فيلم في سبع سنين:(وجهة نظر شخصية)
العام الماضي خرجت علينا قناة الجزيرة بفيلم تصويري بعنوان (في سبع سنين)، وتلا ذلك العرض مباشرة ردود فعل غاضبة من دعاة ومشايخ كثر، وانتشر خبر الفيلم انتشار النار في الهشيم.
لم يتح لي برنامجي المضغوط وقتها مشاهدة الفيلم، رغم أن فضولا كبيرا انتابني بشأنه بسبب ردود الفعل الكثيرة التي كانت تصادفني طيلة أشهر عقب الفيلم.
بالأمس تابعت الفيلم من دون خلفية مسبقة، فقد نسيت تماما ردود الفعل حوله.
كردة فعل أولية أصدقكم القول أني انبهرت كثيرا بالفيلم، بالسيناريو، بالإخراج، بالإضاءة والأهم بالفكرة التي يحملها الفيلم والرسالة التي يود إيصالها.
انفعلت كثيرا، بكيت وحزنت كثيرا، وغضبت أيضا.
تعاطفت مع الضحايا-كما أسميهم أنا- وانفطر قلبي شفقة عليهم، وعلى حالهم.
أحاسيس كثيرة انتابتني، خوف، قلق، صدمة....
الخوف على مستقبل أبناءنا والأجيال التي ستأتي، الخوف من سلوكاتنا التي قد تفتن المسلمين من حولنا...ووو مشاعر كثيرة متضاربة.
عدت لردود الأفعال، كي أقيم تجربتي وانطباعي، وآخذ زوايا مختلفة للموضوع.
فوجدت ردات فعل عنيفة، وغاضبة، واتهامات وتخوين(الجزيرة تروج للإلحاد، المنتج ماسوني، والمخرج عميل، ومقدم البرنامج بيدق، ووو)
*********
طبعا الفيلم باختصار يرصد ظاهرة الإلحاد لدى الشباب، بعد فشل الثورة المصرية والربيع العربي كما يسمونه، وعرض الفيلم نماذج لشباب ألحدوا ، وآخرين جنحوا للعمل المسلح، بسبب صدمتهم بمشايخ، ودعاة، وكذا صدمتهم بمجزرة رابعة وتبرير الكثيرين للظلم.
والصدمة والتساؤل الأكبر كان(لماذا يقف الناس مع الظلم؟
ولماذا لم ينصرنا الله ونحن على حق؟!).
تابعت الكثير من الردود، راقني منها القليل، كرد الأستاذ فاضل سليمان الموفق جدا.
لكن ردود الفعل للأسف في غالبها لم تكن موفقة، فنحن اعتدنا الردود العاطفية، الآنية، الغاضبة، والغير مدروسة، والغير منصفة للأسف.
”أصبح الرد مهمة مقدسة، لا أحد يلوم أو يتهم من يقوم بهذه المهمة، لا يلوم أحد أولئك الذين يدافعون، حتى لو كانوا قد فهموا ما قيل بالمقلوب، فهناك دوما نية ناصعة البياض في قلوبهم، ستبرر لهم كل ما يفعلونه، اللوم والعتاب فقط على من يقدم فكرة مختلفة، يكشف المستور، أو يقدم تساؤلا.“
أول نقطة لم ترقني هي الاتهام والتخوين الذي بات حاضرا في كل خطاباتنا، لا أحد يحسن الظن، لا أحد يلتمس الأعذار، ولا أحد يعزو ضعف المادة المعروضة لجهل الصحفيين، أو تقصيرهم، أو نقص الخبرة أو الكفاءة، أو انعدام الثقافة الشرعية اللازمة.
الكل اعتبر الفيلم والقائمين عليه أعداء الدين، المروجين للإلحاد، الذين حتما هنالك جهة دفعت لهم الكثير من الأموال في مظروف.
النقطة الثانية:
العجلة في الرد، والغضب، وانعدام الأناة تجعلنا لا نبارح نمط ردات الفعل العاطفية المندفعة.
النقطة الثالثة:
الغالبية - وأنا أؤيدهم في هذه النقطة- ركزت على مشاهد معينة كانت تدعو للإلحاد كمشهد الفتاة التي نزعت الحجاب وترددت بشأن الخروج حاسرة الرأس إلى الشارع، والموسيقى التصويرية الرومنسية المصاحبة للقطة نزع الحجاب، فتم تصوير المشهد وكأنها خارجة من الظلمات إلى النور، لأن المشهد يصور المكان مظلما والخارج مضيئا.
وهذا قد يكون متعمدا، وقد لا يكون كذلك، فالمكان الذي تم تصوير المشهد به كان عمارة، ومعروف أن الداخل مظلم، والخارج مضيء (بداهة يعني).
لكن الجميع تجاهل مشاهد ردات فعل مقدم البرنامج، حين يصرح له هؤلاء بإلحادهم، والموسيقى التصويرية التي تمثل قمة الصدمة والانهيار والإحباط، بالإضافة لمشهد المقدم وهو يخبط رأسه بالجدار كتعبير عن الحسرة والصدمة على هؤلاء الشباب.
طبعا جميل هو النقد البناء، وتقديم ملاحظات وتوجيهات وانتقادات بناءة تسهم في تلافي الأخطاء مستقبلا، لكن من غير المقبول الحكم على العمل كلية واعتباره معاديا للإسلام، والتركيز على السلبيات، وعدم الإنصاف.
النقطة الرابعة:
لا أدري حقا هل يجهل أولئك الرافضون للفيلم جملة وتفصيلا، بأنهم ساهموا بانتشاره كانتشار النار في الهشيم، والترويج له على أوسع نطاق؟!
فإذا كانوا يعتبرونه خطرا حقيقيا بسبب ترويجه للإلحاد، فلماذا يسهمون بنشره بهذه الطريقة؟
النقطة الخامسة:
المغالاة في الردود، وركوب موجات الترندات.
لا أحد اكتفى برد أخيه في الموضوع -وكأن الرد فرض عين يأثم الفرد الواحد بتركه- كان يلزم أن يرد الجميع، ، كي يثبتوا للناس *غيرتهم* على الدين!!
حتى أن أحد الدكاترة المحسوبين على الوسط الإسلامي قام برد مستفيض بخمسة أجزاء، مدة كل فيديو ساعتين ونصف!! (يا شيخ)!!
هل من المعقول أن يترك الناس مشاهدة الفيلم الأصلي الذي لا يزيد عن خمسين دقيقة، ليشاهدوا فيديوهاتك الخمسة حول الفيلم؟!
احسبها بالعقل والمنطق، (مستحيل شيخي)، حتى لو بلغ علمك عنان السماء.
النقطة السادسة:
أنكر البعض أن ما يحاول الفيديو ايصاله، هو ظاهرة، مستمرين بسياسة النعام، ودفن الرؤوس بالرمال(نحن بخير، وشبابنا بخير، لا داعي لهذا التهويل، ووو).
النقطة السابعة:
لا أحد استفاد من الفيلم، واستثمر فيه إلا القليل.
الشخص الوحيد الذي استفدت منه شخصيا، هو الأستاذ فاضل سليمان، الذي لم يجنح للرد المنفعل والغاضب، والإكتفاء بالشكوى والانتقاد، بل قام بتوجيه رسائل تربوية، اجتماعية، رائعة لمختلف الشرائح، ابتداء من الدعاة والعلماء، إلى الآباء والمربين، انتهاء برسائل إلى صناع الأفلام، فكانت مداخلاته بحق دروسا رائعة، ومثالا يحتذى.
ختاما:
الفيلم دق ناقوس الخطر فحسب، وتناول باحترافية كبيرة المشاكل النفسية والاجتماعية التي تؤرق الشباب، ولفت الأنظار لمواقف المشايخ والدعاة والمربين، لينتبهوا أكثر لمواقفهم، ونتائجها وتأثيراتها على الشباب.
وسواء اختلفنا مع المادة المعروضة كلها، أو بعضها فما من داع للتهويل والتضخيم.
وكأننا مصابون بوسواس قهري، شعورنا الدائم بأننا مهددون، يجعلنا ننتفض ونغضب ونشرع في رمي السهام.
سنظل متيقظين نقاوم النوم، وأقلامنا وألسنتنا مشهرة دائما، لا تُغمد... تحسبا لأي هجوم من أي مكان..
أتساءل متى يأتي ذلك اليوم الذي ننتقل فيه من خانة ردات الفعل، إلى خانة العمل والإنجاز بمخططات وأفكار متزنة ومدروسة وعقلانية.
متى سيأتي ذلك اليوم الذي نكون فيه صانعي أفلام مؤثرين، بدل مهرجانات الردود وعبارات التنديد والشجب؟
#شمس_الهمة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق