الجمعة، 26 يونيو 2020

بعيدا عن المثاليات في تعاطينا مع قضايا المرأة


بعيدا عن المثاليات في تعاطينا مع قضايا المرأة:

بينما تفاعل الغالبية مع سلسلة المرأة للدكتور والداعية المتميز (اياد قنيبي) بالإيجاب، تحسرت أنا على نفسي التي لم تقنعها، ولم ترو غليلها تلك السلسلة( ومن أنا أمام الدكتور وعلمه الغزير نفع الله به)، مع أنها كانت حلقات رااائعة، متميزة، وفيها جهد مبذول أثمنه وأحيي صاحبه.
ذلك أنني بعد كثير بحث وتأمل وقراءة في هذا الباب وجدت أن الحديث وحده لا ينفع من دون تطبيق وممارسات على أرض الواقع.
سهل جدا أن نتحدث بمثاليات يخاطب فيها المسلمون الملتزمون، أما العوام فلا يجدي معهم خطابات الوعظ والتذكير دون التطبيق، ودون التطرق للواقع المرير بالتشريح، لا ينفع أبدا في محاولة الإصلاح أن نعتقد أننا بخير، أو نحاول تغطية الشمس بالغربال، أو نتعامى عن النماذج الواقعية المنتشرة بكثرة، وكل محاولة يقوم بها أحدهم فيتلهى بنتائج ومضاعفات المرض دون التطرق للأسباب التي أدت إلى ذلك، ستكون محاولة منقوصة.والدليل أن حلقة (المرأة شغالة البيت) كانت أكثر رواجا من غيرها وذلك لأن صاحبها تطرق لأول مرة لأسباب المرض (ألا وهو عدم تقدير المرأة داخل البيت)وأنصف فيها المرأة رغم أنها لم تكن شافية للغليل كما ينبغي لها أن تكون.
تلك الحلقة شكلت صدمة للرجال-المنصفين- فمن شاهد ردود أفعال الرجال المبدئي، فقد كانت ردودهم كلها اعتراف بالتقصير، وحسرة وندامة، وصلت ببعضهم لدرجة البكاء خوفا من يوم الحساب.
أما تعليقات النساء، فكانت كلها تقول بانعدام التقدير، وأنه لو تم تقديرنا بكلمة حلوة من دون حتى مساعدة فإننا سنتفانى في خدمة أزواجنا بكل حب.
وسرعان ما انتشرت الحلقة انتشار النار في الهشيم، وسارعت كل زوجة لعرض الحلقة على زوجها، وكانت ردة فعل هؤلاء للشيخ مستهجنة، ومهاجمة، ولسان حالهم يقول (إنت خراب بيوت)
ولست هنا أقول أو أنفي أن الدكتور لم يعرج على الواقع، أو غفل عنه، انما عتبي أنه لم يركز عليه تمام التركيز، فثمة ينبغي أن نركز ونعالج.
ذلك أننا وعلى مدى عقود طويلة نصفق ونهلل مع من يتناول مواضيع الحجاب والتبرج وعمل المرأة، ونؤلف فيها الكتب ونلقي المحاضرات، تستمع النساء، يتأثرن، ويصفقن، ويذرفن الدموع، ويعزمن على الاستقامة، ثم تسير كل منهن في دروب الحياة، بعيدا عن جو المدرجات والمثاليات والمحاضرات، لترتطم الفتاة والمرأة بواقع لا يرحم، واقع يقول ما لا يفعل، واقع يعرف ولا يطبق، يعرف ويظلم، ويهضم الحقوق التي قال بها الله من علياء سماءه.
ويعضد موقفي هذا ماذكره الدكتور العارف الشيخ سلمان العودة- فك الله أسره- فقال لأولئك الذين يقولون إن المرأة ليس لها قضية، وأن النساء اليوم أخذن حقوقهن وزيادة.
أن ((ما من بيت إلا فيه قضية إلا القليل)) فإما قضايا مطلقات، أو أرامل، أو من يمنعن من الدراسة، أو من اختيار الزوج وووو الكثير.
لذا فثمة حاجة ملحة إلى أن نترجم خطابنا الإنشائي عن المرأة إلى برامج عملية واقعية...انتهى كلام الشيخ.
وسأتحدث هنا عن تجربتي الشخصية مع بنات جنسي، فقد كنت ولا زلت مناهضة لعمل المرأة وتفلتها، وقد كتبت عن هذا من قبل، وعن خطورة ضياع النشء والأسرة بسبب ذلك، كنت أكتب بعاطفة دينية حارة، بمثالية حالمة بعيدة تماما عن الواقع، كنت لا أكف عن لوم البنات، واتهامهن بالسطحية وحب المظاهر وتقليد الغرب، والجري وراء المادة، ثم وبعد سجالات كثيرة ونقاشات صادقة أدركت أخيرا مرارة الواقع الأليم.
حكت لي واحدة كيف أنها كانت تعمل قبل زواجها في وظيفة إدارية تعتمد فقط على الحاسوب، وكيف أن عملها ذاك كاد يتسبب لها بعاهة مستديمة، ذلك أنها اضطرت لإجراء عملية على مستوى الكتف بلغت قيمتها ثلاثون مليون سنتيم، وكيف أنها وصلت لقناعة أن أفضل مكان للمرأة هو بيتها، وكيف كانت تلعن الوظيفة وأيامها، وأنها ودعتها إلى الأبد غير آسفة، ثم من الله عليها بزوج مقتدر وحياة أسرية هانئة في ظاهرها، لكنها وبعد مرور ثلاث سنوات ضاقت عليها نفسها، فلا خروج ولا دخول، لا جارات ولا صديقات، لا نشاطات ولا لقاءات، لدرجة سببت لها الاكتئاب وقالت أنه انعكس سلبا على زوجها وطفلها وصحتها النفسية التي باتت مهددة، وأصبحت تخاف على عقلها الجنون أو الانتحار.
وأنها تفضل العودة إلى الوظيفة على مافيها، على أن تتحمل جحيم الأسر والتشديد والتضييق والاكتئاب المزمن.
امرأة أخرى تحكي عن حياتها بعد الطلاق، حيث كان لديها ثلاثة أطفال وعادت لبيت والديها واخوتها، وتقول عن ذلك أن المطلقة تعيش الجحيم بعد الطلاق فلا المجتمع يرحمها، ولا حتى أقرب الأقربين بما في ذلك الوالدان، فمن تشديد وتضييق على الدخول والخروج، بحيث تعامل المطلقة كطفل يحتاج مراقبة دائمة، هذا ناهيك أنها ستصبح لا محالة خادمة لنساء إخوانها، وان لم تفعل اتهمت بأنها مفتعلة مشاكل، ليس هذا فحسب فحين تم تناول ملف المطلقات قالت احداهن أن لها ست شقيقات، يأتين في المناسبات لزيارة الوالدين وتقوم هي طيلة ما يزيد عن عشرة أيام بخدمة الشقيقات وأطفالهن، ولا تسمح لها والدتها بأن تتقاسم وأخواتها مسؤوليات البيت، بحجة أنهن ضيوف وأنها ليست كذلك، فلا يحق لها استئناس ولا راحة ولا استمتاع بجو حميمي طيلة تلك الأيام تظل مدفونة في المطبخ ما بين طبخ وغسيل وتنظيف وقيام على شؤونهن، فكيف ينصف المجتمع المطلقات اذا كانت الأم والأب والإخوة لا يفعلون؟!
احدى الطبيبات حدثتني عن قسم الأمراض والاضطرابات النفسية وقالت أن لديهن ثلاث طوابق مخصصة جلها للنساء في مقابل طابق واحد للرجال، قالت أن النساء في مجتمعاتنا أكثر عرضة للاكتئاب والأمراض التفسية المختلفة بسبب الظلم والمشاكل.
طبيبة أخرى حدثتني أن نسبة 90٪ من حالات تفاقم خلايا مرض السرطان لدى النساء، هو رفض أزواجهن الكشف المبكر، وبخلهم على زوجاتهم في هذا الجانب والاقتصار على العلاج المجاني.
قصص أخرى لعازبات تجاوزن الثلاثين والأربعين دون ارتباط شرعي ولا زالن يعاملن كالأطفال الذين لا يتركون وحدهم.
حياتهن معطلة ولا يسمح لهن بأي شيء، فقط ممارسة حرفة الانتظار، انتظار العريس الذي قد لا يأتي أبدا.
هذه هي الحياة الواقعية البائسة التي تنتظر غالبية النساء إن لم يدرسن ويعملن، هذه الحياة يعتبرها المجتمع شكلا طبيعيا للعيش، وكأنها إرادة الله، وليس لنا الحق في رفضها أو التصرف بها.
المرأة الماكثة عندنا غير مقدرة، سواء كانت بنتا، أختا أو زوجة، لا أحد يقدر ما تقوم به، دعونا لا نكذب على أنفسنا، أو نخدع الفتيات ونجمل لهن الأمر، لا أحد يسمح لها بارتياد المساجد والمدارس القرآنية، أو زيارة الأخوات لتبادل المعارف، لا يحق لها وقت خاص، فالكل يستبيح وقتها ويأخذ منه كما يشاء، لا أحد يقف معها إن هي مرضت مرضا مزمنا يتطلب التنقل بين المستشفيات.
لذلك كل من ناقشتهن قلن لي أن الوظيفة على مساوئها هي المتنفس الوحيد لهن، وهي الحل الوحيد للظفر ببعض الحقوق كحق الخروج، وإقامة علاقات صداقة مع البنات، بالإضافة للاحساس بالأمان الذي توفره أموال الوظيفة.
المرأة أعدت لأدوار عظيمة إن أحسنا تهيئتها لذلك، و إن كانت التربية المستقيمة لها أهم سبل التهيئة فإنها وحدها غير كافية... العلم الصالح من مصادره الطيبة و المعرفة الاجتماعية التي لا تتسنى إلا بالانتماء للمجتمع، يشكلان عاملان هامان الى جانب التربية للتهيئة السليمة للمرأة بعيدا عن كل العقد النفسية ....
المرأة دون الرجل كائن رسالي، لا يعني أن لا رسالة للرجل إنما الدور الرسالي للمرأة أعمق و أهم " المرأة مدرسة إن أعددتها أعددت شعبا طيب الاعراق"... دورها أساس في تنشئة مجتمع سليم من خلال تنشئتها للمصلحين المنشودين لذلك...
هكذا دور ألا يحتاج الى تنشئة نساء أهل لذلك : تنشئة تربوية، علمية ، معرفية ، واجتماعية؟!
للأسف لا يتأتى كل ذلك بحبسها بالبيت، لأنه أصبح من الصعب التفلت من الملهيات فيه، من أشغال يومية، و برامج تلفزيونية تبعدها عن النشأة السليمة ، أضف إلى ذلك صعوبة التعلم بدون معلم معين يساعد بشكل خاص على الانضباط، و تحديد المصادر الأهم لطلب العلم....
صار لزاما علينا الالتفات إلى ذلك، فنحن ننادي بالإصلاح و نفسد أهم حلقة فيه " المرأة".
لا ينفع أبدا التصدي لخطاب النسوية بمواضيع انشائية، ولن يجدي أبدا محاولة ثني النساء واقناعهن أن البيت جنة رحبة، وهو في الواقع ليس كذلك البتة.
هكذا محاولات ستكون بمثابة التربيت على كتف امرأة مسحوقة تحتاج دعما حقيقيا وتطبيقا عمليا لتلك الأقوال.
أي محاولة لإقناع المرأة بلزوم الجادة، وكسبها في صفوف الحرائر الطاهرات المنضبطات، هو محاولة فاشلة اذا لم نقم بالقضاء على التقاليد في مقابل تحكيم الشرع.
ذلك أن الحديث عن الحقوق شيء، وتطبيقها الفعلي في أرض الواقع شيء آخر تماما.
فما ينقصنا حقا هو تطبيق حقوق المرأة، وليس التغني بها في مؤتمرات بطريقة إنشائية بحتة.
من المؤسف حقا أن المرأة في المجتمع المسلم اليوم، لم تجن الى الآن أي فائدة من وراء كلامهم عن حقوق المرأة *المجرد عن التطبيق*.
إنما السبيل إلى ذلك يتحقق فقط من خلال اعطاء المرأة حقوقها الإنسانية والاسلامية.
فاذا منحنا المرأة حقوقها المشروعة حقا، نكون قد أعددنا أفضل عنصر قادر على مجابهة هذا الهجوم.
واذا منعناها حقوقها نكون قدمنا أجّل خدمة لهذه الدعوة المشؤومة.
لذلك نجد صنفين من المثقفين، صنف يروم الانعتاق و القضاء على التقاليد البالية، فيقوم بالقضاء على الدين معها.
وصنف آخر يروم الدفاع عن الدين فيدافع معه على التقاليد البالية.
وذلك بسبب أن التقاليد والدين صارا مزيجا متداخلا، لا يملك الطرفان التمييز بينهما.
فإذا كان علماء الدين عاجزين عن الفصل بين التقاليد والدين، فهل يرتجى ذلك من الشباب؟!
وكل هذا يجعل المرأة حين تفكر في الحرية لا تجد أمامها إلا النموذج الغربي الحاضر أمامها.
لذلك قبل محاربة النسوية، قبل محاولة وعظ النساء، نتمنى التركيز على محاربة العاهات والتقاليد التي ما أنزل الله بها من سلطان، حينها فقط ستستمع النساء وترعوي.
ختاما:
الخطاب لا يجب أن يقوم فقط بالتركيز على الحديث عن الواجبات، انما الحديث عن الحقوق وتعريف المرأة بحقوقها مقدم على توعيتها بواجباتها، فمتى ما عرفت المرأة حقوقها والطرق الصحيحة الموصلة اليها، سهل عليها أداء واجباتها.
والوعظ والتذكير لا يكون للمرأة دون الرجل.
وليت الدكتور اياد قنيبي يقدم سلسلة خاصة بالرجل كما فعل مع الأنثى، لتعتدل الكفة، فالخطاب الشرعي لا يجب أن يكون انتقائيا يركز على المرأة ويلقي عليها باللائمة ويعرفها واجباتها، ويهمل توجيه الرجل وتهذيب سلوكه.
#شمس_الهمة



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

العيد

 تلك اللحظات الحرجة قبيل يوم العيد، ذلك التعب، والضغط، تلك الأمور التي أنجزت نصفها والنصف الآخر ينتظر منك اتمامه حالا، ذلك التوتر، وتلك الأع...