السبت، 9 أبريل 2022

مذهبي في التعدد:

 مذهبي في التعدد:


حين توقفت عن الدراسة، عزمتني زوجة خالي إلى منزلهم..وقضيت معها أياما فكانت تسألني أسئلة غريبة..تمتحنني بها وتحاول معرفة طريقة تفكيري، فقد كانت عروسا جديدة تتعرفنا أول مرة..

وبسبب غبائي وقتها خمنت أنه مجرد تعارف بنات حواء..لكن اكتشفت متأخرا أنه كان لها من وراء ذلك مأرب آخر..

فقد كان لها شقيق معجب، يريد خطبتي..حتى أنه ذهب لمعرض الكتاب وجلب كراتين كبيرة ممتلئة عن آخرها..تركها مؤقتا في منزل شقيقته...وطلب منها أن تسمح لي بالقراءة أو استعارة ما يعجبني..اشترى الكتب فقط لعلمه أني محبة لها..وإلا فهو لم يكن من ذلك النوع الذي يصبر على فتح كتاب..

والممل في الأمر، أن غالب العناوبن التي اقتناها كنت قد طالعتها مرارا، لأنها موجودة في مكتبة الوالد(البداية والنهاية، إحياء علوم الدين، كتب الشيخ الغزالي "المعاصر"...)


سألتني عن كل شيء وقتها..ورحت أثرثر بلا توقف...ثم جاءت نقطة التعدد...ولا أدري كيف قادنا النقاش يومها لتلك النقطة بالتحديد...المهم أنني كنت ساذجة وقتها وأعبر عن آرائي ولا أخفيها، قلت لها يومها أن التعدد جميل..ويتيح للمرأة بعضا من الراحة والحرية والفسحة لتكتشف مواهبها وتنمي قدراتها بدل الدوران في فلك الزوج والمشكلات..

لتنتفض زوحة خالي على كلامي يومها، وتنعتني بأبشع النعوت..(يا لك من بلهاء، غبية، ساذجة لا تعرف من أمور الدنيا شيئا يذكر..)

دافعت وقتها عن وجهة نظري بصلابة..وحاولَتْ هي أن تجعلني أتراجع عن رأيي بشراسة منقطعة النظير..

وحين عجَزت عن اختراق رأسي اليابس وقتها..أصيبت بحالة أشبه بالجنون، هستيريا..ضحك..ثم بكاء..

لم أفهم وقتها سبب كل ذلك..وفهمته متأخرة جدا حين رفضت رفضا تاما أن أكون زوجة لشقيقها..وحين توقفت منذ ذلك اليوم عن استضافتي في بيتها...وأدركت بعد وقت طويل أنها كانت تخاف مني ومن أفكاري..تخاف على بيتها وزوجها وأخيها من السموم التي أبثها، والتي لو انتشرت فستقضي على الجميع....لقد كانت تعتبرني تهديدا مباشرا، وخطرا يمشي على رجلين!!

بعد تلك الحادثة قررت أن أخفي أفكاري، وأن لا أبوح بمعتقدي، خصوصا لمعشر النساء..فقد فوت علي عريسا بسبب غبائي..وسذاجتي المفرطة..

توجهت إلى وسائل التواصل الاجتماعي، صرت أكتب في المجموعات المختلطة بلا خوف ولا تبرير ولا أضطر لإخفاء آرائي، أو اقتصاصها.. والظهور بشخصية غير شخصيتي..

قررت أن أكتب عن جمالية التعدد، وإيجابياته التي تغفل عنها النساء..وكنت شبه موقنة أن فتيات الفيسبوك المثقفات سيشكرنني على هذا الاكتشاف العبقري..

وفعلتها ذات يوم..وإذ بهجومات شرسة من النساء، واتهامات قبيحة بأنني أسعى لاصطياد عريس..وسب وشتائم بالجملة، وتبليغات على الحساب..حساب بات يشكل تهديدا للأمن القومي *النسوي*..وانتهت الضجة والبلبلة بفقداني لذلك الحساب إلى الأبد.

تعلمت وقتها أن ألزم الصمت في المجموعات المختلطة..وأن لا أجهر بآرائي كلها، حتى لا أفقد حسابي مرة أخرى..


اعتزلت المجموعات، وقررت أن انشر في حسابي الخاص فقط، بدون أن يظهر ذلك للعامة..يمكنني التنفيس عن مكنونات قلبي، وتساؤلاتي وخواطري، دون وصاية أو خوف من أحد..وحدث أن نشرت (في حسابي العائلي) يوما، قصة تقول أن عمر بن الخطاب كان ماشيا، فلقيه شخص يدعى ابن حنظلة، وسأله ان يخطب له "فلانة" ، فوعده سيدنا عمر بن الخطاب خيرا ومضى في طريقه، فلقيه مروان بن الحكم فطلب منه أن يخطب له "فلانة" نفس الفتاة التي سأله عنها الشخص الأول، فوعده خيرا ومضى، ثم لقي ابنه عبد الله، فطلب منه أن يخطب له "فلانة" وصادف أنها نفس الفتاة أيضا.

حينها توجه سيدنا عمر بن الخطاب إلى بيت الفتاة، ولما رآها أعجبته، فقال لها: خطبك اليوم مني فلان وفلان وابني عبد الله وأنا...فقالت مستغربة: أجاد أنت أم هازل يا أمير المؤمنين؟!

فقال لها: ليس في هذا الأمر هزل.

فأجابته قائلة: لقد اخترتك.

كتبت القصة وعلقت عليها وقتها ببراءة: "انظروا جمالية الدين، جمالية المجتمع وانفتاحه في عهد الصحابة الأخيار، لا يوجد تشنج، ولا عقد، ولا كلاكيع، ولا اتهامات ولا ظنون ولا تنمر..يحق للشيخ والكهل أن يحب ويعجب ويتزوج، ويحق ذلك للمرأة أيضا، ولو حصل هذا لواحد من الناس في زماننا لرأيت الألسنة الحداد، تعيره، وتتهمه في عقله ودينه ومروءته"


في الليل..جمعتنا جلسة سمر مع والدي ووالدتي واخوتي..وفوجئت به يطلب مني أن أحكي له القصة التي نشرتها بحسابي..

-أي قصة يا أبي؟أتسائل مستغربة تماما.

-‏قصة الفتاة التي خطبها الأب والابن معا...أجاب والدي

ورحت أنا أسرد القصة بحماسة البلهاء التي لا تعلم شيئا..أسردها وأقوم بتطويلها كي أنال استحسان والدي، وأمي تغمزني بكلتا عينيها، ترجوني فيها أن أتوقف..وأنا غافلة عنها تماما..

وحين أنهيت القصة، نظرت إلى والدي الذي كان مغتبطا جدا، ووجهه يكاد ينطق من السعادة، ونظرت إلى أمي واخوتي فوجدتهم متبرمين ساخطين من قصتي تلك، ونظراتهم تقول"ليتك تسكتين إلى الأبد"

بعدها قال والدي أفهمي أمك هذا الكلام..أفهميها أن التعدد شرعة الله..

حينها فقط أدركت المصيبة التي أوقعت فيها نفسي..والحرب التي ستشتعل في البيت بسببي..

والمهم أن والدتي خاصمتني لمدة شهر نتاج فلسفتي الزائدة.

ولم أتمكن من مراضاتها إلا بشق الأنفس، ووعد مني بأن لا أفتح فمي إطلاقا في جلساتنا العائلية..


وبسبب ذلك كله، وقصص أخرى كثيرة، أصبحت أكتم مذهبي على طريقة الزمخشري حين قال:


إذا سألوني عن مذهبي لم أبح به ***و أكتمه، كتمانه لي أسلم..



#شمس_الهمة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

العيد

 تلك اللحظات الحرجة قبيل يوم العيد، ذلك التعب، والضغط، تلك الأمور التي أنجزت نصفها والنصف الآخر ينتظر منك اتمامه حالا، ذلك التوتر، وتلك الأع...