الجمعة، 26 يونيو 2020

التلميذة المدللة

التلميذة المدللة:


لا شك أن الجميع يذكر تلك التلميذة الجميلة المدللة أيام الابتدائي، تلك الفتاة التي ترتدي أبهى الثياب، ذات الغرة المنسدلة، وشعرها الحريري المزين بربطات شعر فاخرة، تلك الفتاة التي تحضر معها دوما سندويشات فاخرة، وعلب عصير، وحلوى تسيل لعاب كل من حولها، والتي كانت السيارة تقلها لباب المدرسة، فلا تلفحها الشمس، ولا تؤذي بشرتها.
تلك الفتاة التي يتنافس الأطفال الذكور على التقرب منها، بينما تتملقها الإناث ويأتمرن بأمرها.
أما المعلمون والمعلمات فيفضلونها على الجميع، ويشيدون بها في المحافل، ويتغاضون عن أخطائها وهفواتها.
الجميع كان يعتبرها الفتاة السعيدة والمحظوظة رقم واحد.
ويجزم جميع من عرفها  لو أن الحظ كان مقسما على العالم إلى نصفين، فحتما كانت ستحوز النصف بجدارة.

حسنا سأخبركم أن تلكم الفتاة كانت أنا.
هل كنت وأنا طفلة، أعلم حينها أنني كنت محظوظة، أو على الأقل هل كنت أعلم أن نظرة الآخرين عني كانت كذلك؟
سأخبركم الحقيقة، لا، لم أكن أعلم، وكنت أعتبرني أتعس خلق الله.
صحيح أنني كنت أتمتع برعاية وحب كبيرين من قبل والداي، لكنه كان حبا مبالغا به، لدرجة كانت تخنقني وتسبب لي الكآبة وأنا طفلة صغيرة.
فأبي كان يحضر لنا القصص والكتب، ويعزلنا عن العالم الخارجي، ولا يسمح لنا بمخالطة أولاد الجيران-غير المؤدبين- حسب اعتقاده.

في حين كان الأطفال يعيشون حياتهم بالطول والعرض ويجربون كافة الأشياء، أبي لم يكن يسمح بأن تتسخ ثيابنا، لذلك كان يحدد لنا طريقة اللعب فلا جري، ولا عراك، ولا لعب بالتراب أو الحصى.
ومن خوفه علينا كان يقوم بتوصيلنا إلى باب المدرسة بالسيارة، ولطالما كرهت السيارة وأيامها، وتمنيت أن تتعطل يوما لأتمتع بالمشي رفقة البنات إلى مدرستي.
أتذكر أنه نسي يوما أن يعيدنا إلى البيت، فبقيت وحدي أنتظر أمام باب المدرسة لأنني لا أعرف طريق العودة، ولا تسل عن الخوف والرعب اللذان عشتهما تلك اللحظة، حتى تفطن مدير المدرسة وأخذ بيدي إلى منزلنا وسط أنهار من دموعي وشهقاتي.

كان والدي معلما، وكان هذا السبب كافيا للتنمر علي، فكانوا يعزون تفوقي لأشياء كثيرة( محاباة المعلم لأنه صديق والدها، والدها معلم فهو يقوم بتدريسها، والدها يخبرها مواضيع الفروض والاختبارات ....ووو)، وكل هذا كان يسبب لي الغضب والحزن والاكتئاب، وتمني الموت أحيانا.

أما البنات فكن يتملقنني لسببين فقط، الرغبة في الحصول على علكة أو قطعة حلوى، أو الرغبة في الغش أيام الامتحانات، لكن عدا عن ذلك فقد كنت وحيدة تماما، تغار مني الفتيات، ولا يشركنني في مختلف الألعاب، اضافة إلى السخرية الدائمة، والتنمر المصاحب لها، ناهيك عن استعمالهن لألفاظ الفحش والسباب في معاركنا الكلامية، والتي لم أكن أفلح في الرد عليها سوى بعيون تختزن الكثير من الدموع، عيون كانت تفضحني لأنها كانت توحي لهن بضعفي، وتثبت دوما أنهن كسبن المعركة ونجحن في إذلالي.

وأنا طفلة كنت أحلم بشيء واحد فقط، أن أكون فتاة عادية، تلعب كما يحلو لها، يحق لها أن توسخ ثوبها من دون توبيخ، وأن تذهب إلى المدرسة مشيا على الأقدام.
كنت أعشق بشدة سلوك الأطفال الذين يحق لهم الخوض بأقدامهم في برك الماء، بينما لا يحق لي أنا فعل ذلك.
كانت أرجى الأماني عندي وقتها المشي تحت زخات المطر، وأن أخوض برجلي في الطين كما يفعل باقي الأطفال، ولا عجب أنها أمنية لا تزال مختزنة بقلبي إلى يومنا هذا.
فهل سيكون في حياتي نسخة ثانية من المعتمد بن عباد؟!

#شمس_الهمة


تفاخر وتباهي


تفاخر وتباهي:(عن اليوتيوبرز وثقافة الإستهلاك)


المتابع لليوتيوبرز الجزائريات، يكاد يلاحظ نسخة طبق الأصل عن المحتوى المقدم(طبخات، مشتريات الأواني، ديكور، مكياج) وهذا لا يعاب كون المرأة بطبيعتها تميل إلى هاته الأمور بالفطرة، لكن أن يطغى جانب المظاهر والتفاخر وتغذية البطون وتجميل الشكل الخارجي، على جانب الاعتناء بدواخلنا، وتهذيبها، والاعتناء بعقولنا وتغذيتها فهذا مما يعاب على الجميع وبشدة.

فالأولى أن تهتم هؤلاء كونهن (مؤثرات)، بجانب تغذية عقل الفتاة وتثقيفها، وتنمية مداركها، وتوعيتها دينيا، وكذا توعيتها بحقوقها، ويا حبذا لو نشاهد تلكم اليوتيوبرز يعرضن مشترياتهن من الكتب بدل مشترياتهن من الأواني، ورصيدهن المعرفي والشرعي بدل الاقتصار على التزويق الخارجي.

وبالرغم من محدودية دخل الفرد الجزائري، إلا أنك تجد حربا طاحنة وتسابقا محموما بين اليوتيوبرز حول تصوير موائد الإفطار، وعرض أفخم الأكلات.
وينقسم الرأي العام حول هذا إلى فئتين:

فئة ترى أن ذلك التصوير للطبخات والأكلات مذموم ويتسبب بأذى نفسي للفقير.
وفئة أخرى ترى أن تلك الصور بريئة ومن قبيل تبادل الوصفات والأفكار بين البنات بغرض التعلم والتطوير.

لكن الملاحظ مؤخرا، أن الأمر زاد عن الحد، ليس بسبب الوصفات وحدها، ولكن بسبب ثقافة الأطقم ومشتريات الأواني التي باتت موضة هاته الأيام، فالأطقم التي تعرض فوق مائدة واحدة من دون احتساب لثمن الأكلات المعروضة، تساوي قيمتها ثروة.

فمن الأطقم التركية المتعددة الأشكال و الألوان، إلى الأواني النحاسية والذهبية الفخمة، إلى أطقم القهوة والشاي والسهرة وووو، بحيث قد تساوي قيمة طقم واحد مرتبا كاملا لمواطن جزائري بسيط.

قد يقول قائل أن الناس حرة فيما تعرض أو تقتني وحرة في كيفية إنفاق أموالها، وأن الناس من قديم الزمان تتفاوت، ومائدة الغني لا تشبه حتما مائدة الفقير، ومن حق الغني الإمتاع والاستمتاع والتباهي.
وأن محاولتكم لتسوية الغني بالفقير، هي التي جعلت الفقير يحسد و يتحسس وينافس ويرهق نفسه في سباق غير متكافئ مع الغني، ويريد أن يتساوى معه شكلا ومظهرا وهذا ما يسميه دوستويفسكي بمتلازمة"زهو الفقراء".
وهنا يشعر الأغنياء بالتشابه واكتساب صفة العمومية، وبانعدام الأهمية، فتبادر الشركات الاقتصادية، لابتكار أشياء وسلع جديدة وباهظة، فيصبح عامة الناس أمام موضة جديدة وتحد جديد يثقل كاهلهم، وينطلقون ثانية كالخراف متتبعين خطى الأثرياء، وبالتالي أسر جديد وعبودية جديدة.

ومع نسبية صحة هذا الطرح، إلا أن المتابع لهؤلاء اليوتيوبرز يدرك جيدا أننا كمجتمع عربي متخلف نعاني كلنا متلازمة (زهو الفقراء).

في كتاب علي شريعتي "مسؤولية المثقف" ذكر الكاتب أن النساء العربيات يرتدين ملابس أفخم من النساء الغربيات، وأن العمارات الحديثة بدول كالبرازيل والكويت أكثر فخامة وأسطورية بحيث قد لا نجد لها نظائر في أوربا كلها.

وذلك بسبب مركب عقدة النقص الذي نعاني منه في مجتمعاتنا المتخلفة، ولا مفر أن تفضي عقدة التأخر إلى الإفراط، الإفراط في التقدمية وإظهار التقدم.
من أين تحصل اليوتيوبرز على الأموال؟!

إحدى اليوتيوبرز صرحت مرة بعد سؤال إحدى المتابعات عن ثمن الخواتم التي وضعتها في حفلة زفاف أختها فقالت أنها (بلاكيور) بمعنى ذهب مزيف!! وأنها متوسطة الحال، وليس لها من المال ما يمكنها من اقتناء الذهب!!
مع العلم أن ما تعرضه هذه الأخيرة يوحي بأنها من الأثرياء.
يوتيوبرز أخرى صرحت أن المنزل الذي تسكنه بالكراء وليس ملكا، وأنهم متوسطو الحال، في حين أنها تصور كل يوم طقما جديدا فاخرا!!
فمن أين تأتي هؤلاء بكل تلكم الأواني والأموال؟!

هنالك فيلم أمريكي فكرته إبداعية ومؤثرة وواقعية, وهادفة رغم بساطتها وسهولة لمسها في الحياة العامة.يروي الفيلم انتقال عائلة مثالية إلى حي راق, وسط جيران ميسورين، حيث أم جميلة الشكل، وأب وسيم ورشيق, مع ابنيهما (شاب وفتاة في الثانوية) ، وتبدأ حكاية التقرب من الجيران واستعراض الساعات الفاخرة والسيارات الرياضية وإقامة الحفلات في المنزل، ويبدأ الجيران في تقليد العائلة الجديدة، فيكدسون الكماليات في بيوتهم من مضارب التنس والغولف الفاخرة إلى تلفزيونات عملاقة، وآلات جز عشب إلكترونية، ومساحيق تعيد الشباب وأحذية رياضية جذابة.. وهكذا.التقليد والمفاخرة دفع بعض الجيران لمحاكاة جيرانهم، ثم استيقظ الجيران ذات صباح على خبر انتحار أحد الجيران رغبة في التخلص من ثقل الديون.بعد هذه الفاجعة الأليمة  اكتشف الجيران حقيقة العائلة الجديدة, والتي لم تكن عائلة حقيقية بل مجرد أفراد "يمثلون", بحيث تقوم مؤسسة تجارية بزرع عائلات مزيفة مهمتها الاستقرار المؤقت في أحياء صغيرة وثرية، ومنح انطباع السعادة الكاملة لمن حولهم بفضل الأدوات الإلكترونية والتحف الثمينة والسيارات الفاخرة التي يملكونها، بهدف فتح شهية جيرانهم لاقتناء الأشياء نفسها.
قد يغفل الكثير منا أن هؤلاء اليوتيوبرز الذين يروجون لثقافة استهلاكية لا نجني منها نحن سوى خراب البيوت، تستفيد منها صاحبة القناة من خلال أموال شركة اليوتيوب، أو من خلال شركة أو محل أواني مقابل الترويج لسلعته، فقد لاحظت أكثر من مرة أن صاحبات تلكم القنوات يعرضن الأواني بشكل دوري، ويذكرن اسم المحل الذي اقتنوا منه هذه الأواني، أو اسم الموقع أو الشركة على الإنترنت، وبالتالي هي شراكة بين المنتج وصاحبة القناة لدفعنا لمزيد من الاستهلاك.

هل هنالك آثار سلبية تترتب على ذلك؟!
لا شك أن هنالك آثارا سلبية كثيرة تترتب على ذلك، مقابل نتف ضئيلة جدا من الاستفادة، فهذه النماذج المعروضة تمارس على المرأة ضغطا عصبيا واكتئابا وتدفعها لمقارنة نفسها بالأخريات، وبالتالي إحساسا بالظلم والدونية التي تؤدي بدورها لضغط على الزوج ومطالبته فوق ما يطيق وتتفاقم المشكلات بين الزوجين.
بالإضافة لمشاكل أخرى كثيرة فما يعرض من أطباق ومأكولات يتطلب جيشا من الخدم أو المعاونين لإنجازه، وجيشا آخر لتنظيف ساحة المطبخ بعد الانتهاء.

في حين لا يتناول الواحد منا سوى حبة بوراك وغرفية حريرة، أتساءل ما الذي يدفع بالنساء للتسبب بشقائنا؟!

وإذا كانت قدرات النساء وصحتهن الجسدية تتفاوت، وكذا تقسيمهن لأوقاتهن وأعبائهن، فقد تضيع إحداهن صحتها البدنية وأوقاتها في إعداد الكثير من الوجبات، بينما تجد نفسها آخر اليوم منهكة، وبدون قدرة على القيام، والطاعات.
في حين تستثمر أخرى أوقاتها في الطاعات والعبادات بما يشق عليها طول الوقوف في المطبخ وذلك لأنها قضت ليلها في طول القيام.

‏المرأة هي المتسبب الرئيس في هذا، ورغم ذلك فأكثر الضرر من جراء ذلك التفاخر سيكون من نصيب المرأة، لذا أقول دوما أن المرأة أكثر من يظلم المرأة.

‏ففي الزمن الماضي كان الجزائريون يجتمعون حول صحن واحد، ومع التقدم والعصرنة، صار لكل فرد صحنه الخاص، والآن تطور الأمر ليصبح لكل فرد ثلاثة صحون لوحده، وإذا كان متوسط العائلات مكونا من أربعة أفراد، فيمكنكم احتساب عدد الصحون التي سيقع عبء تنظيفها على المرأة وحدها.
‏استوردنا الفردانية وإتيكيت المطبخ والتقدمية الغربية، غير أننا ألغينا أن الفردانية تتطلب أن يقوم كل فرد بتنظيف صحنه وملعقته وشوكته وكأسه وووو.
‏لذا نحن نعيش بمظاهر غربية، وقيم جاهلية، فعوض أن تعلم المرأة أطفالها, وزوجها أن يقوم كل فرد بتنظيف صحنه، تتحمل هي كافة الأعباء.
‏مع أن ذلك ليس من ديننا، فقد ورد عن الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَنَّهُ كَانَ يَغْسِلُ ثَوْبَهُ وَيَرْفَعُ دَلْوَهُ وَيَعْلِفُ شَاتَهُ وَيَقُمُّ بَيْتَهُ وَيَخْصِفُ نَعْلَهُ }.

تحية لأم وليد:
ومن هذا المنبر أوجه تحية خاصة لأروع يوتيوبر جزائرية، تعلمنا منها الكثير رغم أنها تعرض كل طبخاتها في صحن أبيض وحيد من نوع (الأكوبال) طيلة ما يقارب خمس سنوات أو أكثر، وما عابها هذا وما انتقص منها.

فما الضير أن تصوري لنا أطباقك في طقم واحد طيلة الشهر الكريم؟!
وأن يكون لك طقم آخر جميل تحتفظين به لضيوف الغفلة.
فالرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فِرَاشٌ لِلرَّجُلِ، وَفِرَاشٌ لِأَهْلِهِ، وَالثَّالِثُ لِلضَّيْفِ، وَالرَّابِعُ لِلشَّيْطَانِ. رواه مسلم
وكذا ينطبق الأمر على الأواني والأطقم.

وأتساءل أين ستكدسين كل تلك الأطقم، وكم مرة سيتوجب عليك تنظيفها في السنة؟

ختاما:
حيث وجدت البساطة وجد الرقي.
وما أجمل الاهتداء بهدي نبينا، صلى الله عليه وسلم الذي قال:
((فوالله لا الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم)).

#شمس_الهمة



أين اختفت الصالحات؟


أين اختفت الصالحات؟!
"قصة قصيرة"
بقلم: شمس الهمة
جميع الحقوق محفوظة

أين اختفت الصالحات؟!
لبث مدة وهو ملتصق بباب الملتزم، أخذ يبكي وينشج ويلهج بالدعاء(( يا رب، أنا في كرب شديد، وأنت أعلم بحالي، وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ، يا رب ارزقني الزوجة الصالحة،
اللهم إني أسألك بأني أشهد أن لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، اقض حاجتي، وأنس وحدتي، وفرج كربتي، وأجعل لي رفيقة صالحة، كي نسبحك كثيرا، ونذكرك كثيرا، فأنت بي بصير يا مجيب المضطر اذا دعاك، احلل عقدتي وآمن روعتي، وفرج كربتي،
  وهب لي من لدنك زوجة صالحة، واجعل بيننا المودة والرحمة والسكن، إنك على كل شيء قدير..))
- ايه يا عم هو انت حتبات هناك ولا ايه؟!
- نام، نام، وأنا كَ غا نجيبلك الغطا!!
استفاق أخيرا من غيبوبته على كلام الحجيج ونداءهم المستمر له، مسح دموعه وانسل عائدا بين جموع المعتمرين..
"نور الدين موسى" شاب جزائري في أواسط الثلاثين، طويل القامة، نحيل الجسم، بعيون سوداء تدوران في محجريهما دورة وحشية، كأنما رعبته الحياة مذ كان جنينا في بطن أمه.
عاد إلى الفندق وقد أظلم وجهه وتلبد، كأنما يجري فيه الدم الأسود لا الأحمر، وهو يكاد ينشق من الغيظ، وبعضه يغلي في بعضه كالماء على النار...
نظر في المرآة، وجه شاحب، رسم عليه الزمن خطوط الهم والأرق، مرر أصابعه فوق شعر رأسه، وأخذ يكلم نفسه أمام المرآة:
- شعيرات بيضاء بدأت في فرض حصارها فوق رأسي، تزداد بمعدل مرعب لا يتناسب وسنوات عمري، وكأنها تعمل في سرية طوال الوقت، على تجنيد ما يجاورها من شعيرات سوداء خائنة لوطنها..
فتح فمه ونزع طقم أسنانه العلوي، تأمله برهة ثم زفر:
- آه...الزمن... أخذ مني كل شيء جميل، صرت وأنا في هذا السن عجوزا في مقتبل العمر
استلقى على سريره وأخذ يتفكر "36 سنة ولا أزال أعزبا، وأنا الذي تمنيت بناء أسرة في ريعان الشباب!!"
ترى هل سيستجيب لي الله هذه المرة؟!
عمرتين وقيام الليل، ولا أزال على هاته الحال!!
رباه، لم أعد أقوى على مزيد من الصبر، فتن كقطع الليل المظلم، ونساء كاسيات عاريات، اللهم يا رب أقر عيني وأرح قلبي"
عادت به الذاكرة إلى الوراء قليلا، ومر من أمامه شريط حياته، وعديد خيباته في البحث عن الزوجة الصالحة:
منذ كان عمري 22 عاما، وأنا أبحث عن الزوجة الصالحة،
أشعر بالملل والعناء، وتعبت من عدم توفيقي في هذا الأمر، أخاف أن أتنازل عن الشروط التي أريدها في من أريد الارتباط بها بسبب ضغوط الأهل, والمجتمع ، وتقدم عمري، وبسبب الشهوة والفتن التي تحيط بنا من كل مكان...
قضية البحث عن زوجة صالحة في هذا الزمان ليست بالشيء السهل إلا على من سهله الله له، فكيف أجد زوجة صالحة ترضيني وكيف  الصبر على كل هذه الضغوط حتى أجد الزوجة الصالحة؟.
**************
- أمي، قلت لك مرارا أنني لن أتزوج فتاة شاهدتها ترقص في عرس فلانة أو علانة..
- ولكن، يا ولدي ، من أين سآتيك بالفتاة التي ترغب، وأنا لا أذهب إلى أي مكان سوى بعض الأعراس مرة أو مرتين في السنة؟!
اسأل أصدقائك لربما كانت لهن أخوات متدينات، أو حتى أخوات زوجاتهن!!
- لقد فعلت يا أمي، أصدقاء وأي أصدقاء؟!
أصدقائي لا يفكرون سوى بأنفسهم، لا أحد يهتم لأحد اليوم، ولا أحد يفكر فيك.
- ولكن ما الحل ؟!
أنت لا تبحث أبدا، هل ستسقط عليك العروس من السماء؟!
- وما أدراك أنني لم أبحث يا أمي، لا أثر للمرأة الصالحة في هذا الزمان، كلهن كاسيات عاريات
- بني، لا تقل هذا الكلام، النساء الصالحات موجودات، ولكنهن كالدر المكنون محفوظات...ابحث جيدا وستجد بإذن الله.
- أين سأجدهن يا أمي، وكأن الأرض ابتلعتهن، لا أثر لهن في أي مكان أقصده.
- الزم حوانيت النساء، ستجد حتما فتاة صالحة تود شراء بعض المستلزمات، ربما خياطة ، أو ملابس نسائية، أو غير ذلك.
- وهل سيخفى علي أمر كهذا يا أمه، خمس سنوات من لزوم تلك الدكاكين بلا جدوى، لا أدري أين تختفي الصالحات وأين يمكنني ايجادهن؟!
ولماذا ؟!
- جرب الجامعات، ستجد هنالك فتيات متعلمات وبقمة الأخلاق.
- لا أريدها جامعية يا أماه، أتزوجها اليوم وغدا تشترط علي العمل لأنها كرهت من المنزل، هذا بالنسبة لمن درست بجامعة قريبة منها لا تضطرها للمبيت في السكن الجامعي، السفر بدون محرم حرام، ولو كانت فتاة صالحة للزمت البيت،( لن أتزوج فتاة السكن الجامعي، حتى لو انقرضت كل نساء حواء من على وجه الأرض، وبقيت هي فقط) .
اضافة الى أن الاختلاط حرام، ما أدراني أن من أختارها ليست على علاقة مع أحد زملائها!!
************
أفاق من شروده على صوت آذان العشاء، توضأ وصلى في مسجد قريب، تناول عشاءه، ثم عاد إلى الحرم، عازما على إحياء الليل في الابتهال والدعاء.
استمر على ذلك الحال طويلا، يبكي ويشهق، ويتوسل إلى الله.
صلى الفجر هنالك أيضا، ثم جلس يستغفر ويتلو الأذكار، توقف هنيهة يسترجع أنفاسه، وأخذ يكلم نفسه:
ترى هل سيستجيب الله لي هذه المرة، أريد إشارة تطمئن قلبي، إشارة واحدة يا الله.
ثم فتح المصحف، فوجد أمامه الآية الكريمة:
﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾. هود (112).
ارتعد قلبه، وانتفض جسده، ثم ما لبث أن تناسى الأمر، إنه مجرد صدفة.
عاد إلى غرفته بالفندق شغل التلفاز، وأطفأ الأضواء لينام على صوت القرآن الكريم، اختار قناة المجد للقرآن، فكانت الصدمة!!
{فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا، إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }هود(112)
نفس الآية، ونفس السورة، إنها الإشارة التي طلبتها.
لكنها مبهمة يا الله، ماذا أفعل كي ترضى؟!
مسح العرق من جبينه، وازدرد كأسا من الماء بعد أن جف ريقه، ثم استسلم للنوم.
استيقظ على صوت آذان الظهر، وتوجه إلى صنبور المياه، توضأ وضوئه للصلاة، وأسرع مهرولا إلى مسجد قريب.
أنهى الصلاة، ثم توجه إلى مطعم قريب، طلب وجبة افطار، ثم شرد مع نفسه: "حلم غريب، ترى ما معنى تلك الآيات التي تكررت في منامي؟!
وماذا فعلت؟!
ومن ظلمت؟!
أم تراها فقط من حديث النفس، فأنا كما يبدو مرهق جدا.
الآيات بعيدة عن الإشارات التي طلبتها.
الآية الأولى كانت:
﴿ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [الروم: 9].
والآية الثانية:
{ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} (123)سورة النساء.
يا رب فهمني وعلمني، أكاد أجن.
************
أتم عمرته، وعاد إلى الوطن، نفس الحيرة، ونفس الضياع.
لا يزال في رحلة بحث مضنية عن الزوجة الصالحة.
مر شهران منذ أدائه للعمرة، لكن يومياته على حالها، بحث هنا وهناك، سؤال هنا وهناك، ونقاشات لا تنتهي مع والدته.
ذات مساء تقدمت أم نور الدين نحو غرفة ابنها، طرقت الباب، فأذن لها بالدخول.
ابتسامة عريضة تعلو محياها، وعيناها تشع ببريق ظاهر
- أرى الفرح في عينيك يا أمة، كيف كان يومك عند الطبيبة، وما سر هذه السعادة؟!
- دعك مني الآن، فأنا بخير، حالك أنت من لا تسر
- هل أفهم من كلامك أن الموضوع يعنيني يا أماه؟!
هل وجدت لي عروسة لدى زيارتك تلك الطبيبة؟!
- تقريبا، ولكن ليس بعد
وأنا في العيادة سألت لك النسوة هناك، فأرشدنني إلى البحث في المدارس القرآنية، أو في المساجد فهذا الصنف لا يظهر إلا هناك يا بني...عقب العيادة مر بي أبوك من جانب مسجد "الفاروق"،  كان وقت الظهر فرأيت منظرا جميلا من فتيات في عمر الزهور يرتدن ذلك المسجد، ليس مثل مسجد حينا، العجائز فقط من يسمح لهن بالصلاة ، بينما تحبس البنات مثل أختك " منار" تماما...
- فكرة جيدة جدا يا أمي، كيف غابت عن بالي؟!
ولكن -----
- ولكن ماذا يابني؟!
- من سيتكلف بمهمة البحث والاستقصاء، وأبي يغار عليك، و يتشدد عليك بمنعك من الصلاة في المسجد؟!
- قم أنت بهذه المهمة يا بني، الزم حائط المسجد ، وترصد دخول البنات أو خروجهن، فربما وقعت عينك على من تسر قلبك.
- ماذا تقولين يا أماه؟!
اترك الصلاة، وأطلق بصري هنا وهناك على بنات الناس
هذا سلوك الرعاع؟!
- ولكن قصدك شريف وطيب!! أنت لست مثل هؤلاء.
- لا...لا...يا أماه...لن يحدث هذا الأمر
"منار" هي من ستذهب إلى المسجد كل صلاة، وهنالك تلتقي بالفتيات الصالحات، أبي لن يسمح لك ، لكنه سيسمح لمنار.
- منار؟! ولكنك أنت من كان يمنعها عن المساجد ودروس القرآن!!
- الوضع اختلف الآن يا أمي، وهي فرصة لتراها الأخوات أيضا...فلربما اصطدنا عصفورين بحجر واحد، من يدري ؟!
ربما يتزوج كلينا بعد كل هذه السنين؟!
************
خطى نور الدين من فوره، بخطوات مسرعة نحو المطبخ أين تقبع "منار"، ومن وراءه أم مخدوعة كأنها في يد ابنها كرة الخيط، كلما جذب منها مدت له مدا...
ولجا إلى المطبخ، فوجدا "منار" هناك.
شابة في أواخر الثلاثينات، لها وجه رغم جماله إلا أن عليه ذبول الدنيا كلها ، وتدور في هذا الوجه عينان غائرتان، تائهتان، تنبئ أن دمها قد وضع من جسمها في ثلاجة.
"منار" ذات مستوى تعليمي متواضع، فأخوها نور الدين لم يسمح لها بارتياد الثانوية، ولا حتى جامع أو مدرسة قرآنية...
تركت للحزن والفراغ يلتهم شبابها التهاما...
كانت فارغة من الداخل، واهتماماتها لا تتعد حائط المطبخ، صار قلبها كتفاحة متعفنة لا تغري أحدا...
امرأة بلا هدف، أو رسالة، خاوية من كل شيء، عدا السعرات الحرارية التي تحشو بها معدتها بحجة الملل...
كانت تمارس حرفة الانتظار، كي تبدأ حياتها فعليا ، وتتحقق كل أحلامها المؤجلة لما بعد الزواج..
فصارت تنتظر الزواج بلهفة السجين لخبر الافراج عنه...
وبينما هي عاطلة عن الحياة، وتمارس هذ الغباء، كان نور الدين يعيش حياته ويستمتع بشبابه.
"منار" زورق انساني صغير، ترك يتكفأ على صدمات الأيدي والصدف والأقدار...
كانت تكابد لتظل على قيد الانسانية، كانت محبوسة في زاوية مظلمة، تتلمس نقاط النور، وتبحث عن الدفء والضياء،  كانت تناضل حتى لا تتعفن روحها هناك.
**************
تنحنح نور الدين، وابتسم ابتسامة تنم عن الحماس، ثم عرض الفكرة على منار...
كانت منار تستمع وتشرد مع كل كلمة منه تقال، فقد اعتادت على عدم مقاطعته ، ولم تكن لتنخرط في نقاش مع أسماء لا تشبه الأسماء التي علمها الله لآدم.
استمرت بتحريك الحساء وأحست بمرارة الحياة بأسرها تختلط مع ذلك الطعام، ومع بخار الحساء كانت تتصاعد من روحها نفثات من الإعياء والضيق..
عاد بها الزمن إلى الوراء، واستولت على تفكيرها تلك الذكريات...
****************
1 سأذهب لزيارة بنات عمي، فقد اشتقت لهن يا أماه.
2 أخوك نور الدين لن يسمح بذلك، بيوت أعمامك وأخوالك كلها صبيان، وأخوك شديد الغيرة
3 ولكن، يا أمي أنا لا ألتقي أبنائهم مذ تحجبت، وهم يعرفون ذلك جيدا...
4 تعرفين أخاك، سيقول بأنك صغيرة، وربما التقيتهم ونحن لا نعلم، والواجب درء المفاسد
5 ولكنني لا أزورهم إلا معك يا أمي، هذا معناه أنه لا يثق بك أيضا...لقد مللت وضاقت علي نفسي، كل شيء عنده معلل بسد الذرائع، واغلاق باب الفتن...حتى الجيران لا نزورهم، لأن لهم أبناء من الذكور... ومهنة الخياطة توقفت عن ممارستها بسبب احتياجي المُلِحّ لمستلزمات الخياطة ، وهو لا يجيد ابتياع مواصفات ما أريد، ولا يسمح لي بمرافقته لشرائها بنفسي ، بحجة أن أصحاب الدكاكين رجال شهوانيون...
أتساءل هل نحن اجتماعيون؟! ولماذا لا نسكن أحد الكهوف أو احدى الجزر المعزولة سدا للذرائع!!
دخلت منار غرفتها تجر أذيال الخيبة، وقد استبد بها الحزن، واستولى عليها القنوط واليأس... ثم ما لبثت أن اهتدت لفكرة ضمنت معها أن أخاها نور الدين لن يعارضها هذه المرة...وذهبت إليه تحلق مثل فراشة في حقل جميل...
6 نور الدين ، أحس بالوحدة والاختناق، واللاجدوى، أريد
ارتياد مدرسة قرآنية.....ما رأيك؟!
7 لن أسمح لك طبعا، فالمدارس القرآنية أصبحت مركزا للمخططات السياسية ، وأخشى عليك مغبة ذلك.
8 طيب، ربما معك حق في هذا، ما رأيك لو أخذتني مرة على مرة لدروس العلم معك ؟!
9 العلم متوفر بالمنازل، كبسة زر وأنت حصلت عليه، اطلبي ما تشائين وسوف أحضر لك مختلف الأشرطة والسيديهات….لا داعي لخروجك من البيت...
10 لا تسمح لي بالذهاب عند الأخوات، ولا صلة الأرحام، طيب ، هل تسمح لي بالصلاة في المسجد؟!
11 صلاة المرأة في بيتها خير
12 ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام قال :" لا تمنعوا إماء الله مساجد الله"
13 أنت لا تعرفين شيئا، قال أيضا:( وبيوتهن خير لهن)
14 ولكن عن بلال بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تمنعوا النساء حظوظهن من المساجد إذا استأذنوكم.فقال بلال والله لنمنعهن. فقال له عبد الله أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول أنت لنمنعهن؟!.
استشاط نور الدين غضبا ، وصب على أخته "منار" وابلا من الشتائم لم يتلقه "دونالد ترامب" من المسلمين ثم قال:
15 تتفيقهين، وتهرفين بما لا تعرفين، أكرمك الله ببيت يأويك ويسترك ، وتريدين التفلت والانسلاخ؟!
هل تنكرين أن بيتك هو جنتك؟!
الضوابط التي جعلها الرسول صلى الله عليه وسلم لذهاب المرأة للمسجد غائبة في زمننا هذا ، من أمن الفتنة ووجوب بعد مكان الرجال عن النساء ، وتريث الرجال في الخروج حتى يخرج النساء ، معظم المساجد مدخل الرجال بمحاذاة مدخل النساء ، ويمكن أن تري جموع المصلين من الرجال يوم العيد حين يخرجون سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون ، لتعرفي أن السم مدسوس في العسل في هذا الزمان .
*********
خرجت منار عن صمتها وشرودها، مسحت بظاهر كفها حبات العرق من على جبهتها، ثم توجهت بكلامها نحو نور الدين:
16 ألم تجد الزوجة الصالحة، لحد الساعة يا نور الدين؟!
17 للأسف، لم أوفق في العثور على فتاة صالحة كما تعلمين.
18 أين بحثت يا نور الدين؟!
19 بحثت في دكاكين الخياطة، وبين الجيران، وبين الأقارب ، والأصدقاء و..و...باختصار كل الأماكن التي من المفروض أن تتواجد فيها الفتيات الصالحات.
لكنني لم أوفق، وكأن الأرض ابتلعتهن، فعملية البحث عن فتاة صالحة هذه الأيام، أشبه بالبحث عن ابرة في كومة قش.
ولكن لماذا تسألين، وأنت تعلمين عني كل ذلك؟!
   أريد تغيير الوجهة الآن، يجب أن ترتادي المسجد بصفة يومية، فذلك سيفيدني ويفيدك حتما...ماذا قلت؟!
نظرت إليه شزرا، وأنفاسها تغلي وتضطرم مثل بركان يوشك على الانفجار، ثم قالت:
20 آلآن ، وقد تشددت بالأمس.
آلآن، وقد بلغت من الكبر عتيا؟!
آلآن، وقد حرمت كل ما أحل الله، بحجة الفتن؟!
آلآن، وقد حطمت زهرة شبابي بتنطعك؟!
صدم نور الدين، وعلا وجهه الذهول، ولأول مرة شعر بالخجل من نفسه فاستطرد يقول بتلعثم:
21 فعلت هذا حبا بك، وخوفا عليك يا منار.
22 الحب لا يبرر ظلمك لي يا نور الدين
ألا تعرف حقا لماذا لم توفق في العثور على الزوجة الصالحة يا نور الدين؟!
23 ما السبب في رأيك؟!
توجهت نحو غرفتها، وأحضرت له كتابا فقال:
24 ما هذا الكتاب يا منار؟!
أصيب نور الدين بصدمة أخرى، يبدو أنه مساء الصدمات اليوم، ثم توجه لها بنظرات مستفهمة وقال:
25 متى كتبت الكتاب؟! ومن سعى لك بطباعته؟!
وما عنوانه؟!
26 دعاء ابنة خالي شجعتني على الكتابة، وقامت بطباعته على نفقاتها الخاصة، لكن ذلك لا يهم الآن، خذه واقرأه، فقد أعددته لمثل هذا اليوم…أما العنوان فقد حجبته، ستعرفه حين تتم القراءة.
بيدين مرتجفتين تصفح نور الدين الكتاب، فقابل ناظريه الإهداء الغريب:
(( حاولتم دفننا، لم تعرفوا أننا بذور))
فتح الصفحة الأخرى على الإهداء الثاني فاذا مكتوب فيه:
“وضعوني في إناء ثم قالوا لي تأقلم
و أنا لست بماءٍ
أنا من طين السماء
وإذا ضاق إنائي
بنموي يتحطم !”
"أحمد مطر"
توالت الصدمات عليه، وأخذ كل مرة يتصفح ويقرأ فإذ به يجد ما يلي:
مقدمة:
كل فعل عنيف تقابله بالضرورة ردة فعل أعنف...
تزمت الرجل وظلمه للمرأة في الفترات السابقة،
أدى إلى خروجها غير المبرر وتفلتها...
يلزمنا وقت وجهد لإقناع النساء بعدم جدوى ما يفعلن ، وإعادة الميزان الرباني...
أما دعاة الانغلاق فأقول لهم:
يا اخوان لأننا منعنا النساء بيوت الله، لجأن للأضرحة.
ولأننا منعناهم من دروس العلم لدى المشايخ، لجأن لدروس الفنانات والمسلسلات.
ولأننا منعناهم من الفسحة المشروعة، لجأن للأسواق والتسكع في الطرقات..
ولأننا منعناهم التلاقي، غاب التناصح ، وكثر الفساد.
أمتنا ضاعت بين افراط وتفريط
وكردة فعل على تفلت النساء، جنح الشباب المتدين مرة أخرى إلى أسلوب التشدد والتزمت الذي مارسه الأجداد عن جهل من قبل، فهل سنبقى ندور في رحى هذه الدائرة زمنا طويلا؟!
دائرة الفعل العنيف، ورد الفعل له؟!
(( المرأة شريك الرجل في بناء المجتمع، وعندما أمرها الإسلام بالستر وعدم الخضوع بالقول لم يكن يريد حذفها هي، بل أراد حذف النظرة المادية الشهوانية اتجاهها ...
وفي مجتمعنا العربي تمارس علينا دعاية غوبلز ..بحيث يعطونك اختياران أحلاهما مر .. اختر بين المرأة السافرة العارية أو اختر بين المرأة الفتنة التي يجب حذفها (1)....
المرأة أعدت لأدوار عظيمة إن أحسنا تهيئتها لذلك، و إن كانت التربية المستقيمة لها أهم سبل التهيئة فإنها وحدها غير كافية... العلم الصالح من مصادره الطيبة و المعرفة الاجتماعية التي لا تتسنى إلا بالانتماء للمجتمع، يشكلان عاملان هامان الى جانب التربية للتهيئة السليمة للمرأة بعيدا عن كل العقد النفسية ....
المرأة دون الرجل كائن رسالي، لا يعني أن لا رسالة للرجل إنما الدور الرسالي للمرأة أعمق و أهم " المرأة مدرسة إن أعددتها أعددت شعبا طيب الاعراق"... دورها أساس في تنشئة مجتمع سليم من خلال تنشئتها للمصلحين المنشودين لذلك...
هكذا دور ألا يحتاج الى تنشئة نساء أهل لذلك : تنشئة تربوية , علمية ، معرفية ، واجتماعية؟!
للأسف لا يتأتى كل ذلك بحبسها بالبيت، لأنه أصبح من الصعب التفلت من الملهيات فيه، من أشغال يومية، و برامج تلفزيونية تبعدها عن النشأة السليمة ، أضف إلى ذلك صعوبة التعلم بدون معلم معين يساعد بشكل خاص على الانضباط، و تحديد المصادر الأهم لطلب العلم....
صار لزاما علينا الالتفات إلى ذلك، فنحن ننادي بالإصلاح و نفسد أهم حلقة فيه " المرأة".(1)
الماء الراكد فاسد، عكس الماء الجاري..
والمسلم رجلا كان أو امرأة ، لا يعيش على الهامش بمعزل عن العالم...إنما يؤثر ويتأثر ويتفاعل)).
وبالتلاقي يتجدد الايمان، وتتبادل المنافع، وينتشر التنافس على الخيرات، ويعم الصلاح بدل الفساد.
وقد سئل ابن باز عن صلاة المرأة في المسجد فقال:
صلاة المرأة في المسجد
تسأل سائلة وتقول: هل تجوز صلاة المرأة في المسجد وهي مستترة ومحتشمة ولم تمس طيباً ولم تتبرج وهي تريد بذلك وجه الله عز وجل إلا أن زوجها غير راض عنها، أفيدونا أفادكم الله؟
للمرأة أن تصلي في المسجد مع التستر وعدم الطيب، وليس لزوجها منعها من ذلك إذا التزمت بالآداب الشرعية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تمنعوا إماء الله مساجد الله))[1]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها))[2] متفق على صحته. فإذا خرجت محتشمة وبدون طيب فلا بأس ولو أن زوجها غير راض للحديثين المذكورين، وإن صلت في بيتها ولم تخرج تطييبا لنفسه وابتعاداً عن أسباب الفتنة فهو أفضل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وبيوتهن خير لهن))[3].
أما دور المرأة الحقيقي فلا يعلمه من لا يجاوز نظره أرنبة أنفه، إنما يعلمه العلماء الربانيون الأخيار فقد ذكر الإمام الألباني في كتابه ((الرد المفحم فيمن تشدد وألزم)) دور المرأة الحقيقي فقال:[وإني لأعتقد أن مثل هذا التشديد على المرأة، لا يمكن أن يخرج لنا جيلاً من النساء، يستطعن أن يقمن بالواجبات الملقاة على عاتقهن ، في كل البلاد والأحوال، مع أزواجهن وغيرهم، ممن تحوجهم الظروف أن يتعاملن معهم، كما كن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، كالقيام على خدمة الضيوف، وإطعامهم، والخروج في الغزو، يسقين العطشى، ويداوين الجرحى، وينقلن القتلى، وربما باشرن القتال بأنفسهن عند الضرورة، فهل يمكن للنسوة اللاتي ربين على الخوف من الوقوع في المعصية -إذا صلت أو حجت مكشوفة الوجه والكفين- أن يباشرن مثل هذه الأعمال وهن منقبات و متقفزات؟ لا وربي، فإن ذلك مما لا يمكن إلا بالكشف عن وجوههن وأكفهن، وقد ينكشف منهن ما لا يجوز عادة، كما قال تعالى:{إلا ما ظهر منها}، كما سنرى في بعض الأمثلة الشاهدة لما كان عليه النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم].المرجع/ الرد المفحم على من خالف العلماء وتشدد وتعصب وألزم المرأة أن تستر وجهها وكفيها وأوجب ولم يقنع بقولهم: أنه سنة ومستحب/ ص149
خاتمة:
((هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون))
مثلما فسدت الأمة الاسلامية بسبب دعاة الانسلاخ والتحرر، وحقوق المرأة، التي اختزلوها في حرية الخلاعة والمجون والتمرد على الأعراف والقيم، فأصبحت بذلك سلعة.
عمد آخرون إلى حبس المرأة، بفكر وجاهلية حديثة، ووأد معاصر للبنات، ففي الجاهلية كانت الموؤدة سرعان ما تموت تحت التراب، أما الآن فتظل الموؤدة حية تعاني ظلم الأهل!!
فأصبح الوأد الجديد، أشد قسوة من الوأد القديم!!
ففضلا عن الأمراض النفسية، والانحرافات السلوكية التي ستصيب الفتاة نتيجة عطلها، سوف تذبل زهرة حياتها ويتلاشى عمرها هباء منثورا..
عزلوها في منطقة محصورة و أفق ضيق من الناحية الفكرية والحياتية، وجعلوا مجموعة من الأوصياء يقومون عليها، ويقررون عنها ، وحصروا حريتها وقراراتها فقط في النوم و الأكل والشرب؟!
تلك هي أبشع طرق الوأد!!
الشباب المسلم واقع بين تيارين، تيار العادات والتقليد والتزمت المصاحب لها، وتيار اليقظة والتصحيح والتطور والمرونة التي يتطلبها.
(( ولا حل إلا بالفهم الصحيح للإسلام، فلا افراط ولا تفريط))
أما واقع المجتمع الجزائري، فمنقسم إلى قسمين لا وسط بينهما، دياثة حد الخنا، وتشدد وغيرة حد الاختناق.
وقد قال بهذا الواقع، وقرره الكثير من العلماء والمفكرين.
موقف مالك بن نبي من قضايا المرأة:
وقف مالك من قضية المرأة موقفه من القضايا الأخرى، وقد أطلق تسمية "مشكلة المرأة" في كتابه "شروط النهضة"، وذلك انسجامًا مع منظومته الفكرية التي تدور حول مشكلة الحضارة عموما من ناحية، وللتدليل على مقدار التضخيم الذي كان من نصيب موضوع المرأة في العالم الإسلامي، سواء من أنصار التحرر الذي يصل بالمرأة إلى درجة التحلل، أم من أنصار التزمت الذي يغلق بصره أمام حقائق الإسلام .
ميز مالك بن نبي بين موقفين متقابلين من قضية المرأة: موقف المتمسكين بإبعاد المرأة عن المجتمع وإبقائها في وضعها التقليدي الذي كرسته التقاليد، وموقف الداعين إلى أن تخرج المرأة في صورة تلفت إليها الغرائز. ورأى أن موقفي هذين الفريقين يصدران عن دافع واحد هو الغريزة. وهذان الموقفان لا يساهمان في حل المشكلة، بل ربما زادا الطين بلة. وإذا كان موقف الداعين إلى التحرر على النمط الغربي واضح الأخطار على المجتمع الإسلامي بسبب ما يؤدي إليه من ترسيخ للتبعية وتبليد للحس الإسلامي وضرب الهوية الخاصة للأمة، فإن الموقف الثاني قد يكون أشد خطرا لأنه يعطي لأعداء الأمة المبررات للخوض في سمعة الإسلام والتشكيك فيه، ويجعل المرأة حين تفكر في الحرية لا تجد أمامها إلا النموذج الغربي الحاضر أمامها.
من أجل ذلك يستبعد مالك هذين الموقفين لأنه "لا أمل لنا أن نجد في آرائهما حلا لمشكلة المرأة"
ملاحظة:
هذا الكلام لا يعني الدعوة إلى التمرد والتحرر والانفلات على الطريقة الغربية, هو دعوة إلى التوسط والاعتدال, وفق الميزان الرباني الصحيح.
*************
كان نور الدين واقفا فجلس، كان فاغرا فاه ويتنفس بصعوبة، أغلق الكتاب ونزع عنه الغلاف الخارجي، فإذا به يصعق عند رؤيته للعنوان، لقد كان عنوان الكتاب(الجزاء من جنس العمل)!!
تمت بحمد الله
بقلم: شمس الهمة

عند الراقي(قصة قصيرة)

عند الراقي!!(قصة قصيرة)


حدث ذلك عندما التقينا بعد سنوات في احدى حفلات الزفاف، كنا ثلاث صديقات من مرحلة الثانوية (سعاد، عائشة وحكيمة كان اسمي)، فرقت بيننا الحياة والمشاغل، فقد أصبحت أنا مدرسة ولي ثلاثة أطفال، وسعاد أصبحت ممرضة ولديها طفل، أما عائشة فتخرجت من كلية الاقتصاد، لم تجد عملا، لذا لجأت لتحفيظ القرآن، كان حلمها دوما تأسيس أسرة سعيدة، لكن الأقدار شاءت أن تبلغ السابعة والعشرين دون عمل، ودون زواج أيضا، صديقتنا تلك كانت جميلة جداا، لذا استغربنا عدم زواجها حتى ذلك الوقت، وسألناها عن السبب، فأجابت:
- (نصيب).
لم تبد بائسة أو تعيسة، كانت لا تزال تحتفظ ببريقها ورونقها، وابتسامتها العذبة، لكني وسعاد تواطأنا من خلال حديثنا لدفعها كي تزور الرقاة، وأمطرناها بقصص سمعناها عن السحر والعين وتأثيرهما على ربط الفتاة عن الزواج.
جالسين إلى المائدة الكبيرة المضاءة والعامرة بشتى الأطباق اللذيذة، وانطلق نقاشنا المحموم آنذاك حول سحر الربط والرقاة الجيدين، لكنها لم تأخذ كلامنا بمنتهى الجد، وكانت تتهرب، وتود كل مرة تغيير الموضوع.
- العين حق، قلنا لعائشة، والسحر موجود، لا تستهيني بهذا الأمر.
محتفظة بابتسامتها وهدوءها وعيناها لا ترتفعان عن الأرض، قالت:
- حسنا، بما أنكما تصران على جعلي محور الحديث هاته السهرة، استمعا إلى تجربتي وقناعاتي في هذا الموضوع، سأحكي لكن ما حدث معي العام الفائت.

حينها خمدت حماستنا فورا، وبعيون يائسة وحزينة من أجلها، كانت وجوهنا المترقبة تقول((سحقا)) ما أتعس الجميلات، كما لو كان الجمال حظهن الوحيد من الحياة.

تابعت عائشة كلامها قائلة:

أعيش رفقة أسرتي الصغيرة في منزل متواضع، وأنا الفتاة الوحيدة ضمن أربعة ذكور.
والدتي كجميع الأمهات لم تنفك تتعجل أمر زواجي، رغم أني وحيدتها، وكانت قلقة بشأني كثيرا، ولطالما توسلت والدي أن يطوف بي الرقاة، لكن والدي كان يرفض الأمر رفضا تاما، ويغضب اذا حدثته بالأمر، وهذا لاعتقاده الجازم بأن غالبية هؤلاء دجالون، يقتاتون على أوجاع وهموم الناس.
لذا يبدو أنها تواطأت مع زوجة أصغر أعمامي، من دون علمي، ودبرتا لي زيارة إلى بيت عمي الذي يقطن بولاية أخرى غير ولايتي، هي ولاية سيدي بلعباس، وذلك لقضاء بعض الوقت.

عمي "علي" هو أقرب أعمامي لقلبي، لأن فارق السن غير كبير، فهو شاب مرح، اضافة أنه يفهمني ويستمع إلي دائما.
وهو إلى ذلك يملك سيارة جميلة، وكلما زرته في منزله، يأخذني وزوجته لأماكن جميلة دائما.
كان الفصل ربيعا عندما قرر عمي"علي" أخذنا إلى شاطئ الأندلسيات في وهران لنستمتع بجوار البحر...
كان الموعد بعد صلاة الجمعة، حزمنا أمتعتنا وانطلقنا...
بعد نصف ساعة كان الوصول..
كانت آثار برد الشتاء لاتزال موجودة لذلك لم نجد أحدا هناك...وانفردنا بصحبة البحر...
مشينا وتسابقنا وأكثر من ذلك غطسنا بكامل ثيابنا في البحر، لا أحد يستطيع مقاومة الإغراء أمام جمال المياه ودفئها...
تبللت ثيابنا فمكثنا مدة حتى جففتها الرياح ...بعدها سارت بنا السيارة في طريق آخر...كنت منهمكة في التأمل ولم أعرف إلى أين الوجهة القادمة...
وصلنا إلى مدينة "بريقو" المحمدية في معسكر قبيل آذان المغرب..
كانت ستائر المطر معلقة بين السماء والأرض وقد غسلت ثمار الرنج المنتشر في كافة شوارع المدينة...
سألت عمي قبلها إلى أين الوجهة؟!
فأجابني:(بريغو)المحمدية..
- من سيدي بلعباس الى وهران الى معسكر، هل هنالك خطب ما؟!
ضحكات صفراء خبيثة من زوجة عمي:
- أخفينا عنك السبب الرئيس لرحلتنا اليوم...نتوجه لزيارة راق معروف في مدينة المحمدية... لو كنت أخبرتك، فستقولين حرام.
عمي بضحكة متواطئة أيضا:
- هذا راق ممتاز كان دكتورا في بريطانيا، سلفي ومثقف...لا تخافي ليس دجالا_ وكلمة سلفي هي لفظ يطلق من العوام على كل من يلبس قميصا ويربي ذقنا حتى لو كان هذا الأخير طرقيا!!
- وهل خلت بلعباس ووهران من الرقاة حتى تأتوا إلى معسكر؟!
- جربنا كل أولئك الرقاة، ذهبنا إليهم واحدا بعد الآخر، لم نترك بلعباس...ولا وهران..ولا مستغانم.
سرحت بخيالي أفكر، ثلاث ولايات طافوا بها وجربوا كل رقاتها الذين سمعوا عنهم، ما الذي يدفعهم إلى تبديد أموالهم وأوقاتهم في هاته الأعمال؟!
ثم ماذا ينقصهما؟؟! ومم يشكوان؟!
فقد عهدت عمي وزوجته زوجين من أسعد الأزواج، كان لديهم بيت جميل، وسيارة وأموال وابن صغير، وكانا إلى ذلك بشوشين فرحين طوال الوقت، ويستمتعان بالحياة والسفر والتنقل من مكان إلى مكان..
ظاهريا وماديا لم يكن ينقصهم شيء...
لكنهما لم يكونا من المصلين، ولا ممن يحافظون على الطهارة أو قراءة القرآن…
كان الحزن يلتهمهما التهاما من الداخل، والخواء يصفر تصفيرا مزعجا بأذنيهما، وكان الوسواس والقلق ينخر بقلبيهما...فيحفر عميقا عميقا.ً..

اتصل به ليعلمه بوصولنا، فخرج شاب في مقتبل العمر وفتح لنا الباب...
أدخلنا في صالة الضيوف...بقينا نتمتم فيما بيننا...إلى أن حضر الشيخ الجليل...شيخ قصير القامة...كث اللحية...يلبس البياض...رغم سنه الذي قارب الستين ربما ، إلا أن حركته وخطواته كانت رشيقة مثل خطوات قطة ...
له عينان زائغتان، وتتحركان كثيرا يمنة ويسرة بشكل غير مريح للناظر اليه...
سألته عن القبلة...فأشار بها علي ، ثم تركنا وحدنا... صليت المغرب دونهما...واستأذن هو كي يصلي أيضا...ثم ما لبث أن عاد..
- انتظرتك من بعد صلاة الجمعة على حسب الموعد الذي اتفقنا عليه، أجلت كل أعمالي من أجلك.
أطرق عمي رأسه خجلا، وتوردت خدوده من فرط الحياء ثم أجاب:
الله المستعان، مشاغل ومسؤوليات ..عاقت مجيئي في الوقت.
(مشاغل، ومسؤوليات!!)
أفكر بيني وبين نفسي ، نعم... فعمي والكلمة خطان متوازيان لا يلتقيان ولا يتوافقان ، فلطالما عرفته شابا كبقية شباب هاته الأيام، لكن ليس إلى تلك الدرجة!!
ليس إلى درجة موعد مع شيخ!!
شيخ مسؤول وإمام مشغول وراق مقبول!!
مشاغل!! كم ضحكت من تلك الكلمة، فموعد مع محبوبته على البحر من دون تخطيط، كان أهم من كلمة مع من يفترض به أن يكون الشيخ والراقي والإمام!!
بعدها طلب من عمي التمدد على أريكة مقابلة وأخذ يقرأ عليه ما تيسر من القرآن..
الشيخ يقرأ وعمي يتخبط في مكانه ويتحرك بحركات *إرادية* طبعا... ليضفي جوا من الوهم والتمارض...
كان الشيخ حين ينتهي من مقطع، يسأل عمي عن شعوره...فيتظاهر الأخير بالدوخة والغثيان وتنميل في الأطراف...يطمئنه الشيخ وينصحه بقارورة باهضة الثمن تحوي خليطا من الأعشاب مع عسل النحل...وأن يدهن يزيت الزيتون المرقي...
يأتي الدور على زوجة عمي، يقرأ عليها في مكانها من دون أن يلمسها ويسألها هي الأخرى فتقوم بعمل" نسخ- لصق" لكلام زوجها وتزيد عليه قليلا.
عندما انتهى منهما، وجه إلي سؤاله مستفسرا إن كنت مريضة مثلهما وأريد الرقية...أجيبه بالنفي
حينها تتدخل الأفعى- زوجة عمي وصديقتي المقربة - قائلة:
- أرجو أن تقوم برقيتها شيخنا، هذه الفتاة لا تؤمن بالرقية، ولو تسمع خبرها لرثيت لحالها، المؤكد أنها مصابة بعين أو سحر، لذلك تخاف من الرقية والرقاة!!
توجه الي الشيخ بسؤاله:
- ألا تؤمنين بالرقية؟!
- قلت: بلى شيخ أؤمن بها، لكنني بخير، وأنا لا أؤمن أن كل شوكة يشاكها الإنسان تكون من أثر العين والسحر...
الشيخ مستفسرا زوجة عمي- وكأنني أحتاج إلى وصي ينوب عني في الكلام- أحسست وكأنني قاصر يحتاج الوصاية أو مريض يحتاج العناية أو طفلة تحتاج الرعاية- -:
- مم تشكو؟!
- الخطاب يأتون ولا برجعون، خطبها كثيرون، لكن لا أحد قرر العودة بعد الرؤية الشرعية- وهما يتكلمان عني أحسست فعلا بالقهر، أحسست بالضعف، وأحسست وكأن بي عاهة في باطني...كان حالي كمن كذب كذبة وصدقها وعاش فيها...فقد عشت الدور....أيعقل أن يتأثر العقل الباطن بما يراد له ويتصرف وفقه...فقد تأثرت فعلا بكلام زوجة عمي رغم أنه لم يكن صحيحا ...فمسألة سلوك الخطاب وعدم عودتهم كانت منطقية جدا...خصوصا وأن الرفض كان يتم عبر أهلي....فأنا كنت أقبل بأي خاطب.... علمتني أمي وأنا صغيرة أن من ترد الخاطب الأول بدون سبب تحل عليها اللعنة بسبب دعائه عليها...لم أتربى على الخرافات أو الاعتقادات الباطلة...لكن مقولة أمي كان فيها الكثير من الصحة لذا جمعت بينها وبين شرع الله وخرجت بنتيحة أن الرفض اذا كان بدون سبب...فستندم صاحبته بعد ذلك وعليها أن تحسن الظن بالخاطب وتعطيه الفرصة حتى تتبين تدينه وأخلاقه.

كنت أقبل بأي كان وأكتفي بالاستخارة، وكان أخي مشكورا يقوم بالتقصي والسؤال، إلى أن يصل إلى قناعة مفادها أن الشخص غير مناسب.
الشيخ يحملق في مباشرة مستغربا :
– آه لو رآك أبي كان سيمسح بك الأرض ، كيف تجرؤ على النظر إلي مباشرة؟! - أقول في نفسي-
- كل هذا الجمال!! ولايوجد نصيب؟؟؟
- آخ لو سمعك أخي كان سيذبحك من الوريد إلى الوريد، كيف تجرؤ على نعتي هكذا؟!
- الواضح أن كلامهم صائب، وأنت غير مدركة لما يحدث معك، تعالي اجلسي هنا..
- شيخنا، لا أشكو من شيء..الحمد لله.
- أنت لا تدركين الأمر، لو كنت ملكة جمال العالم ووضع لك سحر لحجبت عن جميع الرجال...كنت ستبدين لهم بمثابة شيطان..

سرحت في كلامه و ورحت أتخيل أن لي قرني شيطان، وأن وجهي يحمل بشاعة الكون كله...ندوب وتقرحات مخيفة وعين مشطوبة ...وعصابة قرصان...يا إلهي!! أخافني مجرد التخيل...هؤلاء الخطاب مساكين حقا ...إنهم يفزعون من رؤيتي كل مرة...سيلاحقهم طيف بشاعتي كل حياتهم...وربما كرهوا كل النساء بسببي...في المرة المقبلة لن أدع أحدا يراني حتى لاتعذبه صورتي...

أفقت من سرحاني على أوامر الشيخ:

- تعالي يا بنيتي

قعد قبالتي ثم رأى خجلي فأخذ يسألني بصوت خافت..
- هل تأتيك كوابيس في الليل؟
- لا
- هل يؤلمك رأسك عموما، وبالخصوص وقت العصر
- لا
- هل تعانين ألما أسفل الظهر، أو تساقطا للشعر
- لا
تمعض وجهه فجأة يبدو أن أجوبتي لم ترقه، فتلك كانت أعراض سحر الربط عن الزواج وأنا بددت له شكوكه...((كنت محصنة ضد الدجل والدجالين وأميزهم من خلال علامات معينة، ففي وقت مبكر جدا قرأت كتب الشيخ وحيد عبد السلام بالي - كتاب الصارم البتار في التصدي للسحرة الأشرار- وكتاب وقاية الانسان من الجن والشيطان- وذلك قبل سن الخامسة عشر، قرأت كتبا كثيرة في حياتي بعد ذلك لكن الكتب التي شكلتني وشكلت معتقداتي وتلك التي أتذكرها من دون غيرها هي الكتب التي قرأتها في الفترة ماقبل سن الخامسة عشر...كنت عجينة طرية وتلك الكتب شكلتني في قالب صحيح.))

أخذ يقرأ علي بعض الآيات القرآنية وكان متقنا لأحكام التجويد، وأصدقكم القول أن صوته بالقراءة كان مثل المقرئين، لذلك استبشرت خيرا
انتهى من قراءة دامت أكثر من ربع ساعة، ثم سألني:
- هل تحسين بشيء؟!
- لا
- ألا تحسين بتنميل أو خدر؟!
- لا
ازداد وجهه تجعدا هذه المرة أيضا ثم واصل القراءة وكان كل مرة يسألني فيها أجيب بالنفي...
حينها تمتم بكلام غير مفهوم ثم شرع يقول:
- ادخلوا يا عباد الله
- ادخلوا يا عباد الله المؤمنين
- ادخلوا في هذا الجسد المؤمن
انتفضت من مكاني، وقلت له بنبرة خائفة و مرعوبة:
- بارك الله فيك شيخنا، الحمد لله، يبدو أنني لا أعاني خطبا ما.
ثم أومأت لعمي بأنه يجب علينا الإنصراف

ارتعب عمي من كلام الشيخ، وهيئتي المرعوبة وأبي الذي لايعلم شيئا عن هذا الموعد، ولأول مرة في حياته أحس أخيرا بالمسؤولية، وكلم الشيخ موضحا له أننا تأخرنا، وأن موعدا هاما بانتظاره...
- صرتن مدركات الآن، (عمي لديه مشاغل!! ).

وسكتت عائشة، فانفجرت وصديقتي نسألها:
- والمغزى من كلامك، ربما هو دجال مثلما ذكرت، لكن يوجد رقاة حقيقيون، ألا تؤمنين بالعين والسحر؟!

أجابت وابتسامة تعلو ثغرها:
- أؤمن بالعين، فهي حق، وأؤمن بالسحر أيضا، وأؤمن بعالم الجن،  وأنه يتلبس الإنسان، لكنني لا أؤمن بالوهم.

ثم أردفت سعاد قائلة:
- ماذا حدث بعدها، هل أصابك مكروه؟!

تنهدت عائشة كمن تخلص من حمل ثقيل، ثم قالت:

- مكثت بعدها عدة أشهر وأنا أتخيل أن عائلة مكونة من سبعة أفراد ربما ، ستتلبسني يوما ما...فيبدو أن أزمة السكن شاملة لعالم الجن أيضا، والدليل أن هؤلاء اعتدوا على أجساد نصف الجزائريين!!

#شمس_الهمة


روتين العيد ببيتنا


روتين العيد ببيتنا:


في الماضي، ولأن أسرتي صغيرة، كنا نقضي العيد في بيت الجد والجدة، العيد يومها كان راائعا، والبيت الكبير كان يمتلئ عن آخره، شباب، مراهقون، صبايا، نساء وعجائز، وأطفال أشقياء.
حين كبرنا، توفي جدي، وتغيرت الأوضاع، صرنا نحتفل في بيتنا بعد زيارة بضع أرحام في الصباح فقط، ولكم أن تتخيلوا عشية العيد، أو بالأحرى كل ذلك الوقت بعد العاشرة صباحا، نتناول الفطور، ونأخذ قيلولة لأن طارقا لن يطرق بيتنا يومها، ثم نجتمع حول طاولة القهوة والشاي والحلويات، ونمكث في البيت نشاهد التلفاز، كان ذلك مملا وكئيبا للغاية، استمر معنا لبضع سنوات.
بعدها فكرنا في ذلك الوضع، وقررنا تغييره إلى الأفضل، فالسعادة أنت من يصنعها.

اتفقت وشقيقاتي على تحضير الكسكسي يوم العيد، واذا طرقنا طارق فلن نتركه يذهب من دون تناول الكسكسي، إخوتي الشباب لا يحبون الكسكسي، لذا فهم يكسرون حدة الجوع يوم العيد بساندويشات الشاورما، التاكوس، أو البيتزا، وحين يعودون إلى المنزل يتناولون البيض المقلي وشرائح الكاشير المالحة، التي تكسر حلاوة مخبوزات العيد.
بعدها أصبح أخي يعد صينية كارنتيكا يوم العيد، فهو يجيد تحضيرها ببراعة.
الكسكسي، الأومليت، السلطة، شرائح الكاشير، وصينية الكرنتيكا الكبيرة، أصبحت طقسا واجبا اشتهر به بيتنا، وكان يروق الأطفال وأمهاتهم كثيرا، وكان كفيلا بجعل الجميع أطفالا وكبارا، شباب ونساء يفضلون المكوث ببيتنا، فالعيد أصبح له طعم خاص ومميز.

يجتمع الرجال في الصالة الرئيسية الكبيرة، ويجتمع معهم الشبان في زاوية خاصة، أما المراهقون فيجلسون في أريكة واحدة مع هواتفهم الجوالة لا يرفعون رؤوسهم عنها فهم منغمسون بلعبة pupg.

النساء يجتمعن في صالة النساء رفقة أمي، بينما تجتمع المراهقات في غرفة ويغلقن على أنفسهن بالمفتاح، لدرجة تجعل صغيرات السن يستغربن ذلك الفعل، ويحاولن التنصت عليهن، أضحك أنا في داخلي من فضول الفتيات الصغيرات، وأتذكر ذات السلوك فقد كنت وبنات خالي وخالتي نقوم بذات الشيء، ونغلق على أنفسنا أيضا، وأشرح لهن أن جميع البنات سيمرون بذات المرحلة، وأن للمراهقات عالمهن الخاص.

الصبايا يتركن صالة النساء، ويجتمعن معي في المطبخ، وتبدأ هناك مرحلة من الأحاديث الحميمة العذبة، مصحوبة بغسيل الأواني وتحضير الحلويات والقهوة والشاي، وصحون من الكسكسي بالمرق لمن أراد والحليب الرائب أيضا.

الأطفال الأشقياء لا تهدأ لهم حركة، فباب بيتنا لا يعرف الهدوء، ما بين داخل وخارج لابتياع الألعاب ورقائق البطاطس وغيرها، اضافة للجري عبر الرواق، وعبر السلالم إلى الطابق الثاني، وغالبا ما نسمع بكاء وشكاوي ومشاجرات لا تنتهي.

أتنقل بين الغرف لإلقاء السلام، ومعرفة ما يحتاجه الضيوف، وأجلس قليلا في مجلس النساء، ثم ما ألبث أن أصاب بالغثيان من تلك الأحاديث، أحاديث عن المظاهر والفوخ والزوخ، ومن أي محل اشتريت ملابس أبناءك، وهل رأيت المركز التجاري الذي افتتح مؤخرا، وتتخلل تلك الأحاديث صرخات أمهات غاضبات على أطفالهن(غيغي، ارواح نغسلك يديك، دوك يحكمك ميكغوب)، والأخرى التي لا تترك طفلها يخالط الآخرين، وكلما بكى ناولته ضربة بقفا يديها المليئة بالخواتم الثمينة العملاقة، والتي وبلا رحمة تتسبب للطفل بنزيف في الأنف والفم وسط استغراب الأخريات من النساء).
وهنالك تلك التي أحضرت معها علبة من مختلف الحلويات، وقالت أنها من قام بصنعها في حين يتهامس الجميع حولها، ويعرفون أنها تكذب، لأن شكل الحلويات الصارخ يدل على أنها قامت بشرائها😂😂

ثنائيات المتزوجين الجدد الذين تنطق عيونهم بالمرح والبهجة، والذين يصرون على التقاط الصور في كل مكان في البيت، يتبعهم الأطفال ويحشرون أنفسهم ليظهروا في الصور رفقة العروسان.

رائحة المرق باللحم، مع الكزبرة والكرافص، ممزوجة برائحة الكاران، تختلط بروائح العطور لأحدث الماركات العالمية، نسيت أن أقول أن يوم العيد هو يوم الجوع العالمي، فنحن لا نفطر مرة واحدة فقط، بل نكرر الفطور كل مرة لكسر حدة هذا الجوع الغريب.

في الصالة الرئيسية، ترتفع أصوات الرجال بنقاشات محمومة حول مختلف القضايا السياسية الراهنة، وأود في قرارة نفسي لو ألتحق بمجلس الرجال، لولا أنه يضم رجالا آخرين من غير المحارم، أصدقاء والدي واخوتي، الجيران وهلم جرا.
الرجال لديهم شهوة كبيرة للكلام في السياسة، لدرجة تجعل اخوتي الشباب يقومون بأخطاء كارثية، يستدركونها في آخر الليل(آه، يا إلهي فلان لم أصب له القهوة، الآخر لم نحضر له الكسكسي، فلان لم أضع السكر بقهوته، والآخر لم أسقه العصير البارد) اضافة أنهم لا يتفقدون اذا فرغت صحون الحلوى، أو ترمس القهوة، فوالدتي من يقوم بسؤالهم كل مرة.
- أووووه، الذكور لا يمكن الاعتماد عليهم أبدا😌😑


أصبح بيتنا عامرا بفضل الله، ونسيت اخباركم أن السيارات التي تصف بجانب بيتنا تحتل الشارع بأكمله، لدرجة جعلت الجيران يتطفلون بدافع الفضول، ورغبة في تعرف أقاربنا الذين قدموا من مختلف الولايات.

يستمر يومنا حافلا، يذهب الغرباء لأخذ قيلولة، بينما ننفرد نحن أخيرا بالأخوال والأعمام.
لا أحد يأخذ قيلولة ذلك اليوم، إلا اثنين من أخوالي الذين قدموا من ولايات بعيدة، ترافقهم والدتي للطابق الأعلى حيث يرتاحون وينامون لمدة ساعة أو نصف الساعة فقط.

في المساء يتواصل الزوار، ولا يخل بيتنا إلا مع آذان المغرب، حينها يتبقى ببيتنا الأخوال رفقة نسائهم وأطفالهم، نتعشى سوية، ثم يغادرون في الليل كل لمدينته البعيدة.

فاللهم اجعلها دوما عامرة.

#شمس_الهمة




الوأد الصامت





"الوأد الصامت"


لبث مدة بباب الملتزم، دعا الله كثيرا، سالت دموعه، وحلقت روحه نحو السماء، تحمل إليها دعاء المضطر ، نسي نفسه، ودخل في شبه غيبوبة، حجبته عن الزمان والمكان.
- ماذا يا عم؟ هل ستبيت هنالك الليلة؟ صرخ فيه أحد المعتمرين من بعيد.
- ‏نم جيدا يا عزيزي، وأنا سأجلب لك البطانية لتهنأ بنومتك!! أردف معتمر مغربي.

استفاق أخيرا من غيبوبته على كلام الحجيج ونداءهم المستمر له، مسح دموعه وانسل عائدا بين جموع المعتمرين..
"نور الدين" شاب ثلاثيني، طويل القامة، نحيل الجسم، بعيون سوداء تدوران في محجريهما دورة وحشية، كأنما رعبته الحياة مذ كان جنينا في بطن أمه.
عاد إلى الفندق وقد أظلم وجهه وتلبد، كأنما يجري فيه الدم الأسود لا الأحمر، وهو يكاد ينشق من الغيظ، وبعضه يغلي في بعضه كالماء على النار...
نظر في المرآة، وجه شاحب، رسم عليه الزمن خطوط الهم والأرق، مرر أصابعه فوق شعر رأسه، وأخذ يحدث نفسه أمام المرآة:
- شعيرات بيضاء بدأت في فرض حصارها فوق رأسي، تزداد بمعدل مرعب لا يتناسب وسنوات عمري، وكأنها تعمل في سرية طوال الوقت، على تجنيد ما يجاورها من شعيرات سوداء خائنة لوطنها..
فتح فمه ونزع طقم أسنانه العلوي، تأمله برهة ثم زفر:
- آه...الزمن... أخذ مني كل شيء جميل، صرت وأنا في هذا السن عجوزا في مقتبل العمر
استلقى على سريره وطفق يسترجع شريط حياته "ستة وثلاثون سنة ولا أزال وحيدا من دون زوجة ولا أطفال، وأنا الذي تمنيت بناء أسرة في ريعان الشباب!!"
ترى هل يستجاب دعائي هذه المرة؟!
عمرتين وقيام الليل، ولا أزال على هذه الحال!!
رباه، لم أعد أقوى على مزيد من الصبر، فتن كقطع الليل المظلم، ونساء كاسيات عاريات، اللهم يا رب أقر عيني وأرح قلبي"
عادت به الذاكرة إلى الوراء قليلا، وتذكر عهد الصبا، وعديد خيباته في البحث عن الزوجة الصالحة:
 مذ كان عمري عشرون عاما، وأنا أبحث عن الزوجة الصالحة.
 أشعر بالملل والعناء، وتعبت من عدم توفيقي في هذا الأمر، أخاف أن أتنازل عن الشروط التي أريدها في من أريد الارتباط بها بسبب ضغوط الأهل، والمجتمع ، وتقدم عمري، وبسبب الشهوة والفتن التي تحيط بنا من كل مكان.
 ‏البحث عن زوجة صالحة في هذا الزمان أشبه بالبحث عن إبرة في كومة قش، الأمر ليس بالشيء السهل إلا على من سهله الله له، فكيف أجد زوجة صالحة ترضيني وكيف  الصبر على كل هذه الضغوط حتى أجد الزوجة الصالحة؟.
 **************
- أمي، قلت لك مرارا أنني لن أتزوج فتاة لَمَحْتِها ترقص في حفلة زفاف.
- ولكن، يا ولدي ، من أين سآتيك بالفتاة التي ترغب، وأنا لا أذهب إلى أي مكان سوى حفلات الزفاف مرة أو مرتين في السنة؟!
اسأل أصدقائك لربما كانت لهن أخوات صالحات، أو حتى أخوات زوجاتهن!!
- لقد فعلت يا أمي، أصدقاء وأي أصدقاء؟!
أصدقائي لا يفكرون سوى بأنفسهم، لا أحد يهتم لأحد اليوم، ولا أحد يفكر فيك.
- ولكن ما الحل ؟!
أنت لا تبحث أبدا، هل ستسقط عليك العروس من السماء؟!
- وما أدراك أنني لم أبحث يا أمي، لا أثر للمرأة الصالحة في هذا الزمان، كلهن كاسيات عاريات
- بني، لا تقل هذا الكلام، النساء الصالحات موجودات، ولكنهن كالدر المكنون محفوظات...ابحث جيدا وستجد بإذن الله.
- أين سأجدهن يا أمي، وكأن الأرض ابتلعتهن، لا أثر لهن في أي مكان أقصده.
- الزم محلات وأماكن تواجد النساء، فلربما التقيت نصفك الثاني هناك، من يدري؟!
- وهل سيخفى علي أمر كهذا يا أماه، خمس سنوات من لزوم تلك الدكاكين بلا جدوى، لا أدري أين تختفي الصالحات وأين يمكنني ايجادهن؟! ولماذا ؟!
- جرب الجامعات، ستجد هنالك فتيات متعلمات وبقمة الأخلاق.
- لا أريدها جامعية يا أماه، أتزوجها اليوم وغدا تشترط علي العمل لأنها كرهت من المنزل، هذا بالنسبة لمن درست بجامعة قريبة منها لا تضطرها للمبيت في السكن الجامعي، السفر بدون محرم حرام، ولو كانت فتاة صالحة للزمت البيت،( لن أتزوج فتاة السكن الجامعي، حتى لو انقرضت كل نساء حواء من على وجه الأرض، وبقيت هي فقط) .
ثم ما أدراني أن من أختارها ليست على علاقة مع أحد زملائها وهي تدرس في جامعة مختلطة؟!

************
أفاق من شروده على صوت آذان العشاء، توضأ وصلى في مسجد قريب، تناول عشاءه، ثم عاد إلى الحرم، عازما على إحياء الليل في الابتهال والدعاء.
استمر على ذلك الحال طويلا، يبكي ويشهق، ويتوسل إلى الله.
صلى الفجر هنالك أيضا، ثم جلس يستغفر ويتلو الأذكار، توقف هنيهة يسترجع أنفاسه، وأخذ يكلم نفسه:
ترى هل سيستجيب لي الله هذه المرة، أريد إشارة تطمئن قلبي، إشارة واحدة يا الله.
فتح المصحف، فوجد أمامه الآية الكريمة:
﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾. هود (112).
ارتعد قلبه، وانتفض جسده، ثم ما لبث أن تناسى الأمر، إنه مجرد صدفة.
عاد إلى غرفته بالفندق شغل التلفاز، وأطفأ الأضواء لينام على صوت القرآن الكريم، اختار قناة المجد للقرآن، فكانت الصدمة!!

الآية نفسها، السورة ذاتها، إنها الإشارة التي طلبتها.
لكنها مبهمة يا الله، ماذا أفعل كي ترضى؟!
مسح العرق من على جبينه، وازدرد كأسا من الماء بعد أن جف ريقه، ثم استسلم للنوم.
استيقظ على صوت آذان الظهر، ثم تذكر أنه رأى حلما غريبا، سرت قشعريرة في بدنه حين تذكره، وداهمه احساس غريب لم يعرف له سببا.
توجه إلى صنبور المياه، توضأ وضوئه للصلاة، وأسرع مهرولا إلى مسجد قريب.
أنهى الصلاة، ثم توجه إلى مطعم قريب، طلب وجبة افطار، ثم شرد مع نفسه: "ذلك الحلم، ترى ما معنى تلك الآيات التي تكررت في منامي؟!
ماذا فعلت في حياتي؟!
ومن ظلمت؟!
أم تراها فقط من حديث النفس، فأنا كما يبدو مرهق جدا.
الآيات بعيدة عن الإشارات التي طلبتها.

يا رب فهمني وعلمني، أكاد أجن.

************
أتم عمرته، وعاد إلى الوطن، الحيرة نفسها... الضياع نفسه...
لا يزال في رحلة بحث مضنية عن الزوجة الصالحة.
مر شهران منذ أدائه للعمرة، لكن يومياته على حالها، بحث هنا وهناك، سؤال هنا وهناك، ونقاشات لا تنتهي مع والدته.
ذات مساء تقدمت أم نور الدين نحو غرفة ابنها، طرقت الباب، فأذن لها بالدخول.
ابتسامة عريضة تعلو محياها، وعيناها تشع ببريق ظاهر
- أرى الفرح في عينيك يا أماه، كيف كان يومك عند الطبيبة، وما سر هذه السعادة؟!
- دعك مني الآن، فأنا بخير، حالك أنت من لا تسر
- هل أفهم من كلامك أن الموضوع يعنيني يا أماه؟!
هل وجدت لي عروسة لدى زيارتك تلك الطبيبة؟!
- تقريبا، ولكن ليس بعد
وأنا في العيادة سألت لك النسوة هناك، فأرشدنني إلى البحث في المدارس القرآنية، أو في المساجد فهذا الصنف لا يظهر إلا هناك يا بني...عقب العيادة مر بي أبوك من جانب مسجد "الفاروق"،  كان وقت الظهر فرأيت منظرا جميلا من فتيات في عمر الأزهار يرتدن ذلك المسجد، ليس مثل مسجد حينا، العجائز فقط من يسمح لهن بالصلاة ، بينما تحبس البنات مثل أختك " منار" تماما...
- فكرة جيدة جدا يا أمي، كيف غابت عن بالي؟!
ولكن -----
- ولكن ماذا يابني؟!
- من سيتكلف بمهمة البحث والاستقصاء، وأبي يغار عليك، و يتشدد عليك بمنعك من الصلاة في المسجد؟!
- قم أنت بهذه المهمة يا بني، الزم حائط المسجد ، وترصد دخول البنات أو خروجهن، فربما وقعت عينك على من تسر قلبك.
- ماذا تقولين يا أماه؟!
اترك الصلاة، وأطلق بصري هنا وهناك على بنات الناس
هذا سلوك الرعاع؟!
- ولكن قصدك شريف وطيب!! أنت لست مثل هؤلاء.
- لا...لا...يا أماه...لن يحدث هذا الأمر
"منار" هي من ستذهب إلى المسجد كل صلاة، وهنالك تلتقي بالفتيات الصالحات، أبي لن يسمح لك ، لكنه سيسمح لمنار.
- منار؟! ولكنك أنت من كان يمنعها عن المساجد ودروس القرآن!!
- الوضع اختلف الآن يا أمي، وهي فرصة لتراها الأخوات أيضا...فلربما اصطدنا عصفورين بحجر واحد، من يدري ؟!
ربما يتزوج كلانا بعد كل هذه السنين؟!

************
خطى نور الدين من فوره، بخطوات مسرعة نحو المطبخ أين تقبع "منار"، ومن وراءه أم مخدوعة كأنها في يد ابنها كرة الخيط، كلما جذب منها مدت له مدا...
دلفا إلى المطبخ، فوجدا "منار" هناك.
 شابة في أواخر الثلاثينيات، لها وجه رغم جماله إلا أن عليه ذبول الدنيا كلها ، وتدور في هذا الوجه عينان غائرتان، تائهتان، تنبئ أن دمها قد وضع من جسمها في ثلاجة.
"منار" ذات مستوى تعليمي متواضع، فأخوها نور الدين لم يسمح لها بارتياد الثانوية، ولا حتى جامع أو مدرسة قرآنية...
تركت للحزن والفراغ يلتهم شبابها التهاما...
كانت فارغة من الداخل، واهتماماتها لا  تتعدى حائط المطبخ، صار قلبها كتفاحة متعفنة لا تغري أحدا.
امرأة بلا هدف، أو رسالة، خاوية من كل شيء، عدا السعرات الحرارية التي تحشو بها معدتها بحجة الملل...
كانت تمارس حرفة الانتظار، كي تبدأ حياتها فعليا ، وتتحقق كل أحلامها المؤجلة لما بعد الزواج..
فصارت تنتظر الزواج بلهفة السجين لخبر الافراج عنه...
وبينما هي عاطلة عن الحياة، وتمارس هذا الغباء، كان نور الدين يعيش حياته ويستمتع بشبابه.
"منار" زورق إنساني صغير، ترك يتكفأ على صدمات الأيدي والصدف والأقدار...
كانت تكابد لتظل على قيد الإنسانية، محبوسة في زاوية مظلمة، تتلمس نقاط النور، وتبحث عن الدفء والضياء،  كانت تناضل حتى لا تتعفن روحها هناك.

**************
تنحنح نور الدين، وابتسم ابتسامة تنم عن الحماس، ثم عرض الفكرة على منار.
كانت منار تستمع وتشرد مع كل كلمة منه تقال، فقد اعتادت على عدم مقاطعته ، ولم تكن لتنخرط في نقاش مع أسماء لا تشبه الأسماء التي علمها الله لآدم.
استمرت بتحريك الحساء وأحست بمرارة الحياة بأسرها تختلط مع ذلك الطعام، ومع بخار الحساء كانت تتصاعد من روحها نفثات من الضيق والإعياء.
عاد بها الزمن إلى الوراء، واستولت على تفكيرها تلك الذكريات...
****************
- سأذهب لزيارة بنات عمي، فقد اشتقت لهن يا أماه...قالت منار لوالدتها بحماس
- أخوك نور الدين لن يسمح بذلك، بيوت أعمامك وأخوالك كلها صبيان، وأخوك شديد الغيرة(أجابت والدتها).
- ‏ولكن، يا أمي أنا لا ألتقي أبنائهم مذ تحجبت، وهم يعرفون ذلك جيدا...
- تعرفين أخاك، سيقول بأنك صغيرة، وربما التقيتهم ونحن لا نعلم، والواجب درء المفاسد
- ولكنني لا أزورهم إلا معك يا أمي، هذا معناه أنه لا يثق بك أيضا...لقد مللت وضاقت علي نفسي، كل شيء عنده معلل بسد الذرائع، واغلاق باب الفتن...حتى الجيران لا نزورهم، لأن لهم أبناء من الذكور... ومهنة الخياطة توقفت عن ممارستها بسبب احتياجي المُلِحّ لمستلزمات الخياطة ، وهو لا يجيد ابتياع مواصفات ما أريد، ولا يسمح لي بمرافقته لشرائها بنفسي ، بحجة أن أصحاب الدكاكين رجال شهوانيون...
أتساءل هل نحن اجتماعيون؟! ولماذا لا نسكن أحد الكهوف أو احدى الجزر المعزولة سدا للذرائع!!
دخلت منار غرفتها تجر أذيال الخيبة، وقد استبد بها الحزن، واستولى عليها القنوط واليأس... ثم ما لبثت أن اهتدت لفكرة ضمنت معها أن أخاها نور الدين لن يعارضها هذه المرة...وذهبت إليه تحلق مثل فراشة في حقل جميل...
- نور الدين ، أحس بالوحدة والاختناق، واللاجدوى، أريد ارتياد مدرسة قرآنية.....ما رأيك؟!
- لن أسمح لك طبعا، فالمدارس القرآنية أصبحت مركزا للمخططات السياسية ، وأخشى عليك مغبة ذلك.
(مخططات سياسية؟ ) تساءلت منار في نفسها.
- طيب، ربما معك حق في هذا، ما رأيك لو أخذتني لدروس العلم معك ؟!
- العلم متوفر بالمنازل، كبسة زر وأنت حصلت عليه، اطلبي ما تشائين وسوف أحضر لك مختلف الأشرطة والأقراص..لا داعي لخروجك من البيت.

- لا تسمح لي بالذهاب عند الأخوات، ولا صلة الأرحام، طيب ، هل تسمح لي بالصلاة في المسجد؟!
- ‏صلاة المرأة في بيتها خير
- ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام قال :" لا تمنعوا إماء الله مساجد الله"
- أنت لا تعرفين شيئا، قال أيضا:( وبيوتهن خير لهن)
عبس نور الدين وقطب حاجبيه ثم أردف بحزم:
- ‏لا تناقشيني من فضلك، أم تريدين التفلت والخروج بأي ثمن؟
يمكنك حفظ القرآن في المنزل، وسماع الدروس والمشايخ من التلفاز والأقراص.

حافظت منار على هدوءها، استجمعت شجاعتها وقررت أن لا تخاف كعادتها عقب كل نقاش، إنها تملك الحجة الآن، فقد استمعت لكلام الدعاة، وهي مقتنعة أن أخاها نور الدين يتكلم دون علم، والدين براء من ذلك التشديد على الأنثى ومحاولة خنقها.
قالت كل شيء دفعة واحدة، خشية أن يقاطعها:

- لكن يا نور الدين المرأة شريكة الرجل في بناء المجتمع، وعندما أمرها الإسلام بالستر وعدم الخضوع بالقول لم يكن يريد حذفها هي، بل أراد حذف النظرة المادية الشهوانية تجاهها.

 المرأة أعدت لأدوار عظيمة إن أحسنا تهيئتها لذلك، و إن كانت التربية المستقيمة لها أهم سبل التهيئة فإنها وحدها غير كافية... العلم الصالح من مصادره الطيبة و المعرفة الاجتماعية التي لا تتسنى إلا بالانتماء للمجتمع، يشكلان عاملان هامان الى جانب التربية للتهيئة السليمة للمرأة بعيدا عن كل العقد النفسية ....

هكذا دور ألا يحتاج الى تنشئة نساء أهل لذلك : تنشئة تربوية، علمية ، معرفية ، واجتماعية؟!
 للأسف لا يتأتى كل ذلك بحبسها بالبيت، لأنه أصبح من الصعب التفلت من الملهيات فيه، من أشغال يومية، و برامج تلفزيونية تبعدها عن النشأة السليمة ، أضف إلى ذلك صعوبة التعلم بدون معلم معين يساعد بشكل خاص على الانضباط، و تحديد المصادر الأهم لطلب العلم....
صار لزاما علينا الالتفات إلى ذلك، فنحن ننادي بالإصلاح و نفسد أهم حلقة فيه " المرأة".
الماء الراكد فاسد، عكس الماء الجاري..
والمسلم رجلا كان أو امرأة ، لا يعيش على الهامش بمعزل عن العالم...إنما يؤثر ويتأثر.

استشاط نور الدين غضبا ، وصب على أخته "منار" وابلا من الشتائم لم يتلقه "دونالد ترامب" من المسلمين ثم قال:
- تتفيقهين، وتهرفين بما لا تعرفين، أكرمك الله ببيت يأويك ويسترك ، وتريدين التفلت والانسلاخ؟!
هل تنكرين أن بيتك هو جنتك؟!
الضوابط التي جعلها الرسول صلى الله عليه وسلم لذهاب المرأة للمسجد غائبة في زمننا هذا ، من أمن الفتنة ووجوب بعد مكان الرجال عن النساء ، وتريث الرجال في الخروج حتى يخرج النساء ، معظم المساجد مدخل الرجال بمحاذاة مدخل النساء ، ويمكن أن تري جموع المصلين من الرجال يوم العيد حين يخرجون سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون ، لتعرفي أن زمننا غير زمان السلف.

*********
خرجت منار عن صمتها وشرودها، مسحت بظاهر كفها حبات العرق من على جبهتها، ثم توجهت بكلامها نحو نور الدين:
{ وإذا الموؤودة سئلت، بأي ذنب قتلت}
أتذكر هذه الآية؟!
كانت آخر جملة قلتها لك عقب آخر نقاش بيننا، هل تتذكر يا نور الدين؟!

كان نور الدين واقفا فجلس، فغر فاه و أخذ يتنفس بصعوبة، أغلق عينيه ونزع عنه رداء الحاضر، وعادت به الذاكرة إلى الوراء، تذكر كيف تصرف يومها، كيف تشدد وتنطع، وظلم منار وضيق عليها.
كيف حبسها وأغلق عليها.

تلك الرسائل التي كانت تزوره من الله، تلك الإشارات، كانت مغلقة عن الفهم بالنسبة إليه، حبيسة الذكريات في أرشيف المجهول فما إن تحدث إلى منار، منار التي كان يعاملها كتحفة أثرية منسية تراكم عليها غبار الأيام، حتى برزت له رسائل الله من بين ركام أحزانه، وأخيرا سيحاول نبشها من غياهب الظلمات وقراءة سطورها في النور الذي تسلل إلى قلبه أخيرا.
كان عنوان الرسالة(الوأد الصامت!)



بقلم: شمس الهمة


المظلوم الظالم

المظلوم الظالم:

الذي يرضى الظلم على نفسه، ولا يحاول رفعه أو دفعه، أو إنكاره، الذي يعيش عيشة الذل ويرتضيها سيرضاها لغيره لا محالة، هذا لا تتوقع منه أن ينصر مظلوما، ولن يتورع هو ذاته عن الظلم يوما ما اذا صارت بيده مقاليد الأمور.
تأمل مثلا مشهد نادل مقهى أو مطعم فاخر، تأتيه زبونة من محدثي النعم، وتتحجج أن الطاولة غير نظيفة، وأن الوجبة غير لطيفة، وربما زادت فقالت أنها وجدت شعرة بخبزة البيتزا، أو ساندويش التاكوس، تفعل كل هذا بنبرة استخفاف واضحة، واحتقار بائن، وضحكات صفراء ساخرة.
يعود النادل بطيبة وابتسامة، ويناولها طلبها مجددا، بانتظار فخامتها كي ترضى عن الخدمات المقدمة، والمهم أن لا نخسر الزبائن.
يذهب لطاولة أخرى، فيفاجأ بصراخ شخص ضخم الجثة، يرغي ويزبد لأنه طلب شايا بالحليب لكنهم قدموا له حليبا بالشاي.
ومجددا يقدم النادل فروض الولاء والطاعة، وكعادته يغمغم (المهم أن لا نخسر الزبائن).
منظر النادل لمن له قلب يدمي ويبعث لواعج الحزن والأسى والتعاطف، ويجعل المرء بينه وبين نفسه يلعن سلوك العتاه القساة المتجبرين.
لكن دعك من العواطف قليلا، وتابع معي يوميات ذلك النادل، سنتبعه لبيته ونرقب سلوكه مع زوجته وأطفاله، لا تستغرب!! نعم، إنه يقوم بظلم وإذلال الزوجة والأطفال، يفعل بهم كما يفعل به في مكان عمله تماما.
دعك من هذا الآن سنتبعه هذه المرة لكفتيريا راقية للقاء صديق، خذ لك طاولة قريبة، وراقب سلوكاته جيدا، إنه على موعد مع صاحب أو صديق، ولقد تأخر هذا الأخير عشر دقائق عن الموعد المحدد، دعك من هذا الآن فليس هذا موضوعنا.
لا ترفع عينك، قلت راقب جيدا، سيأتي النادل لمعرفة طلبه، يكتبه على قصاصة ويذهب سراعا لجلب الطلب، يعود في ثوان، يضع الطلب على الطاولة، فيفاجأ بصاحبنا ضاربا الطاولة بكلتا يديه، والزبد يخرج من فكيه، وعيونه تعتصر من الجمر، ما هذا يقول؟!
- لقد طلبت قهوة بالحليب، لا حليبا بالقهوة، هل فهمت أيها الأحمق؟
تأمل مشاهد أخرى من الحياة، كنة تظلمها حماتها وتستعبدها، أجير يظلمه رب العمل، أستاذ يظلمه المدير وهلم جرا.
غالبا سنتعاطف مع هؤلاء، ونتمنى أن يرفع عنهم الظلم يوما ما، ونعتقد جازمين أنهم طيبون بريئون.
تتبع كل هؤلاء وستجد أنهم يظلمون من هم تحت أيديهم، ناهيك أنهم لا ينتصرون لمظلوم، ولا ينكرون على ظالم.
باختصار عالم يأكل فيه القوي الضعيف- إلا من رحم ربك-
ولتنتبه أيها المظلوم لمن هم تحت يديك، اتق الله ولا تكن من الظالمين، فلربما نصرت على ظلمتك بالضعفاء، بتجنب ظلمهم والاستقواء عليهم.

الله حرم الظلم على نفسه، وقال عن هؤلاء {إنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}
 واستثنى عز وجل من ئلك فئة الضعفاء الذين لا يجدون حيلة ولا يهتدون سبيلا فقال؛
{ إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ "، قال: يعني الشيخَ الكبيرَ والعجوزَ والجواري الصغار والغلمان.}
والنفوس الحرة الأبية لا ترتضي الظلم ولا تعيش الذلة والهوان ، والتاريخ سطر بطولات ومآثر لأحرار لم يرتضوا عيشة الظلم والذل والهوان.

ولقد حرم الله تعالى الركون إلى الظالمين، وكذلك حرم الدفاع عنهم فقال في كتابه العزيز {قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ} القصص 17

فالعجب كل العجب اليوم لمن لا ينكر الظلم ولو بقلبه، بل وصلنا لمرحلة تبرير الظلم، وأوصلنا العجز عن انتقاد سلوكات الظالم إلى الثناء على أفعاله.

#خواطر_مبعثرة_مرتجلة

#شمس_الهمة


عن المجموعات النسائية في وسائل التواصل الاجتماعي:

عن المجموعات النسائية في وسائل التواصل الاجتماعي:

لا أخفيكم أنني شخصيا منضمة لمئات المجموعات على الفيس بوك، عشت حياتي كلها ووالدي يخاف علينا ويغلق المنافذ، يختار لنا أصدقاءنا بعناية فائقة، ولا يسمح لنا بالاختلاط مع الناس، وذلك كي لا يتسرب إلى أخلاقنا ما يسوء، وكي لا تصيبنا عدوى الجهل، وحب المظاهر، والمعاصي ووو.
وبسبب ذلك نشأت فضولية جداا، ولي رغبة عارمة في حب كل الناس على اختلاف أشكالهم، مشاربهم وألوانهم، وكان لدي فضول لا يشبع لتعرفهم، كانت قمة الإثارة لدي أن أتعرف شخصا جديدا، يحمل أفكار مختلفة، تقاليد مختلفة، وأسلوبا في الحياة مختلف.
لكن مع ذلك لم يتح لي التعرف على أي أحد، عشت معزولة عن العالم الخارجي، وتنتابني دوما الرغبة في معرفة ما وراء الأسوار، كيف يعيش العالم، كيف ينام، وكيف يفكر.
كان والدي يقدم لنا فقط الكتب، التي كانت ترضي بعضا من فضولي لكنها لم تكن تشبعه، فقد قرأت في طفولتي أن أحمد أمين قال أن الحياة الحقيقية على الواقع مختلفة عن عالم الكتب، وعلى الانسان تجربتها أيضا.

في عالم النت ولجت عوالم مختلفة، الفضول الذي كان لدي كان لا يكف عن محاولة اكتشاف الجديد
دخلت مجموعات نقاشية راقية ومحترمة ويشرف عليها أهل الاختصاص، كمجموعات تربية الأبناء، تأهيل المقبلين على الزواج، مجموعات الاستشارات.
ودخلت إلى مجموعات الأجانب، وحوار الأديان، ونقاشات الكتب، وعرفت عديد الأجناس يابانيون، فرنسيون، هولنديون، بولنديون، بريطانيون، أمريكيون حتى اليهود تعرفتهم وكانت لدي صديقتان يهوديتان في قائمة الأصدقاء.
دخلت إلى مجموعات مناقشة الكتب المشرقية لسوريين ومصريين وعراقيين ووو
دخلت إلى مجموعات الاختصاص على اختلافها، دخلت مجموعات الأساتذة وعرفت طريقة تفكيرهم، مالهم وماعليهم، معاناتهم وأخطاءهم.
مجموعات الأطباء أيضا اكتشفت فيها الكثير من ظروف وكواليس المهنة وكذا عقلية أصحابها
مجموعات الشريعة أيضا كانت اكتشافا جميلا، عرفت وتعلمت من خلالها الكثير.
مجموعات النساء على اختلافها، الطبخ، الخياطة، التدابير المنزلية، العناية بالبشرة وكييفية عمل المكياج ووو.
دخلت مجموعات الأفلام أيضا، وأخذت فكرة عما يشاهد شبابنا العربي بصفة عامة.
دخلت تويتر واكتشفت عالم التغريدات أيضا.
باختصار لم أترك شيئا يعتب علي لم أجربه.

وكخلاصة استفدت الكثير، ولم أتشرب المفاسد أو الشبهات، انما أخذت فكرة عن كل شيء كنت أجهله.
لهذا أقول للكاتبات وكلامي ليس للمراهقات الصغيرات، الفيس هو عالم مفتوح على كل شيء، ويجلب لك عوالم مختلفة وأنت جالسة في مكانك، ويساعدك في اكتشاف الناس من حولك، ويقدم لك قصصا انسانية مختلفة من الحياة، وهو إلى ذلك ملهم للكتابة ومعلم كبير.
فأحسن المداخل والمخارج، وتعاملن مع هذه العوالم بحذر وحزم ولا أجمل من وصية شيخ الإسلام ابن تيمية إلى تلميذه ابن القيم فقال:

”لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة فيتشربها، فلا ينضح إلا بها، ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة، تمر الشبهات بظاهرها، ولا تستقر فيها، فيراها بصفائه، ويدفعها بصلابته، وإلا فإذا أشربت قلبك كل شبهةٍ تمر عليه صار مقراً للشبهات”.

عن المجموعات النسائية

عن المجموعات النسائية:

أما عن المجموعات النسائية، فقد كنت عضوة ولا زلت في الكثير منها، انطباعي الأولي عنها كان السطحية والتفاهة، لم أجد نفسي فيها البتة، الحديث كله عن الأكل والطبخ والنفخ، وتكبير الشفايف، وتفسير الأحلام.

كان عالم المنتديات يضم تقريبا الماكثات بالبيوت من صبايا ومتزوجات، لكنه كان عالما عاطفيا، سلبيا
وفيه انمحاء تام مع الزوج والأولاد، لم يكن لواحدة منهن موهبة خاصة، أو فكر مستقلا، أو وقت خالص لطاعاتها وعباداتها، كل يومياتهن تدور في فلك الزوج ورغباته ورغبات الأطفال.

كان الأمر مخيبا لي، وكنت أحس بغربة شديدة وسطهن، ومع ذلك رغبت في الاندماج، ونحوت طريقهن.
كنت لا أكف عن تصوير أطباقي وحلوياتي، وألج مسابقات أجمل وصفة، وأجمل طبخة.
كنت قبل ذلك أكتب الكثير من المقالات التي لم يقرأها أحد.

لكن مع اندماجي بينهن، صار بيننا حميمية وعلاقة وطيدة كانت كافية لاطلاعهن على مواضيعي، وصرن أخيرا يتفاعلن مع المواضيع الجادة والهادفة ، والجميل أنني وبمبادرة تقدمت بها للمشرفات دفعت بهن نحو عالم القراءة، والمسابقات المختلفة حولها، وأتذكر كم السعادة التي شعرت واياهن بها، فقبل ذلك الوقت، لم تكن احداهن تجرؤ على فتح كتاب.

على الفيس بوك تعرفت مجموعة عجوزتي وسلافاتي ومثيلاتها، كان الأمر مؤلما جدا في البداية، ضغط نفسي، عصبية واضحة، نقمة على الجميع، سوداوية تلبستني، يأس أحاط بي.
فقد كرهت المجتمع الجزائري، الزواج، وشخصية الرجل الجزائري أيضا.
ابتعدت عنها فترة من الزمن، ثم عدت إليها بهدف الكتابة فكل البؤس الذي كنت أقرأه هناك، كان دافعا لي لأكتب عنه أكثر، وأصحح المغلوط منه.

لم أكن أكثر الجدالات، انما فقط أقرأ القصص المبثوثة هناك، القصص الموجودة كانت صادمة لي بشكل لم أعهده في حياتي، العالم الوردي وراء أسوار نافذتي والذي كنت أود اكتشافه، صرت أمقته بشدة، وصرت أتقوقع على نفسي أكثر، وأخاف أن أواجهه يوما ما.

لكن بعد مدة اكتسبت الحصانة والصلابة اللازمين، وتأقلمت مع الوضع، وتوقفت الكوابيس والبكاء اليومي.

تلك المجموعات عرفتني حقيقة الواقع، خفضت سقف الأحلام والتوقعات لدي، علمتني كيف يتعايش الناس مع كل ذلك البؤس.
وأن الزواج في الجزائر مرادف الشقاء والبؤس إن لم يتفق الطرفان في البداية على ترسيم الحدود الشرعية.
ونظرة عامة اكتسبتها عرفت من خلالها سبب تلك المآسي، كان السبب الأول الجهل بالدين، والجهل بالحقوق لكافة أولئك النساء اللواتي يعانين الظلم.
واكتشفت من خلال قراءة تعليقات النسوة هناك حول موضوع ما، أن المرأة أكثر من يظلم المرأة، وأن ما من فتاة تطرح مشكلة إلا وتحاول الغالبية اقناعها بأنها المخطئة، وأنها تفتقر إلى الصبر وأنها انسانة متطلبة وووو.

غالبية الفتيات المثقفات والملتزمات يحتقرن ذلك العالم، ويلمن تلكم النسوة، ويتهمنهن بأنهن يكثرن الغيبة والنميمة وإفشاء الأسرار ووو.
الغالبية يفرون من تلكم المجموعات بسبب وجع الرأس.

ألا ليت شعري هل تسمى الفضفضة والبحث عن الحلول والاستشارات غيبة ونميمة؟
ثم إلى من تتجه المظلومة وقد سدت أمامها جميع الأبواب؟
وإلى من تشكو همها وما من أحد يستمع لها؟

لا أوافق طبعا على أن توضع الاستشارات في مجموعات غير المتخصصين، لأنهم لا يعرفون حيلة ولا يهتدون سبيلا، لكن لا تلام هؤلاء لأنهن لا يعرفن أصلا أين يمكن أن تحصل احداهن على استشارة لحل مشكلة ما غير هذا الفيس.

ربما لا تلام مرهفات الحس و الضعيفات، والمراهقات الصغيرات، لكن الحق أقول لكن أن الواجب على المثقفات والناضجات ولوج تلكم العوالم- كل حسب وقتها- وليس بالانغماس التام فيها طبعا، والإسهام فيها أو على الأقل اكتشافها والإحاطة بالأمور هناك، وبالتالي محاولة تغيير ما لا نرضاه عن طريق القلم، وهذا هو دور المثقف الحقيقي.

فالمثقف الحقيقي هو من يفهم مجتمعه ويعرف كيف يتعامل مع قضاياه
المثقفون الحقيقيون ليسوا مجرد متثاقفين يتناولون الثقافة بالشوكة والسكّين..يجلسون في بروجهم العاجيةٍ ويلعنون الناس المغروزين في تراب الجهل والرجعيّة والتخلّف.

 نحن من الشعب وعليه يجب أن ننظر إلى هؤلاء بعين الشفقة لا عين الإزدراء،

ولنتعامل بهذه المبادئ:
قيل في الأثر: (( أوصيك ألا تحتقرن أحدا ً أو خلقا ً من خلق الله ، فإن الله ما احتقره حين خلقه ))
فلا تدري إن كان لهذا العاصي حسنات مطمورة في بحر ذنوبه.

ويجب علينا مخالطة وتقبل جميع الناس حتى غير الملتزمين فالمسلم الحق لا يعيش على الهامش ولا ينعزل إنما يؤثر ويتأثر...

إن معاشرة المنحرفين الذين غُرِّر بهم وخُدِعوا بإتباع شهواتهم، أمر ضروري بالنسبة للمؤمنين الرساليين ، وذلك كي يعظوهم ويرشدونهم وينبهونهم الى الخطر المحدق بهم، والذي يهدد حياتهم الدنيوية والأخروية ، فمقاطعتهم دائماً قرار خاطئ ، فربما يحتاج موقف معين الى المقاطعة ، ولكن يجب أن لا تكون المقاطعة دائمة، لأنها ستفسح المجال لقادة الانحراف لجذبهم وقيادتهم الى مستقبل أكثر وحشية وضلالا.
إن بعض المؤمنين يرى الإبتعاد عن أولئك المنحرفين فيه حماية وحصانة لإيمانهم ، فالتماس بهم يعرّض إيمانهم والتزامهم الديني الى الخطر ، وهذا وإن كان أحياناً صحيحاً ، إلا أن من الممكن أن تكون معاشرتهم بشكل وكيفية يمنع التأثر بإنحراف أولئك ، من باب ( كن فيهم ولا تكن منهم )، وهذا يعتمد على ذكاء وحكمة المؤمن ، فعلى المؤمن أن يعاشر المنحرف كما يعاشر الماء العذب الماء المالح فيجعل بينهما برزخاً معنوياً يمنع من انتقال ملوحة الانحراف الى عذوبة الايمان)).

#شمس_الهمة

بعيدا عن المثاليات في تعاطينا مع قضايا المرأة


بعيدا عن المثاليات في تعاطينا مع قضايا المرأة:

بينما تفاعل الغالبية مع سلسلة المرأة للدكتور والداعية المتميز (اياد قنيبي) بالإيجاب، تحسرت أنا على نفسي التي لم تقنعها، ولم ترو غليلها تلك السلسلة( ومن أنا أمام الدكتور وعلمه الغزير نفع الله به)، مع أنها كانت حلقات رااائعة، متميزة، وفيها جهد مبذول أثمنه وأحيي صاحبه.
ذلك أنني بعد كثير بحث وتأمل وقراءة في هذا الباب وجدت أن الحديث وحده لا ينفع من دون تطبيق وممارسات على أرض الواقع.
سهل جدا أن نتحدث بمثاليات يخاطب فيها المسلمون الملتزمون، أما العوام فلا يجدي معهم خطابات الوعظ والتذكير دون التطبيق، ودون التطرق للواقع المرير بالتشريح، لا ينفع أبدا في محاولة الإصلاح أن نعتقد أننا بخير، أو نحاول تغطية الشمس بالغربال، أو نتعامى عن النماذج الواقعية المنتشرة بكثرة، وكل محاولة يقوم بها أحدهم فيتلهى بنتائج ومضاعفات المرض دون التطرق للأسباب التي أدت إلى ذلك، ستكون محاولة منقوصة.والدليل أن حلقة (المرأة شغالة البيت) كانت أكثر رواجا من غيرها وذلك لأن صاحبها تطرق لأول مرة لأسباب المرض (ألا وهو عدم تقدير المرأة داخل البيت)وأنصف فيها المرأة رغم أنها لم تكن شافية للغليل كما ينبغي لها أن تكون.
تلك الحلقة شكلت صدمة للرجال-المنصفين- فمن شاهد ردود أفعال الرجال المبدئي، فقد كانت ردودهم كلها اعتراف بالتقصير، وحسرة وندامة، وصلت ببعضهم لدرجة البكاء خوفا من يوم الحساب.
أما تعليقات النساء، فكانت كلها تقول بانعدام التقدير، وأنه لو تم تقديرنا بكلمة حلوة من دون حتى مساعدة فإننا سنتفانى في خدمة أزواجنا بكل حب.
وسرعان ما انتشرت الحلقة انتشار النار في الهشيم، وسارعت كل زوجة لعرض الحلقة على زوجها، وكانت ردة فعل هؤلاء للشيخ مستهجنة، ومهاجمة، ولسان حالهم يقول (إنت خراب بيوت)
ولست هنا أقول أو أنفي أن الدكتور لم يعرج على الواقع، أو غفل عنه، انما عتبي أنه لم يركز عليه تمام التركيز، فثمة ينبغي أن نركز ونعالج.
ذلك أننا وعلى مدى عقود طويلة نصفق ونهلل مع من يتناول مواضيع الحجاب والتبرج وعمل المرأة، ونؤلف فيها الكتب ونلقي المحاضرات، تستمع النساء، يتأثرن، ويصفقن، ويذرفن الدموع، ويعزمن على الاستقامة، ثم تسير كل منهن في دروب الحياة، بعيدا عن جو المدرجات والمثاليات والمحاضرات، لترتطم الفتاة والمرأة بواقع لا يرحم، واقع يقول ما لا يفعل، واقع يعرف ولا يطبق، يعرف ويظلم، ويهضم الحقوق التي قال بها الله من علياء سماءه.
ويعضد موقفي هذا ماذكره الدكتور العارف الشيخ سلمان العودة- فك الله أسره- فقال لأولئك الذين يقولون إن المرأة ليس لها قضية، وأن النساء اليوم أخذن حقوقهن وزيادة.
أن ((ما من بيت إلا فيه قضية إلا القليل)) فإما قضايا مطلقات، أو أرامل، أو من يمنعن من الدراسة، أو من اختيار الزوج وووو الكثير.
لذا فثمة حاجة ملحة إلى أن نترجم خطابنا الإنشائي عن المرأة إلى برامج عملية واقعية...انتهى كلام الشيخ.
وسأتحدث هنا عن تجربتي الشخصية مع بنات جنسي، فقد كنت ولا زلت مناهضة لعمل المرأة وتفلتها، وقد كتبت عن هذا من قبل، وعن خطورة ضياع النشء والأسرة بسبب ذلك، كنت أكتب بعاطفة دينية حارة، بمثالية حالمة بعيدة تماما عن الواقع، كنت لا أكف عن لوم البنات، واتهامهن بالسطحية وحب المظاهر وتقليد الغرب، والجري وراء المادة، ثم وبعد سجالات كثيرة ونقاشات صادقة أدركت أخيرا مرارة الواقع الأليم.
حكت لي واحدة كيف أنها كانت تعمل قبل زواجها في وظيفة إدارية تعتمد فقط على الحاسوب، وكيف أن عملها ذاك كاد يتسبب لها بعاهة مستديمة، ذلك أنها اضطرت لإجراء عملية على مستوى الكتف بلغت قيمتها ثلاثون مليون سنتيم، وكيف أنها وصلت لقناعة أن أفضل مكان للمرأة هو بيتها، وكيف كانت تلعن الوظيفة وأيامها، وأنها ودعتها إلى الأبد غير آسفة، ثم من الله عليها بزوج مقتدر وحياة أسرية هانئة في ظاهرها، لكنها وبعد مرور ثلاث سنوات ضاقت عليها نفسها، فلا خروج ولا دخول، لا جارات ولا صديقات، لا نشاطات ولا لقاءات، لدرجة سببت لها الاكتئاب وقالت أنه انعكس سلبا على زوجها وطفلها وصحتها النفسية التي باتت مهددة، وأصبحت تخاف على عقلها الجنون أو الانتحار.
وأنها تفضل العودة إلى الوظيفة على مافيها، على أن تتحمل جحيم الأسر والتشديد والتضييق والاكتئاب المزمن.
امرأة أخرى تحكي عن حياتها بعد الطلاق، حيث كان لديها ثلاثة أطفال وعادت لبيت والديها واخوتها، وتقول عن ذلك أن المطلقة تعيش الجحيم بعد الطلاق فلا المجتمع يرحمها، ولا حتى أقرب الأقربين بما في ذلك الوالدان، فمن تشديد وتضييق على الدخول والخروج، بحيث تعامل المطلقة كطفل يحتاج مراقبة دائمة، هذا ناهيك أنها ستصبح لا محالة خادمة لنساء إخوانها، وان لم تفعل اتهمت بأنها مفتعلة مشاكل، ليس هذا فحسب فحين تم تناول ملف المطلقات قالت احداهن أن لها ست شقيقات، يأتين في المناسبات لزيارة الوالدين وتقوم هي طيلة ما يزيد عن عشرة أيام بخدمة الشقيقات وأطفالهن، ولا تسمح لها والدتها بأن تتقاسم وأخواتها مسؤوليات البيت، بحجة أنهن ضيوف وأنها ليست كذلك، فلا يحق لها استئناس ولا راحة ولا استمتاع بجو حميمي طيلة تلك الأيام تظل مدفونة في المطبخ ما بين طبخ وغسيل وتنظيف وقيام على شؤونهن، فكيف ينصف المجتمع المطلقات اذا كانت الأم والأب والإخوة لا يفعلون؟!
احدى الطبيبات حدثتني عن قسم الأمراض والاضطرابات النفسية وقالت أن لديهن ثلاث طوابق مخصصة جلها للنساء في مقابل طابق واحد للرجال، قالت أن النساء في مجتمعاتنا أكثر عرضة للاكتئاب والأمراض التفسية المختلفة بسبب الظلم والمشاكل.
طبيبة أخرى حدثتني أن نسبة 90٪ من حالات تفاقم خلايا مرض السرطان لدى النساء، هو رفض أزواجهن الكشف المبكر، وبخلهم على زوجاتهم في هذا الجانب والاقتصار على العلاج المجاني.
قصص أخرى لعازبات تجاوزن الثلاثين والأربعين دون ارتباط شرعي ولا زالن يعاملن كالأطفال الذين لا يتركون وحدهم.
حياتهن معطلة ولا يسمح لهن بأي شيء، فقط ممارسة حرفة الانتظار، انتظار العريس الذي قد لا يأتي أبدا.
هذه هي الحياة الواقعية البائسة التي تنتظر غالبية النساء إن لم يدرسن ويعملن، هذه الحياة يعتبرها المجتمع شكلا طبيعيا للعيش، وكأنها إرادة الله، وليس لنا الحق في رفضها أو التصرف بها.
المرأة الماكثة عندنا غير مقدرة، سواء كانت بنتا، أختا أو زوجة، لا أحد يقدر ما تقوم به، دعونا لا نكذب على أنفسنا، أو نخدع الفتيات ونجمل لهن الأمر، لا أحد يسمح لها بارتياد المساجد والمدارس القرآنية، أو زيارة الأخوات لتبادل المعارف، لا يحق لها وقت خاص، فالكل يستبيح وقتها ويأخذ منه كما يشاء، لا أحد يقف معها إن هي مرضت مرضا مزمنا يتطلب التنقل بين المستشفيات.
لذلك كل من ناقشتهن قلن لي أن الوظيفة على مساوئها هي المتنفس الوحيد لهن، وهي الحل الوحيد للظفر ببعض الحقوق كحق الخروج، وإقامة علاقات صداقة مع البنات، بالإضافة للاحساس بالأمان الذي توفره أموال الوظيفة.
المرأة أعدت لأدوار عظيمة إن أحسنا تهيئتها لذلك، و إن كانت التربية المستقيمة لها أهم سبل التهيئة فإنها وحدها غير كافية... العلم الصالح من مصادره الطيبة و المعرفة الاجتماعية التي لا تتسنى إلا بالانتماء للمجتمع، يشكلان عاملان هامان الى جانب التربية للتهيئة السليمة للمرأة بعيدا عن كل العقد النفسية ....
المرأة دون الرجل كائن رسالي، لا يعني أن لا رسالة للرجل إنما الدور الرسالي للمرأة أعمق و أهم " المرأة مدرسة إن أعددتها أعددت شعبا طيب الاعراق"... دورها أساس في تنشئة مجتمع سليم من خلال تنشئتها للمصلحين المنشودين لذلك...
هكذا دور ألا يحتاج الى تنشئة نساء أهل لذلك : تنشئة تربوية، علمية ، معرفية ، واجتماعية؟!
للأسف لا يتأتى كل ذلك بحبسها بالبيت، لأنه أصبح من الصعب التفلت من الملهيات فيه، من أشغال يومية، و برامج تلفزيونية تبعدها عن النشأة السليمة ، أضف إلى ذلك صعوبة التعلم بدون معلم معين يساعد بشكل خاص على الانضباط، و تحديد المصادر الأهم لطلب العلم....
صار لزاما علينا الالتفات إلى ذلك، فنحن ننادي بالإصلاح و نفسد أهم حلقة فيه " المرأة".
لا ينفع أبدا التصدي لخطاب النسوية بمواضيع انشائية، ولن يجدي أبدا محاولة ثني النساء واقناعهن أن البيت جنة رحبة، وهو في الواقع ليس كذلك البتة.
هكذا محاولات ستكون بمثابة التربيت على كتف امرأة مسحوقة تحتاج دعما حقيقيا وتطبيقا عمليا لتلك الأقوال.
أي محاولة لإقناع المرأة بلزوم الجادة، وكسبها في صفوف الحرائر الطاهرات المنضبطات، هو محاولة فاشلة اذا لم نقم بالقضاء على التقاليد في مقابل تحكيم الشرع.
ذلك أن الحديث عن الحقوق شيء، وتطبيقها الفعلي في أرض الواقع شيء آخر تماما.
فما ينقصنا حقا هو تطبيق حقوق المرأة، وليس التغني بها في مؤتمرات بطريقة إنشائية بحتة.
من المؤسف حقا أن المرأة في المجتمع المسلم اليوم، لم تجن الى الآن أي فائدة من وراء كلامهم عن حقوق المرأة *المجرد عن التطبيق*.
إنما السبيل إلى ذلك يتحقق فقط من خلال اعطاء المرأة حقوقها الإنسانية والاسلامية.
فاذا منحنا المرأة حقوقها المشروعة حقا، نكون قد أعددنا أفضل عنصر قادر على مجابهة هذا الهجوم.
واذا منعناها حقوقها نكون قدمنا أجّل خدمة لهذه الدعوة المشؤومة.
لذلك نجد صنفين من المثقفين، صنف يروم الانعتاق و القضاء على التقاليد البالية، فيقوم بالقضاء على الدين معها.
وصنف آخر يروم الدفاع عن الدين فيدافع معه على التقاليد البالية.
وذلك بسبب أن التقاليد والدين صارا مزيجا متداخلا، لا يملك الطرفان التمييز بينهما.
فإذا كان علماء الدين عاجزين عن الفصل بين التقاليد والدين، فهل يرتجى ذلك من الشباب؟!
وكل هذا يجعل المرأة حين تفكر في الحرية لا تجد أمامها إلا النموذج الغربي الحاضر أمامها.
لذلك قبل محاربة النسوية، قبل محاولة وعظ النساء، نتمنى التركيز على محاربة العاهات والتقاليد التي ما أنزل الله بها من سلطان، حينها فقط ستستمع النساء وترعوي.
ختاما:
الخطاب لا يجب أن يقوم فقط بالتركيز على الحديث عن الواجبات، انما الحديث عن الحقوق وتعريف المرأة بحقوقها مقدم على توعيتها بواجباتها، فمتى ما عرفت المرأة حقوقها والطرق الصحيحة الموصلة اليها، سهل عليها أداء واجباتها.
والوعظ والتذكير لا يكون للمرأة دون الرجل.
وليت الدكتور اياد قنيبي يقدم سلسلة خاصة بالرجل كما فعل مع الأنثى، لتعتدل الكفة، فالخطاب الشرعي لا يجب أن يكون انتقائيا يركز على المرأة ويلقي عليها باللائمة ويعرفها واجباتها، ويهمل توجيه الرجل وتهذيب سلوكه.
#شمس_الهمة



كيف نعالج قضايا المرأة انطلاقا من آراء ثلة من المفكرين حول الأمر:

كيف نعالج قضايا المرأة انطلاقا من آراء ثلة من المفكرين حول الأمر:

🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸

ميز مالك بن نبي بين موقفين متقابلين من قضية المرأة: موقف المتمسكين بإبعاد المرأة عن المجتمع وإبقائها في وضعها التقليدي الذي كرسته التقاليد، وموقف الداعين إلى أن تخرج المرأة في صورة تلفت إليها الغرائز. ورأى أن موقفي هذين الفريقين يصدران عن دافع واحد هو الغريزة. وهذان الموقفان لا يساهمان في حل المشكلة، بل ربما زادا الطين بلة. وإذا كان موقف الداعين إلى التحرر على النمط الغربي واضح الأخطار على المجتمع الإسلامي بسبب ما يؤدي إليه من ترسيخ للتبعية وتبليد للحس الإسلامي وضرب الهوية الخاصة للأمة، فإن الموقف الثاني قد يكون أشد خطرا لأنه يعطي لأعداء الأمة المبررات للخوض في سمعة الإسلام والتشكيك فيه، ويجعل المرأة حين تفكر في الحرية لا تجد أمامها إلا النموذج الغربي الحاضر أمامها.
من أجل ذلك يستبعد مالك هذين الموقفين لأنه "لا أمل لنا أن نجد في آرائهما حلا لمشكلة المرأة"

- هناك امرأة من نوع ثالث، امرأة لا تقبل النموذج الموروث للمرأة، ولا تقبل النموذج المستورد الوافد من أقذر وأسوأ أعداء الإنسانية. وهي تعرف كلا النموذجين حق معرفتهما، وما يفرض عليها باسم التقاليد الموروثة لا صلة له بالإسلام.(علي شريعتي).

- وذكر أيضا أن تيار التغريب عصف بالمجتمعات الإسلامية نتيجة لتيارين، تيار المنسلخين التقدميين الذين روجوا له بين أبنائنا. وتيار المحافظين والتقليديين الذين قاوموا هذا التغريب من خلال وسائل المقاومة البدائية، والتصدي المتعجرف الذي صدر عنها.
والذي ساهم على نحو غير مباشر في تمهيد الأرضية في مجتمعاتنا لقبول الفكرة التغريبية أكثر.
وشبه ذلك كمثل بقعة بنزين اذا أريقت في موضع وشبت فيها النار.
فكلما حاول بعض السذج اطفاءها بأساليب متسرعة وغير مدروسة ازدادت اشتعالا.
وهذا هو السبب الذي جعل التصدي البدائي للغرب، غالبا ما يكون مدعاة لقبول تلك الأفكار في المجتمع، وايجاد عقد وردود لدى أبنائه يسفر عنها الترحيب بما يدعو إليه الغرب.(علي شريعتي).

رأي ماجد عرسان الكيلاني في قضايا المرأة:
- يقول ابن تيمية: "المحرمات جميعها من الكفر والفسوق والعصيان إنما يفعلها العبد لجهله أو حاجته، فإنه إذا كان عالما بمضرتها وهو غني عنها، امتنع أن يفعلها....فأصل وقوع السيئات منه عدم العلم أو الغنى".

- لذلك لا يكفي لعلاج المحرمات والبدع والضلالات أن توعظ العامة بعدم شرعيتها ليعلموا مضرتها، وإنما لا بد أن يقترن الوعظ بأهمية العدل، ومحاربة الظلم لتختفي"الحاجة" التي تدفع الناس في طريق الضلالات والبدع، وتجبرهم على الوقوع في الكفر والفسوق والعصيان.

وكثيرا ما أخطأت الحركة الإسلامية المعاصرة ممثلة بالعلماء والمفكرين حين ركزت على المظهر الديني، مع التنديد بمضاعفات القصور والمخالفة والعصيان في المظهر الاجتماعي، فهي مثلا ألقت خطبا كثيرة وألفت كتبا عن لباس المرأة وخروجها إلى العمل وتبرجها، دون أن تنتبه للسياسات التي دفعت بالمرأة دفعا إلى ذلك، ويأتي على رأس هذه السياسات اغتيال العدل، وتفاوت فرص العيش، وانعدام وسائله الكريمة، مما دفع بالمرأة للخروج بالشكل الذي خرجت به، وأجبرت على تنفيذ متطلبات التسويق ورواج البضاعة في لباسها وتبرجها.
- والغفلة عن السبب تجعل الحركة الاسلامية تدين الضحية وتنسى الجاني، وتخاصم المرأة وأبناء الطبقة العاملة وتجعلهم فريسة سهلة أمام التيار الوافد من الخارج.

- وتحتاج المجتمعات الإسلامية أن تتجاوز الحس الذي انتهى إليه ابن تيمية، إلى درجة الوعي الذي يشخص الظاهرة ويعالج بدعها وضلالاتها بتجفيف المسببات الرئيسة لها، ودواء العدل وتوزيع الثروات وصيانة الحريات، بظل التعامل معها بمنهج المحاكمة والإدانة الذي يدين" الضحية" ويتجاهل" الجاني".

- من القضايا التي يشدد عليها المنهج العلمي في البحث أمران:

الأول:هو تحديد المشكلة تحديدا دقيقا، لا التلهي بالأعراض والمضاعفات الناجمة عن هذه المشكلة.

الثاني:هو أن دراسة المشكلة لا تتوقف عند حاضرها بل لابد من الوقوف على أصولها، ثم تتبع تاريخها والتطورات التي مرت بها.

- الكتب المؤلفة لعقد من الزمان حول المرأة، تناولت المسائل العتيقة المعروفة لدى الجميع فذكر الدكتور عبد الكريم بكار:
((نظرت فيما كتب حول المرأة المسلمة عبر الخمسين سنة الماضية فوجدت أن 80% منه يركز على كيفية صونها والحفاظ عليها وبالتحديد حول حجابها وشروط عملها خارج المنزل واختلاطها بالرجال اﻷجانب. أما ال 20% فإنه يركز على تنمية المرأة!
في نظري كان الواجب هو العكس تماما فنحن في حاجة إلى اﻷفكار واﻷدبيات والمبادرات التي تساعد المرأة على أن تكون أما ممتازة وداعية مؤثرة ورائدة في العمل الخيري....
طبعاً معظم الكتابات كانت بأقلام الرجال أو بأقلام نساء يرددن ما يقوله الرجال مع أنه في نظري لا يفهم المرأة إلا المرأة.
كلي أمل أن تتغير هذه الصورة الباهتة.))

عمل المرأة (المتزوجة تحديداً) وقضائها كل تلك الساعات بعيداً عن أطفالها هو مأساة كبرى.. ‬

‫لكن المأساة الأكبر تكمن في الظروف التي تدفعها لذلك.. النظام الاقتصادي الذي يجعل راتباً واحداً لا يكفي.. أو التسلط الاجتماعي الذي يجعل استقلالها الاقتصادي أولوية مقدمة على كل شيء آخر.‬

#ديك_الجن

معارك الدعاة والعلماء، وسعي العوام بالغيبة والنميمة بينهم:

معارك الدعاة والعلماء، وسعي العوام بالغيبة والنميمة بينهم:


قبل يومين حصل همز ولمز بين ثلاثة دعاة يحسبون على الوسط الإسلامي للأسف، وثلاثتهم أقران فيهم من الخير الكثير، غير أن لكل واحد منهم أخطاءه الصغيرة أيضا والمغمورة في بحر حسناته.

الأمر كان محزنا، ومؤسفا، وصادما لكثيرين، خصوصا فئة الشباب الذي يتخذ هؤلاء كقدوات.

إلى هنا الأمر عادي، فقد تعودنا صراع الديوك والمعارك الكلامية بين المشايخ والدعاة الذين يحسبون على الوسط الملتزم للأسف الشديد.

ما لفت انتباهي مشايخ وأساتذة من خروبة، ومشايخ آخرون من مصر، وجدتهم يشاركون على صفحاتهم طعن هذا في ذاك، وكلام هذا عن ذاك، وكل يصطف مع شيخه ضد غريمه.
لم أجد من هؤلاء من يقول كلمة طيبة، أو اصلاحا بين الناس.

أما تعليقات العوام فحدث ولا حرج، يدخلون لصفحة هذا، فينقلون له كلام الآخر عنه، ويذهب بعضهم إلى آخر ويقول له بصيغة الأمر نريد ردك على ما قال فيك فلان.

ولا تسل عن النخب من إعلاميين ومؤثرين، أناس لا ناقة ولا جمل لهم، اصطفوا مع واحد ضد الآخر.

وتذكرت أن هذه الآفة كانت موجودة بشكل ما في عصور مختلفة، من ذلك أنهم نقلوا للشيخ أحمد ابن حنبل كلام شيخ آخر عنه فكان رده رحمه الله:(( ما حيلتي شيخ صالح بلي بي!)) وما زاد عن ذلك.

فانظروا إلى الأخلاق، وإلى التربية يومها، وقارنوها مع يومنا وأخلاقنا وأخلاق علمائنا الذين يذهبون مع العوام كل مذهب، فلا يجد العوام رادعا ولا عتابا.

وقد حذَّر العلماء من هذه الآفة، وبيَّنوا خطورتها، خاصَّةً إذا كانت بين العلماء.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: استمعوا علم العلماء، ولا تُصدِّقوا بعضهم على بعض؛ فوالذي نفسي بيده، لهم أشد تغايُرًا من التيوس في زَرْبِها[12].

وقال أيضًا: خذوا العلم حيث وجدتُم، ولا تقبلوا قول الفقهاء بعضهم في بعض؛ فإنهم يتغايرون تغاير التيوس في الزريبة[13].

وقال مالك بن دينار: يُؤْخَذُ بقول العلماء والقُرَّاء في كل شيء، إلا قول بعضهم في بعض؛ فلهم أشد تحاسُدًا من التيوس[14].

والعلماء لا يحسدون بالمعنى المذموم البغيض، وإن كان ينشأ بينهم نوعٌ من التنافس، قد يجُرُّ إلى قليلٍ من الحسد، فينشأ عنه كلام سوء، وخروجٌ عن الجادة.

فالله الله في علمائنا ودعاتنا، والحذر الحذر من السعي بالغيبة المحرمة بين العلماء.


#شمس_الهمة





هل يجدي الفكر الانسحابي؟


هل يجدي الفكر الانسحابي؟!(ردا على مقال لماذا لا نحتاج إلى طبيبات؟)
قرأت قبل مدة في صفحة مسلمة خلاف الحداثة، مقالا -لا أجده اليوم- فالواضح أنه حذف، بعنوان(لماذا لا نحتاج إلى طبيبات؟)
تقول فيه صاحبته أن مهمة المرأة وأولويتها هي بيتها، زوجها، وأولادها، وأن على النساء لزوم الخدور، خصوصا أن واقع المستشفيات يفرض على المرأة المناوبات الليلية التي تقضيها غالبا مع أطباء رجال وأجانب عنها.
وأننا لن نحتاج إلى طبيبات لأن غير الملتزمات يقومون بسد هذا الثغر.
وذكرت أيضا أن الفقهاء أجازوا تطبيب الرجل للمرأة في الضرورة وحال عدم وجود طبيبات، وأن  التداوي عند رجل، آمن و أولى لنساء المسلمات من تعريضهن وتعريض شرفهن لتقضي الواحدة منهن جل أوقاتها مع الرجال.
فكيف نخاف مداواة الرجل للمرأة التي تكون رفقة محرم، ولمدة مؤقتة، ولا نخاف على بناتنا الطبيبات من واقع المستشفيات؟
وقالت أيضا، أن على المرأة أن تهتم لشأنها ونفسها، بيتها وأولادها في المقام الأول، ولا تلتفت لاحتياجات الناس.
ضعوا خطا تحت جملة لا تلتفت لاحتياجات الناس!!
واليوم قرأت للدكتور إياد قنيبي حواره الجميل اللطيف مع ابنته عندما تمنى لها أن تصبح داعية، لكنها ردت عليه بأنها تريد أن تصبح أما وربة بيت وصانعة رجال( زي ماما)، إلى هنا الأمر جميل ورائع.
لكن حقيقة مالفتني هو قوله( أعجبَتْني إجابتها وحمدت الله على سلامة فطرتها وصدقها، وأنها تريد التركيز على أولوياتها قبل التفكير في الناس).
وهنا أيضا ضعوا خطا تحت جملة (قبل التفكير في الناس).
في الجزائر يعمد فقهاء السلفية والمدخلية لتحريم وتجريم الدراسة في الجامعات لأنها مختلطة، وقد ضاع شباب وبنات من النوابغ بسبب هذه الفتاوى، وهذا بشواهد من الواقع.

خطاب الانسحاب والانعزال عن الناس، والعيش على الهامش، والاهتمام لشؤوننا الخاصة دون شؤون غيرنا من المسلمين والمسلمات أراه نوعا من الأنانية، ناهيك أنه خطاب دروشة مرضية كدروشة المتصوفة.
فالواقع السيء، وجور الحكام وغياب العدل دفع بأسلافنا إلى الاغتراب في عالم الدراويش، ورؤى السعادة المتخيلة، والنكوص عن مواجهة التحديات  وتحمل المسؤوليات.
فتنسحب منه إلى عالم ميتافيزيقي ، وتعيش معطلة الفاعلية، لا أثر لها في الأحداث ولا وزن في مجابهة الأخطار والتحديات.
وتلون ثقافتها وقيمها بالأحلام التي تتحدث عن عدل موهوم ورخاء متخيل، وعالم تعبدي ملائكي.
الإسلام دين واقعي، يراعي ظروف واحتياجات الناس، ولا يأسرهم في عالم المثاليات الزائف.
أولا ليس صحيحا ما يشاع وما يروج له من أن جامعاتنا ومستشفياتنا تعج بالفساد وانعدام الأمن والأمان لدرجة تشبه دور البغاء.
حتى ليخيل للسامع أن كل الطالبات الجامعيات أو الطبيبات معرضات بين لحظة وأخرى للاغتصاب.
هل يقول بهذا عاقل؟
هل نعيش في غابة؟
ولم جعلت ادارات للمستشفيات، وحراسة وووو؟
والعارف بكواليس العمل في المستشفيات، يدرك جيدا أن ما تتخيله عقولنا المريضة عن الوضع الليلي في المشافي أنه هدوء تام، وسكون، وخلوة، وليال حمراء بين العشاق خاطئ تماما.
فعالم المشافي في الليل لا يختلف عن النهار، فهنالك الإنارة والأضواء الساطعة، والحركية الكبيرة للمرضى، والأطباء والطبيبات والممرضين والممرضات، اضافة لأمن المشفى.
وإن كان هنالك حادثة أو اثنين فلا يدفعنا هذا للتعميم، ناهيك أن أغلب الحوادث التي حدثت كانت أغلبها برضى الطرفين، وكأي مكان في العالم يوجد الطيب والشرير، والمؤمن والعاصي ووو.
ثانيا: الإسلام مثالي بواقعيته، وعالم الصحابة لم يكن ملائكيا خاليا من الأخطاء كما نتوهم.
هنالك الكثير من القصص والحوادث والشواهد التي حصلت زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، وعالجها عليه أفضل الصلاة والتسليم بطريقة رائعة وليس انسحابية كما نفعل اليوم.
قصة المرأة التي عمد الصائغ اليهودي إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها، فلما قامت انكشفت سوأتها، فضحكوا بها، فقام مسلم فقتله دفاعا عنها.
كيف تصرف عليه الصلاة والسلام والصحابة حيال الحادثة؟
هل قاموا بلوم المرأة، لأنها خرجت إلى السوق؟
هل قالوا لها كما يقال لنا اليوم(مكانك في المطبخ)؟
هل استصدر الرسول عليه الصلاة والسلام قانونا يجرم خروج النساء إلى الأسواق، أو قانونا يجرم التعامل مع اليهود؟
الإجابة: لا، طبعا، لم يحدث أي من ذلك
الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحاكم الضحية، بل حاكم الجاني.وقام بحرب لأجل امرأة.
حادثة أخرى:
هي حادثة تروى عن المنافقين أو حديثي العهد بالإسلام حال الصلاة، حيث كان الواحد منهم اذا ركع نظر من تحت ابطه بسبب امرأة حسناء كانت تصلي وراء الرجال رفقة النسوة.
روى النَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ عَنْ أَبِي الْجَوْزَاء عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : " كَانَتْ اِمْرَأَة تُصَلِّي خَلْف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَسْنَاء مِنْ أَحْسَن النَّاس , فَكَانَ بَعْض الْقَوْم يَتَقَدَّم حَتَّى يَكُون فِي الصَّفّ الْأَوَّل لِئَلَّا يَرَاهَا , وَيَتَأَخَّر بَعْضهمْ حَتَّى يَكُون فِي الصَّفّ الْمُؤَخَّر , فَإِذَا رَكَعَ نَظَرَ مِنْ تَحْت إِبْطه"
هل قام عليه الصلاة والسلام ببناء الجدار العازل؟ وهل قام بمنع النساء من الصلاة في المساجد؟
الإجابة، لا، لم يحدث هذا، انما تم علاجه بتقنينه، وضبطه وغرس التقوى والضمير في نفوس أصحابه.
وهنالك قصص وحوداث كثيرة لا يسع المقام لذكرها كلها.
أتسائل كيف السبيل إلى تحقيق أنظمة وقوانين تساعد المسلم والمسلمة، في ظل وجود الأنظمة والقوانين الغربية؟
اذا نحن لم نندمج، ونحارب ونناضل للحصول على هذه الحقوق فمن سيفعل؟
ويحضرني هنا ما حدث مؤخرا بعد وفاة الداعية السويسرية المنقبة، كل الرجال وكل الفئات أصبحت تترحم، وتثني عليها وعلى خصالها، وأول هؤلاء كان أولئك الداعون لبقاء المرأة في البيت وتحريم وتجريم الاختلاط، والعوائق الكثيرة التي يضعونها أمام سفر المرأة وووو.
أتساءل لو التزمت تلك الداعية بتلك الفتاوى المتشددة هل كانت ستنفع الإسلام والمسلمين، هل كانت لتدرس أو تسافر أو تقوم بالدعوة؟
ثم ما هذه الإزدواجية؟
يحبون المرأة الداعية والمؤثرة، لكنهم لا يرغبون لبناتهن وزوجاتهن أن يكن كذلك؟
أتخيل لو حبس كل رجل زوجته وابنته، هل سنجد الطبيبة والداعية والمربية والمؤثرة؟
في الجزائر وفي أزمة كورونا ظهر (أخينا)، أي الشاب السلفي الملتحي، لأول مرة في التلفزة الجزائرية كمخترع، ومبدع ووو.
فأشاد الجميع به وبروحه وأخلاقه وانجازاته ووو.
طيب لو التزم هذا الشاب بدعاوى تحريم الاختلاط والدراسة في الجامعة، هل كنا سنسمع له حسا؟
والغريب أن كل ذلك الثناء كان من هؤلاء الذين يربدون العيش على الهامش، وتعطيل الحياة، وايقاف عجلتها.
ثالثا:
عمل المرأة المتزوجة(النابغة في مجال معين، والتي يحتاجها المجتمع بشدة)، وقضائها كل تلك الأوقات بعيدا عن زوجها وأطفالها هو مأساة كبرى ولاشك.
لكن الحل لا يكمن أبدا في ابعادها، وحبسها أو ثنيها عما تقوم به، بل الواجب توفير الجو المناسب لعملها، وتوفير من يقوم بالعناية بأطفالها تعليما وتأديبا.
حتى في الجاهلية كانت النسوة يدفعن بفلذات أكبادهن إلى البادية لينشأوا على الفصاحة والأدب، وبعد النظر، والمروءة والنبل والشجاعة.
فهل قال قائل منهم آنذاك لنساء تلك الحقبة أنكن تضيعن الأطفال وتهملنهم؟
ثم لدينا في موروثنا الإسلامي زمن الأمويين والعباسيين ثقافة المؤدب للأطفال، بحيث يعنى بتثقيفهم وتأديبهم بدل الأمهات.
ولعله ظل متعارفا حتى أنك حين تقرأ سيرة الشيخ عبد الحميد بن باديس ستجد أن الأسر يومها كانت تبعث بأبنائها للمؤدب.
فلماذا نستخسر نحن على المسلمات المؤثرات والقائدات ذلك، علما أن مقام المؤدب تقوم به حضانات أطفال معاصرة وراقية جداا وبعضها اسلامي؟!
وأرى أن من واحبنا تجاههن أن نوفر لهن ذلك وندعمهن في مسيرتهن، لا أن نثنيهن عن ذلك.
والأولى النضال من أجل تغيير القوانين الوضعية كي تناسب المرأة والأسرة، لا أن نحارب عمل المرأة كلية.
وفي هذا تقول(آن ماري سلوتر):
في نهاية المطاف، يتعين على المجتمع أن يتغير، وأن يقدّر الخيارات التي تُقدِّم الأسرة على العمل بقدر ما يُقدّر الخيارات التي تُقدِّم العمل على الأسرة، إذا قدّرنا تلك الخيارات بالفعل، فإننا سنُقدّر الناس الذين يتخذونها؛ وإذا قدّرنا الناس الذين يتخذونها، فإننا سنبذل كل ما في وسعنا لتوظيفهم وحمايتهم؛ وإذا فعلنا كل ما في وسعنا للسماح لهم بالجمع بين العمل، والأسرة بالتساوي مع مرور الوقت، فإن الخيارات سوف تصبح أكثر سهولة.
رابعا:
تربية الفتاة أن مسؤوليتها الأولى في الحياة، هي بيتها، زوجها، وأطفالها، وأن الفطرة الطبيعية تقتضي ذلك، أمر لا غبار عليه، ولا يتعارض البتة مع اعدادها وتهيئتها الإعداد الحسن، بالتربية والتثقيف، والحصول على الشهادة، ونفع النساء وسد ثغرة النقص في مجالها الذي تتقنه.
يجيب موقع اسلام ويب عن سؤال فتاة تقول فيه، هل يجوز لوالدي منعي من الدراسة مايلي:
من الأمور الواجبة على الوالد نحو ولده ، في كفالته ، وقيامه على شأنه ، أن ينفق عليه النفقة التي يحتاجها ، من مطعم ، وملبس ، ونحو ذلك.
والتضييع كلمة مطلقة تشمل كل ضيعة تأدبية ، أو تعليمية ، أو مالية ، أو غير ذلك من تضييع حقوق الأبناء على الآباء .
وإذا كان تقدير نفقة الزوج على زوجته وأبنائه من جهة الطعام والشراب واللباس تتغير بتغير الزمان والمكان وبحسب الوسع والقدرة ، فمن باب أولى أن يتغير مستوى التعليم الواجب ، فكان في العصور السابقة مقتصرا على تعليم الفرائض والواجبات ، وأصبح اليوم شاملا للتعليم الجامعي الضروري ، إذ كلما تقدمت الأمم وارتفع الحد الأدنى من التعليم زادت مسؤولية الوالدين في رعاية أبنائهما على هذا الصعيد ، وصار الحد الأدنى هو المعروف بين الناس ، فالعادة محكمة ، والعرف له سلطانه وتأثيره .
أتساءل دوما هل يصبح المطلوب من الفتاة التي شاء حظها ألا تولد في الخدور المرفهة أن تقبع في بيتها انتظارا للعريس الغني فلا تثقف نفسها بالتعليم ولا تكسب من عمل شريف؟ لا والله، بل تخرج وتتعلم وتعمل وتكسب ملتزمة بآدابها وحشمتها.
وأتساءل أيضا عن مصير أولئك النابغات والطاقات الهائلة التي يملكنها لخدمة المجتمع، والتي إن لم يجدن وجوها لتصريفها، عادت عليهن بالضرر الجسيم؟
فامرأة نابغة مثل زها حديد مثلا، حباها الله تلك الموهبة وذلك العقل، لتخدم به المجتمع ولم يهبها ذلك عبثا.
وغيرها كثيرات من طبيبات وداعيات ومؤثرات وعالمات ووو.
والخطر كل الخطر أن يتراجع أصحاب المواهب والقدرات والإمكانات، ليرضوا بلعب دور صغير في الحياة، تاركين الساحة لمن هم أقل منهم لقيادة الدفة.
كريم الشاذلي(عش عظيما).
إن الزاهد المنقطع في عرعرة الجبل، ينظر من صومعته إلى الدنيا، ليس بأحكم ولا أبصر ممن ينظر من آلامه إلى الدنيا.
إن الزاهد يحسب أنه قد فر من الرذائل إلى فضائله، ولكن فراره من مجاهدة الرذيلة هو في نفسه رذيلة لكل فضائله.
وماذا تكون العفة والأمانة والصدق والوفاء والبر والإحسان وغيرها، إذا كانت فيمن انقطع في صحراء أو على رأس جبل، أيزعم أحد أن الصدق فضيلة في إنسان ليس حوله إلا عشرة أحجار؟!
وأيم الله إن الخالي من مجاهدة الرذائل جميعا، لهو الخالي من الفضائل جميعا!!
#الرافعي
ختاما:
تشعر بأن مجتمعنا بحاجة إلى جامعات و مستشفيات اسلامية محترمة ؟
تشعر إلى أن ما هو متوفر من قوانين وضعية لا يساعد المرأة المسلمة ولا المتزوجة؟!
تشعر أن قانون ساعات العمل لا يخدم المسلمات؟
أنت محق.
لكن لا تنتظر أن يقوم أحد ما بتوفير هذه الأمور.
كرس حياتك لكي تنتج ما يسد هذا النقص.
لا تنتظر الفرج !
فهو لا يأتي قط لمن يكتب الطلبات..وينتظر تحققها.
والقوانين لا تتغير من تلقاء نفسها، القوانين تتغير بعد سنوات من النضال.
#شمس_الهمة

العيد

 تلك اللحظات الحرجة قبيل يوم العيد، ذلك التعب، والضغط، تلك الأمور التي أنجزت نصفها والنصف الآخر ينتظر منك اتمامه حالا، ذلك التوتر، وتلك الأع...