خدمة والدي الزوج بين الشرع والعرف:
يعتقد الرجال اليوم أن كل من تسأل عن حكم خدمة والدي الزوج، تسأل من منطلق رفاهية، تحرر زائد وأنانية..فيُسَاءُ الظن بكل سائلة وبكل نساء هذا الجيل لأنهن يكررن نفس الأسئلة ويفرحن بإجابة بعض المشايخ المنصفين..بل ويتهمن النساء بأنهن يأخذن من الدين فقط مايناسبهن..
أكثر من مرة قرأت كلاما لشيخ أو فقيه متصدر على وسائل التواصل الاجتماعي..سخريته من هذا النوع من النساء وذلك النمط المكرر من الأسئلة..وقابلها بفتاوى أخرى كالفتوى التي تقول أن الرجل غير ملزم بالنفقة على المرأة..
وفتوى مالكية أخرى تقول: أن الرجل غير ملزم بإعطاء مال للقابلة التي قامت بتوليد زوجته..وأن الزوجة هي المسؤولة عن نفسها وعليها دفع المصاريف من جيبها..
وهذا لعمري كلام لا يصدر من شيخ عارف منصف..يعي جيدا مجتمعه وتاريخ وظروف تكوينه.
فهذا السؤال المكرور ليس سوى ردة فعل على ظلم كان ولا زال موجودا على النساء..
فكلنا يعلم كم الشقاء الذي عانت منه أمهاتنا وجداتنا من دون أن ينصفهن أحد..
وهن إذ تألمن بصمت، فلا يعني ذلك أنهن رضين بتلك الحياة..والدليل على ذلك أن خلف كل فتاة متمردة اليوم على العرف والعادات، تقف أم داعمة ومحرضة حتى لا تتجرع ابنتها من نفس الكأس مرة أخرى..
يقول المثل الغربي:إن النساء اللواتي منعن من الركض، يلدن نساء بأجنحة.
هل فعلا خدمة أم الزوج مرهقة؟ ولماذا تكره الفتاة خدمة حماتها؟
ما يجهله أو يتجاهله هؤلاء المشايخ أن الكثير من البيوتات تلقي بأحمالها على المرأة، فتعاملها كخادمة للجميع..من دون أن يكون لها حق في شيء من الراحة أو الخصوصية، مما يؤثر على صحتها الجسدية والنفسية على السواء..
وغالبا تكون الفتاة صغيرة طرية العود فيقتلون شبابها..ويضيعون صحتها..ويئدون كل أحلامها بحياة كريمة سعيدة..
وما يجهله هؤلاء أن خدمة والدي الزوج لوحدهما لا تشكل فارقا ولا تمثل عائقا للفتاة..وكثير من بناتنا تأبى فطرهم السليمة على الإساءة لمن هما بمثابة الوالدين..وبالتالي خدمتهما ورعايتهما بحب..
بشرط أن يكون هؤلاء أهلا لهذا الإحسان والبر..
فلا يظلما الفتاة أو يمنعاها من المباحات أو فسحة من الراحة أو الاستجمام، وكذا يمنحانها بعضا من الخصوصية فتتفرغ لشؤونها الأخرى دون وصاية أو ظلم وبدون ملاحظات وانتقادات..
يجهل هؤلاء أيضا أن الفتاة غالبا لن تتمتع بالراحة وموفور الصحة بعد الزواج سوى بضعة أشهر، تعقبها مشكلات الحمل، وقلة النوم ومضاعفات أخرى كثيرة كسكري الحمل..والضغط والغدة الدرقية ووو
التي تعانيها الفتيات اليوم..وحين تضع مولودها لن ترتاح أيضا فالعناية بطفل واحد والسهر عليه..مأساة أخرى تضاف لمآسي هذه الفتاة.هذا ناهيك عن المسؤوليات الزوجية والطبخ والنفخ والغسيل ووو.
فهل هكذا فتاة هي أحوج ما تكون للعناية والمساعدة..أقدر على العناية بغيرها، والسهر على راحته؟
نقطة أخرى يغفل عنها هؤلاء، أن العناية بأم الزوج المريضة مثلا..لن تشكل عبئا للفتاة بشرط أن لا تكون الخدمة متعدية..فتضطر بخدمة حماتها لخدمة جيوش أخرى كحتمية لازمة..
فعادة تكون الأم المسنة مزارا فيقصدها الأولاد والبنات والأحفاد والإخوة والأخوات وكذا الجارات ووو..
وتضطر العروس الصغيرة لخدمة هؤلاء جميعا..وتكرس حياتها وأوقاتها وشبابها لاستقبال الزوار وتحمل مشاغبات أطفالهم..وإعداد الطعام بكميات كبيرة لهم؟
ولا يخفى على أحد ما يجلبه هذا الأمر من تعب وشقاء، وانعدام للراحة والهدوء والخصوصية..
لتستيقظ المرأة على حقيقة أنها أفنت عمرها..وفرطت في تربية عيالها..وأهملت نفسها وزوجها..
فهل هكذا امراة قادرة على المحافظة على وردها من القرآن؟ أو تعليم أبناءها أحكام الإسلام؟
أو الاهتمام بنفسها وحسن التبعل لزوجها؟
الكثير من الناس يتكلم بمنطق شعبوي سمج..والطامة الكبرى حين يشاركهم في هذا شيخ أو داعية..فيعتبرون المرأة التي تشترط عدم خدمة والدي الزوج بالمرأة الناشز *غير الأصيلة*
في حين أن الحق أحق أن يتبع..
أعرف فتاة تزوجت حديثا، لزوجها خمسة أشقاء من الذكور، وثلاث شقيقات..
الشقيقات الثلاث بدون أزواج؛
- أما الكبرى فأرملة تعيش لوحدها رفقة ابنها وكنتها في فيلا كبيرة.
- والوسطى عدد عليها زوجها، وأهملها..وأبقى عليها معلقة لا مطلقة..تعيش مع أبناءها الذكور في منزل باسمها..
- والصغرى أرملة أيضا، توفي عنها زوجها وترك لها ابنتين ومعاشا وسكنا مستقلا تعيش فيه رفقة بناتها..
مع كل ماذكرت..كان المطلوب من الكنة الجديدة، الاعتناء بأم الزوج..وتحمل زيارات هؤلاء التي لا تنقطع وخدمتهم جميعا..وجعلوا من بيتها مزارا يجتمعون فيه جميعهم..
مع أن الأولى هنا أن الواجب أن تعيش تلك الأم مع إحدى بناتها..أو يتناوبن في رعايتها..ويتكفل الأبناء الرجال ببرها والإحسان إليها عن طريق تفقد احوالها والسؤال عنها وزيارتها والإنفاق عليها..
ويكون الاجتماع ببيت شقيقتهم (التي لا تملك أطفالا ولا مسؤوليات) أفضل من الاجتماع عند كنة صغيرة يرهقها ابن تحمله في ذراعها وآخر في بطنها، ومسؤوليات زوجها وحقوقه عليها..
لذلك قرر الفقهاء المنصفون أن خدمة والدي الزوج تقع على عاتق الأبناء والبنات، فيتناوبون على الاعتناء بوالديهم وبرهم والإحسان إليهم..كل حسب وضعه..والمفروض أن يتنافس هؤلاء على نيل الأجر في الاعتناء بمن حملتهم وهنا على وهن، بدل إلقاء الأعباء والمسؤوليات على (بنت الناس).
والزوجة تعين زوجها على بر والديه والإحسان إليهما، والزوج أيضا ملزم بمساعدة زوجته على بر والديها.
وكفى الله المؤمنين القتال.