزاد، شهرزاد)، الملك الرجل هو من كان يسمى شهريار..

فيعجبه ذاك، ولا يمل من ترديد شهرياااار، وذلك لمشاكستي..

أما علاقتهم بكرة القدم فعجيبة، كانوا يتابعون المباريات العالمية، ويشجعون بحماسة وعنفوان..

يتحلق ثلاثتهم أمام التلفاز، ويتفاعلون مع المباريات، ويصرخون بكل قوة حين تكون هنالك أهداف..

لدرجة أنهم هتفوا ذات مرة حين سجل أحد الأهداف، حتى رجت الأرض تحت أقدامنا من صراخهم ذاك..ثم سمعنا صوت جرس الباب، وكانوا هم منغمسين تماما مع اللعبة، فطلبوا مني تفقد الطارق..

ارتديت خماري وهرولت مسرعة مع الدرج، وحين فتحت شباك الباب، وجدت رجلا ستينيا يقف بالباب فسألته ماذا يريد؟

فقال:( شكاين عندكم؟! زلزلة، ولا قارورة غاز ولا واش هاد الحية اللي سمعناها؟!)

فأجبته بخجل: ( لا لا عمو مكاين والو، هادوك اخوالي راهم يتفرجوا فالماتش وينفعلو حبتين😅)

فرد بابتسامة دافئة بعد أن عادت إليه الروح: ( آه، تسما هكا، أيا الحمد لله، ربي يفرح لي جان، بلغيلهم السلام).

هكذا ببساطة، ذهب فرحا لأن أحدا لم يصب بأذى، ذهب وابتسامة حنون ترتسم على محياه..

وعدت أنا حائرة من سلوكه ذاك...

كيف لم يغضب؟ كيف لم يمتعض، كيف لم يزمجر؟

كيف لم يلعن هؤلاء، أو يلعن كرة القدم، أو يصفهم بالتفاهة على الأقل؟

لقد اكتفى بابتسامة أبوية دافئة، متفهما لعنفوان هؤلاء الشباب..

أتخيل شخصا آخر ممن ينصبون نفسهم من حملة المدافعين عن الدين والقيم، ماذا كان سيفعل؟

تخيلت ما تم غرسه في أذهاننا طوال سنوات عن التفاهة، وجلد منفوخ، و عن شباب مضيع للأمة ووو

ثم قارنت ذلك مع حنو ذلك الشيخ وابتسامته الدافئة وحبه الخير وشفقته على شباب المسلمين...وصرت كما كرة التنس، يتقاذفني خاطران ويتعاركان بذهني، ثم فازت الابتسامة الحانية المشفقة على خطاب الوعظ المتعالي..


هوسهم بالكرة جعلهم يعاملونني مثل الدمية، اشترى لي أحدهم قميصا للفريق الذي يفضله، واشترى لي آخر بدلة كاملة...وحملني أحدهم وراءه في دراجته وطاف بي شوارع المدينة...

وكانوا إذا انتصر فريقهم المفضل، يحملونني كما يحمل اللاعبون مدربهم، ويطيرونني في الهواء، 

فأحس أنا بالحبور والحب.


 وكنت وقتها فتاة زاهدة يحسب الناظر إلي أن رابعة العدوية بعثت من جديد...

فتاة تدمن الكتب، وتحمل هموم العالم فوق رأسها، تمشي بوقار الشيوخ، وتسمح للدمع أن يترقرق بسخاء.

في بداية مقدمي كان الشعور بالاستعلاء يدب في أوصال نفسي الصغيرة، على ضعفاء النفوس هؤلاء، الذين يستسلمون لمشاهدة المباريات، ولا ينهون النفس عن الاستكثار من المباحات.

وكنا إذ نجتمع في السهرة أمام التلفاز، يطلبون مني أن أقص عليهم من تلك الحكايات التي قرأتها، أو سمعتها من الدعاة، وكنت أحدثهم عن عذاب القبر، وقصص حسن الخاتمة، وكذا سوء الخاتمة...

وكانوا ينصتون إلي باهتمام كبير دون سخرية، أو مقاطعة..


وحين أطلت المكث بينهم، صرت أقارن حياتنا الكئيبة الراكدة وروتينها الممل، والكبت الذي يجعلك تتكلم همسا، بحياة الفرح والسرور، والعفوية والبهجة التي كان يصنعها هؤلاء..

صرت أقارن إخوتي الذي زهدوا في مشاهدة مباريات كرة القدم في سن صغير جدا، فقتلوا طفولتهم وشبابهم، وأحرقوا زهرة أيامهم، لبسوا عباءة المشيخة مبكرا، يمشون بوقار الشيوخ، لم يأخذوا حظهم من التجربة والخطأ والحماسة...

كانت تلك التربية الدينية التقليدية لجيل كامل، تقتل الطاقة في الشباب، تجعلهم مجرد روبوتات تمشي بلغة الأوامر، يخطط لحياتها وأحلامها بالقلم والمسطرة.


«تماما كما تفعل مدارسنا، تقوم برحلة للمتفوقين، ينصحونهم بأن يظلوا صامتين مؤدبين طوال الرحلة، كي يشكرهم سائق الحافلة في نهاية الرحلة على هدوءهم...

شاركت في الكثير من تلكم الرحلات طيلة ست سنوات، وفي السنوات الست تلك لم نستمتع ولا بواحدة..»


كنت إذ أقضي اليوم بسعادة وسرور، أحس في نهاية اليوم بتأنيب الضمير، وأستغفر الله بإسراف، ثم أتسلل قبيل أذان الفجر إلى الطابق السفلي، أتوضأ وأبث حيرتي إلى الله، فقد تعودت أن أقول كل ما بقلبي لله وحده، أتحدث معه بكل شيء، وعن كل شيء، وأحس أنه يسمعني ويفهمني، ولا يسخر من أسئلتي وإن كانت سخيفة وغبية...


تساءلت عن دور الغربة الساذجة الذي كنا نتقمصه، عن الورع البارد...عن العيش على الهامش، وانعدام التأثير...عن جدوى وجودنا...وعن واجبنا الدعوي، وأثر بصمتنا على الناس..

هل نحن حقا أهل للتأثير؟

لماذا ينفر منا الناس؟

ولماذا لا نستطيع التأثير؟

وكيف كانت الجواري والإماء، والشباب والشيوخ، يتركون ديارهم وأوطانهم ويسحرون بأخلاق المسلمين، فيختارون هذا الدين، وينضمون تحت لواءه؟

لماذا اختفى كل ذلك؟

ولماذا لا يسحر بنا المقربون؟

لماذا تتعامل المنظومة التقليدية مع الشباب بقالب الطهرانية و الملائكية، الذي يصعب معه تقبل بشريتنا وطبيعة احتياجاتنا كبشر؟!

لماذا فتنت أنا وسحرت بهم، بينما نعجز كملتزمين عن فعل ذلك؟!


ثم اكتشفت بعدها أننا كنا نخدر ضمائرنا بهاحس الغربة، فيما لا يستحق.

وأن الذي قرر العيش على الهامش، فلا يسأل عن التأثير والتغيير.

ثم أدركت أخيرا أنهم استمالوني وسحروني، بسبب كمية الحب الصادق الذي يحملونه بين جوانحهم لي..وعرفت بعد ذلك أن من يحمل شعور الاستعلاء الخفي بقلبه لا يمكن له كسب الآخرين.


#شمس_الهمة








الأنثى الكاتبة

 الأنثى الكاتبة:


حين تكتب الأنثى، الأمر مختلف، مرعب، شاق، وهو أشبه بخروج الروح من الجسد.

رأسمال الأنثى حياءها، خجلها المستتر، مشاعرها المكنونة التي لا يعلم عنها أحد..

لكن حين تكتب، تصبح مشاعرها مشاعا، تمنح الكثير من ملامحها للنص المكتوب...

حين تكتب الأنثى، فهي تتحدى ذاتها، تتعارك معها، وتطرح الخجل مؤقتا بعد معارك ضارية..


وهذ لعمري أمر شاق، فالجرأة في الكتابة تسبب الألم للكاتبة...لا أقصد هنا تناول المواضيع المسكوت عنها (الطابوهات الثلاث) كما تفعل بعض الكاتبات للأسف...إنما مواضيع عادية جدا، لكن الزمن، المجتمع، والناس لا يتقبلون أن يكون للأنثى رأي حيالها، وعليه يحكمون على الكاتبة الشجاعة بقلة الحياء والاسترجال ربما...بينما لا يعدو الأمر كونها رجلة في الحديث وحسب.


أن تمنح الكاتبة النص بعضا من ملامحها، شاق أيضا، الكتاب هم أكثر الناس شفافية، لذلك تصلنا أفكارهم وتؤثر بنا..

لكن الكاتبة إذ تفعل ذلك، تشعر بالتكشف، وبأنها حاسرة الرأس، وبأنها صارت كتابا مفتوحا للجميع...

غالبا لا يستشعر القراء ذلك، وقد لا يرونه، لكن الكاتبة تراه كما لو كان تحت عدسة مكبرة.

لذلك غالبا تتألم المرأة الكاتبة، عقب كل نص أو قصة تكتبها، وقد تغلق حسابها، مباشرة بعد كتابة نص ما.


الأمر الثاني الذي تعانيه الكاتبة الأنثى، الاتهام، وتأويل النصوص والقصص التي تكتبها، وإسقاطها على حياتها الشخصية.

فمن تكتب قصصا عن الحب، تتلقى دوما أسئلة من قبيل ” أنت المقصودة بالقصة؟ لا شك أنك تعانين مشكلة عاطفية؟ هل القصة شخصية؟! وهلم جرا.

لا يعرف هؤلاء أن الكاتب يجيد تقمص الأدوار، فحتى وإن كتب بلسان المتكلم، فذلك لأن هذا الأسلوب أدعى للتأثير على القراء، وليس بالضرورة قصة حقيقية أو شخصية.

ولا يعرف هؤلاء أيضا أن الكاتب يكتب أشياء كثيرة يفتقدها في واقعه، كي يعيش حياة موازية يتخفف بها من ثقل الواقع المؤلم الذي يعيشه.


الأمر الثالث هو المعاناة مع الجمهور من الجنسين، ولعلي لا أتحدث هنا عن الأذية التي تلحق الكاتبة من بنات جنسها، كي لا أسهب في الموضوع، إنما سأكتفي بتناول الأذية التي تتلقاها من جنس الرجال.


- هنالك جمهور راق ومحترم، يضيف للكاتبة الكثير من النصح والتوجيه والثناء لتكمل الطريق دون خوف، وهذا يحتاجه الناس جميعا، بالأخص من يتصدر لمخاطبة الناس، سواء بالتأليف أو الكتابة على وسائل التواصل الاجتماعي..


- جمهور آخر من النخب المثقفة علميا وأدبيا ودينيا أيضا، لكنه جمهور مؤذ، يترك الدكتور أو البروفيسور أو الشاعر أو الأديب زوجته المدفونة في المطبخ، ويأتي لمغازلة الكاتبات على وسائل التواصل، وقد يدبج الواحد منهم قصيدة لأجلها..بينما في الحياة الواقعية يكره هؤلاء المرأة الطموحة والناجحة والمثقفة، وقد يدفن طموح زوجته، وموهبتها، ثم يحتقرها وينظر لغيرها من الناجحات..


- ‏معجبون آخرون يظل الواحد منهم وراء الكاتبة أو الشاعرة، ويهيم بها إعجابا وحبا، حتى تقبل به وترضى به زوجا، 

وحين يحصل على مراده، وتوافق عليه، تبدأ مرحلة محاولته لتغييرها...لا تكتبي، لا تعملي، لا تتصدري، أشعر بالغيرة وووو...وحين تتغير المسكينة لأجله، وتتخلى عن شغفها ودورها، وكينونتها وشخصيتها، يمل منها، لأنها ما عادت تلك الشخصية التي سحرته من قبل، ماعادت هي نفسها، بل تحولت لنسخة مشابهة لكل النسوة التي كان يراهن ولم يملأن قلبه وعقله.


- معجبون آخرون متسرعون، يحكم على الكاتبة من منشور أو اثنين، ويستعجل التقرب من الكاتبة وخطبتها، هؤلاء غالبا تخاف منهم الكاتبة، ذلك أن طلبًا كهذا بناء على قراءة منشور أو اثنين، فيه من التسرع و الجهل مافيه ولو صدُقت النية.

ولأن الكاتبة معتادة على جمهور من هذا النوع، جمهور يسرع في إظهار انبهاره وإعجابه وتقديسه، ثم لا يلبث مع الأيام أن يتحول لشخص مصدوم بهذا الكاتب، وكيف أنه خيب آماله لأنه كتب موضوعا أو اثنين لا تتناسب ورؤية الأخير، حتى وإن كان الأخير مخطئا في حكمه وفهمه للمسألة المكتوبة.


- المعجبون الحقيقيون الصادقون يراقبون عن كثب كل المنشورات والقصص والمقالات، ثم يقول بثقة (هذه هي فتاة الأحلام) التي أرتضيها زوجة وأما لأطفالي...لكن المشكلة هنا بالكاتبة، الكاتبة شخص حساس، غالبا لديها تجارب وخيبات..إضافة للعاطفة التي تتحكم بمشاعرها...تتمنى الكاتبة أن تُخْتَار لعقلها وفكرها، وحين يتم لها ذلك، تقول في نفسها، لا يريدني لذاتي، إنما أعجبته الحروف، ولو قرأ لمن هي أفضل مني لاختارها قطعا وفضلها علي..مشاعر الغيرة، تتسبب لها بالإحباط وانعدام التقدير للذات، وتلك المقارنة التي قامت بها غالبا غير صحيحة، فلكل كاتبة جمهورها الخاص، وتوليفتها السحرية الخاصة بها...وبذا تعتبر الكاتبة أنها لا تستحق الحب، فتدمر العلاقة في البداية عن غير وعي.


- ‏المعجبون الحالمون هذه الشرذمة من البشر لا تمتلك الوعي والنضج الكافيين، فهو يحكم على الكاتبة من خلال ما يقرأ، فيرسم صورة مثالية بعيدة عن الواقع، فيتخيل الكاتبة فاتنة الجمال، وبشرا لا يخطئ، ولا يمنح نفسه فرصة التعارف الجيد في فترة الخطبة، ويكتفي بالمعرفة الأولية التي جمعها عنها من كتاباتها...بعضهم يفاجأ بالشكل حين يخطب، ويصدم، ويرفض الفتاة مخلفا عندها شعورا سيئا، إن كانت الكاتبة واعية وناضجة غالبا لا تتأثر لأنها تعلم هذا مسبقا، ولأنها تعرف نفسها جيدا، ولأن المفروض أن تتكلم مع الخاطب أن لا يتوقع جمالا فتانا ..وهكذا تسهل الأمر عليه وعلى نفسها..


وغالبا من يصدم لشكل الفتاة، يكون شخصا غير ناضج، رسم له مخياله صورة خيالية ساحرة..وإلا فالانسان الناضج يبحث عن الدين والأخلاق، وإذ يقدم على الرؤية لا يكون هنالك سقف عال من التوقعات بخصوص الشكل، ويذهب وهو مستعد لذلك..وإن حصل العكس ولم يتم القبول بين الطرفين، يعرف الطرفان أن الله لم يكتب لهما الحياة معا، وأن عند الله العوض.


 ‏بعضهم الآخر يصدم بعد الزواج بشخصيتها التي لم تناسب شخصيته ربما...فيقول ليست هذه من أردت الارتباط بها..لأنه ببساطة توقع(الكمال) أن الكاتبة شخص كامل ، منزه، لا يخطئ.


نقطة أخرى تحدثت عنها الكاتبة المتألقة أميرة طاهر..أن الأنثى الكاتبة إذا لم تجد السند والدعم من الأب أو الزوج فستتعرض للاستغلال من قبل الوسط الثقافي "العفن"، فمن يعدها بتبني كتاباتها وترويجها، وإيصالها للجمهور..يفعل ذلك لحاجة في نفسه..ويستغل تعامل الفتاة معه..ليوقعها في شباكه..

وآخر يمدح وينفخ في الفتاة الكاتبة..حتى يجعل منها "عظيمة الزمان" بينما قد تكون مبتدئة جدا..وتقع هي في شرك هذا الوهم..في حين يستغلها الأخير في مخططات خبيثة كنشر الفساد..والروايات الماجنة وقصص الحب الخاوية..وقد يملي عليها ما تكتب..ويضع لها الخطوط العريضة التي لا ينبغي تجاوزها..ويلغي شخصيتها ومبادئها..وتقع هي فريسة للتنازلات..

وما أكثر ما رأينا هذا في واقع الساحة الأدبية العربية..


هذا والله أعلم


ملاحظة: النص كتبته منذ سنتين، بطلب من إحدى الكاتبات، ولم أنشره من قبل.


#شمس_الهمة

المأموم بضرب الإمام

 

قال أحدهم والعهدة على الرواي:
كنا نعمل بمجمع صناعي، في صحراء منقطعة عن الناس والبشر، بعيدون عن الأهل والصحب والخلان.
لا نفعل شيئا طوال الأسبوع، سوى الركض في عجلة دوارة، تطحننا الحياة والأعمال طحنا.
حين نعود إلى مهاجعنا، نعود وقد نال منا التعب، والسأم والفراغ، لننام فورا..
حياة بلا جدوى، فارغة تماما، عمل، وأكل ثم نوم.ثم عمل فأكل ثم نوم..
وكنا آخر الأسبوع نذهب إلى أحد المساجد لصلاة الجمعة..
وحدث أن جلسنا مرة نستمع لدرس الجمعة وخطبة الجمعة..
فإذا بالإمام يتناول ماذا قال العالم المبتدع فلان، وماذا فعلت الفرقة كذا
وأخذ يعدد معاركه، وحربه على أمثال هؤلاء.
وأنهم ضالون مضلون مجرحون..
استمرت الخطبة والدرس على هذا النحو..
ثم قمنا إلى الصلاة..
وحين سلمنا وجلسنا نتلو الأذكار.
وإذ بنا نسمع شوشرة وجلبة..
ثم رأينا أحد المصلين ينزع حزامه، وينهال ضربا بالسوط على الإمام، ويصيح:
((كل الأسبوع مطحونين بالشقاء والتعب والشغل، ننتظر الجمع بفارغ الصبر لموعظة أو أحاديث ترقق القلب، فإذا بك تتحدث عن معاركك مع فلان، وطائفة فلان، وفصيل فلان، فأوغرت صدورنا وتسببت بمزيد قسوة لقلوبنا!!
ماذا استفدت أنا منك؟ ومن معاركك الشخصية؟!
ولماذا تحدثني عن فلان وعلان؟))
ثم انفض الجمع، وقد كانوا في سرهم يباركون فعلته التي فعل.

الزواج بطالبة العلم الطموحة(عبد الكريم الدخين)

 الزواج بطالبة علم:


س: - أرى أن طالبة العلم إذا تزوجت تضيع وتصير انسانة ثانية. وشرايك بكل صراحة؟ أهم شي عندهم يزوجونها ولا يهمهم طموحها وشو الأنسب لها.

ج: - غير صحيح بإطلاقه ، هناك طالبات علم أزواجهن أعانوهن جدا ، ولنذكر مثلا د. فوز كردي المهتمة بنقد الفلسفات الشرقية ، والتي تذكر أن زوجها خير معين وغيرها ..

وهناك من تتزوج فتضيع في أعمال المنزل وتربية الأبناء وهذا الأغلب ، وبرأيي طالبات العلم اللواتي عندهن همة وطموح يتزوجن من يقدرهن أو يفكرن جديًا بخيار الزوجة الثانية حتى تتخف من أعباء ‍الزواج وتناله ولا تحرم من الأبناء .. وححاول تكون آخر إجابة في هذه المواضيع .

عبد الكريم الدخين

*********



س: -كيف ترى ‍الزواج لطالب العلم من طالبة العلم المشتغلة به، بمعني انها تعمل بالجامعة وجل وقتها بالمذاكرة والمطالعة في كتب الأصول ؟

ج: -غياب الرجل وانشغاله يعوضه وجود الأولاد بالنسبة للمرأة هذا الغالب ، غياب المرأة بالنسبة للرجل لا يعوضها أحد .. لذا نصيحتي للمنشغلة دائمًا أن تتزوج منشغل مثلها أو تقبل بأن تكون زوجة ثانية .

عبد الكريم الدخين

********


س: -السلام عليكم أستاذي..ألا تعتقد أن لدور المرأة في الأسرة سبب كبير لتوقفها عن طلب العلم وضعفها فيه كما تفضلت؟ أقصد من ناحية العمل الواجب عليها+ نظرة زوجها لها. الخوف يملؤني من أن أتزوج رجلا ينتقص من طموحي، ويضحك على رغباتي، كما يفعل والدي الآن :)


ج: -باختصار تحتاجين إما لرجل متفهم جدًا لرغبتك في طلبك العلم ، وإما للتنازل عن بعض رغباتك لأجل طلب العلم مثل القبول ب‍الزواج من متزوج ..

وهذه حلول للأسف قليل من توفق لها من النساء .

عبد الكريم الدخين

*******


س: -برأيك ما الأفضل أن تتفرغ طالبة العلم للعلم مع التدريس أو تتزوج ؟ كنت أرفض تماماً لكن إذا تكرر الموضوع أعيد التفكير ولو قررت أجزم لا أستطيع فأرجع للرفض ، ما الأصلح ؟ مع أن الحياة سعيدة .

ج: -‍الزواج لا بد منه ، تركه بالكلية أمر سيؤثر عليك سلبًا ، ولكن العبرة باختيار الزوج ، والهدف من ‍الزواج ، برأيي المرأة التي تريد الاهتمام بعالمها الخاص تحتاج للتخفف من أعباء الزوجية مع الاستفادة من إيحابياتها ، لذلك أقترح أن تأخذ زوجًا يعينها على طلب العلم ويتفهمها جيدا ، ولا يتطلب كثيرًا وهذا يندر ، أو تقبل بأن تكون زوجة ثانية ..

وعمومًا ‍الزواج معضلة في هذا الزمن حتى للرجل ، فهو يمثل تحديا صعبًا والله المستعان .

عبد الكريم الدخين

*******


ج: -هناك نوع من النساء الأنسب لهن أن يتزوجن من معدد ، وأقصد بهن النساء صاحبات الطموحات العملية والعلمية اللواتي يردن الانتفاع ب‍الزواج والأولاد ولا يردنه تقييدا لهن ..


وأذكر أن الدكتور عبدالرحمن ذاكر الهاشمي وهو استشاري نفسي تحدث عن هذا الأمر بإسهاب في تسجيل له لا يحضرني .

عبد الكريم الدخين



فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا:

 


فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا:



القصة الأولى:

امرأة خمسينية لديها سبعة أولاد، تخاصمت وزوجها، ووصل الأمر بينهما لاستحالة العودة كما السابق، وأخذا يفكران بالانفصال، والأولاد ضائعون شاردون مصدومون، لهذه النهاية المأساوية لعشرة دامت أكثر من عشرين عاما.

فشلت كل المساعي للإصلاح بينهما، وركب الشيطان رأس كل منهما، وصمما على موقفيهما..رغم أن الخلاف كان بسيطا، ولا يستحق.

تلك الغيوم الكئيبة حلت بسماء ذلك البيت الهانئ كلعنة..وامتد الخلاف لأسابيع، ثم لأشهر..

بعدها أصيب الابن البكر صاحب العشرين ربيعا بمرض السكري(عافانا الله وإياكم).

فنسي الزوجان خلافاتهما، واتحدا لمعالجة ابنهما ودعمه والتخفيف عنه، وعادت علاقتهما أحسن مما كانت عليه من قبل.


القصة الثانية:

كان بشير صائغا مشهورا، ثريا فاحش الثراء، وكان يعتبر "سفيان"، العامل لديه، ذراعه اليمنى ومستودع أسراره.

لكن الأخير غادر إلى مدينة وهران بلا رجعة، وقطع كل الاتصالات التي تربطه برئيسه في العمل" بشير"

بشير استغرب الأمر، وأرسل عيونه ليأتوه بالخبر اليقين، وكان أن أخبروه أنه صار صائغا حرا، بفيلا ضخمة وسيارة فاخرة.

كان الأمر بمثابة الصدمة لبشير، لذا قرر التحقق من الحسابات والأموال، فجلب محاسبه ومعاونيه، فوجدوا أن "سفيان" كان يختلس غراما فقط من كل قطعة من الأساور التي كانوا يبعونها للناس.

وحين دققوا الحسابات وجدوه قد اختلس ما قيمته (700 مليون سنتيم).

ثارت ثائرة بشير، وراح يرغي ويزبد، ويحلف بأغلظ الأيمان أنه سينتقم لنفسه بقتل سفيان بيديه إن مكنه الله منه، وأنه يرحب بالسجن لأجل ذلك.

بشير كان له زوجة وأطفال، وزوجته كانت تموت في اليوم ألف ميتة وهي ترى زوجها يتهدد ويتوعد.

كانت ترى الترمل رأي العين، واليتم والحرمان يفغر فاه لالتهام أبناءها..

بعد يومين زار "الكنترول“ محل بشير على حين غرة، بشير كان غاضبا، لذا حصلت مشادات بينه وبين الكنترول، فأشار عليه بمطرقة صغيرة كانت بيده كتهديد، وذلك أمام مرآى ومسمع من الناس.

الكنترول اعتبر هذا تجاوزا صارخا، وطلب الشرطة، التي حققت في الأمر وزج به في السجن لمدة شهرين كاملين.

في السجن عرف بشير عالما آخر كان يجهله تماما، النوم مصفوفين كأعواد الكبريت في مساحة ضيقة على الأرض في عز الشتاء والصقيع..

الاعتداءات المتكررة من المساجين ضد بعضهم البعض..

السرقات، الغنف اللفظي، الفحش في القول..

انعدام وسائل الراحة والنظافة الشخصية..

و......هلم جرا..

لم يعرف بشير لم يحدث معه كل هذا؟!

وظل قانطا، حزينا يفكر ويعيد حساباته..

بعد حياة السجن تلك، قرر بشير تفويض أمر صديقه المختلس إلى الله، وأنه لن يوسخ يديه ويرتكب جريمة، فيدخل السجن بسببه..

وحين سألته زوجته، لماذا تغير موقفك؟ وقد كنت من قبل مصمما على قتله.

أجابها قائلا: لقد أخذت الدرس في السجن، ولن أعود لذلك المكان.

السجن كان درسا من الله لي، هل ستصبر لمدة شهرين؟! فكيف بالمؤبد؟!

{ فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم والله خبير بما تعملون}


#شمس_الهمة

في غزل الشمس

 في غزل الشمس☀:


تلك شمس باهت بها **** الأرض شمس السماء

**********

أنا الشمس في جو العلـوم مـنـيرة **** ولكن عيبي أن مطلعي الـغـرب

**********

و(شمسُ همّتكم )يا صاحبي سطعت **** فليسَ يبدو هنا نجمٌ ولا قمرُ

**********

والشمس في أعلى السماء محلــّها ----- أنــّى سيهوي القرصُ للانفاق 

**********

ويظل وجه الشمس رانيـــا*** للنور حتى في عزّ المسـاء

المعري

*********

وقد سار ذكري في البلاد فمن لهم*** بإخفاء شمس ضوءها متكامل البهاء

*********

والشمس لو وقفت في الفلكِ دائمة ً لَمَلَّهَا النَّاسُ مِنْ عُجْمٍ وَمِنَ عَرَبِ 

*****"***

وكن كالشمس تطلع كل يوم***ولا تك في زيارته هلالا

*********

انظر إلى الشمس فوق النيل غاربة***واعجب لما بعدها من حمرة الشفق

غابت وأبدت شعاعا منه يخلفها***كأنما احترقت بالماء في الغرق

*********

إني، إذا خفي الرجال وجدتني***كالشمس لا تخفى بكل مكان

 (يعده بعضهم افخر بيت قالته العرب)

 ‏*********

كالشمس في كبد السماء محلها***وشعاعها في سائر الآفاق

*********

كالشمس في كبد السماء وضوؤها***يغشى البلاد مشارقا ومغاربا

********

الشمس منذ الصبح تحرق نفسها*** حتى الغروب وكل ذلك للبشر

لكنهم لا يذكرون جميلها***منها التضجر والتغزل بالقمر


معارك الجنسين من الغرب هذه المرة:

 معارك الجنسين من الغرب هذه المرة:


قرأت رواية اجنبية كلاسيكية من الادب الفكتوري(far from the madding crowd)، ورحت ابحث كالعادة عن الفيلم لمشاهدته..

في أحد مشاهد الفيلم، وجدت تعليقات الأجانب، فدخلت أقرأ..فإذا بي أجد معارك طاحنة بين الذكور والإناث..

تقول الفتيات أن بطل الفيلم رجل حقيقي خشن، وهو نموذج الرجل الذي تبحث عنه كل امرأة وتتمناه، ففيه من معالم الرجولة الكثير الذي انقرض في زماننا..

ترد فتاة أخرى هذه النماذج انقرضت من واقعنا

تعلق أخرى هذه النماذج غير موجودة في واقعنا، أصبحت موجودة فقط في عالم الخيال.

تقول أخرى آمل أن يكون هنالك بقية باقية من الرجال الحقيقيين أمثاله..

ويقول الرجال:

لكن الفيمينست لا يحبون هذا..

ترد عليه فتاة: ليست كل النساء فيمينست

يرد عليها الفيمينست ليست مجرد أقوال، انها تطبيقاتكن على أرض الواقع

ويقول آخر: كل الفتيات أحببن هذه الشخصية، لكنهن في الواقع يكرهون ويرفضون أمثاله.

ووووو المزيد من هذه التعليقات، صورت بعضها فقط..

(المهم خليتهم مدابزين فالتعليقات😂)


لا تعرف هؤلاء الفتيات، ولا هؤلاء الشباب أن الاختلاط بين الجنسين، وعقلية المرأة القوية المستغنية

هي التي جعلت الفوارق بين الجنسين تتماهى لتنتج مسوخا بشرية..

ولا تعرف الأنثى أن صناعة الرجال الحقيقيين، انما تتم في محاضن النساء، فالأنثى هي الأم وهي الأخت وهي الزوجة..


جعلني كل هذا أفرح، أفرح بشريعة الإسلام، وأتفاءل بمستقبل جميل، البشرية تعيش شقاء كبيرا وانتكاسا للفطرة والمفاهيم، والإسلام هو الحل..

ألا ليت شعري لو ان كاتبتنا الملتزمات، وكتابنا الملتزمون يكتبون روايات عالمية، تعيد معاني الرجولة، والأنوثة الحقيقيين، والاستقامة، وكذا معاني وسر الحياة والأخلاق والقيم النبيلة..


#شمس_الهمة

الصداقة والوحدة

 بينما يحتفل الناس بالأصحاب، ويحتفي الأشخاص بالتوائم،  بالمراكز بالأماكن.

أجدني وحيدة وغريبة، أحتفل كل عام بغربتي ووحدتي.

كل الأماكن تلفظني، وكل من عرفتهم ابتعدوا عني.

ليس لي صديقة حميمة أبثها همي، ولا مؤنسة تخفف عني.

أحتفل كل يوم بظلام الليل الذي يخفيني، أدمن الهروب والاختباء.

فكوابيسي لا تكون في الليل، بل تبدأ عندما أستيقظ، أما أثناء النوم فلا شيء يحول بيني وبين السعادة، أومن على الدوام بعظمة النوم في حل مشاكلي المستحيلة التي لا يمكن لغير القدر أن يساعدني على التخلص منها.

أجد راحتي وعزائي بالادمان على النوم، أعشقه، أكثر منه، ننام فتنهض أجسادنا، لتعيش حياتها المستقلة، وكما نجرها نحن أثناء الصحو، تجرنا أثناء النوم، إلى عوالم أخرى، وإلا فلماذا نصحو متعبين في بعض الأيام؟

أسير في طريق الحياة كالشارد الهيمان، أنشد الراحة ولا أجد الظل، وأفيض المحبة ولا أجد الحبيب، وألبس الناس ولا أجد الدفء، وأعالج العيش ولا أدرك الغاية، 

تماما كالآلة تنتجها الآلة، ويستهلكها العمل فهي تخدم غيرها بالتسخير، وتميت نفسها بالدؤوب

 ‏لا يربطني بالمستقبل رابط أمل ولا ولد.

في الواقع حرمت قسرا من الصداقات، فأصبحت حقا أفر منها، لا أجيد التعامل مع كل شخص يقترب مني، وإلا كان مصيره الاحتراق تماما كمن يقرب الشمس.

فلم تسميت بالشمس، ولكل امرئ من اسمه نصيب؟!

أرغب دائما في البعد، أن يحبني الجميع من بعيد، لأن لدي شعورا أن الاقتراب سيفقدني من أحب.

غرببة وغربة الأفكار قاتلة، وشعور أن كل الأماكن والعوالم تلفظك، أنك لا تنتمي لأي منها شعور مؤلم.

قيل:

أتعرف ما معنى أن تكون وحيدا؟

الأمر أشبه بأن يكون الجميع معك، واقفين بصفك، وفرحين بصحبتك 

لكنك فقط لست معك

أعني غائب عن الوعي

كأن تمل روحك الدائرية جسدك المستطيل لأنه لم يفلح يوما في احتوائها بالشكل الكافي

ومع ذلك لم أستغرب يوما نقصان عدد أصدقائي

كوني لا أنتمي لأي فكر ولا لأي تيار ولا لأي منهم

فأنا دائمة الصمت، متبرمة وغير قابلة للتشكيل

فرد لا يجيد شيئا سوى مراقبة الأشياء من بعيد

مثلي لم تخلق للصداقات، أو اللقاءات، مثلي عاشت وتعيش وحيدة وربما ستموت وحيدة أيضا

يحتفل العالم من حولي بالضحكات والبسمات وأحتفل دوما بأنهار من الدموع.

#حروف_بنكهة_الدموع،

 انهالت علي حين قرأت نصا بديعا عن الصداقة، فنكأ جراحا كانت هامدة.

 ‏وعرفني حقيقة وحدتي.

 ‏لله ما أجمل نصك يا مريم

 ‏لله ما أجمل شعور الحب ومشاعر الصداقة

 ‏لله ما أبشع أن يعيش المرء وحيدا، ويموت وحيدا

حجر صغير

 

حجر صغير:

كان الوقت عقب صلاة الفجر، سارعت منال ووالدها الخطى حتى لا يتأخرا عن الحافلة المتجهة إلى وهران، نسمات الفجر المنعشة داعبت وجنتيها الدافئتين، وجعلتها تسرح في تأمل المنازل عبر الطريق، كان الظلام حالكا إلا من بعض أعمدة إنارة خافتة تمتد متباعدة عبر الطريق، أما المنازل فكانت مظلمة على ساكنيها، ككل مرة تسافر فيها منال وقت الفجر، كانت تقوم بعد المنازل الممتدة عبر الطريق، خمسون، ستون، سبعون منزلا، لا يوجد بها إضاءة مما يدلل أن أصحابها نيام، ومما يثبت توقعاتها صوت الشخير المدوي لأناس يغطون في نوم عميق.
شعرت بخيبة أمل كبيرة، وتنهدت بأسى:
- إلى متى يا الله! قالت والحسرة تملأ قلبها الصغير.
ثم لاحظت إضاءة خافتة من أحد المنازل، سارعت الخطى للاقتراب أكثر لإلقاء السلام على جدران ذلك المنزل، ثم خيبة أمل مجددا، إنها إضاءة مرآب، شخص ما يخرج سيارته، إنها قطعا لأب كادح يلهث خلف لقمة العيش بينما ينام أولاده وبناته عن صلاة الفجر.
صعدت عينيها نحو السماء، داعية الله أن يوقظ الأمة من سباتها، بعدها تغير شعورها من الإحساس بالخيبة والشفقة على الناس، ودب شعور خفي بالاستعلاء في قلبها الصغير، تعثرت بحجر صغير أدمى رجلها.
- انتبهي أكثر، يقول والدها محذرا
الظلام حالك، والطريق غير معبدة، تحسسي مكان خطواتك.
انتبهت فورا بعد الوجع الذي سببه الحجر الصغير برجلها، إنها إشارة لي من الله، كانت مرهفة جدا وتؤول كل مصيبة تحدث معها على أنها تنبيه من الله، جعلها ذاك تعيد التفكير مليا وتتأمل حياتها، وشعور التميز الذي أحست به قبل برهة، فعوقبت لأجله بحجر صغير، وتنهدت بأسى" علمني يا الله" فلم أفهم رسالتك إلي.

منال فتاة في السادسة عشر من العمر، متوسطة الطول، ممشوقة القوام، بعيون عسلية ذابلة، كانت تمتاز برهافة الحس، تبكي على أتفه الأسباب، كان منظر صرصور كفيلا بارعابها والتسبب باغماءة فورية لها..
عكسها تماما كانت أختها الكبرى زينب فتاة قوية، واثقة، ومتفوقة دراسيا أيضا، مما أهلها للدراسة بكلية الطب بوهران.
وصلا إلى محطة الحافلات، استقلا أول حافلة متوجهة إلى كلية الطب بوهران، لقد كانت الزيارة بطلب من زينب، لأن الكلية تقيم فعاليات دينية بمناسبة المولد النبوي الشريف، تتخللها محاضرات عديد المشايخ، ولعل ضيف الشرف كان الشيخ "بريكسي" أشهر مشايخ بالغرب الجزائري، ولم يكن والد منال وزينب ليفوت هذا الحدث، وارتأى أن يصطحب معه منال، ناهيك أنها كانت أول زيارة لها إلى الجامعة.وكان إلى ذلك يهدف للقاء المشايخ واستشارتهم في المشكلة العويصة التي يعانيها مع ابنه.
*********
كانت زينب مشغولة بالدراسة، و استغلت ساعة فراغ ، استقبلت فيها منال بالأحضان، عرفتها بالجامعة، ثم الإقامة، أخذتها إلى الغرفة لترتاح، ثم انطلقتا مجددا كل منهما نحو وجهة معينة، زينب نحو قاعة الدروس، لكنها قبل ذلك أوصلت شقيقتها منال لقاعة المحاضرات.

في جناح الفتيات، ابتدأت الفعاليات، وتناوب المشايخ على قاعة المحاضرات، بينما وصلت منال متأخرة إلى القاعة.
دلفت منال من الباب الخلفي بهدوء، فوجدت ثلاث مشايخ يتصدرون القاعة، والمدرجات تكاد تكون خاوية من البنات، اللواتي توزعن بشكل غير منتظم، وغير متراص، فالكراسي الفارغة بين كل مجموعة مكونة من بنتين أو ثلاثة كانت تشي بعدم الانسجام واللحمة التي يريدها الله بين عباده.
وفور جلوس منال، تكلم الشيخ عن وجوب رص الصف، وأعاد النظام للمدرجات، لدرجة أربكت منال، وأحست وكأن الشيخ يمتلك "الحاسة السابعة"، حاسة تخول له سماع ما تتحدث به النفوس في سرها.
مرت ساعات الصباح الأربع بين محاضرات التزكية والدعوة إلى الله، والوعظ والإرشاد.
ثم توقفت الفعاليات وقت الغداء، لتستأنف بعد صلاة الظهر من جديد.
***********
ابتدأت الفعاليات، محاضرات، دروس، لدكاترة ومشايخ وأستاذات يحضرون بالتناوب.
كان كل شيء عاديا، خاملا، والمدرج هادئا هدوء الأموات، وكأن الطالبات اتفقن اتفاقا غير معلن على أخذ قيلولة مريحة، حتى قدم داعية شاب في الأربعين من عمره، متوسط الطول، يرتدي السواد، وله بطن بارزة قليلا من وراء قميصه، يرتدي حذاء مدببا من الأمام، اعتنى بتلميعه جيدا.

جلس، وحيا الطالبات، ثم عرف نفسه على أنه طبيب، ويعمل في حقل الدعوة إلى الله،
كان مظهره يوحي بحدة العقل العلمي وحوافه القاطعة، لكن ما إن يبتدئ الكلام، حتى تحس برفيف فراشة يدف في المكان.وألق ملون يشع قريبا منك.
كان أسلوبه الدعوي متميزا، فقد كان يستعمل القصص كثيرا، وطريقته الهادئة في الكلام كانت تشد السامع إليه.
كان الشيخ يحكي القصص، ويطرح الأسئلة لإشراك الأخوات، وكثيرا ما طرح أسئلة تتعلق بصحابي أو صحابية، طالبا نبذة عنه، لكن أزيد من خمسمائة طالبة كن يجهلن تاريخ الأمة، وأعيان الصحابة بشكل مخجل ولافت شكل صدمة لدى منال، التي كانت ترفع يدها كل مرة للإجابة، لكن الشيخ كان يؤخرها لحين تأكده أن فتاة أخرى لن تجيب.
منال كان لديها رصيد تاريخي وشرعي ممتاز، وقد أبهرت جمهور الأخوات بإجاباتها الدقيقة المفصلة.

نحى الشيخ ورقة كانت أمامه جانبا...ازدرد كأسا من الماء..اقترب من الميكروفون..وشرع يتحدث بصوت هادئ:
«يقول أحد من السلف:
سهرت ليلة مع أبي وحولنا نِيام
فقلت: لم يقم من هؤلاء من يصلي ركعتين !
فقال :
يا بني لو نمتَ لكان خيرًا لك من وقوعك في الخلق.»

ويقول «ابن القيم»: إذا فتح الله عليك فى قيام الليل فلا تزدرى النائمين، وإذا فتح الله عليك فى باب الصيام فلا تزدرى المفطرين، وإذا فتح الله عليك فى باب الجهاد فلا تزدرى القاعدين، فرُب قائم ومفطر وقاعد أقرب إلى الله منك، وأن تبيت نائماً وتصبح نادماً، خير لك من أن تبيت قائماً وتصبح معجباً، فإن المعجب لا يصعد له عمل.

فركت منال عينيها الناعستين، عدلت جلستها، وحملقت في الشيخ بانتباه..والدهشة تعلو محياها، وعرفت على الفور رسالة الله لها من وراء ذلك الحجر الصغير الذي أدمى رجلها..

انتقل الشيخ بالحديث إلى الواقع الدعوي، وحكى قصصا من الواقع عايش تفاصيلها.
تسمرت الأجساد، خشع الأثير، تجمدت ذرات الفضاء، وطفق الترقب ينسج خيوطه على رؤوس الحاضرات..
تنهد المحاضر، ازدرد شربة ماء من قارورة أمامه، ثم توجه ببصره نحو جمهور الأخوات، وأخذ يسرد تفاصيل حكاية حقيقة حدثت معه فقال:
‏كان لي زميل يدعى عبد القادر، كنت أحقر صلاتي مع صلاته، وصومي مقارنة بصيامه،كان شابا وسيما، ذكيا، متفوقا، ومجتهدا في العبادة من صلاة وقيام وتلاوة قرآن.
‏كان ملتزما جدا، ومتشددا على نفسه والناس، وكثيرا ما لامني على استسهالي لبعض الأمور الشرعية.
مرت أيام الجامعة بحلوها ومرها، تخرجنا ومضى كل منا في دروب الحياة، بعضهم أكمل التخصص، بعضهم آثر العمل، كثيرون تزوجوا، وأصبح لدى كثير منهم أطفال.
إلا عبد القادر مكث سبع سنوات بطالا، يبحث عن الوظيفة، ولا يجدها، كلما طرق بابا أغلق في وجهه، لم يكن يجد حتى ثمن مشاوير التاكسي، أو ثمن فنجان قهوة يخوله الاستراحة باحدى المقاهي بعد عناء البحث عن وظيفة.
مر بأيام عصيبة جعلته يعتقد أن لا رابط يربطه بالمستقبل، لا رابط أمل ولا ولد.
كنت وإياه وبعض الأصدقاء على تواصل دائم، ثم بدأ يسحب نفسه عن مجموعتنا تدريجيا، وأصبح وحيدا كئيبا منعزلا عن الناس.

ثم وفي أحد الأيام نزل علينا خبر كالصاعقة، لم نتوقعه أبدا، ولم نحسب له حسابا من قبل، عبد القادر ألحد، كفر بوجود الله.

اجتمعت والشلة، وتباحثنا الأمر، وتكهنا الأسباب، وقررنا مساعدته وانتشاله مما هو فيه، لكنه كان يرفض صحبتنا، ويصرخ في وجوهنا، وانفجر بغضب كما تنفجر القنبلة، وألقى علينا بكلام كفري، لا أدري يومها هل ألقى كلاما فيه معنى، أو دلوا فيه ماء؟

كان يرفض كل اتصالاتنا ومحاولاتنا، ويقول لكل من تسول له نفسه محادثته (لا أريد الحديث عن الله، إذا كنت تريد لقائي لهذا السبب انس الأمر)

لذلك هجره الأصدقاء واستمروا بعيش حياتهم بعيدا عنه، لقد أدوا واجب النصيحة لكنه أبى الاستماع.

لكني لم أتركه، طلبت مقابلته ذات يوم في مقهى شعبي، وحين قدم ذهلت لحاله.
‏لقد سقط بجانبي على الكرسي كما يسقط كيس من العظام على الأرض، ثم أدرك حيرتي فقال:
- ‏لعلك ظننتني خارجا من المستشفى، أو مبعوثا من القبر، ‏إنما هو جسم يذوب في نار من الهم لا تخبو، وروح تزهق في حشرجة من الكرب لا تنقطع..

وحكى لي يومها معاناته في البحث عن وظيفة، كيف أن اصدقاءه توظفوا وتزوجوا، حكى عن وفاة والدته التي لم يجدوا المال الكافي لعلاجها، والتي خلفت وفاتها ندوبا في الروح لن تشفى..وألما وإحساسا بالعجز...كره معه الحياة كلها..

استمرت مجالسنا، وكنت فيها المستمع فقط، لم أكن ارغب بالكلام، ولا النصيحة، أردت مواساته، وفهم معاناته كي أتمكن بعدها من مساعدته..

وفعلا، تم الأمر بنجاح، وعاد صديقي أخيرا إلى رحاب الإيمان، وحسن إسلامه، وأناب لخالقه بتوبة صادقة فقبله الله، وحاشاه حاشاه أن يرد عبدا عاد إليه..

ثم توجه الداعية الشاب بسؤاله إلى البنات...
- قد تسألونني ما السر  الذي جعله يعود؟! ماهي الوصفة التي اتبعتها؟!
من يمكنها التكهن؟

صاحت الفتيات:” السر في فنجان القهوة، فنجان القهوة“
استغرب الداعية إجاباتهن، واستغربت منال أيضا في سرها، وطلب الشيخ إيضاحا، فقلن له أنه وضع شيئا بالقهوة!!
- سحر مثلا!!
أجاب الشيخ باستغراب..وتفطن أن الفتيات لم يفهمن القصة ربما...
سخرت منال من سذاجة البنات في سرها، ثم رفعت يدها تستأذن لسؤال الشيخ..فأذن لها الشيخ بالكلام.
سألته منال قائلة:
- هل يمكن أن تدلنا على المدخل الذي دخلت منه لشخص صديقك، فأثرت به وأعدته باذن الله إلى الطريق؟!
أجابها الشيخ:
- لا يمكنني ذلك، فالطبيب معروف، وهذا التفصيل الصغير لو ذكرته، سيعرفه الناس منه...
أضافت منال سؤالا آخر:
- طيب شيخنا، فهمنا أنك اتبعت أسلوب اللين والشفقة معه رغبة في الإصلاح، ‏لكن شيخنا جلوسك اليومي معه في المقهى، يترتب عليه أن يدفع ثمن قهوتك أحيانا، فهل كنت تشربها؟!
‏فنحن إذ نسمع مواعظ الشيوخ، علمنا ان الملحد لا يجوز تزويجه، ولا إلقاء السلام عليه، لا نبيعه ولا نشتري منه، ولا نأكل من كسب يديه..
هب أن الملحد أخوك، أو أبوك، كيف تتعامل معه؟
وهل تأكل من كسب يديه؟
لذلك غالبا لا يستعمل الناس أسلوب الإصلاح، ويرون أن الهجر هو الحل الأمثل..
قالت ذلك السؤال وعقلها كان مشغولا بأخيها الذي ألحد مؤخرا، وكيف كانوا يتعاملون معه طيلة ثلاث سنوات بأسلوب الهجر فزاده ذلك قسوة وابتعادا وكرها للإسلام وأهله..

أنصت الشيخ باهتمام لسؤال منال، وأثنى عليها واعتبره سؤالا ذكيا بالغ الأهمية..
وراح يشرح لمنال والحاضرات أن أسلوب الهجر لا يستعمل كبداية، وأنه يلزم اتباع أسلوب الإصلاح في البداية، والصبر على الناس، وفهمهم..
ثم أضاف قائلا:
“- أرى أن السبب وراء الإلحاد في العالم الإسلامي، هي مشاكل نفسية، تؤدي الى زعزعة ثقة هذا الذي ألحد بالله، ثم بعد أن يلحد، يلجأ إلى تدعيم الضلال الذي يعيش فيه بالعلم والأدلة العلمية..
- أرى وبكل وضوح أن الإلحاد أزمة نفسية يمر بها الملحد، ومعالجة هذه المشكلة لا يتأتى إلا بعلاج أزمته النفسية، فإذا أردت الحديث مع ملحد لا تندفع لمحاولة إقناعه بوجود الله سبحانه وتعالى بالحجة والأدلة، والأفضل أن تسأله عن حاله ونفسيته ومشاكله، وتفتح له قلبك حتى تضع يدك على "الأزمة النفسية التي أدت الى ذلك"، ثم تعالجها ، وقتها سيبكي ويعود الى ربه...
- الإيمان بوجود الله فطرة إنسانية طبيعية، لا يفقدها إلا من تعرض إلى ظروف غير طبيعية.

بعد المحاضرة، عاد والد منال إلى مدينته محزونا، قلقا، وطعم الخيبة عالق بحلقه، ذلك أنه لم يتسن له لقاء الشيخ« بريكسي» والحديث معه لأنه غادر مبكرا لظرف ما..
في الحافلة لم تكف منال عن الثرثرة بحماس، وكانت مثل آلة تسجيل تعيد سرد تفاصيل اليوم بدقة لا متناهية...عن قصة الحجر الصغير..وعن قصة الطبيب..
وحين أنهت كلامها، وجدت الدموع تترقرق من عيون والدها..
لقد حصل على مبتغاه من الرحلة هو الآخر...

#شمس_الهمة



العيد

 تلك اللحظات الحرجة قبيل يوم العيد، ذلك التعب، والضغط، تلك الأمور التي أنجزت نصفها والنصف الآخر ينتظر منك اتمامه حالا، ذلك التوتر، وتلك الأع...