روتين العيد ببيتنا:
في الماضي، ولأن أسرتي صغيرة، كنا نقضي العيد في بيت الجد والجدة، العيد يومها كان راائعا، والبيت الكبير كان يمتلئ عن آخره، شباب، مراهقون، صبايا، نساء وعجائز، وأطفال أشقياء.
حين كبرنا، توفي جدي، وتغيرت الأوضاع، صرنا نحتفل في بيتنا بعد زيارة بضع أرحام في الصباح فقط، ولكم أن تتخيلوا عشية العيد، أو بالأحرى كل ذلك الوقت بعد العاشرة صباحا، نتناول الفطور، ونأخذ قيلولة لأن طارقا لن يطرق بيتنا يومها، ثم نجتمع حول طاولة القهوة والشاي والحلويات، ونمكث في البيت نشاهد التلفاز، كان ذلك مملا وكئيبا للغاية، استمر معنا لبضع سنوات.
بعدها فكرنا في ذلك الوضع، وقررنا تغييره إلى الأفضل، فالسعادة أنت من يصنعها.
اتفقت وشقيقاتي على تحضير الكسكسي يوم العيد، واذا طرقنا طارق فلن نتركه يذهب من دون تناول الكسكسي، إخوتي الشباب لا يحبون الكسكسي، لذا فهم يكسرون حدة الجوع يوم العيد بساندويشات الشاورما، التاكوس، أو البيتزا، وحين يعودون إلى المنزل يتناولون البيض المقلي وشرائح الكاشير المالحة، التي تكسر حلاوة مخبوزات العيد.
بعدها أصبح أخي يعد صينية كارنتيكا يوم العيد، فهو يجيد تحضيرها ببراعة.
الكسكسي، الأومليت، السلطة، شرائح الكاشير، وصينية الكرنتيكا الكبيرة، أصبحت طقسا واجبا اشتهر به بيتنا، وكان يروق الأطفال وأمهاتهم كثيرا، وكان كفيلا بجعل الجميع أطفالا وكبارا، شباب ونساء يفضلون المكوث ببيتنا، فالعيد أصبح له طعم خاص ومميز.
يجتمع الرجال في الصالة الرئيسية الكبيرة، ويجتمع معهم الشبان في زاوية خاصة، أما المراهقون فيجلسون في أريكة واحدة مع هواتفهم الجوالة لا يرفعون رؤوسهم عنها فهم منغمسون بلعبة pupg.
النساء يجتمعن في صالة النساء رفقة أمي، بينما تجتمع المراهقات في غرفة ويغلقن على أنفسهن بالمفتاح، لدرجة تجعل صغيرات السن يستغربن ذلك الفعل، ويحاولن التنصت عليهن، أضحك أنا في داخلي من فضول الفتيات الصغيرات، وأتذكر ذات السلوك فقد كنت وبنات خالي وخالتي نقوم بذات الشيء، ونغلق على أنفسنا أيضا، وأشرح لهن أن جميع البنات سيمرون بذات المرحلة، وأن للمراهقات عالمهن الخاص.
الصبايا يتركن صالة النساء، ويجتمعن معي في المطبخ، وتبدأ هناك مرحلة من الأحاديث الحميمة العذبة، مصحوبة بغسيل الأواني وتحضير الحلويات والقهوة والشاي، وصحون من الكسكسي بالمرق لمن أراد والحليب الرائب أيضا.
الأطفال الأشقياء لا تهدأ لهم حركة، فباب بيتنا لا يعرف الهدوء، ما بين داخل وخارج لابتياع الألعاب ورقائق البطاطس وغيرها، اضافة للجري عبر الرواق، وعبر السلالم إلى الطابق الثاني، وغالبا ما نسمع بكاء وشكاوي ومشاجرات لا تنتهي.
أتنقل بين الغرف لإلقاء السلام، ومعرفة ما يحتاجه الضيوف، وأجلس قليلا في مجلس النساء، ثم ما ألبث أن أصاب بالغثيان من تلك الأحاديث، أحاديث عن المظاهر والفوخ والزوخ، ومن أي محل اشتريت ملابس أبناءك، وهل رأيت المركز التجاري الذي افتتح مؤخرا، وتتخلل تلك الأحاديث صرخات أمهات غاضبات على أطفالهن(غيغي، ارواح نغسلك يديك، دوك يحكمك ميكغوب)، والأخرى التي لا تترك طفلها يخالط الآخرين، وكلما بكى ناولته ضربة بقفا يديها المليئة بالخواتم الثمينة العملاقة، والتي وبلا رحمة تتسبب للطفل بنزيف في الأنف والفم وسط استغراب الأخريات من النساء).
وهنالك تلك التي أحضرت معها علبة من مختلف الحلويات، وقالت أنها من قام بصنعها في حين يتهامس الجميع حولها، ويعرفون أنها تكذب، لأن شكل الحلويات الصارخ يدل على أنها قامت بشرائها😂😂
ثنائيات المتزوجين الجدد الذين تنطق عيونهم بالمرح والبهجة، والذين يصرون على التقاط الصور في كل مكان في البيت، يتبعهم الأطفال ويحشرون أنفسهم ليظهروا في الصور رفقة العروسان.
رائحة المرق باللحم، مع الكزبرة والكرافص، ممزوجة برائحة الكاران، تختلط بروائح العطور لأحدث الماركات العالمية، نسيت أن أقول أن يوم العيد هو يوم الجوع العالمي، فنحن لا نفطر مرة واحدة فقط، بل نكرر الفطور كل مرة لكسر حدة هذا الجوع الغريب.
في الصالة الرئيسية، ترتفع أصوات الرجال بنقاشات محمومة حول مختلف القضايا السياسية الراهنة، وأود في قرارة نفسي لو ألتحق بمجلس الرجال، لولا أنه يضم رجالا آخرين من غير المحارم، أصدقاء والدي واخوتي، الجيران وهلم جرا.
الرجال لديهم شهوة كبيرة للكلام في السياسة، لدرجة تجعل اخوتي الشباب يقومون بأخطاء كارثية، يستدركونها في آخر الليل(آه، يا إلهي فلان لم أصب له القهوة، الآخر لم نحضر له الكسكسي، فلان لم أضع السكر بقهوته، والآخر لم أسقه العصير البارد) اضافة أنهم لا يتفقدون اذا فرغت صحون الحلوى، أو ترمس القهوة، فوالدتي من يقوم بسؤالهم كل مرة.
- أووووه، الذكور لا يمكن الاعتماد عليهم أبدا😌😑
أصبح بيتنا عامرا بفضل الله، ونسيت اخباركم أن السيارات التي تصف بجانب بيتنا تحتل الشارع بأكمله، لدرجة جعلت الجيران يتطفلون بدافع الفضول، ورغبة في تعرف أقاربنا الذين قدموا من مختلف الولايات.
يستمر يومنا حافلا، يذهب الغرباء لأخذ قيلولة، بينما ننفرد نحن أخيرا بالأخوال والأعمام.
لا أحد يأخذ قيلولة ذلك اليوم، إلا اثنين من أخوالي الذين قدموا من ولايات بعيدة، ترافقهم والدتي للطابق الأعلى حيث يرتاحون وينامون لمدة ساعة أو نصف الساعة فقط.
في المساء يتواصل الزوار، ولا يخل بيتنا إلا مع آذان المغرب، حينها يتبقى ببيتنا الأخوال رفقة نسائهم وأطفالهم، نتعشى سوية، ثم يغادرون في الليل كل لمدينته البعيدة.
فاللهم اجعلها دوما عامرة.
#شمس_الهمة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق