الجمعة، 7 أغسطس 2020

المعريفة زمن كورونا

 


المعريفة زمن كورونا:


ابن جارنا شاب في أواسط العشرينيات، أصيب بفيروس كورونا، وعليه دخل إلى المشفى لتلقي العلاج اللازم، الشاب مكث عدة أيام بالمشفى، كان يشاهد فيها الأطباء ينقلون جثمانين في اليوم، لدرجة أصابته بالرعب، فاتصل  بأخيه المقيم بالعاصمة، والذي يشغل وظيفة مرموقة، تخول له (المعريفة)، وبإشارة منه تم إخراج أخيه من المستشفى، وإرجاعه لحضن عائلته التي لم يسلم منها أحد من فيروس كورونا -بسببه-

العائلة كلها مريضة بالكورونا، ولم يجدوا حتى من يبتاع لهم الخبز.(ربي يشفيهم).


بعد أنباء فراره من المشفى، زارتهم لجنة تحقيق، ورفضت الأم وبناتها فتح الباب لهم، قائلين أن ابنهم غير موجود.

الشاب مكث قرابة الشهر يعاني من حمى شديدة وآلام مبرحة، وهو في طريقه إلى التعافي -بفضل الله وحده-

قبل يومين صار يخرج بسيارته ويشتري المستلزمات، وصار أصدقاؤه يعودونه على أساس أنه مريض(انفلونزا فقط). فهو لم يخبرهم بحقيقة مرضه.

بالأمس سيارة شرطة تخطب في الناس أن الزموا بيوتكم بمكبرات الصوت، وحين وصولها أمام بيت (الشاب المريض)، والذي يعرفونه جيدا- ركنوا سيارتهم فقلت في نفسي سيأخذونه أو يقومون بفرض غرامة مالية، أو على الأقل سيفرقون الجمع.

لكن حماة الوطن جلسوا لشرب الشاي، والمشاركة في مأدبة الكسكسي بالرايب التي كانت أمام المريض وأصدقائه.

قال الشرطي (راكم مزهيين الحالة، طعام بالرايب وقااع)!!

طبعا مخي مركى404😵

وأنا أتلصص عليهم من نافذة البلكونة، زارني خاطر شرير، أن أقوم بتصويرهم وهم فرحون بتناول الكسكسي بالرايب.

دروك هادوا غاشي🙈


عقل للبيع

 عقل للبيع!!


بوكتيوبر عربية كنت أتابعها، فمراجعاتها للكتب متفردة، ولديها حس نقدي لافت، فهي فتاة ذكية جداا، محجبة وطالبة متفوقة بكلية طب الأسنان.

قناتها للكتب وعن الكتب فقط، ومراجعاتها في القمة.

لفتني أنها حين تقرأ كتبا دينية، لا تسلم بكل المكتوب فيها، فهي تنتقد وتناقش بعض الجزئيات بمهارة فائقة، وهذا أمر غير مذموم فكل يؤخذ من كلامه ويرد.

تابعت لها مراجعات انتقدت فيها الشيخ علي الطنطاوي في جزئية محددة.

فيديو آخر انتقدت فيه الشيخ ابراهيم السكران في جزئية معينة.

فيديوهات أخرى كثيرة مماثلة.

حقيقة راقني حسها النقدي، وآراؤها المستقلة المتوازنة بعيدا عن التسليم المطلق.


لكن!!


تابعت لها مراجعات أخرى حول الكتب والروايات الغربية، فوجدت أن ذلك العقل النقدي اختفى تماما، وظهر بدلا منه كائن مستسلم لكل ما يقول به الغربي، ليس هذا فحسب انما كائن منبهر، تابع، وكأنها منومة مغناطيسيا، كائن سلم عقله تماما.

ولست هنا أفتري أو أتجنى عليها، ولي على ذلك شواهد كثيرة.

فقد تابعت مراجعتها لرواية (طعام، صلاة، حب) فوجدت انبهارا بالرواية، وانتظرت ملاحظات ذكية حولها كما عودتنا في مراجعاتها للكتب الدينية، فلم أفز بشيء، والرواية لمن قرأها يعرف تماما أنها تجسد الشقاء والضياع الذي يعاني منه الإنسان في الحضارة المادية، الرواية تبحث فيها صاحبتها التي لم يكن ينقصها شيء، وكانت تعاني اكتئابا مزمنا، وفراغا رهيبا لا تجد شيئا يملأه.

لدرجة جعلتها تسافر حول العالم بحثا عما ينقصها من روحانية، وسكينة.

وبالنهاية تخرج علينا بأن الحياة ملذات ومتع كالبهائم، طعام، جنس، وتمارين اليوغا الوثنية التي تسميها صلاة.

ليس هذا الكتاب الوحيد الذي حكمت على الفتاة بسببه، فالكثير الكثير من مراجعاتها للكتب الغربية لا تخرج عن نمط الانبهار بدون حد أدنى من الحس النقدي المطلوب.

فمراجعتها لرواية غاتسبي العظيم كانت مجرد الانبهار فقط، والرواية وإن أحدثت ضجة عالمية، وتم التهليل لها على أنها من الروائع، غير أنك حين تقرأها لا تجدها تحمل قيمة أخلاقية، أو فكرة فلسفية، فهي مجرد وصف لحقبة تاريخية معينة في حياة الأمريكيين والتي تجسد انحطاط المنظومة الأخلاقية عندهم.


حينها تذكرت اقتباسا يشخص الأمر بدقة، يقول فيه صاحبه:


”أشفق على من يقول: لن أسلم عقلي لرجال الدين، وهو منبهر بشقاشق الفلاسفة التي لا يفهم منها شيئاً! هل قال لك أحد: سلم عقلك؟! لكنك غافل في الحالين!“


ختاما:

عدو نفسه من ينكب على الأدب الغربي فلا يميز فيه بين النافع والضار.

والأحرى بوصف القطيع من استسلم للتيار التغريبي الجارف الذي تسانده وسائل الإعلام بكل قوة .. ‏أما من ثبت فهو أولى بوصف الاستقلال.

      

#شمس_الهمة

فيلم في سبع سنين:(وجهة نظر شخصية)

 فيلم في سبع سنين:(وجهة نظر شخصية)


العام الماضي خرجت علينا قناة الجزيرة بفيلم تصويري بعنوان (في سبع سنين)، وتلا ذلك العرض مباشرة ردود فعل غاضبة من دعاة ومشايخ كثر، وانتشر خبر الفيلم انتشار النار في الهشيم.

لم يتح لي برنامجي المضغوط وقتها مشاهدة الفيلم، رغم أن فضولا كبيرا انتابني بشأنه بسبب ردود الفعل الكثيرة التي كانت تصادفني طيلة أشهر عقب الفيلم.

بالأمس تابعت الفيلم من دون خلفية مسبقة، فقد نسيت تماما ردود الفعل حوله.

كردة فعل أولية أصدقكم القول أني انبهرت كثيرا بالفيلم، بالسيناريو، بالإخراج، بالإضاءة والأهم بالفكرة التي يحملها الفيلم والرسالة التي يود إيصالها.

انفعلت كثيرا، بكيت وحزنت كثيرا، وغضبت أيضا.

تعاطفت مع الضحايا-كما أسميهم أنا- وانفطر قلبي شفقة عليهم، وعلى حالهم.

أحاسيس كثيرة انتابتني، خوف، قلق، صدمة....

الخوف على مستقبل أبناءنا والأجيال التي ستأتي، الخوف من سلوكاتنا التي قد تفتن المسلمين من حولنا...ووو مشاعر كثيرة متضاربة.

عدت لردود الأفعال، كي أقيم تجربتي وانطباعي، وآخذ زوايا مختلفة للموضوع.

فوجدت ردات فعل عنيفة، وغاضبة، واتهامات وتخوين(الجزيرة تروج للإلحاد، المنتج ماسوني، والمخرج عميل، ومقدم البرنامج بيدق، ووو) 

 

*********

طبعا الفيلم باختصار يرصد ظاهرة الإلحاد لدى الشباب، بعد فشل الثورة المصرية والربيع العربي كما يسمونه، وعرض الفيلم نماذج لشباب ألحدوا ، وآخرين جنحوا للعمل المسلح، بسبب صدمتهم بمشايخ، ودعاة، وكذا صدمتهم بمجزرة رابعة وتبرير الكثيرين للظلم.

 والصدمة والتساؤل الأكبر كان(لماذا يقف الناس مع الظلم؟

ولماذا لم ينصرنا الله ونحن على حق؟!).


تابعت الكثير من الردود، راقني منها القليل، كرد الأستاذ فاضل سليمان الموفق جدا.


لكن ردود الفعل للأسف في غالبها لم تكن موفقة، فنحن اعتدنا الردود العاطفية، الآنية، الغاضبة، والغير مدروسة، والغير منصفة للأسف.


”أصبح الرد مهمة مقدسة، لا أحد يلوم أو يتهم من يقوم بهذه المهمة، لا يلوم أحد أولئك الذين يدافعون، حتى لو كانوا قد فهموا ما قيل بالمقلوب، فهناك دوما نية ناصعة البياض في قلوبهم، ستبرر لهم كل ما يفعلونه، اللوم والعتاب فقط على من يقدم فكرة مختلفة، يكشف المستور، أو يقدم تساؤلا.“


أول نقطة لم ترقني هي الاتهام والتخوين الذي بات حاضرا في كل خطاباتنا، لا أحد يحسن الظن، لا أحد يلتمس الأعذار، ولا أحد يعزو ضعف المادة المعروضة لجهل الصحفيين، أو تقصيرهم، أو نقص الخبرة أو الكفاءة، أو انعدام الثقافة الشرعية اللازمة.

الكل اعتبر الفيلم والقائمين عليه أعداء الدين، المروجين للإلحاد، الذين حتما هنالك جهة دفعت لهم الكثير من الأموال في مظروف.


النقطة الثانية:

العجلة في الرد، والغضب، وانعدام الأناة تجعلنا لا نبارح نمط ردات الفعل العاطفية المندفعة.


النقطة الثالثة:

الغالبية - وأنا أؤيدهم في هذه النقطة- ركزت على مشاهد معينة كانت تدعو للإلحاد كمشهد الفتاة التي نزعت الحجاب وترددت بشأن الخروج حاسرة الرأس إلى الشارع، والموسيقى التصويرية الرومنسية المصاحبة للقطة نزع الحجاب، فتم تصوير المشهد وكأنها خارجة من الظلمات إلى النور، لأن المشهد يصور المكان مظلما والخارج مضيئا.

وهذا قد يكون متعمدا، وقد لا يكون كذلك، فالمكان الذي تم تصوير المشهد به كان عمارة، ومعروف أن الداخل مظلم، والخارج مضيء (بداهة يعني).

لكن الجميع تجاهل مشاهد ردات فعل مقدم البرنامج، حين يصرح له هؤلاء بإلحادهم، والموسيقى التصويرية التي تمثل قمة الصدمة والانهيار والإحباط، بالإضافة لمشهد المقدم وهو يخبط رأسه بالجدار كتعبير عن الحسرة والصدمة على هؤلاء الشباب.

طبعا جميل هو النقد البناء، وتقديم ملاحظات وتوجيهات وانتقادات بناءة تسهم في تلافي الأخطاء مستقبلا، لكن من غير المقبول الحكم على العمل كلية واعتباره معاديا للإسلام، والتركيز على السلبيات، وعدم الإنصاف.


النقطة الرابعة:

لا أدري حقا هل يجهل أولئك الرافضون للفيلم جملة وتفصيلا، بأنهم ساهموا بانتشاره كانتشار النار في الهشيم، والترويج له على أوسع نطاق؟!

فإذا كانوا يعتبرونه خطرا حقيقيا بسبب ترويجه للإلحاد، فلماذا يسهمون بنشره بهذه الطريقة؟


النقطة الخامسة:

المغالاة في الردود، وركوب موجات الترندات.

لا أحد اكتفى برد أخيه في الموضوع -وكأن الرد فرض عين يأثم الفرد الواحد بتركه- كان يلزم أن يرد الجميع، ، كي يثبتوا للناس *غيرتهم* على الدين!!

حتى أن أحد الدكاترة المحسوبين على الوسط الإسلامي قام برد مستفيض بخمسة أجزاء، مدة كل فيديو ساعتين ونصف!! (يا شيخ)!!

هل من المعقول أن يترك الناس مشاهدة الفيلم الأصلي الذي لا يزيد عن خمسين دقيقة، ليشاهدوا فيديوهاتك الخمسة حول الفيلم؟!

احسبها بالعقل والمنطق، (مستحيل شيخي)، حتى لو بلغ علمك عنان السماء.


النقطة السادسة:

أنكر البعض أن ما يحاول الفيديو ايصاله، هو ظاهرة، مستمرين بسياسة النعام، ودفن الرؤوس بالرمال(نحن بخير، وشبابنا بخير، لا داعي لهذا التهويل، ووو).

النقطة السابعة:

لا أحد استفاد من الفيلم، واستثمر فيه إلا القليل.

الشخص الوحيد الذي استفدت منه شخصيا، هو الأستاذ فاضل سليمان، الذي لم يجنح للرد المنفعل والغاضب، والإكتفاء بالشكوى والانتقاد، بل قام بتوجيه رسائل تربوية، اجتماعية، رائعة لمختلف الشرائح، ابتداء من الدعاة والعلماء، إلى الآباء والمربين، انتهاء برسائل إلى صناع الأفلام، فكانت مداخلاته بحق دروسا رائعة، ومثالا يحتذى.


ختاما:

الفيلم دق ناقوس الخطر فحسب، وتناول باحترافية كبيرة المشاكل النفسية والاجتماعية التي تؤرق الشباب، ولفت الأنظار لمواقف المشايخ والدعاة والمربين، لينتبهوا أكثر لمواقفهم، ونتائجها وتأثيراتها على الشباب.

وسواء اختلفنا مع المادة المعروضة كلها، أو بعضها فما من داع للتهويل والتضخيم.

وكأننا مصابون بوسواس قهري، شعورنا الدائم بأننا مهددون، يجعلنا ننتفض ونغضب ونشرع في رمي السهام.

سنظل متيقظين نقاوم النوم، وأقلامنا وألسنتنا مشهرة دائما، لا تُغمد... تحسبا لأي هجوم من أي مكان.. 

أتساءل متى يأتي ذلك اليوم الذي ننتقل فيه من خانة ردات الفعل، إلى خانة العمل والإنجاز بمخططات وأفكار متزنة ومدروسة وعقلانية.

متى سيأتي ذلك اليوم الذي نكون فيه صانعي أفلام مؤثرين، بدل مهرجانات الردود وعبارات التنديد والشجب؟


#شمس_الهمة

التحرش الإلكتروني هل يبرر أيضا؟! (متلازمة لوم الضحية، Blaming the victim):

 

التحرش الإلكتروني هل يبرر أيضا؟!
(متلازمة لوم الضحية، Blaming the victim):

التحرش هذا الموضوع الذي يتربع على رأس هرم الترندات هذه الأيام، حرب طاحنة، ومعارك شرسة وساخنة.
لم أكن شخصيا أعتقد أن هذا الأمر يختلف حوله اثنان، أو يتناطح عليه عنزان.
لطالما اعتقدت أن التحرش خسة ونذالة، وسلوك دنيء، ولا يوجد ما يبرره.
ولطالما اعتقدت أيضا أن التبرج تحرش، لا ينبغي إنكاره.

تابعت عديد المنشورات، وقرأت آلاف التعليقات، وكلما قرأت لفريق اعتقدت أن الحق معهم، فإذا قرأت لخصومهم اعتقدت أن الحق معهم وحدهم.
وصرت أتأرجح بين الفريقين مثل كرة تنس يتقاذفها لاعبان.
ثم ابتعدت عن ذلك كله، لأريح دماغي لبعض الوقت من حمى الماجريات والترندات.
وإذ منحت عقلي ودماغي بعض الفسحة والراحة بالابتعاد، زارتني خواطر تصب في ذات الموضوع، فحرمتني الراحة والهدوء مجددا، وأثارت لدي ألف سؤال وسؤال.

التحرش الإلكتروني:

إذا كان أنصار تبرير التحرش بلباس المرأة وتبرجها، واعتباره من أهم الأسباب، وهذا يبدو إلى الآن أمرا منطقيا بالنسبة لي شخصيا.
فلماذا إذن يوجد هنالك ما يسمى بالتحرش الإلكتروني؟ علما أن المُتَحرَشَ بهن كاتبات لا يضعن صورهن ولسن متبرجات- وهن لا يخضعن بالقول-؟
ولماذا كلما أرادت إحداهن التبليغ أوالتنبيه إلى الموضوع اتهمت في أخلاقها وحياءها، وقيل دوما أنها طريقة مكشوفة لتسول الإهتمام، وتسول المعجبين؟!
لماذا نلوم ونحاكم الضحية دوما؟!

ذكرت أكثر من كاتبة أنها تتعرض للتحرش الإلكتروني والمضايقات العلنية في التعليقات، أو غير المعلنة في الخاص من قبل فئات متنوعة من المجتمع، فلا يشمل التحرش والتطفل بالرسائل والغزل، فئة الذكور من العوام فقط، لأن الجهل وانعدام الثقافة والتربية غالب على هذه الفئة.
إنما يشمل التحرش فئات مثقفة من النخب من صحفيين وكتاب وأدباء، إلى دكاترة الجامعة...وطلاب العلم الشرعي وووو.........القائمة تطول.
يترك أحدهم زوجته المدفونة في المطبخ بين غسيل وطبيخ، ويأتي لكاتبة المقالات والمدونة، فيتغزل بها في الرسائل، ويثني على كتاباتها وأدبها، وحروفها، بل قد يصل الأمر بأحدهم فيدبج قصيدة شعرية من ألف بيت لأجلها.
فهل تبرجت الحروف هنا؟
وهل تبرج المقال، ووجب عليه الحجاب الشرعي؟!

في مجموعة لطلبة الشريعة، نشرت فتاة أنها تعاني وصويحباتها من التحرش الإلكتروني، والغزل والتطفل بالرسائل، عقب كل ظهور بريء لأنثى تنشر مقالا أو استفسارا أو تكتب تعليقا.
توجهت لقراءة التعليقات، فصدمت بهجومات وسخرية، واتهامات.
(كاين البلوك، تحبوا تزيدو عليها، تبحثون عن جلب الانتباه، من المؤكد أنكن تخضعن بالقول، طريقة مكشوفة لتسول الإعجاب وووو).

لا يوجد مروءة إطلاقا، ولا يوجد رجولة وغيرة على أعراض المسلمات، والأنكى أن ذلك المتحرش يقرأ التعليقات، ويشاهد ردود الفعل والتبريرات ، فيزداد وقاحة وجرأة.

فتاة أخرى تنشط في مجموعة مدينتها، وهي مدينة من 40000 نسمة، لكن الناس فيها يعرفون بعضهم، لأن بينهم رحما، ونسبا.
قالت أن أي فتاة تنشر في المجموعة تتعرض للتحرش الإلكتروني، والأنكى أن المتحرش لا يعرف إن كانت صاحبة الحساب أخته أو زوجته أو ابنته(أقسم بالله)، فغالب فتيات المدينة ينشطن بحسابات وهمية لا يعلمها أفراد الأسرة من الرجال، ولا يعلم المتحرش أن التي يخاطبها قد تكون طفلة صغيرة، أو امرأة ناضجة في عمر جدته، بل تحكي قصص من الواقع عمن كان طيلة خمس سنوات يغازل حسابا فيسبوكيا اعتقد أنه لفتاة، وتفاجأ في النهاية، أنه حساب لصديقه المقرب كان يتلاعب به كل تلك المدة!!

ما يثير حنقي ليس وجود هذه الفئات في المجتمع فحسب، فكل المجتمعات فيها النبيل والخسيس، والصالح والطالح ووو.

ما يثير حنقي دوما هو متلازمة لوم الضحية، ومحاولة إخراسها كلما تكلمت أو تبرمت، أو اشتكت وانتقدت.
وليت الأمر يتوقف عند محاولة إخراسها فحسب، بل يتعداه لربط شنيع، وقناعة راسخة، وتهمة جاهزة، أن كل امرأة تتعرض للتحرش فالخلل لا محالة بها، فهي إما فاجرة، أو لعوب، أو تخضع بالقول!!

الرجل دائما قديس، طاهر وبريء ، لا أحد يلوم أشباه الرجال، لا أحد ينتقد الرجال، لا أحد يقدم لهم الدروس، أو يعرفهم بالواجبات، لا أحد يقوم بنشر سلسلة من الفيديوهات تتناول أخطاءهم، فالواجبات للمرأة، والوعظ للمرأة، والاتهام واللوم من نصيب المرأة، فما أتعسك وأشقاك في بلادي أيتها المرأة!!

ذلك أننا تتعودنا على هذه الديباجة، وهذا يفسر انزعاج الرجال وتململهم في حالة نقد النساء لهم.

متلازمة لوم الضحية(Blaming the victim):

هكذا يبرر المصاب بـ الظاهرة المسماة في علم النفس بظاهرة تقليل الاستياء (discomfort reduction) فعله المشين!
وهي ظاهرة نفسية تدفع بالأشخاص إلى إلقاء اللوم على الضحية (المجني عليه) في محاولة يائسة لإسكات صوت الضمير والهروب من الشعور بالذنب.

تعبير "لوم الضحية" سنه الطبيب النفسي ويليام رايان، في كتاب ألفه بالعنوان نفسه سنة 1971، ناقش فيه السلوك العنصري والذكوري والسلطوي والطبقي لدى بعض الأشخاص الذين يلومون ضحايا العنصرية من السود، أو النساء اللاتي يتعرضن للتحرش والاغتصاب، أو الفئات الضعيفة كالفقراء والمستعبدين أو حتى الأطفال. وأوضح في كتابه أن المجتمعات التي تلجأ إلى لوم الضحية تعاني من تخلف إنساني، وقهر، وسلوك سلطوي ناشئ عن رغبة في التقرب للأقوى نظرا لإحساس الفرد بالضعف، أو الرغبة في التخلص من الشعور بالذنب الجمعي الذي يلحق بمجموعة بشرية يقوم أحد أفرادها بالاعتداء على مجموعة بشرية أخرى بدافع عنصري أو طائفي أو جنسي.

وعن هذا ذكر الدكتور ماجد عرسان الكيلاني في كتابه(هكذا ظهر جيل صلاح الدين)، أن نفرا غير قليل من الفقهاء والمفكرين والمؤرخين- في الماضي والحاضر- استعملوا منهج المحاكمة والإدانة في معالجة الإفرازات السلبية لعدة ظواهر اجتماعية، دون أن يجرؤوا على مواجهة الحقيقة التي تقول أن آثار غياب العدل واستفحال الظلم الاجتماعي  اللذين برزت  مضاعفاتهما في أمثال هذه الظواهر السلبية المزمنة في المجتمعات الإسلامية هي السبب الرئيس في كل ذلك.

ختاما:
سواء كتبتِ  بالبند العريض، (لا أضيف الرجال)، أو جعلت اسم حسابك (أم فلان)، أو كتبت لا أستقبل الرسائل، أو جعلت ديدنك التعامل بالبلوك، فلن يتوقف هؤلاء، للأسف حكم القوي على الضعيف، وهم يتكاثرون كل يوم كخلايا السرطان.
مما يؤكد أن هذا الأمر يحتاج وقفة جادة، وقوانين رادعة، ومعاقبة فورية.
هذه الظاهرة(متلازمة لوم الضحية) خطر على المجتمعات الإنسانية، والمشكلة الكبرى أن هذه الشخصية السلطوية التي تلوم الضحية دوما، أصبحت عنواناً للشخصية *السوية* وأن فعلها يصب في مسار الفعل السوي الدال على الرجولة، واستقامة الفطرة!!

#شمس_الهمة

الملتزمون الجدد:(رجولة وشهامة، أم جهل وتنطع؟!)

 

الملتزمون الجدد:(رجولة وشهامة، أم جهل وتنطع؟!)

قبل زمن ليس ببعيد، الصدمة بعد الزواج كانت تحدث للعوام فقط، أو الناس المختلفين ايديولوجيا بمعنى فتاة متحررة مع متدين أو العكس.
ذلك أن العوام يرسمون أحلاما خيالية، ويرفعون سقف الأحلام والأماني، ويجهلون الحقوق والواجبات.
أما المختلفين ايديولوجيا فالمسألة واضحة، الرجل اختار جسدا، والفتاة اختارت بنكا.

لكن أوساط المتدينين لم تعرف هذا إلا لماما، ذلك أن الجميع كان يعرف الحقوق والواجبات(ماله وماعليه)، والشرع يرسم لهما تلك الحدود، وبذا كان زواج الملتزمين هو الزواج السعيد الموفق.

لكن في وقتنا هذا، مع حديثي العهد بالتدين وكثرة التدين المغشوش في أيامنا هاته.
الصدمة أضحت صدمااات.
فالفتاة تتزوج وفي ذهنها أن الشاب المتدين يقف عند حدود الله، ولا يضيع ولا يهضم الحقوق الشرعية، فتفاجأ به يفعل ذلك وأكثر ، والمصيبة أنه يشرعن ما يفعل.
والشاب يتزوج وفي ذهنه فتاة قوامة صوامة، فيفاجأ فقط بالقشور المتمثلة بالجلباب والنقاب.

طيب نطرح السؤال، لماذا يحدث هذا؟!
الانحلال والتفلت والتمرد الذي نشاهده اليوم، جاء نتيجة الظلم والكبت والحبس الذي عاشته المرأة في الماضي، فكل فعل عنيف تقابله بالضرورة ردة فعل أعنف...
تزمت الرجل وظلمه للمرأة في الفترات السابقة،أدى إلى خروجها غير المبرر وتفلتها..

‏وكردة فعل على تفلت النساء، جنح الشباب المتدين مرة أخرى إلى أسلوب التشدد والتزمت الذي مارسه الأجداد عن *جهل* من قبل، فهل سنبقى ندور في رحى هذه الدائرة زمنا طويلا؟!
دائرة الفعل العنيف، ورد الفعل له؟!

ألا يوجد ميزان يضبط الأمور ويعدلها؟!
- بلى.
إنه ميزان الشريعة الحقة الذي ابتعدنا عنه للأسف الشديد وقمنا بتحكيم أهواءنا، ولم نكتف بذلك، بل قمنا بلي أعناق النصوص لتناسب تلك الأهواء.
وهذا كله لأن الشاب نشأ ودرج على رؤية المنكرات والمحرمات والانحلال، وقرأ منشورات يذم فيها شباب الفيس الأولياء ويتهمونهم بالدياثة.
فقرر بطلنا التصرف بالخشونة والرجولة والفحولة، والغيرة *المرضية* التي أملتها عليه الأعراف والتقاليد،
لذا أول ما يتزوج يشترط على زوجه النقاب والجلباب، والتوقف عن العمل والمكوث بالبيت، فإذا وافقت على شروطه وقبلت الزواج منه، تمادى في سلوكاته، ورسم لها سجنا لا تخرج عن حدوده، فهي ممنوعة من زيارة الجارات والصديقات، والأعمام والأخوال، ويحق لها مرة كل شهرين زيارة الوالدين.
فقطعها من جذورها، ورحمها، ومنعها صلة الأرحام.وكل ذلك بداعي الغيرة والرجولة.

تطيع الزوجة أمر زوجها في تلك الأمور، ثم تضيق عليها نفسها، ويغرقها الروتين وينسيها الروحانيات والإيمانيات والثقافة، وربما أنسيت الأبجدية العربية، فتسأله الذهاب إلى المساجد فيمنعها ويجتزئ أحكام الشرع، فيقول أن صلاتها في بيتها خير، فيحرمها بذلك الخير كله، والإصلاح في الأرض مع أخواتها، والإيمان الذي يتجدد بالتلاقي والتنافس ولقاء الأخوات.

لذلك غالبا ما تشتكي الفتيات من الخطاب الصادقين (من حديثي العهد بالتدين)، على الأقل في المرحلة الأولى من مسيرتهم في البحث عن زوجة، فيحمل الشاب عريضة(محظورات) على الفتاة توقيعها،( تبدأ بممنوع...وتنتهي بممنوع).
لذلك ذكرت أن تلك هي المرحلة الأولى، لأن ولا فتاة عاقلة تقبل بتلك الشروط المجحفة.
وهنا تبدأ المرحلة الثانية بالنسبة للشاب المتدين الذي تعرض للرفض أكثر من مرة، وهذه المرحلة يتصرف فيها الشاب بذكاء، فيستعمل التقية، ويخفي قائمة شروطه التعجيزية حتى يتزوج (ومبعد ساهل).

لا يبرر أبدا للشباب ما نراه من مظاهر انحلال وتفلت، وليس مسوغا لهم ليتطرفوا، ويعبثوا بأحكام الدين، فيقوموا بحبس المرأة والتضييق عليها بمنعها من أبسط حقوقها الشرعية.

يا اخوان لأننا منعنا النساء بيوت الله، لجأن للأضرحة.
ولأننا منعناهم من دروس العلم لدى المشايخ، لجأن لدروس الفنانات والمسلسلات.
ولأننا منعناهم من الفسحة المشروعة، لجأن للأسواق والتسكع في الطرقات..
ولأننا منعناهم التلاقي، غاب التناصح ، وكثر الفساد.
أمتنا ضاعت بين افراط وتفريط

(( ولا حل إلا بالفهم الصحيح للإسلام، فلا إفراط ولا تفريط))
أما واقع المجتمع الجزائري، فمنقسم إلى قسمين لا وسط بينهما، دياثة حد الخنا، وتشدد وغيرة حد الاختناق.
وقد قال بهذا الواقع، وقرره الكثير من العلماء والمفكرين، واقرأوا إن شئتم لمالك بن نبي وعلي عزت بيجوفيتش وعبد الكريم بكار ووو... فقد شخصوا المشكلة بدقة.

ختاما:

الزواج سفينة كي تُبحر تحتاج ربانا يفهم جيدا جدا القوامة الرشيدة، و يعطي مساحة للمرأة كي تمارس شخصيتها.
و مساعد قبطان يطيع أوامر القائد المعقولة.
و حين تأتي الأمواج العاتية، مرة يتسامح القبطان و يتغاضى، لكي تسير السفينة، و مرة المساعد.
كل ذلك في كنف من الاحترام و المودة و مراعاة شخصية كل منهما.

#خواطر_سريعة_مرتجلة
#شمس_الهمة

الإعجاز العلمي

 الإعجاز العلمي بين الحقيقة والمغالاة بين العقل والعاطفة:


كموضوع تابع لمقال أمس، حول نظرية التطور، تذكرت مثالا ربما يمكنه توضيح مقالي أكثر.

ألا وهو موضوع الإعجاز العلمي.

في دروس أكاديمية صناعة المحاور، علمونا التفكير العلمي بموضوعية وبدون تقديس أو تجريح ومع تحييد العواطف.

وذكر أحمد السيد عدة أمثلة لتوضيح ذلك، كمسلمين كنا ننساق وراء العواطف بدون تريث ولا تفكير.

وقال أن المغالاة في موضوع الإعجاز العلمي دفعت بكثيربن إلى الإسلام وقتها، وبكثيرين إلى الإلحاد في وقت لاحق.

طيب لماذا؟!

لقد كان شباب تلك الفترة يولون أهمية فائقة لموضوع الإعجاز العلمي، ويقدسون الدعاة والمشايخ القائمين على الأمر، (تماما كما يفعل بعضنا هذه الأيام مع الشيخ إياد فيقدسونه لدرجة المبالغة).


قال أن موضوع الإعجاز العلمي حوى الكثير من المبالغات والثغرات التي اكتشفتها أجيال لاحقة فكفرت بالمنظومة كلها.


والآن إسأل شابا عن موضوع الإعجاز العلمي سيقول لك هراء وسخافة وووو

(يضربلك كل التخصص في الصفر، وكل تلك الأبحاث والمجهودات في الصفر أيضا)

هل هذا معقول؟

علما أن هذا المجال ساهم بولوج الكثيرين إلى الإسلام سابقا.


هل تخصص الإعجاز العلمي شر كله؟

- أكيد، لا


طيب لماذا نتعامل مع شتى المواضيع، بطريقة إما أبيض أو إسود، إما تقديس أو تجريح، إما ملاك أو شيطان؟!


لأننا ببساطة نتعامل بالعاطفة، نوالي ونعادي عليها، لا يوجد استخدام للعقول، لا يوجد إنصاف.


رسالتي:


بلاش تتحمسوا بزيادة، بلاش انسياق وراء العواطف، لا تخرسوا المخالف، لا تعدموا الآراء النقدية.


#شمس_الهمة

صديقان قصة

 


من وحي أزمة الكورونا(صديقان):

سليمان و مجيد جاران متقابلان يفصل بين منزليهما شارع ضيق، هما صديقان حميمان، لا يفترقان أبدا،  حتى أثناء النوم، يمشيان معا يدا بيد في الحلم نفسه، أو يهربان معا من الكابوس نفسه. وعندما يستيقظ أحدهما فزعا، يمد يده إلى الآخر، فينتشله من الكابوس.

سليمان رجل أربعيني، قصير القامة، سيء الطباع، كثير الكلام، كان من الأشخاص الذين لا يتركون موضوعا إلا وقاموا بإبداء رأي حوله.
متزوج وله ثلاثة أبناء، ولطالما أرعبت نرفزته كل من حوله، وكان الجيران يتعجبون كيف تتحمله زوجته وأبناءه، ويتعجبون أكثر كيف لشخص بهذه الطباع أن يحظى بصديق حميم، لا يشكو منه كما يفعل باقي الناس.

‏أما مجيد فكان رجلا في منتصف الثلاثينيات، لكنك لا تميز تضاريس جسمه، له بطن بارزة، وجسم ممتلئ، فلا تميز فيه بين رقبة أو ذراعان، كان مدورا مثل الكرة تماما.
‏كنت لا تراه إلا راكبا سيارته منطلقا لمكان ما، أو نازلا منها حين عودته من العمل، وهذا يعطي تفسيرا منطقيا لما أصبح عليه جسمه من بدانة ظاهرة.
‏كان شخصا بليدا، خاملا، لكنه مع ذلك طيب ومسالم وهادئ.
‏كان يعيش مع زوجته وطفلته، رفقة والدته وخمس شقيقات، فكان بهذا قيما على قبيلة من النساء وحده.

أيام الحجر الصحي، لم يكن يحلو لهما إلا إذا تناولا قهوة الصباح في شرفة المنزل، وبذا كانت أحاديثهما ونقاشاتهما الصباحية اللامبالية، التي تزعج الجيران النائمين، والتي كانت تمتد بعدها لساعتين أو ثلاثة، فالحجر الصحي منع الناس من مزاولة أعمالها.
أما في المساء، فكانا يذهبان معا للمركز التجاري فيقتنيان ما يلزمهما، ويعود كلاهما ليجلس منفردا على كرسي، كل أمام بيته، ليواصلا أحاديثهما الحميمة.

تعاقبت الأيام متسارعة، كما تتعاقب عقارب الساعة، وتسارعت معها وتيرة الأحداث تحمل أخبار السوء،
ارتفع عدد المرضى والمصابين، وارتفع معها أعداد الوفيات، و أخبار النعي والجنازات.
خيم الموت بظلاله على المدينة الهادئة، وانسحب الناس خلسة إلى منازلهم وغلقوا الأبواب خوفا من الوباء، سكنت الأصوات وغابت الحياة عن الشارع والحي، واختفت ضحكات الأطفال، وصرت لا تسمع سوى أنين العجائز والمرضى في كل بيت يسكنه هؤلاء.

- مجيد مصاب بفيروس كورونا احترسوا منه.قال سليمان موصيا جيرانه، ومؤكدا التحذير على بقال الحي الذي أمامه.
- ‏كيف، ومتى، هل أنت متأكد، وهل أسر لك بالأمر؟
- ‏يخبرني هااا، هل سيشي بنفسه؟ لا، لقد استنتجت ذلك وحدي، بيته مقابل بيتي، أسمعه يئن ويسعل كل يوم، وضوء المصباح الخافت يظل مشتعلا طيلة الليل.
تعجب الجيران، كانوا يتحدثون عنه همسا
- لا شك أنه مريض، لا بد من التأكد، فليتصل أحد به ليسأله.
- ‏لا داعي لذلك، لن يخبر أحدا، بل سينكر...رد سليمان
وحمل أغراضه متجها نحو بيته ومغلقا الباب على نفسه بقوة كما لو كان معتقدا أن الفيروس يتعقبه، ويتبعه من وراءه.

في المساء عاد سليمان إلى البقالة منتشيا، وأخذ يضحك وجيرانه من حوله حائرون
- قلت لكم أنه مصاب، كل الإشارات تدلل على ذلك.
- ‏أي إشارات، سأل الجيران بحماس.
- ‏شرفة المنزل لقد نشروا بها الغسيل، وشراشف السرير، وكذا السجاد.
- ‏قهقه الجيران بصوت واحد، وهل هذه الإشارات كافية يا رجل، لقد درج الناس على هذا منذ القدم!!
ضرب سليمان كفا بكف، وقهقه ضاحكا، هل تظنون بي الجنون حتى أقول كلاما غير معقول؟
الشراشف والغسيل والسجاد مر عليهم ثلاثة أيام، كان فيها مطر ورياح محملة بغبار، لكنهم تركوها هناك، لا أحد التفت إليها وكأنهم غير موجودين بالبيت، هذا دليل قاطع أنهم مرضى، لذلك لم يقوموا بإدخال الغسيل.
قالها نافخا صدره كطاووس، وقهقه ضاحكا ثم انصرف إلى بيته.

ظل سليمان لا يفتأ يهمس لجيرانه، ويوصي أطفالهم كذلك(إنه مصاب، هذا مؤكد، لا تقتربوا منه، حافظوا على أنفسكم، وإذا نادتكم والدته لشراء شيء من البقالة، لا تفعلوا، إنه فيروس خطير ومعد).

مر يومان أو ثلاثة، وجيران الحي يتهامسون، متعطشين للخبر اليقين، ومترقبين باب مجيد، هل يفتح، هل يخرج منه أحد، أو يدخل إليه أحد، لا شيء من هذا كله.

في الليل تواصل الأنين، وفتحت النوافذ هذه المرة، وسمع الجيران سعال مجيد المتواصل، لا أحد اتصل بمجيد، لا أحد اطمأن عليه أيضا.

في الصباح توجه سليمان نحو البقالة مجددا، و مجددا كان ينقل تحذيراته متقمصا دور المحقق كونان أو شرلوك هولمز.
- لقد زارت بيت مجيد لجنة طبية هذا الصباح، ودار بينهم وبين والدته حوار طويل، لقد سمعت زوجتي هذا الحوار كله، أنا كنت نائما هذا الصباح، لم أنم البارحة، كان دوري بالحراسة، لقد لازمت النافذة طيلة الليل، وحين خلدت إلى النوم، أوصيت زوجتي أن تأخذ مكاني، الأمر خطير، ولا يحتمل التهاون.

احتار الجيران مجددا، نظر بعضهم إلى بعض وحوقلوا متأسفين ومتحسرين لا على مجيد، ولكن لأنهم لا يعلمون الخبر اليقين بعد.

طوال ثلاثة أيام وسليمان يمشي منتشيا بين الجيران، كما لو كان قد اكتشف اكتشافا علميا، كان يمشي بين الناس بثقة المحقق، يهمز ويلمز، ويغتاب صديقه، هكذا نحن دائما، لا تتم جلساتنا من دون أشخاص نضعهم فوق الطاولة، نقوم بتشريحهم في أي مناسبة، ثم نعانقهم بأيد تقطر بالدماء.

مرت ثلاثة أسابيع كاملة، تعافى مجيد، وصار يذهب بسيارته لاقتناء حاجاته من سوق بعيد...

أما سليمان وفي أحد الصباحات، توجه إلى المستشفى، حمى شديدة وفشل وإعياء، وسعال متواصل حرمه النوم.
أجريت له التحاليل اللازمة، وطلب منه العودة إلى منزله ريثما يتحققون النتائج.
ظهرت نتيجة الفحص وكانت إيجابية، سليمان مصاب بالفيروس، تم جلب سيارة إسعاف، وأخذوه إلى مستشفى بعيد، على مرأى ومسمع من الجيران.

أما أسرته فقاموا بالوصاية عليهم ومنعهم من التنقل أو الخروج.
فكان باب بيته مغلقا لا يدخل ولا يخرج منه أحد.

أما شرفة منزله فقد وضعت فيها زوجته، ثيابه وشراشف السرير والسجاد، وبقيت معلقة هناك أشبه براية بيضاء حملها جندي مهزوم معلنا استسلامه.

#خربشات_بقلمي

العيد

 تلك اللحظات الحرجة قبيل يوم العيد، ذلك التعب، والضغط، تلك الأمور التي أنجزت نصفها والنصف الآخر ينتظر منك اتمامه حالا، ذلك التوتر، وتلك الأع...