الجمعة، 26 يونيو 2020

روتين العيد ببيتنا


روتين العيد ببيتنا:


في الماضي، ولأن أسرتي صغيرة، كنا نقضي العيد في بيت الجد والجدة، العيد يومها كان راائعا، والبيت الكبير كان يمتلئ عن آخره، شباب، مراهقون، صبايا، نساء وعجائز، وأطفال أشقياء.
حين كبرنا، توفي جدي، وتغيرت الأوضاع، صرنا نحتفل في بيتنا بعد زيارة بضع أرحام في الصباح فقط، ولكم أن تتخيلوا عشية العيد، أو بالأحرى كل ذلك الوقت بعد العاشرة صباحا، نتناول الفطور، ونأخذ قيلولة لأن طارقا لن يطرق بيتنا يومها، ثم نجتمع حول طاولة القهوة والشاي والحلويات، ونمكث في البيت نشاهد التلفاز، كان ذلك مملا وكئيبا للغاية، استمر معنا لبضع سنوات.
بعدها فكرنا في ذلك الوضع، وقررنا تغييره إلى الأفضل، فالسعادة أنت من يصنعها.

اتفقت وشقيقاتي على تحضير الكسكسي يوم العيد، واذا طرقنا طارق فلن نتركه يذهب من دون تناول الكسكسي، إخوتي الشباب لا يحبون الكسكسي، لذا فهم يكسرون حدة الجوع يوم العيد بساندويشات الشاورما، التاكوس، أو البيتزا، وحين يعودون إلى المنزل يتناولون البيض المقلي وشرائح الكاشير المالحة، التي تكسر حلاوة مخبوزات العيد.
بعدها أصبح أخي يعد صينية كارنتيكا يوم العيد، فهو يجيد تحضيرها ببراعة.
الكسكسي، الأومليت، السلطة، شرائح الكاشير، وصينية الكرنتيكا الكبيرة، أصبحت طقسا واجبا اشتهر به بيتنا، وكان يروق الأطفال وأمهاتهم كثيرا، وكان كفيلا بجعل الجميع أطفالا وكبارا، شباب ونساء يفضلون المكوث ببيتنا، فالعيد أصبح له طعم خاص ومميز.

يجتمع الرجال في الصالة الرئيسية الكبيرة، ويجتمع معهم الشبان في زاوية خاصة، أما المراهقون فيجلسون في أريكة واحدة مع هواتفهم الجوالة لا يرفعون رؤوسهم عنها فهم منغمسون بلعبة pupg.

النساء يجتمعن في صالة النساء رفقة أمي، بينما تجتمع المراهقات في غرفة ويغلقن على أنفسهن بالمفتاح، لدرجة تجعل صغيرات السن يستغربن ذلك الفعل، ويحاولن التنصت عليهن، أضحك أنا في داخلي من فضول الفتيات الصغيرات، وأتذكر ذات السلوك فقد كنت وبنات خالي وخالتي نقوم بذات الشيء، ونغلق على أنفسنا أيضا، وأشرح لهن أن جميع البنات سيمرون بذات المرحلة، وأن للمراهقات عالمهن الخاص.

الصبايا يتركن صالة النساء، ويجتمعن معي في المطبخ، وتبدأ هناك مرحلة من الأحاديث الحميمة العذبة، مصحوبة بغسيل الأواني وتحضير الحلويات والقهوة والشاي، وصحون من الكسكسي بالمرق لمن أراد والحليب الرائب أيضا.

الأطفال الأشقياء لا تهدأ لهم حركة، فباب بيتنا لا يعرف الهدوء، ما بين داخل وخارج لابتياع الألعاب ورقائق البطاطس وغيرها، اضافة للجري عبر الرواق، وعبر السلالم إلى الطابق الثاني، وغالبا ما نسمع بكاء وشكاوي ومشاجرات لا تنتهي.

أتنقل بين الغرف لإلقاء السلام، ومعرفة ما يحتاجه الضيوف، وأجلس قليلا في مجلس النساء، ثم ما ألبث أن أصاب بالغثيان من تلك الأحاديث، أحاديث عن المظاهر والفوخ والزوخ، ومن أي محل اشتريت ملابس أبناءك، وهل رأيت المركز التجاري الذي افتتح مؤخرا، وتتخلل تلك الأحاديث صرخات أمهات غاضبات على أطفالهن(غيغي، ارواح نغسلك يديك، دوك يحكمك ميكغوب)، والأخرى التي لا تترك طفلها يخالط الآخرين، وكلما بكى ناولته ضربة بقفا يديها المليئة بالخواتم الثمينة العملاقة، والتي وبلا رحمة تتسبب للطفل بنزيف في الأنف والفم وسط استغراب الأخريات من النساء).
وهنالك تلك التي أحضرت معها علبة من مختلف الحلويات، وقالت أنها من قام بصنعها في حين يتهامس الجميع حولها، ويعرفون أنها تكذب، لأن شكل الحلويات الصارخ يدل على أنها قامت بشرائها😂😂

ثنائيات المتزوجين الجدد الذين تنطق عيونهم بالمرح والبهجة، والذين يصرون على التقاط الصور في كل مكان في البيت، يتبعهم الأطفال ويحشرون أنفسهم ليظهروا في الصور رفقة العروسان.

رائحة المرق باللحم، مع الكزبرة والكرافص، ممزوجة برائحة الكاران، تختلط بروائح العطور لأحدث الماركات العالمية، نسيت أن أقول أن يوم العيد هو يوم الجوع العالمي، فنحن لا نفطر مرة واحدة فقط، بل نكرر الفطور كل مرة لكسر حدة هذا الجوع الغريب.

في الصالة الرئيسية، ترتفع أصوات الرجال بنقاشات محمومة حول مختلف القضايا السياسية الراهنة، وأود في قرارة نفسي لو ألتحق بمجلس الرجال، لولا أنه يضم رجالا آخرين من غير المحارم، أصدقاء والدي واخوتي، الجيران وهلم جرا.
الرجال لديهم شهوة كبيرة للكلام في السياسة، لدرجة تجعل اخوتي الشباب يقومون بأخطاء كارثية، يستدركونها في آخر الليل(آه، يا إلهي فلان لم أصب له القهوة، الآخر لم نحضر له الكسكسي، فلان لم أضع السكر بقهوته، والآخر لم أسقه العصير البارد) اضافة أنهم لا يتفقدون اذا فرغت صحون الحلوى، أو ترمس القهوة، فوالدتي من يقوم بسؤالهم كل مرة.
- أووووه، الذكور لا يمكن الاعتماد عليهم أبدا😌😑


أصبح بيتنا عامرا بفضل الله، ونسيت اخباركم أن السيارات التي تصف بجانب بيتنا تحتل الشارع بأكمله، لدرجة جعلت الجيران يتطفلون بدافع الفضول، ورغبة في تعرف أقاربنا الذين قدموا من مختلف الولايات.

يستمر يومنا حافلا، يذهب الغرباء لأخذ قيلولة، بينما ننفرد نحن أخيرا بالأخوال والأعمام.
لا أحد يأخذ قيلولة ذلك اليوم، إلا اثنين من أخوالي الذين قدموا من ولايات بعيدة، ترافقهم والدتي للطابق الأعلى حيث يرتاحون وينامون لمدة ساعة أو نصف الساعة فقط.

في المساء يتواصل الزوار، ولا يخل بيتنا إلا مع آذان المغرب، حينها يتبقى ببيتنا الأخوال رفقة نسائهم وأطفالهم، نتعشى سوية، ثم يغادرون في الليل كل لمدينته البعيدة.

فاللهم اجعلها دوما عامرة.

#شمس_الهمة




الوأد الصامت





"الوأد الصامت"


لبث مدة بباب الملتزم، دعا الله كثيرا، سالت دموعه، وحلقت روحه نحو السماء، تحمل إليها دعاء المضطر ، نسي نفسه، ودخل في شبه غيبوبة، حجبته عن الزمان والمكان.
- ماذا يا عم؟ هل ستبيت هنالك الليلة؟ صرخ فيه أحد المعتمرين من بعيد.
- ‏نم جيدا يا عزيزي، وأنا سأجلب لك البطانية لتهنأ بنومتك!! أردف معتمر مغربي.

استفاق أخيرا من غيبوبته على كلام الحجيج ونداءهم المستمر له، مسح دموعه وانسل عائدا بين جموع المعتمرين..
"نور الدين" شاب ثلاثيني، طويل القامة، نحيل الجسم، بعيون سوداء تدوران في محجريهما دورة وحشية، كأنما رعبته الحياة مذ كان جنينا في بطن أمه.
عاد إلى الفندق وقد أظلم وجهه وتلبد، كأنما يجري فيه الدم الأسود لا الأحمر، وهو يكاد ينشق من الغيظ، وبعضه يغلي في بعضه كالماء على النار...
نظر في المرآة، وجه شاحب، رسم عليه الزمن خطوط الهم والأرق، مرر أصابعه فوق شعر رأسه، وأخذ يحدث نفسه أمام المرآة:
- شعيرات بيضاء بدأت في فرض حصارها فوق رأسي، تزداد بمعدل مرعب لا يتناسب وسنوات عمري، وكأنها تعمل في سرية طوال الوقت، على تجنيد ما يجاورها من شعيرات سوداء خائنة لوطنها..
فتح فمه ونزع طقم أسنانه العلوي، تأمله برهة ثم زفر:
- آه...الزمن... أخذ مني كل شيء جميل، صرت وأنا في هذا السن عجوزا في مقتبل العمر
استلقى على سريره وطفق يسترجع شريط حياته "ستة وثلاثون سنة ولا أزال وحيدا من دون زوجة ولا أطفال، وأنا الذي تمنيت بناء أسرة في ريعان الشباب!!"
ترى هل يستجاب دعائي هذه المرة؟!
عمرتين وقيام الليل، ولا أزال على هذه الحال!!
رباه، لم أعد أقوى على مزيد من الصبر، فتن كقطع الليل المظلم، ونساء كاسيات عاريات، اللهم يا رب أقر عيني وأرح قلبي"
عادت به الذاكرة إلى الوراء قليلا، وتذكر عهد الصبا، وعديد خيباته في البحث عن الزوجة الصالحة:
 مذ كان عمري عشرون عاما، وأنا أبحث عن الزوجة الصالحة.
 أشعر بالملل والعناء، وتعبت من عدم توفيقي في هذا الأمر، أخاف أن أتنازل عن الشروط التي أريدها في من أريد الارتباط بها بسبب ضغوط الأهل، والمجتمع ، وتقدم عمري، وبسبب الشهوة والفتن التي تحيط بنا من كل مكان.
 ‏البحث عن زوجة صالحة في هذا الزمان أشبه بالبحث عن إبرة في كومة قش، الأمر ليس بالشيء السهل إلا على من سهله الله له، فكيف أجد زوجة صالحة ترضيني وكيف  الصبر على كل هذه الضغوط حتى أجد الزوجة الصالحة؟.
 **************
- أمي، قلت لك مرارا أنني لن أتزوج فتاة لَمَحْتِها ترقص في حفلة زفاف.
- ولكن، يا ولدي ، من أين سآتيك بالفتاة التي ترغب، وأنا لا أذهب إلى أي مكان سوى حفلات الزفاف مرة أو مرتين في السنة؟!
اسأل أصدقائك لربما كانت لهن أخوات صالحات، أو حتى أخوات زوجاتهن!!
- لقد فعلت يا أمي، أصدقاء وأي أصدقاء؟!
أصدقائي لا يفكرون سوى بأنفسهم، لا أحد يهتم لأحد اليوم، ولا أحد يفكر فيك.
- ولكن ما الحل ؟!
أنت لا تبحث أبدا، هل ستسقط عليك العروس من السماء؟!
- وما أدراك أنني لم أبحث يا أمي، لا أثر للمرأة الصالحة في هذا الزمان، كلهن كاسيات عاريات
- بني، لا تقل هذا الكلام، النساء الصالحات موجودات، ولكنهن كالدر المكنون محفوظات...ابحث جيدا وستجد بإذن الله.
- أين سأجدهن يا أمي، وكأن الأرض ابتلعتهن، لا أثر لهن في أي مكان أقصده.
- الزم محلات وأماكن تواجد النساء، فلربما التقيت نصفك الثاني هناك، من يدري؟!
- وهل سيخفى علي أمر كهذا يا أماه، خمس سنوات من لزوم تلك الدكاكين بلا جدوى، لا أدري أين تختفي الصالحات وأين يمكنني ايجادهن؟! ولماذا ؟!
- جرب الجامعات، ستجد هنالك فتيات متعلمات وبقمة الأخلاق.
- لا أريدها جامعية يا أماه، أتزوجها اليوم وغدا تشترط علي العمل لأنها كرهت من المنزل، هذا بالنسبة لمن درست بجامعة قريبة منها لا تضطرها للمبيت في السكن الجامعي، السفر بدون محرم حرام، ولو كانت فتاة صالحة للزمت البيت،( لن أتزوج فتاة السكن الجامعي، حتى لو انقرضت كل نساء حواء من على وجه الأرض، وبقيت هي فقط) .
ثم ما أدراني أن من أختارها ليست على علاقة مع أحد زملائها وهي تدرس في جامعة مختلطة؟!

************
أفاق من شروده على صوت آذان العشاء، توضأ وصلى في مسجد قريب، تناول عشاءه، ثم عاد إلى الحرم، عازما على إحياء الليل في الابتهال والدعاء.
استمر على ذلك الحال طويلا، يبكي ويشهق، ويتوسل إلى الله.
صلى الفجر هنالك أيضا، ثم جلس يستغفر ويتلو الأذكار، توقف هنيهة يسترجع أنفاسه، وأخذ يكلم نفسه:
ترى هل سيستجيب لي الله هذه المرة، أريد إشارة تطمئن قلبي، إشارة واحدة يا الله.
فتح المصحف، فوجد أمامه الآية الكريمة:
﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾. هود (112).
ارتعد قلبه، وانتفض جسده، ثم ما لبث أن تناسى الأمر، إنه مجرد صدفة.
عاد إلى غرفته بالفندق شغل التلفاز، وأطفأ الأضواء لينام على صوت القرآن الكريم، اختار قناة المجد للقرآن، فكانت الصدمة!!

الآية نفسها، السورة ذاتها، إنها الإشارة التي طلبتها.
لكنها مبهمة يا الله، ماذا أفعل كي ترضى؟!
مسح العرق من على جبينه، وازدرد كأسا من الماء بعد أن جف ريقه، ثم استسلم للنوم.
استيقظ على صوت آذان الظهر، ثم تذكر أنه رأى حلما غريبا، سرت قشعريرة في بدنه حين تذكره، وداهمه احساس غريب لم يعرف له سببا.
توجه إلى صنبور المياه، توضأ وضوئه للصلاة، وأسرع مهرولا إلى مسجد قريب.
أنهى الصلاة، ثم توجه إلى مطعم قريب، طلب وجبة افطار، ثم شرد مع نفسه: "ذلك الحلم، ترى ما معنى تلك الآيات التي تكررت في منامي؟!
ماذا فعلت في حياتي؟!
ومن ظلمت؟!
أم تراها فقط من حديث النفس، فأنا كما يبدو مرهق جدا.
الآيات بعيدة عن الإشارات التي طلبتها.

يا رب فهمني وعلمني، أكاد أجن.

************
أتم عمرته، وعاد إلى الوطن، الحيرة نفسها... الضياع نفسه...
لا يزال في رحلة بحث مضنية عن الزوجة الصالحة.
مر شهران منذ أدائه للعمرة، لكن يومياته على حالها، بحث هنا وهناك، سؤال هنا وهناك، ونقاشات لا تنتهي مع والدته.
ذات مساء تقدمت أم نور الدين نحو غرفة ابنها، طرقت الباب، فأذن لها بالدخول.
ابتسامة عريضة تعلو محياها، وعيناها تشع ببريق ظاهر
- أرى الفرح في عينيك يا أماه، كيف كان يومك عند الطبيبة، وما سر هذه السعادة؟!
- دعك مني الآن، فأنا بخير، حالك أنت من لا تسر
- هل أفهم من كلامك أن الموضوع يعنيني يا أماه؟!
هل وجدت لي عروسة لدى زيارتك تلك الطبيبة؟!
- تقريبا، ولكن ليس بعد
وأنا في العيادة سألت لك النسوة هناك، فأرشدنني إلى البحث في المدارس القرآنية، أو في المساجد فهذا الصنف لا يظهر إلا هناك يا بني...عقب العيادة مر بي أبوك من جانب مسجد "الفاروق"،  كان وقت الظهر فرأيت منظرا جميلا من فتيات في عمر الأزهار يرتدن ذلك المسجد، ليس مثل مسجد حينا، العجائز فقط من يسمح لهن بالصلاة ، بينما تحبس البنات مثل أختك " منار" تماما...
- فكرة جيدة جدا يا أمي، كيف غابت عن بالي؟!
ولكن -----
- ولكن ماذا يابني؟!
- من سيتكلف بمهمة البحث والاستقصاء، وأبي يغار عليك، و يتشدد عليك بمنعك من الصلاة في المسجد؟!
- قم أنت بهذه المهمة يا بني، الزم حائط المسجد ، وترصد دخول البنات أو خروجهن، فربما وقعت عينك على من تسر قلبك.
- ماذا تقولين يا أماه؟!
اترك الصلاة، وأطلق بصري هنا وهناك على بنات الناس
هذا سلوك الرعاع؟!
- ولكن قصدك شريف وطيب!! أنت لست مثل هؤلاء.
- لا...لا...يا أماه...لن يحدث هذا الأمر
"منار" هي من ستذهب إلى المسجد كل صلاة، وهنالك تلتقي بالفتيات الصالحات، أبي لن يسمح لك ، لكنه سيسمح لمنار.
- منار؟! ولكنك أنت من كان يمنعها عن المساجد ودروس القرآن!!
- الوضع اختلف الآن يا أمي، وهي فرصة لتراها الأخوات أيضا...فلربما اصطدنا عصفورين بحجر واحد، من يدري ؟!
ربما يتزوج كلانا بعد كل هذه السنين؟!

************
خطى نور الدين من فوره، بخطوات مسرعة نحو المطبخ أين تقبع "منار"، ومن وراءه أم مخدوعة كأنها في يد ابنها كرة الخيط، كلما جذب منها مدت له مدا...
دلفا إلى المطبخ، فوجدا "منار" هناك.
 شابة في أواخر الثلاثينيات، لها وجه رغم جماله إلا أن عليه ذبول الدنيا كلها ، وتدور في هذا الوجه عينان غائرتان، تائهتان، تنبئ أن دمها قد وضع من جسمها في ثلاجة.
"منار" ذات مستوى تعليمي متواضع، فأخوها نور الدين لم يسمح لها بارتياد الثانوية، ولا حتى جامع أو مدرسة قرآنية...
تركت للحزن والفراغ يلتهم شبابها التهاما...
كانت فارغة من الداخل، واهتماماتها لا  تتعدى حائط المطبخ، صار قلبها كتفاحة متعفنة لا تغري أحدا.
امرأة بلا هدف، أو رسالة، خاوية من كل شيء، عدا السعرات الحرارية التي تحشو بها معدتها بحجة الملل...
كانت تمارس حرفة الانتظار، كي تبدأ حياتها فعليا ، وتتحقق كل أحلامها المؤجلة لما بعد الزواج..
فصارت تنتظر الزواج بلهفة السجين لخبر الافراج عنه...
وبينما هي عاطلة عن الحياة، وتمارس هذا الغباء، كان نور الدين يعيش حياته ويستمتع بشبابه.
"منار" زورق إنساني صغير، ترك يتكفأ على صدمات الأيدي والصدف والأقدار...
كانت تكابد لتظل على قيد الإنسانية، محبوسة في زاوية مظلمة، تتلمس نقاط النور، وتبحث عن الدفء والضياء،  كانت تناضل حتى لا تتعفن روحها هناك.

**************
تنحنح نور الدين، وابتسم ابتسامة تنم عن الحماس، ثم عرض الفكرة على منار.
كانت منار تستمع وتشرد مع كل كلمة منه تقال، فقد اعتادت على عدم مقاطعته ، ولم تكن لتنخرط في نقاش مع أسماء لا تشبه الأسماء التي علمها الله لآدم.
استمرت بتحريك الحساء وأحست بمرارة الحياة بأسرها تختلط مع ذلك الطعام، ومع بخار الحساء كانت تتصاعد من روحها نفثات من الضيق والإعياء.
عاد بها الزمن إلى الوراء، واستولت على تفكيرها تلك الذكريات...
****************
- سأذهب لزيارة بنات عمي، فقد اشتقت لهن يا أماه...قالت منار لوالدتها بحماس
- أخوك نور الدين لن يسمح بذلك، بيوت أعمامك وأخوالك كلها صبيان، وأخوك شديد الغيرة(أجابت والدتها).
- ‏ولكن، يا أمي أنا لا ألتقي أبنائهم مذ تحجبت، وهم يعرفون ذلك جيدا...
- تعرفين أخاك، سيقول بأنك صغيرة، وربما التقيتهم ونحن لا نعلم، والواجب درء المفاسد
- ولكنني لا أزورهم إلا معك يا أمي، هذا معناه أنه لا يثق بك أيضا...لقد مللت وضاقت علي نفسي، كل شيء عنده معلل بسد الذرائع، واغلاق باب الفتن...حتى الجيران لا نزورهم، لأن لهم أبناء من الذكور... ومهنة الخياطة توقفت عن ممارستها بسبب احتياجي المُلِحّ لمستلزمات الخياطة ، وهو لا يجيد ابتياع مواصفات ما أريد، ولا يسمح لي بمرافقته لشرائها بنفسي ، بحجة أن أصحاب الدكاكين رجال شهوانيون...
أتساءل هل نحن اجتماعيون؟! ولماذا لا نسكن أحد الكهوف أو احدى الجزر المعزولة سدا للذرائع!!
دخلت منار غرفتها تجر أذيال الخيبة، وقد استبد بها الحزن، واستولى عليها القنوط واليأس... ثم ما لبثت أن اهتدت لفكرة ضمنت معها أن أخاها نور الدين لن يعارضها هذه المرة...وذهبت إليه تحلق مثل فراشة في حقل جميل...
- نور الدين ، أحس بالوحدة والاختناق، واللاجدوى، أريد ارتياد مدرسة قرآنية.....ما رأيك؟!
- لن أسمح لك طبعا، فالمدارس القرآنية أصبحت مركزا للمخططات السياسية ، وأخشى عليك مغبة ذلك.
(مخططات سياسية؟ ) تساءلت منار في نفسها.
- طيب، ربما معك حق في هذا، ما رأيك لو أخذتني لدروس العلم معك ؟!
- العلم متوفر بالمنازل، كبسة زر وأنت حصلت عليه، اطلبي ما تشائين وسوف أحضر لك مختلف الأشرطة والأقراص..لا داعي لخروجك من البيت.

- لا تسمح لي بالذهاب عند الأخوات، ولا صلة الأرحام، طيب ، هل تسمح لي بالصلاة في المسجد؟!
- ‏صلاة المرأة في بيتها خير
- ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام قال :" لا تمنعوا إماء الله مساجد الله"
- أنت لا تعرفين شيئا، قال أيضا:( وبيوتهن خير لهن)
عبس نور الدين وقطب حاجبيه ثم أردف بحزم:
- ‏لا تناقشيني من فضلك، أم تريدين التفلت والخروج بأي ثمن؟
يمكنك حفظ القرآن في المنزل، وسماع الدروس والمشايخ من التلفاز والأقراص.

حافظت منار على هدوءها، استجمعت شجاعتها وقررت أن لا تخاف كعادتها عقب كل نقاش، إنها تملك الحجة الآن، فقد استمعت لكلام الدعاة، وهي مقتنعة أن أخاها نور الدين يتكلم دون علم، والدين براء من ذلك التشديد على الأنثى ومحاولة خنقها.
قالت كل شيء دفعة واحدة، خشية أن يقاطعها:

- لكن يا نور الدين المرأة شريكة الرجل في بناء المجتمع، وعندما أمرها الإسلام بالستر وعدم الخضوع بالقول لم يكن يريد حذفها هي، بل أراد حذف النظرة المادية الشهوانية تجاهها.

 المرأة أعدت لأدوار عظيمة إن أحسنا تهيئتها لذلك، و إن كانت التربية المستقيمة لها أهم سبل التهيئة فإنها وحدها غير كافية... العلم الصالح من مصادره الطيبة و المعرفة الاجتماعية التي لا تتسنى إلا بالانتماء للمجتمع، يشكلان عاملان هامان الى جانب التربية للتهيئة السليمة للمرأة بعيدا عن كل العقد النفسية ....

هكذا دور ألا يحتاج الى تنشئة نساء أهل لذلك : تنشئة تربوية، علمية ، معرفية ، واجتماعية؟!
 للأسف لا يتأتى كل ذلك بحبسها بالبيت، لأنه أصبح من الصعب التفلت من الملهيات فيه، من أشغال يومية، و برامج تلفزيونية تبعدها عن النشأة السليمة ، أضف إلى ذلك صعوبة التعلم بدون معلم معين يساعد بشكل خاص على الانضباط، و تحديد المصادر الأهم لطلب العلم....
صار لزاما علينا الالتفات إلى ذلك، فنحن ننادي بالإصلاح و نفسد أهم حلقة فيه " المرأة".
الماء الراكد فاسد، عكس الماء الجاري..
والمسلم رجلا كان أو امرأة ، لا يعيش على الهامش بمعزل عن العالم...إنما يؤثر ويتأثر.

استشاط نور الدين غضبا ، وصب على أخته "منار" وابلا من الشتائم لم يتلقه "دونالد ترامب" من المسلمين ثم قال:
- تتفيقهين، وتهرفين بما لا تعرفين، أكرمك الله ببيت يأويك ويسترك ، وتريدين التفلت والانسلاخ؟!
هل تنكرين أن بيتك هو جنتك؟!
الضوابط التي جعلها الرسول صلى الله عليه وسلم لذهاب المرأة للمسجد غائبة في زمننا هذا ، من أمن الفتنة ووجوب بعد مكان الرجال عن النساء ، وتريث الرجال في الخروج حتى يخرج النساء ، معظم المساجد مدخل الرجال بمحاذاة مدخل النساء ، ويمكن أن تري جموع المصلين من الرجال يوم العيد حين يخرجون سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون ، لتعرفي أن زمننا غير زمان السلف.

*********
خرجت منار عن صمتها وشرودها، مسحت بظاهر كفها حبات العرق من على جبهتها، ثم توجهت بكلامها نحو نور الدين:
{ وإذا الموؤودة سئلت، بأي ذنب قتلت}
أتذكر هذه الآية؟!
كانت آخر جملة قلتها لك عقب آخر نقاش بيننا، هل تتذكر يا نور الدين؟!

كان نور الدين واقفا فجلس، فغر فاه و أخذ يتنفس بصعوبة، أغلق عينيه ونزع عنه رداء الحاضر، وعادت به الذاكرة إلى الوراء، تذكر كيف تصرف يومها، كيف تشدد وتنطع، وظلم منار وضيق عليها.
كيف حبسها وأغلق عليها.

تلك الرسائل التي كانت تزوره من الله، تلك الإشارات، كانت مغلقة عن الفهم بالنسبة إليه، حبيسة الذكريات في أرشيف المجهول فما إن تحدث إلى منار، منار التي كان يعاملها كتحفة أثرية منسية تراكم عليها غبار الأيام، حتى برزت له رسائل الله من بين ركام أحزانه، وأخيرا سيحاول نبشها من غياهب الظلمات وقراءة سطورها في النور الذي تسلل إلى قلبه أخيرا.
كان عنوان الرسالة(الوأد الصامت!)



بقلم: شمس الهمة


المظلوم الظالم

المظلوم الظالم:

الذي يرضى الظلم على نفسه، ولا يحاول رفعه أو دفعه، أو إنكاره، الذي يعيش عيشة الذل ويرتضيها سيرضاها لغيره لا محالة، هذا لا تتوقع منه أن ينصر مظلوما، ولن يتورع هو ذاته عن الظلم يوما ما اذا صارت بيده مقاليد الأمور.
تأمل مثلا مشهد نادل مقهى أو مطعم فاخر، تأتيه زبونة من محدثي النعم، وتتحجج أن الطاولة غير نظيفة، وأن الوجبة غير لطيفة، وربما زادت فقالت أنها وجدت شعرة بخبزة البيتزا، أو ساندويش التاكوس، تفعل كل هذا بنبرة استخفاف واضحة، واحتقار بائن، وضحكات صفراء ساخرة.
يعود النادل بطيبة وابتسامة، ويناولها طلبها مجددا، بانتظار فخامتها كي ترضى عن الخدمات المقدمة، والمهم أن لا نخسر الزبائن.
يذهب لطاولة أخرى، فيفاجأ بصراخ شخص ضخم الجثة، يرغي ويزبد لأنه طلب شايا بالحليب لكنهم قدموا له حليبا بالشاي.
ومجددا يقدم النادل فروض الولاء والطاعة، وكعادته يغمغم (المهم أن لا نخسر الزبائن).
منظر النادل لمن له قلب يدمي ويبعث لواعج الحزن والأسى والتعاطف، ويجعل المرء بينه وبين نفسه يلعن سلوك العتاه القساة المتجبرين.
لكن دعك من العواطف قليلا، وتابع معي يوميات ذلك النادل، سنتبعه لبيته ونرقب سلوكه مع زوجته وأطفاله، لا تستغرب!! نعم، إنه يقوم بظلم وإذلال الزوجة والأطفال، يفعل بهم كما يفعل به في مكان عمله تماما.
دعك من هذا الآن سنتبعه هذه المرة لكفتيريا راقية للقاء صديق، خذ لك طاولة قريبة، وراقب سلوكاته جيدا، إنه على موعد مع صاحب أو صديق، ولقد تأخر هذا الأخير عشر دقائق عن الموعد المحدد، دعك من هذا الآن فليس هذا موضوعنا.
لا ترفع عينك، قلت راقب جيدا، سيأتي النادل لمعرفة طلبه، يكتبه على قصاصة ويذهب سراعا لجلب الطلب، يعود في ثوان، يضع الطلب على الطاولة، فيفاجأ بصاحبنا ضاربا الطاولة بكلتا يديه، والزبد يخرج من فكيه، وعيونه تعتصر من الجمر، ما هذا يقول؟!
- لقد طلبت قهوة بالحليب، لا حليبا بالقهوة، هل فهمت أيها الأحمق؟
تأمل مشاهد أخرى من الحياة، كنة تظلمها حماتها وتستعبدها، أجير يظلمه رب العمل، أستاذ يظلمه المدير وهلم جرا.
غالبا سنتعاطف مع هؤلاء، ونتمنى أن يرفع عنهم الظلم يوما ما، ونعتقد جازمين أنهم طيبون بريئون.
تتبع كل هؤلاء وستجد أنهم يظلمون من هم تحت أيديهم، ناهيك أنهم لا ينتصرون لمظلوم، ولا ينكرون على ظالم.
باختصار عالم يأكل فيه القوي الضعيف- إلا من رحم ربك-
ولتنتبه أيها المظلوم لمن هم تحت يديك، اتق الله ولا تكن من الظالمين، فلربما نصرت على ظلمتك بالضعفاء، بتجنب ظلمهم والاستقواء عليهم.

الله حرم الظلم على نفسه، وقال عن هؤلاء {إنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}
 واستثنى عز وجل من ئلك فئة الضعفاء الذين لا يجدون حيلة ولا يهتدون سبيلا فقال؛
{ إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ "، قال: يعني الشيخَ الكبيرَ والعجوزَ والجواري الصغار والغلمان.}
والنفوس الحرة الأبية لا ترتضي الظلم ولا تعيش الذلة والهوان ، والتاريخ سطر بطولات ومآثر لأحرار لم يرتضوا عيشة الظلم والذل والهوان.

ولقد حرم الله تعالى الركون إلى الظالمين، وكذلك حرم الدفاع عنهم فقال في كتابه العزيز {قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ} القصص 17

فالعجب كل العجب اليوم لمن لا ينكر الظلم ولو بقلبه، بل وصلنا لمرحلة تبرير الظلم، وأوصلنا العجز عن انتقاد سلوكات الظالم إلى الثناء على أفعاله.

#خواطر_مبعثرة_مرتجلة

#شمس_الهمة


عن المجموعات النسائية في وسائل التواصل الاجتماعي:

عن المجموعات النسائية في وسائل التواصل الاجتماعي:

لا أخفيكم أنني شخصيا منضمة لمئات المجموعات على الفيس بوك، عشت حياتي كلها ووالدي يخاف علينا ويغلق المنافذ، يختار لنا أصدقاءنا بعناية فائقة، ولا يسمح لنا بالاختلاط مع الناس، وذلك كي لا يتسرب إلى أخلاقنا ما يسوء، وكي لا تصيبنا عدوى الجهل، وحب المظاهر، والمعاصي ووو.
وبسبب ذلك نشأت فضولية جداا، ولي رغبة عارمة في حب كل الناس على اختلاف أشكالهم، مشاربهم وألوانهم، وكان لدي فضول لا يشبع لتعرفهم، كانت قمة الإثارة لدي أن أتعرف شخصا جديدا، يحمل أفكار مختلفة، تقاليد مختلفة، وأسلوبا في الحياة مختلف.
لكن مع ذلك لم يتح لي التعرف على أي أحد، عشت معزولة عن العالم الخارجي، وتنتابني دوما الرغبة في معرفة ما وراء الأسوار، كيف يعيش العالم، كيف ينام، وكيف يفكر.
كان والدي يقدم لنا فقط الكتب، التي كانت ترضي بعضا من فضولي لكنها لم تكن تشبعه، فقد قرأت في طفولتي أن أحمد أمين قال أن الحياة الحقيقية على الواقع مختلفة عن عالم الكتب، وعلى الانسان تجربتها أيضا.

في عالم النت ولجت عوالم مختلفة، الفضول الذي كان لدي كان لا يكف عن محاولة اكتشاف الجديد
دخلت مجموعات نقاشية راقية ومحترمة ويشرف عليها أهل الاختصاص، كمجموعات تربية الأبناء، تأهيل المقبلين على الزواج، مجموعات الاستشارات.
ودخلت إلى مجموعات الأجانب، وحوار الأديان، ونقاشات الكتب، وعرفت عديد الأجناس يابانيون، فرنسيون، هولنديون، بولنديون، بريطانيون، أمريكيون حتى اليهود تعرفتهم وكانت لدي صديقتان يهوديتان في قائمة الأصدقاء.
دخلت إلى مجموعات مناقشة الكتب المشرقية لسوريين ومصريين وعراقيين ووو
دخلت إلى مجموعات الاختصاص على اختلافها، دخلت مجموعات الأساتذة وعرفت طريقة تفكيرهم، مالهم وماعليهم، معاناتهم وأخطاءهم.
مجموعات الأطباء أيضا اكتشفت فيها الكثير من ظروف وكواليس المهنة وكذا عقلية أصحابها
مجموعات الشريعة أيضا كانت اكتشافا جميلا، عرفت وتعلمت من خلالها الكثير.
مجموعات النساء على اختلافها، الطبخ، الخياطة، التدابير المنزلية، العناية بالبشرة وكييفية عمل المكياج ووو.
دخلت مجموعات الأفلام أيضا، وأخذت فكرة عما يشاهد شبابنا العربي بصفة عامة.
دخلت تويتر واكتشفت عالم التغريدات أيضا.
باختصار لم أترك شيئا يعتب علي لم أجربه.

وكخلاصة استفدت الكثير، ولم أتشرب المفاسد أو الشبهات، انما أخذت فكرة عن كل شيء كنت أجهله.
لهذا أقول للكاتبات وكلامي ليس للمراهقات الصغيرات، الفيس هو عالم مفتوح على كل شيء، ويجلب لك عوالم مختلفة وأنت جالسة في مكانك، ويساعدك في اكتشاف الناس من حولك، ويقدم لك قصصا انسانية مختلفة من الحياة، وهو إلى ذلك ملهم للكتابة ومعلم كبير.
فأحسن المداخل والمخارج، وتعاملن مع هذه العوالم بحذر وحزم ولا أجمل من وصية شيخ الإسلام ابن تيمية إلى تلميذه ابن القيم فقال:

”لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة فيتشربها، فلا ينضح إلا بها، ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة، تمر الشبهات بظاهرها، ولا تستقر فيها، فيراها بصفائه، ويدفعها بصلابته، وإلا فإذا أشربت قلبك كل شبهةٍ تمر عليه صار مقراً للشبهات”.

عن المجموعات النسائية

عن المجموعات النسائية:

أما عن المجموعات النسائية، فقد كنت عضوة ولا زلت في الكثير منها، انطباعي الأولي عنها كان السطحية والتفاهة، لم أجد نفسي فيها البتة، الحديث كله عن الأكل والطبخ والنفخ، وتكبير الشفايف، وتفسير الأحلام.

كان عالم المنتديات يضم تقريبا الماكثات بالبيوت من صبايا ومتزوجات، لكنه كان عالما عاطفيا، سلبيا
وفيه انمحاء تام مع الزوج والأولاد، لم يكن لواحدة منهن موهبة خاصة، أو فكر مستقلا، أو وقت خالص لطاعاتها وعباداتها، كل يومياتهن تدور في فلك الزوج ورغباته ورغبات الأطفال.

كان الأمر مخيبا لي، وكنت أحس بغربة شديدة وسطهن، ومع ذلك رغبت في الاندماج، ونحوت طريقهن.
كنت لا أكف عن تصوير أطباقي وحلوياتي، وألج مسابقات أجمل وصفة، وأجمل طبخة.
كنت قبل ذلك أكتب الكثير من المقالات التي لم يقرأها أحد.

لكن مع اندماجي بينهن، صار بيننا حميمية وعلاقة وطيدة كانت كافية لاطلاعهن على مواضيعي، وصرن أخيرا يتفاعلن مع المواضيع الجادة والهادفة ، والجميل أنني وبمبادرة تقدمت بها للمشرفات دفعت بهن نحو عالم القراءة، والمسابقات المختلفة حولها، وأتذكر كم السعادة التي شعرت واياهن بها، فقبل ذلك الوقت، لم تكن احداهن تجرؤ على فتح كتاب.

على الفيس بوك تعرفت مجموعة عجوزتي وسلافاتي ومثيلاتها، كان الأمر مؤلما جدا في البداية، ضغط نفسي، عصبية واضحة، نقمة على الجميع، سوداوية تلبستني، يأس أحاط بي.
فقد كرهت المجتمع الجزائري، الزواج، وشخصية الرجل الجزائري أيضا.
ابتعدت عنها فترة من الزمن، ثم عدت إليها بهدف الكتابة فكل البؤس الذي كنت أقرأه هناك، كان دافعا لي لأكتب عنه أكثر، وأصحح المغلوط منه.

لم أكن أكثر الجدالات، انما فقط أقرأ القصص المبثوثة هناك، القصص الموجودة كانت صادمة لي بشكل لم أعهده في حياتي، العالم الوردي وراء أسوار نافذتي والذي كنت أود اكتشافه، صرت أمقته بشدة، وصرت أتقوقع على نفسي أكثر، وأخاف أن أواجهه يوما ما.

لكن بعد مدة اكتسبت الحصانة والصلابة اللازمين، وتأقلمت مع الوضع، وتوقفت الكوابيس والبكاء اليومي.

تلك المجموعات عرفتني حقيقة الواقع، خفضت سقف الأحلام والتوقعات لدي، علمتني كيف يتعايش الناس مع كل ذلك البؤس.
وأن الزواج في الجزائر مرادف الشقاء والبؤس إن لم يتفق الطرفان في البداية على ترسيم الحدود الشرعية.
ونظرة عامة اكتسبتها عرفت من خلالها سبب تلك المآسي، كان السبب الأول الجهل بالدين، والجهل بالحقوق لكافة أولئك النساء اللواتي يعانين الظلم.
واكتشفت من خلال قراءة تعليقات النسوة هناك حول موضوع ما، أن المرأة أكثر من يظلم المرأة، وأن ما من فتاة تطرح مشكلة إلا وتحاول الغالبية اقناعها بأنها المخطئة، وأنها تفتقر إلى الصبر وأنها انسانة متطلبة وووو.

غالبية الفتيات المثقفات والملتزمات يحتقرن ذلك العالم، ويلمن تلكم النسوة، ويتهمنهن بأنهن يكثرن الغيبة والنميمة وإفشاء الأسرار ووو.
الغالبية يفرون من تلكم المجموعات بسبب وجع الرأس.

ألا ليت شعري هل تسمى الفضفضة والبحث عن الحلول والاستشارات غيبة ونميمة؟
ثم إلى من تتجه المظلومة وقد سدت أمامها جميع الأبواب؟
وإلى من تشكو همها وما من أحد يستمع لها؟

لا أوافق طبعا على أن توضع الاستشارات في مجموعات غير المتخصصين، لأنهم لا يعرفون حيلة ولا يهتدون سبيلا، لكن لا تلام هؤلاء لأنهن لا يعرفن أصلا أين يمكن أن تحصل احداهن على استشارة لحل مشكلة ما غير هذا الفيس.

ربما لا تلام مرهفات الحس و الضعيفات، والمراهقات الصغيرات، لكن الحق أقول لكن أن الواجب على المثقفات والناضجات ولوج تلكم العوالم- كل حسب وقتها- وليس بالانغماس التام فيها طبعا، والإسهام فيها أو على الأقل اكتشافها والإحاطة بالأمور هناك، وبالتالي محاولة تغيير ما لا نرضاه عن طريق القلم، وهذا هو دور المثقف الحقيقي.

فالمثقف الحقيقي هو من يفهم مجتمعه ويعرف كيف يتعامل مع قضاياه
المثقفون الحقيقيون ليسوا مجرد متثاقفين يتناولون الثقافة بالشوكة والسكّين..يجلسون في بروجهم العاجيةٍ ويلعنون الناس المغروزين في تراب الجهل والرجعيّة والتخلّف.

 نحن من الشعب وعليه يجب أن ننظر إلى هؤلاء بعين الشفقة لا عين الإزدراء،

ولنتعامل بهذه المبادئ:
قيل في الأثر: (( أوصيك ألا تحتقرن أحدا ً أو خلقا ً من خلق الله ، فإن الله ما احتقره حين خلقه ))
فلا تدري إن كان لهذا العاصي حسنات مطمورة في بحر ذنوبه.

ويجب علينا مخالطة وتقبل جميع الناس حتى غير الملتزمين فالمسلم الحق لا يعيش على الهامش ولا ينعزل إنما يؤثر ويتأثر...

إن معاشرة المنحرفين الذين غُرِّر بهم وخُدِعوا بإتباع شهواتهم، أمر ضروري بالنسبة للمؤمنين الرساليين ، وذلك كي يعظوهم ويرشدونهم وينبهونهم الى الخطر المحدق بهم، والذي يهدد حياتهم الدنيوية والأخروية ، فمقاطعتهم دائماً قرار خاطئ ، فربما يحتاج موقف معين الى المقاطعة ، ولكن يجب أن لا تكون المقاطعة دائمة، لأنها ستفسح المجال لقادة الانحراف لجذبهم وقيادتهم الى مستقبل أكثر وحشية وضلالا.
إن بعض المؤمنين يرى الإبتعاد عن أولئك المنحرفين فيه حماية وحصانة لإيمانهم ، فالتماس بهم يعرّض إيمانهم والتزامهم الديني الى الخطر ، وهذا وإن كان أحياناً صحيحاً ، إلا أن من الممكن أن تكون معاشرتهم بشكل وكيفية يمنع التأثر بإنحراف أولئك ، من باب ( كن فيهم ولا تكن منهم )، وهذا يعتمد على ذكاء وحكمة المؤمن ، فعلى المؤمن أن يعاشر المنحرف كما يعاشر الماء العذب الماء المالح فيجعل بينهما برزخاً معنوياً يمنع من انتقال ملوحة الانحراف الى عذوبة الايمان)).

#شمس_الهمة

بعيدا عن المثاليات في تعاطينا مع قضايا المرأة


بعيدا عن المثاليات في تعاطينا مع قضايا المرأة:

بينما تفاعل الغالبية مع سلسلة المرأة للدكتور والداعية المتميز (اياد قنيبي) بالإيجاب، تحسرت أنا على نفسي التي لم تقنعها، ولم ترو غليلها تلك السلسلة( ومن أنا أمام الدكتور وعلمه الغزير نفع الله به)، مع أنها كانت حلقات رااائعة، متميزة، وفيها جهد مبذول أثمنه وأحيي صاحبه.
ذلك أنني بعد كثير بحث وتأمل وقراءة في هذا الباب وجدت أن الحديث وحده لا ينفع من دون تطبيق وممارسات على أرض الواقع.
سهل جدا أن نتحدث بمثاليات يخاطب فيها المسلمون الملتزمون، أما العوام فلا يجدي معهم خطابات الوعظ والتذكير دون التطبيق، ودون التطرق للواقع المرير بالتشريح، لا ينفع أبدا في محاولة الإصلاح أن نعتقد أننا بخير، أو نحاول تغطية الشمس بالغربال، أو نتعامى عن النماذج الواقعية المنتشرة بكثرة، وكل محاولة يقوم بها أحدهم فيتلهى بنتائج ومضاعفات المرض دون التطرق للأسباب التي أدت إلى ذلك، ستكون محاولة منقوصة.والدليل أن حلقة (المرأة شغالة البيت) كانت أكثر رواجا من غيرها وذلك لأن صاحبها تطرق لأول مرة لأسباب المرض (ألا وهو عدم تقدير المرأة داخل البيت)وأنصف فيها المرأة رغم أنها لم تكن شافية للغليل كما ينبغي لها أن تكون.
تلك الحلقة شكلت صدمة للرجال-المنصفين- فمن شاهد ردود أفعال الرجال المبدئي، فقد كانت ردودهم كلها اعتراف بالتقصير، وحسرة وندامة، وصلت ببعضهم لدرجة البكاء خوفا من يوم الحساب.
أما تعليقات النساء، فكانت كلها تقول بانعدام التقدير، وأنه لو تم تقديرنا بكلمة حلوة من دون حتى مساعدة فإننا سنتفانى في خدمة أزواجنا بكل حب.
وسرعان ما انتشرت الحلقة انتشار النار في الهشيم، وسارعت كل زوجة لعرض الحلقة على زوجها، وكانت ردة فعل هؤلاء للشيخ مستهجنة، ومهاجمة، ولسان حالهم يقول (إنت خراب بيوت)
ولست هنا أقول أو أنفي أن الدكتور لم يعرج على الواقع، أو غفل عنه، انما عتبي أنه لم يركز عليه تمام التركيز، فثمة ينبغي أن نركز ونعالج.
ذلك أننا وعلى مدى عقود طويلة نصفق ونهلل مع من يتناول مواضيع الحجاب والتبرج وعمل المرأة، ونؤلف فيها الكتب ونلقي المحاضرات، تستمع النساء، يتأثرن، ويصفقن، ويذرفن الدموع، ويعزمن على الاستقامة، ثم تسير كل منهن في دروب الحياة، بعيدا عن جو المدرجات والمثاليات والمحاضرات، لترتطم الفتاة والمرأة بواقع لا يرحم، واقع يقول ما لا يفعل، واقع يعرف ولا يطبق، يعرف ويظلم، ويهضم الحقوق التي قال بها الله من علياء سماءه.
ويعضد موقفي هذا ماذكره الدكتور العارف الشيخ سلمان العودة- فك الله أسره- فقال لأولئك الذين يقولون إن المرأة ليس لها قضية، وأن النساء اليوم أخذن حقوقهن وزيادة.
أن ((ما من بيت إلا فيه قضية إلا القليل)) فإما قضايا مطلقات، أو أرامل، أو من يمنعن من الدراسة، أو من اختيار الزوج وووو الكثير.
لذا فثمة حاجة ملحة إلى أن نترجم خطابنا الإنشائي عن المرأة إلى برامج عملية واقعية...انتهى كلام الشيخ.
وسأتحدث هنا عن تجربتي الشخصية مع بنات جنسي، فقد كنت ولا زلت مناهضة لعمل المرأة وتفلتها، وقد كتبت عن هذا من قبل، وعن خطورة ضياع النشء والأسرة بسبب ذلك، كنت أكتب بعاطفة دينية حارة، بمثالية حالمة بعيدة تماما عن الواقع، كنت لا أكف عن لوم البنات، واتهامهن بالسطحية وحب المظاهر وتقليد الغرب، والجري وراء المادة، ثم وبعد سجالات كثيرة ونقاشات صادقة أدركت أخيرا مرارة الواقع الأليم.
حكت لي واحدة كيف أنها كانت تعمل قبل زواجها في وظيفة إدارية تعتمد فقط على الحاسوب، وكيف أن عملها ذاك كاد يتسبب لها بعاهة مستديمة، ذلك أنها اضطرت لإجراء عملية على مستوى الكتف بلغت قيمتها ثلاثون مليون سنتيم، وكيف أنها وصلت لقناعة أن أفضل مكان للمرأة هو بيتها، وكيف كانت تلعن الوظيفة وأيامها، وأنها ودعتها إلى الأبد غير آسفة، ثم من الله عليها بزوج مقتدر وحياة أسرية هانئة في ظاهرها، لكنها وبعد مرور ثلاث سنوات ضاقت عليها نفسها، فلا خروج ولا دخول، لا جارات ولا صديقات، لا نشاطات ولا لقاءات، لدرجة سببت لها الاكتئاب وقالت أنه انعكس سلبا على زوجها وطفلها وصحتها النفسية التي باتت مهددة، وأصبحت تخاف على عقلها الجنون أو الانتحار.
وأنها تفضل العودة إلى الوظيفة على مافيها، على أن تتحمل جحيم الأسر والتشديد والتضييق والاكتئاب المزمن.
امرأة أخرى تحكي عن حياتها بعد الطلاق، حيث كان لديها ثلاثة أطفال وعادت لبيت والديها واخوتها، وتقول عن ذلك أن المطلقة تعيش الجحيم بعد الطلاق فلا المجتمع يرحمها، ولا حتى أقرب الأقربين بما في ذلك الوالدان، فمن تشديد وتضييق على الدخول والخروج، بحيث تعامل المطلقة كطفل يحتاج مراقبة دائمة، هذا ناهيك أنها ستصبح لا محالة خادمة لنساء إخوانها، وان لم تفعل اتهمت بأنها مفتعلة مشاكل، ليس هذا فحسب فحين تم تناول ملف المطلقات قالت احداهن أن لها ست شقيقات، يأتين في المناسبات لزيارة الوالدين وتقوم هي طيلة ما يزيد عن عشرة أيام بخدمة الشقيقات وأطفالهن، ولا تسمح لها والدتها بأن تتقاسم وأخواتها مسؤوليات البيت، بحجة أنهن ضيوف وأنها ليست كذلك، فلا يحق لها استئناس ولا راحة ولا استمتاع بجو حميمي طيلة تلك الأيام تظل مدفونة في المطبخ ما بين طبخ وغسيل وتنظيف وقيام على شؤونهن، فكيف ينصف المجتمع المطلقات اذا كانت الأم والأب والإخوة لا يفعلون؟!
احدى الطبيبات حدثتني عن قسم الأمراض والاضطرابات النفسية وقالت أن لديهن ثلاث طوابق مخصصة جلها للنساء في مقابل طابق واحد للرجال، قالت أن النساء في مجتمعاتنا أكثر عرضة للاكتئاب والأمراض التفسية المختلفة بسبب الظلم والمشاكل.
طبيبة أخرى حدثتني أن نسبة 90٪ من حالات تفاقم خلايا مرض السرطان لدى النساء، هو رفض أزواجهن الكشف المبكر، وبخلهم على زوجاتهم في هذا الجانب والاقتصار على العلاج المجاني.
قصص أخرى لعازبات تجاوزن الثلاثين والأربعين دون ارتباط شرعي ولا زالن يعاملن كالأطفال الذين لا يتركون وحدهم.
حياتهن معطلة ولا يسمح لهن بأي شيء، فقط ممارسة حرفة الانتظار، انتظار العريس الذي قد لا يأتي أبدا.
هذه هي الحياة الواقعية البائسة التي تنتظر غالبية النساء إن لم يدرسن ويعملن، هذه الحياة يعتبرها المجتمع شكلا طبيعيا للعيش، وكأنها إرادة الله، وليس لنا الحق في رفضها أو التصرف بها.
المرأة الماكثة عندنا غير مقدرة، سواء كانت بنتا، أختا أو زوجة، لا أحد يقدر ما تقوم به، دعونا لا نكذب على أنفسنا، أو نخدع الفتيات ونجمل لهن الأمر، لا أحد يسمح لها بارتياد المساجد والمدارس القرآنية، أو زيارة الأخوات لتبادل المعارف، لا يحق لها وقت خاص، فالكل يستبيح وقتها ويأخذ منه كما يشاء، لا أحد يقف معها إن هي مرضت مرضا مزمنا يتطلب التنقل بين المستشفيات.
لذلك كل من ناقشتهن قلن لي أن الوظيفة على مساوئها هي المتنفس الوحيد لهن، وهي الحل الوحيد للظفر ببعض الحقوق كحق الخروج، وإقامة علاقات صداقة مع البنات، بالإضافة للاحساس بالأمان الذي توفره أموال الوظيفة.
المرأة أعدت لأدوار عظيمة إن أحسنا تهيئتها لذلك، و إن كانت التربية المستقيمة لها أهم سبل التهيئة فإنها وحدها غير كافية... العلم الصالح من مصادره الطيبة و المعرفة الاجتماعية التي لا تتسنى إلا بالانتماء للمجتمع، يشكلان عاملان هامان الى جانب التربية للتهيئة السليمة للمرأة بعيدا عن كل العقد النفسية ....
المرأة دون الرجل كائن رسالي، لا يعني أن لا رسالة للرجل إنما الدور الرسالي للمرأة أعمق و أهم " المرأة مدرسة إن أعددتها أعددت شعبا طيب الاعراق"... دورها أساس في تنشئة مجتمع سليم من خلال تنشئتها للمصلحين المنشودين لذلك...
هكذا دور ألا يحتاج الى تنشئة نساء أهل لذلك : تنشئة تربوية، علمية ، معرفية ، واجتماعية؟!
للأسف لا يتأتى كل ذلك بحبسها بالبيت، لأنه أصبح من الصعب التفلت من الملهيات فيه، من أشغال يومية، و برامج تلفزيونية تبعدها عن النشأة السليمة ، أضف إلى ذلك صعوبة التعلم بدون معلم معين يساعد بشكل خاص على الانضباط، و تحديد المصادر الأهم لطلب العلم....
صار لزاما علينا الالتفات إلى ذلك، فنحن ننادي بالإصلاح و نفسد أهم حلقة فيه " المرأة".
لا ينفع أبدا التصدي لخطاب النسوية بمواضيع انشائية، ولن يجدي أبدا محاولة ثني النساء واقناعهن أن البيت جنة رحبة، وهو في الواقع ليس كذلك البتة.
هكذا محاولات ستكون بمثابة التربيت على كتف امرأة مسحوقة تحتاج دعما حقيقيا وتطبيقا عمليا لتلك الأقوال.
أي محاولة لإقناع المرأة بلزوم الجادة، وكسبها في صفوف الحرائر الطاهرات المنضبطات، هو محاولة فاشلة اذا لم نقم بالقضاء على التقاليد في مقابل تحكيم الشرع.
ذلك أن الحديث عن الحقوق شيء، وتطبيقها الفعلي في أرض الواقع شيء آخر تماما.
فما ينقصنا حقا هو تطبيق حقوق المرأة، وليس التغني بها في مؤتمرات بطريقة إنشائية بحتة.
من المؤسف حقا أن المرأة في المجتمع المسلم اليوم، لم تجن الى الآن أي فائدة من وراء كلامهم عن حقوق المرأة *المجرد عن التطبيق*.
إنما السبيل إلى ذلك يتحقق فقط من خلال اعطاء المرأة حقوقها الإنسانية والاسلامية.
فاذا منحنا المرأة حقوقها المشروعة حقا، نكون قد أعددنا أفضل عنصر قادر على مجابهة هذا الهجوم.
واذا منعناها حقوقها نكون قدمنا أجّل خدمة لهذه الدعوة المشؤومة.
لذلك نجد صنفين من المثقفين، صنف يروم الانعتاق و القضاء على التقاليد البالية، فيقوم بالقضاء على الدين معها.
وصنف آخر يروم الدفاع عن الدين فيدافع معه على التقاليد البالية.
وذلك بسبب أن التقاليد والدين صارا مزيجا متداخلا، لا يملك الطرفان التمييز بينهما.
فإذا كان علماء الدين عاجزين عن الفصل بين التقاليد والدين، فهل يرتجى ذلك من الشباب؟!
وكل هذا يجعل المرأة حين تفكر في الحرية لا تجد أمامها إلا النموذج الغربي الحاضر أمامها.
لذلك قبل محاربة النسوية، قبل محاولة وعظ النساء، نتمنى التركيز على محاربة العاهات والتقاليد التي ما أنزل الله بها من سلطان، حينها فقط ستستمع النساء وترعوي.
ختاما:
الخطاب لا يجب أن يقوم فقط بالتركيز على الحديث عن الواجبات، انما الحديث عن الحقوق وتعريف المرأة بحقوقها مقدم على توعيتها بواجباتها، فمتى ما عرفت المرأة حقوقها والطرق الصحيحة الموصلة اليها، سهل عليها أداء واجباتها.
والوعظ والتذكير لا يكون للمرأة دون الرجل.
وليت الدكتور اياد قنيبي يقدم سلسلة خاصة بالرجل كما فعل مع الأنثى، لتعتدل الكفة، فالخطاب الشرعي لا يجب أن يكون انتقائيا يركز على المرأة ويلقي عليها باللائمة ويعرفها واجباتها، ويهمل توجيه الرجل وتهذيب سلوكه.
#شمس_الهمة



كيف نعالج قضايا المرأة انطلاقا من آراء ثلة من المفكرين حول الأمر:

كيف نعالج قضايا المرأة انطلاقا من آراء ثلة من المفكرين حول الأمر:

🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸

ميز مالك بن نبي بين موقفين متقابلين من قضية المرأة: موقف المتمسكين بإبعاد المرأة عن المجتمع وإبقائها في وضعها التقليدي الذي كرسته التقاليد، وموقف الداعين إلى أن تخرج المرأة في صورة تلفت إليها الغرائز. ورأى أن موقفي هذين الفريقين يصدران عن دافع واحد هو الغريزة. وهذان الموقفان لا يساهمان في حل المشكلة، بل ربما زادا الطين بلة. وإذا كان موقف الداعين إلى التحرر على النمط الغربي واضح الأخطار على المجتمع الإسلامي بسبب ما يؤدي إليه من ترسيخ للتبعية وتبليد للحس الإسلامي وضرب الهوية الخاصة للأمة، فإن الموقف الثاني قد يكون أشد خطرا لأنه يعطي لأعداء الأمة المبررات للخوض في سمعة الإسلام والتشكيك فيه، ويجعل المرأة حين تفكر في الحرية لا تجد أمامها إلا النموذج الغربي الحاضر أمامها.
من أجل ذلك يستبعد مالك هذين الموقفين لأنه "لا أمل لنا أن نجد في آرائهما حلا لمشكلة المرأة"

- هناك امرأة من نوع ثالث، امرأة لا تقبل النموذج الموروث للمرأة، ولا تقبل النموذج المستورد الوافد من أقذر وأسوأ أعداء الإنسانية. وهي تعرف كلا النموذجين حق معرفتهما، وما يفرض عليها باسم التقاليد الموروثة لا صلة له بالإسلام.(علي شريعتي).

- وذكر أيضا أن تيار التغريب عصف بالمجتمعات الإسلامية نتيجة لتيارين، تيار المنسلخين التقدميين الذين روجوا له بين أبنائنا. وتيار المحافظين والتقليديين الذين قاوموا هذا التغريب من خلال وسائل المقاومة البدائية، والتصدي المتعجرف الذي صدر عنها.
والذي ساهم على نحو غير مباشر في تمهيد الأرضية في مجتمعاتنا لقبول الفكرة التغريبية أكثر.
وشبه ذلك كمثل بقعة بنزين اذا أريقت في موضع وشبت فيها النار.
فكلما حاول بعض السذج اطفاءها بأساليب متسرعة وغير مدروسة ازدادت اشتعالا.
وهذا هو السبب الذي جعل التصدي البدائي للغرب، غالبا ما يكون مدعاة لقبول تلك الأفكار في المجتمع، وايجاد عقد وردود لدى أبنائه يسفر عنها الترحيب بما يدعو إليه الغرب.(علي شريعتي).

رأي ماجد عرسان الكيلاني في قضايا المرأة:
- يقول ابن تيمية: "المحرمات جميعها من الكفر والفسوق والعصيان إنما يفعلها العبد لجهله أو حاجته، فإنه إذا كان عالما بمضرتها وهو غني عنها، امتنع أن يفعلها....فأصل وقوع السيئات منه عدم العلم أو الغنى".

- لذلك لا يكفي لعلاج المحرمات والبدع والضلالات أن توعظ العامة بعدم شرعيتها ليعلموا مضرتها، وإنما لا بد أن يقترن الوعظ بأهمية العدل، ومحاربة الظلم لتختفي"الحاجة" التي تدفع الناس في طريق الضلالات والبدع، وتجبرهم على الوقوع في الكفر والفسوق والعصيان.

وكثيرا ما أخطأت الحركة الإسلامية المعاصرة ممثلة بالعلماء والمفكرين حين ركزت على المظهر الديني، مع التنديد بمضاعفات القصور والمخالفة والعصيان في المظهر الاجتماعي، فهي مثلا ألقت خطبا كثيرة وألفت كتبا عن لباس المرأة وخروجها إلى العمل وتبرجها، دون أن تنتبه للسياسات التي دفعت بالمرأة دفعا إلى ذلك، ويأتي على رأس هذه السياسات اغتيال العدل، وتفاوت فرص العيش، وانعدام وسائله الكريمة، مما دفع بالمرأة للخروج بالشكل الذي خرجت به، وأجبرت على تنفيذ متطلبات التسويق ورواج البضاعة في لباسها وتبرجها.
- والغفلة عن السبب تجعل الحركة الاسلامية تدين الضحية وتنسى الجاني، وتخاصم المرأة وأبناء الطبقة العاملة وتجعلهم فريسة سهلة أمام التيار الوافد من الخارج.

- وتحتاج المجتمعات الإسلامية أن تتجاوز الحس الذي انتهى إليه ابن تيمية، إلى درجة الوعي الذي يشخص الظاهرة ويعالج بدعها وضلالاتها بتجفيف المسببات الرئيسة لها، ودواء العدل وتوزيع الثروات وصيانة الحريات، بظل التعامل معها بمنهج المحاكمة والإدانة الذي يدين" الضحية" ويتجاهل" الجاني".

- من القضايا التي يشدد عليها المنهج العلمي في البحث أمران:

الأول:هو تحديد المشكلة تحديدا دقيقا، لا التلهي بالأعراض والمضاعفات الناجمة عن هذه المشكلة.

الثاني:هو أن دراسة المشكلة لا تتوقف عند حاضرها بل لابد من الوقوف على أصولها، ثم تتبع تاريخها والتطورات التي مرت بها.

- الكتب المؤلفة لعقد من الزمان حول المرأة، تناولت المسائل العتيقة المعروفة لدى الجميع فذكر الدكتور عبد الكريم بكار:
((نظرت فيما كتب حول المرأة المسلمة عبر الخمسين سنة الماضية فوجدت أن 80% منه يركز على كيفية صونها والحفاظ عليها وبالتحديد حول حجابها وشروط عملها خارج المنزل واختلاطها بالرجال اﻷجانب. أما ال 20% فإنه يركز على تنمية المرأة!
في نظري كان الواجب هو العكس تماما فنحن في حاجة إلى اﻷفكار واﻷدبيات والمبادرات التي تساعد المرأة على أن تكون أما ممتازة وداعية مؤثرة ورائدة في العمل الخيري....
طبعاً معظم الكتابات كانت بأقلام الرجال أو بأقلام نساء يرددن ما يقوله الرجال مع أنه في نظري لا يفهم المرأة إلا المرأة.
كلي أمل أن تتغير هذه الصورة الباهتة.))

عمل المرأة (المتزوجة تحديداً) وقضائها كل تلك الساعات بعيداً عن أطفالها هو مأساة كبرى.. ‬

‫لكن المأساة الأكبر تكمن في الظروف التي تدفعها لذلك.. النظام الاقتصادي الذي يجعل راتباً واحداً لا يكفي.. أو التسلط الاجتماعي الذي يجعل استقلالها الاقتصادي أولوية مقدمة على كل شيء آخر.‬

#ديك_الجن

العيد

 تلك اللحظات الحرجة قبيل يوم العيد، ذلك التعب، والضغط، تلك الأمور التي أنجزت نصفها والنصف الآخر ينتظر منك اتمامه حالا، ذلك التوتر، وتلك الأع...