ظاهرة انحراف وإلحاد أبناء الملتزمين:(الجزء الأول)
من الملاحظ أن مستوى التدين لدى جيل الآباء والأجداد، كان متدنيا جدا، وكانت الأخلاق متوافقة مع تلك النسبة من التدين.فقد تشاهد الآباء يكذبون، يسمعون الموسيقى، يدخنون بشكل عادي، يمارسون البدع....
لكن حين نشأ جيل الأبناء، لم يعرف ذلك الجيل انحرافا خطيرا ولا إلحادا.
ثم جاءت الصحوة في السبعينات وتدين معظم الشباب الذين أصبحوا فيما بعد أزواجا وآباء.
والذين سعى معظمهم لإنجاب جيل النصر للأمة، لكن ماذا حدث؟
يقول عبد الرحمن ضاحي صاحب كتاب "أبناء الملتزمين.. توريث الإلتزام آباء تهوى وأبناء تأبى"
((مع بداية الصحوة الاسلامية في السبعينات وانتشار الوعي الديني في الأرجاء، وحين عزم جيل الصحوة علي الزواج، ظننا بل تيقنا أنهم سيخرجون للأمة الاسلامية جيل النصر والتمكين الذي علي يده سيكون النصر للإسلام، ولكن أتت الرياح بما لا تشتهي السفن، وجدنا أنهم أخرجوا جيلا غير المتوقع. إلا من رحم الله. جيلا سلك سبلا أخرى غير الالتزام بالشرع. جيلا متمردا على توريث الإلتزام رافعا شعار لن أعيش في جلباب أبي.))
والسبب الذي جعل المؤلف يكتب الكتاب، أن ذلك الأمر لم يكن حالات خاصة، أو إخفاقات فردية هنا وهناك لا تصلح للتعميم، إنما بحسب تجربة الكاتب وخبرته واحتكاكه الدائم مع أوساط المتدينين وجد أنها تكاد تكون حاضرة في كل بيت يعرفه، وتكاثرت وانتشرت حتى باتت ظاهرة ملحوظة.
ويوافق ذلك ما صرح به المختصون في ملفات الإلحاد كالشيخ عبد الله العجيري وأحمد السيد والمهندس فاضل سليمان الذي قال أن نسبة كبيرة من الملحدين انبثقت عن أسر ملتزمة.
قد يقول قائلون من منطلق التبرير لهذه الحالات المقولة الشعبية التي تقول أن الشيطان يتسلط على أبناء العلماء والملتزمين، وقد يستحضر آخرون قصة نبي الله نوح مع ابنه الكافر ليبرر وقوع تلك الحالات.
وأنه محض ابتلاء قد يقع لأي كان فما الغريب في أن يكون من أبناء الملتزمين المنحرف والضال والتارك لدينه؟
لكن يقول الكاتب أنه لا مجال للمقارنة هنا بين تقصير وجهل الملتزمين على عكس نبي الله نوح الذي علم وبذل وقام بالواجب على أكمل وجه.
ولو كانت حالات فردية فلربما صح القياس، أما والأمر منتشر ومتكرر بشكل كبير فهنا لا ينبغي تبرير التقصير وتسويغه باستدعاء حالة ابن نوح عليه السلام.
وما دفعني للقراءة عن الموضوع والكتابة عنه أني عايشت التجربة شخصيا، كوني ترعرعت في عائلة محافظة منذ نعومة أظفاري، في زمن كانت فيه العائلات المتدينة -إن صح التعبير- تعد على الأصابع، وتعيش غربة حقيقية، ثم كبرت قليلا وعاينت بنفسي كيف أصبح أبناء هؤلاء؟
فما هي أسباب تلك (الظاهرة)، وما هي جذورها وبواعثها وخلفياتها؟
الكاتب عبد الرحمن ضاحي قدم عدة أسباب في كتابه، لكن برأيي الشخصي لم يوفق الكاتب في إيصال فكرته كما ينبغي، وغالب الأسباب التي قدمها نظرية غير متعمقة، وغالبها معروف لدى كل من يقرأ بحوثا أو كتبا حول العملية التربوية، ويشترك في تلك الأسباب جميع الآباء، ملتزمين كانوا أو غير ملتزمين.
لكن في مقالي هذا سأحاول تخصيص الأسباب التي يقع فيها الملتزمون وحدهم دون غيرهم من الناس، كإضافة لما جاء في الكتاب القيم، والتي كنت أتمنى أن أجدها، والتي بذكرها يمكنك معرفة مكونات الوصفة التربوية، التي يعتمدها غالبية الملتزمين والتي تؤدي غالبا لنفس النتيجة.
1) المراهقة الدينية، التدين الشكلي، وانعدام النضج الديني:
غالبية الشباب اليوم في الوطن العربي عموما، والجزائر بالخصوص شباب حديثو عهد بالالتزام، وجلهم انبثق عن أسر غير ملتزمة عاش أفرادها انحلالا وانفلاتا عقب حمى الحداثة والعصرنة التي أصابت كافة المجتمعات، وتجسدت مظاهرها في الجهل بالدين، والتبرج، والانحلال، وتردي الأخلاق.
وعليه غالب التدين الذي انطبع على حياة الناس اليوم تدين شكلي ظاهري لازال في بدايته ولم ينضج عند الغالبية -إلا من رحم ربي- وهذا الأمر خطير كون الملتزمين بهذا الشكل، أنصاف متعلمين يكثر فيهم التعالم والغرور، ولم يرتقوا في مراتب التزكية والأدب.
وهذا الأمر ينبثق عنه جل المشكلات الآتي ذكرها تباعا.
2) اختيار الزوجة:
بسبب الانحلال وكثرة التبرج والمجون، يعمد الملتزمون الجدد لاختيار زوجة بمواصفات نعجة(قطة مغمضة) فتاة لم تكمل تعليمها، لا تعرف الفيس بوك، لا تملك هاتفا شخصيا، ولا تعرف من أمور التكنولوجيا شيئا، وذلك بسبب متلازمة الخوف من المرأة القوية بالعلم، أو المثقفة عموما نتاج ثقافة التعميم والصورة النمطية التي رسمها هؤلاء حول الفتاة المتعلمة، فآثروا الجهل واحتفوا به، وزهدوا في العلم وأهله.وكل ذلك بسبب مخاوف من تجارب حدثت لبعضهم، تسربت إلى أذهان الشباب وأصبحت توجههم إحجاما وإقداما. وكأنهم يريدون الشيء المأمونة نتائجه، فلا يلتفتون إلى أنهم بذلك يحرمون أنفسهم من نعمة الاختيار واتخاذ القرار.
وباختيار الرجل هكذا امرأة سيهنأ في البداية، بفتاة تجيد قول نعم، حاضر ولا تخرج عن قمقم الطاعة المرسوم، ثم تمتد الأيام، ويطحن الزوج في مشاغل الحياة، وتجد الزوجة نفسها أمام مهمة تربية الأبناء لوحدها ومن دون توجيه يذكر.
((وأتذكر في هذا الصدد قصة بعنوان الغولة من كتاب 55مشكلة حب، يحكي فيها صاحبها للدكتور مصطفى محمود كيف أنه لا يثق بجميع نساء زمنه من المتعلمات، وحين تزوج اختار قطة مغمضة، ضمن معها أنه سيعيش مرتاحا فهي امرأة لا تغري أحدا من الرجال، لكن وبعد الزواج تحولت من قطة تموء إلى ذئب يعوي، وباتت تعامله كقشرة موز لا نفع فيها، ولا تحتاج إليها.
وأضحت تلك النعجة كبشا أقرن، وكائنا ممسوخا على هيئة غول.
فما كان من الدكتور مصطفى محمود إلا أن وضح له أن المشكلة الحقيقية فيه.وفي هذا النمط من التفكير الذي أضاع الأمة.))
فكيف للمرأة أن تربي جيلا وهي حبيسة المنزل لا تعلم شيئا عن معارك الحياة؟!
كيف تربي جيلا قويا وهي لا تعرف كيف هي أحوال الدنيا وتقلباتها؟!
كيف تربي جيلا سويا وهي لا تعرف من أمور التكنولوجيا شيئا يذكر؟
ونحن إذ نطرح هذا التساؤل في وسائل التواصل الاجتماعي، نفاجأ بردود الشباب ومقارنتهم بين النموذج غير المتعلم وجيل الأمهات الأميات، فيقولون أن التربية شيء فطري لا يحتاج علما ولا تكنولوجيا وأن أمهاتنا أنجبن الرجال دون حاجة لشهادة أو فيس بوك أو غيره.
في حين أن هذه المقارنة وهذا القياس خاطئ، ففي زمن الجدات والأمهات، لم تكن هنالك مشتتات وملهيات ووسائل تواصل وتكنولوجيات حديثة، أما عصرنا فهو عصر المعلوماتية والتكنولوجيا، ويلزم على الآباء والأمهات ألا يكونوا غرباء عن زمن أبناءهم، وأن لا يجهلوا لغة العصر التي أصبحت ضرورية لمواجهة الغزو الفكري الناعم الذي يتسلل إلينا عبر هذه الوسائل.
والقياس الخاطئ الآخر الذي لا يصح هو قولهم أن التعليم الجامعي لا يرتقي بطالباته، لأنه تعليم لأجل الوظائف وحسب.وأنه لا فرق هنا بين الجامعية المتعلمة والتي لم تكمل تعليمها، وأن العبرة بالأخلاق والتربية والعلم الشرعي من مظانه.
ونحن إن سلمنا بهذا القول وأن كل التخصصات الجامعية مهنية بحتة، إلا أن القياس فاسد ولا يصح.
ولا يمكن بحال مقارنة الانسان المتعلم مع من هم دونه، وأن البيئة المتعلمة تؤثر في الأفراد وتنعكس إيجابا على أخلاقهم، وذلك لعدة أسباب هي الصحبة والجو العام، ومخالطة أصحاب التخصصات الأدبية والعلمية والثقافية والفكرية وكذا الشرعية، وبالتالي تداخل العلوم واكتساب المعارف ورقي الفكر والأخلاق التي تنمو بطول المعاشرة.
وأن الابتعاد عن هكذا جو سواء للشاب أو الفتاة ينسي المرء كل المعارف المكتسبة، وتكسبه معاشرة الدهماء ومحدودي الفكر والعلم ثقافة شعبية تسهم بتردي المستوى المعرفي والفكري والشرعي وكذا السلوكي.
فإذا كان هذا حال الشاب فكيف تصبح الفتاة الماكثة بالبيت حين تغرق في مستنقع الأيام غير المنضبطة بنظام أو جدول؟
المرأة أعدت لأدوار عظيمة إن أحسنا تهيئتها لذلك، و إن كانت التربية المستقيمة لها أهم سبل التهيئة فإنها وحدها غير كافية... العلم الصالح من مصادره الطيبة و المعرفة الاجتماعية التي لا تتسنى إلا بالانتماء للمجتمع، يشكلان عاملان هامان الى جانب التربية للتهيئة السليمة للمرأة بعيدا عن كل العقد النفسية ....
المرأة دون الرجل كائن رسالي، لا يعني أن لا رسالة للرجل إنما الدور الرسالي للمرأة أعمق و أهم " المرأة مدرسة إن أعددتها أعددت شعبا طيب الاعراق"... دورها أساس في تنشئة مجتمع سليم من خلال تنشئتها للمصلحين المنشودين لذلك...
هكذا دور ألا يحتاج الى تنشئة نساء أهل لذلك : تنشئة تربوية، علمية، معرفية، واجتماعية؟!
للأسف لا يتأتى كل ذلك بحبسها بالبيت، لأنه أصبح من الصعب التفلت من الملهيات فيه، من أشغال يومية، و برامج تلفزيونية تبعدها عن النشأة السليمة ، أضف إلى ذلك صعوبة التعلم بدون معلم معين يساعد بشكل خاص على الانضباط، و تحديد المصادر الأهم لطلب العلم.
صار لزاما علينا الالتفات إلى ذلك، فنحن ننادي بالإصلاح و نفسد أهم حلقة فيه " المرأة".
القياس الآخر الفاسد الذي يقول أن كل من تلزم البيت طاهرة عفيفة، وكل من تعمل أو تدرس ماكرة خبيثة، هو قياس فاسد أيضا، ولعل هذا الاقتباس المنقول يوضح المقصود:
((لا أدري كيف نفتخر بعفة نسائنا، ونحن نعتقد أنهن مصونات بقوة الحراس، واستكمام الأقفال، وارتفاع الجدران؟"
أيقبُل من مسجون دعواه أنه رجل طاهر لأنه لم يرتكب جريمة وهو في الحبس؟
فإذا كانت نساؤنا محبوسات محجوبات فكيف يمكنهن أن يتمتَّعن بفضيلة العفَّة؟ وما
معنى أن يقال إنهن عفيفات؟ إن العفَّة هي خلق للنفس تمتنع به من مقارفة الشهوة مع
القدرة عليها، ولعل التكليف الإلهي إنما يتعلَّق بما يقع تحت الاختيار لا بما يستكره عليه
من الأعمال؛ فالعفَّة التي تُكلَّف بها النساء يجب أن تكون من كسبهن ومما يقع تحتَّ اختيارهن، لا أن يكن مستكرهات عليها، وإلاَّ فلا ثواب لهنَّ في مجرِّ د الكف عن المنكر؛
والحقيقة أننا نعمل عمل من يعتقد أن النساء عندنا لسن أهلاً للعفَّة، أليس من
الغريب أن لا يوجد رجل فينا يثق بامرأة أبدا مهما اختبرها ومهما عاشت معه؟ أليس من
العار أن نتصور أن أمهاتنا وبناتنا وزوجاتنا لا يعرفن صيانة أنفسهن؟ أيليق أن لا تثقَّ بهؤلاء العزيزات المحبوبات الطاهرات وأن نسيء الظن بهن إلى هذا الحد؟
إني أسال كل إنسان خالي الغرض: هل هذه المعاملة يليق أن يعامل بها إنسان له
من خاصة الإنسان ما لنا؟ فهو مثلنا له روح ووجدان وقلب وعقل وحواس، وهل سوء
الظن في المرأة إلى هذا الحد يتَّفق مع اعتبارنا لأنفسنا واعتبار المرأة لنفسها؟))
3)فكرة العزلة المعقمة(الغيتو):
العزلة الاجتماعية هي أكثر شيء عرف به المحافظون والملتزمون وطبقوه ظنا منهم أنهم بهذا يقومون بحماية أبناءهم من رفقاء السوء ومن الضياع، فنشأت أجيال انطوائية تعيش على الهامش بمعزل عن الناس، فلا تتأثر ولا تؤثر في الأحداث والعالم والناس.
وانعزالنا عن العالم الخارجي يفقدنا الكثير من القدرة على استيعاب العالم الخارجي، ما يحصل فيه من تطورات وتغيرات، في كافة المجالات دون أن يكون لنا مشاركة في أي نشاط أو إبداع.
هذا الغيتو هو بمثابة آلية دفاع غير واعية يتبعها الآباء خوفا على الأبناء، وهو ردة فعل متطرفة على انتشار الفساد والمجون والآفات.
ولأن هؤلاء يعيشون بمعزل عن الناس، فهم ليسوا غرباء كما يدعون، فهم لم يخالطوا الناس ولم يصبروا على أذاهم.
وهنا يكون التحدي كبيرا على من يختارون الطريق الوسط، لا إفراط ولا تفريط، ويصبح التحدي الحقيقي في التوسط والاعتدال، وهؤلاء الوسطيون المعتدلون هم فقط من حق لهم وصف" كالقابض على الجمر".
وفي هذا يقول الدكتور أحمد خيري العمري:((من أكبر أخطائنا التي -ندفع وسندفع ثمنها باهظا- هو أننا اعتبرنا التدين والإلتزام الديني يحتم بناء "غيتو" اجتماعي، ننعزل فيه عن بقية المجتمع ينما نحاول إقناع بقية أفراد المجتمع بالالتحاق فيه أيضا، لم يجبرنا أحد من خارج الغيتو على بنائه، كما كان الأمر في غيتوات اليهود في أوربا في مرحلة ما، بل كان نتيجة عقلية فرز متزايد باتت تحكم رؤيتنا لكل الأمور.
عقلية الغيتو هذه سيطرت على مفهومنا عن التدين بصيغ كثيرة، وأثرت على علاقاتنا الاجتماعية.
كل ماهو خارج الغيتو فاسد، وكل ماهو داخل الغيتو طاهر، كل من يدخل الغيتو يتطهر من مفاسد الخارج، وكل من يخرج من الغيتو يفسد ويتخلى عن طهره، بشعور وبلا شعور حكمنا على العالم من خلال ثقب في أبواب الغيتو، وحكمنا على أنفسنا كذلك.
وقال أيضا: أن ثمن هذا باهظ جدا ))انتهى.
فطريا وعلميا فكرة التعقيم المبالغ به ضارة جدا وتنعكس سلبا على أصحابها، انظر مثلا لأطفال المدن يمرضون إذا أصابهم مرض، ويتسممون إذا أكلوا فاكهة ولم يغسلوها، من فرط الحماية صاروا أضعف!!
أما أطفال الأدغال في إفريقيا فليس لديهم مستشفيات، لكنهم قليلا ما يمرضون، لقد اعتادت أجسادهم أن ترعى نفسها، تكيفت مع الصعاب، فصارت أقوى.
لذلك غالب من يستعملون هذه الطريقة مع أبناءهم، لن يجنو سوى الخيبة، فتجد أبناء مستعمرة الغيتو، أكثر عرضة للانحراف والإلحاد، والضياع، وكثيرا ما شاهدت فتى شب عن الطوق وغادر أسرته ليلتحق بالجامعة، وإذا به ينقلب رأسا على عقب، ويكون أكثر عرضة للانحراف من غيره من الشباب.
وأذكر هنا قصة ذكرها المهندس فاضل سليمان، يقول فيها جاءني أب وأم ملتزمين يشكوان تنصر ابنهما وارتداده عن الإسلام وانتقاله للمسيحية، وبعد محاورات كثيرة، تبين أن الأهل كانوا ينفرون أطفالهم من جيرانهم المسيحيين، ويكرهونهم لهم، ويبالغون في تحذيرهم منهم، ومنعهم من التواصل معهم خوفا عليهم، كبر الشاب، والتحق بالجامعة، وهنالك تعرف على أصدقاءه وجيرانه المسيحيين فوجدهم لطفاء وكرماء، على عكس ما لقنوه طيلة فترة كبيرة من حياته، وحين اتضح له زيف ذلك، انقلب على والديه وعلى المنظومة ككل.
وطبعا ليس المطلوب هنا أن نترك أبناءنا مثل غيرهم، يعيشون هملا و سبهللا، إنما التربية والتأديب مع إدماجهم في المجتمع شيء ضروري لصحة العملية التربوية.
.........يتبع
ظاهرة انحراف وإلحاد أبناء الملتزمين(الجزء الثاني)
4)الفصام بين التدين الشكلي والسلوك:
يقول المهندس فاصل سليمان أن جيل الآباء والأجداد على جهله وأميته ومساوئه، لم يعرف أبناؤه الإلحاد، وذلك لأن ذلك الجيل لم يكن متدينا، لذلك أي خطأ أخلاقي كان يحدث، لا يتناقض مع مستوى التدين آنذاك، لأن مستوى التدين كان ضعيفا.
وعليه لم يسبب ذلك مشكلات، أو صراعا نفسيا للأبناء.
لكن جيلنا يعيش حياتين متوازييتن، حياة المسجد وسجادة الصلاة، وحياة أخرى لا تمت للإسلام والمبادئ والأخلاق بصلة في البيت.
لكن من يكشف هذا؟ ومن يلاحظه أكثر؟
الأطفال، أبناؤنا وفلذات الأكباد
لذلك برزت ظاهرة جديدة، تسمى إلحاد أبناء المتدينين خصوصا. وأكثر من غيرهم
ومن أسباب الإلحاد الرئيسية، هو أن الطفل يفقد احترامه لأهله المتدينين، وللمتدينين خصوصا لأنه يرى فيهم نفاقا أو كيلا بمكيالين، ادعاء التدين.
لأن هنالك آباء يمارسون التدين وعند التطبيق يقومون بتنحية الدين جانبا، وتنحية الأخلاق التي يدعو إليها.(تزكية النفس، تجريح العلماء، الغتبة والنميمة، الفظاظة في القول والمعاملة، عدم احترام الوقت، إخلاف المواعيد....وهلم جرا)
5) كثرة الوعظ، واستخدام النصيحة كسياط لجلد الأطفال، ووسيلة عقابية بدل أن تكون تربوية:
أحد الآباء اشتكى لأحد المتخصصين إلحاد ابنه، وبعد أسئلة ومحاورات كثيرة معه، تبين أن العائلة ملتزمة، وشخصية الأم متشددة، فقد كانت تأمر أبناءها بالصلاة من سن الرابعة، وتلزمهم ببرنامج صارم قتل طفولتهم، وتسبب بنفورهم من الدين.
وفي صحيح مسلم :
((كانَ عبدُ اللهِ يُذَكِّرُنَا كُلَّ يَومِ خَمِيسٍ، فَقالَ له رَجُلٌ: يا أَبَا عبدِ الرَّحْمَنِ إنَّا نُحِبُّ حَدِيثَكَ وَنَشْتَهِيهِ، وَلَوَدِدْنَا أنَّكَ حَدَّثْتَنَا كُلَّ يَومٍ، فَقالَ: ما يَمْنَعُنِي أَنْ أُحَدِّثَكُمْ إلَّا كَرَاهيةُ أَنْ أُمِلَّكُمْ، إنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ كانَ يَتَخَوَّلُنَا بالمَوْعِظَةِ في الأيَّامِ، كَرَاهيةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا)).
كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أحسنَ الناسِ تَعليمًا وتربيةً لأصحابِه؛ فكان يُعلِّمُهم بالقولِ والفِعلِ، وقد نقَلَ الصَّحابةُ الكِرامُ هَدْيَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الموعظةِ.وفي هذا الحديثِ يَحكي عبدُ اللهِ بنُ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان مِن شِدَّةِ حِرصِه على انتفاعِ أصحابِه واستفادتِهم مِن وَعْظِه وإرشادِه؛ أنَّه لم يكُنْ يُكثِرُ عليهم مِن ذلك، وإنَّما يَتعهَّدُهم بالمَوعظةِ في بعضِ الأيَّامِ دونَ بعضٍ، ويَتحرَّى الأوقاتَ المناسبةَ، الَّتي هي مَظنَّةُ استعدادِهم النَّفسيِّ لها، وإنَّما كان يَقتصِرُ على الوقتِ المناسبِ خَوفًا على نُفوسِهم مِن الضَّجَرِ والملَلِ، الَّذي يُؤدِّي إلى استثقالِ المَوعظةِ وكَراهتِها ونُفورِها، فلا تَحصُلُ الفائدةُ المَرجوَّةُ.وفي الحديثِ: بيانُ رِفقِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وعَظيمِ شَفقتِه بأُمَّتِه؛ ليَأخُذوا الأعمالَ بنَشاطٍ وحِرصٍ عليها، لا عن ضَجَرٍ ومَلَلٍ.موسوعة الدرر السنية.
6) الظلم، والتسلط وأنماط الشخصية:
يقول الأستاذ أحمد يوسف السيد في سلسلة سوية المؤمن:
(( أن الانتكاس أو الٱلحاد أحيانا يكون بسبب الأب.
يكون عندنا شاب عادي، والأب ملتزم مستقيم ومتدين، وأحيانا لا يتعامل الأب مع الابن بطريقة صحيحة، وتكون الصيغة التعريفية التي يفرض الأب فيها توجيهاته التي لا يحبها الابن صيغة(دينية)، فيربط الولد بين هذه الشدة التي هو لها كاره، وبين الدين أو التدين أو المتدينين، وحتى الدعاة والمشايخ ...أيا كان.
لأن الأب لم يكن لديه أسلوب تربوي ولا معرفة بأحوال النفوس فكان يتعامل مع الابن بطريقة سيئة فيقلل احترامه ويعيره(يا حيوان، يا كلب، مافيك خير....وهلم جرا)
فيؤدي هذا إلى أن الابن ينتظر لحظة الفكاك والخلاص من (هذا الكائن)، ومن المنظومة الدينية ككل.
ومثال ذلك التسلط على البنات والمبالغة في الخوف عليهن وحرمانهن من حقوقهن الشرعية، والذي يكون من آثاره إما الإلحاد أو النسوية.
يقول عبد الله رفود السفياني في كتابه حجاب الرؤية(فصل الأنماط الشخصية، ص74) كلاما في غاية النفاسة، وتشخصيا دقيقا جدا يقول:
((وإذا قدر لشخص صاحب نمط غير متشدد ومنبسط ويتمتع بقدر كبير من الانفتاح مثلا أن يعيش في وسط منغلق، ومنكفئ ومتشدد فإنه سرعان ما ينقلب على هذا الوسط بشكل شبه ثوري في أقرب فرصة نفسية مواتية، ويكون ارتداده أكثر تطرفا لأن النفس التي ظلت خارج نمطها الشخصي، تحاول تعويض ما فات.
وقد يفسر لنا هذا ما يحدث من بعض الذين خرجوا من تيارات إسلامية محافظة أو متشددة إلى أجواء أكثر لبرالية وتحررا، ليثوروا على الكبت الذي كانت تعيش فيه أنماطهم الشخصية.
خاصة أولئك الذين أصبحوا متدينين من فترة مبكرة في طفولتهم ومراهقتهم، وحرموا أنفسهم أو حرموا بموجب تربيتهم من كثير من احتياجات مراحلهم العمرية، وعاشوا حياة جادة صارمة، ولم يعيشوا طفولتهم ومراهقتهم بكامل تجلياتها الطبيعية المقبولة.)) انتهى
7) المراقبة الشديدة للأبناء:
الإلزام والوصاية ، التجسس والمراقبة لا يخلق أبناء صالحين، بل يخلق أبناء خائفين، مهزوزي الثقة، منزوعي الإرادة.
وقد قال سيد قطب في الظلال عن بني إسرائيل:
((وليس أشد إفسادًا للفطرة من الذل الذي ينشئه الطغيان الطويل، والذي يحطم فضائل النفس البشرية، ويحلل مقوماتها، ويغرس فيها المعروف من طباع العبيد: استخذاء تحت سوط الجلاد، وتمردًا حين يرفع عنها السوط، وتبطرًا حين يتاح لها شيء من النعمة والقوة.))
8) "لا تربوا أولادكم كما رباكم آباؤكم، فقد خلقوا لزمان غير زمانكم":
قابلت مؤخرا طبيبة سلفية منقبة، وتبادلنا أطراف الحديث فقالت لي بالحرف أنها التزمت منذ عام ونيف، وتركت الوظيفة وتزوجت وأنها مستقبلا لن تسمح لبناتها بتجاوز الطور الابتدائي في التعليم، كون المتوسط والثانوي تكون فيهما الفتاة بالغة، ومحرم عليها الدراسة في الاختلاط.
وأنها ستمنع عن أطفالها التلفاز، والأنترنت وتربيهم على الطريقة التقليدية.
هكذا يخطط الملتزمون الجدد لمستقبل أطفالهم، ظانين أنهم يقومون بحمايتهم ولم يعلموا أنهم يربونهم على زمان غير زمانهم.
العالم صار مخيفا وفضيعا نعم، لكنه واقع يلزمنا التعامل معه ومواجهته، لا الفرار منه، وأن نكون جزءا منه ونحسن التعامل بأساليبه وأدواته لكي نحافظ على قيمنا وثوابتنا.
خطاب الانسحاب والانعزال عن الناس، والعيش على الهامش، والاهتمام لشؤوننا الخاصة دون شؤون غيرنا من المسلمين والمسلمات أراه نوعا من الأنانية، ناهيك أنه خطاب دروشة مرضية كدروشة المتصوفة.
فالواقع السيء، وجور الحكام وغياب العدل دفع بأسلافنا إلى الاغتراب في عالم الدراويش، ورؤى السعادة المتخيلة، والنكوص عن مواجهة التحديات وتحمل المسؤوليات.
فتنسحب منه إلى عالم ميتافيزيقي ، وتعيش معطلة الفاعلية، لا أثر لها في الأحداث ولا وزن في مجابهة الأخطار والتحديات.
وتلون ثقافتها وقيمها بالأحلام التي تتحدث عن عدل موهوم ورخاء متخيل، وعالم تعبدي ملائكي.
والخطر كل الخطر أن يتراجع أصحاب المواهب والقدرات والإمكانات، ليرضوا بلعب دور صغير في الحياة، تاركين الساحة لمن هم أقل منهم لقيادة الدفة.
**********
إن الزاهد المنقطع في عرعرة الجبل، ينظر من صومعته إلى الدنيا، ليس بأحكم ولا أبصر ممن ينظر من آلامه إلى الدنيا.
إن الزاهد يحسب أنه قد فر من الرذائل إلى فضائله، ولكن فراره من مجاهدة الرذيلة هو في نفسه رذيلة لكل فضائله.
وماذا تكون العفة والأمانة والصدق والوفاء والبر والإحسان وغيرها، إذا كانت فيمن انقطع في صحراء أو على رأس جبل، أيزعم أحد أن الصدق فضيلة في إنسان ليس حوله إلا عشرة أحجار؟!
وأيم الله إن الخالي من مجاهدة الرذائل جميعا، لهو الخالي من الفضائل جميعا!!
#الرافعي
9) مصادرة حقهم في الخطأ:
أكثر ما يتميز به الملتزمون أنهم يخافون على أبناءهم الوقوع في الخطأ، يريدون ملائكة تمشي على الأرض كي لا تهتز صورة الأب الملتزم الملتحي، أو الأم المنقبة في حال ارتكب أطفالهما خطأ ما.
وهذا السلوك بغيض جدا.
إننا نبحث عن أنفسنا..من منا لم يجرب التيه؟
من منا لم يذنب؟
من منا لم يسقط؟
لكننا نحتاج لفهم حياتنا بوعي أكبر
إننا نحيا كي نصلح أخطاءنا...لا لنتفاداها
الكثير من المشاهير الذين نعرفهم بتقواهم سواء في زماننا أو حتى زمن السلف
كان منهم المخطؤون والتائبون، ثم عادوا إلى حظيرة الإيمان والإسلام.
ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: لو لم تذنبوا لذهب الله بكم وجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم هذا من رحمته وجوده أنه جل وعلا قدر على عباده وجود الخطايا ثم يتوب عليهم سبحانه إذا تابوا إليه.
ويحضرني هنا هذا الاقتباس الجميل من رواية(اسم الوردة):
لا ينبغي دون شك أن تكرر فعل ذلك، ولكن ليس شنيعا إلى هذه الدرجة، أن تكون رغبت في فعله، ومن جهة أخرى أن يجرب راهب على الأقل مرة في حياته العشق الجسدي، بحيث يمكنه فيما بعد أن يكون متسامحا، ومتفهما مع المذنبين، الذين سينصحهم ويطمئنهم، هو اذن يا عزيزي أدسو شيء لا نتمناه قبل وقوعه، ولكنه إذا ما وقع لا يستحق هذا التشنيع الكبير.
(هذه نصيحة غوليالمو لتلميذه الراهب المراهق أدسو والذي وقع في إثم الزنا، فضاقت عليه نفسه، وكبر عليه ذنبه، وحين أسر لمعلمه هدأ من روعه وبثه هذه الكلمات الرائعات، والتي نشترك كمسلمين وأهل الكتاب جميعا في هذا ويحضرني هنا ما قرره عمر بن الخطاب بقوله:« انما تنقص عرى الاسلام، عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية»
إن خبرة الخطيئة التي يحملها الإنسان بعد توبته، هي مايزيده نضجا وتواضعا، وفهما للحياة وتسامحا مع أخطاء الآخرين.
10) غياب لغة الحوار والإقناع، والتخويف من استخدام العقل:
فبعض المذاهب والجماعات والتيارات تعلم أتباعها أن "اغمض عينيك واتبعني"، بينما الإسلام يعلمنا أن نفتح أعيننا وأذهاننا.
فنحن ننتمي إلى دين يدفع أبناءه إلى الاجتهاد وإعمال العقل، وهو يؤكد لهم أن الخطأ ليس آخر المطاف، بل قد ننال عليه أجر" المجتهد المخطئ".
((إن التربية على السمع والطاعة وحدهما تخرج جنودا ملتزمين، ولكنها لا تخرج قادة)) محمد قطب.
وأحد أسباب أن الشاب الملتزم ينشأ انطوائيا، أو خجولا، أو ضعيفا مرده إلى التربية التقليدية المحافظة، التي تنشيء أطفالها في جو معقم، يفقدهم قليلا من القوة و الشجاعة الجرأة والإقدام.
وفي هذا الصدد صادفت وصفا لأحمد حسن الزيات عن المنفلوطي يقول فيه:
((المنفلوطي صحيح الفهم في بطء، سليم الفكر في جهد، دقيق الحس في سكون، هيوب اللسان في تحفظ. وهذه الخلال تظهر صاحبها للناس في مظهر الغبي الجاهل، فهو لذلك كان يتقي المجالس ويتجنب الجدل، ويكره الخطابة؛ ومرجع ذلك فيه إلى احتشام التربية التقليدية في الأسرة، ونظام التعليم الصامت في الأزهر، وفرط الشعور المرهف بكرامة النفس)).
ولعلي عزت بيجوفيتش مقال بعنوان( هل نربي مسلمين أم جبناء؟) يتناول فيه أثر تلك التربية التقليدية التي تقتل الطاقة في الشباب.
11) الخطاب الدعوي وأغلاط منهجية:
أحد أكبر الأسباب التي تؤدي بالشباب الملتزم إلى الإلحاد، أنهم كانوا ولسنوات يستمعون لخطاب ديني موحد مفاده أن الخير غالب لا محالة، وأننا سننتصر ونحرر فلسطين وأن عاقبة الظلم تكون في الدنيا قبل الآخرة.
فيلم في سبع سنين الذي بثته الجزيرة العام المنصرم، يشير لنقطة خطيرة جدا، ألا وهي المفاهيم التربوية الخاطئة أو القاصرة التي تؤدي بالشباب للإلحاد، ومن ضمن هذه المفاهيم أن المسلم سينتصر لا محالة، وأن الحق غالب الباطل، وأن المظلوم سيأخذ حقه في الدنيا، والظالم سيعاقب في الدنيا والآخرة.
لكن قد يحدث أن لا نرى ذلك، ونموت ولا نشهد ذلك.
يقال : " إن التحول في الظواهر الاجتماعية يتم ببطء شديد، والتغيير في الناس والمجتمع أمر ليس سهلا، وربما يحتاج لعقود.
بينما عمر المرء منا قصير، اذا ماقيس بعمر الحضارات، مما يجعله لا يرى مرحلة التغيير كلها بعينيه.
ربما عاصر الأسباب دون أن يرى النتائج، وربما رأى النتائج دون أن يتفاعل مع المقدمات.
لذلك نحن لسنا موكلين بالنتائج، نحن مأمورون بالدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنتائج بيد الله، فليس بالضرورة أن نعاصرها، فقد نموت قبلها.
الخطأ الثاني:
العائلات أو الخطابات الدعوية التي تزرع في عقول أبناءها فكرة أن الرزق يتبع الالتزام والملتزمين، ويبتعد عن العصاة والمذنبين فكرة خاطئة، ولها مآلات خطيرة.
...يعتقد الشباب أن الله لا يبتلي الإنسان الملتزم والمتدين، وأن المسلم إذا تدين فإن الله سيوسع عليه في الرزق، فيرزقه العمل والزوجة الصالحة، والمسكن الواسع، لذا نرى شبابا انتكسوا وربما ألحدوا إذا لم يحدث لهم ما توقعوه.
ويغفل هؤلاء أن المسلم الملتزم قد يبتلى أيضا.
الخطأ الثالث:
تقديس العلماء والدعاة وكل من ظاهره الالتزام، والانسياق العاطفي مع كل خطاباتهم وعدم تحكيم العقل والمنهجية خصوصا في المسائل العلمية.
يقول الأستاذ أحمد السيد أن ذلك التسطيح والتسخيف والمعالجة الضعيفة للمسائل تسبب بآثار عكسية حين اكتشف الشباب عدة ثغرات تطعن بها، فانقلبوا على أصحابها وعلى المنظومة الإسلامية ككل.
ولعل أوضح مثال ذكره أحمد السيد هو مثال (الإعجاز العلمي)، ذلك أننا كمسلمين كنا ننساق وراء العواطف بدون تريث ولا تفكير.
وقال أن المغالاة في موضوع الإعجاز العلمي دفعت بكثيربن إلى الانبهار وقتها، وبكثيرين إلى الإلحاد في وقت لاحق.
طيب لماذا؟!
لقد كان شباب تلك الفترة يولون أهمية فائقة لموضوع الإعجاز العلمي، ويقدسون الدعاة والمشايخ القائمين على الأمر، (تماما كما يفعل بعضنا هذه الأيام مع الشيخ إياد فيقدسونه لدرجة المبالغة).
قال أن موضوع الإعجاز العلمي حوى الكثير من المبالغات والثغرات التي اكتشفتها أجيال لاحقة فكفرت بالمنظومة كلها.
ومثاله في وقتنا ما يختص بنظرية التطور والجدل القائم حولها، وادعاء البعض بأنه تم تقويض النظرية من أساسها.
في حين يقول المخالفون أن هذا كلام سطحي وتضليلي للأجيال، وأن مجهوداتهم لتسخيف النظرية سطحية، وضعيفة، وبعيدة عن المنهجية العلمية في إسقاط النظريات.
العيال ستكبر، وهذا الأمر له آثاره على الشباب وعلى الأجيال، وإن ثبت حقا أنه لم يتم تقويض النظرية بطريقة علمية محكمة فهذا سيتسبب بمزيد من الإلحاد لشبابنا.
ختاما:
هذه بعض النقاط كتبتها على عجالة ومن غير ترتيب ولا تدقيق. ولا يزال في جعبتي نقاط أخرى لم أتناولها خشية التطويل، ولعلي أفعل ذلك مستقبلا باذن الله.
وكوني عشت في بيئة ملتزمة، عايشت بنفسي تجربة مؤلمة في أسرتي الصغيرة.
لا تزال تلقي بظلالها على نفسيتي وتفكيري، ولعلي لم أتجاوز الصدمة بعد كوني لم أتجرأ وأكتب عنها لحد الساعة.ولعل هذا المقال بداية التعافي من آثار تلك التجربة المؤلمة.
يقول المهندس فاضل سليمان:
ونتعجب لماذا يلحد أبناؤنا؟
الله لم يخلق جيلا من الشياطين هم أولادنا، يلزم أن ننظر لنفسنا، وأخطاءنا
{وإن أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم}
صراعنا القادم سيكون مع الإلحاد بعد خمس أو عشر سنوات..
طبيعة ديننا أنه منفر للكبار جاذب للصغار والشباب
هذا ما حصل زمن الرسول صلى الله عليه وسلم
لماذا؟!
لأنه دين ثوري بطبيعته، يثور على التقاليد البالية، ودين إصلاحي، يصلح أحوال الناس عن طريق المقاومة، يقاوم الفساد، ويقاوم التخلف.
فإذا حدث العكس، ورأيت الشباب عازفين عنه، والكبار مقبلين عليه فاعلم أننا لا نقدم الدين الذي جاء به محمد بن عبد الله(صلى الله عليه وسلم) وأننا قدمنا دينا جديدا اخترعناه نحن.
وإذا كان تدين جيل الصحوة أشد رسوخا من تدين أجيال اليوم، ومنضبط بأسس ومرجعيات واضحة، إلا أن الملاحظ أن تدين جيل اليوم هش للغاية ومذبذب، ويفتقر لمرجعيات واضحة في ظل مشكلات وسائل التواصل وتصدر من هب ودب، وانتشار آفة التجريح ونهش لحوم العلماء وإسقاط القدوات، فكيف سيكون حال الأجيال المقبلة ياترى؟!
وهذا المقال هو محاولة مني لدق ناقوس الخطر، و توجه بنداء عاجل لحديثي العهد بالالتزام، كي نتلافى هذه الأخطاء قبل حدوث الكارثة في الجيل القادم.
#شمس_الهمة
#شمس الهمة