الأربعاء، 28 أكتوبر 2020

أزمة فرنسا

 أزمة فرنسا كشفت عن أزمات تحتاج حلا:



حين أقرأ خطابات الوسط الدعوي بشأن أزمة فرنسا، ورفضهم القاطع لأي شخص يستدرك، أو يستثني، أو يحاول التساؤل، أفاجأ بردات فعل عنيفة وغاضبة تقول لهكذا شخص فلتذهب أنت وعقلك وفلسفاتك إلى الجحيم.

وهذا مرده كما يقول غوستاف لوبون في كتابه سيكولوجية الجماهير (الجماهير الثائرة تغلب عليها العاطفة لا العقلانية ولذلك فإنها لا تتفاعل مع المجادلات العقلية بل تتوق إلى من يوقد فيها الحماس عبر الشعارات والعبارات الرنانة).

لذلك لا أتوقع أن تفوز أي محاججة عقلية في هذا الظرف، وسيتعرض أي شخص غير مقتنع، أو يحاول طرح تساؤل مشروع إلى التهكم والسخرية والهجوم.


والسبب الثاني أن غالبية المشايخ والدعاة ينتمون لجيل عاطفي بامتياز، ويمكن ملاحظة ذلك في طريقة تفكير والدي ووالدك وأستاذي وأستاذك، وأكاد أجزم أن شبابنا المعاصر أكفأ في هذا الجانب، فذلك الجيل في غالبه جيل عاطفي مع الأصول، لكنه يفتقر إلى المنهج والرؤية على المستوى الفكري.


وجيل الشباب المثقف والواعي اليوم يناقش، ويدلي بآراءه وينتقد المشايخ، وكشباب نقرأ تعليقات الشباب فتحاصرنا الأسئلة في كل مكان، (فالسلفي مثلا يتفق والعلماني والمثقف العادي) في نقطة (لا ضرر ولا ضرار)، ويطرح أمامك مسائل تفوق في تعقيدها مسائل الرياضيات فيقول لك(ماذا عن خسائر صاحب المحل، ورأسماله المكون من السلع الفرنسية؟ وكيف نعوضه لأننا إن قاطعنا السلع، خسر المسكين خسارة فادحة، ويقول آخر: هذا مشكلته هينة فمبلغ عشرة ملايين يهون لأجل المصطفى صلى الله عليه وسلم، لكن ماذا عن بائع الجملة، تخيل الخسارة التي ستناله، وماذا عن بائع قطع الغيار وووو....وماذا عن الأدوية؟ .....و القائمة طويلة).


لكن ما لاحظته عن الشباب الملتزم، أنه لا يفكر مثل أقرانه، وردات فعله وأقواله هي نفسها ما يرددها مشايخه، ولا جرم أن المؤسسات الدينية والمشايخ يصنعون أتباعا لا قادة، ومقلدين لا مفكرين.


والمفروض في شباب اليوم أن يثور ويتمرد على تلك الأفكار، أو على الأقل ينفضها عن نفسه قليلا، 

أو يخالفها بأدب.

هل تعرفون لماذا؟

لأن طبيعة ديننا أنه متجاوز لتفكير الكبار، جاذب للصغار والشباب.

وهذا ما حصل زمن الرسول صلى الله عليه وسلم

لماذا؟

لأنه دين ثوري بطبيعته، يثور على التقاليد والأفكار البالية، ودين إصلاحي، يصلح أحوال الناس عن طريق المقاومة، ونفض المعتقدات الخاطئة، دين يقاوم الفساد، ويقاوم التخلف والجمود.


ختاما:

أنا مع المقاطعة، لكن تمنيت أن تكون مقاطعة مدروسة.

قد يقول قائل أن الفعل المفاجئ جلب ردات فعل آنية غير مدروسة، ولا يجب أن نستعمل العقل في هذا الظرف.

هنا أتفق مع هذا القول، لو كانت هذه الحادثة هي الأولى في زماننا المعاصر.

لكن بما أننا شاهدنا سيناريوهات مشابهة من قبل ولم نفد شيئا، ولم نتعلم من أخطائنا، ولم نتجهز لهكذا أمر وقد وقع من قبل، ولم نقم بكتابة مراجعات على الأحداث السابقة نفيد منها اليوم، ولم نقم بتشكيل هيئات أو لجان تقوم بتوجيه العاطفة والمقاطعة توجيها صحيحا.

فهنا اللوم علينا كأمة، وبالأخص على النخب، فالمؤمن كيس فطن، ولا يلدغ من جحر مرتين.

والرسول صلى الله عليه وسلم، شاور الصحابة في أموره كلها، ولم يسمح للعاطفة أن تكون هي الموجه للصحابة، بل كان عليه الصلاة والسلام يقوم بدراسة الأمر ومشاورة أصحابه ومن ثم يقوم بتوجيه العاطفة في الاتجاه الصحيح.


#شمس_الهمة


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

العيد

 تلك اللحظات الحرجة قبيل يوم العيد، ذلك التعب، والضغط، تلك الأمور التي أنجزت نصفها والنصف الآخر ينتظر منك اتمامه حالا، ذلك التوتر، وتلك الأع...