تعدد الزوجات (زاوية نظر أخرى):
وأنا صغيرة لم آخذ ثقافتي من الحياة الواقعية، بسبب عزلة أسرتي الصغيرة، فوالدي ربانا على الكتب، الكتب فقط، ولم يكن يسمح لنا بالاحتكاك مع العالم الخارجي، ولا يزال....فهو يحوط أسرته الصغيرة جيدا، لاعتقاده أن هذا هو الحل الأنسب للحفاظ عليها..
لن أناقش هنا صوابية هذا المسلك في التربية من عدمه، فقد تكلمت عنه سابقا في مقالي(ظاهرة انحراف وإلحاد أبناء الملتزمين)..
لكن ما أود قوله أني كفتاة صغيرة نشأت على الكتب والأدب ولم تعرف الواقع وقصصه، كنت أرى التعدد من جانب إيجابي فقط.
فمن تربى على كتب الأدب والكتب الشرعية، سيقرأ قصص تعدد الزوجات، وسهولة الحياة ويسرها، وأخلاق السلف، وأدب النساء وحنكتهن..سيعتاد على مصطلح التعدد ويتقبل الأمر، وقد يجده أمرا عاديا ومقبولا ومفيدا للمجتمع نساء ورجالا، ولا غرابة فيه، ولا شناعة..
ثم كبرت قليلا، وصرت أسمع قصصا من هنا وهناك عن سلبيات التعدد، فتحفظت حوله، بعدها صرت كغيري من أبناء هذا الجيل واقعة تحت تأثير الأفلام والمسلسلات العربية التي رسخت صورة نمطية واحدة عن التعدد في عقول الأجيال، ولعل الفيلم الجزائري"إمرأتان" ترك لدي انطباعا سيئا لا يمحى حول التعدد ومضاره..وصرت مذ ذاك التاريخ أنفر من هذا المصطلح كثيرا..وأعاديه..
الحياة ليست مثل الكتب للأسف...والواقع يقول أن الزمان تغير..والرجولة أضحت عملة نادرة...والأخلاق *نتعزى*فيها..
وفي أسرتي الصغيرة كبرت على تلميحات والدي ومزاحه بخصوص التعدد، وانزعاج والدتي وحزنها وغضبها من الأمر لدرجة تصور فيها والدتي أن الحياة ستغدو مظلمة والمستقبل مرعبا..وكأن أسرتي ستنهار بكلمة واحدة من والدي..
وكنت أكره هذا الأمر وأنفر منه، وأعتبر مزاح والدي واستخفافه بمشاعر والدتي بالظلم البين..
وكذا تعلق والدتي المرضي بوالدي وبنا كأبناء، وحبها لتملك والدي من الظلم والأنانية أيضا..
ثمة شيء غير صحيح هنا..لم يكن موجودا في زمن السلف..والكتب التي قرأتها!!
أتسائل أحيانا وأنا أرى غربة والدي والهوة الكبيرة الموجودة بينه وبين والدتي..
وأتفهم التعلق المرضي لوالدتي..وكل نساء جيلها..وذلك بسبب إحساسهن بعدم الأمان، ومخافة جور الزمان..فنساء ذلك الجيل بدون تعليم، بدون شهادة، ولا يملكن التصرف في حياتهن دون الاعتماد الكلي على الرجل..إذن فالتعلق المرضي هنا أسبابه واضحة.
بعدها شاهدت مسلسلا سوريا عائليا كئيبا(نسيت اسمه)، طوال الثلاثين حلقة أو يزيد، كانت الحياة في أسرة بطل المسلسل(بسام كوسا)، لا تطاق..زوج ظالم ومهمل...وزوجة مظلومة حزينة دوما ونكدية(جسدت فيها الممثلة "يارا صبري" دور المرأة العربية باحترافية).
وابن تائه ضائع بين أبويه..
عند اقتراب المسلسل من نهايته، تكتشف الزوجة والابن، زواج الأب بامرأة ثانية، الضربة التي قصمت ظهر الزوجة، وأشعلت غضب الابن الممثل "مهيار خضور"، الذي ذهب محتقنا غاضبا لمواجهة والده، وأفرغ وقتها جام غضبه، وعدد لوالده أخطاءه ومساوئه وتقصيره..
والأب متسمر يستمع مذهولا مصدوما..فقد كانت لغة الحوار منعدمة تماما في أسرته، وكانت تلك المواجهة فرصة أتاحت للأب أن يستمع فيها لرأي ابنه، ويعرف ما يدور بعقله، وما يحمله بقلبه تجاهه..
حين أنهى الابن الكلام..طلب الأب فرصة للدفاع عن نفسه، دون مقاطعة..وقام بدوره بإخراج كل مكنونات قلبه، ومعاناته..وغربته مع زوجته..
حديث الأب وقتها قلما نجد له نظيرا..فقد تعودنا شكاوى النساء فقط(ولست هنا أقلل من مظلمتهن أو أستخف بها أو أنفيها)، إنما الشكوى غالبا لا تصدر من الرجل..لسببين أولها أنه قوي، ويمكنه أخذ حقه بيده، وثانيها أن طبيعة الرجال تتأبى على التعبير عن المشاعر أو الشكوى..فالشكوى لغة الضعيف الذي لا حيلة له..
دور الزوج والأب المظلوم الذي أداه العملاق بسام كوسا ببراعة، يقول الكثير، ويلفتنا لزاوية مهملة تماما في تعاطينا مع المشكلات الأسرية..
الكلام الذي كتبه السيناريست وقيل على لسان ”بسام كوسا”، يجعلك تخجلين من نفسك كثيرا كإبنة، أو زوجة، وكأنثى أيضا..ولا يمكن لذلك الكلام، ألا يجعلك تحسين بما أحس به البطل من معاناة وغربة طيلة ثلاثين عاما من حياته..من دون أن يفهمه أحد أو يحس بمعاناته أحد في الكون..
يومها فقط عرفت تأثير الأفلام والمسلسلات والسينما في توجيه حياة الناس سلبا أو إيجابا..عرفت تأثيرها في غسيل العقول، وتشويه الفطرة..وقلب المفاهيم..
يومها شعرت بوالدي، وعرفت كيف يفكر وبم يحس..وعرفت كيف يحس الرجال الحقيقيون الآخرون..
ولا يزال ذلك المشهد مختزنا بذاكرتي..وعالقا بتلافيف دماغي...
كملاحظة صغيرة:(غالب الأعمال السورية تتناول التعدد بطريقة إيجابية، عكس المسلسلات المصرية، ربما لأن التعدد رائج في البيئة السورية، أو أعزو الأمر لكتاب النصوص السوريين، الذين طالما أبهرونا بنصوص واقعية جعلت الدراما السورية تتصف بمسمى الدراما الواقعية لأنهم *غالبا* يتناولون قصصا حقيقية من الواقع كما هو دون تشويه).
نعود لموضوعنا...وقد عرفنا تأثير الأفلام والمسلسلات في تشويه الواقع، وتوجيه أنظارنا وعقولنا لزاوية نظر واحدة قاصرة ومحدودة..
لا يمكننا رفض شريعة ربانية ومحاربتها بلا هوادة، في كتبنا ومجالسنا، ومقالاتنا...لمجرد أن التطبيق سيء، وأن الأفلام والمسلسلات أبرزت لنا النماذج السلبية فقط..
وإلا كان يمكننا أن نمتنع عن الزواج أيضا، لأن كل القصص المنشورة بالفيسبوك، وكذا غالب الاستشارات الأسرية تقول بأن الزواج سيء، ويجلب المشكلات، وينتج عنه الطلاق بكثرة..
كفوا عن الزواج اذن، لا تتزوجوا لأن كل قصص الزواج فاشلة!!
شقيقتي تزوجت وقد كانت وهي عزباء تقول أن كل الحموات شريرات، وكل شقيقات الزوج أفاعٍ سامة ينبغي اجتنابها..وكل أفكارها تلك كانت نتيحة القصص التي كانت تقرأها في صفحات المشكلات الاجتماعية بالفيس بوك..وكانت والدتي موقنة أن شقيقتي لن تحسن معاملة حماتها وشقيقات زوجها، رغم أنها ربتنا على الأدب والاحسان لأهل الزوج..وحين تزوجت شقيقتي..ذهبت كل أفكارها السلبية أدراج الرياح..وهي الآن تحسن معاملة حماتها وشقيقات زوجها، وتعتبرهم مثل أهلها تماما..وحين نمازحها ونذكرها بالأفكار التي كانت تحملها، تضحك وتقول أنها كانت مخطئة في التعميم..
نفس الأمر مع كنتنا التي كنا نظن بها السوء بسبب القصص التي نسمعها هنا وهناك عن بنات اليوم..
وحين عرفناها حقا، خجلنا من النظرة المسبقة التي كنا نحملها..
ربما ما يحكمنا في هذه المسألة وغيرها تمثلات تسربت إلى أذهاننا من تجارب الآخرين، وأصبحت توجهنا إقداما وإحجاما، وكأننا نريد الشيء المأمونة نتائجه، فلا نلتفت إلى أننا بذلك نحرم أنفسنا من نعمة الاختيار واتخاذ القرار.
الإنسان الناضج لا يغفل الواقع وتحدياته، وعراقيله، ويعيش في صومعة وبرج عاجي وأفكار مثالية حالمة صنعها في خياله..ولا يستسلم لمشكلات الواقع، وتحدياته ويكف عن العيش فقط لأن الواقع سيء..
إنما غالب المشكلات نتاج عدم النضج والفهم والإلمام بالواقع، ونتاج عدم إلمام بالشرع وثقافة الحقوق والواجبات...
لذلك تنتفي المشكلات العائلية عند الأسر الراقية المثقفة..لأن هؤلاء يعرفون كيف تحل المشكلات وكيف تتم معالجتها بالطرق الصحيحة، بدلا من تعقيدها أكثر..
بالعودة إلى ملف التعدد، وما أثير حوله من كتب ودراسات وتحليلات..أبعدتنا كثيرا عن مقتضى الفطرة السوية الذي تراكمت حوله الكثير من الحجب..فمنعتنا من رؤية الصورة الحقيقية النقية..
قد أتفهم قول القائلين بأن التعدد مورس بشكل خاطئ طيلة عقود التخلف...بسبب جهل الرجال والنساء معا..
فالرجل لا يعرف أبجديات التعامل مع الأنثى، وقد يهضمها كل حقوقها، ثم يعدد عليها وقد يهملها أو يطلقها..
والمرأة الشرقية المظلومة بسبب ضعفها وقلة حيلتها.. تتعلق بالرجل تعلقا مرضيا أنانيا، ممزوجا بحب التملك..فتفقده إلى الأبد بسبب كثرة النكد والشكوى..التي تجعل الأخير يفر منها ويهملها..
وكل ذلك بسبب ضعف نساء ذلك الجيل، وإحساسهن بعدم الأمان..لأنهن لم يتعلمن، لم يحزن شهادة، ولا يمكنهن مواجهة الحياة دون الاعتماد الكلي على أزواجهن..
أما غالبية نساء هذا الزمن، فمتعلمات، ولهن شهادات، ويستطعن مواجهة الحياة دون الاعتماد الكلي على الرجل..فالمرأة الآن تسافر وحدها للدراسة، وتقطع الأميال، وتذهب للسوق، وتسوق السيارة...ووو
فما الداعي لكل تلك الأنانية وذلك التعلق المرضي الذي مارسته الأمهات لسبب وجيه، انتفى أو يكاد ينتفي اليوم؟!
قرأت كتبا كثيرة عن التعدد بلسان النساء، وقرأت كتبا أخرى بلسان الرجال..فما وجدت إنصافا ولا تفهما لا من هؤلاء ولا من هؤلاء إلا فيما ندر..
فالرجال يعتبرون التعدد حقا من حقوق الرجل دون فهم للواقع، ودون فهم لما تعانيه النساء.
والنساء يرفضون التعدد جملة وتفصيلا دون فهم طبيعة وحاجة الرجال، ودون فهم لحاجة أخواتهن النساء ممن ظلمتهن الحياة والظروف..
ما لا تعرفه هؤلاء الكاتبات أن نسبة 90٪ من الرجال يرغبون في زوجة ثانية، شئنا ذلك أم أبينا، وأن حب النساء طبيعة متأصلة في الرجال ولولا ذلك لما قال عليه الصلاة والسلام: ”حبب إلي من دنياكم الطيب والنساء“.فحب النساء ليس عيبا..
وما لاتفهمه النساء أيضا، أن الرجل لا يكره أم أولاده حين يعدد، والتعدد لا يعني أن الرجل يكرهك..
فقلب الرجل يتسع لأكثر من واحدة، تلك طبيعة الرجال.
لن أقول أن قبول التعدد سهل بالنسبة للمرأة، ولا أنفي غيرة المرأة هنا، أوأطالب بإلغاءها على طريقة ”حديثات العهد بالتدين“، اللواتي يهاجمن النساء كل يوم..ويتهمنهن بالكفر والضلال لمجرد أن أولئك النسوة لا يقبلن أن يعدد عليهن أزواجهن..
ولكني أقول أن الغيرة نوعان، غيرة طبيعية فطرية مقبولة، وغيرة مرضية مرفوضة تماما..
يمكنك أن ترفضي أن يعدد زوجك، أو أن تشترطي عليه ذلك، أو تتطلقي منه في حال علمت من نفسك أنك لن تقدري على هذا الأمر..يمكنك كل ذلك وفق ما يتيحه الشرع..
لكن المرفوض هو التعلق المرضي، والأنانية وحب التملك الذي يجعلك غافلة عن تفهم طبيعة الرجل وحاجة زوجك، و بنات جنسك ..
والمفروض أن لا تهدمي بيتك، لمجرد أن الله كتب عليك ذلك، جميل أن تحافظي على بيتك، جميل أن تحافظي على زوجك..لكن في حال عدد عليك، أرجوك لا تكرري أسطوانة جيل الأمهات، وتنكدي على زوجك ونفسك وأطفالك الحياة..فما جعل الجيل السابق من النساء يتعرضن للإهمال والطلاق والظلم، جزء منه ظلم الرجل، وجزء منه غباء الزوجة ونكدها في هذه الحالات..فالشكوى والنكد لن يعيد إليك زوجك، بقدر ما قد ينفره منك، وبالتالي يؤدي بالزوح إلى هجرك وإهمالك أو تطليقك..
دائما أقول أن نساء الزمن الماضي كن يجهلن طبيعة الرجال، وسيكولوجية الرجل وكيف تأخذ المرأة حقوقها وتحافظ على بيتها دون اعتماد أسلوب النكد...بل يجب أن تستخدم ذكائها وأنوثتها وتهتم بنفسها، فهذه هي الطريقة الأنجع لكسب قلب الزوج..
كل تلك الأسباب التي ذكرتها، يضاف إليها تأثير البيئة، فالبيئات التي يكثر فيها التعدد، يكون فيها الأمر عاديا أو أخف وطأة على المرأة، من البيئات التي لم تعرف ذلك..
هنالك توجه عالمي لسحق الرجولة، على حساب الأنوثة، موج هادر يسحب الجميع في طريقه،
نعم هنالك ظلم وقع ولا يزال يقع على النساء في الغرب، وظلم وقع على النساء العربيات في عصور التخلف في الشرق ولا يزال..لكن ردة الفعل العكسية المتطرفة، قد تمنعنا من رؤية الحق والوسط{ ألا تطغوا في الميزان}
لطالما أثبتت النظريات البشرية قصورها، كل يوم تأتي نظرية لتنقض أخرى...ونؤمن نحن بنظرية ما ردحا من الزمان ونعتنق مبادئها، لأن ضوء شعاعها كان يسطع لدرجة تمنعنا من الرؤية الجيدة، ثم يتكشف عوارها وخطؤها، فنكفر بها بعد زمن..
المطالبة بحقوق المرأة ردة فعل عكسية على ظلم حقيقي موجود، وعليه ستكون متطرفة، وبدل المناداة بالحقوق فقط، فلنحذر من أننا قد نتجاوز ذلك إلى انتهاك حقوق الغير...والدوس عليها..
أما الرجل الحقيقي، فهو الذي يستطيع أن يفرض نفسه، وكلمته، وهو الذي يتفهم طبيعة المرأة ويحسن التعامل معها في كل أوقاتها، ومن يستطيع أن يسوس امرأة واحدة، يستطيع أن يسوس أربعة، وقد كانت الروم فيما مضى لا تُمَلِكُ شخصا حتى يتزوج، فإن ساس زوجاته، ملكوه عليهم..
فمن يتمكن من سياسة النساء..يتمكن من أن يسوس دولة.
#شمس_الهمة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق