لماذا تنشرون قوائم الكتب التي قرأتموها؟!
كاتب مصري مشهور من جيل الشباب كنت أتابعه، فأقرأ ما تخط أنامله، فقد كان له أسلوب بديع في الكتابة.
وجدته ذات يوم قد كتب مقالا، يستصغر فيه أولئك الذين ينشرون قوائم الكتب التي قرأوها مع نهاية كل سنة.
قال أن هذا سلوك طفولي، ومباهاة في غير لازمة، ويدل على أن أولئك الشباب مبتدئون في عالم الكتب، وأن تلك الطريقة لم تكن يوما طريقة ذوي العقول والأفهام، ولا طريقة المفكرين والعظماء والكتاب.
وقال أنها طريقة فوضوية، وأن الإنسان لا يستطيع قراءة كل الكتب التي يرغبها، ولا الإحاطة بجميع الفنون والآداب التي يريدها، ولو مكث على هذا الدهر كله، و راح يستشهد ببيت الشعر القائل:
العلم بحر لا ساحل له *** قل أن يصل الكادح فيه آخره
وأن القارئ الحقيقي هو من يقرأ الكتاب فيهضمه، وليس من يلتهم العديد فيُنسِيَه.
وذكر في مقاله العجيب ذاك أقوالا محدثة غريبة، واستشهد بمقولات عجيبة.
فذكر أن فلانة وهي كاتبة غربية مشهورة، قالت أنها لا تقرأ كثيرا ولها عشر سنوات قرأت فيها كتابا واحدا فقط.
وذكر أن فلان الكاتب المشهور أيضا يقرأ كتابا في السنة ولربما أعاد قراءته عشر مرات في تلك السنة.
وذكر أن الفيلسوف الفلاني قال أنه قرأ ثلاثة كتب فقط في حياته كلها.
فعجبت لمقاله ذاك، وعجبت لاستشهاداته الشاذة المنكرة، ثم فهمت أنها موضة محدثة، وكاتبنا الشاب اختار أن يعتنق ذلك التوجه، لأنه يوحي بالعظمة، ويدل على العمق والعبقرية ولا شك.
((وكم أعجب من أولئك الذين يعتنقون كل توجه فكري لأنه صار موضة الأيام.
فتجد الناس مكثت دهرا تقرأ كتب التنمية البشرية لأنها موضة العصر، ومهووسين حد النخاع بقوانينها ومبادئها، ثم يأتي كتاب مارك مانسون فن اللامبالاة وغيره من الكتب فيقلب هذا التوجه الفكري على رؤوس معتنقيه، ويهدمه، ويقوض أسسه، ويأخذ منه موقف العكس والنقيض.
فتجد بعض شبابنا الذي كان مؤمنا بموضة التنمية البشرية، يودعها ويكفر بها ليعتنق مبادئ اللامبالاة، ويتشرب توجه فكر مارك مانسون، فإذا حدثته عن ضرورة الجد والاجتهاد للتميز ، اكفهر وجهه وغضب وزمجر، وضحك ساخرا من أقوالك، معتبرا أن الحياة قصيرة ويجب أن نعيشها بدون ضغط، وتفكير في الوقت، ونترك السفينة تبحر بنا في بحر الحياة من دون تجديف أو تخطيط)).
قرأت كلامه ذاك فاستغربت، ورحت أستجمع شتات أفكاري للرد، ثم ارتأيت أن أقرأ التعليقات قبل ذلك، فوجدت فتاة وقد وضعت (لقطة شاشة) لذلك الكاتب، قبل سنة يضع قائمته من الكتب التي قرأها لينتفع بها الشباب.(قبل سنة فقط كان يفعلها، واليوم يزجر من يقوم بها) فسبحان مقلب القلوب، وعجبا لزمان يصبح فيه الرجل مؤمنا ويمسي كافرا(مؤمنا أو كافرا بفكرة أقصد).
صدمت لوهلة حين رأيت قائمته لكتب السنة الفارطة، ورغبت مع ذلك في رد أنشر فيه وجهة نظري، وأوضح فيه مراحل القراءة وكيفياتها، فصدمت كرة أخرى حين ألفيته قد حذف منشوره كله بسبب الفضيحة(لقطة الشاشة التي وثقت لعهد طفولته).
**************
أولا كلنا شباب وعليه فجميعنا مبتدئ في عالم الكتب والقراءة، ودعكم من كذبة الطفولة المعهودة والسؤال الأسطوري الذي كان يطرح علينا فنجيب من فورنا بأكبر كذبة عرفها التاريخ(هوايتي المطالعة).
فكلنا يعلم حال المنطقة العربية، وكلنا يعلم علاقتنا المقطوعة مع الكتب، وتصنيفنا الأخير ضمن دول العالم.
ثانيا: فلنتفق أن أهم شيء يجب أن يلقنه أي شاب يلج هذا العالم أن يبدأ بالقراءة عن دينه وتاريخه فتتشكل له القاعدة الصلبة التي يرتكز عليها، والأرضية التي يستطيع الوقوف عليها والانطلاق منها.
فلا يعقل أن تقرأ الأدب الروسي وأنت تجهل تماما الأدب العربي!!
أو تقرأ جميع كتب العصر الفكتوري، بينما لا تعلم شيئا عن العصر الأموي أو العباسي!!
ثالثا:
كل البدايات في القراءة تكون فوضوية وتنافسية واستكشافية.
فنقرأ دون برنامج أو هدف مسطر
وهذه المرحلة مهمة للجميع، فعلى كل فرد أن تكون له نظرة شاملة لكل العلوم والفنون في البداية،
فيكون قد اطلع كثيرا في مختلف المجالات، وتشكلت له نظرة عامة يستطيع من خلالها التمييز والنقاش ويكون ملما بأساطين وعمالقة الفكر والأدب والنهضة، فيكتشف الجيد والردئ، ويمكنه التمييز بين الغث والسمين.
وهذه المرحلة ضرورية جدا لجميع الناس على اختلافهم، والتنويع مطلوب فقد روي عن يحي بن خالد بن برمك أنه قال يوما لولده:«خذوا من كل شيء طرفا، فإن من جهل شيئا عاداه.».
وهذه المرحلة مر بها جميع العلماء والعظماء والكتاب والمفكرين، فلا يعقل أن تكون شابا تمتلك موهبة الكتابة، فتعتمد فقط قراءة الروايات على حساب العلوم والفنون الأخرى، معتقدا أن قراءة الروايات وحدها ستجعل منك روائيا عظيما، فتكسبك اللغة، والأسلوب وصناعة الحبكة والتشويق.
لكن هل هذا كاف ليصنع منك روائيا عظيما، وأنت لم تقرأ الفنون الأخرى؟!
كيف ستكتب رواية سياسية وأنت لا تملك اطلاعا واسعا؟!
وكيف ستكتب رواية فلسفية وأنت لم تقرأ الفلسفة يوما؟!
هل حقا تعتقد أن كتابة رواية أمر سهل وسطحي للغاية؟!
وأنت لما تفقه العالم والثقافة الحقيقية بعد!!
رابعا:
ثم تأتي المرحلة الثانية لمن يريد اتقان فن ما، وهي مرحلة التخصص في القراءة، فيقرأ الشخص في المجال الذي سطره لنفسه بدون اغراءات العناوين أو اقتراحات الآخرين لأنه يعرف جيدا مايريد.
وأفضل وصفة ذكرها الدكتور عبد الكريم بكار ألا وهي أن تقرأ 50٪ في التخصص الذي تود أن تبرع فيه و50٪ تقسمها مرتين(25 ٪ للعلوم الشرعية، و25٪ الأخرى كتب منوعة).
وهذه المرحلة ليست مهمة لجميع الناس، انما تخص فقط من يريد التميز في مجال ما.
وعادة فئة النوابغ والمتميزين دائما ما تكون ضئيلة بالنسبة للسواد الأعظم من البشر فتكون نسبة هؤلاء 25 ٪ ونسبة الأشخاص العاديين 75٪.
لذا فلندع الناس تقرأ ما تريد، من دون فرض طريقة أو طقس معين، اللهم إلا من بعض التوجيه، لتكون القراءة واعية، وتصبح مثمرة.
خامسا:
القراءة طرائق متعددة وأنواع مختلفة، فهنالك القراءة للتسلية، وهنالك القراءة لمجرد التثقيف، وهنالك القراءة الواعية والتي تعقبها القراءة المثمرة.
أما بالنسبة لطرقها فهنالك القراءة السريعة، والقراءة المتأنية.
وقد لا أبالغ إن ذكرت لكم أن كتبا كثيرة صنفت في طرائق القراءة، فقد ثبت أن لكل طريقة فوائدها.
هنالك من يأخذ بالنصيحة الذهبية لعلي عزت بيجوفيتش حين يقول:«القراءة المبالغ فيها لا تجعلنا أذكياء، بعض الناس يبتلعون الكتب و هم يفعلون ذلك بدون فاصل للتفكير، و هو ضروري لكي يُهضم المقروء و يُبني و يُتبني و يُفهم. عندما يتحدث اليك الناس يخرجون من أفواههم قطعاً من هيجل و هايديجر أو ماركس في حالة أولية غير مصاغة جيدا، عند القراءة فإن المساهمة الشخصية ضرورية مثلما هو ضروري للنحلة العمل الداخلي و الزمن، لكي تحول الرحيق الأزهار المتجمعة الي عسل”
أما الدكتور عبد الكريم بكار فيقول أنه ليس نهما للكتب، ولا يقرأ الكثير منها، إنه يقرأ باعتدال، ويقرأ ليكتب ويؤلف.
وكلاهما يعتمد الطريقة المتأنية.
لكن نأخذ مثالين آخرين مغايران تماما للمثالين السابقين مثال الشيخ سلمان العودة الذي كتب في كتابه زنزانة:
«قلت مرة لشيخي : قرأت الكتاب ولم يعلق شيء منه بذاكرتي؟
مد لي تمرة و قال : امضغها، ثم سألني هل كبرت الآن؟ قلت : لا، قال : ولكن هذه التمرة تقسمت في جسدك فصارت لحما و عظما و عصبا و جلدا و شعرا وظفرا وخلايا!
أدركت ان كتابا أقرؤه يتقسم، فيعزز لغتي، ويزيد معرفتي، ويهذب أخلاقي، ويرقي أسلوبي في الكتابة والحديث ولو لم أشعر.»
ويقول سيوران:« هل أتذكر كل الكتب التي قرأتها؟! قطعا: لا، ولكن ما أعلمه أن تلك الكتب هي من شكلتني».
لكل هدفه من القراءة وعليه تتحدد طريقته وأسلوبه.
هنالك من يقرأ للاستجمام والترويح عن النفس فيعتمد القراءة المتأنية
وهناك من يقرأ ليؤلف ويصنف أو يلخص أو يشرح ويمحص وهذا يعتمد القراءة المتأنية أيضا.
لكننا كعرب متخلفين بسنوات ضوئية عن ركب العالم، وكما يعمد بعضنا للاستجمام بقراءة كتاب بين كل فترة وفترة، يحتاج آخرون لالتهام الكتب والعب من المعارف، واستكشاف المجاهيل، فيعمد القراءة السريعة وهنالك مراكز في الغرب تعلم فنيات القراءة السريعة ولها قواعد وتمارين خاصة.
ولنتفق على أن القراءة ضرورة وليست هواية، ضرورة وحاجة مهمة تماما كحاجتنا إلى الماء والهواء، وعلينا أن نعمل جاهدين لتنفيذ أول أمر رباني تلقاه رسولنا الكريم ألا وهو «إقرأ»، وعلينا التفكير في وسائل لتصبح القراءة سلوكا يوميا ونمط حياة لدى العرب والمسلمين.
وأفضل وسيلة لذلك هي مجموعات القراءة، ونشر اقتباسات ومراجعات الكتب، وكذا التنافس والمشاركة، ونشر قوائم القراءة.
وهذه الأخيرة تنشر الهمة، والتنافس على الخيرات، وتبصرنا بكتب كنا نجهلها، وبعناوين وأشخاص لم نكن نعرفهم، ولو لم تكن لها من فائدة سوى نشر عدوى القراءة بين الشباب لكفى.
أما مسألة الدخول في النوايا وأننا نفاخر ونرائي ونتباهى، فأقول أن الفخر كان ولا زال من شيم العرب، وأنه حق لنا أخيرا أن نفخر بأننا صرنا نقرأ، ولو لم تكن المباهاة مطلوبة لكانت في هذا الموضع بالذات مطلوبة ومرغوبة، وأتذكر هنا قصة أبي دجانة حين اعتصب عصابة حمراء وجعل ينشد الشعر ويتبختر في مشيته وسط صفوف المشركين، فما كان من رسولنا الكريم إلا الإعجاب به فقال عليه الصلاة والسلام:((إنها مشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن))
وقد كنا فيما مضى لا نسمع إلا أخبار السوء، ولا ترى أعيننا سوى مناظر الجهر بالمعاصي، وكان وقتها يقال للصىالحين الذين كانوا يخفون أعمالهم الصالحة، ماذا قدمتم للمجتمع؟! وحين صاروا يظهرونها قالوا لهم: رياء وسمعة!! ألا ما الحيلة فيهم!!
صحيح أن البعض مسخوها بصور القهوة والشكولاطة مع كتاب أو رواية، لكن ما شأننا نحن بهم، فمن راقب الناس مات هما، والمهم عندي أنهم منشغلون بتصوير المباح عن الوقوع في الحرام.
ونذكر هنا قصة ابن تيمية مع قوم من التتار ، حيث يقال أنه مر وهو في جماعة من أصحابه على قوم من التتار وهم يشربون الخمر، فأراد أصحابه أن ينهوهم فقال: دعوهم، هؤلاء إذا سكروا سلم الناس من شرهم، وإذا أفاقوا أفسدوا.
بقلم شمس الهمة
كاتب مصري مشهور من جيل الشباب كنت أتابعه، فأقرأ ما تخط أنامله، فقد كان له أسلوب بديع في الكتابة.
وجدته ذات يوم قد كتب مقالا، يستصغر فيه أولئك الذين ينشرون قوائم الكتب التي قرأوها مع نهاية كل سنة.
قال أن هذا سلوك طفولي، ومباهاة في غير لازمة، ويدل على أن أولئك الشباب مبتدئون في عالم الكتب، وأن تلك الطريقة لم تكن يوما طريقة ذوي العقول والأفهام، ولا طريقة المفكرين والعظماء والكتاب.
وقال أنها طريقة فوضوية، وأن الإنسان لا يستطيع قراءة كل الكتب التي يرغبها، ولا الإحاطة بجميع الفنون والآداب التي يريدها، ولو مكث على هذا الدهر كله، و راح يستشهد ببيت الشعر القائل:
العلم بحر لا ساحل له *** قل أن يصل الكادح فيه آخره
وأن القارئ الحقيقي هو من يقرأ الكتاب فيهضمه، وليس من يلتهم العديد فيُنسِيَه.
وذكر في مقاله العجيب ذاك أقوالا محدثة غريبة، واستشهد بمقولات عجيبة.
فذكر أن فلانة وهي كاتبة غربية مشهورة، قالت أنها لا تقرأ كثيرا ولها عشر سنوات قرأت فيها كتابا واحدا فقط.
وذكر أن فلان الكاتب المشهور أيضا يقرأ كتابا في السنة ولربما أعاد قراءته عشر مرات في تلك السنة.
وذكر أن الفيلسوف الفلاني قال أنه قرأ ثلاثة كتب فقط في حياته كلها.
فعجبت لمقاله ذاك، وعجبت لاستشهاداته الشاذة المنكرة، ثم فهمت أنها موضة محدثة، وكاتبنا الشاب اختار أن يعتنق ذلك التوجه، لأنه يوحي بالعظمة، ويدل على العمق والعبقرية ولا شك.
((وكم أعجب من أولئك الذين يعتنقون كل توجه فكري لأنه صار موضة الأيام.
فتجد الناس مكثت دهرا تقرأ كتب التنمية البشرية لأنها موضة العصر، ومهووسين حد النخاع بقوانينها ومبادئها، ثم يأتي كتاب مارك مانسون فن اللامبالاة وغيره من الكتب فيقلب هذا التوجه الفكري على رؤوس معتنقيه، ويهدمه، ويقوض أسسه، ويأخذ منه موقف العكس والنقيض.
فتجد بعض شبابنا الذي كان مؤمنا بموضة التنمية البشرية، يودعها ويكفر بها ليعتنق مبادئ اللامبالاة، ويتشرب توجه فكر مارك مانسون، فإذا حدثته عن ضرورة الجد والاجتهاد للتميز ، اكفهر وجهه وغضب وزمجر، وضحك ساخرا من أقوالك، معتبرا أن الحياة قصيرة ويجب أن نعيشها بدون ضغط، وتفكير في الوقت، ونترك السفينة تبحر بنا في بحر الحياة من دون تجديف أو تخطيط)).
قرأت كلامه ذاك فاستغربت، ورحت أستجمع شتات أفكاري للرد، ثم ارتأيت أن أقرأ التعليقات قبل ذلك، فوجدت فتاة وقد وضعت (لقطة شاشة) لذلك الكاتب، قبل سنة يضع قائمته من الكتب التي قرأها لينتفع بها الشباب.(قبل سنة فقط كان يفعلها، واليوم يزجر من يقوم بها) فسبحان مقلب القلوب، وعجبا لزمان يصبح فيه الرجل مؤمنا ويمسي كافرا(مؤمنا أو كافرا بفكرة أقصد).
صدمت لوهلة حين رأيت قائمته لكتب السنة الفارطة، ورغبت مع ذلك في رد أنشر فيه وجهة نظري، وأوضح فيه مراحل القراءة وكيفياتها، فصدمت كرة أخرى حين ألفيته قد حذف منشوره كله بسبب الفضيحة(لقطة الشاشة التي وثقت لعهد طفولته).
**************
أولا كلنا شباب وعليه فجميعنا مبتدئ في عالم الكتب والقراءة، ودعكم من كذبة الطفولة المعهودة والسؤال الأسطوري الذي كان يطرح علينا فنجيب من فورنا بأكبر كذبة عرفها التاريخ(هوايتي المطالعة).
فكلنا يعلم حال المنطقة العربية، وكلنا يعلم علاقتنا المقطوعة مع الكتب، وتصنيفنا الأخير ضمن دول العالم.
ثانيا: فلنتفق أن أهم شيء يجب أن يلقنه أي شاب يلج هذا العالم أن يبدأ بالقراءة عن دينه وتاريخه فتتشكل له القاعدة الصلبة التي يرتكز عليها، والأرضية التي يستطيع الوقوف عليها والانطلاق منها.
فلا يعقل أن تقرأ الأدب الروسي وأنت تجهل تماما الأدب العربي!!
أو تقرأ جميع كتب العصر الفكتوري، بينما لا تعلم شيئا عن العصر الأموي أو العباسي!!
ثالثا:
كل البدايات في القراءة تكون فوضوية وتنافسية واستكشافية.
فنقرأ دون برنامج أو هدف مسطر
وهذه المرحلة مهمة للجميع، فعلى كل فرد أن تكون له نظرة شاملة لكل العلوم والفنون في البداية،
فيكون قد اطلع كثيرا في مختلف المجالات، وتشكلت له نظرة عامة يستطيع من خلالها التمييز والنقاش ويكون ملما بأساطين وعمالقة الفكر والأدب والنهضة، فيكتشف الجيد والردئ، ويمكنه التمييز بين الغث والسمين.
وهذه المرحلة ضرورية جدا لجميع الناس على اختلافهم، والتنويع مطلوب فقد روي عن يحي بن خالد بن برمك أنه قال يوما لولده:«خذوا من كل شيء طرفا، فإن من جهل شيئا عاداه.».
وهذه المرحلة مر بها جميع العلماء والعظماء والكتاب والمفكرين، فلا يعقل أن تكون شابا تمتلك موهبة الكتابة، فتعتمد فقط قراءة الروايات على حساب العلوم والفنون الأخرى، معتقدا أن قراءة الروايات وحدها ستجعل منك روائيا عظيما، فتكسبك اللغة، والأسلوب وصناعة الحبكة والتشويق.
لكن هل هذا كاف ليصنع منك روائيا عظيما، وأنت لم تقرأ الفنون الأخرى؟!
كيف ستكتب رواية سياسية وأنت لا تملك اطلاعا واسعا؟!
وكيف ستكتب رواية فلسفية وأنت لم تقرأ الفلسفة يوما؟!
هل حقا تعتقد أن كتابة رواية أمر سهل وسطحي للغاية؟!
وأنت لما تفقه العالم والثقافة الحقيقية بعد!!
رابعا:
ثم تأتي المرحلة الثانية لمن يريد اتقان فن ما، وهي مرحلة التخصص في القراءة، فيقرأ الشخص في المجال الذي سطره لنفسه بدون اغراءات العناوين أو اقتراحات الآخرين لأنه يعرف جيدا مايريد.
وأفضل وصفة ذكرها الدكتور عبد الكريم بكار ألا وهي أن تقرأ 50٪ في التخصص الذي تود أن تبرع فيه و50٪ تقسمها مرتين(25 ٪ للعلوم الشرعية، و25٪ الأخرى كتب منوعة).
وهذه المرحلة ليست مهمة لجميع الناس، انما تخص فقط من يريد التميز في مجال ما.
وعادة فئة النوابغ والمتميزين دائما ما تكون ضئيلة بالنسبة للسواد الأعظم من البشر فتكون نسبة هؤلاء 25 ٪ ونسبة الأشخاص العاديين 75٪.
لذا فلندع الناس تقرأ ما تريد، من دون فرض طريقة أو طقس معين، اللهم إلا من بعض التوجيه، لتكون القراءة واعية، وتصبح مثمرة.
خامسا:
القراءة طرائق متعددة وأنواع مختلفة، فهنالك القراءة للتسلية، وهنالك القراءة لمجرد التثقيف، وهنالك القراءة الواعية والتي تعقبها القراءة المثمرة.
أما بالنسبة لطرقها فهنالك القراءة السريعة، والقراءة المتأنية.
وقد لا أبالغ إن ذكرت لكم أن كتبا كثيرة صنفت في طرائق القراءة، فقد ثبت أن لكل طريقة فوائدها.
هنالك من يأخذ بالنصيحة الذهبية لعلي عزت بيجوفيتش حين يقول:«القراءة المبالغ فيها لا تجعلنا أذكياء، بعض الناس يبتلعون الكتب و هم يفعلون ذلك بدون فاصل للتفكير، و هو ضروري لكي يُهضم المقروء و يُبني و يُتبني و يُفهم. عندما يتحدث اليك الناس يخرجون من أفواههم قطعاً من هيجل و هايديجر أو ماركس في حالة أولية غير مصاغة جيدا، عند القراءة فإن المساهمة الشخصية ضرورية مثلما هو ضروري للنحلة العمل الداخلي و الزمن، لكي تحول الرحيق الأزهار المتجمعة الي عسل”
أما الدكتور عبد الكريم بكار فيقول أنه ليس نهما للكتب، ولا يقرأ الكثير منها، إنه يقرأ باعتدال، ويقرأ ليكتب ويؤلف.
وكلاهما يعتمد الطريقة المتأنية.
لكن نأخذ مثالين آخرين مغايران تماما للمثالين السابقين مثال الشيخ سلمان العودة الذي كتب في كتابه زنزانة:
«قلت مرة لشيخي : قرأت الكتاب ولم يعلق شيء منه بذاكرتي؟
مد لي تمرة و قال : امضغها، ثم سألني هل كبرت الآن؟ قلت : لا، قال : ولكن هذه التمرة تقسمت في جسدك فصارت لحما و عظما و عصبا و جلدا و شعرا وظفرا وخلايا!
أدركت ان كتابا أقرؤه يتقسم، فيعزز لغتي، ويزيد معرفتي، ويهذب أخلاقي، ويرقي أسلوبي في الكتابة والحديث ولو لم أشعر.»
ويقول سيوران:« هل أتذكر كل الكتب التي قرأتها؟! قطعا: لا، ولكن ما أعلمه أن تلك الكتب هي من شكلتني».
لكل هدفه من القراءة وعليه تتحدد طريقته وأسلوبه.
هنالك من يقرأ للاستجمام والترويح عن النفس فيعتمد القراءة المتأنية
وهناك من يقرأ ليؤلف ويصنف أو يلخص أو يشرح ويمحص وهذا يعتمد القراءة المتأنية أيضا.
لكننا كعرب متخلفين بسنوات ضوئية عن ركب العالم، وكما يعمد بعضنا للاستجمام بقراءة كتاب بين كل فترة وفترة، يحتاج آخرون لالتهام الكتب والعب من المعارف، واستكشاف المجاهيل، فيعمد القراءة السريعة وهنالك مراكز في الغرب تعلم فنيات القراءة السريعة ولها قواعد وتمارين خاصة.
ولنتفق على أن القراءة ضرورة وليست هواية، ضرورة وحاجة مهمة تماما كحاجتنا إلى الماء والهواء، وعلينا أن نعمل جاهدين لتنفيذ أول أمر رباني تلقاه رسولنا الكريم ألا وهو «إقرأ»، وعلينا التفكير في وسائل لتصبح القراءة سلوكا يوميا ونمط حياة لدى العرب والمسلمين.
وأفضل وسيلة لذلك هي مجموعات القراءة، ونشر اقتباسات ومراجعات الكتب، وكذا التنافس والمشاركة، ونشر قوائم القراءة.
وهذه الأخيرة تنشر الهمة، والتنافس على الخيرات، وتبصرنا بكتب كنا نجهلها، وبعناوين وأشخاص لم نكن نعرفهم، ولو لم تكن لها من فائدة سوى نشر عدوى القراءة بين الشباب لكفى.
أما مسألة الدخول في النوايا وأننا نفاخر ونرائي ونتباهى، فأقول أن الفخر كان ولا زال من شيم العرب، وأنه حق لنا أخيرا أن نفخر بأننا صرنا نقرأ، ولو لم تكن المباهاة مطلوبة لكانت في هذا الموضع بالذات مطلوبة ومرغوبة، وأتذكر هنا قصة أبي دجانة حين اعتصب عصابة حمراء وجعل ينشد الشعر ويتبختر في مشيته وسط صفوف المشركين، فما كان من رسولنا الكريم إلا الإعجاب به فقال عليه الصلاة والسلام:((إنها مشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن))
وقد كنا فيما مضى لا نسمع إلا أخبار السوء، ولا ترى أعيننا سوى مناظر الجهر بالمعاصي، وكان وقتها يقال للصىالحين الذين كانوا يخفون أعمالهم الصالحة، ماذا قدمتم للمجتمع؟! وحين صاروا يظهرونها قالوا لهم: رياء وسمعة!! ألا ما الحيلة فيهم!!
صحيح أن البعض مسخوها بصور القهوة والشكولاطة مع كتاب أو رواية، لكن ما شأننا نحن بهم، فمن راقب الناس مات هما، والمهم عندي أنهم منشغلون بتصوير المباح عن الوقوع في الحرام.
ونذكر هنا قصة ابن تيمية مع قوم من التتار ، حيث يقال أنه مر وهو في جماعة من أصحابه على قوم من التتار وهم يشربون الخمر، فأراد أصحابه أن ينهوهم فقال: دعوهم، هؤلاء إذا سكروا سلم الناس من شرهم، وإذا أفاقوا أفسدوا.
بقلم شمس الهمة