الخميس، 7 مايو 2020

لماذا تردين ولماذا تبررين؟!





لماذا تردين على أمثال هؤلاء؟
ولماذا يشتهر الكتاب الشباب دون غيرهم من الفطاحل؟
ولماذا الحساسية المفرطة؟



نفس الأسئلة تتكرر معي بعد كل مقال أكتبه، لدرجة بات أصحابها يكتمون على أنفاسي، وضقت ذرعا بقصر النظر الذي يملكون.

نشرت موضوعا بعنوان (الفتاة القارئة حتما لا تجيد الطبخ، ومقال لماذا تنشرون قوائم القراءة) ومواضيع أخرى لن أذكرها هنا.
لتأتيني الرسائل في الخاص وكذا بعض التعليقات كالآتي(لماذا تبررين؟ ولماذا تهتمين بأمثال هؤلاء؟ ولماذا تضيعين وقتك بالكتابة عنهم؟ لماذا لا تريحين رأسك؟ وتلتفتين لحياتك؟ ووو الكثير من هاته التعليقات التي لا تفهم أو لا ترغب أن تفهم أو لا تدرك حقا وظيفة الكاتب، وصاحب الرسالة، وكيفية النهوض بالأفراد والمجتمعات.

هي فتاة تعتقد أنني أهتم لكلام الناس كثيرا، وإلا لما كتبت مقالا للرد عليهم.!!
وهو يعتقد أن لي خصومة شخصية مع شاب ما، وأحاول بمقالي أن أستدر عطفه وأغير شعوره تجاهي!!
وأخرى اعتبرت أن موضوعا ما للتشفي والنيل من كاتب معين!!

أولا نحن لا نكتب مقالا للرد على معين، وإلا لكانت مواضيعنا لا منتهية، سمجة، ثقيلة، كون أصحابها يكتبونها لأغراض كريهة كالتشفي والانتصار للذات، أو فضح وتجريح خصم ما.

نحن حين نكتب، نكون قد مررنا بالكثير من النقاشات حول تلك المسألة في مجموعات الشعب بكل أطيافه، ومجموعات الشباب، فتبدى لنا أن ذلك الموضوع رغم بداهته، يشكل قناعة راسخة -شوهاء للأسف- لدى شريحة كبيرة من شبابنا، المرحلة الأولى تكون باستغرابنا، ثم الاستهجان، والقطرة التي تفيض الكأس تكون أنك صادفت ذلك الموضوع متداولا لدى النخبة، أو الطبقة المثقفة، أو بقلم كاتب أو صحفي أو أديب، أو شخص متدين.
هنا في هذه اللحظة بالذات يتدفق الإلهام، فتكتب عن الموضوع وتكون تلك القطرة التي أفاضت الكأس.
والكتابة هنا لا بغرض التشفي، أو الانتصار للنفس، الكتابة هنا رغبة في تغيير تلك النظرة الشوهاء عن موضوع ما، وهذا كله يصب في محاولة النهوض بمجتمعاتنا عبر تغيير تلك الأفكار إلى الأفضل.

لماذا أهتم بالرد، ولماذا أنصت لأمثال هؤلاء؟
ولماذا تشتهر كتابات الشباب دون غيرهم؟

يجب على الكاتب حين يريد أن يكتب أن يتصور له جمهورا جامعا لطائفتين:
الصنف الأول:
صنف كل من سبقه أو عاصره من كبار الكتاب، لا بد أن يحس احساسا عميقا بأنه عضو في ناد يضمهم جميعا، أنه يتوجه بكلامه لهذا الجمهور فيرتفع إلى سمائه، ويستمد من أنواره وأنفاسه سمو أفكاره وتعاليها.
والصنف الثاني من جمهوره: هم قومه الذين فيهم مولده وموته، لا كأفراد مرتبطين بزمان واحد فقط، بل كعجينة أعيد تشكيلها عصرا بعد عصر، اختلفت صورها ولكن تحت كل صورة معدن لا يتغير.
ولابد من الجمع بين الصورة المتشكلة والمعدن الأصيل.
(وهذا بالتحديد ما أفعله من خلال كتاباتي، ومن خلال ولوجي للمجموعات وردود أفعالي تجاه قضايا معينة).

وسأذكر مثالا توضيحيا عن المسألة:
في معرض الكتب الأخير، كانت الطوابير مزدحمة جدا في جناح دار عصير الكتب، ودار الجزائر تقرأ بالمقارنة مع دور نشر كبرى لم تحز نفس الاهتمام، فقيل عن عصير الكتب وغيرها أنها مصنع التفاهة والسطحية.
ذلك أن أغلب كتابها شباب مبتدئون، وأغلب الأعمال المنشورة ليست بالمستوى المطلوب؟
فلماذا يشتهر الكتاب الشباب الذين لا يملكون أسلوب ولا ثقافة الفطاحلة مع أن الكثير منهم مواضيعه رسالية وأفكاره جيدة؟
(الإجابة لأنهم يفهمون مجتمعاتهم، يفهمون أقرانهم جيدا، يفهمون ميولات جيلهم، وهذا ما فشل ويفشل فيه الكثير من الفطاحلة والعلماء والأدباء الكبار، لأنهم لا يختلطون مع مجتمعاتهم، فيخاطبونها من بروجهم العاجية)

فالكاتب الذي يستحق البقاء هو الذي يندمج في هذه العجينة فلا يبقى عنده هم خالطها إلا خالط وجدانه هو أيضا، فإذا تم هذا الاندماج استقام للكاتب من حيث لا يدري الأسلوب الذي ينفذ إلى قلوب قومه فيصيخون إليه بأسماعهم.
اذن فالمشاركة الوجدانية، بين الكاتب والجمهور هي الشرط الأساسي لتحقق اللقاء بين الاثنين.


طيب كيف نوفق بين هذا، وبين مقولة العقاد(أدبي ليس مروحة للكسلاء)؟

عندما توجه الناس بسؤال العقاد لماذا لا تبسط أدبك ليفهمك الناس؟ قال ولماذا لا تجهدون أنفسكم قليلا  لتفهموني، أدبي ليس مروحة للكسلاء.
على الكاتب أن يرفع الناس اليه لا أن يهبط إليهم.(هنالك شعرة بين أن تفهم الناس وتكتب لهم، وبين أن تفهمهم فتكتب ما يميلون اليه من مساوئ، لا بغرض الإصلاح وانما بغرض الظهور)

فعلى الكاتب أن يحاول السمو والتحليق في الأعالي ومعانقة القيم الكبرى، ومحاولة ابداع مستوى عال من الفن يبعث على المشاركة الوجدانية، وسوف يلتقي الطرفان يوما ما.

لماذا لا تخففين من الحساسية الزائدة؟


لا تنفجر الفنون إلا بالأحاسيس، فالأحاسيس هي رأس مال الكاتب، والأحاسيس الزائدة التي تعذب صاحبها هي مصدر الإلهام.
ومع اعترافنا بأن أغلب البشر يتمتعون بالأحاسيس بنسب مختلفة، إلا أن الكاتب والفنان لايكون مبدعا إلا اذا كان كتلة من الأحاسيس، ومعنى هذا أنه محشو ومغلف بالمشاعر، مرهف الحس، سريع الانفعال والتعاطف، يملك درجة عالية من الاحساس، مضاعف الإدراك والحس بالمسؤولية.
ولولا العواطف والأحاسيس لما انبرت الأقلام للكتابة.

#شموسة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

العيد

 تلك اللحظات الحرجة قبيل يوم العيد، ذلك التعب، والضغط، تلك الأمور التي أنجزت نصفها والنصف الآخر ينتظر منك اتمامه حالا، ذلك التوتر، وتلك الأع...