المظلوم الظالم:
الذي يرضى الظلم على نفسه، ولا يحاول رفعه أو دفعه، أو إنكاره، الذي يعيش عيشة الذل ويرتضيها سيرضاها لغيره لا محالة، هذا لا تتوقع منه أن ينصر مظلوما، ولن يتورع هو ذاته عن الظلم يوما ما اذا صارت بيده مقاليد الأمور.
تأمل مثلا مشهد نادل مقهى أو مطعم فاخر، تأتيه زبونة من محدثي النعم، وتتحجج أن الطاولة غير نظيفة، وأن الوجبة غير لطيفة، وربما زادت فقالت أنها وجدت شعرة بخبزة البيتزا، أو ساندويش التاكوس، تفعل كل هذا بنبرة استخفاف واضحة، واحتقار بائن، وضحكات صفراء ساخرة.
يعود النادل بطيبة وابتسامة، ويناولها طلبها مجددا، بانتظار فخامتها كي ترضى عن الخدمات المقدمة، والمهم أن لا نخسر الزبائن.
يذهب لطاولة أخرى، فيفاجأ بصراخ شخص ضخم الجثة، يرغي ويزبد لأنه طلب شايا بالحليب لكنهم قدموا له حليبا بالشاي.
ومجددا يقدم النادل فروض الولاء والطاعة، وكعادته يغمغم (المهم أن لا نخسر الزبائن).
منظر النادل لمن له قلب يدمي ويبعث لواعج الحزن والأسى والتعاطف، ويجعل المرء بينه وبين نفسه يلعن سلوك العتاه القساة المتجبرين.
لكن دعك من العواطف قليلا، وتابع معي يوميات ذلك النادل، سنتبعه لبيته ونرقب سلوكه مع زوجته وأطفاله، لا تستغرب!! نعم، إنه يقوم بظلم وإذلال الزوجة والأطفال، يفعل بهم كما يفعل به في مكان عمله تماما.
دعك من هذا الآن سنتبعه هذه المرة لكفتيريا راقية للقاء صديق، خذ لك طاولة قريبة، وراقب سلوكاته جيدا، إنه على موعد مع صاحب أو صديق، ولقد تأخر هذا الأخير عشر دقائق عن الموعد المحدد، دعك من هذا الآن فليس هذا موضوعنا.
لا ترفع عينك، قلت راقب جيدا، سيأتي النادل لمعرفة طلبه، يكتبه على قصاصة ويذهب سراعا لجلب الطلب، يعود في ثوان، يضع الطلب على الطاولة، فيفاجأ بصاحبنا ضاربا الطاولة بكلتا يديه، والزبد يخرج من فكيه، وعيونه تعتصر من الجمر، ما هذا يقول؟!
- لقد طلبت قهوة بالحليب، لا حليبا بالقهوة، هل فهمت أيها الأحمق؟
تأمل مشاهد أخرى من الحياة، كنة تظلمها حماتها وتستعبدها، أجير يظلمه رب العمل، أستاذ يظلمه المدير وهلم جرا.
غالبا سنتعاطف مع هؤلاء، ونتمنى أن يرفع عنهم الظلم يوما ما، ونعتقد جازمين أنهم طيبون بريئون.
تتبع كل هؤلاء وستجد أنهم يظلمون من هم تحت أيديهم، ناهيك أنهم لا ينتصرون لمظلوم، ولا ينكرون على ظالم.
باختصار عالم يأكل فيه القوي الضعيف- إلا من رحم ربك-
ولتنتبه أيها المظلوم لمن هم تحت يديك، اتق الله ولا تكن من الظالمين، فلربما نصرت على ظلمتك بالضعفاء، بتجنب ظلمهم والاستقواء عليهم.
الله حرم الظلم على نفسه، وقال عن هؤلاء {إنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}
واستثنى عز وجل من ئلك فئة الضعفاء الذين لا يجدون حيلة ولا يهتدون سبيلا فقال؛
{ إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ "، قال: يعني الشيخَ الكبيرَ والعجوزَ والجواري الصغار والغلمان.}
والنفوس الحرة الأبية لا ترتضي الظلم ولا تعيش الذلة والهوان ، والتاريخ سطر بطولات ومآثر لأحرار لم يرتضوا عيشة الظلم والذل والهوان.
ولقد حرم الله تعالى الركون إلى الظالمين، وكذلك حرم الدفاع عنهم فقال في كتابه العزيز {قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ} القصص 17
فالعجب كل العجب اليوم لمن لا ينكر الظلم ولو بقلبه، بل وصلنا لمرحلة تبرير الظلم، وأوصلنا العجز عن انتقاد سلوكات الظالم إلى الثناء على أفعاله.
#خواطر_مبعثرة_مرتجلة
#شمس_الهمة
الذي يرضى الظلم على نفسه، ولا يحاول رفعه أو دفعه، أو إنكاره، الذي يعيش عيشة الذل ويرتضيها سيرضاها لغيره لا محالة، هذا لا تتوقع منه أن ينصر مظلوما، ولن يتورع هو ذاته عن الظلم يوما ما اذا صارت بيده مقاليد الأمور.
تأمل مثلا مشهد نادل مقهى أو مطعم فاخر، تأتيه زبونة من محدثي النعم، وتتحجج أن الطاولة غير نظيفة، وأن الوجبة غير لطيفة، وربما زادت فقالت أنها وجدت شعرة بخبزة البيتزا، أو ساندويش التاكوس، تفعل كل هذا بنبرة استخفاف واضحة، واحتقار بائن، وضحكات صفراء ساخرة.
يعود النادل بطيبة وابتسامة، ويناولها طلبها مجددا، بانتظار فخامتها كي ترضى عن الخدمات المقدمة، والمهم أن لا نخسر الزبائن.
يذهب لطاولة أخرى، فيفاجأ بصراخ شخص ضخم الجثة، يرغي ويزبد لأنه طلب شايا بالحليب لكنهم قدموا له حليبا بالشاي.
ومجددا يقدم النادل فروض الولاء والطاعة، وكعادته يغمغم (المهم أن لا نخسر الزبائن).
منظر النادل لمن له قلب يدمي ويبعث لواعج الحزن والأسى والتعاطف، ويجعل المرء بينه وبين نفسه يلعن سلوك العتاه القساة المتجبرين.
لكن دعك من العواطف قليلا، وتابع معي يوميات ذلك النادل، سنتبعه لبيته ونرقب سلوكه مع زوجته وأطفاله، لا تستغرب!! نعم، إنه يقوم بظلم وإذلال الزوجة والأطفال، يفعل بهم كما يفعل به في مكان عمله تماما.
دعك من هذا الآن سنتبعه هذه المرة لكفتيريا راقية للقاء صديق، خذ لك طاولة قريبة، وراقب سلوكاته جيدا، إنه على موعد مع صاحب أو صديق، ولقد تأخر هذا الأخير عشر دقائق عن الموعد المحدد، دعك من هذا الآن فليس هذا موضوعنا.
لا ترفع عينك، قلت راقب جيدا، سيأتي النادل لمعرفة طلبه، يكتبه على قصاصة ويذهب سراعا لجلب الطلب، يعود في ثوان، يضع الطلب على الطاولة، فيفاجأ بصاحبنا ضاربا الطاولة بكلتا يديه، والزبد يخرج من فكيه، وعيونه تعتصر من الجمر، ما هذا يقول؟!
- لقد طلبت قهوة بالحليب، لا حليبا بالقهوة، هل فهمت أيها الأحمق؟
تأمل مشاهد أخرى من الحياة، كنة تظلمها حماتها وتستعبدها، أجير يظلمه رب العمل، أستاذ يظلمه المدير وهلم جرا.
غالبا سنتعاطف مع هؤلاء، ونتمنى أن يرفع عنهم الظلم يوما ما، ونعتقد جازمين أنهم طيبون بريئون.
تتبع كل هؤلاء وستجد أنهم يظلمون من هم تحت أيديهم، ناهيك أنهم لا ينتصرون لمظلوم، ولا ينكرون على ظالم.
باختصار عالم يأكل فيه القوي الضعيف- إلا من رحم ربك-
ولتنتبه أيها المظلوم لمن هم تحت يديك، اتق الله ولا تكن من الظالمين، فلربما نصرت على ظلمتك بالضعفاء، بتجنب ظلمهم والاستقواء عليهم.
الله حرم الظلم على نفسه، وقال عن هؤلاء {إنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}
واستثنى عز وجل من ئلك فئة الضعفاء الذين لا يجدون حيلة ولا يهتدون سبيلا فقال؛
{ إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ "، قال: يعني الشيخَ الكبيرَ والعجوزَ والجواري الصغار والغلمان.}
والنفوس الحرة الأبية لا ترتضي الظلم ولا تعيش الذلة والهوان ، والتاريخ سطر بطولات ومآثر لأحرار لم يرتضوا عيشة الظلم والذل والهوان.
ولقد حرم الله تعالى الركون إلى الظالمين، وكذلك حرم الدفاع عنهم فقال في كتابه العزيز {قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ} القصص 17
فالعجب كل العجب اليوم لمن لا ينكر الظلم ولو بقلبه، بل وصلنا لمرحلة تبرير الظلم، وأوصلنا العجز عن انتقاد سلوكات الظالم إلى الثناء على أفعاله.
#خواطر_مبعثرة_مرتجلة
#شمس_الهمة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق