حدثتني صديقتي طالبة الطب حديثا له ماله وعليه ماعليه، فتأملت حديثها طويلا، ولم أدر حقا هل أضحك أم أبكي، ولسوف أكتفي بسرده لكم، وهدفي من ذلك التذكرة والعبرة، و ما سأكتبه لا يعبر عن وجهة نظري بالضرورة، فهو كلام الأخت بدون تحريف، مع تغيير أسماء الشخصيات لأنها حقيقية. تابعوا معي:
تقول صديقتي بدأ الأمر حين حزت شهادة البكالوريا بامتياز، كانت فرحة أسرتي كبيرة، وكذلك فرحتي فأخيرا تكللت الجهود وسهر الليالي بالنجاح، تلاها رحلة إلى تركيا، كانت فيها سعادتي لا توصف.
بعدها خطوت أول خطواتي كطبيبة، أو على الأقل كما اعتقدت آنذاك، فقد ظننت دراسة الطب أمرا سهلا، وأنني ضمنت لقب الدكتورة بأول دخول جامعي لي.
مرت الأشهر على جميع الطلبة شاقة عسيرة، بعضهم ترك الدراسة، بعضهم انتحر، وبعضهم فقد عقله مع بداية الاختبارات والتي كانت الأسئلة فيها وكأنها من كوكب آخر، وبعضنا استمر رغم الألم.
حينها قررت أنا وصويحباتي حضور حفل تخرج طلبة السنة النهائية، لنرفع من معنوياتنا قليلا، ونعيش اللحظة، ونعمل لأجلها.
لكننا فوجئنا بطلبة وطالبات أشبه بالعواجيز، ضعف وتعب جلي في العيون، هالات سوداء، أكتاف محدودبة، عضلات ضامرة، وأجسام نحيلة وكأنها لمرضى السل، مع أن أصحابها يفترض أنهم أطباء، رؤوس صلعاء، وبعضها زاره الشيب فعلا.
على هذا هبطت المعنويات إلى الصفر، وصرنا نهمهم ونتمتم، ونتخيل أشكالنا بعد سبع سنين.
حينها استدارت لنا صديقة ايجابية، وميزة الايجابيين أنهم يرون النصف الممتلئ من الكأس دوما.
لمعت عيناها، وافتر ثغرها عن ابتسامة صغيرة، ثم طلبت منا التدقيق في أصابع الذكور والإناث من المتخرجين، وقالت أنها أتتنا بالخبر اليقين.(الدبلوم والأوم).
قالت جل هؤلاء ما بين مخطوب ومتزوج، وان كانت هناك من حسنة في دراسة الطب هو أن سبع سنوات كفيلة بتوأمة الأفكار، وذوبان الاختلافات، واكتشاف معدن الآخر، وهؤلاء كما ترون جمعت بينهم سنون من التعب والألم، ألفت بين عقولهم وقلوبهم، ووطدت أواصر الأخوة والزمالة والصداقة، وكان نتاجها أن تلك الأيام تمخضت عن خطوبات وزواج.
كان لكلام صديقتنا تلك أثر السحر، غابت عقولنا، ونسينا معوقات الدراسة ومنغصاتها، وحلقنا عاليا بأحلامنا.
قررنا بعد ذلك أن نضع جل الذكور ممن يدرسون معنا تحت مجهر الاختبار، فنقيس تدينهم وأخلاقهم، ونقوم بشطب كل من لا يصلح ليكون زوجا مستقبليا، لذا ركزوا معي جيدا في مراحل الاختبار.
أول أمر يجب أن تعرفوه قبل الاختبار أن كل الألقاب التي أطلقناها على أولئك الشباب كان فكرة تلك الصديقة، وطبعا أصيلا فيها، حاولنا كثيرا تنبيهها أن التنابز بالألقاب غير جائز، لكنها سحبتنا معها حتى صرنا نفعل فعلها ذاك.
الأمر الثاني الذي ينبغي أن تعرفوه أن مدرجنا للسنة الأولى كان يحوي زهاء 500 طالب وطالبة أو يزيد الى النصف أو يقارب 600.
جل الطلبة كانوا إناثا، وعدد الذكور لا يتجاوز الثلاثين.
عشرة منهم كانوا أرادنة(طلبة من الأردن)، وطالب يمني، وقرابة العشرة من مدينة وهران(أصحاب الأرض)، وزملاء آخرون سيأتي ذكرهم تباعا.
على هذا كان احتمال الفوز بعريس ضئيلا جدا، وأشبه بالفوز بجائزة يانصيب.
أول من قمنا بشطبهم فريق الأرادنة، والطالب اليمني (والسبب الأول أن أيا منا لم تكن مستعدة لتغادر الجزائر)
- الأرادنة طلبة كثيروا الحفظ، قليلو الفهم، بالاضافة إلى ضعفهم باللغة الفرنسية، يدخنون الشيشة، والسجائر، وحتى الشمة لا يستغنون عنها، يصادقون أي فتاة تقترب منهم، بحكم أنهم لم يدرسوا بمدارس مختلطة، لكن بالرغم من كل سلبياتهم كانوا يحفظون القرآن كاملا مع الأحكام، وصوتهم شجي بالتجويد، ولايتأخرون عن صلاة الجماعة بالمطلق(وهذا هو الفرق بيننا وبين المشارقة، وحرص الأولياء هناك على التركيز على الصلاة والقرآن منذ الصغر، لذا فأبناؤهم وان تميعوا وفسدوا، وتمكن منهم الطيش إلا أنهم سرعان ما يسارعون الى التوبة والرجوع إلى أحضان ايمان رضعوه مع الحليب).كان من ضمن هؤلاء الطلبة، طالب وحيد ملتزم وملتحي واذا اقتربت منه الفتيات أشاح بوجهه، واستغفر وحوقل.
- الطالب اليمني كان عاشقا للجزائر، وحين رأى الدراسة مجانا وحتى الطعام والايواء، قال أنه ذهل واعتبر أن الجزائر أم الدنيا وليس مصر كما يدعون.
- أصحاب الأرض: أو شلة الصايعين كما كنا نسميهم، كانوا شبابا من أرباب النعمة والثراء، ولدوا وملعقة ذهب بأفواههم، يضعون السلاسل والأقراط، يسبغون شعورهم وينفشونها كأعراف الديكة، ويلبسون المقطع من الجينز، ليت هذا فحسب، فقد كانوا يحضرون للدراسة في الشورت نعم الشورت صدقوا أو لا تصدقوا، لم يكن أحد يتكلم معهم فهم أبناء فلان وعلان، الوحيدون الذين يتقنون الفرنسية بطلاقة، بعضهم كان يمضي الليل في سهرات ماجنة، ويقوم بتصويرها رفقة قارورة الخمر على الفيس بوك.
لم يكونوا يختلطون بالطلبة الآخرين( أبناء العامة)، وكانوا يكتفون بصحبة البنات من نفس مستواهم الاجتماعي، يعرفون بعضهم جيدا من فترة الثانوي، ولا تميز اذا اجتمعوا معا بين شاب وفتاة، فقد تجد فتاة بشعر قصير جدا، وشابا بتسريحة الديقرادي
الطويلة.وكانوا اذا تقابلوا في الصباح يسلمون على بعضهم على طريقة الافرنج، وكل ذلك أمامنا.
- the genious العبقري أو هكذا كنا نسميه، كان صاحب أعلى معدل لشهادة البكالوريا في الجزائر، ظهر في التلفاز، وتم تكريمه، والتقى بالوزراء، قمنا بشطبه من على اللائحة هو الآخر، فلم يمض شهرا معنا حتى انتقل لدراسة إدارة الأعمال في لبنان، وكان يعود للجزائر فترة الامتحانات فقط، كما أنه أعلن خطبته على صفحته على الفيس بوك من صديقته المتبرجة.
- الديليقي أو مسؤول الدفعة كان في السنة الأولى شابا عاديا عديم التأثير والفاعلية، ولا تعرف له أخلاق ولا مواقف ولا يمكنك التكهن بما يحمله عقله أو ثقافته، وكان أينما حل أو ارتحل يصحب زميلة له فكانت مثل ظله، بعضهم قال أنهما خطيبان، وبعضهم قال أنهما مجرد زميلان، ولا أحد يعرف ماهية تلك العلاقة الى الآن.
كان عاديا حتى تم انتخابه مسؤولا بالاجماع، حينها تغير الطالب 180درجة، واجتهد للقيام بواجباته على أكمل وجه، ونجح في كسب الطلبة والطالبات واخماد روح العداوات وعدم التفاهم التي كانت السمة المميزة لدفعتنا، أوصل مطالب الطلبة، ورفع عنهم الغبن، وساعد الجميع في أمورهم، فحاز اعجاب وثقة الجميع، نضجت شخصيته في عام واحد فقط، أصبح كثير الصداقات، ومحط اعجاب الطلبة والدكاترة. يطالع الكتب، ويشارك بالنقاشات، ويؤدي الصلوات جماعة، أعفى لحيته، وهذب سلوكه، حتى أنه قام بأداء عمرة.
لكن الشيء الوحيد الذي لم يستطع التخلص منه، تلك الفتاة التي كانت تمشي برفقته مثل ظله.
لذا أطلقنا عليهما لقب(الملك والجارية)، وكنا اذا رأيناه قادما نهمس لبعضنا هاقد أتى الملك، فتسأل احدانا:هل هو برفقة الجارية؟! فنجيب أن نعم، ثم نستغرق في ضحك لا
ينتهي.لذلك تم شطبه هو الآخر.
- "كل يوم تصديرة كي الخالات": هو لقب أطلقناه على شاب آخر يكبرنا ومن غير دفعتنا كان لافتا بسبب طريقة اهتمامه بثيابه وشعره وحتى بشرته، ولكنه لم يكن الوحيد فأمثاله متواجدون في كل مكان.
- باسل والوصيفات: هو لقب أطلقناه على زميل آخر، لم يكن يخطو خطوة إلا وهو محاطا بأربع على يمينه، وخمس أو ست على شماله(وأقصد البنات طبعا)، فلم يكن له صداقات من الذكور على الاطلاق، معتدا بنفسه، وذكائه، ويظن أن فعله ذاك، علامة على الرجولة، بينما كان الجميع يتقزز منه، وكنا لا نميزه عن تلكم الفتيات، ولا تظهر لنا ذرة رجولة
فيه.لذا تم شطبه بنجاح.
- أخينا: هو لقب أطلقناه على زميل سلفي أو هكذا اعتقدنا في البداية، إلا أن نقاشاته وملاسناته مع زميل اخواني في المجموعة الخاصة بنا على الفيس بوك، أظهرت لنا جليا أنه بعيد كل البعد عن منهج السلف، وفيه غلو لشيخه لذا فهو مدخلي، أول احتكاك لنا معه في بداية الدراسة، كان بخطأ جسيم ارتكبته احدى صديقاتنا، اذ أنها غرزت قلما بظهره فقد كان يجلس أمامها، راغبة في طرح استفسار بشأن الدراسة.
أخينا هذا لم يرقه الأمر، فاستدار لها وعينه تقدح شررا، ورمقها بنظرة غاضبة، ثم استدار لشؤونه.
أمام الموقف لم تملك صديقتنا سوى الانكماش على نفسها شاعرة بالهلع والخجل.
أخبرناها بعد ذلك أنها من أخطأت، وأن سلوكها كان خاليا من كل ذوق، إلا أنها أصرت على الغضب على أخينا وشتمه وسبه طول الوقت، حتى أنها قالت أنه وجب شطبه، ولو بقي في الكون سواه فلن أتزوج أمثاله.
- لا أدردش: هو لقب أطلقناه على شاب اخواني يكبرنا بثلاث سنوات، كان يدير ناديا علميا وكنا أعضاء في ذلك النادي، كان يجيد الإدارة جيدا، دبلوماسي ومتحدث جيد، يعمل من أجل رقي النادي لكن درجاته الدراسية كانت في الحضيض.
كان يضع لحية خفيفة على طريقة الاخوان، ويلبس من الثياب ضيقها، حتى أنني وصديقتي كنا نقول عنه وعن أمثاله (الجيل الجديد متميعة الاخوان).
كان يضع عبارة (لا أدردش) أسفل اسمه الشخصي على الفيس، ثم اكتشفنا أنه دعشوش مغشوش، وأنه لا يجيد شيئا كإجادته الدردشة مع البنات في الخاص، حتى أنه سألنا اضافته على الفيس لمدارسة مستجدات أمور النادي، لكننا أجبناه بأن مجموعة النادي على الفيس كفيلة بذلك، وأننا لا نضيف الذكور ولا ندردش، لذا استغربنا جدا سبب بقاء تلك العبارة وهي تزين بروفايله
الشخصي.لذلك شطبناه على الفور.
أبو زبيدة شاب اخواني يضع لحية خفيفة، كان يكبرنا بحوالي ثلاث أو أربع سنوات، أول احتكاك لنا معه، كان بالمصادفة، أعقبها تتبعه لحركات صديقتنا لمياء، طالبة حسناء فائقة الجمال، أظن أنه درس سلوكاتها وتحركاتها مدة تزيد عن الشهر، ثم قرر خطبتها بنفسه على الفور، فاستوقفها ذات مرة وعرض عليها الأمر، لكنها كانت خجولة جدا، ولم تدر ماذا تفعل، ففرت من
أمامه.لذلك كانت كلمة السر بيننا إذا رمقناه (أبو زبيدة) قادم، لنتأهب لتغيير طريقنا.
- غوغل للترجمة(google translation):التسمية لسبب خاص، لا يمكنني ادراجه، والا عرف صاحبه، كان شابا ملتزما بلحية، متفوقا على أقرانه، له مبادرات ايجابية كثيرة، واسع الثقافة، يقرأ كثيرا، ويكتب مقالات في القمة، وله صفحة تعنى بشؤون الطلبة كان يديرها، وكنا نتفاعل معها، كان هذا النوع المفضل للجميع.
كان جل طلبة الطب يتفاعلون في صفحته، ويثمنون مبادراته، فركبه الغرور، وتمكن منه فيروس حب الظهور، وصارت له قناة خاصة يبث فيها أفكاره وانشغالاته، كانت مدة الفيديو تستغرق قرابة النصف ساعة يقترب فيها من الكاميرا فلا يظهر إلا رأسه، مع اضاءة قوية تمكنك من عد المسامات على وجهه، ناهيك عن البثور، نصف ساعة يارجل؟! حتى أنس تينا لم يفعلها، نصف ساعة من الجمود، لا روبورتاجات ولا حركة سوى حركة رأسك وشفتيك وأحيانا منخريك.
ذلك الغرور تغاضينا عنه، فالبنهاية هو يقوم بخدمات جليلة، لكن ما لم نتقبله أنه كان يمسح التعليقات المخالفة، واذا كانت بها حجة قوية يمسح كامل المنشور، كان متغطرسا لا يقبل آراء الآخرين، ولا يقدس سوى آراءه، لذلك قمنا بشطبه هو الآخر من القائمة، كيف للحياة الزوجية أن تستمر مع ديكتاتور كهذا؟!
- شخصية أدهم من رواية اكتشفت زوجي في الأتوبيس: هو طالب من غير دفعتنا سمعته مثل المسك، شاب خلوق ومهذب، متفوق دراسيا، يعفي لحيته، حافظ للقرآن، وكثيرون استمعوا لتلاواته في مصلى الجامعة وغيرها.
دمث وطيب من غير ضعف، لا يكلم الفتيات ولا ينظر اليهن، وليس له الوقت لفعل ذلك، يمارس الكثير من الأعمال التطوعية، واذا سألته عن شيء في الدراسة، فستجد لديه الاجابة المفصلة.
كان سبب التسمية أنه كان يحمل كل مواصفات أبطال الروايات الملتزمة، على غرار اكتشفت زوجي في الأتوبيس، الرجل ذو اللحية السوداء، زواج مع وقف التنفيذ، لكن الاختلاف أنه كان بطلا حقيقيا، وليس مجرد مجاز.
- نواقض الوضوء: هو شاب من مواليد الثمانينات، عملت معه صديقتنا لمياء في نفس الفريق أثناء تربص السنة النهائية، ويبدو أنه أعجب بها، فكان يسألها كل يوم أسئلة غريبة يختبرها بها، لكن البلهاء، لم تكن تعرف أن الأسئلة كانت لذلك السبب.
وأول سؤال سأله اياها بعد نقاش ديني كان:- ماهي نواقض الوضوء؟!
صديقتنا استحت من الاجابة، وغيرت الموضوع ثم فرت من أمامه.
تلاها بعد ذلك أسئلة عن معنى التوحيد، وأسئلة أخرى كثيرة.
حين أخبرتنا بذلك، انفرطنا من الضحك، معقول!!
وتم وضع اللقب كختم تعريفي له، وصار كلمة السر بيننا.
الظاهر أنه مدخلي متلبس في ثياب الأناقة، فقد كان أنيقا، جذابا، ووسيما أيضا.
(الألقاب ليست لللاستهزاء، ولست مسؤولة عنها، فلا ترهقوني بتعليقات بلا طعمة)
على هذا أصبحت فرصة الحصول على عريس مسلم مستقيم، ضربا من الخيال، وحلما من الأحلام.
فقد تم شطب الجميع تقريبا من اللائحة ولم يتبق سوى أدهم بطل الروايات.
قبل أن أتحدث عنا كبنات، يجب التنويه في البداية أننا كصديقات لم نكن جميعنا أترابا، فقد صادقنا بعد ذلك فتيات من مستويات مختلفة.
شلة البنات في البداية كانت تحوي فتاتين ملتزمتين فقط، فصديقاتنا الأخريات كن يرتدين السراويل، يضفن الشباب على الفيس بوك، يستمعن الى الأغاني، ويدمن مشاهدة المسلسلات
التركية.لكنهن للأمانة كن بعيدات عن العلاقات المحرمة.
تعاهدنا بعدها على التناصح، واستطعنا اقناعهن بترك لبس السراويل، وحذف الحسابات التي تحوي أصدقاء ذكور، وأن نلتفت للدراسة فقط، ثم سجلنا بمدرسة قرآنية وعزمنا على اغتنام السبع سنين لحفظ القرآن.
- احدى صديقاتنا لم تكن تحيط بأدنى المعلومات في دينها، ثم وفجأة قررت ارتداء الجلباب، وقالت أنها ارتدته حتى يعصمها من عادة قبيحة في عائلتها الكبيرة وأبناء عمومتها وأخوالها، فقد كانت لديهم عادة السلام بالتقبيل وكانت تشمئز من ذلك وتريد تغييره.
صديقتنا هذه عكفت على تعلم أوامر ربها، وكرهت الدراسة وكانت تحلم بتكوين أسرة، وكانت لا تخفي رغبتها تلك أمام جميع
صديقاتها.حتى أنها توقفت عن الدراسة في السنة الثالثة.
الشيء الجميل أنها تزوجت من ذلك السلفي الذي وخزته بقلم في ظهره، نعم الشخص الذي حلفت أن لا تتزوجه حتى لو كان الرجل الوحيد في الكون.
والسبب أنها بعد قراءاتها صارت تميل للفكر السلفي، وأخينا استبشر خيرا بمجرد رؤيته للجلباب، فتقصى أمرها من أصدقائه الذين سألوا عنها زميلاتهم.
أخينا نضج بعد ذلك وأصبح سلفيا على الجادة، ناقش كثيرا طوال تلك السنون، وقرأ كثيرا، وكان الأول على الدفعة.
- صديقة أخرى تغير سلوكها في السنة الأخيرة، حذفت حسابها الذي كان يجمعنا بها، وأنشأت حسابا آخر لا نعرفه.
كانت من "الشرفة" الأشراف يعني، ولديها أخت بلغت الأربعين ولم تتزوج بسبب أنهم كانوا يرفضون تزويج بناتهم للعرب الآخرين، ورغم أن والدها شخص جامعي مثقف، الا أنهم ألمحوا لها أنهم لن يقبلوا تزويجها من عربي، الا اذا كان غريبا عن مدينتها، لذا فرسالتهم المبطنة كانت أن اختاري لنفسك زوجا بعيدا لا يعرف الناس في مدينتهم أصله وفصله.
كانت كثيرة القراءة، وترتاد مجموعات مناقشات الكتب، لذلك عمدت على التعرف على عضو انسجمت معه في الأفكار، ولربما يعزمان على الزواج.
- صديقة أخرى من بلدية متخلفة، وأهلها يعيشون بعقلية الخمسينات، يأتيها كل مرة خطاب كثيرون لا يحملون شهادة ولم يكملوا التعليم، أمها كانت تضغط عليها كثيرا لتوافق وإلا (حصلت في راسها)، فإما أن تقبلي بمول الكاميون، وإما أن تقبلي بمول الغنم، أو صاحب التراكتور.( هذه المهن شريفة وليس هذا الأمر للسخرية، انما السبب الرئيس المستوى الفكري والتعليمي).
تلك الصديقة كانت تعاني لوحدها تلك الضغوط، كانت فتاة ناضجة عاقلة وجميلة أيضا.
لكنها ارتكبت بعد ذاك غلطة عمرها، فقد قررت في السنة الأخيرة أن تتزوج عن طريق النت، هكذا عشوائيا تعرفت على أحدهم وبعثت له بيانتها كاملة، فما كان منه إلا أن بعث صديقه ليكلم أخاها، ويطلب موعدا، ثم مالبث أن أخلف موعده ذاك، وسبب لها مشكلة كبيرة، فبدأ التحقيق والسين والجيم، حتى اكتشف أخوها الأمر برمته، وقام بضربها وتحطيم هاتفها والتهديد بإطلاع والده.
وحين أخبرتنا بفعلتها صعقنا من الأمر، وطلبنا منها الاعتراف بالخطأ والتوبة ومصارحة أخيها بمخاوفها وضغط والدتها لعل وعسى يتفهم الأمر، وفعلا سامحها شقيقها وأخذ منها عهدا أن لا تعود لمثلها، وأنه سيكون الى جانبها دوما.
- لا أدردش: تزوج مع فتاة تعرف اليها عن طريق الدردشة، لأننا سألناها وثبت لنا ذلك.
- غوغل خطب صديقة نعرفها فرفض أهلها بحجة أنها صغيرة، فقام بحظرها من على صفحته، ثم خطب ممرضة.
- صديقتنا لمياء الحسناء، عقب خطبة أبو زبيدة لها في السنة الأولى، لم تستطع مفاتحة والديها في الأمر، رغم أن كلاهما جامعي مثقف، فقدت الشهية إلى الطعام، وضعف جسمها، وكثر شرودها، فاكتشفت الأم بفطرتها أن هنالك أمرا ما، صارحتها الفتاة لكن الأم رفضت الفكرة قائلة(ماشي مازال الحال على هاد الموضوع؟!) ونسيت أو تناست أنها حين كانت بمثل سنها كان لها فتاة بعمر السنتين، وأخرى في بطنها.
ظل أبو زبيدة يلاحقها، ويبعث لها العصائر وقت الحر، ويدفع المال اذا كانا بنفس الحافلة، لكنها كانت تشمئز من تلك الأفعال وتعتبرها تجاوزات.
صرنا نعمل بعد ذلك مع أبو زبيدة، واكتشفنا أنه طيب مع الجميع، ولا يضع حدودا في تعاملاته مع البنات، لذلك صارت صديقتنا تنفر من سلوكاته كثيرا.
وصارت تعقد مقارنة بينه وبين (نواقض الوضوء)، فيبدو لها أبو زبيدة مميعا والآخر متشددا
أبو زبيدة كالنساء، والآخر مكتمل الرجولة والغيرة.
وصار تفكيرها متأرجحا بين القبول بأحدهما أو شطب كليهما.
مع أنها للأمانة تنام عن صلاة الفجر، فلها سلوك الخفافيش الدراسة بالليل، والنوم في النهار، وقد عجزنا معها لتغيير عادتها تلك.
- كل يوم تصديرة كي الخالات: تغير كثيرا، عملنا معه فلمسنا تغييرا في هندامه، ورجولة في أقواله وأفعاله، تعاملاته مع المرضى من الأطفال والعجائز كانت مذهلة، كان في قمة الانسانية.
- تبقى أدهم بطل الروايات، كان مطمح الجميع، ومحط أنظار كل الفتيات ملتزمات ومتبرجات.
فالمرأة تمقت الرجل الذي يركض خلف كل النساء، بينما يطمحن للرجل العزوف العيوف الذي يركض خلف هموم أمته، وتركض كل البنات خلفه.
حاولت بعضنا أن تقنعنا بأن نحاول لفت انتباهه، لأنه عملة نادرة، وفرصة لا تتكرر، فغضبنا جداا من تفكير بعض البنات اللواتي يحاولن إفساد الشاب الملتزم.
وأن لو كان الأمر بلفت الانتباه لكان فراره من محاولة لفت انتباه أحد، هو ما جعله محط أنظار واعجاب الجميع.
وأن محاولة اغواء المتدين أكثر جرما من فعلها مع غيره.
ولأن أدهم كان نسيجا وحده، والأول على دفعته، ومحط أنظار الجميع، فقد توفي بعد ذلك في مصلاه وهو يناجي ربه.
فالعين حق وهي تدخل الجمل القدر وتدخل الرجل القبر.
مات أدهم فرصتنا الوحيدة، لقد كان ملاكا يمشي فوق الأرض، ولعله بات ليلته تلك مناجيا ربه أن ينجيه من القرية الظالم أهلها.
توفي وقد أقيمت له خيمة عزاء بقلب كل فتاة عرفته متبرجة كانت أو محجبة.
نحن الآن أنا وصديقتي لمياء بالسنة السابعة، نحافظ على قلوبنا من العبث، وعلى أنفسنا من المداصرة والاختلاط، وقد فقدنا الأمل تماما بخصوص موضوع الفوز بعريس موافق لشروط المسلم الحق.
#تمت