كلام عن الصداقة:
يجمع الخبراء والعارفون على أن الصديق لا يسمى صديقا حتى يجرب، وأن الانسان لا يعرف شخصا ما رجلا كان أو امرأة حتى يمتحنه عند الشدائد أو المواقف، وأن ما يظهر من الناس في البدايات دائما جميل، ولكن الجميع يتغير بعدها.
ولذلك كانت هنالك قواعد اتفق عليها العارفون لمعرفة الأشخاص لخصها سيدنا عمر بن الخطاب في جملة من أبلغ ما قيل، وفي معناها أنك لن تعرف المرء حتى تبايعه أو تشتري منه أو تستدين أو العكس، أو تشاركه في عمل أو تجارة، والثانية أن تصاهره ، والثالثة أن تسافر معه، ويشمل ذلك أن تساكنه الغرفة الجامعية أو غرفة مشتركة في العمرة أو الحج.
وأذكر في هذا الصدد ما قاله الشيخ الطنطاوي رحمه الله في كتابه "مع الناس"، أنه كان له صديق لم ير منه إلا كل جميل لأزيد من ثلاثين سنة، ثم قدر الله أن يسافر معه، ويشتركا بنفس الغرفة فقال أنه ظهرت بينهما اختلافات بحجم الاختلاف بين المشرق والمغرب.
ليلة واحدة في غرفة مشتركة كشفت الكثير.
ولعل بعضهم يضيف عامل الأيام وما يعتري الناس من فقر أو غنى تجعل الأشخاص يتغيرون ويتبدلون أيضا.
غير أن هذا كله ليس ما أود قوله، فليس بجديد علي ولا أظنه بجديد على من خبر الحياة.
قصة اليوم علمتني شيئا آخر، لا يصنف مع ماذكرت آنفا.
إنها قصة روتها لي احداهن عن صديقتها، ولغرابتها وغرابة النفس والطباع البشرية وجدتني أكتب عنها.
هي قصة لصديقتين حميمتين جدا في كلية الطب، قضيا معا سبع سنوات كاملة في صحبة عايشا معها الحلو والمر وتجاوزاه معا.
كانت الفتاة (أ) تحدثني عن جمال أخلاق صديقتها(ب)، ونقاء سريرتها وحبها الكبير لها فكانت الفتاة (ب) تدافع عنها في غيبتها، ولا تقبل أحدا يتكلم عنها بسوء حتى عرف عنها ذلك بين جميع الصديقات، وغبطنها على صديقة مثلها.
قالت الفتاة (أ) أنها لم تكن مشتركة مع الفتاة (ب) بنفس الغرفة، وحدث في السنة الثالثة أن اضطرا لتشارك نفس الغرفة الجامعية، فكان أن حذرهما الجميع أنهما سيخسران صداقتهما، فتشارك غرفة يمكن المرء من اكتشاف عيوب صاحبه، ولربما أدى ذلك الاكتشاف والاختلاف إلى المشاكل فالتنافر والتباغض.
تقول الفتاة(أ) أنها كانت خائفة جدا من هذه الخطوة، مخافة أن تخسر صديقتها للأبد كما حدث مع كثيرات.
لكن لم يكن أمامها حل آخر، فقد اضطرتهن الظروف لذلك.
مضى الأمر على خير، ولم يحدث بينهما ما كان يحدث عادة بين الشركاء الجدد، وتوطدت صداقتهما أكثر فأكثر.
كانت السماء صافية، والعصافير تزقزق، والأجواء رائعة بينهما طوال ثلاث سنوات أخريات مضافات للسنوات الثلاث الأول، وبهذا تمت لهما ست سنوات كاملة من الألفة والمحبة.
ما حدث في السنة السابعة قلب كل الموازين، وكل ما تعارفه الناس في باب الصداقة، وتحولت العقدة المتينة إلى خيوط بالية انفصمت عراها إلى الأبد.
ذلك أن الفتاة(ب) تشاركت الغرفة الجامعية مع أخرى لظروف خارجة عن إرادتها، وكذا أصبحت الفتاة (أ) تتشارك غرفتها مع فتاة أخرى.
تقول الفتاة(أ) أن صديقتها بدأت تتغير عليها بالتدريج، ثم حدث بينهما خلاف بسيط كما يحدث بين جميع الأصدقاء، لكن الخلاف أصبح عداوة، ولم تفلح الفتيات في اقناع الفتاة (ب) بالصلح رغم صغر المشكلة وتفاهتها، والأعجب أنها الطرف الظالم في المشكلة حسب الشهود.
حدثتني تلك الفتاة بصدمة وحزن عميق فهي لم تتوقع يوما أن تفترق عن توأم روحها لانسجامهما وحبهما العميق تحاه بعضهما.
حدث ما حدث وتفرق شمل الصديقتان، وفشلت كل المساعي لجمعهن ثانية، واستمرت الأيام من جديد.
تقول الفتاة (أ) أنها بعد بحث وترو، و تفكير وتأمل وصلت إلى نتيجة حللت بها شخصية صديقتها فهي بها أعرف.
قالت أن صديقتها تلك هي الوحيدة لأم مطلقة، تحبان بعضهما وتخافان على بعضهما البعض فليس لهن في الدنيا أحد، وكانتا تهتمان ببعضهما أيضا.
وكانت شخصية الفتاة(ب) انطوائية، وعدوانية أحيانا مع الآخرين، ولا يعرف جمال شخصيتها إلا المقربون.
لكنها تقول أنها شخصية هشة، ضائعة، وضعيفة بحيث يلزم عليها دائما أن تسند نفسها بشخص ما فتحبه وتخلص له والأعجب أنها تذوب في شخصيته وتتبعه مثل ظله.
وما حدث معي تقول الفتاة(أ) أن تلك الفتاة كانت مجرد ظل، أو انعكاس لنفسي، أما الفتاة حقيقة فلم تكن موجودة، لقد ذابت تماما فصارت هي( أنا) الأخرى.
وما حدث بعدها أنها حين تقاسمت الغرفة مع شريكة أخرى، لعبت معها نفس الدور تماما، فأحبتها وأخلصت لها، وأصبحت مثل ظلها، لقد ذابت مجددا في شخصية صديقتها الجديدة.
#شموسة
يجمع الخبراء والعارفون على أن الصديق لا يسمى صديقا حتى يجرب، وأن الانسان لا يعرف شخصا ما رجلا كان أو امرأة حتى يمتحنه عند الشدائد أو المواقف، وأن ما يظهر من الناس في البدايات دائما جميل، ولكن الجميع يتغير بعدها.
ولذلك كانت هنالك قواعد اتفق عليها العارفون لمعرفة الأشخاص لخصها سيدنا عمر بن الخطاب في جملة من أبلغ ما قيل، وفي معناها أنك لن تعرف المرء حتى تبايعه أو تشتري منه أو تستدين أو العكس، أو تشاركه في عمل أو تجارة، والثانية أن تصاهره ، والثالثة أن تسافر معه، ويشمل ذلك أن تساكنه الغرفة الجامعية أو غرفة مشتركة في العمرة أو الحج.
وأذكر في هذا الصدد ما قاله الشيخ الطنطاوي رحمه الله في كتابه "مع الناس"، أنه كان له صديق لم ير منه إلا كل جميل لأزيد من ثلاثين سنة، ثم قدر الله أن يسافر معه، ويشتركا بنفس الغرفة فقال أنه ظهرت بينهما اختلافات بحجم الاختلاف بين المشرق والمغرب.
ليلة واحدة في غرفة مشتركة كشفت الكثير.
ولعل بعضهم يضيف عامل الأيام وما يعتري الناس من فقر أو غنى تجعل الأشخاص يتغيرون ويتبدلون أيضا.
غير أن هذا كله ليس ما أود قوله، فليس بجديد علي ولا أظنه بجديد على من خبر الحياة.
قصة اليوم علمتني شيئا آخر، لا يصنف مع ماذكرت آنفا.
إنها قصة روتها لي احداهن عن صديقتها، ولغرابتها وغرابة النفس والطباع البشرية وجدتني أكتب عنها.
هي قصة لصديقتين حميمتين جدا في كلية الطب، قضيا معا سبع سنوات كاملة في صحبة عايشا معها الحلو والمر وتجاوزاه معا.
كانت الفتاة (أ) تحدثني عن جمال أخلاق صديقتها(ب)، ونقاء سريرتها وحبها الكبير لها فكانت الفتاة (ب) تدافع عنها في غيبتها، ولا تقبل أحدا يتكلم عنها بسوء حتى عرف عنها ذلك بين جميع الصديقات، وغبطنها على صديقة مثلها.
قالت الفتاة (أ) أنها لم تكن مشتركة مع الفتاة (ب) بنفس الغرفة، وحدث في السنة الثالثة أن اضطرا لتشارك نفس الغرفة الجامعية، فكان أن حذرهما الجميع أنهما سيخسران صداقتهما، فتشارك غرفة يمكن المرء من اكتشاف عيوب صاحبه، ولربما أدى ذلك الاكتشاف والاختلاف إلى المشاكل فالتنافر والتباغض.
تقول الفتاة(أ) أنها كانت خائفة جدا من هذه الخطوة، مخافة أن تخسر صديقتها للأبد كما حدث مع كثيرات.
لكن لم يكن أمامها حل آخر، فقد اضطرتهن الظروف لذلك.
مضى الأمر على خير، ولم يحدث بينهما ما كان يحدث عادة بين الشركاء الجدد، وتوطدت صداقتهما أكثر فأكثر.
كانت السماء صافية، والعصافير تزقزق، والأجواء رائعة بينهما طوال ثلاث سنوات أخريات مضافات للسنوات الثلاث الأول، وبهذا تمت لهما ست سنوات كاملة من الألفة والمحبة.
ما حدث في السنة السابعة قلب كل الموازين، وكل ما تعارفه الناس في باب الصداقة، وتحولت العقدة المتينة إلى خيوط بالية انفصمت عراها إلى الأبد.
ذلك أن الفتاة(ب) تشاركت الغرفة الجامعية مع أخرى لظروف خارجة عن إرادتها، وكذا أصبحت الفتاة (أ) تتشارك غرفتها مع فتاة أخرى.
تقول الفتاة(أ) أن صديقتها بدأت تتغير عليها بالتدريج، ثم حدث بينهما خلاف بسيط كما يحدث بين جميع الأصدقاء، لكن الخلاف أصبح عداوة، ولم تفلح الفتيات في اقناع الفتاة (ب) بالصلح رغم صغر المشكلة وتفاهتها، والأعجب أنها الطرف الظالم في المشكلة حسب الشهود.
حدثتني تلك الفتاة بصدمة وحزن عميق فهي لم تتوقع يوما أن تفترق عن توأم روحها لانسجامهما وحبهما العميق تحاه بعضهما.
حدث ما حدث وتفرق شمل الصديقتان، وفشلت كل المساعي لجمعهن ثانية، واستمرت الأيام من جديد.
تقول الفتاة (أ) أنها بعد بحث وترو، و تفكير وتأمل وصلت إلى نتيجة حللت بها شخصية صديقتها فهي بها أعرف.
قالت أن صديقتها تلك هي الوحيدة لأم مطلقة، تحبان بعضهما وتخافان على بعضهما البعض فليس لهن في الدنيا أحد، وكانتا تهتمان ببعضهما أيضا.
وكانت شخصية الفتاة(ب) انطوائية، وعدوانية أحيانا مع الآخرين، ولا يعرف جمال شخصيتها إلا المقربون.
لكنها تقول أنها شخصية هشة، ضائعة، وضعيفة بحيث يلزم عليها دائما أن تسند نفسها بشخص ما فتحبه وتخلص له والأعجب أنها تذوب في شخصيته وتتبعه مثل ظله.
وما حدث معي تقول الفتاة(أ) أن تلك الفتاة كانت مجرد ظل، أو انعكاس لنفسي، أما الفتاة حقيقة فلم تكن موجودة، لقد ذابت تماما فصارت هي( أنا) الأخرى.
وما حدث بعدها أنها حين تقاسمت الغرفة مع شريكة أخرى، لعبت معها نفس الدور تماما، فأحبتها وأخلصت لها، وأصبحت مثل ظلها، لقد ذابت مجددا في شخصية صديقتها الجديدة.
#شموسة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق