"الوأد الصامت"
لبث مدة بباب الملتزم، دعا الله كثيرا، سالت دموعه، وحلقت روحه نحو السماء، تحمل إليها دعاء المضطر ، نسي نفسه، ودخل في شبه غيبوبة، حجبته عن الزمان والمكان.
- ماذا يا عم؟ هل ستبيت هنالك الليلة؟ صرخ فيه أحد المعتمرين من بعيد.
- نم جيدا يا عزيزي، وأنا سأجلب لك البطانية لتهنأ بنومتك!! أردف معتمر مغربي.
استفاق أخيرا من غيبوبته على كلام الحجيج ونداءهم المستمر له، مسح دموعه وانسل عائدا بين جموع المعتمرين..
"نور الدين" شاب ثلاثيني، طويل القامة، نحيل الجسم، بعيون سوداء تدوران في محجريهما دورة وحشية، كأنما رعبته الحياة مذ كان جنينا في بطن أمه.
عاد إلى الفندق وقد أظلم وجهه وتلبد، كأنما يجري فيه الدم الأسود لا الأحمر، وهو يكاد ينشق من الغيظ، وبعضه يغلي في بعضه كالماء على النار...
نظر في المرآة، وجه شاحب، رسم عليه الزمن خطوط الهم والأرق، مرر أصابعه فوق شعر رأسه، وأخذ يحدث نفسه أمام المرآة:
- شعيرات بيضاء بدأت في فرض حصارها فوق رأسي، تزداد بمعدل مرعب لا يتناسب وسنوات عمري، وكأنها تعمل في سرية طوال الوقت، على تجنيد ما يجاورها من شعيرات سوداء خائنة لوطنها..
فتح فمه ونزع طقم أسنانه العلوي، تأمله برهة ثم زفر:
- آه...الزمن... أخذ مني كل شيء جميل، صرت وأنا في هذا السن عجوزا في مقتبل العمر
استلقى على سريره وطفق يسترجع شريط حياته "ستة وثلاثون سنة ولا أزال وحيدا من دون زوجة ولا أطفال، وأنا الذي تمنيت بناء أسرة في ريعان الشباب!!"
ترى هل يستجاب دعائي هذه المرة؟!
عمرتين وقيام الليل، ولا أزال على هذه الحال!!
رباه، لم أعد أقوى على مزيد من الصبر، فتن كقطع الليل المظلم، ونساء كاسيات عاريات، اللهم يا رب أقر عيني وأرح قلبي"
عادت به الذاكرة إلى الوراء قليلا، وتذكر عهد الصبا، وعديد خيباته في البحث عن الزوجة الصالحة:
مذ كان عمري عشرون عاما، وأنا أبحث عن الزوجة الصالحة.
أشعر بالملل والعناء، وتعبت من عدم توفيقي في هذا الأمر، أخاف أن أتنازل عن الشروط التي أريدها في من أريد الارتباط بها بسبب ضغوط الأهل، والمجتمع ، وتقدم عمري، وبسبب الشهوة والفتن التي تحيط بنا من كل مكان.
البحث عن زوجة صالحة في هذا الزمان أشبه بالبحث عن إبرة في كومة قش، الأمر ليس بالشيء السهل إلا على من سهله الله له، فكيف أجد زوجة صالحة ترضيني وكيف الصبر على كل هذه الضغوط حتى أجد الزوجة الصالحة؟.
**************
- أمي، قلت لك مرارا أنني لن أتزوج فتاة لَمَحْتِها ترقص في حفلة زفاف.
- ولكن، يا ولدي ، من أين سآتيك بالفتاة التي ترغب، وأنا لا أذهب إلى أي مكان سوى حفلات الزفاف مرة أو مرتين في السنة؟!
اسأل أصدقائك لربما كانت لهن أخوات صالحات، أو حتى أخوات زوجاتهن!!
- لقد فعلت يا أمي، أصدقاء وأي أصدقاء؟!
أصدقائي لا يفكرون سوى بأنفسهم، لا أحد يهتم لأحد اليوم، ولا أحد يفكر فيك.
- ولكن ما الحل ؟!
أنت لا تبحث أبدا، هل ستسقط عليك العروس من السماء؟!
- وما أدراك أنني لم أبحث يا أمي، لا أثر للمرأة الصالحة في هذا الزمان، كلهن كاسيات عاريات
- بني، لا تقل هذا الكلام، النساء الصالحات موجودات، ولكنهن كالدر المكنون محفوظات...ابحث جيدا وستجد بإذن الله.
- أين سأجدهن يا أمي، وكأن الأرض ابتلعتهن، لا أثر لهن في أي مكان أقصده.
- الزم محلات وأماكن تواجد النساء، فلربما التقيت نصفك الثاني هناك، من يدري؟!
- وهل سيخفى علي أمر كهذا يا أماه، خمس سنوات من لزوم تلك الدكاكين بلا جدوى، لا أدري أين تختفي الصالحات وأين يمكنني ايجادهن؟! ولماذا ؟!
- جرب الجامعات، ستجد هنالك فتيات متعلمات وبقمة الأخلاق.
- لا أريدها جامعية يا أماه، أتزوجها اليوم وغدا تشترط علي العمل لأنها كرهت من المنزل، هذا بالنسبة لمن درست بجامعة قريبة منها لا تضطرها للمبيت في السكن الجامعي، السفر بدون محرم حرام، ولو كانت فتاة صالحة للزمت البيت،( لن أتزوج فتاة السكن الجامعي، حتى لو انقرضت كل نساء حواء من على وجه الأرض، وبقيت هي فقط) .
ثم ما أدراني أن من أختارها ليست على علاقة مع أحد زملائها وهي تدرس في جامعة مختلطة؟!
************
أفاق من شروده على صوت آذان العشاء، توضأ وصلى في مسجد قريب، تناول عشاءه، ثم عاد إلى الحرم، عازما على إحياء الليل في الابتهال والدعاء.
استمر على ذلك الحال طويلا، يبكي ويشهق، ويتوسل إلى الله.
صلى الفجر هنالك أيضا، ثم جلس يستغفر ويتلو الأذكار، توقف هنيهة يسترجع أنفاسه، وأخذ يكلم نفسه:
ترى هل سيستجيب لي الله هذه المرة، أريد إشارة تطمئن قلبي، إشارة واحدة يا الله.
فتح المصحف، فوجد أمامه الآية الكريمة:
﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾. هود (112).
ارتعد قلبه، وانتفض جسده، ثم ما لبث أن تناسى الأمر، إنه مجرد صدفة.
عاد إلى غرفته بالفندق شغل التلفاز، وأطفأ الأضواء لينام على صوت القرآن الكريم، اختار قناة المجد للقرآن، فكانت الصدمة!!
الآية نفسها، السورة ذاتها، إنها الإشارة التي طلبتها.
لكنها مبهمة يا الله، ماذا أفعل كي ترضى؟!
مسح العرق من على جبينه، وازدرد كأسا من الماء بعد أن جف ريقه، ثم استسلم للنوم.
استيقظ على صوت آذان الظهر، ثم تذكر أنه رأى حلما غريبا، سرت قشعريرة في بدنه حين تذكره، وداهمه احساس غريب لم يعرف له سببا.
توجه إلى صنبور المياه، توضأ وضوئه للصلاة، وأسرع مهرولا إلى مسجد قريب.
أنهى الصلاة، ثم توجه إلى مطعم قريب، طلب وجبة افطار، ثم شرد مع نفسه: "ذلك الحلم، ترى ما معنى تلك الآيات التي تكررت في منامي؟!
ماذا فعلت في حياتي؟!
ومن ظلمت؟!
أم تراها فقط من حديث النفس، فأنا كما يبدو مرهق جدا.
الآيات بعيدة عن الإشارات التي طلبتها.
يا رب فهمني وعلمني، أكاد أجن.
************
أتم عمرته، وعاد إلى الوطن، الحيرة نفسها... الضياع نفسه...
لا يزال في رحلة بحث مضنية عن الزوجة الصالحة.
مر شهران منذ أدائه للعمرة، لكن يومياته على حالها، بحث هنا وهناك، سؤال هنا وهناك، ونقاشات لا تنتهي مع والدته.
ذات مساء تقدمت أم نور الدين نحو غرفة ابنها، طرقت الباب، فأذن لها بالدخول.
ابتسامة عريضة تعلو محياها، وعيناها تشع ببريق ظاهر
- أرى الفرح في عينيك يا أماه، كيف كان يومك عند الطبيبة، وما سر هذه السعادة؟!
- دعك مني الآن، فأنا بخير، حالك أنت من لا تسر
- هل أفهم من كلامك أن الموضوع يعنيني يا أماه؟!
هل وجدت لي عروسة لدى زيارتك تلك الطبيبة؟!
- تقريبا، ولكن ليس بعد
وأنا في العيادة سألت لك النسوة هناك، فأرشدنني إلى البحث في المدارس القرآنية، أو في المساجد فهذا الصنف لا يظهر إلا هناك يا بني...عقب العيادة مر بي أبوك من جانب مسجد "الفاروق"، كان وقت الظهر فرأيت منظرا جميلا من فتيات في عمر الأزهار يرتدن ذلك المسجد، ليس مثل مسجد حينا، العجائز فقط من يسمح لهن بالصلاة ، بينما تحبس البنات مثل أختك " منار" تماما...
- فكرة جيدة جدا يا أمي، كيف غابت عن بالي؟!
ولكن -----
- ولكن ماذا يابني؟!
- من سيتكلف بمهمة البحث والاستقصاء، وأبي يغار عليك، و يتشدد عليك بمنعك من الصلاة في المسجد؟!
- قم أنت بهذه المهمة يا بني، الزم حائط المسجد ، وترصد دخول البنات أو خروجهن، فربما وقعت عينك على من تسر قلبك.
- ماذا تقولين يا أماه؟!
اترك الصلاة، وأطلق بصري هنا وهناك على بنات الناس
هذا سلوك الرعاع؟!
- ولكن قصدك شريف وطيب!! أنت لست مثل هؤلاء.
- لا...لا...يا أماه...لن يحدث هذا الأمر
"منار" هي من ستذهب إلى المسجد كل صلاة، وهنالك تلتقي بالفتيات الصالحات، أبي لن يسمح لك ، لكنه سيسمح لمنار.
- منار؟! ولكنك أنت من كان يمنعها عن المساجد ودروس القرآن!!
- الوضع اختلف الآن يا أمي، وهي فرصة لتراها الأخوات أيضا...فلربما اصطدنا عصفورين بحجر واحد، من يدري ؟!
ربما يتزوج كلانا بعد كل هذه السنين؟!
************
خطى نور الدين من فوره، بخطوات مسرعة نحو المطبخ أين تقبع "منار"، ومن وراءه أم مخدوعة كأنها في يد ابنها كرة الخيط، كلما جذب منها مدت له مدا...
دلفا إلى المطبخ، فوجدا "منار" هناك.
شابة في أواخر الثلاثينيات، لها وجه رغم جماله إلا أن عليه ذبول الدنيا كلها ، وتدور في هذا الوجه عينان غائرتان، تائهتان، تنبئ أن دمها قد وضع من جسمها في ثلاجة.
"منار" ذات مستوى تعليمي متواضع، فأخوها نور الدين لم يسمح لها بارتياد الثانوية، ولا حتى جامع أو مدرسة قرآنية...
تركت للحزن والفراغ يلتهم شبابها التهاما...
كانت فارغة من الداخل، واهتماماتها لا تتعدى حائط المطبخ، صار قلبها كتفاحة متعفنة لا تغري أحدا.
امرأة بلا هدف، أو رسالة، خاوية من كل شيء، عدا السعرات الحرارية التي تحشو بها معدتها بحجة الملل...
كانت تمارس حرفة الانتظار، كي تبدأ حياتها فعليا ، وتتحقق كل أحلامها المؤجلة لما بعد الزواج..
فصارت تنتظر الزواج بلهفة السجين لخبر الافراج عنه...
وبينما هي عاطلة عن الحياة، وتمارس هذا الغباء، كان نور الدين يعيش حياته ويستمتع بشبابه.
"منار" زورق إنساني صغير، ترك يتكفأ على صدمات الأيدي والصدف والأقدار...
كانت تكابد لتظل على قيد الإنسانية، محبوسة في زاوية مظلمة، تتلمس نقاط النور، وتبحث عن الدفء والضياء، كانت تناضل حتى لا تتعفن روحها هناك.
**************
تنحنح نور الدين، وابتسم ابتسامة تنم عن الحماس، ثم عرض الفكرة على منار.
كانت منار تستمع وتشرد مع كل كلمة منه تقال، فقد اعتادت على عدم مقاطعته ، ولم تكن لتنخرط في نقاش مع أسماء لا تشبه الأسماء التي علمها الله لآدم.
استمرت بتحريك الحساء وأحست بمرارة الحياة بأسرها تختلط مع ذلك الطعام، ومع بخار الحساء كانت تتصاعد من روحها نفثات من الضيق والإعياء.
عاد بها الزمن إلى الوراء، واستولت على تفكيرها تلك الذكريات...
****************
- سأذهب لزيارة بنات عمي، فقد اشتقت لهن يا أماه...قالت منار لوالدتها بحماس
- أخوك نور الدين لن يسمح بذلك، بيوت أعمامك وأخوالك كلها صبيان، وأخوك شديد الغيرة(أجابت والدتها).
- ولكن، يا أمي أنا لا ألتقي أبنائهم مذ تحجبت، وهم يعرفون ذلك جيدا...
- تعرفين أخاك، سيقول بأنك صغيرة، وربما التقيتهم ونحن لا نعلم، والواجب درء المفاسد
- ولكنني لا أزورهم إلا معك يا أمي، هذا معناه أنه لا يثق بك أيضا...لقد مللت وضاقت علي نفسي، كل شيء عنده معلل بسد الذرائع، واغلاق باب الفتن...حتى الجيران لا نزورهم، لأن لهم أبناء من الذكور... ومهنة الخياطة توقفت عن ممارستها بسبب احتياجي المُلِحّ لمستلزمات الخياطة ، وهو لا يجيد ابتياع مواصفات ما أريد، ولا يسمح لي بمرافقته لشرائها بنفسي ، بحجة أن أصحاب الدكاكين رجال شهوانيون...
أتساءل هل نحن اجتماعيون؟! ولماذا لا نسكن أحد الكهوف أو احدى الجزر المعزولة سدا للذرائع!!
دخلت منار غرفتها تجر أذيال الخيبة، وقد استبد بها الحزن، واستولى عليها القنوط واليأس... ثم ما لبثت أن اهتدت لفكرة ضمنت معها أن أخاها نور الدين لن يعارضها هذه المرة...وذهبت إليه تحلق مثل فراشة في حقل جميل...
- نور الدين ، أحس بالوحدة والاختناق، واللاجدوى، أريد ارتياد مدرسة قرآنية.....ما رأيك؟!
- لن أسمح لك طبعا، فالمدارس القرآنية أصبحت مركزا للمخططات السياسية ، وأخشى عليك مغبة ذلك.
(مخططات سياسية؟ ) تساءلت منار في نفسها.
- طيب، ربما معك حق في هذا، ما رأيك لو أخذتني لدروس العلم معك ؟!
- العلم متوفر بالمنازل، كبسة زر وأنت حصلت عليه، اطلبي ما تشائين وسوف أحضر لك مختلف الأشرطة والأقراص..لا داعي لخروجك من البيت.
- لا تسمح لي بالذهاب عند الأخوات، ولا صلة الأرحام، طيب ، هل تسمح لي بالصلاة في المسجد؟!
- صلاة المرأة في بيتها خير
- ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام قال :" لا تمنعوا إماء الله مساجد الله"
- أنت لا تعرفين شيئا، قال أيضا:( وبيوتهن خير لهن)
عبس نور الدين وقطب حاجبيه ثم أردف بحزم:
- لا تناقشيني من فضلك، أم تريدين التفلت والخروج بأي ثمن؟
يمكنك حفظ القرآن في المنزل، وسماع الدروس والمشايخ من التلفاز والأقراص.
حافظت منار على هدوءها، استجمعت شجاعتها وقررت أن لا تخاف كعادتها عقب كل نقاش، إنها تملك الحجة الآن، فقد استمعت لكلام الدعاة، وهي مقتنعة أن أخاها نور الدين يتكلم دون علم، والدين براء من ذلك التشديد على الأنثى ومحاولة خنقها.
قالت كل شيء دفعة واحدة، خشية أن يقاطعها:
- لكن يا نور الدين المرأة شريكة الرجل في بناء المجتمع، وعندما أمرها الإسلام بالستر وعدم الخضوع بالقول لم يكن يريد حذفها هي، بل أراد حذف النظرة المادية الشهوانية تجاهها.
المرأة أعدت لأدوار عظيمة إن أحسنا تهيئتها لذلك، و إن كانت التربية المستقيمة لها أهم سبل التهيئة فإنها وحدها غير كافية... العلم الصالح من مصادره الطيبة و المعرفة الاجتماعية التي لا تتسنى إلا بالانتماء للمجتمع، يشكلان عاملان هامان الى جانب التربية للتهيئة السليمة للمرأة بعيدا عن كل العقد النفسية ....
هكذا دور ألا يحتاج الى تنشئة نساء أهل لذلك : تنشئة تربوية، علمية ، معرفية ، واجتماعية؟!
للأسف لا يتأتى كل ذلك بحبسها بالبيت، لأنه أصبح من الصعب التفلت من الملهيات فيه، من أشغال يومية، و برامج تلفزيونية تبعدها عن النشأة السليمة ، أضف إلى ذلك صعوبة التعلم بدون معلم معين يساعد بشكل خاص على الانضباط، و تحديد المصادر الأهم لطلب العلم....
صار لزاما علينا الالتفات إلى ذلك، فنحن ننادي بالإصلاح و نفسد أهم حلقة فيه " المرأة".
الماء الراكد فاسد، عكس الماء الجاري..
والمسلم رجلا كان أو امرأة ، لا يعيش على الهامش بمعزل عن العالم...إنما يؤثر ويتأثر.
استشاط نور الدين غضبا ، وصب على أخته "منار" وابلا من الشتائم لم يتلقه "دونالد ترامب" من المسلمين ثم قال:
- تتفيقهين، وتهرفين بما لا تعرفين، أكرمك الله ببيت يأويك ويسترك ، وتريدين التفلت والانسلاخ؟!
هل تنكرين أن بيتك هو جنتك؟!
الضوابط التي جعلها الرسول صلى الله عليه وسلم لذهاب المرأة للمسجد غائبة في زمننا هذا ، من أمن الفتنة ووجوب بعد مكان الرجال عن النساء ، وتريث الرجال في الخروج حتى يخرج النساء ، معظم المساجد مدخل الرجال بمحاذاة مدخل النساء ، ويمكن أن تري جموع المصلين من الرجال يوم العيد حين يخرجون سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون ، لتعرفي أن زمننا غير زمان السلف.
*********
خرجت منار عن صمتها وشرودها، مسحت بظاهر كفها حبات العرق من على جبهتها، ثم توجهت بكلامها نحو نور الدين:
{ وإذا الموؤودة سئلت، بأي ذنب قتلت}
أتذكر هذه الآية؟!
كانت آخر جملة قلتها لك عقب آخر نقاش بيننا، هل تتذكر يا نور الدين؟!
كان نور الدين واقفا فجلس، فغر فاه و أخذ يتنفس بصعوبة، أغلق عينيه ونزع عنه رداء الحاضر، وعادت به الذاكرة إلى الوراء، تذكر كيف تصرف يومها، كيف تشدد وتنطع، وظلم منار وضيق عليها.
كيف حبسها وأغلق عليها.
تلك الرسائل التي كانت تزوره من الله، تلك الإشارات، كانت مغلقة عن الفهم بالنسبة إليه، حبيسة الذكريات في أرشيف المجهول فما إن تحدث إلى منار، منار التي كان يعاملها كتحفة أثرية منسية تراكم عليها غبار الأيام، حتى برزت له رسائل الله من بين ركام أحزانه، وأخيرا سيحاول نبشها من غياهب الظلمات وقراءة سطورها في النور الذي تسلل إلى قلبه أخيرا.
كان عنوان الرسالة(الوأد الصامت!)
بقلم: شمس الهمة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق