الجمعة، 13 أغسطس 2021

قراءة في سيكولوجية الجماهير(الهمجية والوحشية والجماعة البربرية):

 

قراءة في سيكولوجية الجماهير(الهمجية والوحشية والجماعة البربرية):

{رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي}

ككل الجزائريين، لم أستطع النوم ليلة البارحة، ولم أترك جهازي للحظة وأنا أشاهد الأحداث، انتابني الهلع والحزن، البكاء والدموع، شعور كبير بالظلم والقهر والغضب، ثم عجز كبير وشلل كلي منعني من ممارسة أبسط مهامي اليومية.
وإذا قال سيد قطب أن الأمم تربى بالمواقف والأحداث الكبرى.
فإن هذا الحدث ولا شك، سيكون خير معلم للأمة الجزائرية...لكن ليت شعري أننا لا نتعلم الدروس حتى ندفع ثمن ذلك باهضا جدا.
تابعت كل العقلاء، كل الفيديوهات، وكل ما استطعت الوصول إليه..
لكن لا أعتقد أن شيئا ما سيطفئ ما بداخلي، لا شيء سينجح في إطفاء نار تضطرم  بأفئدة كافة الجزائريين..
لم أرغب حقيقة في العودة، ولم أرغب بتسجيل موقف، أو التعليق على الأحداث، وليس هذا منهجي مع الترندات...فغالبا أفضل السكوت حتى تنقشع الغيوم السوداء...
ما دفعني للعودة هو فتنة كبرى تلوح في الأفق...فتنة نجحت أيدي الظلام في بثها بين الجزائريين.
المسرحية المرسومة هذه المرة تقريبا مكشوفة للعيان، ورغم ذلك نجح أصحابها وأصابوا لب الهدف الذي يرومون، ألا وهو الفتنة.
{كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله} هذا وعد رباني، فحسبنا الله ونعم الوكيل فيهم.
ما دفعني للكتابة اليوم ليس محاولة تبرير للجريمة ولكن محاولة لفك خيوطها حتى يتضح للناس كيف نجح صناع الظلام في الإيقاع بيننا، والنجاة بجلده في كل مرة، ونجاحه في التفلت من غضب الجزائريين.وهم ينجحون ببساطة لأنهم يعرفون سيكولوجية الجماهير، يعرفون كيف يثيرونها، كيف يوجهونها، وكيف يثيرون النعرات الطائفية بينها...

أمر ثان دفعني للكتابة، ألا وهو فهم الحادثة لتجنب تكرارها، فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين.
حقيقة قرأت مقالا في صفحة المدون ياسين إعمران نقلا عن مختصة في علم الٱجرام، تحلل فيه سلوك الجماهير، لكنه لم يكن مقنعا لي، قالت فيه أن الطبيعي أن يكون هنالك دهشة، وصراخ وشد وجذب ووو
لكن بما أنها شاهدت صياحا وهتافات وتشجيعا على القتل، فهذا أمر لا يفعله سوى المجرمون في عرفها
مجرمون اعتادوا القتل ورؤية الدماء لا أناس أسوياء.

لكني أعارض هذا التحليل، وأقول أن الجماهير كل الجماهير تفعل ذلك وأسوأ منه، وما فعلته جماهير تيزي وزو حدث من قبل في التاريخ، ولا زال يحدث، وسيظل يحدث..

ما فعله سكان تلك الدشرة مع متطوع برئ، أمر لم يتقبله الجزائريون، وراحوا ينعتنون البربر بالهمج والوحشية، وأنه ليس فيهم رجل رشيد..وأننا لو كنا نحن في مكانهم لفعلنا وفعلنا وقمنا بحمايته وفداءه بأرواحنا ووو إلى غير ذلك من الكلام الإنشائي.
والمثل الشعبي يقول؛((البعيد على الزازة(الفتنة) بعقلو)

أما الحقيقة فأقولها لكم لو كنتم مكانهم، لفعلتم نفس الفعل، ولارتكبتم نفس الجرم...
ولو كان الألمان أو الفرنسيون أو الإيطاليون أو أي جنس من هذا الكوكب فسيرتكبون الفعل نفسه، والجريمة ذاتها..
ذلك أن الجماهير تتشابه في الفعل والسلوك، فلا يوجد جماهير عاقلة، إنما تغلب على الجماهير العاطفة والهمجية والوحشية، وما أصحاب السترات الصفراء منكم ببعيد.
خصوصا إذا كان قد تم تغذيتها بإيديولوجية معينة، تبث روح المظلومية، وتدفع لحب الانتقام والكراهية.

وسلوك الجماهير الوحشي هو ما دفع غوستاف لوبون لتأليف كتابه(سيكولوجية الجماهير)
والسبب في ذلك ما حدث من همجية ووحشية إبان الثورة الفرنسية.
غوستاف لوبون ذكر أن الجماهير تفقد رشدها تماما وتنخرط ضمن العقل الجمعي اللاواعي في أحايين كثيرة، بينما تلغي تماما العقل الفردي المتأمل والواعي.
قبل أن أقرأ الكتاب، قرأت رائعة تشارلز ديكنز "قصة مدينتين" ، ثم شاهدت الفيلم، المشاهد والأحداث كانت مرعبة جدا، تصور بشاعة الثورة والمقصلة آنذاك.
وقتها وحسب الفيلم، قام الشعب بإنشاء محاكم في الهواء الطلق، في الشوارع والطرقات...وأخذ في قتل الناس الذين ينتمون لطبقة الأغنياء، أو يعملون عندهم، فحتى الخدم لم يسلموا من الإعدام...
لا توجد رحمة، ولا إحساس، ولا شخص ينهى عن القتل، أو يشمئز منه...
قتل وإجرام، ذبح وتقتيل، حرق وتخريب...
النساء والشيوخ، الشباب وحتى الأطفال كانوا يشاهدون عمليات القتل كل يوم، ويتلذذون بمشاهدة الدماء. ومن ضمن ذلك أنه كان للأطفال آلة إعدام خشبية مصغرة، يلهون بها.
تلك الجماهير لم يثنها عن ذلك الفعل صراخ ولا توسل..
"لم تكن الجماهير تحس أية شفقة أو عطف لأنها قاست من البؤس والحرمان والتعسّف الكثير، ولم تكن عبارات الألم والشفقة تؤثر في عزيمتها".#مقتبس من رواية قصة مدينتين.

ما حدث إبان الثورة الفرنسية جعل غوستاف لوبون يصدم، ولا يتورع عن وصف الجماهير بالبرابرة، ثم قرر الدخول في عزلة قسرية، للبحث والتنقيب عن كنه ذلك السلوك، وخرج بدراسة موضوعية ومرجعية بشأن سيكولوجية وروح الجماهير، في محاولة لاستكناه أبعاد تلك الظاهرة، واستشراف مآلاتها..

ولعل أهم خصيصة يتصف بها الجمهور ، هي فقدان الفرد المنضوي تحت لوائه للشخصية الواعية، والإرادية، بحيث تذوب هذه الأخيرة، وتنصهر في اللاوعي الجمعي للجمهور.
وهذا ما يفسر لنا اختلاف سلوك وتفكير الفرد المعزول، عن الحالة التي ينخرط فيها في صفوف الجمهور.
ذلك أن الفرد حين يكون بمفرده، فإنه لا يعدم القدرة على الفحص والتدقيق والمراجعة النقدية.

هذا بخلاف الحالة حيث يكون وسط جمهور، إذ يملك القابلية للانسياق وراء مختلف التحريضات التي يتعرض لها بدون أن يخضعها لأي مناقشة أو تمحيص، ليطلق العنان لدوافعه الغرائزية المجردة من أي اعتبار عقلاني.
وفي هذا يجب التنويه بأنه لا يوجد فارق جوهري بين الجماهير المكونة من أفراد مستنيرين(النخب) وجماهير عامة الناس(الدهماء).
( وهنا أفتح قوس، وأقول أنني سمعت مدونا اسمه حسام الدين شراد يقول أن بين تلك الجموع إمام شريعة، وصيدلي وطبيب)وهذا يثبت ما كتبه غوستاف لوبون.

اقتباسات من الكتاب:

- يكشف لوبون بذكاء ودقة ملاحظة عن غوغائية الدهماء وسهولة انقيادها للشعارات المتناقضة، فهي قابلة لرفع أخلاقيتها إلى مستوى التضحيات الأسطورية ثم الانحطاط إلى أدنى درجات الهمجية، وقد يحدث ذلك في وقت واحد.

- الجماهير عاجزة عن التفكير العقلي، كما أنها مدفوعة في سلوكها بحالة اللاوعي التي تسيطر بالكامل على قرارتها وأسلوب تفكيرها.

- الجماهير الثائرة تغلب عليها العاطفة لا العقلانية ولذلك فإنها لا تتفاعل مع المجادلات العقلية بل تتوق إلى من يوقد فيها الحماس عبر الشعارات والعبارات الرنانة.

- إن الوهم الإجتماعي يسيطر اليوم على كل أنقاض الماضي المتراكمة، والمستقبل له بدون شك. فالجماهير لم تكن في حياتها أبدا ظمأى للحقيقة. وأمام الحقائق التي تزعجهم فإنهم يحولون أنظارهم باتجاه آخر, ويفضلون تأليه الخطأ , إذا ما جذبهم الخطأ. فمن يعرف إيهامهم يصبح سيدا لهم, ومن يحاول قشع الأوهام عن أعينهم يصبح ضحية لهم."

- تلاشي الشخصية الواعية – هيمنة الشخصية اللاواعية – توجه الجميع ضمن نفس الخط بواسطة التحريض و العدوى للعواطف و الأفكار – الميل لتحويل الأفكار المحرض عليها إلى فعل و ممارسة مباشرة.
- و هكذا لا يعود الفرد هو نفسه و إنما يصبح عبارة عن إنسان آلي ما عادت إرادته بقادرة على أن*
تقوده.

الفكرة التي لم تغادرني من أول الكتاب حتى أخره أن الجماهير غائبة العقل في كل توجهاتها وتحركاتها!.*
وأن المجرم القابع خلف الستار، عرف هذا واستطاع تحريك خيوط اللعبة بخبث ماكر.

ختاما:
هل ما كتبته تبرير للجريمة؟
- لا، قطعا
هل وجب السكوت عن هذا الفعل تجنبا للفتنة كما يقول البعض؟
لا أرى هذا حلا..
إنما الحل يكون وفق الشريعة، يقرره ذوو الحل والعقد.
ولو تطلب ذلك قتل الجماعة بالواحد، لأنهم اشتركوا في دمه.
ولو أني آمل من أعيان المنطقة أن يقدموا شبابهم الذين شاركوا في العملية، حاملين أكفانهم بأيديهم.
لعل وعسى تطفأ نار هذه الفتنة. (ولا أظن والد القتيل سيرضى بشلال دم مكون من 400أو 500 شخص)
على أعيان القبائل أن يتحركوا عاجلا غير آجل، وأن يقدموا خطوات عملية، لعل أولها التبرؤ من جماعة الماك، ومحاسبة كل من ينضوي تحت لواءها.
وقبل ذلك كله، يحقق مع الشرطة التي سلمته ولم تستطع حمايته-حسب زعمهم-  فهم أول من يجب أن يقتلوا...كانت تكفيهم رصاصة في الهواء لتفريق الحشود، لكنهم لم يفعلوا..
#شمس_الهمة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

العيد

 تلك اللحظات الحرجة قبيل يوم العيد، ذلك التعب، والضغط، تلك الأمور التي أنجزت نصفها والنصف الآخر ينتظر منك اتمامه حالا، ذلك التوتر، وتلك الأع...