أين اختفت الصالحات؟!
"قصة قصيرة"
بقلم: شمس الهمة
جميع الحقوق محفوظة
أين اختفت الصالحات؟!
لبث مدة وهو ملتصق بباب الملتزم، أخذ يبكي وينشج ويلهج بالدعاء(( يا رب، أنا في كرب شديد، وأنت أعلم بحالي، وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ، يا رب ارزقني الزوجة الصالحة،
اللهم إني أسألك بأني أشهد أن لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، اقض حاجتي، وأنس وحدتي، وفرج كربتي، وأجعل لي رفيقة صالحة، كي نسبحك كثيرا، ونذكرك كثيرا، فأنت بي بصير يا مجيب المضطر اذا دعاك، احلل عقدتي وآمن روعتي، وفرج كربتي،
وهب لي من لدنك زوجة صالحة، واجعل بيننا المودة والرحمة والسكن، إنك على كل شيء قدير..))
- ايه يا عم هو انت حتبات هناك ولا ايه؟!
- نام، نام، وأنا كَ غا نجيبلك الغطا!!
استفاق أخيرا من غيبوبته على كلام الحجيج ونداءهم المستمر له، مسح دموعه وانسل عائدا بين جموع المعتمرين..
"نور الدين موسى" شاب جزائري في أواسط الثلاثين، طويل القامة، نحيل الجسم، بعيون سوداء تدوران في محجريهما دورة وحشية، كأنما رعبته الحياة مذ كان جنينا في بطن أمه.
عاد إلى الفندق وقد أظلم وجهه وتلبد، كأنما يجري فيه الدم الأسود لا الأحمر، وهو يكاد ينشق من الغيظ، وبعضه يغلي في بعضه كالماء على النار...
نظر في المرآة، وجه شاحب، رسم عليه الزمن خطوط الهم والأرق، مرر أصابعه فوق شعر رأسه، وأخذ يكلم نفسه أمام المرآة:
- شعيرات بيضاء بدأت في فرض حصارها فوق رأسي، تزداد بمعدل مرعب لا يتناسب وسنوات عمري، وكأنها تعمل في سرية طوال الوقت، على تجنيد ما يجاورها من شعيرات سوداء خائنة لوطنها..
فتح فمه ونزع طقم أسنانه العلوي، تأمله برهة ثم زفر:
- آه...الزمن... أخذ مني كل شيء جميل، صرت وأنا في هذا السن عجوزا في مقتبل العمر
استلقى على سريره وأخذ يتفكر "36 سنة ولا أزال أعزبا، وأنا الذي تمنيت بناء أسرة في ريعان الشباب!!"
ترى هل سيستجيب لي الله هذه المرة؟!
عمرتين وقيام الليل، ولا أزال على هاته الحال!!
رباه، لم أعد أقوى على مزيد من الصبر، فتن كقطع الليل المظلم، ونساء كاسيات عاريات، اللهم يا رب أقر عيني وأرح قلبي"
عادت به الذاكرة إلى الوراء قليلا، ومر من أمامه شريط حياته، وعديد خيباته في البحث عن الزوجة الصالحة:
منذ كان عمري 22 عاما، وأنا أبحث عن الزوجة الصالحة،
أشعر بالملل والعناء، وتعبت من عدم توفيقي في هذا الأمر، أخاف أن أتنازل عن الشروط التي أريدها في من أريد الارتباط بها بسبب ضغوط الأهل, والمجتمع ، وتقدم عمري، وبسبب الشهوة والفتن التي تحيط بنا من كل مكان...
قضية البحث عن زوجة صالحة في هذا الزمان ليست بالشيء السهل إلا على من سهله الله له، فكيف أجد زوجة صالحة ترضيني وكيف الصبر على كل هذه الضغوط حتى أجد الزوجة الصالحة؟.
**************
- أمي، قلت لك مرارا أنني لن أتزوج فتاة شاهدتها ترقص في عرس فلانة أو علانة..
- ولكن، يا ولدي ، من أين سآتيك بالفتاة التي ترغب، وأنا لا أذهب إلى أي مكان سوى بعض الأعراس مرة أو مرتين في السنة؟!
اسأل أصدقائك لربما كانت لهن أخوات متدينات، أو حتى أخوات زوجاتهن!!
- لقد فعلت يا أمي، أصدقاء وأي أصدقاء؟!
أصدقائي لا يفكرون سوى بأنفسهم، لا أحد يهتم لأحد اليوم، ولا أحد يفكر فيك.
- ولكن ما الحل ؟!
أنت لا تبحث أبدا، هل ستسقط عليك العروس من السماء؟!
- وما أدراك أنني لم أبحث يا أمي، لا أثر للمرأة الصالحة في هذا الزمان، كلهن كاسيات عاريات
- بني، لا تقل هذا الكلام، النساء الصالحات موجودات، ولكنهن كالدر المكنون محفوظات...ابحث جيدا وستجد بإذن الله.
- أين سأجدهن يا أمي، وكأن الأرض ابتلعتهن، لا أثر لهن في أي مكان أقصده.
- الزم حوانيت النساء، ستجد حتما فتاة صالحة تود شراء بعض المستلزمات، ربما خياطة ، أو ملابس نسائية، أو غير ذلك.
- وهل سيخفى علي أمر كهذا يا أمه، خمس سنوات من لزوم تلك الدكاكين بلا جدوى، لا أدري أين تختفي الصالحات وأين يمكنني ايجادهن؟!
ولماذا ؟!
- جرب الجامعات، ستجد هنالك فتيات متعلمات وبقمة الأخلاق.
- لا أريدها جامعية يا أماه، أتزوجها اليوم وغدا تشترط علي العمل لأنها كرهت من المنزل، هذا بالنسبة لمن درست بجامعة قريبة منها لا تضطرها للمبيت في السكن الجامعي، السفر بدون محرم حرام، ولو كانت فتاة صالحة للزمت البيت،( لن أتزوج فتاة السكن الجامعي، حتى لو انقرضت كل نساء حواء من على وجه الأرض، وبقيت هي فقط) .
اضافة الى أن الاختلاط حرام، ما أدراني أن من أختارها ليست على علاقة مع أحد زملائها!!
اللهم إني أسألك بأني أشهد أن لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، اقض حاجتي، وأنس وحدتي، وفرج كربتي، وأجعل لي رفيقة صالحة، كي نسبحك كثيرا، ونذكرك كثيرا، فأنت بي بصير يا مجيب المضطر اذا دعاك، احلل عقدتي وآمن روعتي، وفرج كربتي،
وهب لي من لدنك زوجة صالحة، واجعل بيننا المودة والرحمة والسكن، إنك على كل شيء قدير..))
- ايه يا عم هو انت حتبات هناك ولا ايه؟!
- نام، نام، وأنا كَ غا نجيبلك الغطا!!
استفاق أخيرا من غيبوبته على كلام الحجيج ونداءهم المستمر له، مسح دموعه وانسل عائدا بين جموع المعتمرين..
"نور الدين موسى" شاب جزائري في أواسط الثلاثين، طويل القامة، نحيل الجسم، بعيون سوداء تدوران في محجريهما دورة وحشية، كأنما رعبته الحياة مذ كان جنينا في بطن أمه.
عاد إلى الفندق وقد أظلم وجهه وتلبد، كأنما يجري فيه الدم الأسود لا الأحمر، وهو يكاد ينشق من الغيظ، وبعضه يغلي في بعضه كالماء على النار...
نظر في المرآة، وجه شاحب، رسم عليه الزمن خطوط الهم والأرق، مرر أصابعه فوق شعر رأسه، وأخذ يكلم نفسه أمام المرآة:
- شعيرات بيضاء بدأت في فرض حصارها فوق رأسي، تزداد بمعدل مرعب لا يتناسب وسنوات عمري، وكأنها تعمل في سرية طوال الوقت، على تجنيد ما يجاورها من شعيرات سوداء خائنة لوطنها..
فتح فمه ونزع طقم أسنانه العلوي، تأمله برهة ثم زفر:
- آه...الزمن... أخذ مني كل شيء جميل، صرت وأنا في هذا السن عجوزا في مقتبل العمر
استلقى على سريره وأخذ يتفكر "36 سنة ولا أزال أعزبا، وأنا الذي تمنيت بناء أسرة في ريعان الشباب!!"
ترى هل سيستجيب لي الله هذه المرة؟!
عمرتين وقيام الليل، ولا أزال على هاته الحال!!
رباه، لم أعد أقوى على مزيد من الصبر، فتن كقطع الليل المظلم، ونساء كاسيات عاريات، اللهم يا رب أقر عيني وأرح قلبي"
عادت به الذاكرة إلى الوراء قليلا، ومر من أمامه شريط حياته، وعديد خيباته في البحث عن الزوجة الصالحة:
منذ كان عمري 22 عاما، وأنا أبحث عن الزوجة الصالحة،
أشعر بالملل والعناء، وتعبت من عدم توفيقي في هذا الأمر، أخاف أن أتنازل عن الشروط التي أريدها في من أريد الارتباط بها بسبب ضغوط الأهل, والمجتمع ، وتقدم عمري، وبسبب الشهوة والفتن التي تحيط بنا من كل مكان...
قضية البحث عن زوجة صالحة في هذا الزمان ليست بالشيء السهل إلا على من سهله الله له، فكيف أجد زوجة صالحة ترضيني وكيف الصبر على كل هذه الضغوط حتى أجد الزوجة الصالحة؟.
**************
- أمي، قلت لك مرارا أنني لن أتزوج فتاة شاهدتها ترقص في عرس فلانة أو علانة..
- ولكن، يا ولدي ، من أين سآتيك بالفتاة التي ترغب، وأنا لا أذهب إلى أي مكان سوى بعض الأعراس مرة أو مرتين في السنة؟!
اسأل أصدقائك لربما كانت لهن أخوات متدينات، أو حتى أخوات زوجاتهن!!
- لقد فعلت يا أمي، أصدقاء وأي أصدقاء؟!
أصدقائي لا يفكرون سوى بأنفسهم، لا أحد يهتم لأحد اليوم، ولا أحد يفكر فيك.
- ولكن ما الحل ؟!
أنت لا تبحث أبدا، هل ستسقط عليك العروس من السماء؟!
- وما أدراك أنني لم أبحث يا أمي، لا أثر للمرأة الصالحة في هذا الزمان، كلهن كاسيات عاريات
- بني، لا تقل هذا الكلام، النساء الصالحات موجودات، ولكنهن كالدر المكنون محفوظات...ابحث جيدا وستجد بإذن الله.
- أين سأجدهن يا أمي، وكأن الأرض ابتلعتهن، لا أثر لهن في أي مكان أقصده.
- الزم حوانيت النساء، ستجد حتما فتاة صالحة تود شراء بعض المستلزمات، ربما خياطة ، أو ملابس نسائية، أو غير ذلك.
- وهل سيخفى علي أمر كهذا يا أمه، خمس سنوات من لزوم تلك الدكاكين بلا جدوى، لا أدري أين تختفي الصالحات وأين يمكنني ايجادهن؟!
ولماذا ؟!
- جرب الجامعات، ستجد هنالك فتيات متعلمات وبقمة الأخلاق.
- لا أريدها جامعية يا أماه، أتزوجها اليوم وغدا تشترط علي العمل لأنها كرهت من المنزل، هذا بالنسبة لمن درست بجامعة قريبة منها لا تضطرها للمبيت في السكن الجامعي، السفر بدون محرم حرام، ولو كانت فتاة صالحة للزمت البيت،( لن أتزوج فتاة السكن الجامعي، حتى لو انقرضت كل نساء حواء من على وجه الأرض، وبقيت هي فقط) .
اضافة الى أن الاختلاط حرام، ما أدراني أن من أختارها ليست على علاقة مع أحد زملائها!!
************
أفاق من شروده على صوت آذان العشاء، توضأ وصلى في مسجد قريب، تناول عشاءه، ثم عاد إلى الحرم، عازما على إحياء الليل في الابتهال والدعاء.
استمر على ذلك الحال طويلا، يبكي ويشهق، ويتوسل إلى الله.
صلى الفجر هنالك أيضا، ثم جلس يستغفر ويتلو الأذكار، توقف هنيهة يسترجع أنفاسه، وأخذ يكلم نفسه:
ترى هل سيستجيب الله لي هذه المرة، أريد إشارة تطمئن قلبي، إشارة واحدة يا الله.
ثم فتح المصحف، فوجد أمامه الآية الكريمة:
﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾. هود (112).
ارتعد قلبه، وانتفض جسده، ثم ما لبث أن تناسى الأمر، إنه مجرد صدفة.
عاد إلى غرفته بالفندق شغل التلفاز، وأطفأ الأضواء لينام على صوت القرآن الكريم، اختار قناة المجد للقرآن، فكانت الصدمة!!
{فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا، إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }هود(112)
نفس الآية، ونفس السورة، إنها الإشارة التي طلبتها.
لكنها مبهمة يا الله، ماذا أفعل كي ترضى؟!
مسح العرق من جبينه، وازدرد كأسا من الماء بعد أن جف ريقه، ثم استسلم للنوم.
استيقظ على صوت آذان الظهر، وتوجه إلى صنبور المياه، توضأ وضوئه للصلاة، وأسرع مهرولا إلى مسجد قريب.
أنهى الصلاة، ثم توجه إلى مطعم قريب، طلب وجبة افطار، ثم شرد مع نفسه: "حلم غريب، ترى ما معنى تلك الآيات التي تكررت في منامي؟!
وماذا فعلت؟!
ومن ظلمت؟!
أم تراها فقط من حديث النفس، فأنا كما يبدو مرهق جدا.
الآيات بعيدة عن الإشارات التي طلبتها.
الآية الأولى كانت:
﴿ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [الروم: 9].
والآية الثانية:
{ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} (123)سورة النساء.
يا رب فهمني وعلمني، أكاد أجن.
أفاق من شروده على صوت آذان العشاء، توضأ وصلى في مسجد قريب، تناول عشاءه، ثم عاد إلى الحرم، عازما على إحياء الليل في الابتهال والدعاء.
استمر على ذلك الحال طويلا، يبكي ويشهق، ويتوسل إلى الله.
صلى الفجر هنالك أيضا، ثم جلس يستغفر ويتلو الأذكار، توقف هنيهة يسترجع أنفاسه، وأخذ يكلم نفسه:
ترى هل سيستجيب الله لي هذه المرة، أريد إشارة تطمئن قلبي، إشارة واحدة يا الله.
ثم فتح المصحف، فوجد أمامه الآية الكريمة:
﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾. هود (112).
ارتعد قلبه، وانتفض جسده، ثم ما لبث أن تناسى الأمر، إنه مجرد صدفة.
عاد إلى غرفته بالفندق شغل التلفاز، وأطفأ الأضواء لينام على صوت القرآن الكريم، اختار قناة المجد للقرآن، فكانت الصدمة!!
{فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا، إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }هود(112)
نفس الآية، ونفس السورة، إنها الإشارة التي طلبتها.
لكنها مبهمة يا الله، ماذا أفعل كي ترضى؟!
مسح العرق من جبينه، وازدرد كأسا من الماء بعد أن جف ريقه، ثم استسلم للنوم.
استيقظ على صوت آذان الظهر، وتوجه إلى صنبور المياه، توضأ وضوئه للصلاة، وأسرع مهرولا إلى مسجد قريب.
أنهى الصلاة، ثم توجه إلى مطعم قريب، طلب وجبة افطار، ثم شرد مع نفسه: "حلم غريب، ترى ما معنى تلك الآيات التي تكررت في منامي؟!
وماذا فعلت؟!
ومن ظلمت؟!
أم تراها فقط من حديث النفس، فأنا كما يبدو مرهق جدا.
الآيات بعيدة عن الإشارات التي طلبتها.
الآية الأولى كانت:
﴿ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [الروم: 9].
والآية الثانية:
{ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} (123)سورة النساء.
يا رب فهمني وعلمني، أكاد أجن.
************
أتم عمرته، وعاد إلى الوطن، نفس الحيرة، ونفس الضياع.
لا يزال في رحلة بحث مضنية عن الزوجة الصالحة.
مر شهران منذ أدائه للعمرة، لكن يومياته على حالها، بحث هنا وهناك، سؤال هنا وهناك، ونقاشات لا تنتهي مع والدته.
ذات مساء تقدمت أم نور الدين نحو غرفة ابنها، طرقت الباب، فأذن لها بالدخول.
ابتسامة عريضة تعلو محياها، وعيناها تشع ببريق ظاهر
- أرى الفرح في عينيك يا أمة، كيف كان يومك عند الطبيبة، وما سر هذه السعادة؟!
- دعك مني الآن، فأنا بخير، حالك أنت من لا تسر
- هل أفهم من كلامك أن الموضوع يعنيني يا أماه؟!
هل وجدت لي عروسة لدى زيارتك تلك الطبيبة؟!
- تقريبا، ولكن ليس بعد
وأنا في العيادة سألت لك النسوة هناك، فأرشدنني إلى البحث في المدارس القرآنية، أو في المساجد فهذا الصنف لا يظهر إلا هناك يا بني...عقب العيادة مر بي أبوك من جانب مسجد "الفاروق"، كان وقت الظهر فرأيت منظرا جميلا من فتيات في عمر الزهور يرتدن ذلك المسجد، ليس مثل مسجد حينا، العجائز فقط من يسمح لهن بالصلاة ، بينما تحبس البنات مثل أختك " منار" تماما...
- فكرة جيدة جدا يا أمي، كيف غابت عن بالي؟!
ولكن -----
- ولكن ماذا يابني؟!
- من سيتكلف بمهمة البحث والاستقصاء، وأبي يغار عليك، و يتشدد عليك بمنعك من الصلاة في المسجد؟!
- قم أنت بهذه المهمة يا بني، الزم حائط المسجد ، وترصد دخول البنات أو خروجهن، فربما وقعت عينك على من تسر قلبك.
- ماذا تقولين يا أماه؟!
اترك الصلاة، وأطلق بصري هنا وهناك على بنات الناس
هذا سلوك الرعاع؟!
- ولكن قصدك شريف وطيب!! أنت لست مثل هؤلاء.
- لا...لا...يا أماه...لن يحدث هذا الأمر
"منار" هي من ستذهب إلى المسجد كل صلاة، وهنالك تلتقي بالفتيات الصالحات، أبي لن يسمح لك ، لكنه سيسمح لمنار.
- منار؟! ولكنك أنت من كان يمنعها عن المساجد ودروس القرآن!!
- الوضع اختلف الآن يا أمي، وهي فرصة لتراها الأخوات أيضا...فلربما اصطدنا عصفورين بحجر واحد، من يدري ؟!
ربما يتزوج كلينا بعد كل هذه السنين؟!
أتم عمرته، وعاد إلى الوطن، نفس الحيرة، ونفس الضياع.
لا يزال في رحلة بحث مضنية عن الزوجة الصالحة.
مر شهران منذ أدائه للعمرة، لكن يومياته على حالها، بحث هنا وهناك، سؤال هنا وهناك، ونقاشات لا تنتهي مع والدته.
ذات مساء تقدمت أم نور الدين نحو غرفة ابنها، طرقت الباب، فأذن لها بالدخول.
ابتسامة عريضة تعلو محياها، وعيناها تشع ببريق ظاهر
- أرى الفرح في عينيك يا أمة، كيف كان يومك عند الطبيبة، وما سر هذه السعادة؟!
- دعك مني الآن، فأنا بخير، حالك أنت من لا تسر
- هل أفهم من كلامك أن الموضوع يعنيني يا أماه؟!
هل وجدت لي عروسة لدى زيارتك تلك الطبيبة؟!
- تقريبا، ولكن ليس بعد
وأنا في العيادة سألت لك النسوة هناك، فأرشدنني إلى البحث في المدارس القرآنية، أو في المساجد فهذا الصنف لا يظهر إلا هناك يا بني...عقب العيادة مر بي أبوك من جانب مسجد "الفاروق"، كان وقت الظهر فرأيت منظرا جميلا من فتيات في عمر الزهور يرتدن ذلك المسجد، ليس مثل مسجد حينا، العجائز فقط من يسمح لهن بالصلاة ، بينما تحبس البنات مثل أختك " منار" تماما...
- فكرة جيدة جدا يا أمي، كيف غابت عن بالي؟!
ولكن -----
- ولكن ماذا يابني؟!
- من سيتكلف بمهمة البحث والاستقصاء، وأبي يغار عليك، و يتشدد عليك بمنعك من الصلاة في المسجد؟!
- قم أنت بهذه المهمة يا بني، الزم حائط المسجد ، وترصد دخول البنات أو خروجهن، فربما وقعت عينك على من تسر قلبك.
- ماذا تقولين يا أماه؟!
اترك الصلاة، وأطلق بصري هنا وهناك على بنات الناس
هذا سلوك الرعاع؟!
- ولكن قصدك شريف وطيب!! أنت لست مثل هؤلاء.
- لا...لا...يا أماه...لن يحدث هذا الأمر
"منار" هي من ستذهب إلى المسجد كل صلاة، وهنالك تلتقي بالفتيات الصالحات، أبي لن يسمح لك ، لكنه سيسمح لمنار.
- منار؟! ولكنك أنت من كان يمنعها عن المساجد ودروس القرآن!!
- الوضع اختلف الآن يا أمي، وهي فرصة لتراها الأخوات أيضا...فلربما اصطدنا عصفورين بحجر واحد، من يدري ؟!
ربما يتزوج كلينا بعد كل هذه السنين؟!
************
خطى نور الدين من فوره، بخطوات مسرعة نحو المطبخ أين تقبع "منار"، ومن وراءه أم مخدوعة كأنها في يد ابنها كرة الخيط، كلما جذب منها مدت له مدا...
ولجا إلى المطبخ، فوجدا "منار" هناك.
شابة في أواخر الثلاثينات، لها وجه رغم جماله إلا أن عليه ذبول الدنيا كلها ، وتدور في هذا الوجه عينان غائرتان، تائهتان، تنبئ أن دمها قد وضع من جسمها في ثلاجة.
"منار" ذات مستوى تعليمي متواضع، فأخوها نور الدين لم يسمح لها بارتياد الثانوية، ولا حتى جامع أو مدرسة قرآنية...
تركت للحزن والفراغ يلتهم شبابها التهاما...
كانت فارغة من الداخل، واهتماماتها لا تتعد حائط المطبخ، صار قلبها كتفاحة متعفنة لا تغري أحدا...
امرأة بلا هدف، أو رسالة، خاوية من كل شيء، عدا السعرات الحرارية التي تحشو بها معدتها بحجة الملل...
كانت تمارس حرفة الانتظار، كي تبدأ حياتها فعليا ، وتتحقق كل أحلامها المؤجلة لما بعد الزواج..
فصارت تنتظر الزواج بلهفة السجين لخبر الافراج عنه...
وبينما هي عاطلة عن الحياة، وتمارس هذ الغباء، كان نور الدين يعيش حياته ويستمتع بشبابه.
"منار" زورق انساني صغير، ترك يتكفأ على صدمات الأيدي والصدف والأقدار...
كانت تكابد لتظل على قيد الانسانية، كانت محبوسة في زاوية مظلمة، تتلمس نقاط النور، وتبحث عن الدفء والضياء، كانت تناضل حتى لا تتعفن روحها هناك.
خطى نور الدين من فوره، بخطوات مسرعة نحو المطبخ أين تقبع "منار"، ومن وراءه أم مخدوعة كأنها في يد ابنها كرة الخيط، كلما جذب منها مدت له مدا...
ولجا إلى المطبخ، فوجدا "منار" هناك.
شابة في أواخر الثلاثينات، لها وجه رغم جماله إلا أن عليه ذبول الدنيا كلها ، وتدور في هذا الوجه عينان غائرتان، تائهتان، تنبئ أن دمها قد وضع من جسمها في ثلاجة.
"منار" ذات مستوى تعليمي متواضع، فأخوها نور الدين لم يسمح لها بارتياد الثانوية، ولا حتى جامع أو مدرسة قرآنية...
تركت للحزن والفراغ يلتهم شبابها التهاما...
كانت فارغة من الداخل، واهتماماتها لا تتعد حائط المطبخ، صار قلبها كتفاحة متعفنة لا تغري أحدا...
امرأة بلا هدف، أو رسالة، خاوية من كل شيء، عدا السعرات الحرارية التي تحشو بها معدتها بحجة الملل...
كانت تمارس حرفة الانتظار، كي تبدأ حياتها فعليا ، وتتحقق كل أحلامها المؤجلة لما بعد الزواج..
فصارت تنتظر الزواج بلهفة السجين لخبر الافراج عنه...
وبينما هي عاطلة عن الحياة، وتمارس هذ الغباء، كان نور الدين يعيش حياته ويستمتع بشبابه.
"منار" زورق انساني صغير، ترك يتكفأ على صدمات الأيدي والصدف والأقدار...
كانت تكابد لتظل على قيد الانسانية، كانت محبوسة في زاوية مظلمة، تتلمس نقاط النور، وتبحث عن الدفء والضياء، كانت تناضل حتى لا تتعفن روحها هناك.
**************
تنحنح نور الدين، وابتسم ابتسامة تنم عن الحماس، ثم عرض الفكرة على منار...
كانت منار تستمع وتشرد مع كل كلمة منه تقال، فقد اعتادت على عدم مقاطعته ، ولم تكن لتنخرط في نقاش مع أسماء لا تشبه الأسماء التي علمها الله لآدم.
استمرت بتحريك الحساء وأحست بمرارة الحياة بأسرها تختلط مع ذلك الطعام، ومع بخار الحساء كانت تتصاعد من روحها نفثات من الإعياء والضيق..
عاد بها الزمن إلى الوراء، واستولت على تفكيرها تلك الذكريات...
****************
1 سأذهب لزيارة بنات عمي، فقد اشتقت لهن يا أماه.
2 أخوك نور الدين لن يسمح بذلك، بيوت أعمامك وأخوالك كلها صبيان، وأخوك شديد الغيرة
3 ولكن، يا أمي أنا لا ألتقي أبنائهم مذ تحجبت، وهم يعرفون ذلك جيدا...
4 تعرفين أخاك، سيقول بأنك صغيرة، وربما التقيتهم ونحن لا نعلم، والواجب درء المفاسد
5 ولكنني لا أزورهم إلا معك يا أمي، هذا معناه أنه لا يثق بك أيضا...لقد مللت وضاقت علي نفسي، كل شيء عنده معلل بسد الذرائع، واغلاق باب الفتن...حتى الجيران لا نزورهم، لأن لهم أبناء من الذكور... ومهنة الخياطة توقفت عن ممارستها بسبب احتياجي المُلِحّ لمستلزمات الخياطة ، وهو لا يجيد ابتياع مواصفات ما أريد، ولا يسمح لي بمرافقته لشرائها بنفسي ، بحجة أن أصحاب الدكاكين رجال شهوانيون...
أتساءل هل نحن اجتماعيون؟! ولماذا لا نسكن أحد الكهوف أو احدى الجزر المعزولة سدا للذرائع!!
دخلت منار غرفتها تجر أذيال الخيبة، وقد استبد بها الحزن، واستولى عليها القنوط واليأس... ثم ما لبثت أن اهتدت لفكرة ضمنت معها أن أخاها نور الدين لن يعارضها هذه المرة...وذهبت إليه تحلق مثل فراشة في حقل جميل...
6 نور الدين ، أحس بالوحدة والاختناق، واللاجدوى، أريد
ارتياد مدرسة قرآنية.....ما رأيك؟!
7 لن أسمح لك طبعا، فالمدارس القرآنية أصبحت مركزا للمخططات السياسية ، وأخشى عليك مغبة ذلك.
8 طيب، ربما معك حق في هذا، ما رأيك لو أخذتني مرة على مرة لدروس العلم معك ؟!
9 العلم متوفر بالمنازل، كبسة زر وأنت حصلت عليه، اطلبي ما تشائين وسوف أحضر لك مختلف الأشرطة والسيديهات….لا داعي لخروجك من البيت...
10 لا تسمح لي بالذهاب عند الأخوات، ولا صلة الأرحام، طيب ، هل تسمح لي بالصلاة في المسجد؟!
11 صلاة المرأة في بيتها خير
12 ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام قال :" لا تمنعوا إماء الله مساجد الله"
13 أنت لا تعرفين شيئا، قال أيضا:( وبيوتهن خير لهن)
14 ولكن عن بلال بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تمنعوا النساء حظوظهن من المساجد إذا استأذنوكم.فقال بلال والله لنمنعهن. فقال له عبد الله أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول أنت لنمنعهن؟!.
استشاط نور الدين غضبا ، وصب على أخته "منار" وابلا من الشتائم لم يتلقه "دونالد ترامب" من المسلمين ثم قال:
15 تتفيقهين، وتهرفين بما لا تعرفين، أكرمك الله ببيت يأويك ويسترك ، وتريدين التفلت والانسلاخ؟!
هل تنكرين أن بيتك هو جنتك؟!
الضوابط التي جعلها الرسول صلى الله عليه وسلم لذهاب المرأة للمسجد غائبة في زمننا هذا ، من أمن الفتنة ووجوب بعد مكان الرجال عن النساء ، وتريث الرجال في الخروج حتى يخرج النساء ، معظم المساجد مدخل الرجال بمحاذاة مدخل النساء ، ويمكن أن تري جموع المصلين من الرجال يوم العيد حين يخرجون سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون ، لتعرفي أن السم مدسوس في العسل في هذا الزمان .
تنحنح نور الدين، وابتسم ابتسامة تنم عن الحماس، ثم عرض الفكرة على منار...
كانت منار تستمع وتشرد مع كل كلمة منه تقال، فقد اعتادت على عدم مقاطعته ، ولم تكن لتنخرط في نقاش مع أسماء لا تشبه الأسماء التي علمها الله لآدم.
استمرت بتحريك الحساء وأحست بمرارة الحياة بأسرها تختلط مع ذلك الطعام، ومع بخار الحساء كانت تتصاعد من روحها نفثات من الإعياء والضيق..
عاد بها الزمن إلى الوراء، واستولت على تفكيرها تلك الذكريات...
****************
1 سأذهب لزيارة بنات عمي، فقد اشتقت لهن يا أماه.
2 أخوك نور الدين لن يسمح بذلك، بيوت أعمامك وأخوالك كلها صبيان، وأخوك شديد الغيرة
3 ولكن، يا أمي أنا لا ألتقي أبنائهم مذ تحجبت، وهم يعرفون ذلك جيدا...
4 تعرفين أخاك، سيقول بأنك صغيرة، وربما التقيتهم ونحن لا نعلم، والواجب درء المفاسد
5 ولكنني لا أزورهم إلا معك يا أمي، هذا معناه أنه لا يثق بك أيضا...لقد مللت وضاقت علي نفسي، كل شيء عنده معلل بسد الذرائع، واغلاق باب الفتن...حتى الجيران لا نزورهم، لأن لهم أبناء من الذكور... ومهنة الخياطة توقفت عن ممارستها بسبب احتياجي المُلِحّ لمستلزمات الخياطة ، وهو لا يجيد ابتياع مواصفات ما أريد، ولا يسمح لي بمرافقته لشرائها بنفسي ، بحجة أن أصحاب الدكاكين رجال شهوانيون...
أتساءل هل نحن اجتماعيون؟! ولماذا لا نسكن أحد الكهوف أو احدى الجزر المعزولة سدا للذرائع!!
دخلت منار غرفتها تجر أذيال الخيبة، وقد استبد بها الحزن، واستولى عليها القنوط واليأس... ثم ما لبثت أن اهتدت لفكرة ضمنت معها أن أخاها نور الدين لن يعارضها هذه المرة...وذهبت إليه تحلق مثل فراشة في حقل جميل...
6 نور الدين ، أحس بالوحدة والاختناق، واللاجدوى، أريد
ارتياد مدرسة قرآنية.....ما رأيك؟!
7 لن أسمح لك طبعا، فالمدارس القرآنية أصبحت مركزا للمخططات السياسية ، وأخشى عليك مغبة ذلك.
8 طيب، ربما معك حق في هذا، ما رأيك لو أخذتني مرة على مرة لدروس العلم معك ؟!
9 العلم متوفر بالمنازل، كبسة زر وأنت حصلت عليه، اطلبي ما تشائين وسوف أحضر لك مختلف الأشرطة والسيديهات….لا داعي لخروجك من البيت...
10 لا تسمح لي بالذهاب عند الأخوات، ولا صلة الأرحام، طيب ، هل تسمح لي بالصلاة في المسجد؟!
11 صلاة المرأة في بيتها خير
12 ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام قال :" لا تمنعوا إماء الله مساجد الله"
13 أنت لا تعرفين شيئا، قال أيضا:( وبيوتهن خير لهن)
14 ولكن عن بلال بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تمنعوا النساء حظوظهن من المساجد إذا استأذنوكم.فقال بلال والله لنمنعهن. فقال له عبد الله أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول أنت لنمنعهن؟!.
استشاط نور الدين غضبا ، وصب على أخته "منار" وابلا من الشتائم لم يتلقه "دونالد ترامب" من المسلمين ثم قال:
15 تتفيقهين، وتهرفين بما لا تعرفين، أكرمك الله ببيت يأويك ويسترك ، وتريدين التفلت والانسلاخ؟!
هل تنكرين أن بيتك هو جنتك؟!
الضوابط التي جعلها الرسول صلى الله عليه وسلم لذهاب المرأة للمسجد غائبة في زمننا هذا ، من أمن الفتنة ووجوب بعد مكان الرجال عن النساء ، وتريث الرجال في الخروج حتى يخرج النساء ، معظم المساجد مدخل الرجال بمحاذاة مدخل النساء ، ويمكن أن تري جموع المصلين من الرجال يوم العيد حين يخرجون سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون ، لتعرفي أن السم مدسوس في العسل في هذا الزمان .
*********
خرجت منار عن صمتها وشرودها، مسحت بظاهر كفها حبات العرق من على جبهتها، ثم توجهت بكلامها نحو نور الدين:
16 ألم تجد الزوجة الصالحة، لحد الساعة يا نور الدين؟!
17 للأسف، لم أوفق في العثور على فتاة صالحة كما تعلمين.
18 أين بحثت يا نور الدين؟!
19 بحثت في دكاكين الخياطة، وبين الجيران، وبين الأقارب ، والأصدقاء و..و...باختصار كل الأماكن التي من المفروض أن تتواجد فيها الفتيات الصالحات.
لكنني لم أوفق، وكأن الأرض ابتلعتهن، فعملية البحث عن فتاة صالحة هذه الأيام، أشبه بالبحث عن ابرة في كومة قش.
ولكن لماذا تسألين، وأنت تعلمين عني كل ذلك؟!
أريد تغيير الوجهة الآن، يجب أن ترتادي المسجد بصفة يومية، فذلك سيفيدني ويفيدك حتما...ماذا قلت؟!
نظرت إليه شزرا، وأنفاسها تغلي وتضطرم مثل بركان يوشك على الانفجار، ثم قالت:
20 آلآن ، وقد تشددت بالأمس.
آلآن، وقد بلغت من الكبر عتيا؟!
آلآن، وقد حرمت كل ما أحل الله، بحجة الفتن؟!
آلآن، وقد حطمت زهرة شبابي بتنطعك؟!
صدم نور الدين، وعلا وجهه الذهول، ولأول مرة شعر بالخجل من نفسه فاستطرد يقول بتلعثم:
21 فعلت هذا حبا بك، وخوفا عليك يا منار.
22 الحب لا يبرر ظلمك لي يا نور الدين
ألا تعرف حقا لماذا لم توفق في العثور على الزوجة الصالحة يا نور الدين؟!
23 ما السبب في رأيك؟!
توجهت نحو غرفتها، وأحضرت له كتابا فقال:
24 ما هذا الكتاب يا منار؟!
أصيب نور الدين بصدمة أخرى، يبدو أنه مساء الصدمات اليوم، ثم توجه لها بنظرات مستفهمة وقال:
25 متى كتبت الكتاب؟! ومن سعى لك بطباعته؟!
وما عنوانه؟!
26 دعاء ابنة خالي شجعتني على الكتابة، وقامت بطباعته على نفقاتها الخاصة، لكن ذلك لا يهم الآن، خذه واقرأه، فقد أعددته لمثل هذا اليوم…أما العنوان فقد حجبته، ستعرفه حين تتم القراءة.
بيدين مرتجفتين تصفح نور الدين الكتاب، فقابل ناظريه الإهداء الغريب:
(( حاولتم دفننا، لم تعرفوا أننا بذور))
فتح الصفحة الأخرى على الإهداء الثاني فاذا مكتوب فيه:
“وضعوني في إناء ثم قالوا لي تأقلم
و أنا لست بماءٍ
أنا من طين السماء
وإذا ضاق إنائي
بنموي يتحطم !”
"أحمد مطر"
توالت الصدمات عليه، وأخذ كل مرة يتصفح ويقرأ فإذ به يجد ما يلي:
مقدمة:
كل فعل عنيف تقابله بالضرورة ردة فعل أعنف...
تزمت الرجل وظلمه للمرأة في الفترات السابقة،
أدى إلى خروجها غير المبرر وتفلتها...
يلزمنا وقت وجهد لإقناع النساء بعدم جدوى ما يفعلن ، وإعادة الميزان الرباني...
أما دعاة الانغلاق فأقول لهم:
يا اخوان لأننا منعنا النساء بيوت الله، لجأن للأضرحة.
ولأننا منعناهم من دروس العلم لدى المشايخ، لجأن لدروس الفنانات والمسلسلات.
ولأننا منعناهم من الفسحة المشروعة، لجأن للأسواق والتسكع في الطرقات..
ولأننا منعناهم التلاقي، غاب التناصح ، وكثر الفساد.
أمتنا ضاعت بين افراط وتفريط
وكردة فعل على تفلت النساء، جنح الشباب المتدين مرة أخرى إلى أسلوب التشدد والتزمت الذي مارسه الأجداد عن جهل من قبل، فهل سنبقى ندور في رحى هذه الدائرة زمنا طويلا؟!
دائرة الفعل العنيف، ورد الفعل له؟!
(( المرأة شريك الرجل في بناء المجتمع، وعندما أمرها الإسلام بالستر وعدم الخضوع بالقول لم يكن يريد حذفها هي، بل أراد حذف النظرة المادية الشهوانية اتجاهها ...
وفي مجتمعنا العربي تمارس علينا دعاية غوبلز ..بحيث يعطونك اختياران أحلاهما مر .. اختر بين المرأة السافرة العارية أو اختر بين المرأة الفتنة التي يجب حذفها (1)....
المرأة أعدت لأدوار عظيمة إن أحسنا تهيئتها لذلك، و إن كانت التربية المستقيمة لها أهم سبل التهيئة فإنها وحدها غير كافية... العلم الصالح من مصادره الطيبة و المعرفة الاجتماعية التي لا تتسنى إلا بالانتماء للمجتمع، يشكلان عاملان هامان الى جانب التربية للتهيئة السليمة للمرأة بعيدا عن كل العقد النفسية ....
المرأة دون الرجل كائن رسالي، لا يعني أن لا رسالة للرجل إنما الدور الرسالي للمرأة أعمق و أهم " المرأة مدرسة إن أعددتها أعددت شعبا طيب الاعراق"... دورها أساس في تنشئة مجتمع سليم من خلال تنشئتها للمصلحين المنشودين لذلك...
هكذا دور ألا يحتاج الى تنشئة نساء أهل لذلك : تنشئة تربوية , علمية ، معرفية ، واجتماعية؟!
للأسف لا يتأتى كل ذلك بحبسها بالبيت، لأنه أصبح من الصعب التفلت من الملهيات فيه، من أشغال يومية، و برامج تلفزيونية تبعدها عن النشأة السليمة ، أضف إلى ذلك صعوبة التعلم بدون معلم معين يساعد بشكل خاص على الانضباط، و تحديد المصادر الأهم لطلب العلم....
صار لزاما علينا الالتفات إلى ذلك، فنحن ننادي بالإصلاح و نفسد أهم حلقة فيه " المرأة".(1)
الماء الراكد فاسد، عكس الماء الجاري..
والمسلم رجلا كان أو امرأة ، لا يعيش على الهامش بمعزل عن العالم...إنما يؤثر ويتأثر ويتفاعل)).
وبالتلاقي يتجدد الايمان، وتتبادل المنافع، وينتشر التنافس على الخيرات، ويعم الصلاح بدل الفساد.
وقد سئل ابن باز عن صلاة المرأة في المسجد فقال:
صلاة المرأة في المسجد
تسأل سائلة وتقول: هل تجوز صلاة المرأة في المسجد وهي مستترة ومحتشمة ولم تمس طيباً ولم تتبرج وهي تريد بذلك وجه الله عز وجل إلا أن زوجها غير راض عنها، أفيدونا أفادكم الله؟
للمرأة أن تصلي في المسجد مع التستر وعدم الطيب، وليس لزوجها منعها من ذلك إذا التزمت بالآداب الشرعية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تمنعوا إماء الله مساجد الله))[1]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها))[2] متفق على صحته. فإذا خرجت محتشمة وبدون طيب فلا بأس ولو أن زوجها غير راض للحديثين المذكورين، وإن صلت في بيتها ولم تخرج تطييبا لنفسه وابتعاداً عن أسباب الفتنة فهو أفضل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وبيوتهن خير لهن))[3].
أما دور المرأة الحقيقي فلا يعلمه من لا يجاوز نظره أرنبة أنفه، إنما يعلمه العلماء الربانيون الأخيار فقد ذكر الإمام الألباني في كتابه ((الرد المفحم فيمن تشدد وألزم)) دور المرأة الحقيقي فقال:[وإني لأعتقد أن مثل هذا التشديد على المرأة، لا يمكن أن يخرج لنا جيلاً من النساء، يستطعن أن يقمن بالواجبات الملقاة على عاتقهن ، في كل البلاد والأحوال، مع أزواجهن وغيرهم، ممن تحوجهم الظروف أن يتعاملن معهم، كما كن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، كالقيام على خدمة الضيوف، وإطعامهم، والخروج في الغزو، يسقين العطشى، ويداوين الجرحى، وينقلن القتلى، وربما باشرن القتال بأنفسهن عند الضرورة، فهل يمكن للنسوة اللاتي ربين على الخوف من الوقوع في المعصية -إذا صلت أو حجت مكشوفة الوجه والكفين- أن يباشرن مثل هذه الأعمال وهن منقبات و متقفزات؟ لا وربي، فإن ذلك مما لا يمكن إلا بالكشف عن وجوههن وأكفهن، وقد ينكشف منهن ما لا يجوز عادة، كما قال تعالى:{إلا ما ظهر منها}، كما سنرى في بعض الأمثلة الشاهدة لما كان عليه النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم].المرجع/ الرد المفحم على من خالف العلماء وتشدد وتعصب وألزم المرأة أن تستر وجهها وكفيها وأوجب ولم يقنع بقولهم: أنه سنة ومستحب/ ص149
خاتمة:
((هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون))
مثلما فسدت الأمة الاسلامية بسبب دعاة الانسلاخ والتحرر، وحقوق المرأة، التي اختزلوها في حرية الخلاعة والمجون والتمرد على الأعراف والقيم، فأصبحت بذلك سلعة.
عمد آخرون إلى حبس المرأة، بفكر وجاهلية حديثة، ووأد معاصر للبنات، ففي الجاهلية كانت الموؤدة سرعان ما تموت تحت التراب، أما الآن فتظل الموؤدة حية تعاني ظلم الأهل!!
فأصبح الوأد الجديد، أشد قسوة من الوأد القديم!!
ففضلا عن الأمراض النفسية، والانحرافات السلوكية التي ستصيب الفتاة نتيجة عطلها، سوف تذبل زهرة حياتها ويتلاشى عمرها هباء منثورا..
عزلوها في منطقة محصورة و أفق ضيق من الناحية الفكرية والحياتية، وجعلوا مجموعة من الأوصياء يقومون عليها، ويقررون عنها ، وحصروا حريتها وقراراتها فقط في النوم و الأكل والشرب؟!
تلك هي أبشع طرق الوأد!!
الشباب المسلم واقع بين تيارين، تيار العادات والتقليد والتزمت المصاحب لها، وتيار اليقظة والتصحيح والتطور والمرونة التي يتطلبها.
(( ولا حل إلا بالفهم الصحيح للإسلام، فلا افراط ولا تفريط))
أما واقع المجتمع الجزائري، فمنقسم إلى قسمين لا وسط بينهما، دياثة حد الخنا، وتشدد وغيرة حد الاختناق.
وقد قال بهذا الواقع، وقرره الكثير من العلماء والمفكرين.
موقف مالك بن نبي من قضايا المرأة:
وقف مالك من قضية المرأة موقفه من القضايا الأخرى، وقد أطلق تسمية "مشكلة المرأة" في كتابه "شروط النهضة"، وذلك انسجامًا مع منظومته الفكرية التي تدور حول مشكلة الحضارة عموما من ناحية، وللتدليل على مقدار التضخيم الذي كان من نصيب موضوع المرأة في العالم الإسلامي، سواء من أنصار التحرر الذي يصل بالمرأة إلى درجة التحلل، أم من أنصار التزمت الذي يغلق بصره أمام حقائق الإسلام .
ميز مالك بن نبي بين موقفين متقابلين من قضية المرأة: موقف المتمسكين بإبعاد المرأة عن المجتمع وإبقائها في وضعها التقليدي الذي كرسته التقاليد، وموقف الداعين إلى أن تخرج المرأة في صورة تلفت إليها الغرائز. ورأى أن موقفي هذين الفريقين يصدران عن دافع واحد هو الغريزة. وهذان الموقفان لا يساهمان في حل المشكلة، بل ربما زادا الطين بلة. وإذا كان موقف الداعين إلى التحرر على النمط الغربي واضح الأخطار على المجتمع الإسلامي بسبب ما يؤدي إليه من ترسيخ للتبعية وتبليد للحس الإسلامي وضرب الهوية الخاصة للأمة، فإن الموقف الثاني قد يكون أشد خطرا لأنه يعطي لأعداء الأمة المبررات للخوض في سمعة الإسلام والتشكيك فيه، ويجعل المرأة حين تفكر في الحرية لا تجد أمامها إلا النموذج الغربي الحاضر أمامها.
من أجل ذلك يستبعد مالك هذين الموقفين لأنه "لا أمل لنا أن نجد في آرائهما حلا لمشكلة المرأة"
ملاحظة:
هذا الكلام لا يعني الدعوة إلى التمرد والتحرر والانفلات على الطريقة الغربية, هو دعوة إلى التوسط والاعتدال, وفق الميزان الرباني الصحيح.
*************
كان نور الدين واقفا فجلس، كان فاغرا فاه ويتنفس بصعوبة، أغلق الكتاب ونزع عنه الغلاف الخارجي، فإذا به يصعق عند رؤيته للعنوان، لقد كان عنوان الكتاب(الجزاء من جنس العمل)!!
خرجت منار عن صمتها وشرودها، مسحت بظاهر كفها حبات العرق من على جبهتها، ثم توجهت بكلامها نحو نور الدين:
16 ألم تجد الزوجة الصالحة، لحد الساعة يا نور الدين؟!
17 للأسف، لم أوفق في العثور على فتاة صالحة كما تعلمين.
18 أين بحثت يا نور الدين؟!
19 بحثت في دكاكين الخياطة، وبين الجيران، وبين الأقارب ، والأصدقاء و..و...باختصار كل الأماكن التي من المفروض أن تتواجد فيها الفتيات الصالحات.
لكنني لم أوفق، وكأن الأرض ابتلعتهن، فعملية البحث عن فتاة صالحة هذه الأيام، أشبه بالبحث عن ابرة في كومة قش.
ولكن لماذا تسألين، وأنت تعلمين عني كل ذلك؟!
أريد تغيير الوجهة الآن، يجب أن ترتادي المسجد بصفة يومية، فذلك سيفيدني ويفيدك حتما...ماذا قلت؟!
نظرت إليه شزرا، وأنفاسها تغلي وتضطرم مثل بركان يوشك على الانفجار، ثم قالت:
20 آلآن ، وقد تشددت بالأمس.
آلآن، وقد بلغت من الكبر عتيا؟!
آلآن، وقد حرمت كل ما أحل الله، بحجة الفتن؟!
آلآن، وقد حطمت زهرة شبابي بتنطعك؟!
صدم نور الدين، وعلا وجهه الذهول، ولأول مرة شعر بالخجل من نفسه فاستطرد يقول بتلعثم:
21 فعلت هذا حبا بك، وخوفا عليك يا منار.
22 الحب لا يبرر ظلمك لي يا نور الدين
ألا تعرف حقا لماذا لم توفق في العثور على الزوجة الصالحة يا نور الدين؟!
23 ما السبب في رأيك؟!
توجهت نحو غرفتها، وأحضرت له كتابا فقال:
24 ما هذا الكتاب يا منار؟!
أصيب نور الدين بصدمة أخرى، يبدو أنه مساء الصدمات اليوم، ثم توجه لها بنظرات مستفهمة وقال:
25 متى كتبت الكتاب؟! ومن سعى لك بطباعته؟!
وما عنوانه؟!
26 دعاء ابنة خالي شجعتني على الكتابة، وقامت بطباعته على نفقاتها الخاصة، لكن ذلك لا يهم الآن، خذه واقرأه، فقد أعددته لمثل هذا اليوم…أما العنوان فقد حجبته، ستعرفه حين تتم القراءة.
بيدين مرتجفتين تصفح نور الدين الكتاب، فقابل ناظريه الإهداء الغريب:
(( حاولتم دفننا، لم تعرفوا أننا بذور))
فتح الصفحة الأخرى على الإهداء الثاني فاذا مكتوب فيه:
“وضعوني في إناء ثم قالوا لي تأقلم
و أنا لست بماءٍ
أنا من طين السماء
وإذا ضاق إنائي
بنموي يتحطم !”
"أحمد مطر"
توالت الصدمات عليه، وأخذ كل مرة يتصفح ويقرأ فإذ به يجد ما يلي:
مقدمة:
كل فعل عنيف تقابله بالضرورة ردة فعل أعنف...
تزمت الرجل وظلمه للمرأة في الفترات السابقة،
أدى إلى خروجها غير المبرر وتفلتها...
يلزمنا وقت وجهد لإقناع النساء بعدم جدوى ما يفعلن ، وإعادة الميزان الرباني...
أما دعاة الانغلاق فأقول لهم:
يا اخوان لأننا منعنا النساء بيوت الله، لجأن للأضرحة.
ولأننا منعناهم من دروس العلم لدى المشايخ، لجأن لدروس الفنانات والمسلسلات.
ولأننا منعناهم من الفسحة المشروعة، لجأن للأسواق والتسكع في الطرقات..
ولأننا منعناهم التلاقي، غاب التناصح ، وكثر الفساد.
أمتنا ضاعت بين افراط وتفريط
وكردة فعل على تفلت النساء، جنح الشباب المتدين مرة أخرى إلى أسلوب التشدد والتزمت الذي مارسه الأجداد عن جهل من قبل، فهل سنبقى ندور في رحى هذه الدائرة زمنا طويلا؟!
دائرة الفعل العنيف، ورد الفعل له؟!
(( المرأة شريك الرجل في بناء المجتمع، وعندما أمرها الإسلام بالستر وعدم الخضوع بالقول لم يكن يريد حذفها هي، بل أراد حذف النظرة المادية الشهوانية اتجاهها ...
وفي مجتمعنا العربي تمارس علينا دعاية غوبلز ..بحيث يعطونك اختياران أحلاهما مر .. اختر بين المرأة السافرة العارية أو اختر بين المرأة الفتنة التي يجب حذفها (1)....
المرأة أعدت لأدوار عظيمة إن أحسنا تهيئتها لذلك، و إن كانت التربية المستقيمة لها أهم سبل التهيئة فإنها وحدها غير كافية... العلم الصالح من مصادره الطيبة و المعرفة الاجتماعية التي لا تتسنى إلا بالانتماء للمجتمع، يشكلان عاملان هامان الى جانب التربية للتهيئة السليمة للمرأة بعيدا عن كل العقد النفسية ....
المرأة دون الرجل كائن رسالي، لا يعني أن لا رسالة للرجل إنما الدور الرسالي للمرأة أعمق و أهم " المرأة مدرسة إن أعددتها أعددت شعبا طيب الاعراق"... دورها أساس في تنشئة مجتمع سليم من خلال تنشئتها للمصلحين المنشودين لذلك...
هكذا دور ألا يحتاج الى تنشئة نساء أهل لذلك : تنشئة تربوية , علمية ، معرفية ، واجتماعية؟!
للأسف لا يتأتى كل ذلك بحبسها بالبيت، لأنه أصبح من الصعب التفلت من الملهيات فيه، من أشغال يومية، و برامج تلفزيونية تبعدها عن النشأة السليمة ، أضف إلى ذلك صعوبة التعلم بدون معلم معين يساعد بشكل خاص على الانضباط، و تحديد المصادر الأهم لطلب العلم....
صار لزاما علينا الالتفات إلى ذلك، فنحن ننادي بالإصلاح و نفسد أهم حلقة فيه " المرأة".(1)
الماء الراكد فاسد، عكس الماء الجاري..
والمسلم رجلا كان أو امرأة ، لا يعيش على الهامش بمعزل عن العالم...إنما يؤثر ويتأثر ويتفاعل)).
وبالتلاقي يتجدد الايمان، وتتبادل المنافع، وينتشر التنافس على الخيرات، ويعم الصلاح بدل الفساد.
وقد سئل ابن باز عن صلاة المرأة في المسجد فقال:
صلاة المرأة في المسجد
تسأل سائلة وتقول: هل تجوز صلاة المرأة في المسجد وهي مستترة ومحتشمة ولم تمس طيباً ولم تتبرج وهي تريد بذلك وجه الله عز وجل إلا أن زوجها غير راض عنها، أفيدونا أفادكم الله؟
للمرأة أن تصلي في المسجد مع التستر وعدم الطيب، وليس لزوجها منعها من ذلك إذا التزمت بالآداب الشرعية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تمنعوا إماء الله مساجد الله))[1]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها))[2] متفق على صحته. فإذا خرجت محتشمة وبدون طيب فلا بأس ولو أن زوجها غير راض للحديثين المذكورين، وإن صلت في بيتها ولم تخرج تطييبا لنفسه وابتعاداً عن أسباب الفتنة فهو أفضل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وبيوتهن خير لهن))[3].
أما دور المرأة الحقيقي فلا يعلمه من لا يجاوز نظره أرنبة أنفه، إنما يعلمه العلماء الربانيون الأخيار فقد ذكر الإمام الألباني في كتابه ((الرد المفحم فيمن تشدد وألزم)) دور المرأة الحقيقي فقال:[وإني لأعتقد أن مثل هذا التشديد على المرأة، لا يمكن أن يخرج لنا جيلاً من النساء، يستطعن أن يقمن بالواجبات الملقاة على عاتقهن ، في كل البلاد والأحوال، مع أزواجهن وغيرهم، ممن تحوجهم الظروف أن يتعاملن معهم، كما كن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، كالقيام على خدمة الضيوف، وإطعامهم، والخروج في الغزو، يسقين العطشى، ويداوين الجرحى، وينقلن القتلى، وربما باشرن القتال بأنفسهن عند الضرورة، فهل يمكن للنسوة اللاتي ربين على الخوف من الوقوع في المعصية -إذا صلت أو حجت مكشوفة الوجه والكفين- أن يباشرن مثل هذه الأعمال وهن منقبات و متقفزات؟ لا وربي، فإن ذلك مما لا يمكن إلا بالكشف عن وجوههن وأكفهن، وقد ينكشف منهن ما لا يجوز عادة، كما قال تعالى:{إلا ما ظهر منها}، كما سنرى في بعض الأمثلة الشاهدة لما كان عليه النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم].المرجع/ الرد المفحم على من خالف العلماء وتشدد وتعصب وألزم المرأة أن تستر وجهها وكفيها وأوجب ولم يقنع بقولهم: أنه سنة ومستحب/ ص149
خاتمة:
((هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون))
مثلما فسدت الأمة الاسلامية بسبب دعاة الانسلاخ والتحرر، وحقوق المرأة، التي اختزلوها في حرية الخلاعة والمجون والتمرد على الأعراف والقيم، فأصبحت بذلك سلعة.
عمد آخرون إلى حبس المرأة، بفكر وجاهلية حديثة، ووأد معاصر للبنات، ففي الجاهلية كانت الموؤدة سرعان ما تموت تحت التراب، أما الآن فتظل الموؤدة حية تعاني ظلم الأهل!!
فأصبح الوأد الجديد، أشد قسوة من الوأد القديم!!
ففضلا عن الأمراض النفسية، والانحرافات السلوكية التي ستصيب الفتاة نتيجة عطلها، سوف تذبل زهرة حياتها ويتلاشى عمرها هباء منثورا..
عزلوها في منطقة محصورة و أفق ضيق من الناحية الفكرية والحياتية، وجعلوا مجموعة من الأوصياء يقومون عليها، ويقررون عنها ، وحصروا حريتها وقراراتها فقط في النوم و الأكل والشرب؟!
تلك هي أبشع طرق الوأد!!
الشباب المسلم واقع بين تيارين، تيار العادات والتقليد والتزمت المصاحب لها، وتيار اليقظة والتصحيح والتطور والمرونة التي يتطلبها.
(( ولا حل إلا بالفهم الصحيح للإسلام، فلا افراط ولا تفريط))
أما واقع المجتمع الجزائري، فمنقسم إلى قسمين لا وسط بينهما، دياثة حد الخنا، وتشدد وغيرة حد الاختناق.
وقد قال بهذا الواقع، وقرره الكثير من العلماء والمفكرين.
موقف مالك بن نبي من قضايا المرأة:
وقف مالك من قضية المرأة موقفه من القضايا الأخرى، وقد أطلق تسمية "مشكلة المرأة" في كتابه "شروط النهضة"، وذلك انسجامًا مع منظومته الفكرية التي تدور حول مشكلة الحضارة عموما من ناحية، وللتدليل على مقدار التضخيم الذي كان من نصيب موضوع المرأة في العالم الإسلامي، سواء من أنصار التحرر الذي يصل بالمرأة إلى درجة التحلل، أم من أنصار التزمت الذي يغلق بصره أمام حقائق الإسلام .
ميز مالك بن نبي بين موقفين متقابلين من قضية المرأة: موقف المتمسكين بإبعاد المرأة عن المجتمع وإبقائها في وضعها التقليدي الذي كرسته التقاليد، وموقف الداعين إلى أن تخرج المرأة في صورة تلفت إليها الغرائز. ورأى أن موقفي هذين الفريقين يصدران عن دافع واحد هو الغريزة. وهذان الموقفان لا يساهمان في حل المشكلة، بل ربما زادا الطين بلة. وإذا كان موقف الداعين إلى التحرر على النمط الغربي واضح الأخطار على المجتمع الإسلامي بسبب ما يؤدي إليه من ترسيخ للتبعية وتبليد للحس الإسلامي وضرب الهوية الخاصة للأمة، فإن الموقف الثاني قد يكون أشد خطرا لأنه يعطي لأعداء الأمة المبررات للخوض في سمعة الإسلام والتشكيك فيه، ويجعل المرأة حين تفكر في الحرية لا تجد أمامها إلا النموذج الغربي الحاضر أمامها.
من أجل ذلك يستبعد مالك هذين الموقفين لأنه "لا أمل لنا أن نجد في آرائهما حلا لمشكلة المرأة"
ملاحظة:
هذا الكلام لا يعني الدعوة إلى التمرد والتحرر والانفلات على الطريقة الغربية, هو دعوة إلى التوسط والاعتدال, وفق الميزان الرباني الصحيح.
*************
كان نور الدين واقفا فجلس، كان فاغرا فاه ويتنفس بصعوبة، أغلق الكتاب ونزع عنه الغلاف الخارجي، فإذا به يصعق عند رؤيته للعنوان، لقد كان عنوان الكتاب(الجزاء من جنس العمل)!!
تمت بحمد الله
بقلم: شمس الهمة
بقلم: شمس الهمة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق