السبت، 1 يناير 2022

المأموم بضرب الإمام

 

قال أحدهم والعهدة على الرواي:
كنا نعمل بمجمع صناعي، في صحراء منقطعة عن الناس والبشر، بعيدون عن الأهل والصحب والخلان.
لا نفعل شيئا طوال الأسبوع، سوى الركض في عجلة دوارة، تطحننا الحياة والأعمال طحنا.
حين نعود إلى مهاجعنا، نعود وقد نال منا التعب، والسأم والفراغ، لننام فورا..
حياة بلا جدوى، فارغة تماما، عمل، وأكل ثم نوم.ثم عمل فأكل ثم نوم..
وكنا آخر الأسبوع نذهب إلى أحد المساجد لصلاة الجمعة..
وحدث أن جلسنا مرة نستمع لدرس الجمعة وخطبة الجمعة..
فإذا بالإمام يتناول ماذا قال العالم المبتدع فلان، وماذا فعلت الفرقة كذا
وأخذ يعدد معاركه، وحربه على أمثال هؤلاء.
وأنهم ضالون مضلون مجرحون..
استمرت الخطبة والدرس على هذا النحو..
ثم قمنا إلى الصلاة..
وحين سلمنا وجلسنا نتلو الأذكار.
وإذ بنا نسمع شوشرة وجلبة..
ثم رأينا أحد المصلين ينزع حزامه، وينهال ضربا بالسوط على الإمام، ويصيح:
((كل الأسبوع مطحونين بالشقاء والتعب والشغل، ننتظر الجمع بفارغ الصبر لموعظة أو أحاديث ترقق القلب، فإذا بك تتحدث عن معاركك مع فلان، وطائفة فلان، وفصيل فلان، فأوغرت صدورنا وتسببت بمزيد قسوة لقلوبنا!!
ماذا استفدت أنا منك؟ ومن معاركك الشخصية؟!
ولماذا تحدثني عن فلان وعلان؟))
ثم انفض الجمع، وقد كانوا في سرهم يباركون فعلته التي فعل.

الزواج بطالبة العلم الطموحة(عبد الكريم الدخين)

 الزواج بطالبة علم:


س: - أرى أن طالبة العلم إذا تزوجت تضيع وتصير انسانة ثانية. وشرايك بكل صراحة؟ أهم شي عندهم يزوجونها ولا يهمهم طموحها وشو الأنسب لها.

ج: - غير صحيح بإطلاقه ، هناك طالبات علم أزواجهن أعانوهن جدا ، ولنذكر مثلا د. فوز كردي المهتمة بنقد الفلسفات الشرقية ، والتي تذكر أن زوجها خير معين وغيرها ..

وهناك من تتزوج فتضيع في أعمال المنزل وتربية الأبناء وهذا الأغلب ، وبرأيي طالبات العلم اللواتي عندهن همة وطموح يتزوجن من يقدرهن أو يفكرن جديًا بخيار الزوجة الثانية حتى تتخف من أعباء ‍الزواج وتناله ولا تحرم من الأبناء .. وححاول تكون آخر إجابة في هذه المواضيع .

عبد الكريم الدخين

*********



س: -كيف ترى ‍الزواج لطالب العلم من طالبة العلم المشتغلة به، بمعني انها تعمل بالجامعة وجل وقتها بالمذاكرة والمطالعة في كتب الأصول ؟

ج: -غياب الرجل وانشغاله يعوضه وجود الأولاد بالنسبة للمرأة هذا الغالب ، غياب المرأة بالنسبة للرجل لا يعوضها أحد .. لذا نصيحتي للمنشغلة دائمًا أن تتزوج منشغل مثلها أو تقبل بأن تكون زوجة ثانية .

عبد الكريم الدخين

********


س: -السلام عليكم أستاذي..ألا تعتقد أن لدور المرأة في الأسرة سبب كبير لتوقفها عن طلب العلم وضعفها فيه كما تفضلت؟ أقصد من ناحية العمل الواجب عليها+ نظرة زوجها لها. الخوف يملؤني من أن أتزوج رجلا ينتقص من طموحي، ويضحك على رغباتي، كما يفعل والدي الآن :)


ج: -باختصار تحتاجين إما لرجل متفهم جدًا لرغبتك في طلبك العلم ، وإما للتنازل عن بعض رغباتك لأجل طلب العلم مثل القبول ب‍الزواج من متزوج ..

وهذه حلول للأسف قليل من توفق لها من النساء .

عبد الكريم الدخين

*******


س: -برأيك ما الأفضل أن تتفرغ طالبة العلم للعلم مع التدريس أو تتزوج ؟ كنت أرفض تماماً لكن إذا تكرر الموضوع أعيد التفكير ولو قررت أجزم لا أستطيع فأرجع للرفض ، ما الأصلح ؟ مع أن الحياة سعيدة .

ج: -‍الزواج لا بد منه ، تركه بالكلية أمر سيؤثر عليك سلبًا ، ولكن العبرة باختيار الزوج ، والهدف من ‍الزواج ، برأيي المرأة التي تريد الاهتمام بعالمها الخاص تحتاج للتخفف من أعباء الزوجية مع الاستفادة من إيحابياتها ، لذلك أقترح أن تأخذ زوجًا يعينها على طلب العلم ويتفهمها جيدا ، ولا يتطلب كثيرًا وهذا يندر ، أو تقبل بأن تكون زوجة ثانية ..

وعمومًا ‍الزواج معضلة في هذا الزمن حتى للرجل ، فهو يمثل تحديا صعبًا والله المستعان .

عبد الكريم الدخين

*******


ج: -هناك نوع من النساء الأنسب لهن أن يتزوجن من معدد ، وأقصد بهن النساء صاحبات الطموحات العملية والعلمية اللواتي يردن الانتفاع ب‍الزواج والأولاد ولا يردنه تقييدا لهن ..


وأذكر أن الدكتور عبدالرحمن ذاكر الهاشمي وهو استشاري نفسي تحدث عن هذا الأمر بإسهاب في تسجيل له لا يحضرني .

عبد الكريم الدخين



فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا:

 


فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا:



القصة الأولى:

امرأة خمسينية لديها سبعة أولاد، تخاصمت وزوجها، ووصل الأمر بينهما لاستحالة العودة كما السابق، وأخذا يفكران بالانفصال، والأولاد ضائعون شاردون مصدومون، لهذه النهاية المأساوية لعشرة دامت أكثر من عشرين عاما.

فشلت كل المساعي للإصلاح بينهما، وركب الشيطان رأس كل منهما، وصمما على موقفيهما..رغم أن الخلاف كان بسيطا، ولا يستحق.

تلك الغيوم الكئيبة حلت بسماء ذلك البيت الهانئ كلعنة..وامتد الخلاف لأسابيع، ثم لأشهر..

بعدها أصيب الابن البكر صاحب العشرين ربيعا بمرض السكري(عافانا الله وإياكم).

فنسي الزوجان خلافاتهما، واتحدا لمعالجة ابنهما ودعمه والتخفيف عنه، وعادت علاقتهما أحسن مما كانت عليه من قبل.


القصة الثانية:

كان بشير صائغا مشهورا، ثريا فاحش الثراء، وكان يعتبر "سفيان"، العامل لديه، ذراعه اليمنى ومستودع أسراره.

لكن الأخير غادر إلى مدينة وهران بلا رجعة، وقطع كل الاتصالات التي تربطه برئيسه في العمل" بشير"

بشير استغرب الأمر، وأرسل عيونه ليأتوه بالخبر اليقين، وكان أن أخبروه أنه صار صائغا حرا، بفيلا ضخمة وسيارة فاخرة.

كان الأمر بمثابة الصدمة لبشير، لذا قرر التحقق من الحسابات والأموال، فجلب محاسبه ومعاونيه، فوجدوا أن "سفيان" كان يختلس غراما فقط من كل قطعة من الأساور التي كانوا يبعونها للناس.

وحين دققوا الحسابات وجدوه قد اختلس ما قيمته (700 مليون سنتيم).

ثارت ثائرة بشير، وراح يرغي ويزبد، ويحلف بأغلظ الأيمان أنه سينتقم لنفسه بقتل سفيان بيديه إن مكنه الله منه، وأنه يرحب بالسجن لأجل ذلك.

بشير كان له زوجة وأطفال، وزوجته كانت تموت في اليوم ألف ميتة وهي ترى زوجها يتهدد ويتوعد.

كانت ترى الترمل رأي العين، واليتم والحرمان يفغر فاه لالتهام أبناءها..

بعد يومين زار "الكنترول“ محل بشير على حين غرة، بشير كان غاضبا، لذا حصلت مشادات بينه وبين الكنترول، فأشار عليه بمطرقة صغيرة كانت بيده كتهديد، وذلك أمام مرآى ومسمع من الناس.

الكنترول اعتبر هذا تجاوزا صارخا، وطلب الشرطة، التي حققت في الأمر وزج به في السجن لمدة شهرين كاملين.

في السجن عرف بشير عالما آخر كان يجهله تماما، النوم مصفوفين كأعواد الكبريت في مساحة ضيقة على الأرض في عز الشتاء والصقيع..

الاعتداءات المتكررة من المساجين ضد بعضهم البعض..

السرقات، الغنف اللفظي، الفحش في القول..

انعدام وسائل الراحة والنظافة الشخصية..

و......هلم جرا..

لم يعرف بشير لم يحدث معه كل هذا؟!

وظل قانطا، حزينا يفكر ويعيد حساباته..

بعد حياة السجن تلك، قرر بشير تفويض أمر صديقه المختلس إلى الله، وأنه لن يوسخ يديه ويرتكب جريمة، فيدخل السجن بسببه..

وحين سألته زوجته، لماذا تغير موقفك؟ وقد كنت من قبل مصمما على قتله.

أجابها قائلا: لقد أخذت الدرس في السجن، ولن أعود لذلك المكان.

السجن كان درسا من الله لي، هل ستصبر لمدة شهرين؟! فكيف بالمؤبد؟!

{ فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم والله خبير بما تعملون}


#شمس_الهمة

في غزل الشمس

 في غزل الشمس☀:


تلك شمس باهت بها **** الأرض شمس السماء

**********

أنا الشمس في جو العلـوم مـنـيرة **** ولكن عيبي أن مطلعي الـغـرب

**********

و(شمسُ همّتكم )يا صاحبي سطعت **** فليسَ يبدو هنا نجمٌ ولا قمرُ

**********

والشمس في أعلى السماء محلــّها ----- أنــّى سيهوي القرصُ للانفاق 

**********

ويظل وجه الشمس رانيـــا*** للنور حتى في عزّ المسـاء

المعري

*********

وقد سار ذكري في البلاد فمن لهم*** بإخفاء شمس ضوءها متكامل البهاء

*********

والشمس لو وقفت في الفلكِ دائمة ً لَمَلَّهَا النَّاسُ مِنْ عُجْمٍ وَمِنَ عَرَبِ 

*****"***

وكن كالشمس تطلع كل يوم***ولا تك في زيارته هلالا

*********

انظر إلى الشمس فوق النيل غاربة***واعجب لما بعدها من حمرة الشفق

غابت وأبدت شعاعا منه يخلفها***كأنما احترقت بالماء في الغرق

*********

إني، إذا خفي الرجال وجدتني***كالشمس لا تخفى بكل مكان

 (يعده بعضهم افخر بيت قالته العرب)

 ‏*********

كالشمس في كبد السماء محلها***وشعاعها في سائر الآفاق

*********

كالشمس في كبد السماء وضوؤها***يغشى البلاد مشارقا ومغاربا

********

الشمس منذ الصبح تحرق نفسها*** حتى الغروب وكل ذلك للبشر

لكنهم لا يذكرون جميلها***منها التضجر والتغزل بالقمر


معارك الجنسين من الغرب هذه المرة:

 معارك الجنسين من الغرب هذه المرة:


قرأت رواية اجنبية كلاسيكية من الادب الفكتوري(far from the madding crowd)، ورحت ابحث كالعادة عن الفيلم لمشاهدته..

في أحد مشاهد الفيلم، وجدت تعليقات الأجانب، فدخلت أقرأ..فإذا بي أجد معارك طاحنة بين الذكور والإناث..

تقول الفتيات أن بطل الفيلم رجل حقيقي خشن، وهو نموذج الرجل الذي تبحث عنه كل امرأة وتتمناه، ففيه من معالم الرجولة الكثير الذي انقرض في زماننا..

ترد فتاة أخرى هذه النماذج انقرضت من واقعنا

تعلق أخرى هذه النماذج غير موجودة في واقعنا، أصبحت موجودة فقط في عالم الخيال.

تقول أخرى آمل أن يكون هنالك بقية باقية من الرجال الحقيقيين أمثاله..

ويقول الرجال:

لكن الفيمينست لا يحبون هذا..

ترد عليه فتاة: ليست كل النساء فيمينست

يرد عليها الفيمينست ليست مجرد أقوال، انها تطبيقاتكن على أرض الواقع

ويقول آخر: كل الفتيات أحببن هذه الشخصية، لكنهن في الواقع يكرهون ويرفضون أمثاله.

ووووو المزيد من هذه التعليقات، صورت بعضها فقط..

(المهم خليتهم مدابزين فالتعليقات😂)


لا تعرف هؤلاء الفتيات، ولا هؤلاء الشباب أن الاختلاط بين الجنسين، وعقلية المرأة القوية المستغنية

هي التي جعلت الفوارق بين الجنسين تتماهى لتنتج مسوخا بشرية..

ولا تعرف الأنثى أن صناعة الرجال الحقيقيين، انما تتم في محاضن النساء، فالأنثى هي الأم وهي الأخت وهي الزوجة..


جعلني كل هذا أفرح، أفرح بشريعة الإسلام، وأتفاءل بمستقبل جميل، البشرية تعيش شقاء كبيرا وانتكاسا للفطرة والمفاهيم، والإسلام هو الحل..

ألا ليت شعري لو ان كاتبتنا الملتزمات، وكتابنا الملتزمون يكتبون روايات عالمية، تعيد معاني الرجولة، والأنوثة الحقيقيين، والاستقامة، وكذا معاني وسر الحياة والأخلاق والقيم النبيلة..


#شمس_الهمة

الصداقة والوحدة

 بينما يحتفل الناس بالأصحاب، ويحتفي الأشخاص بالتوائم،  بالمراكز بالأماكن.

أجدني وحيدة وغريبة، أحتفل كل عام بغربتي ووحدتي.

كل الأماكن تلفظني، وكل من عرفتهم ابتعدوا عني.

ليس لي صديقة حميمة أبثها همي، ولا مؤنسة تخفف عني.

أحتفل كل يوم بظلام الليل الذي يخفيني، أدمن الهروب والاختباء.

فكوابيسي لا تكون في الليل، بل تبدأ عندما أستيقظ، أما أثناء النوم فلا شيء يحول بيني وبين السعادة، أومن على الدوام بعظمة النوم في حل مشاكلي المستحيلة التي لا يمكن لغير القدر أن يساعدني على التخلص منها.

أجد راحتي وعزائي بالادمان على النوم، أعشقه، أكثر منه، ننام فتنهض أجسادنا، لتعيش حياتها المستقلة، وكما نجرها نحن أثناء الصحو، تجرنا أثناء النوم، إلى عوالم أخرى، وإلا فلماذا نصحو متعبين في بعض الأيام؟

أسير في طريق الحياة كالشارد الهيمان، أنشد الراحة ولا أجد الظل، وأفيض المحبة ولا أجد الحبيب، وألبس الناس ولا أجد الدفء، وأعالج العيش ولا أدرك الغاية، 

تماما كالآلة تنتجها الآلة، ويستهلكها العمل فهي تخدم غيرها بالتسخير، وتميت نفسها بالدؤوب

 ‏لا يربطني بالمستقبل رابط أمل ولا ولد.

في الواقع حرمت قسرا من الصداقات، فأصبحت حقا أفر منها، لا أجيد التعامل مع كل شخص يقترب مني، وإلا كان مصيره الاحتراق تماما كمن يقرب الشمس.

فلم تسميت بالشمس، ولكل امرئ من اسمه نصيب؟!

أرغب دائما في البعد، أن يحبني الجميع من بعيد، لأن لدي شعورا أن الاقتراب سيفقدني من أحب.

غرببة وغربة الأفكار قاتلة، وشعور أن كل الأماكن والعوالم تلفظك، أنك لا تنتمي لأي منها شعور مؤلم.

قيل:

أتعرف ما معنى أن تكون وحيدا؟

الأمر أشبه بأن يكون الجميع معك، واقفين بصفك، وفرحين بصحبتك 

لكنك فقط لست معك

أعني غائب عن الوعي

كأن تمل روحك الدائرية جسدك المستطيل لأنه لم يفلح يوما في احتوائها بالشكل الكافي

ومع ذلك لم أستغرب يوما نقصان عدد أصدقائي

كوني لا أنتمي لأي فكر ولا لأي تيار ولا لأي منهم

فأنا دائمة الصمت، متبرمة وغير قابلة للتشكيل

فرد لا يجيد شيئا سوى مراقبة الأشياء من بعيد

مثلي لم تخلق للصداقات، أو اللقاءات، مثلي عاشت وتعيش وحيدة وربما ستموت وحيدة أيضا

يحتفل العالم من حولي بالضحكات والبسمات وأحتفل دوما بأنهار من الدموع.

#حروف_بنكهة_الدموع،

 انهالت علي حين قرأت نصا بديعا عن الصداقة، فنكأ جراحا كانت هامدة.

 ‏وعرفني حقيقة وحدتي.

 ‏لله ما أجمل نصك يا مريم

 ‏لله ما أجمل شعور الحب ومشاعر الصداقة

 ‏لله ما أبشع أن يعيش المرء وحيدا، ويموت وحيدا

حجر صغير

 

حجر صغير:

كان الوقت عقب صلاة الفجر، سارعت منال ووالدها الخطى حتى لا يتأخرا عن الحافلة المتجهة إلى وهران، نسمات الفجر المنعشة داعبت وجنتيها الدافئتين، وجعلتها تسرح في تأمل المنازل عبر الطريق، كان الظلام حالكا إلا من بعض أعمدة إنارة خافتة تمتد متباعدة عبر الطريق، أما المنازل فكانت مظلمة على ساكنيها، ككل مرة تسافر فيها منال وقت الفجر، كانت تقوم بعد المنازل الممتدة عبر الطريق، خمسون، ستون، سبعون منزلا، لا يوجد بها إضاءة مما يدلل أن أصحابها نيام، ومما يثبت توقعاتها صوت الشخير المدوي لأناس يغطون في نوم عميق.
شعرت بخيبة أمل كبيرة، وتنهدت بأسى:
- إلى متى يا الله! قالت والحسرة تملأ قلبها الصغير.
ثم لاحظت إضاءة خافتة من أحد المنازل، سارعت الخطى للاقتراب أكثر لإلقاء السلام على جدران ذلك المنزل، ثم خيبة أمل مجددا، إنها إضاءة مرآب، شخص ما يخرج سيارته، إنها قطعا لأب كادح يلهث خلف لقمة العيش بينما ينام أولاده وبناته عن صلاة الفجر.
صعدت عينيها نحو السماء، داعية الله أن يوقظ الأمة من سباتها، بعدها تغير شعورها من الإحساس بالخيبة والشفقة على الناس، ودب شعور خفي بالاستعلاء في قلبها الصغير، تعثرت بحجر صغير أدمى رجلها.
- انتبهي أكثر، يقول والدها محذرا
الظلام حالك، والطريق غير معبدة، تحسسي مكان خطواتك.
انتبهت فورا بعد الوجع الذي سببه الحجر الصغير برجلها، إنها إشارة لي من الله، كانت مرهفة جدا وتؤول كل مصيبة تحدث معها على أنها تنبيه من الله، جعلها ذاك تعيد التفكير مليا وتتأمل حياتها، وشعور التميز الذي أحست به قبل برهة، فعوقبت لأجله بحجر صغير، وتنهدت بأسى" علمني يا الله" فلم أفهم رسالتك إلي.

منال فتاة في السادسة عشر من العمر، متوسطة الطول، ممشوقة القوام، بعيون عسلية ذابلة، كانت تمتاز برهافة الحس، تبكي على أتفه الأسباب، كان منظر صرصور كفيلا بارعابها والتسبب باغماءة فورية لها..
عكسها تماما كانت أختها الكبرى زينب فتاة قوية، واثقة، ومتفوقة دراسيا أيضا، مما أهلها للدراسة بكلية الطب بوهران.
وصلا إلى محطة الحافلات، استقلا أول حافلة متوجهة إلى كلية الطب بوهران، لقد كانت الزيارة بطلب من زينب، لأن الكلية تقيم فعاليات دينية بمناسبة المولد النبوي الشريف، تتخللها محاضرات عديد المشايخ، ولعل ضيف الشرف كان الشيخ "بريكسي" أشهر مشايخ بالغرب الجزائري، ولم يكن والد منال وزينب ليفوت هذا الحدث، وارتأى أن يصطحب معه منال، ناهيك أنها كانت أول زيارة لها إلى الجامعة.وكان إلى ذلك يهدف للقاء المشايخ واستشارتهم في المشكلة العويصة التي يعانيها مع ابنه.
*********
كانت زينب مشغولة بالدراسة، و استغلت ساعة فراغ ، استقبلت فيها منال بالأحضان، عرفتها بالجامعة، ثم الإقامة، أخذتها إلى الغرفة لترتاح، ثم انطلقتا مجددا كل منهما نحو وجهة معينة، زينب نحو قاعة الدروس، لكنها قبل ذلك أوصلت شقيقتها منال لقاعة المحاضرات.

في جناح الفتيات، ابتدأت الفعاليات، وتناوب المشايخ على قاعة المحاضرات، بينما وصلت منال متأخرة إلى القاعة.
دلفت منال من الباب الخلفي بهدوء، فوجدت ثلاث مشايخ يتصدرون القاعة، والمدرجات تكاد تكون خاوية من البنات، اللواتي توزعن بشكل غير منتظم، وغير متراص، فالكراسي الفارغة بين كل مجموعة مكونة من بنتين أو ثلاثة كانت تشي بعدم الانسجام واللحمة التي يريدها الله بين عباده.
وفور جلوس منال، تكلم الشيخ عن وجوب رص الصف، وأعاد النظام للمدرجات، لدرجة أربكت منال، وأحست وكأن الشيخ يمتلك "الحاسة السابعة"، حاسة تخول له سماع ما تتحدث به النفوس في سرها.
مرت ساعات الصباح الأربع بين محاضرات التزكية والدعوة إلى الله، والوعظ والإرشاد.
ثم توقفت الفعاليات وقت الغداء، لتستأنف بعد صلاة الظهر من جديد.
***********
ابتدأت الفعاليات، محاضرات، دروس، لدكاترة ومشايخ وأستاذات يحضرون بالتناوب.
كان كل شيء عاديا، خاملا، والمدرج هادئا هدوء الأموات، وكأن الطالبات اتفقن اتفاقا غير معلن على أخذ قيلولة مريحة، حتى قدم داعية شاب في الأربعين من عمره، متوسط الطول، يرتدي السواد، وله بطن بارزة قليلا من وراء قميصه، يرتدي حذاء مدببا من الأمام، اعتنى بتلميعه جيدا.

جلس، وحيا الطالبات، ثم عرف نفسه على أنه طبيب، ويعمل في حقل الدعوة إلى الله،
كان مظهره يوحي بحدة العقل العلمي وحوافه القاطعة، لكن ما إن يبتدئ الكلام، حتى تحس برفيف فراشة يدف في المكان.وألق ملون يشع قريبا منك.
كان أسلوبه الدعوي متميزا، فقد كان يستعمل القصص كثيرا، وطريقته الهادئة في الكلام كانت تشد السامع إليه.
كان الشيخ يحكي القصص، ويطرح الأسئلة لإشراك الأخوات، وكثيرا ما طرح أسئلة تتعلق بصحابي أو صحابية، طالبا نبذة عنه، لكن أزيد من خمسمائة طالبة كن يجهلن تاريخ الأمة، وأعيان الصحابة بشكل مخجل ولافت شكل صدمة لدى منال، التي كانت ترفع يدها كل مرة للإجابة، لكن الشيخ كان يؤخرها لحين تأكده أن فتاة أخرى لن تجيب.
منال كان لديها رصيد تاريخي وشرعي ممتاز، وقد أبهرت جمهور الأخوات بإجاباتها الدقيقة المفصلة.

نحى الشيخ ورقة كانت أمامه جانبا...ازدرد كأسا من الماء..اقترب من الميكروفون..وشرع يتحدث بصوت هادئ:
«يقول أحد من السلف:
سهرت ليلة مع أبي وحولنا نِيام
فقلت: لم يقم من هؤلاء من يصلي ركعتين !
فقال :
يا بني لو نمتَ لكان خيرًا لك من وقوعك في الخلق.»

ويقول «ابن القيم»: إذا فتح الله عليك فى قيام الليل فلا تزدرى النائمين، وإذا فتح الله عليك فى باب الصيام فلا تزدرى المفطرين، وإذا فتح الله عليك فى باب الجهاد فلا تزدرى القاعدين، فرُب قائم ومفطر وقاعد أقرب إلى الله منك، وأن تبيت نائماً وتصبح نادماً، خير لك من أن تبيت قائماً وتصبح معجباً، فإن المعجب لا يصعد له عمل.

فركت منال عينيها الناعستين، عدلت جلستها، وحملقت في الشيخ بانتباه..والدهشة تعلو محياها، وعرفت على الفور رسالة الله لها من وراء ذلك الحجر الصغير الذي أدمى رجلها..

انتقل الشيخ بالحديث إلى الواقع الدعوي، وحكى قصصا من الواقع عايش تفاصيلها.
تسمرت الأجساد، خشع الأثير، تجمدت ذرات الفضاء، وطفق الترقب ينسج خيوطه على رؤوس الحاضرات..
تنهد المحاضر، ازدرد شربة ماء من قارورة أمامه، ثم توجه ببصره نحو جمهور الأخوات، وأخذ يسرد تفاصيل حكاية حقيقة حدثت معه فقال:
‏كان لي زميل يدعى عبد القادر، كنت أحقر صلاتي مع صلاته، وصومي مقارنة بصيامه،كان شابا وسيما، ذكيا، متفوقا، ومجتهدا في العبادة من صلاة وقيام وتلاوة قرآن.
‏كان ملتزما جدا، ومتشددا على نفسه والناس، وكثيرا ما لامني على استسهالي لبعض الأمور الشرعية.
مرت أيام الجامعة بحلوها ومرها، تخرجنا ومضى كل منا في دروب الحياة، بعضهم أكمل التخصص، بعضهم آثر العمل، كثيرون تزوجوا، وأصبح لدى كثير منهم أطفال.
إلا عبد القادر مكث سبع سنوات بطالا، يبحث عن الوظيفة، ولا يجدها، كلما طرق بابا أغلق في وجهه، لم يكن يجد حتى ثمن مشاوير التاكسي، أو ثمن فنجان قهوة يخوله الاستراحة باحدى المقاهي بعد عناء البحث عن وظيفة.
مر بأيام عصيبة جعلته يعتقد أن لا رابط يربطه بالمستقبل، لا رابط أمل ولا ولد.
كنت وإياه وبعض الأصدقاء على تواصل دائم، ثم بدأ يسحب نفسه عن مجموعتنا تدريجيا، وأصبح وحيدا كئيبا منعزلا عن الناس.

ثم وفي أحد الأيام نزل علينا خبر كالصاعقة، لم نتوقعه أبدا، ولم نحسب له حسابا من قبل، عبد القادر ألحد، كفر بوجود الله.

اجتمعت والشلة، وتباحثنا الأمر، وتكهنا الأسباب، وقررنا مساعدته وانتشاله مما هو فيه، لكنه كان يرفض صحبتنا، ويصرخ في وجوهنا، وانفجر بغضب كما تنفجر القنبلة، وألقى علينا بكلام كفري، لا أدري يومها هل ألقى كلاما فيه معنى، أو دلوا فيه ماء؟

كان يرفض كل اتصالاتنا ومحاولاتنا، ويقول لكل من تسول له نفسه محادثته (لا أريد الحديث عن الله، إذا كنت تريد لقائي لهذا السبب انس الأمر)

لذلك هجره الأصدقاء واستمروا بعيش حياتهم بعيدا عنه، لقد أدوا واجب النصيحة لكنه أبى الاستماع.

لكني لم أتركه، طلبت مقابلته ذات يوم في مقهى شعبي، وحين قدم ذهلت لحاله.
‏لقد سقط بجانبي على الكرسي كما يسقط كيس من العظام على الأرض، ثم أدرك حيرتي فقال:
- ‏لعلك ظننتني خارجا من المستشفى، أو مبعوثا من القبر، ‏إنما هو جسم يذوب في نار من الهم لا تخبو، وروح تزهق في حشرجة من الكرب لا تنقطع..

وحكى لي يومها معاناته في البحث عن وظيفة، كيف أن اصدقاءه توظفوا وتزوجوا، حكى عن وفاة والدته التي لم يجدوا المال الكافي لعلاجها، والتي خلفت وفاتها ندوبا في الروح لن تشفى..وألما وإحساسا بالعجز...كره معه الحياة كلها..

استمرت مجالسنا، وكنت فيها المستمع فقط، لم أكن ارغب بالكلام، ولا النصيحة، أردت مواساته، وفهم معاناته كي أتمكن بعدها من مساعدته..

وفعلا، تم الأمر بنجاح، وعاد صديقي أخيرا إلى رحاب الإيمان، وحسن إسلامه، وأناب لخالقه بتوبة صادقة فقبله الله، وحاشاه حاشاه أن يرد عبدا عاد إليه..

ثم توجه الداعية الشاب بسؤاله إلى البنات...
- قد تسألونني ما السر  الذي جعله يعود؟! ماهي الوصفة التي اتبعتها؟!
من يمكنها التكهن؟

صاحت الفتيات:” السر في فنجان القهوة، فنجان القهوة“
استغرب الداعية إجاباتهن، واستغربت منال أيضا في سرها، وطلب الشيخ إيضاحا، فقلن له أنه وضع شيئا بالقهوة!!
- سحر مثلا!!
أجاب الشيخ باستغراب..وتفطن أن الفتيات لم يفهمن القصة ربما...
سخرت منال من سذاجة البنات في سرها، ثم رفعت يدها تستأذن لسؤال الشيخ..فأذن لها الشيخ بالكلام.
سألته منال قائلة:
- هل يمكن أن تدلنا على المدخل الذي دخلت منه لشخص صديقك، فأثرت به وأعدته باذن الله إلى الطريق؟!
أجابها الشيخ:
- لا يمكنني ذلك، فالطبيب معروف، وهذا التفصيل الصغير لو ذكرته، سيعرفه الناس منه...
أضافت منال سؤالا آخر:
- طيب شيخنا، فهمنا أنك اتبعت أسلوب اللين والشفقة معه رغبة في الإصلاح، ‏لكن شيخنا جلوسك اليومي معه في المقهى، يترتب عليه أن يدفع ثمن قهوتك أحيانا، فهل كنت تشربها؟!
‏فنحن إذ نسمع مواعظ الشيوخ، علمنا ان الملحد لا يجوز تزويجه، ولا إلقاء السلام عليه، لا نبيعه ولا نشتري منه، ولا نأكل من كسب يديه..
هب أن الملحد أخوك، أو أبوك، كيف تتعامل معه؟
وهل تأكل من كسب يديه؟
لذلك غالبا لا يستعمل الناس أسلوب الإصلاح، ويرون أن الهجر هو الحل الأمثل..
قالت ذلك السؤال وعقلها كان مشغولا بأخيها الذي ألحد مؤخرا، وكيف كانوا يتعاملون معه طيلة ثلاث سنوات بأسلوب الهجر فزاده ذلك قسوة وابتعادا وكرها للإسلام وأهله..

أنصت الشيخ باهتمام لسؤال منال، وأثنى عليها واعتبره سؤالا ذكيا بالغ الأهمية..
وراح يشرح لمنال والحاضرات أن أسلوب الهجر لا يستعمل كبداية، وأنه يلزم اتباع أسلوب الإصلاح في البداية، والصبر على الناس، وفهمهم..
ثم أضاف قائلا:
“- أرى أن السبب وراء الإلحاد في العالم الإسلامي، هي مشاكل نفسية، تؤدي الى زعزعة ثقة هذا الذي ألحد بالله، ثم بعد أن يلحد، يلجأ إلى تدعيم الضلال الذي يعيش فيه بالعلم والأدلة العلمية..
- أرى وبكل وضوح أن الإلحاد أزمة نفسية يمر بها الملحد، ومعالجة هذه المشكلة لا يتأتى إلا بعلاج أزمته النفسية، فإذا أردت الحديث مع ملحد لا تندفع لمحاولة إقناعه بوجود الله سبحانه وتعالى بالحجة والأدلة، والأفضل أن تسأله عن حاله ونفسيته ومشاكله، وتفتح له قلبك حتى تضع يدك على "الأزمة النفسية التي أدت الى ذلك"، ثم تعالجها ، وقتها سيبكي ويعود الى ربه...
- الإيمان بوجود الله فطرة إنسانية طبيعية، لا يفقدها إلا من تعرض إلى ظروف غير طبيعية.

بعد المحاضرة، عاد والد منال إلى مدينته محزونا، قلقا، وطعم الخيبة عالق بحلقه، ذلك أنه لم يتسن له لقاء الشيخ« بريكسي» والحديث معه لأنه غادر مبكرا لظرف ما..
في الحافلة لم تكف منال عن الثرثرة بحماس، وكانت مثل آلة تسجيل تعيد سرد تفاصيل اليوم بدقة لا متناهية...عن قصة الحجر الصغير..وعن قصة الطبيب..
وحين أنهت كلامها، وجدت الدموع تترقرق من عيون والدها..
لقد حصل على مبتغاه من الرحلة هو الآخر...

#شمس_الهمة



العيد

 تلك اللحظات الحرجة قبيل يوم العيد، ذلك التعب، والضغط، تلك الأمور التي أنجزت نصفها والنصف الآخر ينتظر منك اتمامه حالا، ذلك التوتر، وتلك الأع...