الخميس، 5 أغسطس 2021

ظاهرة انحراف وإلحاد أبناء الملتزمين:

ظاهرة انحراف وإلحاد أبناء الملتزمين:(الجزء الأول)

من الملاحظ أن مستوى التدين لدى جيل الآباء والأجداد، كان متدنيا جدا، وكانت الأخلاق متوافقة مع تلك النسبة من التدين.فقد تشاهد الآباء يكذبون، يسمعون الموسيقى، يدخنون بشكل عادي، يمارسون البدع....
لكن حين نشأ جيل الأبناء، لم يعرف ذلك الجيل انحرافا خطيرا ولا إلحادا.
ثم جاءت الصحوة في السبعينات وتدين معظم الشباب الذين أصبحوا فيما بعد أزواجا وآباء.
والذين سعى معظمهم لإنجاب جيل النصر للأمة، لكن ماذا حدث؟

يقول عبد الرحمن ضاحي صاحب كتاب "أبناء الملتزمين.. توريث الإلتزام آباء تهوى وأبناء تأبى"
((مع بداية الصحوة الاسلامية في السبعينات وانتشار الوعي الديني في الأرجاء، وحين عزم جيل الصحوة علي الزواج، ظننا بل تيقنا أنهم سيخرجون للأمة الاسلامية جيل النصر والتمكين الذي علي يده سيكون النصر للإسلام، ولكن أتت الرياح بما لا تشتهي السفن، وجدنا أنهم أخرجوا جيلا غير المتوقع. إلا من رحم الله. جيلا سلك سبلا أخرى غير الالتزام بالشرع. جيلا متمردا على توريث الإلتزام رافعا شعار لن أعيش في جلباب أبي.))

والسبب الذي جعل المؤلف يكتب الكتاب، أن ذلك الأمر لم يكن حالات خاصة، أو إخفاقات فردية هنا وهناك لا تصلح للتعميم، إنما بحسب تجربة الكاتب وخبرته واحتكاكه الدائم مع أوساط المتدينين وجد أنها تكاد تكون حاضرة في كل بيت يعرفه، وتكاثرت وانتشرت حتى باتت ظاهرة ملحوظة.

ويوافق ذلك ما صرح به المختصون في ملفات الإلحاد كالشيخ عبد الله العجيري وأحمد السيد والمهندس فاضل سليمان الذي قال أن نسبة كبيرة من الملحدين انبثقت عن أسر ملتزمة.

قد يقول قائلون من منطلق التبرير لهذه الحالات المقولة الشعبية التي تقول أن الشيطان يتسلط على أبناء العلماء والملتزمين، وقد يستحضر آخرون قصة نبي الله نوح مع ابنه الكافر ليبرر وقوع تلك الحالات.
وأنه محض ابتلاء قد يقع لأي كان فما الغريب في أن يكون من أبناء الملتزمين المنحرف والضال والتارك لدينه؟
لكن يقول الكاتب أنه لا مجال للمقارنة هنا بين تقصير وجهل الملتزمين على عكس نبي الله نوح الذي علم وبذل وقام بالواجب على أكمل وجه.
ولو كانت حالات فردية فلربما صح القياس، أما والأمر منتشر ومتكرر بشكل كبير فهنا لا ينبغي تبرير التقصير وتسويغه باستدعاء حالة ابن نوح عليه السلام.

وما دفعني للقراءة عن الموضوع والكتابة عنه أني عايشت التجربة شخصيا، كوني ترعرعت في عائلة محافظة منذ نعومة أظفاري، في زمن كانت فيه العائلات المتدينة -إن صح التعبير- تعد على الأصابع، وتعيش غربة حقيقية، ثم كبرت قليلا وعاينت بنفسي كيف أصبح أبناء هؤلاء؟

فما هي أسباب تلك (الظاهرة)، وما هي جذورها وبواعثها وخلفياتها؟

الكاتب عبد الرحمن ضاحي قدم عدة أسباب في كتابه، لكن برأيي الشخصي لم يوفق الكاتب في إيصال فكرته كما ينبغي، وغالب الأسباب التي قدمها نظرية غير متعمقة، وغالبها معروف لدى كل من يقرأ بحوثا أو كتبا حول العملية التربوية، ويشترك في تلك الأسباب جميع الآباء، ملتزمين كانوا أو غير ملتزمين.

لكن في مقالي هذا سأحاول تخصيص الأسباب التي يقع فيها الملتزمون وحدهم دون غيرهم من الناس، كإضافة لما جاء في الكتاب القيم، والتي كنت أتمنى أن أجدها، والتي بذكرها يمكنك معرفة مكونات الوصفة التربوية، التي يعتمدها غالبية الملتزمين والتي تؤدي غالبا لنفس النتيجة.

1) المراهقة الدينية، التدين الشكلي، وانعدام النضج الديني:
غالبية الشباب اليوم في الوطن العربي عموما، والجزائر بالخصوص شباب حديثو عهد بالالتزام، وجلهم انبثق عن أسر غير ملتزمة عاش أفرادها انحلالا وانفلاتا عقب حمى الحداثة والعصرنة التي أصابت كافة المجتمعات، وتجسدت مظاهرها في الجهل بالدين، والتبرج، والانحلال، وتردي الأخلاق.
وعليه غالب التدين الذي انطبع على حياة الناس اليوم تدين شكلي ظاهري لازال في بدايته ولم ينضج عند الغالبية -إلا من رحم ربي- وهذا الأمر خطير كون الملتزمين بهذا الشكل، أنصاف متعلمين يكثر فيهم التعالم والغرور، ولم يرتقوا في مراتب التزكية والأدب.
وهذا الأمر ينبثق عنه جل المشكلات الآتي ذكرها تباعا.

2) اختيار الزوجة:
بسبب الانحلال وكثرة التبرج والمجون، يعمد الملتزمون الجدد لاختيار زوجة بمواصفات نعجة(قطة مغمضة) فتاة لم تكمل تعليمها، لا تعرف الفيس بوك، لا تملك هاتفا شخصيا، ولا تعرف من أمور التكنولوجيا شيئا، وذلك بسبب متلازمة الخوف من المرأة القوية بالعلم، أو المثقفة عموما نتاج ثقافة التعميم والصورة النمطية التي رسمها هؤلاء حول الفتاة المتعلمة، فآثروا الجهل واحتفوا به، وزهدوا في العلم وأهله.وكل ذلك بسبب مخاوف من تجارب حدثت لبعضهم، تسربت إلى أذهان الشباب وأصبحت توجههم إحجاما وإقداما. وكأنهم يريدون الشيء المأمونة نتائجه، فلا يلتفتون إلى أنهم بذلك يحرمون أنفسهم من نعمة الاختيار واتخاذ القرار.

وباختيار الرجل هكذا امرأة سيهنأ في البداية، بفتاة تجيد قول نعم، حاضر ولا تخرج عن قمقم الطاعة المرسوم، ثم تمتد الأيام، ويطحن الزوج في مشاغل الحياة، وتجد الزوجة نفسها أمام مهمة تربية الأبناء لوحدها ومن دون توجيه يذكر.
((وأتذكر في هذا الصدد قصة بعنوان الغولة من كتاب 55مشكلة حب، يحكي فيها صاحبها للدكتور مصطفى محمود كيف أنه لا يثق بجميع نساء زمنه من المتعلمات، وحين تزوج اختار قطة مغمضة، ضمن معها أنه سيعيش مرتاحا فهي امرأة لا تغري أحدا من الرجال، لكن وبعد الزواج تحولت من قطة تموء إلى ذئب يعوي، وباتت تعامله كقشرة موز لا نفع فيها، ولا تحتاج إليها.
وأضحت تلك النعجة كبشا أقرن، وكائنا ممسوخا على هيئة غول.
فما كان من الدكتور مصطفى محمود إلا أن وضح له أن المشكلة الحقيقية فيه.وفي هذا النمط من التفكير الذي أضاع الأمة.))
فكيف للمرأة أن تربي جيلا وهي حبيسة المنزل لا تعلم شيئا عن معارك الحياة؟!
كيف تربي جيلا قويا وهي لا تعرف كيف هي أحوال الدنيا وتقلباتها؟!
كيف تربي جيلا سويا وهي لا تعرف من أمور التكنولوجيا شيئا يذكر؟
ونحن إذ نطرح هذا التساؤل في وسائل التواصل الاجتماعي، نفاجأ بردود الشباب ومقارنتهم بين النموذج غير المتعلم وجيل الأمهات الأميات، فيقولون أن التربية شيء فطري لا يحتاج علما ولا تكنولوجيا وأن أمهاتنا أنجبن الرجال دون حاجة لشهادة أو فيس بوك أو غيره.
في حين أن هذه المقارنة وهذا القياس خاطئ، ففي زمن الجدات والأمهات، لم تكن هنالك مشتتات وملهيات ووسائل تواصل وتكنولوجيات حديثة، أما عصرنا فهو عصر المعلوماتية والتكنولوجيا، ويلزم على الآباء والأمهات ألا يكونوا غرباء عن زمن أبناءهم، وأن لا يجهلوا لغة العصر التي أصبحت ضرورية لمواجهة الغزو الفكري الناعم الذي يتسلل إلينا عبر هذه الوسائل.

والقياس الخاطئ الآخر الذي لا يصح هو قولهم أن التعليم الجامعي لا يرتقي بطالباته، لأنه تعليم لأجل الوظائف وحسب.وأنه لا فرق هنا بين الجامعية المتعلمة والتي لم تكمل تعليمها، وأن العبرة بالأخلاق والتربية والعلم الشرعي من مظانه.
ونحن إن سلمنا بهذا القول وأن كل التخصصات الجامعية مهنية بحتة، إلا أن القياس فاسد ولا يصح.
ولا يمكن بحال مقارنة الانسان المتعلم مع من هم دونه، وأن البيئة المتعلمة تؤثر في الأفراد وتنعكس إيجابا على أخلاقهم، وذلك لعدة أسباب هي الصحبة والجو العام، ومخالطة أصحاب التخصصات الأدبية والعلمية والثقافية والفكرية وكذا الشرعية، وبالتالي تداخل العلوم واكتساب المعارف ورقي الفكر والأخلاق التي تنمو بطول المعاشرة.
وأن الابتعاد عن هكذا جو سواء للشاب أو الفتاة ينسي المرء كل المعارف المكتسبة، وتكسبه معاشرة الدهماء ومحدودي الفكر والعلم ثقافة شعبية تسهم بتردي المستوى المعرفي والفكري والشرعي وكذا السلوكي.
فإذا كان هذا حال الشاب فكيف تصبح الفتاة الماكثة بالبيت حين تغرق في مستنقع الأيام غير المنضبطة بنظام أو جدول؟
المرأة أعدت لأدوار عظيمة إن أحسنا تهيئتها لذلك، و إن كانت التربية المستقيمة لها أهم سبل التهيئة فإنها وحدها غير كافية... العلم الصالح من مصادره الطيبة و المعرفة الاجتماعية التي لا تتسنى إلا بالانتماء للمجتمع، يشكلان عاملان هامان الى جانب التربية للتهيئة السليمة للمرأة بعيدا عن كل العقد النفسية ....
المرأة دون الرجل كائن رسالي، لا يعني أن لا رسالة للرجل إنما الدور الرسالي للمرأة أعمق و أهم " المرأة مدرسة إن أعددتها أعددت شعبا طيب الاعراق"... دورها أساس في تنشئة مجتمع سليم من خلال تنشئتها للمصلحين المنشودين لذلك...
هكذا دور ألا يحتاج الى تنشئة نساء أهل لذلك : تنشئة تربوية، علمية، معرفية، واجتماعية؟!
للأسف لا يتأتى كل ذلك بحبسها بالبيت، لأنه أصبح من الصعب التفلت من الملهيات فيه، من أشغال يومية، و برامج تلفزيونية تبعدها عن النشأة السليمة ، أضف إلى ذلك صعوبة التعلم بدون معلم معين يساعد بشكل خاص على الانضباط، و تحديد المصادر الأهم لطلب العلم.
صار لزاما علينا الالتفات إلى ذلك، فنحن ننادي بالإصلاح و نفسد أهم حلقة فيه " المرأة".

القياس الآخر الفاسد الذي يقول أن كل من تلزم البيت طاهرة عفيفة، وكل من تعمل أو تدرس ماكرة خبيثة، هو قياس فاسد أيضا، ولعل هذا الاقتباس المنقول يوضح المقصود:
((لا أدري كيف نفتخر بعفة نسائنا، ونحن نعتقد أنهن مصونات بقوة الحراس، واستكمام الأقفال، وارتفاع الجدران؟"
أيقبُل من مسجون دعواه أنه رجل طاهر لأنه لم يرتكب جريمة وهو في الحبس؟
فإذا كانت نساؤنا محبوسات محجوبات فكيف يمكنهن أن يتمتَّعن بفضيلة العفَّة؟ وما
معنى أن يقال إنهن عفيفات؟ إن العفَّة هي خلق للنفس تمتنع به من مقارفة الشهوة مع
القدرة عليها، ولعل التكليف الإلهي إنما يتعلَّق بما يقع تحت الاختيار لا بما يستكره عليه
من الأعمال؛ فالعفَّة التي تُكلَّف بها النساء يجب أن تكون من كسبهن ومما يقع تحتَّ اختيارهن، لا أن يكن مستكرهات عليها، وإلاَّ فلا ثواب لهنَّ في مجرِّ د الكف عن المنكر؛

والحقيقة أننا نعمل عمل من يعتقد أن النساء عندنا لسن أهلاً للعفَّة، أليس من
الغريب أن لا يوجد رجل فينا يثق بامرأة أبدا مهما اختبرها ومهما عاشت معه؟ أليس من
العار أن نتصور أن أمهاتنا وبناتنا وزوجاتنا لا يعرفن صيانة أنفسهن؟ أيليق أن لا تثقَّ بهؤلاء العزيزات المحبوبات الطاهرات وأن نسيء الظن بهن إلى هذا الحد؟
إني أسال كل إنسان خالي الغرض: هل هذه المعاملة يليق أن يعامل بها إنسان له
من خاصة الإنسان ما لنا؟ فهو مثلنا له روح ووجدان وقلب وعقل وحواس، وهل سوء
الظن في المرأة إلى هذا الحد يتَّفق مع اعتبارنا لأنفسنا واعتبار المرأة لنفسها؟))

3)فكرة العزلة المعقمة(الغيتو):

العزلة الاجتماعية هي أكثر شيء عرف به المحافظون والملتزمون وطبقوه ظنا منهم أنهم بهذا يقومون بحماية أبناءهم من رفقاء السوء ومن الضياع، فنشأت أجيال انطوائية تعيش على الهامش بمعزل عن الناس، فلا تتأثر ولا تؤثر في الأحداث والعالم والناس.
وانعزالنا عن العالم الخارجي يفقدنا الكثير من القدرة على استيعاب العالم الخارجي، ما يحصل فيه من تطورات وتغيرات، في كافة المجالات دون أن يكون لنا مشاركة في أي نشاط أو إبداع.
هذا الغيتو هو بمثابة آلية دفاع غير واعية يتبعها الآباء خوفا على الأبناء، وهو ردة فعل متطرفة على انتشار الفساد والمجون والآفات.
ولأن هؤلاء يعيشون بمعزل عن الناس، فهم ليسوا غرباء كما يدعون، فهم لم يخالطوا الناس ولم يصبروا على أذاهم.
وهنا يكون التحدي كبيرا على من يختارون الطريق الوسط، لا إفراط ولا تفريط، ويصبح التحدي الحقيقي في التوسط والاعتدال، وهؤلاء الوسطيون المعتدلون هم فقط من حق لهم وصف" كالقابض على الجمر".

وفي هذا يقول الدكتور أحمد خيري العمري:((من أكبر أخطائنا التي -ندفع وسندفع ثمنها باهظا- هو أننا اعتبرنا التدين والإلتزام الديني يحتم بناء "غيتو" اجتماعي، ننعزل فيه عن بقية المجتمع ينما نحاول إقناع بقية أفراد المجتمع بالالتحاق فيه أيضا، لم يجبرنا أحد من خارج الغيتو على بنائه، كما كان الأمر في غيتوات اليهود في أوربا في مرحلة ما، بل كان نتيجة عقلية فرز متزايد باتت تحكم رؤيتنا لكل الأمور.
عقلية الغيتو هذه سيطرت على مفهومنا عن التدين بصيغ كثيرة، وأثرت على علاقاتنا الاجتماعية.
كل ماهو خارج الغيتو فاسد، وكل ماهو داخل الغيتو طاهر، كل من يدخل الغيتو يتطهر من مفاسد الخارج، وكل من يخرج من الغيتو يفسد ويتخلى عن طهره، بشعور وبلا شعور حكمنا على العالم من خلال ثقب في أبواب الغيتو، وحكمنا على أنفسنا كذلك.
وقال أيضا: أن ثمن هذا باهظ جدا ))انتهى.
فطريا وعلميا فكرة التعقيم المبالغ به ضارة جدا وتنعكس سلبا على أصحابها، انظر مثلا لأطفال المدن يمرضون إذا أصابهم مرض، ويتسممون إذا أكلوا فاكهة ولم يغسلوها، من فرط الحماية صاروا أضعف!!
أما أطفال الأدغال في إفريقيا فليس لديهم مستشفيات، لكنهم قليلا ما يمرضون، لقد اعتادت أجسادهم أن ترعى نفسها، تكيفت مع الصعاب، فصارت أقوى.

لذلك غالب من يستعملون هذه الطريقة مع أبناءهم، لن يجنو سوى الخيبة، فتجد أبناء مستعمرة الغيتو، أكثر عرضة للانحراف والإلحاد، والضياع، وكثيرا ما شاهدت فتى شب عن الطوق وغادر أسرته ليلتحق بالجامعة، وإذا به ينقلب رأسا على عقب، ويكون أكثر عرضة للانحراف من غيره من الشباب.

وأذكر هنا قصة ذكرها المهندس فاضل سليمان، يقول فيها جاءني أب وأم ملتزمين يشكوان تنصر ابنهما وارتداده عن الإسلام وانتقاله للمسيحية، وبعد محاورات كثيرة، تبين أن الأهل كانوا ينفرون أطفالهم من جيرانهم المسيحيين، ويكرهونهم لهم، ويبالغون في تحذيرهم منهم، ومنعهم من التواصل معهم خوفا عليهم، كبر الشاب، والتحق بالجامعة، وهنالك تعرف على أصدقاءه وجيرانه المسيحيين فوجدهم لطفاء وكرماء، على عكس ما لقنوه طيلة فترة كبيرة من حياته، وحين اتضح له زيف ذلك، انقلب على والديه وعلى المنظومة ككل.
وطبعا ليس المطلوب هنا أن نترك أبناءنا مثل غيرهم، يعيشون هملا و سبهللا، إنما التربية والتأديب مع إدماجهم في المجتمع شيء ضروري لصحة العملية التربوية.

.........يتبع

ظاهرة انحراف وإلحاد أبناء الملتزمين(الجزء الثاني)

4)الفصام بين التدين الشكلي والسلوك:
يقول المهندس فاصل سليمان أن جيل الآباء والأجداد على جهله وأميته ومساوئه، لم يعرف أبناؤه الإلحاد، وذلك لأن ذلك الجيل لم يكن متدينا، لذلك أي خطأ أخلاقي كان يحدث، لا يتناقض مع مستوى التدين آنذاك، لأن مستوى التدين كان ضعيفا.
‏وعليه لم يسبب ذلك مشكلات، أو صراعا نفسيا للأبناء.
‏لكن جيلنا يعيش حياتين متوازييتن، حياة المسجد وسجادة الصلاة، وحياة أخرى لا تمت للإسلام والمبادئ والأخلاق بصلة في البيت.
‏لكن من يكشف هذا؟ ومن يلاحظه أكثر؟
‏الأطفال، أبناؤنا وفلذات الأكباد
‏لذلك برزت ظاهرة جديدة، تسمى إلحاد أبناء المتدينين خصوصا. وأكثر من غيرهم
‏ومن أسباب الإلحاد الرئيسية، هو أن الطفل يفقد احترامه لأهله المتدينين، وللمتدينين خصوصا لأنه يرى فيهم نفاقا أو كيلا بمكيالين، ادعاء التدين.
لأن هنالك آباء يمارسون التدين وعند التطبيق يقومون بتنحية الدين جانبا، وتنحية الأخلاق التي يدعو إليها.(تزكية النفس، تجريح العلماء، الغتبة والنميمة، الفظاظة في القول والمعاملة، عدم احترام الوقت، إخلاف المواعيد....وهلم جرا)

5) كثرة الوعظ، واستخدام النصيحة كسياط لجلد الأطفال، ووسيلة عقابية بدل أن تكون تربوية:
أحد الآباء اشتكى لأحد المتخصصين إلحاد ابنه، وبعد أسئلة ومحاورات كثيرة معه، تبين أن العائلة ملتزمة، وشخصية الأم متشددة، فقد كانت تأمر أبناءها بالصلاة من سن الرابعة، وتلزمهم ببرنامج صارم قتل طفولتهم، وتسبب بنفورهم من الدين.
وفي صحيح مسلم :
((كانَ عبدُ اللهِ يُذَكِّرُنَا كُلَّ يَومِ خَمِيسٍ، فَقالَ له رَجُلٌ: يا أَبَا عبدِ الرَّحْمَنِ إنَّا نُحِبُّ حَدِيثَكَ وَنَشْتَهِيهِ، وَلَوَدِدْنَا أنَّكَ حَدَّثْتَنَا كُلَّ يَومٍ، فَقالَ: ما يَمْنَعُنِي أَنْ أُحَدِّثَكُمْ إلَّا كَرَاهيةُ أَنْ أُمِلَّكُمْ، إنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ كانَ يَتَخَوَّلُنَا بالمَوْعِظَةِ في الأيَّامِ، كَرَاهيةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا)).

كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أحسنَ الناسِ تَعليمًا وتربيةً لأصحابِه؛ فكان يُعلِّمُهم بالقولِ والفِعلِ، وقد نقَلَ الصَّحابةُ الكِرامُ هَدْيَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الموعظةِ.وفي هذا الحديثِ يَحكي عبدُ اللهِ بنُ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان مِن شِدَّةِ حِرصِه على انتفاعِ أصحابِه واستفادتِهم مِن وَعْظِه وإرشادِه؛ أنَّه لم يكُنْ يُكثِرُ عليهم مِن ذلك، وإنَّما يَتعهَّدُهم بالمَوعظةِ في بعضِ الأيَّامِ دونَ بعضٍ، ويَتحرَّى الأوقاتَ المناسبةَ، الَّتي هي مَظنَّةُ استعدادِهم النَّفسيِّ لها، وإنَّما كان يَقتصِرُ على الوقتِ المناسبِ خَوفًا على نُفوسِهم مِن الضَّجَرِ والملَلِ، الَّذي يُؤدِّي إلى استثقالِ المَوعظةِ وكَراهتِها ونُفورِها، فلا تَحصُلُ الفائدةُ المَرجوَّةُ.وفي الحديثِ: بيانُ رِفقِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وعَظيمِ شَفقتِه بأُمَّتِه؛ ليَأخُذوا الأعمالَ بنَشاطٍ وحِرصٍ عليها، لا عن ضَجَرٍ ومَلَلٍ.موسوعة الدرر السنية.

6) الظلم، والتسلط وأنماط الشخصية:

يقول الأستاذ أحمد يوسف السيد في سلسلة سوية المؤمن:
(( أن الانتكاس أو الٱلحاد أحيانا يكون بسبب الأب.
يكون عندنا شاب عادي، والأب ملتزم مستقيم ومتدين، وأحيانا لا يتعامل الأب مع الابن بطريقة صحيحة، وتكون الصيغة التعريفية التي يفرض الأب فيها توجيهاته التي لا يحبها الابن صيغة(دينية)، فيربط الولد بين هذه الشدة التي هو لها كاره، وبين الدين أو التدين أو المتدينين، وحتى الدعاة والمشايخ ...أيا كان.
لأن الأب لم يكن لديه أسلوب تربوي ولا معرفة بأحوال النفوس فكان يتعامل مع الابن بطريقة سيئة فيقلل احترامه ويعيره(يا حيوان، يا كلب، مافيك خير....وهلم جرا)
فيؤدي هذا إلى أن الابن ينتظر لحظة الفكاك والخلاص من (هذا الكائن)، ومن المنظومة الدينية ككل.
ومثال ذلك التسلط على البنات والمبالغة في الخوف عليهن وحرمانهن من حقوقهن الشرعية، والذي يكون من آثاره إما الإلحاد أو النسوية.

يقول عبد الله رفود السفياني في كتابه حجاب الرؤية(فصل الأنماط الشخصية، ص74) كلاما في غاية النفاسة، وتشخصيا دقيقا جدا يقول:
((وإذا قدر لشخص صاحب نمط غير متشدد ومنبسط ويتمتع بقدر كبير من الانفتاح مثلا أن يعيش في وسط منغلق، ومنكفئ ومتشدد فإنه سرعان ما ينقلب على هذا الوسط بشكل شبه ثوري في أقرب فرصة نفسية مواتية، ويكون ارتداده أكثر تطرفا لأن النفس التي ظلت خارج نمطها الشخصي، تحاول تعويض ما فات.
وقد يفسر لنا هذا ما يحدث من بعض الذين خرجوا من تيارات إسلامية محافظة أو متشددة إلى أجواء أكثر لبرالية وتحررا، ليثوروا على الكبت الذي كانت تعيش فيه أنماطهم الشخصية.
خاصة أولئك الذين أصبحوا متدينين من فترة مبكرة في طفولتهم ومراهقتهم، وحرموا أنفسهم أو حرموا بموجب تربيتهم من كثير من احتياجات مراحلهم العمرية، وعاشوا حياة جادة صارمة، ولم يعيشوا طفولتهم ومراهقتهم بكامل تجلياتها الطبيعية المقبولة.)) انتهى

7) المراقبة الشديدة للأبناء:
الإلزام والوصاية ، التجسس والمراقبة لا يخلق أبناء صالحين، بل يخلق أبناء خائفين، مهزوزي الثقة، منزوعي الإرادة.
وقد قال سيد قطب في الظلال عن بني إسرائيل:
((وليس أشد إفسادًا للفطرة من الذل الذي ينشئه الطغيان الطويل، والذي يحطم فضائل النفس البشرية، ويحلل مقوماتها، ويغرس فيها المعروف من طباع العبيد: استخذاء تحت سوط الجلاد، وتمردًا حين يرفع عنها السوط، وتبطرًا حين يتاح لها شيء من النعمة والقوة.))

8) "لا تربوا أولادكم كما رباكم آباؤكم، فقد خلقوا لزمان غير زمانكم":
قابلت مؤخرا طبيبة سلفية منقبة، وتبادلنا أطراف الحديث فقالت لي بالحرف أنها التزمت منذ عام ونيف، وتركت الوظيفة وتزوجت وأنها مستقبلا لن تسمح لبناتها بتجاوز الطور الابتدائي في التعليم، كون المتوسط والثانوي تكون فيهما الفتاة بالغة، ومحرم عليها الدراسة في الاختلاط.
وأنها ستمنع عن أطفالها التلفاز، والأنترنت وتربيهم على الطريقة التقليدية.
هكذا يخطط الملتزمون الجدد لمستقبل أطفالهم، ظانين أنهم يقومون بحمايتهم ولم يعلموا أنهم يربونهم على زمان غير زمانهم.
العالم صار مخيفا وفضيعا نعم، لكنه واقع يلزمنا التعامل معه ومواجهته، لا الفرار منه، وأن نكون جزءا منه ونحسن التعامل بأساليبه وأدواته لكي نحافظ على قيمنا وثوابتنا.
خطاب الانسحاب والانعزال عن الناس، والعيش على الهامش، والاهتمام لشؤوننا الخاصة دون شؤون غيرنا من المسلمين والمسلمات أراه نوعا من الأنانية، ناهيك أنه خطاب دروشة مرضية كدروشة المتصوفة.
فالواقع السيء، وجور الحكام وغياب العدل دفع بأسلافنا إلى الاغتراب في عالم الدراويش، ورؤى السعادة المتخيلة، والنكوص عن مواجهة التحديات  وتحمل المسؤوليات.
فتنسحب منه إلى عالم ميتافيزيقي ، وتعيش معطلة الفاعلية، لا أثر لها في الأحداث ولا وزن في مجابهة الأخطار والتحديات.
وتلون ثقافتها وقيمها بالأحلام التي تتحدث عن عدل موهوم ورخاء متخيل، وعالم تعبدي ملائكي.

والخطر كل الخطر أن يتراجع أصحاب المواهب والقدرات والإمكانات، ليرضوا بلعب دور صغير في الحياة، تاركين الساحة لمن هم أقل منهم لقيادة الدفة.
**********
إن الزاهد المنقطع في عرعرة الجبل، ينظر من صومعته إلى الدنيا، ليس بأحكم ولا أبصر ممن ينظر من آلامه إلى الدنيا.
إن الزاهد يحسب أنه قد فر من الرذائل إلى فضائله، ولكن فراره من مجاهدة الرذيلة هو في نفسه رذيلة لكل فضائله.
وماذا تكون العفة والأمانة والصدق والوفاء والبر والإحسان وغيرها، إذا كانت فيمن انقطع في صحراء أو على رأس جبل، أيزعم أحد أن الصدق فضيلة في إنسان ليس حوله إلا عشرة أحجار؟!
وأيم الله إن الخالي من مجاهدة الرذائل جميعا، لهو الخالي من الفضائل جميعا!!
#الرافعي

9) مصادرة حقهم في الخطأ:
أكثر ما يتميز به الملتزمون أنهم يخافون على أبناءهم الوقوع في الخطأ، يريدون ملائكة تمشي على الأرض كي لا تهتز صورة الأب الملتزم الملتحي، أو الأم المنقبة في حال ارتكب أطفالهما خطأ ما.
‏وهذا السلوك بغيض جدا.
إننا نبحث عن أنفسنا..من منا لم يجرب التيه؟
من منا لم يذنب؟
من منا لم يسقط؟
لكننا نحتاج لفهم حياتنا بوعي أكبر
إننا نحيا كي نصلح أخطاءنا...لا لنتفاداها
الكثير من المشاهير الذين نعرفهم بتقواهم سواء في زماننا أو حتى زمن السلف
كان منهم المخطؤون والتائبون، ثم عادوا إلى حظيرة الإيمان والإسلام.
ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: لو لم تذنبوا لذهب الله بكم وجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم هذا من رحمته وجوده أنه جل وعلا قدر على عباده وجود الخطايا ثم يتوب عليهم سبحانه إذا تابوا إليه.

ويحضرني هنا هذا الاقتباس الجميل من رواية(اسم الوردة):
لا ينبغي دون شك أن تكرر فعل ذلك، ولكن ليس شنيعا إلى هذه الدرجة، أن تكون رغبت في فعله، ومن جهة أخرى أن يجرب راهب على الأقل مرة في حياته العشق الجسدي، بحيث يمكنه فيما بعد أن يكون متسامحا، ومتفهما مع المذنبين، الذين سينصحهم ويطمئنهم، هو اذن يا عزيزي أدسو شيء لا نتمناه قبل وقوعه، ولكنه إذا ما وقع لا يستحق هذا التشنيع الكبير.

(هذه نصيحة غوليالمو لتلميذه الراهب المراهق أدسو والذي وقع في إثم الزنا، فضاقت عليه نفسه، وكبر عليه ذنبه، وحين أسر لمعلمه هدأ من روعه وبثه هذه الكلمات الرائعات، والتي نشترك كمسلمين وأهل الكتاب جميعا في هذا ويحضرني هنا ما قرره عمر بن الخطاب بقوله:« انما تنقص عرى الاسلام، عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية»
إن خبرة الخطيئة التي يحملها الإنسان بعد توبته، هي مايزيده نضجا وتواضعا، وفهما للحياة وتسامحا مع أخطاء الآخرين.

10) غياب لغة الحوار والإقناع، والتخويف من استخدام العقل:

‏فبعض المذاهب والجماعات والتيارات تعلم أتباعها أن "اغمض عينيك واتبعني"، بينما الإسلام يعلمنا أن نفتح أعيننا وأذهاننا.
‏فنحن ننتمي إلى دين يدفع أبناءه إلى الاجتهاد وإعمال العقل، وهو يؤكد لهم أن الخطأ ليس آخر المطاف، بل قد ننال عليه أجر" المجتهد المخطئ".
((إن التربية على السمع والطاعة وحدهما تخرج جنودا ملتزمين، ولكنها لا تخرج قادة)) محمد قطب.
وأحد أسباب أن الشاب الملتزم ينشأ انطوائيا، أو خجولا، أو ضعيفا مرده إلى التربية التقليدية المحافظة، التي تنشيء أطفالها في جو معقم، يفقدهم قليلا من القوة و الشجاعة الجرأة والإقدام.
وفي هذا الصدد صادفت وصفا لأحمد حسن الزيات عن المنفلوطي يقول فيه:
((المنفلوطي صحيح الفهم في بطء، سليم الفكر في جهد، دقيق الحس في سكون، هيوب اللسان في تحفظ. وهذه الخلال تظهر صاحبها للناس في مظهر الغبي الجاهل، فهو لذلك كان يتقي المجالس ويتجنب الجدل، ويكره الخطابة؛ ومرجع ذلك فيه إلى احتشام التربية التقليدية في الأسرة، ونظام التعليم الصامت في الأزهر، وفرط الشعور المرهف بكرامة النفس)).
ولعلي عزت بيجوفيتش مقال بعنوان( هل نربي مسلمين أم جبناء؟) يتناول فيه أثر تلك التربية التقليدية التي تقتل الطاقة في الشباب.

11) الخطاب الدعوي وأغلاط منهجية:
أحد أكبر الأسباب التي تؤدي بالشباب الملتزم إلى الإلحاد، أنهم كانوا ولسنوات يستمعون لخطاب ديني موحد مفاده أن الخير غالب لا محالة، وأننا سننتصر ونحرر فلسطين وأن عاقبة الظلم تكون في الدنيا قبل الآخرة.
فيلم في سبع سنين الذي بثته الجزيرة العام المنصرم، يشير لنقطة خطيرة جدا، ألا وهي المفاهيم التربوية الخاطئة أو القاصرة التي تؤدي بالشباب للإلحاد، ومن ضمن هذه المفاهيم أن المسلم سينتصر لا محالة، وأن الحق غالب الباطل، وأن المظلوم سيأخذ حقه في الدنيا، والظالم سيعاقب في الدنيا والآخرة.
لكن قد يحدث أن لا نرى ذلك، ونموت ولا نشهد ذلك.
يقال : " إن التحول في الظواهر الاجتماعية يتم ببطء شديد، والتغيير في الناس والمجتمع أمر ليس سهلا، وربما يحتاج لعقود.
بينما عمر المرء منا قصير، اذا ماقيس بعمر الحضارات، مما يجعله لا يرى مرحلة التغيير كلها بعينيه.
ربما عاصر الأسباب دون أن يرى النتائج، وربما رأى النتائج دون أن يتفاعل مع المقدمات.
لذلك نحن لسنا موكلين بالنتائج، نحن مأمورون بالدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنتائج بيد الله، فليس بالضرورة أن نعاصرها، فقد نموت قبلها.
الخطأ الثاني:
العائلات أو الخطابات الدعوية التي تزرع في عقول أبناءها فكرة أن الرزق يتبع الالتزام والملتزمين، ويبتعد عن العصاة والمذنبين فكرة خاطئة، ولها مآلات خطيرة.
...يعتقد الشباب أن الله لا يبتلي الإنسان الملتزم والمتدين، وأن المسلم إذا تدين فإن الله سيوسع عليه في الرزق، فيرزقه العمل والزوجة الصالحة، والمسكن الواسع، لذا نرى شبابا انتكسوا وربما ألحدوا إذا لم يحدث لهم ما توقعوه.
ويغفل هؤلاء أن المسلم الملتزم قد يبتلى أيضا.

الخطأ الثالث:
‏تقديس العلماء والدعاة وكل من ظاهره الالتزام، والانسياق العاطفي مع كل خطاباتهم وعدم تحكيم العقل والمنهجية خصوصا في المسائل العلمية.
‏يقول الأستاذ أحمد السيد أن ذلك التسطيح والتسخيف والمعالجة الضعيفة للمسائل تسبب بآثار عكسية حين اكتشف الشباب عدة ثغرات تطعن بها، فانقلبوا على أصحابها وعلى المنظومة الإسلامية ككل.
ولعل أوضح مثال ذكره أحمد السيد هو مثال (الإعجاز العلمي)، ذلك أننا كمسلمين كنا ننساق وراء العواطف بدون تريث ولا تفكير.
وقال أن المغالاة في موضوع الإعجاز العلمي دفعت بكثيربن إلى الانبهار وقتها، وبكثيرين إلى الإلحاد في وقت لاحق.
طيب لماذا؟!
لقد كان شباب تلك الفترة يولون أهمية فائقة لموضوع الإعجاز العلمي، ويقدسون الدعاة والمشايخ القائمين على الأمر، (تماما كما يفعل بعضنا هذه الأيام مع الشيخ إياد فيقدسونه لدرجة المبالغة).
قال أن موضوع الإعجاز العلمي حوى الكثير من المبالغات والثغرات التي اكتشفتها أجيال لاحقة فكفرت بالمنظومة كلها.
ومثاله في وقتنا ما يختص بنظرية التطور والجدل القائم حولها، وادعاء البعض بأنه تم تقويض النظرية من أساسها.
‏في حين يقول المخالفون أن هذا كلام سطحي وتضليلي للأجيال، وأن مجهوداتهم لتسخيف النظرية سطحية، وضعيفة، وبعيدة عن المنهجية العلمية في إسقاط النظريات.
‏العيال ستكبر، وهذا الأمر له آثاره على الشباب وعلى الأجيال، وإن ثبت حقا أنه لم يتم تقويض النظرية بطريقة علمية محكمة فهذا سيتسبب بمزيد من الإلحاد لشبابنا.

ختاما:
هذه بعض النقاط كتبتها على عجالة ومن غير ترتيب ولا تدقيق. ولا يزال في جعبتي نقاط أخرى لم أتناولها خشية التطويل، ولعلي أفعل ذلك مستقبلا باذن الله.
وكوني عشت في بيئة ملتزمة، عايشت بنفسي تجربة مؤلمة في أسرتي الصغيرة.
لا تزال تلقي بظلالها على نفسيتي وتفكيري، ولعلي لم أتجاوز الصدمة بعد كوني لم أتجرأ وأكتب عنها لحد الساعة.ولعل هذا المقال بداية التعافي من آثار تلك التجربة المؤلمة.
يقول المهندس فاضل سليمان:
ونتعجب لماذا يلحد أبناؤنا؟
الله لم يخلق جيلا من الشياطين هم أولادنا، يلزم أن ننظر لنفسنا، وأخطاءنا
{وإن أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم}
صراعنا القادم سيكون مع الإلحاد بعد خمس أو عشر سنوات..
طبيعة ديننا أنه منفر للكبار جاذب للصغار والشباب
هذا ما حصل زمن الرسول صلى الله عليه وسلم
لماذا؟!
لأنه دين ثوري بطبيعته، يثور على التقاليد البالية، ودين إصلاحي، يصلح أحوال الناس عن طريق المقاومة، يقاوم الفساد، ويقاوم التخلف.
فإذا حدث العكس، ورأيت الشباب عازفين عنه، والكبار مقبلين عليه فاعلم أننا لا نقدم الدين الذي جاء به محمد بن عبد الله(صلى الله عليه وسلم) وأننا قدمنا دينا جديدا اخترعناه نحن.
وإذا كان تدين جيل الصحوة أشد رسوخا من تدين أجيال اليوم، ومنضبط بأسس ومرجعيات واضحة، إلا أن الملاحظ أن تدين جيل اليوم هش للغاية ومذبذب، ويفتقر لمرجعيات واضحة في ظل مشكلات وسائل التواصل وتصدر من هب ودب، وانتشار آفة التجريح ونهش لحوم العلماء وإسقاط القدوات، فكيف سيكون حال الأجيال المقبلة ياترى؟!
وهذا المقال هو محاولة مني لدق ناقوس الخطر، و توجه بنداء عاجل لحديثي العهد بالالتزام، كي نتلافى هذه الأخطاء قبل حدوث الكارثة في الجيل القادم.

#شمس_الهمة

#شمس الهمة

السبت، 14 نوفمبر 2020

أشراف ومرابطين

 أشراف ومرابطين!!


سألتني قائلة:هل أنتم شرفة؟

ونظرا لصغر سني وسذاجتي كطفلة فقد كان عمري آنذاك عشر سنوات فقط، لا أدري حينها لمَ تبادر الى ذهني "شرفة منزلنا"، ولأنني انتقلت للعيش إلى هذه المدينة منذ بضعة أيام فقط ..فقد اكتشفت أنني أجهل الكثير من أمور الحياة.

شرفة؟ ماذا تقصدين بالتأكيد لدينا شرفة لكن صيغة السؤال خاطئة كان ينبغي أن تقولي هل لديكم شرفة ؟لا أن تقولي هل أنتم شرفة ؟

انفجرت صديقتي بالضحك لفترة غير قصيرة وعندما استعادت جديتها قالت لي بهدوء المشفق المعلم رغم أنها كانت طفلة مثلي :شرفة معناه أننا من جنس وقبيلة محددة، نحن أشراف والأشراف هم أعلى الناس مرتبة.

- أعلى الناس مرتبة، ولكن لماذا؟

قالت ببراءة الطفولة فرغم معرفتها بالكثير من الأمور التي كنت أجهلها إلا أن عقلها الصغير كان عاجزا عن الشرح الدقيق:

- لا أدري, هكذا.. حق لنا أن نكون خير الناس منزلة!!

ثم أسهبت، الذي أعمله أن الناس يقدمون لنا الولاء ويخافون منا، واذا تقدم أحدهم الى خطبتنا من العرب فلا نقبل به، انظري مثلا لدي أختان جميلتان تقدم الى خطبتهم الكثير من العرب، لكننا رفضناهم لأنهم ليسوا شرفة؟

- شرفة...عرب....لماذا تتحدثين هكذا وهل الشرفة أوربيون مثلا ؟

قهقهت مجداا ثم أردفت قائلة:

- لا...لا...أنت لاتفهمين شيئا.

أطرقت رأسي خجلا، ومنعني كبريائي من طرح المزيد من الأسئلة، حتى لا أنعت بالجاهلة، فقد كنت الى ذلك الحين طفلة معتدة كثيرا بنفسها وتعليمها وذكائها، ولم يكن أحد من أقراني يجرؤ على نعتي بهذا النعت.

وفي الليل وعند طاولة العشاء سألت أبي وأمي عن الأمر.

- بابا، مامعنى شرفة ؟

أجاب أبي بتساؤل هو الآخر فقد كان أستاذا للغة العربية؟

- هل تريدين شرحا أدبيا ولغويا مفصلا يا ابنتي, فلا يعقل أنك لاتعرفين معنى كلمة شرفة فأنا أعرفك ذكية وتدركين المعنى البسيط جيدا ..ثم أردف يشرح من دون أن يترك لي مجالا للاعتراض 

الجمع : شُرُفات و شُرْفات و شُرَف

الشُّرْفَةُ : أعلَى الشيءِ

- لا...لا يا بابا، كذلك أنا فهمت الأمر عند سؤال صديقتي فوزية، هي تقول بأن الشرفة جنس وقبيلة متميزة عن الآخرين وقالت كلاما آخر لم أفهمه .

حينها فقط أدرك والدي كنه السؤال وحقيقته فأجابني قائلا:

- هؤلاء الناس الذين تنتمي لهم صديقتك وغيرهم كثير يعتقدون أنهم من نسل فاطمة وعلي رضي الله عنهم، ولذلك ينتهي نسبهم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، لذا فهم يعدون أنفسهم أحفاد الرسول صلى الله عليه وسلم ويلقبون أنفسهم بالأشراف أو "الشرفة" باللكنة العامية، أو المرابطين.

ويقولون أن من مميزاتهم الشعر الأشقر والعيون الزرقاء والبشرة البيضاء، وهاته الأوصاف في حقيقتها أبعد مايكون عن أوصاف الرسول صلى الله عليه وسلم.

والرجل من الشرفاء أو الشرفة كما يتم نطقها محليا يعتبر نسلا راقيا، و بالتالي رجالهم لهم الحق في الزواج من أي من بنات الطبقات الأخرى -الأدنى- في حين بناتهم لا يمكن نكاحهم إلا من نسل الشرفة -هذا اعتقادهم- وهو باطل طبعا !!!

والشرف شرف الأخلاق يابنيتي وليس شرف النسب فالرسول صلى الله عليه وسلم قال : «إنما أهلك الذين قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد،وأيم الله ،لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» [رواه البخاري]

وقَالَ عليه الصلاة والسلام أيضا: ( يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ ، لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لاَ أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ، وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ، وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ) رواه البخاري (2753) ومسلم (206)


هذه الأعراف العرجاء، والعنصرية المقيتة، أفرزت منطقا جديدا غاية في التعقيد و التعصب لا يفهم خباياه إلا من عاشه و عاينه عن قرب يابنيتي.

وهذا معناه أن الشرف شرف الأخلاق والتمسك بحدود الله وليس شرف النسب فالنسب لايغني عنك شيئا يوم القيامة.


مرت أعوام على تلك الحادثة، وبدأت أكتشف الأمر أكثرفأكثر، من ذلك أن فتاة من حينا رمت بنفسها من الطابق الثاني وماتت من فورها وكانت ابنة صيدلي مشهور جدا، وحينما انتشر الخبر انتشر معه سبب فعلتها تلك وهي أنها فتاة فاتها قطار الزواج، بسبب تلك التقاليد البالية التي ما أنزل الله بها من سلطان، فقد كانت عائلتها شريفة النسب كما يدعون ورفضوا تزويجها مرارا، بشباب عرب غير أشراف على حد زعمهم، لم تستطع أن تحيا وحيدة بقية حياتها يقتلها اليأس والفراغ، فقامت بفعلتها تلك ووضعت حدا لمعاناتها.

ومما سمعته أيضا أن النقاش استعر بسبب تلك الحادثة، وازداد جنون الأشراف وتمسكهم برأيهم أكثر وكان مما سمعته أن أحدا منهم قال :"لأن تفر ابنتي مع أحدهم و تزني وتأتي بطفلها بين ذراعيها لأربيه وأرعاه، أحب إلي من أن أذل شرفي وأقبل بنسب العربي.

أُفَضِلُ أن تقوم بذلك من وراء ظهري على أن أعترف للعرب طواعية !!!

فأي جهل قمئ هذا ؟؟؟

هذا اضافة الى أنهم لا يطعمون الطعام ولا يتصدقون، وبعضهم كانوا في حقبة الاستعمار الفرنسي حركى ...في منطقنا شخص مشهور جدا وذو نفوذ من هؤلاء الذين يدعون الشرف -والشرف منهم براء- يناديه كافة أبناء المنطقة بالحركي وينادون أبنائه بأولاد الحركي ليس مسبة أو تجنيا فقد عرف أنه كان حركيا وأباه كان حركيا من قبله، لتلتصق هذه المعرة بأولاده إلى أبد الآبدين ومع ذلك يتبجح هو وقبيله وأولاده بنسبه الشريف !!

أما آخرون فيناديهم أبناء المنطقة بأولاد القايد ولا فرق بين الحركي والقايد إلا في كونها رتبا صنفها لهم المستعمر، هي ألقاب كانت تمنحها قوات الاحتلال لفئة من أهل البلد تختارهم بعناية ليكونوا همزة وصل مع أهل البلد ويدها الضاربة لهم...

و اختيار قوات الاحتلال لم يكن أبدا على الكفاءة و حسن الخلق و إنما على الولاء المطلق لها و لأوامرها، لذلك جل هؤلاء يعلون في الأرض استعلاء ويوزعون على أهل البلد و بالوكالة عن قوات الاحتلال البطش و الاحتقار و الظلم.

 المهم فأي شرف هذا الذي قادهم إلى خيانة الوطن والدين؟

والعجب كل العجب أن الناس عندنا يبجلونهم رغم هذا كله، ويدعون أن لعنة من السماء قد تحل عليهم إن هم قاموا بإغضابهم، مما زاد من غطرستهم وتعنتهم وتماديهم، والأعجب من ذلك أنهم استولوا على أراض زراعية كثيرة بسبب هذا التبجيل من الناس وسخفهم وسذاجتهم وحبهم لآل الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، ولايزال الكثير منهم يحظون بالشهرة والتبجيل إضافة الى المراكز المرموقة التي حاز عليها أذناب فرنسا عقب خروجها فهم أيضا أصحاب الحل و الربط و التجار وملاك الأراضي و العقارات و مصادر المياه !!!

لا أدري كيف عبث المستعمر بالعقول الجاهلة آنذاك واستغل هاته النقطة الحساسة بالضبط، ليجيرها لنشر الفساد والإفساد، فهؤلاء لايمتون بصلة الى الرسول الأكرم الذي نبذ هذه الصفات وحاربها وأفنى عمره في مجابهتها، وحتى لو فرضنا جدلا أنهم من نسب قرشي قح، فالشرف الحقيقي هو شرف الفعال والأخلاق أولى وأهم، فهذا بلال الحبشي في جنة الفردوس وأبو لهب وأنتم تعرفون نسب كل واحد منهم... برأيي هذه تفرقة وعنصرية، فكل العرب والمسلمين أشراف وشرفاء إن حافظوا على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم بيضاء نقية، والفضلَ لِمَن جَمع اللهُ له بين شرِف الإيمانِ وشرَف النَّسَب. فكل من هو على ملة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فهو منه.

وشرَفَ النَّسَب تابعٌ لشرَف الإيمان، ومَن جمع اللهُ له بينهما فقد جمع له بين الحُسْنَيَيْن، ومَن لَم يُوَفَّق للإيمان، فإنَّ شرَفَ النَّسَب لا يُفيدُه شيئاً...


وقد قال الله عزَّ وجلَّ: { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ }، وقال صلى الله عليه وسلم في آخر حديث طويلٍ رواه مسلم في صحيحه (2699) عن أبي هريرة رضي الله عنه: ( ومَن بطَّأ به عملُه لَم يُسرع به نسبُه).


روى كثير بن عبد الله المزني ، عن أبيه ، عن جده : أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم خط الخندق عام حرب الأحزاب ، حتى بلغ المذاحج ، فقطع لكل عشرة أربعين ذراعا، فاحتج المهاجرون : سلمان منا ، وقالت الأنصار: سلمان منا. فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : " سلمان منا آل البيت "رواه الحاكم في المستدرك (3/598) ، والطبراني (6/261)


ومما يناسب إيراده في هذا المقام ما لبعضهم :


لعمرك ما الإنسان إلا ابن دينه * فلا تترك التقوى اتكالا على النسب

فقد رفع الإسلام سلمان فارس * وقد وضع الشرك الحسيب أبا لهب


#شمس_الهمة


كيف تؤلف كتابا؟!

 

كيف تؤلف كتابا؟!(إعادة نشر)

أجدادنا لم يقصروا في شيء، ولقد وصفوا لنا حال عصرهم و رجال بلدانهم ،حتى أنهم دونوا التافه من أخبارهم، و الغث من من كلامهم و سجلوا أخبار عبيدهم، و إمائهم و عقلاءهم و مجانينهم، و صالحيهم و طالحيهم كما وصفوا و عرفوا بجميع البقاع و الأماكن من الوطن العربي، و نحن في عصر الادب و الفن لم نصنع شيئا، سيأتي جيل بعدنا لا يعرف حتى أسماء البلدان ناهيك عن تاريخنا وو و ...
أظنهم سوف يعرفون عن الغرب أكثر من بلادهم او حتى قراهم، سيقولون لم لم يتكلم الشعراء و الأدباء و المثقفون، ربما تكون الإجابة كانوا مشتغلين بالحب و قصص الغرام و النساء و الزواج و السباحة في خيالاتهم ....!

تعالوا بنا نؤلف كتابا:
تعريف التأليف الجمعي:
قبل التطرق للتعريف أنصح الجميع بقراءة كتاب كيف تؤلف كتابا، وكتاب كيف تصبح كاتبا بارعا، ليسهل لنا التفريق بين التأليف الإبداعي عن التأليف الجمعي.
يقال التأليف سبعة: 
- شيء لم يسبق إليه فيؤلّف، 
- أو شيء ألِّف ناقصاً فيكمَّل، 
- أو خطأ فيُصَحّح، 
- أو مشكل فيُشرح، 
- أو مطوّل فيُختصر، 
- أو مفترق فيُجتمع، 
- أو منثور فيُرتب. 
فالتأليف الجمعي:
هو ما يعمل عليه بعض المؤلفين من جمع شتات موضوع معين في كتاب واحد،مثل أن تجمع قصص المعلمين أو التائبين، ومثل ذلك ما جمعه ابن الجوزي في كتابه الأذكياء ونحو ذلك.
أمثلة معاصرة:
كتاب مائة من عظماء الاسلام غيروا مجرى التاريخ.
كتاب عظماء بلا مدارس.
كتاب أيتام غيروا مجرى التاريخ.
********
لكن الصعوبة تكمن في إلزامية وضع مراجع القصص التي نسختها من مظانها الأصلية وليس من كتب المعاصرين ...
هذا النوع من الـتأليف أصبح نادرا وغير موجود علما أننا بحاجة ماسة الى من يؤصل ويؤرخ لأشياء مهمة نحتاجها في عالمنا المعاصر وهاته الأمثلة كثيرة .
تشعر بحاجة إلى كتاب ميسر حديث في الفقه دون تعقيد ؟
تشعر إلى أن ما هو متوفر من كتب لا يسد الحاجة إلى مواجهة حجج الملحدين؟
تشعر أن "المكتبة" ينقصها الكتب في هذا الرف أو ذاك؟
أنت محق.
لكن لا تنتظر أن يقوم أحد ما بتأليف هذه الكتب.
كرس حياتك لكي تنتج ما يسد هذا النقص...
لا تنتظر الفرج !
فهو لا يأتي قط لمن يكتب الطلبات..وينتظر تحققها.

فكرة الكتاب:
تكون مشتركة، يعمل على تحقيقها مجموعة أشخاص، ويتولى أحدهم مهمة التجميع والتنسيق والإخراج.
أو فردية: لصاحبها، لكننا نساعده بعناوين الكتب أو قصص جاهزة سمعناها أو قرأناها من قبل.

الهدف من الكتاب:
نشر الثقافة الجزائرية والتعريف بها.
نشر التجارب الإيجابية وترويجها.
إثراء الساحة الأدبية والعلمية.
وربما كانت تلك الكتب مرجعا للهواة والكتاب الجدد ومادة خام تساعدهم في كتابتهم القصصية والروائية.

بعض الأفكار:
- تلح علي جدا فكرة كتاب يحكي قصص الجزائريين إبان العشرية السوداء لتعريف الجيل الجديد، والتأريخ لتلك المرحلة، كما أنه سوف يساعد الكتاب الجدد في كتاباتهم القصصية والروائية، فلطالما وجدت الكثير منهم يسأل عن عناوين كتب تحكي فترة العشرية السوداء.
توجد كتب في المجال، ولكنها تركز على الساسة أكثر، ما ينقصنا عن تلك الفترة هو المجتمع الجزائري، كيف كان، وكيف أصبح، وكيف كان يفكر، وبماذا كان يحس.
- فكرة كتاب آخر تلح علي، وهي فكرة كتاب عن قصص الحياء الخالدة لدى النساء.
الحياء نوع من أنواع الأناقة كما يقال، بل هو قمة الأناقة ورأس مال جمال الأنثى، اذا فقدته فقدت كل معاني الجمال.
ولأنه يكاد يندثر من مجتمعاتنا، فكرت في إحياء قصص الحياء عبر تاريخنا الإسلامي وحتى تاريخ الشعوب والأمم الأخرى،
فقد قرأت مثلا أن سبب اختراع السماعات الطبية هو حياء فتاة.كما أن رواية الفضيلة من الأدب الأجنبي لمترجم، تحكي وتخلد قصة وفاة فرجيني بسبب خلق الحياء.
- فكرة كتاب آخر أيضا بدأت بها ولم أكملها، هي بصمة الأستاذ المتميز، كما نلاحظ فمستوى التعليم في بلادنا يتراجع ويتقهقر للأسوء، لكن مع ذلك هناك تجارب مضيئة وناجحة، تركت بصمة وأثرا، لماذا يلجأ البعض لحائط مبكى، ويكثر التذمر والشكوى، بينما ينجح آخرون، ويتألقون؟!
كنت في مجموعة تضم الأساتذة وقد جمعت الكثير من القصص الإيجابية التي تستحق أن تحتذى لأنها بمثابة السراج وسط الظلام الحالك، فبدل لعن الظلام أوقد شمعة.

لدي أفكار كثيرة شرعت فيها لكن لم أتمها، لأنني أضحيت بلا حاسوب، شخصيا لا يهمني النشر الورقي ولا أسعى إليه، ولا يهمني المال أيضا.
هدفي الوحيد هو نشر الوعي والايجابية في المجتمع، وترك صدقة جارية علها تنفعنا في يوم تسود فيه وجوه وتبيض وجوه.

#شمس_الهمة

الأربعاء، 28 أكتوبر 2020

الحجاب ياسين اعمران

 لا يتوفر وصف للصورة.

ياسين إعمران

١ سبتمبر ٢٠١٨

سؤال الحجاب في البيئة الأوروبية ..


مُشكلة الحجاب في الغرب تتجدد بين الفينة والأخرى بمشاريع قوانين تمنع وصدام لا ينتهي .. في رأيي ابتداء أن الغرب يتعامل بازدواجية مستفزة مع موضوع الحجاب عنده ومفهوم الحرية .. الحجاب في قراءتي الخاصّة لا يُحارب في الغرب من منطلق ديني عدائي للإسلام بل من منطلق اقتصادي مادّي .. لأن الحجاب هو وحده ما يقف أمام تغوّل موضة الملابس النسوية .. مبيعات الملابس النسوية في العالم تفوق مبيعات الرجال بمائتي مليار دولار حسب تقارير غربية .. وهو رقم لا يستهان به .. الموضة المتوحشة لكل فصل والتي تأتي بجديد في كل سنة تجعل الإنسان يسقط في دائرة استهلاكية لا تنتهي .. هذا التغوّل وهذا التوحّش الرأسمالي حاول ولا يزال أن يخترق فكرة الحجاب الذي يعزل قيمة المرأة عن فكرة " اللباس " و " الجسد " .. ولكن لباس المرأة مثلما يقول المفكر الراحل بن نبي (يرحمه الله) يدلّ على دورها في المجتمع .. ولهذا نحن نقول أن الحجاب ليس له شكل معيّن بل أوصاف وشروط .. ودون الغوص في البعد الفقهي لهذه القضية إلا أن نوع الحجاب الذي يحاول البعض تصويره على أنه الصورة " الحصرية " للحجاب مغالطة يجب أن ندركها جيّدا .. المرأة في الغرب أكثير ديناميكية من نظيرتها في العالم العربي .. ولباسها بصورة أو بأخرى يعبّر عن هذه الديناميكية ويجعل الحجاب الذي نشاهده يؤدّي معنى آخر .. لنضرب مثالا توضيحيا عن " الحايك " .. هذا اللباس النسوي الجميل عندنا ذو الأصل الأندلسي كان يعبّر في الماضي عن الدور المنوط بالمرأة .. امرأة متفرّغة للبيتوتة وحركتها في الفضاء العام والحياة العامة قليلة أو شبه منعدمة .. لكن المرأة اليوم في مجتمعنا تكاد تحضر في كل الميادين وهي تشكل أغلبية في بعضها الآخر .. هل يُمكن أن نتصور المرأة الطبيبة أو المعلمة وغيرها تمارس وظيفتها وهي ترتدي الحايك ؟! .. إن هذا غير ممكن .. لأن الحايك هو حجاب كان يعبّر عن دور معيّن للمرأة في زمن مضى .. واليوم حجاب المرأة ينبغي أن يكون مناسبا ومعبّرا عن ديناميكيتها وأدوارها المنوطة بها دون الإخلال بالشروط والمواصفات الدينية لهذا اللباس .. فالمسألة ليست بالجمود الذي نتصوّره واللباس النسوي الخليجي أو السعودي ليس هو حكرا ما يمكننا وصفه باللباس الشرعي .. إنه لباس تقليدي في بيئة ثرية المرأة لا تحضر فيها بقوة .. وهناك ترابط بين البيئات البترولية وانخفاض نسبة المشاركة النسوية الاقتصادية كما يقول مايكل روس في كتابه (نقمة النفط) .. فالمرأة الخليجية لا تعيش الظروف المزرية التي تعيشها المرأة الجزائرية أو المغربية أو التونسية أو المرأة المسلمة في أوروبا .. واللباس الخليجي يكاد يحمل مفهوم تقليديا أكثر منه مفهوما دينيا .. فقد رأيت في الكويت نساء يرتدين البرقع ويدخنّ الشيشة على الملأ .. فالمسألة عندهم ليست دينية خاصّة كما ننظر إليها .. أتصوّر أن هناك شكلا معيّنا من الحجاب لا يناسب البيئة الأوروبية وديناميكيتها ودور المرأة المنوط به فيها .. مع كل الاحترام مني للباس المرأة المتحجبة أيا كان شكله .. فقط أرى أن هناك صورا من الصدام نحن في غنى عنها وهي لا تخدم الإسلام بقدر ما تعزّز من عزلته في البيئة الأوروبية .. الحجاب فكرة اجتماعية وثقافية وحضارية أوسع من صورة جامدة لا نقبل بالتفكير حيالها .

سؤال الحجاب والحياة

 سؤال الحجاب والحياة:



الحجاب هو فرض على المرأة المسلمة شأنه شأن الصلاة والصيام وسائر الفروض، وهو يمثل قضية هوية بالنسبة للفتاة المسلمة، فلا يمكنها التفريط به أو التنازل عليه، وقد شرعه الله لحماية المرأة وصونها وتكريمها، بحيث يتم تقييمها على أساس عقلها وفكرها وليس شكلها، فلا يترك فرصة لأصحاب الغرائز لامتهانها بسبب جسدها وشكلها بطريقة استعبادية أضحت تمثل رقا معاصرا، تمتهن فيه المرأة فترة شبابها ثم يلقى بها إلى الشارع.


الحجاب الساتر بشروطه الشرعية لا يمثل عائقا للأنثى للانطلاق في الحياة، ولا يقيد حركتها ولا يعيق عملها، إلا ما كان مبالغا فيه كما يحاول بعض المتشددين إفهامنا أن الحجاب السعودي أو الخليجي هو الشكل "الحصري" ، فيبالغون في تغطية جسم المرأة وعينيها وقدميها بطريقة من لا يزال ينظر للمرأة بطريقة غرائزية كما ذكر مالك بن نبي حين قال أن الصنف الذي يحاول تعرية المرأة والصنف الذي يبالغ في حجبها وتغطيتها، كلامها ينطلق من فكرة غرائزية تعتبر المرأة مجرد جسد، مع إهمال لعقلها ومواهبها وملكاتها.

والعري والستر المبالغ به كلاهما، يولد في بيئة قتلتها الرفاهية والفراغ.


ويقول صاحب كتاب (ثقافة العري أو عري الثقافة) أنه حينما لا يكون العمل جادا تبرز التبرج والزينة، ويفكر كل واحد في هندامه وشكله.

وحينما يكون الحديث عن العمل والإنتاج، يختار النساء والرجال الهندام البسيط ويقل لديهم الاهتمام بالتنسيق والتزويق.

فكلما كان المجتمع أكثر جدية، كانت المرأة أكثر احتشاما.


فالمبالغة في البهرجة والزينة واقتناء الملابس الباهضة والماركات العالمية دليل تخلف وليس دليل تحضر

ففي كتاب علي شريعتي "مسؤولية المثقف" ذكر الكاتب أن النساء العربيات يرتدين ملابس أفخم من النساء الغربيات، وأن العمارات الحديثة بدول كالبرازيل والكويت أكثر فخامة وأسطورية بحيث قد لا نجد لها نظائر في أوربا كلها.

وذلك بسبب مركب عقدة النقص الذي نعاني منه في مجتمعاتنا المتخلفة، ولا مفر أن تفضي عقدة التأخر إلى الإفراط، الإفراط في التقدمية وإظهار التقدم.


والحايك الجزائري كما اللباس السعودي ليسا عمليين فهما يناسبان امرأة متفرّغة للبيتوتة، ولا تعمل خارجا، ولا تسهم في المشاركة المجتمعية بمجالاتها الواسعة كالتطبيب والتمريض وغيرها...فالمرأة اليوم في مجتمعنا تكاد تحضر في كل الميادين.

فهل يُمكن أن نتصور المرأة العاملة المعاصرة ترتدي الحايك، و تمارس وظيفتها وهي ترتدي لباسا غير عملي ؟! .. إن هذا غير ممكن .. 


 واللباس النسوي الخليجي أو السعودي ليس هو" النموذج الوحيد" لما يمكننا وصفه باللباس الشرعي .. إنه لباس تقليدي في بيئة ثرية المرأة لا تحضر فيها بقوة ..  فالظروف المزرية التي تعانيها المرأة في البيئات الفقيرة كالجزائر ومصر ووو ، والمناطق الريفية، تختلف تماما عن ظروف النساء الخليجيات المرفهات خلف المشربيات. 

 ‏

لماذا يتهجم على حجاب المسلمات في كل حين؟


أما الدول الأوربية فهجومها على الحجاب ينطلق من عدة أسباب، سبب إيديولوجي و عقائدي، فهم يمقتون الرمز الذي يمثل الإسلام بشدة، ويحقدون على المسلمين من أيام الحضارة الإسلامية الزاهرة التي يخافون عودتها بقوة.


وسبب اقتصادي، فالحجاب يشكل خسارة كبيرة للشركات الرأسمالية التي وجدت في المرأة رواجا لسلعها، وفي هذا يقول المدون ياسين إعمران:

 (( ذلك لأن الحجاب هو وحده ما يقف أمام تغوّل موضة الملابس النسوية .. مبيعات الملابس النسوية في العالم تفوق مبيعات الرجال بمائتي مليار دولار حسب تقارير غربية .. وهو رقم لا يستهان به .. الموضة المتوحشة لكل فصل والتي تأتي بجديد في كل سنة تجعل الإنسان يسقط في دائرة استهلاكية لا تنتهي .. هذا التغوّل وهذا التوحّش الرأسمالي حاول ولا يزال أن يخترق فكرة الحجاب الذي يعزل قيمة المرأة عن فكرة " اللباس " و " الجسد " .. 


أما الذين يهاجمون الإسلام من بني جلدتنا فغالبيتهم منهزمون فكريا وثقافيا، ويقلدون الأمم الأخرى في القشرة الخارجية، في الملبس والمأكل، تقليد المغلوب للغالب بسبب عقدة الانهزامية، ظنا منهم أن هذه الأمور هي التي تصنع الحضارة.


لذا ‏ فالحجاب فكرة اجتماعية وثقافية وحضارية أوسع ممن يضع لها صورة نمطية معينة.


#شمس_الهمة

أزمة فرنسا

 أزمة فرنسا كشفت عن أزمات تحتاج حلا:



حين أقرأ خطابات الوسط الدعوي بشأن أزمة فرنسا، ورفضهم القاطع لأي شخص يستدرك، أو يستثني، أو يحاول التساؤل، أفاجأ بردات فعل عنيفة وغاضبة تقول لهكذا شخص فلتذهب أنت وعقلك وفلسفاتك إلى الجحيم.

وهذا مرده كما يقول غوستاف لوبون في كتابه سيكولوجية الجماهير (الجماهير الثائرة تغلب عليها العاطفة لا العقلانية ولذلك فإنها لا تتفاعل مع المجادلات العقلية بل تتوق إلى من يوقد فيها الحماس عبر الشعارات والعبارات الرنانة).

لذلك لا أتوقع أن تفوز أي محاججة عقلية في هذا الظرف، وسيتعرض أي شخص غير مقتنع، أو يحاول طرح تساؤل مشروع إلى التهكم والسخرية والهجوم.


والسبب الثاني أن غالبية المشايخ والدعاة ينتمون لجيل عاطفي بامتياز، ويمكن ملاحظة ذلك في طريقة تفكير والدي ووالدك وأستاذي وأستاذك، وأكاد أجزم أن شبابنا المعاصر أكفأ في هذا الجانب، فذلك الجيل في غالبه جيل عاطفي مع الأصول، لكنه يفتقر إلى المنهج والرؤية على المستوى الفكري.


وجيل الشباب المثقف والواعي اليوم يناقش، ويدلي بآراءه وينتقد المشايخ، وكشباب نقرأ تعليقات الشباب فتحاصرنا الأسئلة في كل مكان، (فالسلفي مثلا يتفق والعلماني والمثقف العادي) في نقطة (لا ضرر ولا ضرار)، ويطرح أمامك مسائل تفوق في تعقيدها مسائل الرياضيات فيقول لك(ماذا عن خسائر صاحب المحل، ورأسماله المكون من السلع الفرنسية؟ وكيف نعوضه لأننا إن قاطعنا السلع، خسر المسكين خسارة فادحة، ويقول آخر: هذا مشكلته هينة فمبلغ عشرة ملايين يهون لأجل المصطفى صلى الله عليه وسلم، لكن ماذا عن بائع الجملة، تخيل الخسارة التي ستناله، وماذا عن بائع قطع الغيار وووو....وماذا عن الأدوية؟ .....و القائمة طويلة).


لكن ما لاحظته عن الشباب الملتزم، أنه لا يفكر مثل أقرانه، وردات فعله وأقواله هي نفسها ما يرددها مشايخه، ولا جرم أن المؤسسات الدينية والمشايخ يصنعون أتباعا لا قادة، ومقلدين لا مفكرين.


والمفروض في شباب اليوم أن يثور ويتمرد على تلك الأفكار، أو على الأقل ينفضها عن نفسه قليلا، 

أو يخالفها بأدب.

هل تعرفون لماذا؟

لأن طبيعة ديننا أنه متجاوز لتفكير الكبار، جاذب للصغار والشباب.

وهذا ما حصل زمن الرسول صلى الله عليه وسلم

لماذا؟

لأنه دين ثوري بطبيعته، يثور على التقاليد والأفكار البالية، ودين إصلاحي، يصلح أحوال الناس عن طريق المقاومة، ونفض المعتقدات الخاطئة، دين يقاوم الفساد، ويقاوم التخلف والجمود.


ختاما:

أنا مع المقاطعة، لكن تمنيت أن تكون مقاطعة مدروسة.

قد يقول قائل أن الفعل المفاجئ جلب ردات فعل آنية غير مدروسة، ولا يجب أن نستعمل العقل في هذا الظرف.

هنا أتفق مع هذا القول، لو كانت هذه الحادثة هي الأولى في زماننا المعاصر.

لكن بما أننا شاهدنا سيناريوهات مشابهة من قبل ولم نفد شيئا، ولم نتعلم من أخطائنا، ولم نتجهز لهكذا أمر وقد وقع من قبل، ولم نقم بكتابة مراجعات على الأحداث السابقة نفيد منها اليوم، ولم نقم بتشكيل هيئات أو لجان تقوم بتوجيه العاطفة والمقاطعة توجيها صحيحا.

فهنا اللوم علينا كأمة، وبالأخص على النخب، فالمؤمن كيس فطن، ولا يلدغ من جحر مرتين.

والرسول صلى الله عليه وسلم، شاور الصحابة في أموره كلها، ولم يسمح للعاطفة أن تكون هي الموجه للصحابة، بل كان عليه الصلاة والسلام يقوم بدراسة الأمر ومشاورة أصحابه ومن ثم يقوم بتوجيه العاطفة في الاتجاه الصحيح.


#شمس_الهمة


الأربعاء، 21 أكتوبر 2020

هل تتمنى العيش في الزمن الغابر؟!

 

هل تتمنى العيش في الزمن الغابر؟!

هل تتمنى أن تعيش في زمن الأمويين، أو قصور العباسيين، أو تتمنى لو يرجع بك الماضي لزمان الأندلس؟
اطمئن، لست الوحيد، فعدد كبير إن لم أقل الغالبية من المسلمين يحلمون بهذا.
طيب لماذا؟!
ببساطة لأننا علّمناه أن المجد والعزة والسعادة كانت فقط في الماضي!
شخصيا لست ممن يتمنون العيش في الماضي، ولن أكون من هؤلاء، أقرأ الماضي وأحن إلى سلفنا الأولين، لكنني لا أتمنى البتة العودة إلى الماضي، ولم يراودني حلم العيش في حقب زمنية غابرة.
حقيقة لا يروقني البتة طائفتان في مجتمعاتنا العربية، واللذان يتعاملان مع الماضي بطريقة الإنكار أو الانبهار.
فطائفة منهم يصيحون غاضبين ولسان حالهم يقول بأنهم خدعوا وأنه لا يوجد شيء اسمه الحضارة الاسلامية.(التاريخ المثالي المزيف، الأبطال الوهميون طلعوا ماسونيين... وووو. وعادة يتكلم هؤلاء بلكنة منفعلة تصلك ذبذباتها السلبية من وراء الشاشات والصفحات.
وهذا الكلام الذي يرددونه خيانة للموروث الاسلامي، وتنكر لحضارة شهد لها الأعداء قبل الأصدقاء.
أما الفريق الثاني فهو مبهور يعيش في الماضي يتكلم بالفخر وأمجاد الماضي قرير العين، يردد القصائد، والمعلقات، والمرثيات، ويبكي على الأطلال، ويحلم بتقلد السيف، والرمح، وامتطاء الحصان، وخوض الحروب، وللأسف هذه الأحلام اللذيذة تفعل فعل المخدر وتقعد بنا عن العطاء والتقدم.
وللأسف السواد الأعظم من كتاب البلاد العربية أو الناطقة بالعربية ينقسمون لهذين الفريقين !
يقول أحد الكتاب: "نحن العرب أمة «ماضوية» تنظر قليلاً أمامها وتنظر طويلاً وراءها.
نحن شعوب ماضوية للأسف، نتعامل مع التاريخ كما يتعامل المدمن مع إبرة الكوكايين، نحن لا نقرأ التاريخ لنفهم الواقع ونستلهم التجارب للمستقبل.

هذا التعلق المرضي بالماضي يؤدي بطبيعة الحال إلى الانكفاء على الذات ونبذ العالم والانكماش في التعاطي والتعامل معه وكذلك يؤدي لكره كل مختلف لا ينتمي لذات المنظومة وذات الثقافة ونفس الماضي الذي انتمى إليه.
سنظل نعيش في الماضي وحلم العودة إلى الماضي، تاركين الحاضر وذاهلين عن المستقبل وغائبين عن الوعي فى حالة أشبه ما تكون بحالة المتعاطي للمخدر بكثافة فصلته عن الواقع وغرّبته عن الحاضر المحيط.
نعيد الماضي ونستعيده، ونعيش فيه عيشاً تاماً، ولا نغادره البتة
ذلك الماضي الذي يحجب عنا الحاضر ويغيب عنا الواقع ويغرقنا في أحلام وذكريات لن نفيق منها إلا ونحن مفارقون للحياة وراحلين عن الحياة، بدون بصمة المسلم في الوجود.

أتعلمون بم يجب أن نحلم؟!
وماذا يلزم أن نتمنى؟!

أنا لا أفتأ أقلب النظر في واقعنا وآمل أن أفهمه، حتى أتمكن من التغيير فيه بإيجابية.
ولا أفتأ أعيش مخيالا يحلق بي في عالم المستقبل، فأراني تارة أكتب رواية خالدة تعالج قضية إنسانية أو وجودية، وتحمل للعالم رسالة الإسلام التي تخلصه من الشقاء الذي جلبته حضارة المادة.

كما لا يروقني حقيقة منظر أم تعلم ابنها طرائق الزهد وبغض المال، بقدر ما أتمنى أن أرى أما تفتح آفاقا من الفكر لأطفالها فتعلمهم أن المال قوة وبإمكاننا التغيير في العالم إذا كنا نملك المال، فنشتري الملاعب ودور الأزياء، ومؤسسات الصحافة والإعلام. وما تجارب اليهود منا ببعيدة، ولعلي أذكر مثالا قريبا عن دول الخليج التي يتساقط عليها المال كما تتساقط الأمطار، وإذ أساء هؤلاء القوم استعمال المال فلن نعدم أجيالا تخرج من أصلابهم تغير واقع الحال، ورغم ذلك تأبى السنن إلا أن تفعل فعلها، أتذكر قصة مدير لأحد أشهر الأندية الرياضية الذي أسلم عقب زيارته لإحدى دول الخليج وذلك بعد أن أصبحت ملكية النادي لدولة خليجية. وقال أنها أول معرفة له بالإسلام والمسلمين.
متفائلة أيضا باستضافة قطر لكأس العالم، والتي ستجلب هؤلاء القوم من أقاصي الأرض، إلى دولتنا العربية المسلمة، وكم من الفعاليات التي ستكون موجودة للتعريف بالإسلام.
أحلم بمخرجين عرب وصانعي أفلام يؤثرون في العالم وينقلون له رسالة الإسلام.
بقدر ما أخاف التكنولوجيا والتقنية الحديثة، بقدر ما يدفعني هذا لا لإلغاءها من حياتي والانزواء في عالم ما قبل التكنولوجيا، إنما أحلم أن يبدع المسلمون في هذا المجال فيتفوقون على شركتي غوغل وفيس بوك، وحتى اليوتيوب، ثم تقنينها لتناسب الأخلاق الإسلامية وفرض قوانين أخلاقية ليصبح هذا العالم آمنا لكافة الإنسانية.
باختصار أحلم بأن نملك المال والإعلام والقوة، ونطور العلوم الفكرية والإنسانية.

ختاما:

كثيرون يمقتون هذا الزمان، ويتشائمون منه، ولا يستشفون منه سوى سواده، لكنني صدقا أعتبرني محظوظة لأن الله اختارني لأعيش في هذا الزمن، ولمعرفة السبب ينبغي معرفة كيف تكون دورة الحضارة(نشوء فازدهار فأفول)، ولا أجمل من أن تعيش زمان النشوء لأي حضارة خصوصا إذا كانت حضارة أمتك، (والأولون الأولون أولئك السابقون)، ولا جرم أن الجيل الذي يعايش فترة النشوء هو الجيل المكلف بالتغيير والجهاد والثورة والنضال، وتحمل الآلام والمتاعب والمصاعب على غرار خطى الأنبياء والمصلحين.ذلك الجيل الذي يشكل الانعطافة الحقيقية وحجر الزاوية الذي يغير مسار الأمم والتاريخ، و هو الجيل المبشر بأفضل الثواب والأجر.
لا أجمل من أختم خواطري المبعثرة بمقولة سيدنا علي رضي الله عنه وأرضاه حين قال:
(( لا تربوا أولادكم كما رباكم آباؤكم ،، فقد خُلقوا لزمان غير زمانكم))
ولهؤلاء المخدرين بمخيال الماضي أقول ما قال الشاعر العربي:
ليس الفتى من يقول كان أبي*** إنما الفتى من يقول ها أنذا

#شمس_الهمة

العيد

 تلك اللحظات الحرجة قبيل يوم العيد، ذلك التعب، والضغط، تلك الأمور التي أنجزت نصفها والنصف الآخر ينتظر منك اتمامه حالا، ذلك التوتر، وتلك الأع...