الاثنين، 24 يناير 2022

الكتوم (قصة قصيرة)

 

الكتوم(قصة قصيرة)

كانت في طريقها إلى المنزل عائدة من الجامعة، فلمحت أخاها المراهق ئو الثلاثة عشر عاما مع فتى ضخم الجثة وأكبر منه سنا، فهو يبدو في السادسة عشر من العمر...فانقبض صدرها وتوجست من الأمر..ليس هذا فحسب، فقد كان ذلك الفتى يرتدي المقطع من الثياب، والذي صار موضة هذه الأيام، ويرفع شعره كعرف الديك بتسريحة غريبة، كما يفعل فتيان السوء..
هرولت (حليمة) بخطى متسارعة، توازي دقات قلبها لتلوذ بالمنزل الآمن.
أسرعت إلى غرفتها
، فوجدت شقيقتها الوسطى(نور) في الغرفة، فغَلَّقت بابها جيدا، ثم التفتت إلى شقيقتها بكلام يشبه الهمس، مخافة أن ينتقل الكلام خارج حيطان الغرفة فتسمعه والدتهما..
- ما الأمر؟! ما الذي جرى لك حتى اختفى لون شفتيك، هل هنالك خطب ما؟!قالت (نور مستفهمة)
- شششش..ردت حليمة محذرة أختها من رفع صوتها بالكلام..
رأيت منظرا لا يسر، شقيقنا المراهق (بلال)، وجدته يجالس احد الشباب الأكبر منه سنا، وقد كانت أوصافه كيت وكيت، لم أرتح للأمر...تعرفين أن بلال كتوم جدا، ولا نعلم مع من يقضي وقته خارج المنزل...هو مجتهد في دراسته، والأول على صفه، يلزم دروس حفظ القرآن، ويحافظ على الصلوات في المسجد، لكن هذا لا يكفي...نحن لا نعلم أصدقاءه، ولا من يخالط، وهذا السن حساس جدا، أنا خائفة عليه..
- بلال كتوم جدا نعم، لكنني أعرفه جيدا وأعرف أخلاقه..ردت نور مطمئنة شقيقتها حليمة..
لكن حليمة لم تقتنع، كانت من النوع الذي يعتبر الشك وسوء الظن من الحزم، الجميع بنظرها متهم حتى تثبت إدانته، تعتقد ان الخصوصية مساحة ترتكب فيها الأخطاء والخطايا، تكره المسافات، وتعتقد أن من هم أصغر منها ضعفاء طيبون، وفريسة سهلة لرفقاء السوء..
تعتقد أن الكل يخطئ ويقع في المزالق، ماعداها...كانت تشك بالجميع وتتهم الجميع، لكنها لا تقبل ذلك على نفسها..فهي قوية الشخصية، ثابتة الإيمان، جاهزة فقط للأحكام الجاهزة...
عكسها تماما كانت شقيقتها نور، هشة وضعيفة، وكثيرة الأخطاء، تعتقد أن كل الناس أفضل منها، وتنظر لكل شخص بعين الإعجاب، وتتمنى لو كانت مثل هذا في صلابته، وذاك في إيمانه، وذاك في كفه عن النميمة ...وهلم جرا..
- سأقوم بمواجهته، لن أطيق الانتظار لأعرف..يجب ان نستنطقه ليتكلم، ونكثف مراقبته، ونفتش أشياءه، حاسوبه، ملابسه وجيوبه...فأبناء هذا الجيل لا يؤتمن جانبهم.. قالت حليمة.
-‏ تقصدين أنك تريدين التحقيق معه، هذا خطأ، أرجوك لا تفعلي، لم تسيئين الظن؟ نحن نعرف تربيتنا، ونثق بابننا، ولا شك لديه تبرير مقنع، أمهليني بعض الوقت لأتمكن من سؤاله بطريقة غير مباشرة.
-‏حسنا، لك ذلك، وإن كنت أعتقد أنه بدون جدوى، وستكلل مساعيك بالفشل..ذلك أن بلال شخص كتوم، لا يعرف المرء ما يدور برأسه الصغير ذاك...
قالت نور كلامها ذاك ولبثت أياما تحاول الاقتراب من بلال، وسحب الكلام منه، لكن بدون جدوى..كان قلبها مطمئنا، لكنها كانت تحتاج شيئا يؤكد شعورها ذاك..
ثم اهتدت لفكرة اللعب معه، كان عاشقا لألعاب الحاسوب، وكان والده يسمح له بساعة في اليوم فقط..لذلك عمدت نور إلى مناداته، وقالت أنها تريد تعلم لعبة المزرعة السعيدة، وكذا اللعبة التي يعشقها بلال كثيرا ، لعبة (ساندرياس).
استأذنت من والدتها لتمنح لهما أربع ساعات متواصلة على الحاسوب فوافقت أم بلال، شريطة أن ينهي واجباته المدرسية قبل ذلك..
بعدها لم تفعل نور شيئا طوال أربع ساعات سوى الضحك والمرح رفقة بلال، حتى نسيت تماما ما جاءت لأجله..
حين انتهت الأربع ساعات، جلبت نور قطعا من الكعك مع فنجانين من القهوة، وجلست بجانب بلال، وأخذا يتجاذبان الحديث حول ساندرياس وإحراز النقاط..ثم انعطف الحديث وأخذ مجرى آخر، حين سألت نور أخاها بلال عن كم العنف الموجود باللعبة، وعن حركات بطل اللعبة(سي جي)، ولماذا يرغب في الانتقام وقتل الناس؟
فحدثها بلال عن اللعبة، وعن مأساة(سي جي)، وأنه مكث سنوات في السجن بسبب الظلم الذي تعرض له من قبل مع الشرطة الفاسدة..
أخذ بلال يتحدث ونور تستمع فقط دون أن تقاطعه، تحدث عن الظلم، عن الفساد، عن ظواهر الأشخاص وبواطنهم، ثم قال:
- تعرفين؟ منذ أسبوع حدثني فتى يكبرني بثلاث سنوات، فتى من ذلك النوع الذي يشار إليهم بالفساد، فيهمزهم الناس، ويلمزونهم...شعر منكوش، سروال مقطع، سلسال على الرقبة، وشم في الذراع وهلم جرا..
في هذه اللحظة، أرعت نور كامل سمعها، وأرهفت كل حواسها، وجلست تنتظر المزيد..
واصل بلال سرد قصته، فقال أن ذلك الفتى جلس أمامه، وحكى له ضياعه، وأنه من بين كل أبناء الجيران توسم فيه خيرا، ويريد منه مساعدته...حكى له ظروفه ومأساته، والمشاكل التي يعاني منها مع بيت منهار، ووالدين منفصلين، ومشاكل لا تعد ولا تحصى..
وأنه لجأ بسبب كل ذلك إلى رفقاء السوء، فتعلم منهم كل منقصة، ويخاف على نفسه من مآلات هذا الطريق...لكنه لا يعرف كيف ينجو بنفسه، ولا كيف يسحب نفسه من شلة السوء تلك..
- بم أجبته؟ وكيف يمكن مساعدة هذا الفتى الطيب؟ قالت نور تريد سحب الكلام من أخيها، كان لديها ثقة به، وبنفس الوقت تخاف عليه أن يتورط مع أمثاله..
- ‏صحبة المسجد، وبعض الفيديوهات حملتها له من اليوتيوب ليسمعها، لا يوجد حل آخر..ولا أريد تمثيل دور الشيخ، فأتورط معه..لازلت في طور التعلم أنا الآخر، وأخاف على نفسي أيضا..
ذهلت نور من إجابة بلال، وراقها العقل الكبير الموجود بداخل ملامح الطفل البريء تلك، وراحت تطرح المزيد من الأسئلة.
- لكن هل تكفي حقا صحبة المسجد؟ أتمنى من الله أن يكون معه، الأمر ليس سهلا. إنه جهاد كبير.قالت نور
- ‏لقد عرفته على الشيخ، وقصصت عليه خبره، ولا أظن الشيخ سيتركه..إضافة أنه سيملأ وقته لحفظ القرآن في المسجد، ويتنافس مع أقرانه، علاقتنا مع الإخوة رائعة في المسجد، وتلك الروح التنافسية على الحفظ، تصنع جوا من البهجة، ينسيك العالم الخارجي تماما..أنا متفائل خيرا بذلك..(رد بلال)
*************
كانت حليمة ونور، تحملان هم الأخ الأصغر، بسبب خيبات سابقة عاشتاها مع الشقيق الأكبر الذي اعتنق العلمانية، والشقيق الأوسط الذي اختار التشدد..
كانتا مصدومتان تماما، فالواضح أن أبناء هذه العائلة من الذكور، سبب للهم والغم في أسرة لم تعرف سوى السعادة والهناء من قبل.
كانت الابتلاءات تتوالى على ذلك البيت الصغير، بشكل نسي فيه الوالدان أن لهما أربعة من الأبناء الآخرين، ينتظرون الرعاية والاهتمام، ومن يربت على مخاوفهم ومشاعرهم بحنان..
لقد ترك هؤلاء الأربعة للخواطر والهواجس تتآكل قلوبهم وعقولهم الصغيرة..
مضت الأيام تركل بعضها...غادر الشباب المنزل لأجل الضرب في الأرض، والبحث عن لقمة العيش..
تزوجت حليمة وفارقت المنزل، والتحقت الصغرى بكلية بعيدة..
وبقيت نور في المنزل رفقة الصغير بلال..
كبر بلال وأصبح شابا مكتمل الرجولة والبهاء...شاب كما يقول المثل السوري(أختو بتعشقو).
شاب هادئ، وسيم ، يلوذ دوما كعادته بالصمت..
ولم يتخل عن طبعه الكتوم، لدرجة كانت تسبب القلق لوالدته التي فجعت بأبناءها الآخرين..وكذا والده الذي لم يكن يكف عن استجوابه كل يوم، من دون أن يحصل على كلمة يطمئن بها على حاله..
أما نور فلم تكن أحسن حالا من باقي أفراد الاسرة مع بلال..ومع إحسانها الظن إلا أن المخاوف والهواجس لم تكن تفارق رأسها الصغير..كانت تخاف على بلال رفقة السوء، تخاف عليه أن يشبه مصيره، مصائر أخويه السابقين...تخاف عليه الإلحاد، والتطرف، وكل مشكلات الكون وتحديات العصر التي تتهدد هذا الجيل من الشباب...فتن متلاطمة كقطع الليل المظلم..
نور كانت تؤمن بثقافة الخصوصية، وفن المساحات، وكذا عدم مصادرة حق الغير في التجربة والخطأ..
لكن طبع بلال الكتوم، جعل قلبها لا يهدأ، وبالها غير مطمئن عليه..
إضافة انها كانت تحلم أن ترى بلال يشغل وقته بالنافع من الأمور، كانت تتمنى لو أنه يقوم بالتطوع في الجمعيات الخيرية كما يفعل الصفوة من الشباب، أو يلتحق بفريق كرة قدم يشغله قليلا ويملأ أوقاته الفارغة تماما، كانت تتمنى أن يكون من هؤلاء الذي يفتحون كتابا، فيفتح لهم آفاقا من الفكر، ويربت على حيرتهم، ويجيب على تساؤلاتهم المختلفة.
لكن شيئا من ذلك، لم يكن موجودا ببلال...كان شابا يدرس سنته الأولى بالجامعة، وحين يعود يقضي وقته كاملا رفقة الأصحاب، وأي أصحاب، لا أحد يعلم عنهم شيئا بعد..
************
بلال صرح لنور ذات مرة عن تجاربه في الأنترنت، عن حبه للتصميم، عن تعلمه فن القرصنة، كما ذكر لها أنه دخل مواقع الدارك ويب، فصعقت لأجل ذلك..
كانت تتمنى لو تعرف ماذا يدور برأسه، أي أفكار تقفز إلى دماغه، من أين أتت؟ من أصدقاءه بالتأكيد، أو مما يراه على وسائل التواصل الاجتماعي؟ لا أحد يعرف..
كانت نور ترى خيبة أخرى في الاسرة، تلوح في الأفق، ولم تكن مستعدة لتحملها هذه المرة أيضا..
وكانت تلوذ بالدعاء في صلاة القيام، كي يحفظ الله شقيقها بلال..
لكن الأيام كانت تحمل ما يعمق مخاوف نور..
فبلال كان يبكر صباحات الجمع خارج المنزل، ويغيب حتى منتصف النهار، وحين يعود تسأله والدته عن سبب بكوره، فيتعلل أنه كان رفقة أصحابه..
- هؤلاء الاصحاب يأخذون عقله ووقته وجل تفكيره..أصحاب، أصحاب...لا يجيد سوى هذه الكلمة(قالت والدته بحنق).
استمر قلق نور، وتفاقمت سلوكات بلال الغريبة التي عمقت مخاوف نور كما لم تخف يوما من قبل..
فقد كانت كل تصرفات بلال تدعو إلى الريبة، من ذلك أن نور وفي أثناء ترتيبها خزانة الثياب الخاصة ببلال، وجدت مبلغا كبيرا من المال(عشرة ملايين) يخبئه بلال جيدا بين ثيابه....ترك ذلك المبلغ مدة يومين، ثم اختفى من خزانته بعد ذلك...فانتاب نور الهم والغم..وعمدت إلى سؤاله بطريقة غير مباشرة فقالت له:
- بلال، أود سؤالك، عمتي خديجة وجدت مبلغا كبيرا من المال بين ثنايا الأغطية والأفرشة، تعتقد أنه يعود لولدها "مراد"، ولا تدري من أين جاءه المال..ما رأيك أنت؟
- ‏ذلك المال يعود لتاجر مخدرات يستغل ابن عمتي مراد..أعرفه جيدا، وأعرف علاقتهما معا، وكل المدينة تعرف ذلك، عدا عمتي المسكينة(قال بلال)
- معقووول، كان الله في عون عمتي..يا للمصيبة التي حلت بها..
انتهى النقاش في مهده، فلم يكن بلال شخصا يستكثر من الكلام، وأسقط في يد نور، فلم تكن من النوع الذي يكثر من نمط الأسئلة المخابراتية، وكانت تخاف أن تقع في سوء الظن فتفقد ثقة أخيها بلال إلى الأبد..لم تعرف هل تفرح بإجابته التي تدل على وعي ونضج كبيرين، أم تتأول أن الإجابة تدل أنه يعلم جيدا كوليس ذلك الوسط الموبوء، لأنه ربما يحمل عضوية في نادي السوء ذاك..
كالعادة استغفرت نور الله بإسراف، لكن الوساوس والهواجس مالبثت تزورها باستمرار...
كان والد بلال يمنع بلال من أن يسهر خارج البيت بعد الساعة الحادية عشر...وكان بلال يلتزم بذلك حرفيا، فلا يزيد عن الوقت المتفق عليه، متجنبا مناوشات قد تحدث مع والده بسبب الأمر..
لكن بلال مؤخرا، صار يذهب خلسة على الساعة الثانية عشر، وأحيانا الواحدة ليلا، دون أن يعلم والده بذلك، يغيب لفترة قصيرة جدا، ثم يعود أدراجه لينام..
كانت نور الوحيدة التي تتفطن لفعلته تلك، ولم تعرف السبب وراءها..
سألته مرة أو اثنان عن ذلك، فقال لها أمر خاص..منهيا بذلك محاولاتها لمعرفة الأمر..
وذات ليلة كان نائما كالعادة، فتلقى اتصالا هاتفيا على الساعة الواحدة ليلا، ففتح الباب خلسة وخرج مهرولا من تحت فراشه الدافئ، إلى مكان مجهول...ثم عاد سريعا ككل مرة..
بدل ثيابه، ثم نام قليلا، وفي الصباح توجه إلى جامعته البعيدة..
نور لم تنم ليلتها تلك بسبب تصرف بلال، ولم تجرؤ على إخبار والديها بالأمر، لم تعرف ماذا تفعل، ثم توجهت إلى غرفته وقامت بتفتيش حاجياته..فعثرت على ملابس عليها أثر القيء الذي كان بلون قريب من اللون الأحمر القاني، ورائحة نفاذة وغريبة..
قامت نور بغسل الثياب قبل ان تتفطن والدتها للأمر...ثم توجهت إلى هاتفها تبحث عن إجابة، فاكتشفت أن ذلك القيء واللون يعود ربما للخمر..
- خمر؟! يا إلهي هذا لا يحتمل..
ارتجفت نور، وسقط الهاتف من يدها، وتسارعت دقات قلبها، وضاقت عليها الأرض بما رحبت..
هذه المرة عزمت على مواجهة بلال، لتحصل على إجابات لأسئلتها، وليحدث ما يحدث، فقد باتت لا تستطيع تحمل فرط التفكير والهواجس التي تنتابها.

**************

انتظرت نور أسبوعا كاملا، حتى يعود بلال من جامعته..كان في مزاج سيء، فآثرت تأجيل الأمر قليلا..
- اصبري بعد، لم يبق القليل لموعد المواجهة..قالت نور تحدث نفسها..
في الليل زارها ألم الضرس، وحرمها النوم، فقررت زيارة طبيبتها الخاصة بوهران..وطلبت من بلال مرافقتها..فوافق على الفور..
في الحافلة تحدث بلال كثيرا يومها، ولم تتمكن نور من مقاطعته، وآثرت كالعادة تأجيل المواجهة..
كان حديثا حميما ينم عن قلب عطوف بالغ الرقة، مع عقل مكتمل الرجولة والنضج..
أتمت نور مهمتها، وعادت أدراجها إلى المنزل...وفي طريق العودة الطويل ذاك، لم يكف بلال عن الكلام في الحافلة، وكأنه كان ينتظر اللحظة المناسبة، ليفرغ حمولة قلبه بعد كل تلك السنوات من الكتمان..
تحدث عن قيم المسجد الجديد، وكيف أنه أسوأ شخص عرفه في حياته..
- تخيلي، لم نعد ننظف المسجد أيام الجمع، لأنه لا يثق بنا، عكس قيم المسجد القديم "أبو مروان"، الذي كان يفرح بنا ويهش ويبش في وجوهنا، ويمدنا بكل أدوات التنظيف..كان رجلا رائعا بحق..
- ‏هل كنتم تنظفون المسجد؟ متى وكيف؟ لم أرك يوما تفعل هذا، ولم تخبرنا يوما بذلك؟
(قالت نور والدهشة تملأ عقلها)
- معقول، لا تعرفين..وماذا عن ذلك البكور أيام الجمع؟ ونصف اليوم الذي كنت أغيب فيه عن البيت!!
- لكنك، لم تصرح يوما بذلك(قالت نور)
- ‏هذا العمل لوجه الله، لو صرحت به لن يرتفع ثواب العمل إلى السماء.(أجاب بلال).
- ‏هل أخفيت عنا أمورا اخرى يا بلال؟ هات اعترف الآن..قالت نور ممازحة بلال.
- ‏لا تعلمون مثلا أنني اعمل في جمعية خيرية، وأن مهمة الاحتفاظ بالتبرعات موكلة إلي، وأني أخبئ مال الجمعية كل مرة ويكون في العادة مبلغا كبيرا، هل تعلمين بهذا؟
-لا، لم أكن اعلم بهذا (قالت نور ذلك مدعية أنها لا تعلم بالأمر، وكان قلبها المسكون بالهواجس والوساوس قد بدأ يهدأ أخيرا، بعد طول عناء).
-‏تعلمين لم لم أعلمكم بكل هذا، أنت تعرفين ردة فعل والدي، وإطلاقه للأحكام الجاهزة، وتعلمين الخوف الذي يسيطر على والدتي، خوفها وحبها المفرطين يخنقانني..
-‏ لكن، ما الذي استجد اليوم، لم تخبرني بكل ذلك؟قالت نور
-‏الولد يختلف عن الفتاة يا نور، أنتن الفتيات تهرعن إلى أمهاتكن حين تواجهن أية مشكلة، لكن الولد حين يشب يعمد إلى إخفاء كل شيء عن والديه، ويرغب بالاستقلالية، والانعتاق من التبعية حتى يحقق الرجولة المنشودة..
-‏ أقنعتني أيها الرجل الصغير(قالت نور مداعبة بلال).
- ليس هذا فحسب، هنالك أسباب أخرى، أترين طريقة والدي في التربية صحيحة؟
يريد اختيار أصدقاءك، يقيس حركاتك وخطواتك بالقلم والمسطرة، يمنعك من التجربة ويصادر حقك في التعلم والخطأ، ويمنعك من مخالطة أناس معينين..
لكنني نضجت الآن، ولدي أصدقاء من كافة الأطياف، وقد خبرت قلوب الرجال حين مارست العمل التطوعي..ودرست بالجامعة...المظاهر وحدها لا تكفي للحكم على الناس...
- نعم، كلامك صحيح، أوافقه تماما.
أضاف بلال قائلا:
تخيلي لدي أصدقاء مدخنون، لكنهم يصلون ويسارعون لفعل الخيرات، ويتطوعون معنا بالجمعية..
أعرف أشخاصا متعاطين أيضا، لكنهم بحاجة ماسة لمن ينتشلهم من ضعفهم ذاك..
هل تتذكرين صديقي سمير؟
- نعم، أذكره جيدا، ذلك الفتى الطيب الذي التحق بالجيش ليعيل أسرته؟
- ‏نعم هو ذاك....(أجاب بلال واكتست ملامحه غلالة حزن غامضة..)
- ‏لقد تغير حاله كثيرا ...مؤخرا صار يشرب ويسكر..
يهاتفني كل ليلة ويطلب مني أن أوصله للمنزل حين يكون ثملا..
فأهرع إليه من نومي، يستند علي، وأجره كل ليلة إلى منزله، والناس ينظرون..
إنهم يتحدثون عنا بالسوء..ويسيؤون بنا الظنون..
أتعرفين أقسى ما في الموضوع؟!
لا يهمني رأي الناس بي ولا تهمني نظراتهم ولا همزهم، فأنا أعرف نفسي وصديقي جيدا..
إنما المؤلم في الأمر أن أصدقاءنا الآخرين انفضوا من حولنا أيضا، وجعلوا منا فاكهة لمجالسهم..
يتحدثون عن سمير، ولا يعلمون أنه يحمل هموما تنوء بحملها الجبال..ووالله لو علموا بمصابه لخجلوا من أنفسهم على ذلك..
سمير فتى بقلب ماسي، فتى طاهر ونقي، لم يكن كذلك من قبل، لقد كان شاب مستقيما من أقرب الأصحاب إلى قلبي، ولي معه مواقف رجال لا أنساها له..
مؤخرا صار يشرب كثيرا، نتكلم معه، فيعدنا أنها المرة الأخيرة، ثم يعود مجددا للسكر والعربدة..
صرت أخجل منه ومن تصرفاته، وذات يوم أغلظت له القول والنصح، فانهار تماما، وأخذ ينشج ويشهق ببكاء مرير مثل طفل صغير..
سمير كان رجلا تام الرجولة، ليس ضعيفا، ولا جبانا، ولا هشا في مجابهة المشكلات..
كان يبكي ويتحدث بصوت متهدج يقطع نياط القلوب، عن مشكلاته الأسرية..عن جفاء والده، وخيانته لزوجته، وظلمه لأولاده، عن لا مبالاة أخيه...عن الفقر...والجوع...
ثم قال لي هل تعرف أني اكتشفت أني لست ابنا شرعيا؟
أغمض بلال عينيه، ونكس رأسه، وانحبس الكلام داخل شفتيه..وأومأ لنور أنه لا يستطيع إخبارها بالمزيد...وأن تلك المصيبة التي اكتشفها سمير، واحدة فقط من عديد المصائب والهموم التي يعانيها..
كانت هذه المأساة مصدرا لأزمة شديدة في حياته، لقد شعر وهو فتى حدث في التاسعة عشر من العمر، أنه أوقظ بشدة من أحلام مدرسته، ليشهد حقائق الحياة الواقعية القاسية.
تلك المصائب انهالت على قلبه دفعة واحدة، فقصمت ظهره وقضت على ما تبقى من صبره وثباته..
- يا الله!! يا لقلب الفتى المسكين، كان الله بعونه.
قالت نور ذلك واستندت على كتف شقيقها بلال، كان قلبها مفطورا، قد انشطر إلى نصفين..ويتعارك بقلبها شعوران متضادان، شعور الحزن العميق لأجل الفتى سمير، وشعور الحب والإعجاب لموقف شقيقها بلال، والقلب النبيل الذي يحمله بين جوانحه..
لقد شلها هذا الأمر تماما، ولم تجد بدا من أن تريح رأسها المثقل على كتف بلال..
بلال استغرب سلوكها ذاك لوهلة، ثم استسلم لمشاعر الدفء التي أزاحت البرود وجبل الجليد الذي أخفى من وراءه عن قلبه الدافئ المكلوم..
ونور وجدت أخيرا رجل البيت، الذي يستحق أن تتكئ على كتفه أخيرا..
- بلال، لا تتركه، سمير بحاجتك، أرجوك لا تتخلى عنه.(قالت نور جملتها تلك وغطت في نوم عميييق).
- ‏لن أتركه، اطمئني يا نور..

*تمت*

#شمس_الهمة







الثلاثاء، 4 يناير 2022

مراجعة الفيلم الوثائقي (the true cost):2

 

مراجعة الفيلم الوثائقي (the true cost):

 

حين تشاهد الفيلم كاملا ستبكي كثيرا على نفسك, على الأمة وعلى الإنسانية جمعاء.

قطعة الملابس التي نشتريها, وراءها سواد حقيقي..

أين تصنع, ومن أين تستخرج المواد الخام, من يقوم بخياطتها وتحويلها لقطعة أنيقة, وكم يكسب أولئك من المال, حتى ننعم نحن بشراء ثوب بثمن بخس؟

كل هذه الأسئلة وغيرها يجيب عليها هذا الفيلم, من خلال رحلة بحث واستقصاء في المصانع المنتجة للملابس.

الملابس يتم إنتاجها في مصانع الدول الفقيرة مثل الهند و بنجلادش وغيرها بأسعار زهيدة جدا, العمال الذين يعملون في هذه المصانع هم أناس فقراء بسطاء من ذوي الدخل المحدود جدا, نساء, أطفال, شباب وعجائز أيضا.

المصانع والظروف التي يعملون بها لا تتوفر على أدنى شروط العمل المتعارف عليها دوليا...المصنع مظلم, مهترئ, الكهرباء والإنارة فيه غير ثابتة أو منعدمة..

الرطوبة, انعدام التدفئة, ساعات العمل اللامحدودة, الأجر الزهيد في مقابل تعب يوم كامل...انعدام الراحة والتأمين ووو

الكثير الكثير من الظروف المزرية..

الحوادث في المصانع كثيرة جدا, الانهيارات فوق رؤوس العمال, جثث وضحايا, أسر تفقد بعضا من أفرادها, نساء تترمل, أزواج يفقدون زوجاتهم...

مآسي كثيرة وحقيقية وموثقة عرضها الفيلم, يندى لها الضمير الإنساني الحي..

ولكن مات الضمير والإنسانية للأسف..

صناعة الأزياء هي السبب الثاني في تلوث الأرض:

صناعة الموضة, وعاداتنا الشرائية, تؤذيان كوكب الأرض وتفاقمان أزمة المناخ.

 

وتسهم صناعة الأزياء بنحو 10 في المئة من الإجمالي العالمي لانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وتنتج نحو 20 في المئة من مياه الصرف عالميا، وتستهلك كمية من الطاقة تفوق ما يستهلكه قطاعا الطيران والنقل البحري معا.

لا شك أن معظم السلع الاستهلاكية تؤثر سلبا على البيئة، لكن صناعة الأزياء تسبب أضرارا بيئية عديدة بسبب الوتيرة المتسارعة التي تتغير بها الموضة من موسم لآخر، والتي تغري المستهلك على الشراء لمواكبتها.

فظهور الfast fashion يلعب دورا كبيرا في كم الدمار البيئي الذي سيطال كوكب الأرض, فبدل وجود قطع ملابس مستدامة, أصبح لدينا ملابس ترمى بشكل متسارع لأن الموضة تتطلب الأحدث دوما..

عندما ينتهي الأمر بالملابس في مكبات النفايات، يمكن للمواد الكيميائية الموجودة في الملابس، مثل الصبغة، أن تتسبب في أضرار بيئية من خلال ارتشاح المواد الكيميائية...وكمثال على ذلك تحولت صحراء أتاكاما شمال تشيلي إلى مقبرة مليئة بأكوام من الملابس غير المرغوب فيها وهي تستخدم كمكب نفايات للملابس المستعملة.

فحسب وسائل الإعلام فإن حوالي 39000 طن من الملابس المهملة تراكمت في صحراء أتاكاما.

لكن ولا أحد مهتم بالأمراض التي ستصيب سكان هذه المناطق على أي حال.

 تأثير صناعة الأزياء على نفسية الإنسان:

وسائل الإعلام والشركات تروجان للاستهلاك وتمارس على المشاهد حيلا بصرية, عن طريق إيهامه أن شراء الملابس يجلب السعادة ويحل المشكلات.

اليوتيوبرز ومشاهير السوشل ميديا أسهموا بشكل كبير في نشر ثقافة استهلاكية, والترغيب في حمى الاستهلاك.

جوهر عمليات التسويق هو التلاعب بنفسية الإنسان الذي يملك مجموعة من الاحتياجات الثابتة مثل احتياجنا للحب والتميز واحتياجنا لأن نشعر بأننا بشر مقبولون اجتماعيا..

يستخدمون فكرة تعريض المشاهد بشكل مكثف لقوالب معينة من البشر المثاليين الجذابين...وضغط الصورة اليومي الذي نتعرض له كفيل بإحداث شتى الأزمات النفسية لدى البشر بغية الكمال..

وأسوق هنا اقتباسا دقيقا لبثينة العيسى تقول فيه:

"وهذه الشاشة الكريهة تمارس كل يوم عبر روتانا وميلودي وستار أكاديمي إرهابا جسديا علي..فأنا لا أستطيع أن أواكب أجسادا كهذه..."

لا يمكننا الفرار اليوم من ضغط الصورة والإرهاب التي تمارسه على عقولنا, لأننا محاطون تماماً بكل زاوية بحياتنا على الانستغرام والفيسبوك والمؤثرين والمروجين وواجهات المحلات التجارية، وتطبيقات التسوق أون لاين والإعلام والقنوات التلفزيونية.

وقد تكون الطريقة المثلى للحد من تأثير الاستهلاك المجنون على البيئة هو شراء الملابس التي نحتاجها وننوي الاحتفاظ بها فقط.

ونحاول الابتعاد عن الأماكن المليئة بمغريات الشراء، مثل مراكز التسوق وكذا متابعة المشاهير..

وإذا شعرت أنك لم تعد تحتاج لبعض الملابس، فمن الأفضل أن تعطيها لأصدقائك أو ترسلها إلى المؤسسات الخيرية، لكن لا تحاول إخلاء مساحة في خزانة ملابسك لشراء ملابس جديدة.

وقد يتطلب الحد من الأثر البيئي للأزياء إحداث الكثير من التغييرات على مستوى الشركات والصناع والمستهلكين, والقرارات الواعية التي نتخذها كمستهلكين قد تسهم في الحفاظ على البيئة، ليس هذا فحسب، بل أيضا في تغيير قطاع الأزياء برمته.

ختاما:

انقلبت فكرة أن السوق موجود لخدمة البشر إلى النقيض من ذلك, لأننا فعليا نحن من يتم استغلاله لخدمة السوق.

فهدف الشركات الرأسمالية الجشعة ليس سعادة الإنسان ولا راحته هي موجودة فقط لزيادة رؤوس أموال شركات معينة لأشخاص لا يهتمون إلا بزيادة أموالهم على حساب الأيدي العاملة والمستهلكين والبيئة والكوكب !

ولنتعلم كيف نتقبل أشكالنا, ونتصالح مع ذواتنا, ونعي أننا نستحق الحب والانتباه بدون استخدام هذه السلع, فليست الملابس من تحدد قيمة الإنسان لأنّ قيمته محفوظة.

 

 

السبت، 1 يناير 2022

عرائس الماريونيت:

 عرائس الماريونيت:


يعرفون كيف يقومون بتجييش الشعب عاطفيا، يعرفون كيف يقومون يتهييجه إن لزم الأمر، يعرفون كيف يقومون بتوجيهه أيضا..

طعن إمام غدرا وهو راكع أو ساجد، وما صعد هذا الخبر لمرتبة"الترند"، وما نال استعطاف الجمهور..

أحرق إمام آخر كما أحرق جمال حرمه الله، لكن لا أحد انتفض لدمه..


يعرفون أيضا كيف يسكتون الجمهور، كيف يعملون ببراعة على إطفاء لهيب غضبه..

قضية جمال والمطالبات بالقصاص خرست إلى الأبد..

قبلها قضية الطالب أصيل..وشيماء...وغيرهما كثييير


واليوم نجحوا في امتصاص غضب الشعب، نعم خبر تأسيس مدرسة قرآنية، وتعيين الأستاذ المظلوم مديرا لها..

خبر كفيل بتخدير الشعب، ودغدغة العواطف، فإسكات الشعب وإخراسه إلى الأبد..

والمفروض هو إقالة المدير، ومعاقبته لإهانته للأستاذ...وكذا سن قوانين تحمي الأستاذ، وقوانين تضبط اللباس في المدراس...

لكنه زمن العلمنة الناعمة..

سنبني لكم المساجد..والمدارس القرآنية...صلوا واعبدوا ربكم فرادى ...وكمموا أفواهكم إلى الأبد..


هكذا تنسج قصص الترندات، وهكذا تنتهي...واللاعب يتقن جيدا تحريك عرائس الماريونيت من بعيد..


#شمس_الهمة

المرأة بين العمل المشروع والطموح:2

  المرأة بين العمل المشروع والطموح:


لنفرق هنا بين العمل المتوازن المشروع والطموح المعتدل المقبول، وبين الطموح المرتفع والشغف بالارتقاء:


تعمل المرأة إذا احتاجت للعمل أو احتاج العمل إليها.


1) عمل المرأة المتزوجة(النابغة في مجال معين، والتي يحتاجها المجتمع بشدة)، وقضائها كل تلك الأوقات بعيدا عن زوجها وأطفالها هو مأساة كبرى ولاشك.

لكن الحل لا يكمن أبدا في ابعادها، وحبسها أو ثنيها عما تقوم به، بل الواجب توفير الجو المناسب لعملها، وتوفير من يقوم بالعناية بأطفالها تعليما وتأديبا.

حتى في الجاهلية كانت النسوة يدفعن بفلذات أكبادهن إلى البادية لينشأوا على الفصاحة والأدب، وبعد النظر، والمروءة والنبل والشجاعة.

فهل قال قائل منهم آنذاك لنساء تلك الحقبة أنكن تضيعن الأطفال وتهملنهم؟

ثم لدينا في موروثنا الإسلامي زمن الأمويين والعباسيين ثقافة المؤدب للأطفال، بحيث يعنى بتثقيفهم وتأديبهم بدل الأمهات.

ولعله ظل متعارفا حتى أنك حين تقرأ سيرة الشيخ عبد الحميد بن باديس ستجد أن الأسر يومها كانت تبعث بأبنائها للمؤدب.

فلماذا نستخسر نحن على المسلمات المؤثرات والقائدات ذلك، علما أن مقام المؤدب تقوم به حضانات أطفال معاصرة وراقية جداا وبعضها اسلامي؟!

وأرى أن من واجبنا تجاههن أن نوفر لهن ذلك وندعمهن في مسيرتهن، لا أن نثنيهن عن ذلك.

والأولى النضال من أجل تغيير القوانين الوضعية كي تناسب المرأة والأسرة، لا أن نحارب عمل المرأة كلية.

وفي هذا تقول(آن ماري سلوتر):


في نهاية المطاف، يتعين على المجتمع أن يتغير، وأن يقدّر الخيارات التي تُقدِّم الأسرة على العمل بقدر ما يُقدّر الخيارات التي تُقدِّم العمل على الأسرة، إذا قدّرنا تلك الخيارات بالفعل، فإننا سنُقدّر الناس الذين يتخذونها؛ وإذا قدّرنا الناس الذين يتخذونها، فإننا سنبذل كل ما في وسعنا لتوظيفهم وحمايتهم؛ وإذا فعلنا كل ما في وسعنا للسماح لهم بالجمع بين العمل، والأسرة بالتساوي مع مرور الوقت، فإن الخيارات سوف تصبح أكثر سهولة.


2) الطموح المرتفع والشغف القوي:


هنا هذا الأمر لا يناسب الجنسين، وإذا ناسب الرجل فإنه لا يناسب المرأة بتاتا إلا إذا لم يكن هنالك من يسد ثغرة نقصها.

وقد عرفنا قصصا لدعاة رجال ضيعوا أسرهم وقصروا بحق زوجاتهم.

لكن الضابط هنا هو خوف الله، فالذي لا يستطيع أداء الحقوق يستقيل من مؤسسة الزواج، ويعترف بتقصيره على الأقل.

وكلنا قرأ سير العلماء العزاب كابن تيمية الذي لم يتزوج بسبب شغفه الكبير بالعلم وخوفه من تضييع من يعول.

وشيخنا عبد الحميد بن باديس الذي كان متزوجا، لكنه سرح زوجته سراحا جميلا وتفرغ للدعوة التي أفنى فيها حياته.

ووو....نماذج كثيرة تروي قصص عظماء رفضوا التقصير وتضييع أهلهم، وخوفهم من عدم قدرتهم على أداء حق الزوجة كاملا.

فأيما امرأة كان لها طموح كبير، أو أعباء جسام عرفت من نفسها أنها قد لا تقيم حق الزوج، وقد تضيع الأطفال، فالأفضل لها أن توازن خياراتها فإن كان عملها للإسلام والمسلمين فإن عليها البحث عن زوج متفهم جدا، أو زوج منشغل مثلها ذو همة ورسالة، وإذا انتفت الخيارات فلتقبل بزوج معدد، أو تسمح لزوجها بالتعدد.

المرأة النابغة، العالمة، المفكرة، القائدة، أو الداعية أو...أو.... والتي يحتاجها المجتمع بشدة:

 لن تستطيع القيام بواجبها الكامل مع الزوج نتيجة انشغالاتها الكثيرة، فهل تبقى مع زوجها مقصرة بحقه، أو تقوم بحقه كاملا وتهمل دورها في المجتمع، أم تبقى وحيدة، أم من الأفضل أن تحظى بزوج تقاسمها أخرى اياه.

فعن عباس أن امرأة من خثعم أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله أخبرني ما حق الزوج على الزوجة فإني امرأة أيم فإن استطعت وإلا جلست أيما؟ فلما أخبرها الرسول صلى الله عليه وسلم بحقوق الزوج عليها، قالت: لا جرم لا أتزوج أبدا.

فهنا لفتة مهمة جداا، ليس كل النساء تستطيع القيام بحق الزوج، فإذا بقيت هكذا امرأة وحيدة، تعبت وتألمت، وإذا بقيت مع الزوج أضحت مقصرة بحقه، والحل هنا إما مفارقته، أو السماح له بالتعدد.


3) ومع ذلك نقول ليس هنالك إطار محدد تؤطر فيه العلاقة الزوجية، فكل زوج هما كيان مختلف عن غيره بكل شيء..وكتاب الزوجان العالمان فيه نماذج كثيرة لثنائيات نجحوا في مؤسسة الزواج(رضوى عاشور ومريد البرغوثي، الدكتور ذاكر نايك وزوجته وابنه، ووو نماذج كثيرة جدا 

والشيخ عبد الكريم الدخين قال:((هناك طالبات علم أزواجهن أعانوهن جدا ، ولنذكر مثلا د. فوز كردي المهتمة بنقد الفلسفات الشرقية ، والتي تذكر أن زوجها خير معين وغيرها ..

 وبرأيي طالبات العلم اللواتي عندهن همة وطموح يتزوجن من يقدرهن أو يفكرن جديًا بخيار الزوجة الثانية حتى تتخف من أعباء ‍الزواج وتناله ولا تحرم من الأبناء))



اقتباسات من مقال ”لماذا لا تستطيع النساء الجمع بين الأشياء؟“:


- إنني أخطو هنا على أرض وعرة، ملغومة بالقوالب النمطية، لكن بعد أعوام من النقاشات والملاحظات، أصبحتُ أؤمن بأن الرجال والنساء يستجيبون بشكل مختلف تماماً، لا أعتقد أن الآباء يحبون أطفالهم بقدر أقل من الأمهات، لكن يبدو أن الرجال أكثر ميلاً إلى اختيار وظيفتهم على حساب عائلاتهم، في حين يبدو أن النساء أكثر ميلاً إلى اختيار عائلاتهن على حساب وظائفهن.


- ‏لا يزال الرجال ملتزمين اجتماعياً باعتقاد أن واجبهم العائلي الأساسي هو أن يكونوا المعيلين؛ بينما تلتزم النساء باعتقاد أن واجبهن العائلي الأساسي هو أن يكن مقدمات الرعاية.


- ‏إذا شعرت النساء بعمق، بأن رفض الترقية التي تنطوي على مزيد من السفر، على سبيل المثال، هو التصرف الصحيح الذي ينبغي القيام به، فإنهنّ سيواصلن القيام بذلك.


- في نهاية المطاف، يتعين على المجتمع أن يتغير، وأن يقدّر الخيارات التي تُقدِّم الأسرة على العمل بقدر ما يُقدّر الخيارات التي تُقدِّم العمل على الأسرة، إذا قدّرنا تلك الخيارات بالفعل، فإننا سنُقدّر الناس الذين يتخذونها؛ وإذا قدّرنا الناس الذين يتخذونها، فإننا سنبذل كل ما في وسعنا لتوظيفهم وحمايتهم؛ وإذا فعلنا كل ما في وسعنا للسماح لهم بالجمع بين العمل، والأسرة بالتساوي مع مرور الوقت، فإن الخيارات سوف تصبح أكثر سهولة.


 - في كتابها Midlife Crisis at 30، تستذكر ماري مالين الأيام التي كانت تعمل فيها كمساعد للرئيس بوش ومستشار نائب الرئيس تشيني:

“حتى عندما كانت الضغوط هائلة ـ في تلك الأيام التي كنت أبكي فيها في السيارة وأنا في طريقي إلى العمل أسأل نفسي “لماذا أقوم بهذا العمل؟” ـ كنت أعرف دوماً إجابة ذاك السؤال: أنا أؤمن بهذا الرئيس”.

لكن ماتالين تتابع لتصف خيارها بالاستقالة بكلمات تشبه إلى حدٍّ غير عادي، التوضيح الذي أخبرتُه للعديد من الناس منذ مغادرتي وزارة الخارجية:

“سألت نفسي أخيراً: “من الذي يحتاجني أكثر؟” وعندها أدركت أنه قد حان الوقت ليقوم أحد ما غيري بهذا العمل. فأنا لا غنى عني بالنسبة إلى أطفالي، ولكنني لا أقارب حتى أن أكون أمرًا لا غنى عنه بالنسبة إلى البيت الأبيض”.


- وجود شريك داعم قد يكون شرطاً ضرورياً إذا كانت النساء سيتمكنّ من الجمع بين الأشياء كلها، ولكنه ليس كافياً، إذا شعرت النساء بعمق، بأن رفض الترقية التي تنطوي على مزيد من السفر، على سبيل المثال، هو التصرف الصحيح الذي ينبغي القيام به، فإنهنّ سيواصلن القيام بذلك.


 - على النساء اليافعات أن يتوخين الحذر من العبارة التي تؤكد أنه “بوسعك أن تجمعي بين كل شيء؛ ولكن ليس دفعة واحدة


- أهم مسألة تتعلق بالتسلسل هي وقت إنجاب الأطفال، كانت العديد من القيادات النسائية العليا في الجيل الذي سبقني ـ مادلين أولبرايت، وهيلاري كلينتون، وروث بدر جينسبرج، وساندرا داي أوكونور، وباتريشيا وولد، ونانيرل كوهان ـ قد أنجبن أطفالهن في العشرينات وأوائل الثلاثينات من أعمارهن، كما كانت العادة في الخمسينيات، وحتى السبعينيات من القرن العشرين.


الطفل الذي يولد عندما تكون أمّه في الخامسة والعشرين من العمر، سوف ينهي المدرسة الثانوية عندما تكون أمّهُ في الثالثة والأربعين، وهي لا يزال لديها الوقت الكافي والطاقة للتقدم، مع الانغماس بدوام كامل في مهنتها.


- أنجبت طفلي الأول في سن 38 (وعددتُ نفسي محظوظة) والثاني في سن الـ 40، وهذا يعني أنني سأكون في الـ 58 عندما سيغادر ولداي المنزل علاوة على ذلك، يعني هذا أن العديد من أفضل فرص العمل ستتزامن مع سنوات مراهقة الأولاد على وجه التحديد، عندما يكون وجود الآباء إلى جانب أطفالهم على نفس القدر، من أهمية تواجدهم معهم في سنين طفولتهم الأولى، كما ينصح آباء متمرسون.


- لقد أسهمت النساء في تكوين صنم الحياة أحادية البعد، ولو بحكم الضرورة. إن الجيل الرائد من الحركات النسوية كن يحجبن حياتهن الشخصية عن شخصياتهن المهنية ليضمنّ عدم تعرضهن للتمييز أبداً بسبب افتقارهن إلى الالتزام بعملهن.


-بيد أن في يومنا هذا، يمكن للنساء في السلطة، بل وينبغي عليهن، أن يغيرن هذه البيئة، رغم أن التغيير ليس سهلاً. عندما أصبحت عميداً لكلية وودرو ويلسون في عام 2002، قررتُ أن إحدى مزايا العمل كامرأة في السلطة، هي أنني أستطيع أن أساعد في تغيير الأعراف من خلال التحدث عمداً عن أطفالي، ورغبتي في الحياة المتوازنة. وهكذا..


-بعد بضعة أشهر من ذلك، أتت عدة أستاذات مساعدات إلى مكتبي، وكن منزعجات إلى حد كبير. فقالت إحداهن: “يتعين عليك أن تتوقفي عن التحدث عن أطفالك.” “أنت لا تظهرين الوقار الذي يتوقعه الناس من عميد الكلية، مما يلحق بك ضررا، لأنك أول عميد امرأة للكلية”. قلت لهم إنني أقوم بذلك عمداً وواصلت فعل ذلك، ولكن من المثير للاهتمام ألا تبدو الوالدية والوقار على أنهما ينسجمان معاً.


- إن السعي إلى تحقيق حياة أكثر توازناً ليست قضية خاصة بالمرأة؛ بل إن التوازن سيكون أفضل بالنسبة لنا جميعاً. 


-----------------------


كاتبة المقال: آن ماري سلوتر هي رئيس مؤسسة أمريكا الجديدة، وتشغل كرسي برت ج. كيرستيتر ’66 كأستاذ السياسة، والشؤون الدولية، بجامعة برينستون. شغلت سابقاً منصب مدير تخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأمريكية، وعميد كلية وودرو ويلسون للشؤون العامة والدولية في برنستون.


🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸

#شمس_الهمة

#مقال_من_الأرشيف


كنت من قبل أعادي الروايات

 

كنت من قبل أعادي الروايات وأحذر منها بشدة، ذلك أن الهادفة منها نفعها قليل..والبقية تحمل مفاهيم وسموم وأفكار وايديولوجيات تتسلل بهدوء إلى عقولنا فتدمرها.
كنت أعادي الكتابات الرومنسية أيضا، وأدعو للتطرق لقضايا أهم، لم أعتقد أنه يمكن توظيفها في الكتابات الملتزمة.
وكنت أعادي قنوات الطبخ، وكتب الطبخ بسبب كثرتها، وأدعو النساء لفتح قنوات خاصة بمراجعات الكتب وتثقيف الفتاة.
لكن اكتشفت بعد ذلك، أني كنت مخطئة..
محاربة الروايات، أو محاربة قراءتها غير مجدية للأسف، حتى لو كتبنا المئات من المقالات..
الطريقة الناجعة كما قال الشيخ عبد الله العجيري(الذي قال أنه كان يحذر منها ثم تراجع عن ذلك)
الطريقة الناجعة هي التوجيه، توجيه القارئ للروايات العالمية النافعة، بدل محاربتها بالكلية.
نوجه القارئ للروايات النافعة، الادب الروسي مثلا ...عالمي..نهضوي...نظيف وهادف.
أما الطريقة الأنجع فهي تقحم هذا الفن من قبل الأقلام الملتزمة، وهذا ماصرنا نراه مؤخرا
(وداوها بالتي كانت هي الداء).
فللروايات أسلوب جذاب، ومسل، ويمكنك تضمين الرواية الإسلامية بمفاهيم تتغلغل في العقول، وتؤثر بالقلوب أكثر من المواعظ المباشرة.
تضمين الرومنسية في الأعمال الملتزمة نجح فيه كثيرون فاستمالو الكثير من الشباب(كتابات دعاء عبد الرحمن، رقية طه، حنان لاشين) وغيرهن كثيرات..ولم أكن أتخيل من قبل أن توظيف الرومنسية سيعمل كل هذا التأثير والنجاح.
اليوم وككل مرة أصور فيها طبخات وأضعها بالستوري، تنهال علي الكثير من الرسائل( المئات)، لدرجة أني أندم على وضعي تلك الصور بسبب الكم الهائل من الرسائل.
وعكس ذلك لا أتلقى مشاهدات وتفاعلات، لو وضعت اقتباسات من الكتب، أو شيئا من هذا القبيل.
حينها اكتشفت مهما أنه مهما بلغت درجة العلم و التعلم عند الجنسين (الرجل و المرأة)تبقى الأدوار الفطرية هي أدوارهما في الحياة..
أنا أؤمن أن القراءة والتثقيف للفتاة، هو أهم ألف مرة من تعلمها للجلي والطبخ وكيف تدقّ الثوم بطريقة عصرية حسب قناة فتافيت، لكن المرأة المثقفة تدرك مع الوقت، أن جزءا من كونها أنثى كاملة هو العناية بأهل بيتها لأنه تعبير عن حبها لهم.
لذلك من أرادت فتح قناة يوتيوب نافعة، فلتلجأ إلى الطبخ والحلويات، وتضمن الفيديو نصائح عن كتاب أو مراجعة له، أو أفكار للصدقات، أو خواطر دعوية.وأضمن لها ان نسب المشاهدة ستكون أعلى مما لو فتحت فقط قناة خاصة بالكتب، وهكذا تتمكن من التأثير والتغيير باذن الله.
لكي تؤثر في هذا الجيل، استخدم أدوات العصر التي يفهمها، بدل محاربتها.
لبنات هبلتوني بالرسائل على الستوري 😂😂
كل التحية كل الحب❤🌸
#شمس_الهمة

فكرة الترند

 كتبت سابقا أن فكرة

 الترند عندي= فكرة للإلهاء

فكرة الترند أنك تستفز الجمهور بفضيحة غير أخلاقية، أو أمر شاذ أو غريب أو أمر يمس الدين والقيم.

وللأسف الجمهور وبكل سذاجة يقع فريسة للترند.

وغالبا لا أثق بقصة الترند تلك، فكثير منها مفتعل.

ولا أثق بأطرافها أيضا..

فالضحية إما تكون طرفا في المؤامرة، وممثلا بارعا فيه، بينما نعتقد نحن أنه ضحية مسكين.

أو تكون فعلا ضحية في عمل أكبر منه، ويراد من وراءه أهداف بعيدة أو قصيرة الأمد.

(إكرام الجزائرية أنموذجا)...(بشرى عقبي أنموذجا)..

قصة الأستاذ( المعسكري) الذي طرده المدير من منصبه..لم أكن مرتاحة لها منذ البداية وعرفت أنها ستكون ترندا لمدة أسبوع أو يزيد..

 القصة كامل فيها اللوش..

سلوك المدير مرفوض تماما طبعا..

لكن تجنبت الخوض في تزكيات للأستاذ، واعتباره بطلا قوميا، مع أني أتعاطف مع حقه، وأقف في صفه... 

لأننا تعودنا وساخة المخابرات، وافتعالهم لهكذا قصص بحيث تكون اليد الطولى لهم في الأمر..

ثم بعد أسابيع، ربما أشهر...تظهر قضية ضد الأستاذ المتحدث باسم الدين، ويقال هاكم من كنتم تدافعون عنه، ماذا فعل؟

والإسقاط هنا (قصة إكرام أنموذجا).

إشغالنا كل مرة بجدل الثنائيات(وطنيين_زواف)،(عرب،قبايل)،(علمانيين_إسلاميين)...هو لأجل تشتيت عقولنا وإلهائنا عن قضايا أكبر أهمها الديكتاتورية والظلم..

اليوم تم تبرئة عبد المالك سلال، ونحن في خضم معركة الترند بين المدير والأستاذ.

وبالأمس القريب تمت تبرئة الهامل من إحدى التهم، وكنا وقتها منشغلين بجدل (حرب المغرب الشقيق)

 

#شمس_الهمة

ما سبب ضعف الرواية الإسلامية؟!

 ما سبب ضعف الرواية الإسلامية؟


كما هو معروف أننا ابتعدنا كثيرا عن قواعد لغتنا الأم، ونقاط القوة والجمال فيها، فصرنا لا نتذوق كلام الأولين لأننا ببساطة لا نفهمه، ولا نتقنه.

فصار الكتاب العرب المعاصرون يكتبون بدون إلمام ولا اتقان، ولمس هذا جميع الفنون من نثر و شعر

فاختل الوزن والنظام، وفسد الذوق العام.


لدرجة أن شيخ العربية أبو فهر محمد محمود شاكر قال:((فمنذ وقت طويل، لم نعد نملك في أذواقنا عبقرية اللغة العربية، يمكننا أن نستبنط من موازنة أدبية نتيجة عادلة حكيمة.))


ويقول الطنطاوي ذات الشيء تقريبا عن شعر الحداثة وكتابات الكتاب المعاصرين.


لكن كمبتدئين في هذا المجال، قرأنا للرافعي والمنفلوطي وغيرهما

وقرأنا لأدهم الشرقاوي والعتوم وأحلام مستغانمي ومي زيادة وغسان كنفاني وبثينة العيسى وغيرهم.

لكن الجميع حين يقرأ للرافعي يحس بالصعوبة والإرهاق فيلتفت لكتابات أحلام مستغانمي وغسان فيجد السهولة والبساطة والجمال وانسياب الحرف متزامنا مع دفق الشعور ودقة الوصف.


لكنك إن أثنيت على فنيات وأسلوب هؤلاء المعاصرين تقابلك وجهات نظر معاكسة وعدم اعتراف بأي جمالية في طريقة كتابة هؤلاء بينما يتم الثناء فقط على الرافعي والمنفلوطي وووو


شخصيا حين قرأت للرافعي ستة مؤلفات لم ترقني سوى ثلاثيته(وحي القلم) لقد كانت العمل الخالد المجمع عليه من جميع القراء بالجمال، في حين لم ترقني كتبه الأخرى التي قرأت، وأصابتني بالارهاق والملل.


لم أكن أعرف لماذا، ولم أكن أجرؤ على قول أنها لم ترقني مثل سلسلة وحي القلم، حتى وقعت على مقال للشيخ الطنطاوي قال فيه أنه كان منبهرا لفترة بالرافعي ثم زال ذلك الانبهار بعد أن وقع على كتب المنفلوطي لأنه وجد في كتب الأخير بساطة الكلمة ودفق الاحساس في مقابل التكلف الذي كان متبعا في كتابات الرافعي. فقال عنه:((وعلى رأيي أن الرافعي قد بدلته الأيام، فلم أعد أستحسن من الأساليب إلا ما قارب الطبع وبعد عن الصنعة)).

ثم قال أنه مالبث أن زال انبهاره بالمنفلوطي حين قرأ رفائيل للزيات فوجده كنزا من كنوز النثر.


لأعترف أن كلام الطنطاوي أراحني قليلا، فأن تحس أنك بعيد جدا عن لغتك الأم ولا تحسن تذوق ما يجمع عليه الناس، يشعرك وكأن اللسان استعجم، وأن ذوقك كاسد فاسد.


غير أن القراءة لبعض الكتاب المعاصرين(الروائيين بالتحديد)، الذين ذكرت أسماء بعضهم وأتحفظ عن ذكر أسماء البعض الآخرين بسبب فساد مضامين ما يكتبون، لطالما أبهرني وسحرني واجتذبني بقوة، ذلك أن الكتابة شاعرية، وطريقة السرد والوصف رائعة، إضافة إلى رصد الأحاسيس والمشاعر والانفعلات البشرية بدقة لامتناهية.


ولم أكن أعرف السبب، سبب أني أنجذب لكتابات الروائيين-غير الملتزمين- بينما أنفر وأستثقل روايات الملتزمين(أستثني هنا الروائي أيمن العتوم)، حتى وقعت على اعتراف من الشيخ سلمان العودة قال فيه:((قراءة تلك الروايات على مافيها من مجون صارخ، عودني سهولة التعبير، وتجنب الضغط على الحروف أوالتفاصح، والتنطع في المخارج كما كان يوصي به أئمة اللغة كأبي عمرو بن العلاء والأصمعي)).


ثم عثرت على مقولة لقاسم أمين يقول فيها:((الكاتب الحقيقي يتجنب استعمال المترادفات فلا يأتي باسمين مختلفين لمعنى واحد في مكان واحد، لأن ذلك يكون حشوا في الكلام مستهجنا، ودليلا على فقر في الفكر والخيال، ولكن إذا كان المقال يستدعي ذكر عدة معان متقاربة يجمعها معنى واحد، فاستعمال المترادفات الموضوع لها حسن، وقد يكون مطلوبا إذا كان لازما لتسهيل فهمها أو إظهار الفروق التي بينها، كذلك الكاتب المجيد لا يضع صفة بجانب الاسم إلا إذا اقتضى الحال أن يميزه بصفة مطابقة للواقع، على أن الاعتماد على ذكر الصفات والمبالغة فيها بقصد التأثير هو أقل درجات فن الكتابة، ويفضلها بكثير طريقة الغربيين الذين يعولون في الوصف على ذكر الوقائع وشرح ظروفها وتحليلها تحليلا دقيقا، أو تشريح الإنسان وفتح جوفه وكشف ما خفي من أعصابه، وسبر غور أحشائه، والتسمع على نفسه لإدراك ما يدب فيها من النزعات والخواطر والأميال والحركات، ويوصف منظر الشي بهيلكه التام بأجزائه كلها ليحدث في نفس القارئ والسامع صورة كاملة وشعورا تاما، وأثرا باقيا.))


ويجيب الأديب الكبير فايز محمد عن هذا الإشكال بقوله:((الكتابة الروائية هي كتابة فنية...والكاتب الروائي لابد أن يكون فنانا.

هنالك نوعان من الكتاب، الكاتب الفنان والكاتب الباحث الدارس المفكر العالم...هذا الأخير أعني الكاتب المفكر الدارس الباحث لا بصلح للكتابة الروائية...لأنه لا يمتلك الملكة الفنية...

الكتابة الروائية فن....يتطلب ملكة فنية...وليس كل من كتب رواية فنانا...كما أنه ليس كل من كتب قصيدة أو ديوانا شاعرا...الفن نقل للأحاسيس والانفعالات...وليس نقلا للمعاني والأفكار مجردة من الإحساس والانفعال...

و الأمر يشمل الكتاب الإسلاميين بشكل خاص.

غالبيتهم يستعمل المواد التاريخية والرسالة الوعظية بطريقة مباشرة تقتل الرواية.

لا بد من التنبيه إلى أن الرواية ينحط مستواها الفني....إذا ما دخلها التعليم والوعظ...اللهم إلا إذا كانا غير مباشرين وغير مكثفين...

وهذا ما يغيب عن ذهن الكثير من الكتاب الملتزمين حين يكتبون فن الرواية...

فتأتي أعمالهم إما تعليمية أو وعظية بحتة وجافة.

مكتظة بالتعليم والوعظ المباشرين الصريحين..))


أنتم ما رأيكم؟


#شمس_الهمة







العيد

 تلك اللحظات الحرجة قبيل يوم العيد، ذلك التعب، والضغط، تلك الأمور التي أنجزت نصفها والنصف الآخر ينتظر منك اتمامه حالا، ذلك التوتر، وتلك الأع...