الجمعة، 26 يونيو 2020

كتبنا ومؤلفاتنا لا تخرج عن نمط ردات الفعل العاطفية!!


كتبنا ومؤلفاتنا لا تخرج عن نمط ردات الفعل العاطفية!!
قبل أيام كتبت مقالا بعنوان (هل يجدي الفكر الانسحابي؟)، وذكرت ضمن المقال الجملة التالية(لنتفق أولا أن الفقه الإسلامي ليس هو الإسلام، والدعاة الملتزمين لا يمثلون بالضرورة الإسلام.)، جملة عفوية لم يدر بخلدي أنها ستسبب شبه أزمة عالمية.
فانبرى أحد الإخوة يشهر بي في المجالس ويقول انظروا تأثير الفكر النسوي، شمس تريد إلغاء آراء الفقهاء، شمس تردد ما يقوله الحداثيون ووو الكثير من هاته الاتهامات.
لن أتحدث أنه ترك المنشور كلية وركز على جملة واحدة، وبنى عليها أحكامه، واتهاماته، وأخذ يرغي ويزبد ويتنمر ووو. ولن أتحدث عن أسلوبه المنفر في الرد.
لكن راجعت مقالي بعدها، و تأملت كلامه فيما بعد، وبحثت في الأمر، فوجدت أن هذه العبارة يرددها الحداثيون والفيمينست كثيرا، لعدة أهداف منها ضرب المرجعيات، وتطويع الفقه والأحكام لصالح الحداثة وووو.
أما من أين جئت أنا بهاته الجملة، وأنا لم أقرأ للحداثيين أو النسويات من قبل، فلا أعرف.
فكرت كثيرا في الأمر، ثم تذكرت أني سألت دكتور شريعة مرة ليرشدني فقد بت لا أقتنع بكلام المشايخ، خصوصا في قضايا المرأة، وأنني أخاف على نفسي من هذا.
فأجابني أن المشايخ ليسوا هم الإسلام بالضرورة، وكذلك الفقه فهو جزء ضمن مظلة الإسلام الواسعة، أما بعض الأمور الفقهية فمن حقي وحقك أن نرفض أو لا نقتنع ببعضها، ونبحث ونسأل حتى نعثر على الحق الذي يسكت شكوكنا وأفكارنا، وذكر لي الصحابية التي لم تقتنع بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذت تجادله حتى أنزل الله حكما يرضيها.
ذلك الأخ لو اكتفى بتنبيه بسيط، أن هذه الجملة وراءها ما وراءها، وأن الحداثيين يستعملونها بكثرة، وحبذا لو حذفتها أو قمت بتعديلها، لكنت فعلت وعدلت المقال بمنتهى البساطة.
بحثت أكثر في الموضوع، وقرأت مقالات المشايخ والدعاة عن الأمر، لكن مع ذلك لم أراه ذلك الشيء الخطير.
فليس بالضرورة  رفض كل ما يقول به العلمانيون، وأن ليس فيه بعضا من الصحة، فالمسلم لا يرفض الحق لمجرد أنه خرج من فم علماني مع اقرارنا برغبتهم في استعمال ذلك الحق بطرق خبيثة، يهدفون من وراءها لتمييع أحكام الدين، وإسقاط القدوات وووو.
وكما يقول الأستاذ عمار جيدل: المتجرد للحق لا يتوقف عن [من] يقول، ولكنه ينظر إلى جملة [ما] يقول.
ناهيك أن الكثير من العلماء يقولون أن فقه القرون المتأخرة بحاجة إلى مراجعة، والتكلس وتقديس أقوال أئمة المذاهب أدى إلى تعطيل الفكر الإسلامي عن الإبداع، والاجتهاد
وتعطل الاجتهاد لم يكن بسبب اغلاق باب الاجتهاد بسبب العلماء كما يشاع، ولكن الاجتهاد تعطل لأن المختصين تحولوا من الاتصال المباشر مع القرآن والسنة إلى الالتزام بكلام أئمة المذاهب، والانغلاق عن التفاعل مع الآخرين، وسياسة الاقصاء للآخر فلا يتعلم شخص من آخر.
ذلك أن الاجتهاد هو ثمرة النظر في مصدرين:
أولها: ( القرآن والسنة) ومن مظاهر اعجازهما هو تجدد معانيهما بتجدد الأزمنة وتنوع الأمكنة.
ومن الطبيعي أن لا يحدث ذلك مع كتابات أئمة المذاهب، فليس لها مثل هذا الإعجاز ، فإنما هي أفهام بشرية محدودة بحدود الأزمنة التي عاصروها، والأمكنة التي عايشوها.
والمصدر الثاني هو الآفاق والأنفس أي البيئة الطبيعية والاجتماعية، وهذه انقطعت عن أتباع المذاهب بسبب التقوقع على الذات والاقصاء للآخرين فجفت أفهام الذين توقفوا عند آثار المذهبية، ولم يملكوا سوى فن الاجترار(الحواشي والمختصرات والشروح).
الملاحظ لدى فئة الملتزمين بالتحديد كلما طرحت هذه المسائل وغيرها كذكورية الفقه الإسلامي، عمل المرأة، حقوق المرأة، نقد السلف، تنقية الموروث، كانت ردات الفعل قوية وغاضبة.
وكانت الردود دوما واقعة في حقول التوتر العالي، دون أن تحظى تلك المسائل بفرصة التأمل الهادئ، والمتعقل والمنصف.
للأسف لا زالت كتاباتنا ومؤلفاتنا لا تخرج عن نمط ردات الفعل العاطفية.
قرأت قبل مدة كتيب أقيسة الاختلاطيين للشيخ ابراهيم السكران، فلم يقنعني، ذلك أن كل ماكتبه ردة فعل على دعاوى العلمانيين والحداثيين، لذلك لم تكن ردوده وسطا بل اتخذت طرف النقيض، بحيث أهمل كثيرا من القصص والمواقف والأحاديث الصحيحة التي تثبت أن المجتمع النبوي كان مجتمعا مختلطا لكن بضوابط، والدكتور يوسف القرضاوي، والمفكر محمد عمارة، وعلي عزت بيجوفيتش، كلهم يرون أن حجب المرأة ليس هديا نبويا البتة.
فنساء زمن النبوة لم يكن معزولات عن الرجال كما قال الألباني في كتابه ((الرد المفحم فيمن تشدد وألزم))
فقال:[وإني لأعتقد أن مثل هذا التشديد على المرأة، لا يمكن أن يخرج لنا جيلاً من النساء، يستطعن أن يقمن بالواجبات الملقاة على عاتقهن ، في كل البلاد والأحوال، مع أزواجهن وغيرهم، ممن تحوجهم الظروف أن يتعاملن معهم، كما كن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، كالقيام على خدمة الضيوف، وإطعامهم، والخروج في الغزو، يسقين العطشى، ويداوين الجرحى، وينقلن القتلى، وربما باشرن القتال بأنفسهن عند الضرورة، فهل يمكن للنسوة اللاتي ربين على الخوف من الوقوع في المعصية -إذا صلت أو حجت مكشوفة الوجه والكفين- أن يباشرن مثل هذه الأعمال وهن منقبات و متقفزات؟ لا وربي، فإن ذلك مما لا يمكن إلا بالكشف عن وجوههن وأكفهن، وقد ينكشف منهن ما لا يجوز عادة، كما قال تعالى:{إلا ما ظهر منها}، كما سنرى في بعض الأمثلة الشاهدة لما كان عليه النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم].
وقبل مدة قامت صفحة مسلمة خلاف الحداثة بنشر تغريدة آلاء حمدان تقول فيها «لماذا سمح للرجال بالعودة إلى المساجد بينما لم يسمح للنساء بذلك؟»
واعتبرت التغريدة نسوية وتدعو لتأليه الأنثى، وانظروا الفكر النسوي وووو، لدرجة جعلت متابعي صفحتها يهاجمون آلاء حمدان بشدة.
والمتأمل للتغريدة يرى أنها عادية جداا، وإن كانت صاحبتها نسوية أو تحمل نفسا نسويا.(حسب الاتهام الموجه، وليس ما أعتقده).
فما الضير أن تشتاق مدرسة القرآن للعودة للمساجد، وما الضير أن تشتاق المرأة للصلاة في المسجد؟
والأعجب الآن أن أي مسلمة تطالب بحق شرعي تصنف فورا ضمن تيار النسوية.
ليست كل امرأة تبدي رأيا أو امتعاضا، أو انتقادا نقوم باتهامها بالنسوية وبمعاداة الدين.
ولنا خير مثال في قدوتنا السيدة عائشة رضي الله عنها حين راجعت حديثا صحيحا لأبي هريرة فقالت(قالت: بئس ما شبهتمونا بالحمير والكلاب، وذكرت أنها كانت تعترض بين يدي رسول الله وهو يصلى).
وليس مبررا أبدا خوفنا من موجة النسوية التي باتت منتشرة بكثرة، أن يدعونا هذا لتغطية الشمس بالغربال، وسياسة تكميم الأفواه مخافة هذه الموجة.
ولا يجب إنكار أن مجتمعنا العربي المعاصر ذكوري، وقد اعتاد على تبني سياسات ذكورية لا تناسب المرأة ولا تراعيها.
اضافة أننا لعقود لم نتعود مراجعات المرأة لتلك المؤسسات الدينية أو العلماء أو غيرهم.لهذا أي امرأة تبدي رأيا مخالفا نقول عنها فيمينست، فقط لأنها امرأة ولأن قولها خالف ما تعودناه وان كان خاطئا.
وعدم الانصاف في مثل هذه الظروف، وسياسة تكميم الأفواه بحجة النسوية، ستزيدها وتذكي نارها وليس العكس.
وهكذا المتأمل لجميع قضايانا سيرى ويدرك تمام الإدراك أننا نتعامل بردود عاطفية غير متعقلة وغير منصفة وغير مدروسة، ناهيك أنها متسرعة جداا، وفي هذا يقول علي شريعتي:
(( تيار التغريب عصف بالمجتمعات الإسلامية نتيجة لتيارين، تيار المنسلخين التقدميين الذين روجوا له بين أبنائنا. وتيار المحافظين والتقليديين الذين قاوموا هذا التغريب من خلال وسائل المقاومة البدائية، والتصدي المتعجرف الذي صدر عنها.
والذي ساهم على نحو غير مباشر في تمهيد الأرضية في مجتمعاتنا لقبول الفكرة التغريبية أكثر.
وشبه ذلك كمثل بقعة بنزين اذا أريقت في موضع وشبت فيها النار.
فكلما حاول بعض السذج اطفاءها بأساليب متسرعة وغير مدروسة ازدادت اشتعالا.
وهذا هو السبب الذي جعل التصدي البدائي للغرب، غالبا ما يكون مدعاة لقبول تلك الأفكار في المجتمع، وايجاد عقد وردود لدى أبنائه يسفر عنها الترحيب بما يدعو إليه الغرب)).
ختاما:
الإسلام لا يخاف من الأفكار، لا يخاف من الأسئلة، لا يخاف من العلمانيين ولا النسويات.
الإسلام لا يقمع الأفكار والتساؤلات، ولا يتنمر على أصحابها، بل يحتويهم ويجيب على انشغالاتهم.
أتساءل كيف نسكت جلبة الأفكار والتساؤلات التي تسكن عقولنا؟ وماهو ذنبنا أننا خلقنا مفكرين؟
ولماذا نسعى بأنفسنا إلى طرد المسلمين والمسلمات إلى منظومات فكرية أخرى، في حين أننا قادرون على احتوائهم في منظومتنا نحن.
إذا لم نسع على نحو جاد لإصلاح شأن أبناءنا من أفق مبادئنا ومنطلقاتنا ورؤانا، فإن غيرنا سينجز المهمة وفق ما يراه، وعلينا آنذاك ألا نلوم إلا أنفسنا.
وتذكروا:
(ولا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)
#شمس_الهمة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

العيد

 تلك اللحظات الحرجة قبيل يوم العيد، ذلك التعب، والضغط، تلك الأمور التي أنجزت نصفها والنصف الآخر ينتظر منك اتمامه حالا، ذلك التوتر، وتلك الأع...