الجمعة، 10 يونيو 2022

ماذا حدث لجيل الأباء

 ماذا حدث لجيل الآباء؟

مما شاع مؤخرا، وانتشر بكثرة ظاهرة لطالما أرقتني ووجدت أن جل البنات ممن أعرفهن يوافقنني الرأي حولها، فمثلا غالب حفلات الزفاف تعرف عزوفا وزهدا من قبل بنات هذه الأيام..فنجد مثلا أن غالبية الصبايا مللن حفلات الزفاف بسبب كثرتها...وحصل لهن ما يشبه التخمة من تلك الحفلات...فغالبية بنات هذه الأيام نشأن في جو الأعراس..وحضرن عشرات الحفلات منذ نعومة أظفارهن...لذلك حين تسأل الواحدة منهن..تقول لك "مللت الأعراس، وجو الحفلات...لا جديد..كلو متل بعضو...وهكذا"
غالبية الصبايا يرتدين ثيابا أنيقة تميل إلى البساطة، مع مكياج خفيف..وتشهد السهرة مرحهن ورقصهن باعتدال..يخفت تدريجيا حتى يصير إلى الهدوء والرزانة..بفعل الخجل والحشمة الذي يكسو بعضهن خصوصا المتعلمات..والملل أيضا..
في حين تشهد قاعة الحفلات صخبا وحركية لا تنتهي من طرف الأمهات..أمهات نفس الصبايا اللاتي حضرن نفس الحفل..
فتلكم الأمهات والجدات لا يهدأن طيلة الحفل..يبالغن في ارتداء الأساور والقلائد الذهبية..وتكسو وجوههن لوحات فنية من مكياج فاقع وألوان كثيرة..قصات شعر جريئة...وصبغات بألوان فاقعة...وطيلة الحفل لا يمكثن ببدلة واحدة..بل تعمد الواحدة منهن إلى عرض أزياء تنافس فيه العروس نفسها..وكأنها تقول"انظروني ها هنا"..
والمحير في الأمر..أنهن يدمن حفلات الأعراس وكافة المناسبات..دون أن يحصل لهن تشبع أو كفاية..
تماما كمن يشرب من ماء البحر فيزيده ذلك عطشا.
أمر آخر ملاحظ بكثرة على رجال الزمن الغابر...من الرجال الشيب...هو العين الزايغة..والتحرش بفتيات في عمر بناتهن..ولا يقف الأمر هنا عند الدهماء..وقليلي الحظ من التعليم والمروءة أو الدين..بل الطامة الكبرى حين يشيع هذا ويصدر عن كثير من الرجال*المحترمين* في عيون المجتمع والناس؛ دكاترة الجامعة..أساتذة الثانويات..الكتاب والأدباء والصحفيين...وهلم جرا..
فعلى الفيس بوك تلاحظ أن كثيرا من هؤلاء يتخلى عن وقاره في صفحات البنات وفي التعليقات..تعليقات لا تراعي حياء ولا عرفا ولا دينا..ولا يصدر مثلها عن شاب له صبوة.
وفي الحياة الواقعية اليوم يحذرك الناس مثلا... من رجل أشيب..حين تود أخذ سيارة أجرة ..فيقولون لك اركبي مع شاب رزين..ولا تثقي برجل أشيب مهما بدا لك من وقاره..
وكثيرون يقرون أن التعفف والاحترام مقرون بالشباب وفيهم خير كثير...لكن أولئك الشيب لهم "بلاوي سودة"
أما عن الصندوق الأسود وأسرار البيوتات التي تطفح بها مواقع الاستشارات الأسرية، فتؤكد ذات الأمر أيضا..فحضرة الأب والزوج المحترم الذي كان يصدر لأبناءه الصورة المعيارية للأب المثالي *القدوة* والزوج والإنسان *الشريف والنزيه*...حضرة الأب والزوج الحصين المنيع، الذي يكتشف أبناءه صدفة، وفي لحظة ما هفواته وأخطاءه وعثراته..بل ونزواته وفجراته..*المستورة*
فتقول احداهن عن والدها: "صدمت حين رأيت صدفة تاريخ التصفح (history) الخاص بوالدي الرجل *المحترم* وبعدها سحبني الفضول ناحية الرسائل والمحادثات، واكتشفت حقيقة عالمه السري، وحياته المزدوجة"
ما سبب هذا الأمر يا ترى؟!
في استشارة قدمت لأحد المتخصصين قال فيها أحدهم أن والده * الدكتور المحترم* أصيب بمرض الزهايمر ففقد اتزانه وتخلى عن وقاره..وصارت تصدر منه أفعال وسلوكات تحت خط الحياء..فهو يتلفظ بالأقوال الماجنة..يتحرش بالنساء...ويقوم بتصرفات خادشة للحياء..
وكانت إجابة الدكتور وقتها أن الكثير من الاستشارات التي تصله من هذا النوع..وقال أنها كانت تؤرقه كثيرا بسبب كثرتها..
وحينما بحث السبب وجد أن مرد ذلك يعود إلى أن ذلك الجيل لم يعش حياة طبيعية بكل مراحلها وتجلياتها...بل كان جيلا مكبوتا، محروما...لم يستمتع بالحياة ولا الزواج ولا الشريك..فكان الشباب يحرمون من الزواج بمحبوباتهم..والنساء يرغمن على الزواج بأي كان..
والزوجة كانت مهملة لنفسها بسبب طبيعة العيش مع الأسرة المشتركة..فلم تكن تتزين أو تهتم بنفسها.وتلقت بعد زواجها ضروباً من أنواع القهر، جعلت زوجها يهملها طويلاً ولم يلحظ أي تغيير يطرأ عليها، ولم يكن بالتالي يغازلها أو يثني على أنوثتها.
وانعكاس ذلك السلبي كان معاناة الزوج أيضا، فقد كان هو الآخر يتألم من ذلك الوضع..
وكان الزوجان يعيشان برتابة مملة..طلاق عاطفي..ملل زوجي..صمت مطبق..
ثم تعرض ذلك الجيل لهزة عنيفة...حينما اكتسحت حمى الحداثة حياتنا المعاصرة..وخاصة مع الضخ الإعلامي والإعلاني وضغط الصورة اليومي..الذي يمارس إرهابا بصريا على أجسادنا..ونفسياتنا..
وصار كل شيء معروضا أمام الملأ ، وفي القنوات والفضائيات ووسائل التواصل..
نساء جميلات..فاتنات..أجساد عارية...أجسام رشيقة...ملابس باهضة لأحدث الماركات العالميات ...وهلم جرا.
وكنتيجة حتمية لهذا الواقع الجديد، طفحت أكثر وبشكل مستغرب ظاهرة التصابي لدى ذلك الجيل..
وكل تلك الأحلام والرغبات المدفونة التي تخزنت باللاوعي..ظهرت بعدها كعرض ملازم لهؤلاء بعد إصابتهم بمرض الزهايمر..أو هذيان بذيء بعد الإفاقة من جرعة مخدر حين إجراء عملية جراحية ما..
ويعرف التصابي بأنه العودة إلى مرحلة الصبا، وذلك من خلال «تصرفات وسلوكيات غالباً ما تكون مَرضية وموجودة عند الجنسين، وهي تكاد تكون عند الرجال أكثر خطورة وشذوذاً». هذه التصرفات تأتي في بعض الأحيان كتعويض «في غير مكانه عما فات»، أي تعويض لمراحل لم تشهد إشباع الرغبات والحاجات الجسدية والنفسية والاجتماعية.
تلك التربية التقليدية *المحافظة* حسب زعمهم..قتلت طاقة هؤلاء ووأدت سني شبابهم..وجعلهم كل ذلك يحسون بأن أيامهم سرقت منهم..وأعمارهم ذهبت في مهب الريح..
لذلك أجدني أؤكد على ضرورة العيش باعتدال وتوازن، وأخذ حظك من الحياة الدنيا، واللهو المباح
وأستنكر بشدة تلك الخطابات الوعظية الجوفاء..التي تبالغ في الجدية والدعوة إلى الزهد، وكذا قتل الطاقة لدى الشباب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومثال ذلك من تلجأ وهي صغيرة للنقاب والحجاب بشكله الخليجي أو السعودي ظنا منها أنه الشكل الحصري فقط للحجاب..ويكون أسودا وبدون ألوان ..وبعد فترة من الزمن تندم على ذلك...وتأخذ في التنازل وفي تغيير شكل الحجاب شيئا فشيئا..حتى لا يبقى من هيئة الحجاب شيء يذكر.
ومثال ذلك أيضا مانلاحظه عن الكاتبة والمثقفة الملتزمة، وثقافتها العالية، وكتاباتها التي تنم عن عقل راجح ونضج كبير..ثم تراها تتخلى عن وقارها..وتضع صورها بوضعيات مختلفة(لا اتكلم هنا عن الصور بشكلها المحترم، ولا اتكلم عن حكم وضع الصور بمواقع التواصل)..وكذا قد تضع فيديو لنفسها تتمايل رفقة مقاطع موسيقية..بشكل يستغربه الناس..وهذا كله مرده لتربية صارمة قتلت الجزء العفوي وبالغت في قتل الأنوثة لدى الفتاة..لذا حين تكبر وتشب عن الطوق..تتخذ تصرفاتها منحى غريبا..تكافح الفتاة لمجاهدة نفسها عن ذلك، ولكنه لا يلبث يطفو على السطح كل مرة...
ومثال ذلك أيضا الشيخ او الأب او المربي الذي يضغط على من هو تحت سلطته بكثرة البرامج العلمية والدينية بدون أن يصحب ذلك برامج ترفيهية..
ويكون غالبا شخصا ذا همة كبيرة..لكن لا يراعي الفروقات الفردية وأن العقول والمدارك تتفاوت في الطلب..فمنهم من يجد في ذلك لذة كبرى وهؤلاء المتميزون دوما يشكلون نسبة 2٪ فقط..
ومنهم من يجاهد جهادا كبيرا...ومنهم من يمل بسرعة وهكذا..
وبذا يتسبب في نفور هؤلاء من العلم..وقد ينتج عن ذلك آثار سلبية وخيمة..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

العيد

 تلك اللحظات الحرجة قبيل يوم العيد، ذلك التعب، والضغط، تلك الأمور التي أنجزت نصفها والنصف الآخر ينتظر منك اتمامه حالا، ذلك التوتر، وتلك الأع...