بيت لا صخب فيه ولا نصب:
من أكثر الأخطاء التي ترتكبها المرأة، وتتسبب في قتل الزواج، أمور قد تبدو تافهة، لكن تكرارها بتسبب بمأساة...كالغيرة المفرطة والشك، النكد والشكوى، المقارنة مع الآخرين وعدم الرضا والتطلع الدائم للأفضل..ومحاولة تغيير شخصية الزوج..
أما الغيرة المفرطة فسلوك بغيض خانق، والرجل بطبعه حر ويكره القيود..فإذا وجد امرأة هذا هو سلوكها نفر منها إلى مجالسه وأصحابه، وربما تطور الأمر فاتخذ عشيقة أو زوجة ثانية..
أما النكد والشكوى، فيقول «بسي همبرغر» الذي قضى إحدى عشرة سنة في محكمة العلاقات المدنية في مدينة نيويورك، وراجع الآلاف من قضايا الطلاق، أن أحد الأسباب الرئيسية لترك الزوج منزله هو شكوى زوجته المستمرة..
فكثير من الزوجات حفرن قبرهن الزوجي بواسطة سلسلة من الحفر الصغيرة..وهكذا..
إن أردت المحافظة على سعادتك الزوجية؛ ”لا تختلقي النكد“.
أما المقارنة مع الآخرين وعدم الرضا والقناعة، ومحاولة تغيير شخصية الزوج..فإنها تقضي على السعادة الزوجية..فما من أحد كامل..وهذا النوع من النساء الذي ينشد الكمال متعب..
عرفت مؤخرا فتاة ملتزمة ارتبطت بمن تحب، وعاشت معه سنة كاملة من السعادة..ثم التقيتها بعد سنة ونصف ترغب في الطلاق..وحين سألتها عن السبب قالت أنها كانت تحلم بشخص له همة في العبادات..لكي يشجعها..فهو لا يتطوع كثيرا بالصيام..وليس له جلد على القيام..بالكاد يحافظ على ورده من القرآن..وصلواته في المسجد.
وأخرى زهدت أيضا في زوجها لأنه لا يكافؤها فكريا..وثقافته متوسطة!!
ومثل هاته النماذج التي تنظر فقط للنصف الفارغ من الكأس..غالبا لن تعرف طعم السعادة أبدا..
فتولستوي العظيم مثلا..عاش مع زوجته قصة حب عظيمة في السنوات الأولى لزواجه، ثم مال هو إلى الزهد..والبساطة حين اشتهر وبسطت أمامه الدنيا، ومسراتها، لكنه زهد فيها لأنه أدرك حقيقة الأشياء..بينما كان وضع زوجته على العكس من ذلك..فصارت تتطلع للمال والجاه..وتطمح لجمع المال والثروة..
كان هو يؤلف الكتب مجانا دون مقابل...وكانت هي تحثه على طلب العوض والاستزادة من الأموال..
لقد كانت تعشق الرفاهية، بينما كان هو يبغضها..وكانت تلتمس الشهرة والمظاهر الاجتماعية، لكن هذه الأشياء التافهة لم تكن تعني له شيئا.
فنكدت عليه عيشه..وكانت تكثر من التذمر والشكوى..لدرجة لم يعد تولستوي يقوى على التطلع إلى زوجته..واختفى الحب الذي دام أكثر من عشرين عاما بينهما..فكانت تجلس أمام ركبتيه وترجوه أن يقرأ لها القصائد التي كتبها لها في السابق ...وتتوسل منه كلمة حب..ولكن أيام الحب والسعادة كانت قد ولت..
وحين بلغ الثانية والثمانين من العمر..لم يعد تولستوي يقدر على تحمل الشقاء المأساوي الذي يخيم على منزله، ففر من زوجته في ليلة من الليالي..في الظلام..دون أن تعرف وجهة سيره، وقد وجد ميتا بعد أحد عشر يوما، وقد أوصى بألا تراه زوجته بعد موته..
أما العظيم لنكولن فقد كان عظيما في أعين كل الناس إلا زوجته، فمأساة ابراهام لنكولن كانت في زواجه الفاشل..
إذ قضت السيدة لنكولن ربع قرن وهي تشكو باستمرار، وتنكد عليه حياته..
لقد كانت دائمة التذمر والانتقاد، ولم تكن تجد حتى في مظهره ما يرضيها، فكتفاه محدودبتان، ومشيته تعوزها الرشاقة، فهو يحرك قدميه إلى الأعلى وإلى الأسفل مثل الهندي تماما..ولم تكن تحب الطريقة التي تقف بها أذنيه، كالزوايا القائمة، حتى أنها قالت أنه معوج وشفته العليا متدلية، وأنه يبدو كالمسلول..وأن أطرافه ضخمة جدا، ورأسه صغير..
وكان صوتها المرتفع الحاد يصل إلى الشارع، فيسمعه كل من يسكن بالقرب من منزلها..
وكان لنكولن يتجنب حضورها ما استطاع..
حتى أنه كان مرة يعمل مع مجموعة من القضاة بعيدا عن الديار، فيعود الجميع إلى منازلهم متلهفين، ماعدا لنكولن الذي كان يخشى العودة إلى منزله..إذ بقي ثلاثة أشهر فصل الربيع، ومن بعدها ثلاثة أشهر فصل الخريف..بعيدا عن بلدته..
حتى أن شروط الحياة في فندق الريف الذي كان يقيم فيه...كانت رثة..إلا أنه كان يفضلها على منزله، وعلى شكوى زوجته وثورات غضبها المستمرة..
على العكس تماما كان زواج المفكر مالك بن نبي؛ فحين كتب مالك بن نبي عن زوجته الفرنسية المسلمة.
وصفها بهدوء الشخصية وأناقة الروح، ورقي فني رفيع، وأشار يومها أنها كانت تشبه واحة الأمان.
أو ربما المساحة الرائقة التي يحتاجها عقل صاخب مثل عقل مالك .
ويحضرني هنا كلام أحد الدعاة قال فيه متأملا الحديث الذي حمل البشرى للسيدة خديجة- أم المؤمنين- رضي الله عنها وأرضاها..
فعن عبد الله بن أبي أوفى -رضي الله عنهما- أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- بَشَّرَ خَدِيجَةَ -رضي الله عنها- ”بِبَيتٍ فِي الجنَّة مِنْ قَصَبٍ، لاَ صَخَبَ فِيهِ، ولاَ نَصَبٍ“.
هل تساءلنا مرة، لماذا اتصف القصر بهاتين الصفتين(لا صخب فيه، ولا نصب).
يقول الداعية أنه تأمل الأمر، فوجد أن الجزاء دائما يكون من جنس العمل..فالسيدة خديجة رضي الله عنها وفرت السكن والهدوء لأعظم رجل في العالم..تقف على عاتقه أحمال من الهم، وجبال من الأعباء والمسؤوليات..وكان لزاما أن يكون لهذا العظيم شخص داعم يوفر له البيئة الراعية، والسكن والهدوء اللازمين.
وكان صلى الله عليه وسلم يسمع ما يكره من أعداء الدعوة الذين كذبوا به وسخروا منه وأعرضوا عنه وتطاولوا عليه، فكان يحزنه ذلك ويضيق به صدره، فإذا رجع إلى بيته وجد زوجته خديجة في استقباله تُسَرِّي عنه وتهوِّنُ عليه، وتقدم له الزادَ الحِسِّيَّ ممتزجاً بالزاد الرُّوحي، فينشرح صدرُه، وتقر عينُه، ويطمئن قلبُه، وتأنس روحُه.
وقال السهيلي : - أنه - صلى الله عليه وسلم - لما دعا إلى الإسلام أجابت خديجة طوعا فلم تحوجه إلى رفع صوت ولا منازعة ولا تعب في ذلك ، بل أزالت عنه كل نصب ، وآنسته من كل وحشة ، وهونت عليه كل عسير ، فناسب أن يكون منزلها الذي بشرها به ربها بالصفة المقابلة لفعلها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق