التلميذة المدللة:
لا شك أن الجميع يذكر تلك التلميذة الجميلة المدللة أيام الابتدائي، تلك الفتاة التي ترتدي أبهى الثياب، ذات الغرة المنسدلة، وشعرها الحريري المزين بربطات شعر فاخرة، تلك الفتاة التي تحضر معها دوما سندويشات فاخرة، وعلب عصير، وحلوى تسيل لعاب كل من حولها، والتي كانت السيارة تقلها لباب المدرسة، فلا تلفحها الشمس، ولا تؤذي بشرتها.
تلك الفتاة التي يتنافس الأطفال الذكور على التقرب منها، بينما تتملقها الإناث ويأتمرن بأمرها.
أما المعلمون والمعلمات فيفضلونها على الجميع، ويشيدون بها في المحافل، ويتغاضون عن أخطائها وهفواتها.
الجميع كان يعتبرها الفتاة السعيدة والمحظوظة رقم واحد.
ويجزم جميع من عرفها لو أن الحظ كان مقسما على العالم إلى نصفين، فحتما كانت ستحوز النصف بجدارة.
حسنا سأخبركم أن تلكم الفتاة كانت أنا.
هل كنت وأنا طفلة، أعلم حينها أنني كنت محظوظة، أو على الأقل هل كنت أعلم أن نظرة الآخرين عني كانت كذلك؟
سأخبركم الحقيقة، لا، لم أكن أعلم، وكنت أعتبرني أتعس خلق الله.
صحيح أنني كنت أتمتع برعاية وحب كبيرين من قبل والداي، لكنه كان حبا مبالغا به، لدرجة كانت تخنقني وتسبب لي الكآبة وأنا طفلة صغيرة.
فأبي كان يحضر لنا القصص والكتب، ويعزلنا عن العالم الخارجي، ولا يسمح لنا بمخالطة أولاد الجيران-غير المؤدبين- حسب اعتقاده.
في حين كان الأطفال يعيشون حياتهم بالطول والعرض ويجربون كافة الأشياء، أبي لم يكن يسمح بأن تتسخ ثيابنا، لذلك كان يحدد لنا طريقة اللعب فلا جري، ولا عراك، ولا لعب بالتراب أو الحصى.
ومن خوفه علينا كان يقوم بتوصيلنا إلى باب المدرسة بالسيارة، ولطالما كرهت السيارة وأيامها، وتمنيت أن تتعطل يوما لأتمتع بالمشي رفقة البنات إلى مدرستي.
أتذكر أنه نسي يوما أن يعيدنا إلى البيت، فبقيت وحدي أنتظر أمام باب المدرسة لأنني لا أعرف طريق العودة، ولا تسل عن الخوف والرعب اللذان عشتهما تلك اللحظة، حتى تفطن مدير المدرسة وأخذ بيدي إلى منزلنا وسط أنهار من دموعي وشهقاتي.
كان والدي معلما، وكان هذا السبب كافيا للتنمر علي، فكانوا يعزون تفوقي لأشياء كثيرة( محاباة المعلم لأنه صديق والدها، والدها معلم فهو يقوم بتدريسها، والدها يخبرها مواضيع الفروض والاختبارات ....ووو)، وكل هذا كان يسبب لي الغضب والحزن والاكتئاب، وتمني الموت أحيانا.
أما البنات فكن يتملقنني لسببين فقط، الرغبة في الحصول على علكة أو قطعة حلوى، أو الرغبة في الغش أيام الامتحانات، لكن عدا عن ذلك فقد كنت وحيدة تماما، تغار مني الفتيات، ولا يشركنني في مختلف الألعاب، اضافة إلى السخرية الدائمة، والتنمر المصاحب لها، ناهيك عن استعمالهن لألفاظ الفحش والسباب في معاركنا الكلامية، والتي لم أكن أفلح في الرد عليها سوى بعيون تختزن الكثير من الدموع، عيون كانت تفضحني لأنها كانت توحي لهن بضعفي، وتثبت دوما أنهن كسبن المعركة ونجحن في إذلالي.
وأنا طفلة كنت أحلم بشيء واحد فقط، أن أكون فتاة عادية، تلعب كما يحلو لها، يحق لها أن توسخ ثوبها من دون توبيخ، وأن تذهب إلى المدرسة مشيا على الأقدام.
كنت أعشق بشدة سلوك الأطفال الذين يحق لهم الخوض بأقدامهم في برك الماء، بينما لا يحق لي أنا فعل ذلك.
كانت أرجى الأماني عندي وقتها المشي تحت زخات المطر، وأن أخوض برجلي في الطين كما يفعل باقي الأطفال، ولا عجب أنها أمنية لا تزال مختزنة بقلبي إلى يومنا هذا.
فهل سيكون في حياتي نسخة ثانية من المعتمد بن عباد؟!
#شمس_الهمة
لا شك أن الجميع يذكر تلك التلميذة الجميلة المدللة أيام الابتدائي، تلك الفتاة التي ترتدي أبهى الثياب، ذات الغرة المنسدلة، وشعرها الحريري المزين بربطات شعر فاخرة، تلك الفتاة التي تحضر معها دوما سندويشات فاخرة، وعلب عصير، وحلوى تسيل لعاب كل من حولها، والتي كانت السيارة تقلها لباب المدرسة، فلا تلفحها الشمس، ولا تؤذي بشرتها.
تلك الفتاة التي يتنافس الأطفال الذكور على التقرب منها، بينما تتملقها الإناث ويأتمرن بأمرها.
أما المعلمون والمعلمات فيفضلونها على الجميع، ويشيدون بها في المحافل، ويتغاضون عن أخطائها وهفواتها.
الجميع كان يعتبرها الفتاة السعيدة والمحظوظة رقم واحد.
ويجزم جميع من عرفها لو أن الحظ كان مقسما على العالم إلى نصفين، فحتما كانت ستحوز النصف بجدارة.
حسنا سأخبركم أن تلكم الفتاة كانت أنا.
هل كنت وأنا طفلة، أعلم حينها أنني كنت محظوظة، أو على الأقل هل كنت أعلم أن نظرة الآخرين عني كانت كذلك؟
سأخبركم الحقيقة، لا، لم أكن أعلم، وكنت أعتبرني أتعس خلق الله.
صحيح أنني كنت أتمتع برعاية وحب كبيرين من قبل والداي، لكنه كان حبا مبالغا به، لدرجة كانت تخنقني وتسبب لي الكآبة وأنا طفلة صغيرة.
فأبي كان يحضر لنا القصص والكتب، ويعزلنا عن العالم الخارجي، ولا يسمح لنا بمخالطة أولاد الجيران-غير المؤدبين- حسب اعتقاده.
في حين كان الأطفال يعيشون حياتهم بالطول والعرض ويجربون كافة الأشياء، أبي لم يكن يسمح بأن تتسخ ثيابنا، لذلك كان يحدد لنا طريقة اللعب فلا جري، ولا عراك، ولا لعب بالتراب أو الحصى.
ومن خوفه علينا كان يقوم بتوصيلنا إلى باب المدرسة بالسيارة، ولطالما كرهت السيارة وأيامها، وتمنيت أن تتعطل يوما لأتمتع بالمشي رفقة البنات إلى مدرستي.
أتذكر أنه نسي يوما أن يعيدنا إلى البيت، فبقيت وحدي أنتظر أمام باب المدرسة لأنني لا أعرف طريق العودة، ولا تسل عن الخوف والرعب اللذان عشتهما تلك اللحظة، حتى تفطن مدير المدرسة وأخذ بيدي إلى منزلنا وسط أنهار من دموعي وشهقاتي.
كان والدي معلما، وكان هذا السبب كافيا للتنمر علي، فكانوا يعزون تفوقي لأشياء كثيرة( محاباة المعلم لأنه صديق والدها، والدها معلم فهو يقوم بتدريسها، والدها يخبرها مواضيع الفروض والاختبارات ....ووو)، وكل هذا كان يسبب لي الغضب والحزن والاكتئاب، وتمني الموت أحيانا.
أما البنات فكن يتملقنني لسببين فقط، الرغبة في الحصول على علكة أو قطعة حلوى، أو الرغبة في الغش أيام الامتحانات، لكن عدا عن ذلك فقد كنت وحيدة تماما، تغار مني الفتيات، ولا يشركنني في مختلف الألعاب، اضافة إلى السخرية الدائمة، والتنمر المصاحب لها، ناهيك عن استعمالهن لألفاظ الفحش والسباب في معاركنا الكلامية، والتي لم أكن أفلح في الرد عليها سوى بعيون تختزن الكثير من الدموع، عيون كانت تفضحني لأنها كانت توحي لهن بضعفي، وتثبت دوما أنهن كسبن المعركة ونجحن في إذلالي.
وأنا طفلة كنت أحلم بشيء واحد فقط، أن أكون فتاة عادية، تلعب كما يحلو لها، يحق لها أن توسخ ثوبها من دون توبيخ، وأن تذهب إلى المدرسة مشيا على الأقدام.
كنت أعشق بشدة سلوك الأطفال الذين يحق لهم الخوض بأقدامهم في برك الماء، بينما لا يحق لي أنا فعل ذلك.
كانت أرجى الأماني عندي وقتها المشي تحت زخات المطر، وأن أخوض برجلي في الطين كما يفعل باقي الأطفال، ولا عجب أنها أمنية لا تزال مختزنة بقلبي إلى يومنا هذا.
فهل سيكون في حياتي نسخة ثانية من المعتمد بن عباد؟!
#شمس_الهمة