أشراف ومرابطين!!
سألتني قائلة:هل أنتم شرفة؟
ونظرا لصغر سني وسذاجتي كطفلة فقد كان عمري آنذاك عشر سنوات فقط، لا أدري حينها لمَ تبادر الى ذهني "شرفة منزلنا"، ولأنني انتقلت للعيش إلى هذه المدينة منذ بضعة أيام فقط ..فقد اكتشفت أنني أجهل الكثير من أمور الحياة.
شرفة؟ ماذا تقصدين بالتأكيد لدينا شرفة لكن صيغة السؤال خاطئة كان ينبغي أن تقولي هل لديكم شرفة ؟لا أن تقولي هل أنتم شرفة ؟
انفجرت صديقتي بالضحك لفترة غير قصيرة وعندما استعادت جديتها قالت لي بهدوء المشفق المعلم رغم أنها كانت طفلة مثلي :شرفة معناه أننا من جنس وقبيلة محددة، نحن أشراف والأشراف هم أعلى الناس مرتبة.
- أعلى الناس مرتبة، ولكن لماذا؟
قالت ببراءة الطفولة فرغم معرفتها بالكثير من الأمور التي كنت أجهلها إلا أن عقلها الصغير كان عاجزا عن الشرح الدقيق:
- لا أدري, هكذا.. حق لنا أن نكون خير الناس منزلة!!
ثم أسهبت، الذي أعمله أن الناس يقدمون لنا الولاء ويخافون منا، واذا تقدم أحدهم الى خطبتنا من العرب فلا نقبل به، انظري مثلا لدي أختان جميلتان تقدم الى خطبتهم الكثير من العرب، لكننا رفضناهم لأنهم ليسوا شرفة؟
- شرفة...عرب....لماذا تتحدثين هكذا وهل الشرفة أوربيون مثلا ؟
قهقهت مجداا ثم أردفت قائلة:
- لا...لا...أنت لاتفهمين شيئا.
أطرقت رأسي خجلا، ومنعني كبريائي من طرح المزيد من الأسئلة، حتى لا أنعت بالجاهلة، فقد كنت الى ذلك الحين طفلة معتدة كثيرا بنفسها وتعليمها وذكائها، ولم يكن أحد من أقراني يجرؤ على نعتي بهذا النعت.
وفي الليل وعند طاولة العشاء سألت أبي وأمي عن الأمر.
- بابا، مامعنى شرفة ؟
أجاب أبي بتساؤل هو الآخر فقد كان أستاذا للغة العربية؟
- هل تريدين شرحا أدبيا ولغويا مفصلا يا ابنتي, فلا يعقل أنك لاتعرفين معنى كلمة شرفة فأنا أعرفك ذكية وتدركين المعنى البسيط جيدا ..ثم أردف يشرح من دون أن يترك لي مجالا للاعتراض
الجمع : شُرُفات و شُرْفات و شُرَف
الشُّرْفَةُ : أعلَى الشيءِ
- لا...لا يا بابا، كذلك أنا فهمت الأمر عند سؤال صديقتي فوزية، هي تقول بأن الشرفة جنس وقبيلة متميزة عن الآخرين وقالت كلاما آخر لم أفهمه .
حينها فقط أدرك والدي كنه السؤال وحقيقته فأجابني قائلا:
- هؤلاء الناس الذين تنتمي لهم صديقتك وغيرهم كثير يعتقدون أنهم من نسل فاطمة وعلي رضي الله عنهم، ولذلك ينتهي نسبهم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، لذا فهم يعدون أنفسهم أحفاد الرسول صلى الله عليه وسلم ويلقبون أنفسهم بالأشراف أو "الشرفة" باللكنة العامية، أو المرابطين.
ويقولون أن من مميزاتهم الشعر الأشقر والعيون الزرقاء والبشرة البيضاء، وهاته الأوصاف في حقيقتها أبعد مايكون عن أوصاف الرسول صلى الله عليه وسلم.
والرجل من الشرفاء أو الشرفة كما يتم نطقها محليا يعتبر نسلا راقيا، و بالتالي رجالهم لهم الحق في الزواج من أي من بنات الطبقات الأخرى -الأدنى- في حين بناتهم لا يمكن نكاحهم إلا من نسل الشرفة -هذا اعتقادهم- وهو باطل طبعا !!!
والشرف شرف الأخلاق يابنيتي وليس شرف النسب فالرسول صلى الله عليه وسلم قال : «إنما أهلك الذين قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد،وأيم الله ،لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» [رواه البخاري]
وقَالَ عليه الصلاة والسلام أيضا: ( يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ ، لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لاَ أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ، وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ، وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ) رواه البخاري (2753) ومسلم (206)
هذه الأعراف العرجاء، والعنصرية المقيتة، أفرزت منطقا جديدا غاية في التعقيد و التعصب لا يفهم خباياه إلا من عاشه و عاينه عن قرب يابنيتي.
وهذا معناه أن الشرف شرف الأخلاق والتمسك بحدود الله وليس شرف النسب فالنسب لايغني عنك شيئا يوم القيامة.
مرت أعوام على تلك الحادثة، وبدأت أكتشف الأمر أكثرفأكثر، من ذلك أن فتاة من حينا رمت بنفسها من الطابق الثاني وماتت من فورها وكانت ابنة صيدلي مشهور جدا، وحينما انتشر الخبر انتشر معه سبب فعلتها تلك وهي أنها فتاة فاتها قطار الزواج، بسبب تلك التقاليد البالية التي ما أنزل الله بها من سلطان، فقد كانت عائلتها شريفة النسب كما يدعون ورفضوا تزويجها مرارا، بشباب عرب غير أشراف على حد زعمهم، لم تستطع أن تحيا وحيدة بقية حياتها يقتلها اليأس والفراغ، فقامت بفعلتها تلك ووضعت حدا لمعاناتها.
ومما سمعته أيضا أن النقاش استعر بسبب تلك الحادثة، وازداد جنون الأشراف وتمسكهم برأيهم أكثر وكان مما سمعته أن أحدا منهم قال :"لأن تفر ابنتي مع أحدهم و تزني وتأتي بطفلها بين ذراعيها لأربيه وأرعاه، أحب إلي من أن أذل شرفي وأقبل بنسب العربي.
أُفَضِلُ أن تقوم بذلك من وراء ظهري على أن أعترف للعرب طواعية !!!
فأي جهل قمئ هذا ؟؟؟
هذا اضافة الى أنهم لا يطعمون الطعام ولا يتصدقون، وبعضهم كانوا في حقبة الاستعمار الفرنسي حركى ...في منطقنا شخص مشهور جدا وذو نفوذ من هؤلاء الذين يدعون الشرف -والشرف منهم براء- يناديه كافة أبناء المنطقة بالحركي وينادون أبنائه بأولاد الحركي ليس مسبة أو تجنيا فقد عرف أنه كان حركيا وأباه كان حركيا من قبله، لتلتصق هذه المعرة بأولاده إلى أبد الآبدين ومع ذلك يتبجح هو وقبيله وأولاده بنسبه الشريف !!
أما آخرون فيناديهم أبناء المنطقة بأولاد القايد ولا فرق بين الحركي والقايد إلا في كونها رتبا صنفها لهم المستعمر، هي ألقاب كانت تمنحها قوات الاحتلال لفئة من أهل البلد تختارهم بعناية ليكونوا همزة وصل مع أهل البلد ويدها الضاربة لهم...
و اختيار قوات الاحتلال لم يكن أبدا على الكفاءة و حسن الخلق و إنما على الولاء المطلق لها و لأوامرها، لذلك جل هؤلاء يعلون في الأرض استعلاء ويوزعون على أهل البلد و بالوكالة عن قوات الاحتلال البطش و الاحتقار و الظلم.
المهم فأي شرف هذا الذي قادهم إلى خيانة الوطن والدين؟
والعجب كل العجب أن الناس عندنا يبجلونهم رغم هذا كله، ويدعون أن لعنة من السماء قد تحل عليهم إن هم قاموا بإغضابهم، مما زاد من غطرستهم وتعنتهم وتماديهم، والأعجب من ذلك أنهم استولوا على أراض زراعية كثيرة بسبب هذا التبجيل من الناس وسخفهم وسذاجتهم وحبهم لآل الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، ولايزال الكثير منهم يحظون بالشهرة والتبجيل إضافة الى المراكز المرموقة التي حاز عليها أذناب فرنسا عقب خروجها فهم أيضا أصحاب الحل و الربط و التجار وملاك الأراضي و العقارات و مصادر المياه !!!
لا أدري كيف عبث المستعمر بالعقول الجاهلة آنذاك واستغل هاته النقطة الحساسة بالضبط، ليجيرها لنشر الفساد والإفساد، فهؤلاء لايمتون بصلة الى الرسول الأكرم الذي نبذ هذه الصفات وحاربها وأفنى عمره في مجابهتها، وحتى لو فرضنا جدلا أنهم من نسب قرشي قح، فالشرف الحقيقي هو شرف الفعال والأخلاق أولى وأهم، فهذا بلال الحبشي في جنة الفردوس وأبو لهب وأنتم تعرفون نسب كل واحد منهم... برأيي هذه تفرقة وعنصرية، فكل العرب والمسلمين أشراف وشرفاء إن حافظوا على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم بيضاء نقية، والفضلَ لِمَن جَمع اللهُ له بين شرِف الإيمانِ وشرَف النَّسَب. فكل من هو على ملة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فهو منه.
وشرَفَ النَّسَب تابعٌ لشرَف الإيمان، ومَن جمع اللهُ له بينهما فقد جمع له بين الحُسْنَيَيْن، ومَن لَم يُوَفَّق للإيمان، فإنَّ شرَفَ النَّسَب لا يُفيدُه شيئاً...
وقد قال الله عزَّ وجلَّ: { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ }، وقال صلى الله عليه وسلم في آخر حديث طويلٍ رواه مسلم في صحيحه (2699) عن أبي هريرة رضي الله عنه: ( ومَن بطَّأ به عملُه لَم يُسرع به نسبُه).
روى كثير بن عبد الله المزني ، عن أبيه ، عن جده : أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم خط الخندق عام حرب الأحزاب ، حتى بلغ المذاحج ، فقطع لكل عشرة أربعين ذراعا، فاحتج المهاجرون : سلمان منا ، وقالت الأنصار: سلمان منا. فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : " سلمان منا آل البيت "رواه الحاكم في المستدرك (3/598) ، والطبراني (6/261)
ومما يناسب إيراده في هذا المقام ما لبعضهم :
لعمرك ما الإنسان إلا ابن دينه * فلا تترك التقوى اتكالا على النسب
فقد رفع الإسلام سلمان فارس * وقد وضع الشرك الحسيب أبا لهب
#شمس_الهمة