الجمعة، 26 يونيو 2020

هل يجدي الفكر الانسحابي؟


هل يجدي الفكر الانسحابي؟!(ردا على مقال لماذا لا نحتاج إلى طبيبات؟)
قرأت قبل مدة في صفحة مسلمة خلاف الحداثة، مقالا -لا أجده اليوم- فالواضح أنه حذف، بعنوان(لماذا لا نحتاج إلى طبيبات؟)
تقول فيه صاحبته أن مهمة المرأة وأولويتها هي بيتها، زوجها، وأولادها، وأن على النساء لزوم الخدور، خصوصا أن واقع المستشفيات يفرض على المرأة المناوبات الليلية التي تقضيها غالبا مع أطباء رجال وأجانب عنها.
وأننا لن نحتاج إلى طبيبات لأن غير الملتزمات يقومون بسد هذا الثغر.
وذكرت أيضا أن الفقهاء أجازوا تطبيب الرجل للمرأة في الضرورة وحال عدم وجود طبيبات، وأن  التداوي عند رجل، آمن و أولى لنساء المسلمات من تعريضهن وتعريض شرفهن لتقضي الواحدة منهن جل أوقاتها مع الرجال.
فكيف نخاف مداواة الرجل للمرأة التي تكون رفقة محرم، ولمدة مؤقتة، ولا نخاف على بناتنا الطبيبات من واقع المستشفيات؟
وقالت أيضا، أن على المرأة أن تهتم لشأنها ونفسها، بيتها وأولادها في المقام الأول، ولا تلتفت لاحتياجات الناس.
ضعوا خطا تحت جملة لا تلتفت لاحتياجات الناس!!
واليوم قرأت للدكتور إياد قنيبي حواره الجميل اللطيف مع ابنته عندما تمنى لها أن تصبح داعية، لكنها ردت عليه بأنها تريد أن تصبح أما وربة بيت وصانعة رجال( زي ماما)، إلى هنا الأمر جميل ورائع.
لكن حقيقة مالفتني هو قوله( أعجبَتْني إجابتها وحمدت الله على سلامة فطرتها وصدقها، وأنها تريد التركيز على أولوياتها قبل التفكير في الناس).
وهنا أيضا ضعوا خطا تحت جملة (قبل التفكير في الناس).
في الجزائر يعمد فقهاء السلفية والمدخلية لتحريم وتجريم الدراسة في الجامعات لأنها مختلطة، وقد ضاع شباب وبنات من النوابغ بسبب هذه الفتاوى، وهذا بشواهد من الواقع.

خطاب الانسحاب والانعزال عن الناس، والعيش على الهامش، والاهتمام لشؤوننا الخاصة دون شؤون غيرنا من المسلمين والمسلمات أراه نوعا من الأنانية، ناهيك أنه خطاب دروشة مرضية كدروشة المتصوفة.
فالواقع السيء، وجور الحكام وغياب العدل دفع بأسلافنا إلى الاغتراب في عالم الدراويش، ورؤى السعادة المتخيلة، والنكوص عن مواجهة التحديات  وتحمل المسؤوليات.
فتنسحب منه إلى عالم ميتافيزيقي ، وتعيش معطلة الفاعلية، لا أثر لها في الأحداث ولا وزن في مجابهة الأخطار والتحديات.
وتلون ثقافتها وقيمها بالأحلام التي تتحدث عن عدل موهوم ورخاء متخيل، وعالم تعبدي ملائكي.
الإسلام دين واقعي، يراعي ظروف واحتياجات الناس، ولا يأسرهم في عالم المثاليات الزائف.
أولا ليس صحيحا ما يشاع وما يروج له من أن جامعاتنا ومستشفياتنا تعج بالفساد وانعدام الأمن والأمان لدرجة تشبه دور البغاء.
حتى ليخيل للسامع أن كل الطالبات الجامعيات أو الطبيبات معرضات بين لحظة وأخرى للاغتصاب.
هل يقول بهذا عاقل؟
هل نعيش في غابة؟
ولم جعلت ادارات للمستشفيات، وحراسة وووو؟
والعارف بكواليس العمل في المستشفيات، يدرك جيدا أن ما تتخيله عقولنا المريضة عن الوضع الليلي في المشافي أنه هدوء تام، وسكون، وخلوة، وليال حمراء بين العشاق خاطئ تماما.
فعالم المشافي في الليل لا يختلف عن النهار، فهنالك الإنارة والأضواء الساطعة، والحركية الكبيرة للمرضى، والأطباء والطبيبات والممرضين والممرضات، اضافة لأمن المشفى.
وإن كان هنالك حادثة أو اثنين فلا يدفعنا هذا للتعميم، ناهيك أن أغلب الحوادث التي حدثت كانت أغلبها برضى الطرفين، وكأي مكان في العالم يوجد الطيب والشرير، والمؤمن والعاصي ووو.
ثانيا: الإسلام مثالي بواقعيته، وعالم الصحابة لم يكن ملائكيا خاليا من الأخطاء كما نتوهم.
هنالك الكثير من القصص والحوادث والشواهد التي حصلت زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، وعالجها عليه أفضل الصلاة والتسليم بطريقة رائعة وليس انسحابية كما نفعل اليوم.
قصة المرأة التي عمد الصائغ اليهودي إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها، فلما قامت انكشفت سوأتها، فضحكوا بها، فقام مسلم فقتله دفاعا عنها.
كيف تصرف عليه الصلاة والسلام والصحابة حيال الحادثة؟
هل قاموا بلوم المرأة، لأنها خرجت إلى السوق؟
هل قالوا لها كما يقال لنا اليوم(مكانك في المطبخ)؟
هل استصدر الرسول عليه الصلاة والسلام قانونا يجرم خروج النساء إلى الأسواق، أو قانونا يجرم التعامل مع اليهود؟
الإجابة: لا، طبعا، لم يحدث أي من ذلك
الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحاكم الضحية، بل حاكم الجاني.وقام بحرب لأجل امرأة.
حادثة أخرى:
هي حادثة تروى عن المنافقين أو حديثي العهد بالإسلام حال الصلاة، حيث كان الواحد منهم اذا ركع نظر من تحت ابطه بسبب امرأة حسناء كانت تصلي وراء الرجال رفقة النسوة.
روى النَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ عَنْ أَبِي الْجَوْزَاء عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : " كَانَتْ اِمْرَأَة تُصَلِّي خَلْف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَسْنَاء مِنْ أَحْسَن النَّاس , فَكَانَ بَعْض الْقَوْم يَتَقَدَّم حَتَّى يَكُون فِي الصَّفّ الْأَوَّل لِئَلَّا يَرَاهَا , وَيَتَأَخَّر بَعْضهمْ حَتَّى يَكُون فِي الصَّفّ الْمُؤَخَّر , فَإِذَا رَكَعَ نَظَرَ مِنْ تَحْت إِبْطه"
هل قام عليه الصلاة والسلام ببناء الجدار العازل؟ وهل قام بمنع النساء من الصلاة في المساجد؟
الإجابة، لا، لم يحدث هذا، انما تم علاجه بتقنينه، وضبطه وغرس التقوى والضمير في نفوس أصحابه.
وهنالك قصص وحوداث كثيرة لا يسع المقام لذكرها كلها.
أتسائل كيف السبيل إلى تحقيق أنظمة وقوانين تساعد المسلم والمسلمة، في ظل وجود الأنظمة والقوانين الغربية؟
اذا نحن لم نندمج، ونحارب ونناضل للحصول على هذه الحقوق فمن سيفعل؟
ويحضرني هنا ما حدث مؤخرا بعد وفاة الداعية السويسرية المنقبة، كل الرجال وكل الفئات أصبحت تترحم، وتثني عليها وعلى خصالها، وأول هؤلاء كان أولئك الداعون لبقاء المرأة في البيت وتحريم وتجريم الاختلاط، والعوائق الكثيرة التي يضعونها أمام سفر المرأة وووو.
أتساءل لو التزمت تلك الداعية بتلك الفتاوى المتشددة هل كانت ستنفع الإسلام والمسلمين، هل كانت لتدرس أو تسافر أو تقوم بالدعوة؟
ثم ما هذه الإزدواجية؟
يحبون المرأة الداعية والمؤثرة، لكنهم لا يرغبون لبناتهن وزوجاتهن أن يكن كذلك؟
أتخيل لو حبس كل رجل زوجته وابنته، هل سنجد الطبيبة والداعية والمربية والمؤثرة؟
في الجزائر وفي أزمة كورونا ظهر (أخينا)، أي الشاب السلفي الملتحي، لأول مرة في التلفزة الجزائرية كمخترع، ومبدع ووو.
فأشاد الجميع به وبروحه وأخلاقه وانجازاته ووو.
طيب لو التزم هذا الشاب بدعاوى تحريم الاختلاط والدراسة في الجامعة، هل كنا سنسمع له حسا؟
والغريب أن كل ذلك الثناء كان من هؤلاء الذين يربدون العيش على الهامش، وتعطيل الحياة، وايقاف عجلتها.
ثالثا:
عمل المرأة المتزوجة(النابغة في مجال معين، والتي يحتاجها المجتمع بشدة)، وقضائها كل تلك الأوقات بعيدا عن زوجها وأطفالها هو مأساة كبرى ولاشك.
لكن الحل لا يكمن أبدا في ابعادها، وحبسها أو ثنيها عما تقوم به، بل الواجب توفير الجو المناسب لعملها، وتوفير من يقوم بالعناية بأطفالها تعليما وتأديبا.
حتى في الجاهلية كانت النسوة يدفعن بفلذات أكبادهن إلى البادية لينشأوا على الفصاحة والأدب، وبعد النظر، والمروءة والنبل والشجاعة.
فهل قال قائل منهم آنذاك لنساء تلك الحقبة أنكن تضيعن الأطفال وتهملنهم؟
ثم لدينا في موروثنا الإسلامي زمن الأمويين والعباسيين ثقافة المؤدب للأطفال، بحيث يعنى بتثقيفهم وتأديبهم بدل الأمهات.
ولعله ظل متعارفا حتى أنك حين تقرأ سيرة الشيخ عبد الحميد بن باديس ستجد أن الأسر يومها كانت تبعث بأبنائها للمؤدب.
فلماذا نستخسر نحن على المسلمات المؤثرات والقائدات ذلك، علما أن مقام المؤدب تقوم به حضانات أطفال معاصرة وراقية جداا وبعضها اسلامي؟!
وأرى أن من واحبنا تجاههن أن نوفر لهن ذلك وندعمهن في مسيرتهن، لا أن نثنيهن عن ذلك.
والأولى النضال من أجل تغيير القوانين الوضعية كي تناسب المرأة والأسرة، لا أن نحارب عمل المرأة كلية.
وفي هذا تقول(آن ماري سلوتر):
في نهاية المطاف، يتعين على المجتمع أن يتغير، وأن يقدّر الخيارات التي تُقدِّم الأسرة على العمل بقدر ما يُقدّر الخيارات التي تُقدِّم العمل على الأسرة، إذا قدّرنا تلك الخيارات بالفعل، فإننا سنُقدّر الناس الذين يتخذونها؛ وإذا قدّرنا الناس الذين يتخذونها، فإننا سنبذل كل ما في وسعنا لتوظيفهم وحمايتهم؛ وإذا فعلنا كل ما في وسعنا للسماح لهم بالجمع بين العمل، والأسرة بالتساوي مع مرور الوقت، فإن الخيارات سوف تصبح أكثر سهولة.
رابعا:
تربية الفتاة أن مسؤوليتها الأولى في الحياة، هي بيتها، زوجها، وأطفالها، وأن الفطرة الطبيعية تقتضي ذلك، أمر لا غبار عليه، ولا يتعارض البتة مع اعدادها وتهيئتها الإعداد الحسن، بالتربية والتثقيف، والحصول على الشهادة، ونفع النساء وسد ثغرة النقص في مجالها الذي تتقنه.
يجيب موقع اسلام ويب عن سؤال فتاة تقول فيه، هل يجوز لوالدي منعي من الدراسة مايلي:
من الأمور الواجبة على الوالد نحو ولده ، في كفالته ، وقيامه على شأنه ، أن ينفق عليه النفقة التي يحتاجها ، من مطعم ، وملبس ، ونحو ذلك.
والتضييع كلمة مطلقة تشمل كل ضيعة تأدبية ، أو تعليمية ، أو مالية ، أو غير ذلك من تضييع حقوق الأبناء على الآباء .
وإذا كان تقدير نفقة الزوج على زوجته وأبنائه من جهة الطعام والشراب واللباس تتغير بتغير الزمان والمكان وبحسب الوسع والقدرة ، فمن باب أولى أن يتغير مستوى التعليم الواجب ، فكان في العصور السابقة مقتصرا على تعليم الفرائض والواجبات ، وأصبح اليوم شاملا للتعليم الجامعي الضروري ، إذ كلما تقدمت الأمم وارتفع الحد الأدنى من التعليم زادت مسؤولية الوالدين في رعاية أبنائهما على هذا الصعيد ، وصار الحد الأدنى هو المعروف بين الناس ، فالعادة محكمة ، والعرف له سلطانه وتأثيره .
أتساءل دوما هل يصبح المطلوب من الفتاة التي شاء حظها ألا تولد في الخدور المرفهة أن تقبع في بيتها انتظارا للعريس الغني فلا تثقف نفسها بالتعليم ولا تكسب من عمل شريف؟ لا والله، بل تخرج وتتعلم وتعمل وتكسب ملتزمة بآدابها وحشمتها.
وأتساءل أيضا عن مصير أولئك النابغات والطاقات الهائلة التي يملكنها لخدمة المجتمع، والتي إن لم يجدن وجوها لتصريفها، عادت عليهن بالضرر الجسيم؟
فامرأة نابغة مثل زها حديد مثلا، حباها الله تلك الموهبة وذلك العقل، لتخدم به المجتمع ولم يهبها ذلك عبثا.
وغيرها كثيرات من طبيبات وداعيات ومؤثرات وعالمات ووو.
والخطر كل الخطر أن يتراجع أصحاب المواهب والقدرات والإمكانات، ليرضوا بلعب دور صغير في الحياة، تاركين الساحة لمن هم أقل منهم لقيادة الدفة.
كريم الشاذلي(عش عظيما).
إن الزاهد المنقطع في عرعرة الجبل، ينظر من صومعته إلى الدنيا، ليس بأحكم ولا أبصر ممن ينظر من آلامه إلى الدنيا.
إن الزاهد يحسب أنه قد فر من الرذائل إلى فضائله، ولكن فراره من مجاهدة الرذيلة هو في نفسه رذيلة لكل فضائله.
وماذا تكون العفة والأمانة والصدق والوفاء والبر والإحسان وغيرها، إذا كانت فيمن انقطع في صحراء أو على رأس جبل، أيزعم أحد أن الصدق فضيلة في إنسان ليس حوله إلا عشرة أحجار؟!
وأيم الله إن الخالي من مجاهدة الرذائل جميعا، لهو الخالي من الفضائل جميعا!!
#الرافعي
ختاما:
تشعر بأن مجتمعنا بحاجة إلى جامعات و مستشفيات اسلامية محترمة ؟
تشعر إلى أن ما هو متوفر من قوانين وضعية لا يساعد المرأة المسلمة ولا المتزوجة؟!
تشعر أن قانون ساعات العمل لا يخدم المسلمات؟
أنت محق.
لكن لا تنتظر أن يقوم أحد ما بتوفير هذه الأمور.
كرس حياتك لكي تنتج ما يسد هذا النقص.
لا تنتظر الفرج !
فهو لا يأتي قط لمن يكتب الطلبات..وينتظر تحققها.
والقوانين لا تتغير من تلقاء نفسها، القوانين تتغير بعد سنوات من النضال.
#شمس_الهمة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

العيد

 تلك اللحظات الحرجة قبيل يوم العيد، ذلك التعب، والضغط، تلك الأمور التي أنجزت نصفها والنصف الآخر ينتظر منك اتمامه حالا، ذلك التوتر، وتلك الأع...