الاثنين، 18 نوفمبر 2019

لا تتركوا الأمهات وحيدات

لا تتركوا الأمهات وحيدات:

حين كنا صغارا، نتحلق جميعنا حول التلفاز في الصالة الرئيسية، شاعرين بدفء أسري لاجتماعنا، ولقرب المدفأة من كل غرف البيت، والتي كانت تبعث بحرارة تعم كل أرجاء المنزل الصغير.

في حين كان والدي يقبع بغرفة مكتبه المظلمة إلا من ضوء خافت ينبع من مصباح صغير على مكتبه، عاكفا على تصحيح الأوراق، أو كتابة المذكرات التي غالبا ما كان يكورها بين يديه ويرمي بها في سلة قريبة، ليعيد كتابة أخرى.

أما والدتي فكانت تقبع في الرواق على هيدورة بجانب المدفأة، وكانت غالبا ما تضع لنا حبات الفول السوداني فوقها لتصبح مقرمشة، في حين كانت تقوم بتقليبها، ثم تعكف على حياكة كنزة أو شال صوفي لأحدنا.

كان مكانها استراتيجيا جدا، فهي ترى وتسمع كل حركاتنا وسكناتنا، وكذا حركات والدي فيشعرها ذلك ويشعرنا نحن أيضا بالقرب.
والدتي لم تحب التلفاز يوما، ولا بهارج الدنيا وزينتها، فكانت أغلب الأوقات وحيدة، مبتلاة بمرض التأمل والتفكير، تهرب من الوحدة والحزن الدفين إلى أعمال المنزل أو حياكة الملابس، وكان الدمع عندها عادة تبكي في فرح وفي أحزان.

والدتي شخص رقيق حساس جدا، لدرجة أنها تبكي دوما في قصصها الأيتام، وتحس بكبار السن وتذكرهم دوما، وتعطف على الصغار، وحتى الحيوانات والحشرات.

قلبها فياض بالرحمة والمحبة فلو دخلت ذبابة غرفتها، تفتح الأبواب والنوافذ على مصراعيها لتعود تلك الذبابة إلى النظام البيئي.
وقد حصل هذا أمام عيني مرة، فلقد كنا بالسيارة، وحدث أن دخلت نحلة وكنا قد أغلقنا النوافذ، فبقيت تطن وتدور وتدور، ففتحت والدتي نافذتها الجانبية، وساعدتها على الخروج بحركة من يديها، وخاطبتها قائلة:(لعلك تنقذينني من حر جهنم كما أنقذتك).

كنت الوحيدة من بين اخوتي التي تتسلل من مكانها لتفقد أمي، خصوصا إن كان الكرتون يضم قصة حزينة تدفعني بشدة بالاحساس بوالدتي، وكذا ان كان الكرتون مضحكا، فنستغرق في ضحكات متواصلة، أندم عليها أيضا، وأحس بتأنيب الضمير، فأذهب لتفقد والدتي.

كنت أرغب بمواساتها، ومشاركة أفكارها، وكان أملي ادخال السرور على قلبها، لكنني كنت أفشل في ذلك فشلا ذريعا، وينقلب الأمر إلى الضد من ذلك، فأسبب لها القلق والحزن.
كانت تستغرب مجيئي في غمرة انشغال اخوتي وانغماسهم، فتحاول معرفة السبب، فتأخذ في سؤالي، علها تفهم سبب سلوكي الغريب ذاك.
وكنت أنا لا أجد شيئا أدفعها به إلى البوح ومشاركتي ما يقض مضجعها ويسكن تفكيرها.
كانت تدفعني إلى الكلام، فأشاركها قصة الكرتون المحزنة تلك، وكان ذلك رغبة في جرها لكلام آخر، فكانت أسئلتي لها من قبيل( ماما لماذا هذا العالم سيء، لماذا هنالك فقد، وأيتام، وحروب، وفقر؟)
وعيوني تختزن دمعات توشك على الانفلات، وغصة في حلقي تحسها والدتي أثناء كلامي.

لكن والدتي لم تفهم يوما سبب ذلك السلوك، وكان ذلك يؤرقها ويحزنها أكثر، فلطالما سمعتها تردد لوالدي (طفلتنا هذه هشة جدا، ليست مثل بقية اخوتها، أنا خائفة عليها).

كبرنا وتفرق اخوتي ما بين عمل ودراسة، وأضحت والدتي أكثر وحدة عن ذي قبل، خصوصا مؤخرا مع أحداث الحراك، وانغماس والدي الكبير مع هاتفه خائضا حروبا وسجالات وجدالات لا يعرف أحد متى ستنتهي، وإن وضع هاتفه أدار الدفة إلى قناة الجزيرة وأشباهها.

كبرت أنا أيضا، ولا زلت كلما انغمست مع وسائل التواصل الاجتماعي، أشعر بعدها بتأنيب الضمير، ولا أرتاح إلا اذا وجدتها رفقة والدي يتجاذبان أطراف الحديث عن مستقبل الأيام، وذكريات الزمان.

اتركوا هذه الأجهزة قليلا، دونكم أمهاتكم، قبلوا أرجلهن، ودلكوا أقدامهن، فهناك تقبع رائحة الجنة.

#شموسة


انها كنز


إنها كنزي:
لا أحد يعلم أنني من هواة اكتشاف الكنوز، وكثيرة هي الكنوز التي اكتشفتها في هذا العالم.
وبحمد الله عدد ما جمعت من الكنوز يفوق ما صادفت من غير ذلك.
وبفضل الله لم أواجه المشكلات ولا الأشخاص السيئين ولا أتذكرهم ولا أتذكر أي حادثة بذلك.
ذلك أن لي نفسا تشبه النحلة، لا تحب أن تقع إلا على طيب
وفي هذا العالم الأزرق كل صويحباتي أعدهن كنوزا.
ولعل آثر كنز عندي أخفيه عن الجميع.
هل بسبب الأنا؟ هل مخافة أن يتشاركه معي غيري، أم لأنه أثمن شيء، فأنا أحفظه وأصونه عن الأعين.
انها صديقة من بلاد القبائل.كاتبة وشاعرة بلغة موليير، وخبيرة تنمية بشرية.
كيف عرفتني أو كيف عرفتها؟
صدقا بالصدفة؟
لا ليست بالصدفة، ولا أؤمن بعالم الصدف
انها هدية من الله لي.
كنز وضعه الله مقابل عيني.
هذه الصديقة يا جماعة، حطمت كل ما تعارف عليه الناس.
لم تكتف بأنها أحبت حروفي وثرثراتي.
بل كانت تشجعني وتثني علي.
وكثيرا ما عرضت علي المال وهي مجرد معلمة، بغية نشر كتابي الأول.
لقد حاولت معي كل الطرق لتحقيق هذا الأمر، ولازالت إلى اليوم مستعدة لتحقيقه.
طيب لماذا؟ وما الفائدة التي ستجنيها؟
لقد قالت لي بالحرف أريد ادخال السعادة لقلبك، أريد مساعدة أحدهم لتحقيق حلمه، أريد مشاركة السعادة مع شخص يحلم.
انها ببساطة مثال لما كان يفعله الصحابي مع أخيه المسلم، يضع التمرة في فم أخيه، فيتحسس حلاوتها في فمه.
انها كنز عثرت عليه وحدي، انها كنزي أنا فقط.
هل أحببتها لأجل المال؟ لا، قطعا.
ولكن أن تجد شخصا مؤمنا بك، أو على الأقل يقوم بتشجيعك في محيط، يحسسك أنك لا شيء كل يوم، في محيط يقتل آدميتك، فتقتنع أنك مش بنادم.
هذا والله ما لا أنساه لها، وهي من الأشخاص الذين تقابلهم لمرة في حياتك، فيسكنون ذاكرتك إلى الأبد.
ومع ذلك لي 11شهرا لم أسأل عنها ولا مرة، هي من يبادر بالاطمئنان علي كل مرة، ولكن ولا مرة قمت بذلك وبادرت.
أتراني أسوء خلق الله؟
ولم تغيرت هكذا؟
ولم أصبحت بهذا البرود والجمود؟
أدور في فلك مظلم هو (الأنا).
ما أقساني، وما أشد برودي
أحتاج دعواتكن حبيباتي
#شموسة

الاثنين، 23 سبتمبر 2019

الكتابة

همسة:


كثيرون يعتقدون أن الكتابة شيء سهل، الهام يتدفق في لحظة ما فينتج نصا، وينتهي الأمر .

يعقب ذلك سكون وربما خمول في انتظار لحظة الإلهام تلك مجددا.

الأمر ليس هكذا، فالكتابة شيء يتلبسك طوال النهار، وأحيانا يلاحقك أثناء النوم.

فالكتابة تتم في عقلك كل ثانية، وأنت تأكل، وأنت تشرب، وأنت في المطبخ، في الصالون،

وحتى عند مشاهدة فيلمك المفضل.

ذلك الذي يتلبسك لا يتوقف أبدا.

إنه لا يتركك بسلام للحظة أو ثانية.

ذلك الذي نكتبه عادة لهو أقل بكثير مما يكتب في متاهات عقولنا.

فبالنهاية أنت تكتب لإسكات صوت الأفكار والجلبة التي تحدثها في داخلك.

إنها تسبب لك كثرة الشرود والنسيان والبله، والصداع أيضا.

أنت بجسمك مع الآخرين، لكنك بفكرك تحلق عاليا.

مؤخرا وعند طي الملابس، تكرر الأمر معي أكثر من مرة، بشكل كارثي.

 تتزاحم الأفكار في عقلي، فتنشغل يداي بالعمل، بينما أستغرق كليا مع تلك الأفكار.

أنهي العمل، وأمضي لشأني.

بعد يومين:

- ماما وين راهم التقاشير تاوعي؟!

- ‏ماما التريكو لحمر ما لقيتوش؟!

- ‏سقسو اختكم ، هي من قام بطي الملابس.

يلجأ الجميع إلي، فأفاجأ أنني قمت بتخريب كل تلك الأمور.

 قميص هشام في دولاب عمر، وبنطال فيصل في دولاب أبي!!

أتنحنح في هدوء، وأقوم بحل المشكلة.

تسألني أمي فأجيبها أنني السبب (إنه الشرود مجددا).

- تقول راهم جابدين بيك المال آبنتي، عقلك وين راه؟!

تتناولني أختي هي الأخرى

- ياللي آخد عقلك يتهنى.

أتوجه صباحا لفرش أسناني، وأنا أتأمل المرآة، أقضي قرابة الساعة أمامها، فكل الأفكار تخطر ببالك وأنت تقوم بفرش أسنانك، والحمام عادة أنسب مكان لتولد الأفكار.
أخي ممتعضا:
- إنه دوري الآن!!
أنتبه من غفلتي، هنالك طعم مر بفمي، ورغوة كثيفة!!
أصرخ كالمجنونة:
- إلهي ماذا فعلت بنفسي؟!
(لقد وضعت الجال دوش بدل معجون الأسنان، تبااا😌)

- يقهقه أخي ملء شدقيه، ثم يقول ساخرا:
- ‏لازمك داوي علابالك، تريحي بصح طولي

ويستمر مسلسل الأيام على هذا النحو، لكن أحدا لن يفهم ما تعانيه.

الكتابة اجتياح، واحتلال.

#شموسة


الأحد، 22 سبتمبر 2019

لاعبنا مفتاح!!

لاعبنا مفتاح:
----------------
إنها آخر مباراة حاسمة لفريقنا الوطني، فإما فوز وإما خسارة.
إما أن نحقق النصر المؤزر بمجرد تأهل للمونديال، وإما أن نخسر خسارة لا قيام لنا بعدها، ولننتحر بعد ذلك فلم يبق لنا سبب للبقاء في هذا العالم التعيس.
صمت يطبق على المدرجات، وأفئدة تلهج بترديد نشيد "قسما"، القسم هنا ليس لفرنسا، القسم هنا لإغاظة الفرق العربية الأخرى التي تنافسنا للتأهل إلى المونديال، وبالذات فريق "داحس" الممثل عن الوطن العربي الذي بيننا وبينه أشد العداوات.
بدأت المباراة، واستعدت لها الجماهير بالهتافات، بعضهم حمل معه دواء الضغط، والآخر دواء السكري، فالقلب، فانسداد الشرايين.
فالمسألة مسألة ثأر، ولا تحتمل التهاون أو الصبر.
مرت المباراة "العنيفة" كما ينبغي لها أن تكون، ركل لأرجل اللاعبين، تمزيق القمصان، حتى العض كان حاضرا أيضا(وقدوتنا في ذلك سواريس أشهر عضاض في تاريخ المستديرة" كيف لا ونحن المحاربون، فلم يطلق علينا عبثا لقب "محاربي الصحراء".
المباراة ملحمية، لكن دون أهداف تذكر لحد الساعة.
الدقائق الأخيرة على وشك أن تنتهي، أعصاب مشدودة، معارك شرسة بين اللاعبين، شد وجذب، سب وقذف، سترى وتشاهد كل شيء إلا لعبا محترما بشكل محترف.
هاهي الدقيقة التسعون، لاعب من هنا ولا عب من هناك والكرة لا تعرف لها مكانا غير الهواء، ينجح لاعب الفريق الخصم في إعادة الكرة لحارس مرماه، ويصادف ذلك تواجد لاعبنا الأخطر المدعو" مفتاح" أمام المرمى، الكرة لامست شفر عينه اليمنى، ثم ولجت شباك المرمى، مرحى!! وأخيرا تأهلنا.
ليس المهم كيف، ولا تقولوا أنها مصادفة، قولوا بالفم الملآن أنها بطولة، وأن ذلك اللاعب الخطر، قام بما لم يقم به أحد قبله ولا بعده، لقد سجل بشفر عينه اليمنى، يا للقوة، يا للبراعة!!
هدف واحد أدخلنا للمونديال، وضربة واحدة مركزة(بالطبع ليست ضربة حظ)، من شفر عينه اليمنى أدخلته التاريخ.
الجماهير ترقص فرحا، وتحمل صور اللاعب البطل قائد الملحمة "مفتاح".
وابتدأت الجماهير تنسج حوله الأساطير*عفوا* قصدي التسريبات الصحفية، فيهم من قال أن ولادته كانت غير طبيعية، وأنه طفل معجزة، وفيهم من قال أنه بار الوالدين، وذلك كله من بركة الدعاء.
أخبار أخرى قالت أن السر يكمن في اطالته لشعره، فهو يمنحه القوة الكافية.
وأخبار أخرى تقول بأن السر في زيت الخروع، فقد كان ديدنه استعماله على شفار عينه قبل النوم.
جماهير متحمسة وصفته بالمنقذ، وأخرى بالفارس المغوار، حتى رئيس الجمهورية استقبله بالتهنئة في عقر الدار.
وعناوين الصحف تلت هذه الأخبار( مفتاح حقق ما لم يحققه أحد في العالمين، مفتاح يحطم أرقاما قياسية ويشرف الكرة العربية، ويحصد تاريخا جديدا للكرة العربية، كيف ساهم اللاعب مفتاح في تغيير نظرة الجماهير الغربية للكرة العربية)
مرت أشهر على تلك الملحمة، وهاهو ذا منتخبنا الوطني ضمن منافسات الكبار في المونديال.
ابتدأت المنافسات، وتلاشت الأساطير والكذبات، وأخذ منتخبنا في التراجع وعد الخيبات والنكبات، وارفاقها بمنوعات من الفهم الدقيق والتحليلات، لمجرى كافة الأحداث والمباريات.
( يكرهونا صديقي، الحكم جا معاهم، الرطوبة، والحرارة وووو هلم جرا).
لكن بطبيعة الحال أخبار طفلنا المعجزة عفوا أقصد لاعبنا الخطير لم تنته بعد.
بطلنا كان رجلا، ورغم ذلك بكى في الميدان، واعلموا رحمكم الله أنكم اذا رأيتم دموع الرجال، فاعلموا أن الهموم فاقت قمم الجبال.
أيام بعدها كانت الصحف والجرائد تنقل أخبار بطلنا مفتاح، فكلما عطس أو تثاءب نشرت لنا أخباره، وتبين للمغردين، ورواد صفحات التواصل الاجتماعي، أن بطلنا تعرض لأزمة نفسية، واكتئاب حاد، وينتوي اعتزال اللعب، والمباريات.
كما نشر لاعبنا صورة له رفقة كتاب "لا تحزن" لعائض القرني، مما جعل العشاق والمتابعين يحذون حذوه، ويقال أن الكتاب اختفى بعد ذلك من جميع المكتبات، وحقق نسبة مبيعات مهولة، لم يكن الشيخ عائض يحلم بها في حياته.
وعلى إثر هذه الفاجعة التي ألمت بشعبنا الكريم في بطله العظيم، تدخل رئيس الجمهورية شخصيا ومنحه تذكرتين بالسفر إلى جزر المالديف، وقامت السفارة السعودية ببادرة جميلة حينما قدمت له تذكرة مجانية لأداء مناسك العمرة.
كما قام الرسام الفلندي المشهور unknown بتخليد ذكراه في صورة بالزي العسكري رفقة صورة اللاعب الشهير كريستيانو رونالدو(حتى ميسي لم تتح له هذه الفرصة).
كما نقل عن أن الكيان الاسرائيلي يدرس جنوده تكتيكات استعمال تقنية *شفر العين* لتسجيل الأهداف، حتى أن دراساتهم كلها باءت بالفشل، ولم ينجح أحد في محاكاة التقنية الأروع في العالم، لذلك فالكيان الاسرائيلي يرتعد خوفا لهذا السبب).

نشرت وسائل الإعلام أيضا خبرا مفاده أنه وضع له مكان في أرضية نجوم هوليوود) تستطيع بكل فخر أن تجلس فوقها وتدوسها بغية التقاط الصور معها.
نسينا الخسارة الكروية، ونسينا الهزائم العلمية والمعرفية وكذا التقنية والعسكرية.
المهم الآن أن العالم يحترمنا، والكيان الصهيوني يرتجف منا، وهذا أكبر دليل على أننا صرنا أمة قوية.
#بقلم شمس
-------------------------
المقال مقتبس من كتاب " الخطط الذكية والدرر البهية في صناعة الوهم واستغباء واستحمار وتخدير الأمم الغبية حتى تعتقد أنها باتت قوية"

الأربعاء، 14 أغسطس 2019

كلام يجب أن يقال:

كلام يجب أن يقال:

عقب مقالي الأخير ذكر بعضهم أن أحلام تتناول الواقع بالتشريح في كتاباتها.
و بثينة العيسى وفي أحد لقاءاتها وصفها المضيف بالكاتبة المثيرة للجدل التي تكتب عن الطابوهات بعنف فردت عليه أن الكاتب الحقيقي ليس الذي يهدهد على القراء بل يجب أن يكتب عن الحقيقة و يسمي الأشياء بمسمياتها وأكثر.
تلكم الكاتبات يدعين أنهن يكتبون الواقع، ويضعن أيديهن على الجرح، بينما هن يضغطن بقوة لإيلامنا فقط.
وسأقسم المقال إلى شقين:
أولا:
تناول الشاذ من الانحرافات السلوكية والأخلاقية المسكوت عنها، واظهارها بمظهر الأمر الشائع والعادي لإيهامنا بأن كل العرب منحرفين.
وهذا فيه سيئتان: الكذب والافتراء على الواقع العربي، ومحبة إشاعة الفواحش والرذائل بالكلام عنها والمجاهرة بها عوضا عمن أخفاها واستتر، وكما هو معلوم في الحديث النبوى :"كل أمتي معافى إلا المجاهرين".
وحديث آخر يقول "وإن بليتم فاستتروا".
وهؤلاء يذكرونني بقنوات الصرف الجزائرية وكذا الجرائد الورقية من قبل، حيث ينشر هؤلاء كل ما خفي من أخبار الشر، ويلجون أوكار الرذيلة وينبشون أخبارها.
وهذا ليس منهاج المسلم الحق، ففي ديننا هنالك حديث "يكفيك من شر سماعه"، ولنا فلسفة إسلامية خاصة تستحب نشر الخيرات واجتناب ذكر أخبار الشر حتى لا تكثر وتشيع في المجتمع المسلم.
فلطالما تساءلت لماذا لا ينشر هؤلاء أخبار وقصص الناجحين والمبدعين والمخترعين، بينما يبرعون في اظهار التافهين والساقطين والقتلة واللصوص؟!
وفي هذا الصدد سأنقل اقتباسات من كتاب (من عبث الرواية، نظرات من واقع الرواية السعودية) لصاحبه عبد  الله بن صالح العجيري، وهو كتاب قيم عيبه الوحيد أنه يذكر أسماء تلك الروايات الماجنة وهذا بحد ذاته دعاية غير مباشرة لهؤلاء، فكان يكفيه أن يذكر الاقتباسات مع التحليل وسيعرف القراء أسماء أصحابها اذا كانوا قد قرأوا لهم من قبل، ويجنب الآخرين مغبة البحث عن تلكم الروايات.
قال:((يقدمون رواياتهم على أساس أنها مرايا تنعكس فيها صورة الواقع، لكنها في الحقيقة مرايا مشوهة ، تشوه صورة الواقع ولا تقدمه كما هو، بل تزيد وتنقص وتصغر وتكبر حسب أمزجة الكتاب وميولاتهم.))
وقال أيضا:
أنهم يجعلون الكون سوداويا فلا وجود لعفة، ولا أخلاق، ولا شهامة فكل العرب منافقون، زناة، وسراق.
باختصار الكون كله بشع ومن سلم من ذلك كله فهو(إرهابي) ينوي تدمير الكون ليقف وحده فوق أطلاله.
وقال بخصوص كلامهم عن الرجل الشرقي، وتصويرهم لمظلومية الفتاة العربية مايلي:
((حين تقرأ كلامهم تحسب لوهلة أن قائله يريد أن يكون حرصنا على الشاب بمنزلة حرصنا على الفتاة، لكن حين تتمادى في القراءة وتطوي الصفحات تفاجأ بأن المطلوب هو إفساد الفتاة كما فسد الشاب كي تتحقق المساواة بينهما.))

ويقول الرافعي:
((مالذي يمنع الفجور المتوقح أن يسمي نفسه الأدب المكشوف؟!
ولكن العجب من إبليس هذا، أتراه انقلب أوربيا؟! وإلا فما باله يخرج مجددين من جبابرة العقل والخيال في أوربا، ثم لا يؤتينا نحن إلا مجددين من جبابرة التقليد والحماقة؟!))

هذا الطوفان هو طوفان عقد نفسية وصديد بلاشك، لا أعتقد أن الصديد سائل مفيد للفكر، أو يعبر عن حرية صحية، إنه يلوث كل شيء يلمسه، وإن كان خروجه يريح صاحبه قليلا.
من تأمل قليلا وجد أن الاسهاب في خفايا الرذائل التي يندر حدوثها ويقل وقوعها كان من الأسباب في انتشارها.
من كتاب اللغز وراء السطور للدكتور أحمد خالد توفيق رحمه الله
ثانيا:
هل يكفي حقا تناول الواقع بالتشريح؟!
هل يكفي أن تغرز أصبعك مكان الجرح لتسبب لي ألما أكبر؟!
ثم هل ذكر الواقع بتلك السوداوية ينتج حلا؟!
لا أتذكر أني قرأت يوما رواية خرجت بعدها و أنا أشعر بالتفاؤل و السرور أو و أنا أقول أن العالم بخير.
و يبقى التساؤل مطروحا، أليس من الممكن أن نجد أدبا راقيا مبدعا و في نفس الوقت يبعث فينا الأمل و التفاؤل و التطلع إلى المستقبل بعين إيجابية؟ أم أن مرارة الواقع أقوى من أن تجعلنا نصل إلى هذا الهدف، و مشاكله و شخصياته بكل عيوبها؟
و هذا شيء حسن إذا كان الهدف منه وضع اليد على أصل المشكلة لمحاولة حلها، فنحن نعلم أن فهم مشكل ما يشكل نصف حله. و لكن أ يجب علينا دائما أن نقف عند هذه النقطة؟ أليس الفن و الأدب رسالة؟ أليس من المفروض أن يحاول طرح حلول لهذه المشاكل؟
إذا لم يكن مفكروا المجتمع و مثقفوه هم الذين يجب أن يبحثوا عن الحلول، فعلى من نعول إذن؟ جميل أن نقرأ فنا راقيا مبدعا و لكننا بحاجة إلى فكر بناء أيضا، فكر ينهض بالمجتمع و يرقى به، لا إلى فكر جامد يوقفنا عند المشكل و يتركنا نضيع في دوامة التساؤلات.
هل الكتابة وحدها كافية؟ هل نقل الواقع كاف في ظل الظروف التي نعيشها؟ من وجهة نظري، يجب أن نوسع دور الأدب و الفن بكل مجالاته و نجعله فنا يساهم في التغيير و النهضة.
 أتمنى أن أقرأ أدبا يعيد للدين قيمته و ينصفه و يقدم شخصيات تحاول الحفاظ على دينها و في نفس الوقت تكون إيجابية فعالة في المجتمع، خصوصا و أن هؤلاء أيضا موجودون و لكن للأسف لا يتم تسليط الضوء إلا على الآخرين.
 ‏شحصيا رواية "حبيبي داعشي" والروايات العامية المصرية على ركاكتها أفضل مما تكتبه مثيلات أحلام، فعلى الأقل تلك الروايات تتناول قضايا حقيقية رغم أن بعض كاتباتها مراهقات.
الروايات الرومنسية، هذا ما يسمى أدبا تجاريا، متى تفهمون أن هكذا أدباء يسهل عليهم كسب متابعتكم مستغلين جفافكم العاطفي، هم يعرفون تماما ما تريدون قراءته وإن كان سخيفا.
الهدف هو تحقيق الربح فقط.
تمتلك كل من بثينة وأحلام أرقاما ضخمة من حيث المبيعات!! هل هذا معيار لقياس المستوى الفكري والقيمة المعرفية؟!
#شموسة

الاثنين، 29 يوليو 2019

كيف تكسب الشخصية القوية؟!


كيف تكتسب الشخصية القوية؟!

قريبة لي أخبرتني أن أختها تود الحديث معي بأمر خاص، وقالت أنها تريد رقم هاتفي، أو لقائي شخصيا( ولأني شديدة الفضول ذهبت بي الظنون كل مذهب، صحيح أنني تعودت على الخيبات وما عدت أنتظر أمرا مفرحا في دنيا البؤس هذه، خصوصا من بني البشر، فالعربي حين يحتاجك لأمر فاعلم أنه أمر يخصه ولا يخصك، لكن لا بأس بمعرفة ماذا تريد، ولا بأس أن يسخرك الله لقضاء حوائج الناس).
 التقيتها فعرضت علي مشروعا مربحا - على حد زعمها - لإحدى الشركات العالمية، كنا في مناسبة عائلية، لذلك انفردت بي كما ينفرد الذئب بفريسة سهلة، في ركن بعيد عن الأعين والألسن والآذان المتلصصة، كانت تتحدث همسا وكأنها تخطط لجريمة، أو تسعى لوضع قنابل موقوتة أسفل المبنى، هكذا أحسست، وهكذا بدا شكلها وهي تتكلم، ثم تصمت وتتحسس الموجودات من حولنا.
حدثتني كثيرا عن ضرورة العمل بدل *الفيد* اللي راه قاتلني على حسب تعبيرها.
وقالت أن الله خلقنا للعمل، وليس للأكل والشرب والنوم كالبهائم( الواضح أنها تعلم جيدا من أختها أنني لا أفعل شيئا سوى الأكل والشرب والنوم، الواضح أنني بدوت لها إنسانة بائسة ليس لها طموح).
حدثتني عن الذهب، والملايين التي تنتظر، والمستقبل الذي يشرع جميع أبوابه.
حدثتني عن الفنادق الفخمة بخمسة نجوم، وعن الأسفار والرحلات حول العالم.
حدثتني كثيرا حتى تمنيت أن تصمت، وترحل لتدعني أنهي قراءة الفصل الأخير من رواية خيالية قتلني الفضول بشأن معرفة ما إذا كان البطلان سيتزوجان في النهاية - فهذا هو الجزء المحبب لدى جميع الفتيات ولدي أيضا- 😌.
رفضت إعطائي أبسط التفاصيل حول هذه الشركة، ورفضت إعطائي موقعها على الفيس بوك، بل رفضت إعطائي حتى اسمها.
قالت أن علي إضافتها على قائمة الأصدقاء في الفيس بوك، وستتولى بعد ذلك تزويدي بأي شيء أريد.
لم أكن متحمسة جدا، فشخصيا لا أجيد التعامل على الأنترنت، ناهيك أن أمارس التجارة أو التسويق الإلكتروني، لكنني لم أشأ مقاطعتها أو نقاشها، أولا لأنها كانت معرفة سطحية، وكان ذلك لقاءنا الأول والأخير، فلم أكن سألتقيها بعد ذلك.
أضفتها لقائمة الأصدقاء في الحين، ثم وفي الليل فوجئت بها تلقي السلام(متحمسة ماشاء الله!!)، وتبعث لي بروابط منتقاة تتكلم عن الشركة، وأنها شركة تعود لدولة مسلمة هي ماليزيا، وأن الناس كانت تتخوف منها ومن مثيلاتها في البداية، ووصل بهم الأمر إلى تحريمها، ثم اكتشفوا *حسب زعمها*، أنهم كانوا جهالا وعديمي الخبرة، وأن الشيخ شمسو أفتى بجواز التعامل معها ووووو.
وفي الأخير نصحتني بأن لا أطلع على مصادر أخرى تقول غير هذا الكلام(يا حبيبي!!)،
فهؤلاء *بزعمها*جهال، وحساد وعديمو خبرة كما أفهمتني😑.
لم أجبها حينها، ولكنني رغبت في الاطلاع على الأمر، كي أجد حجة للاعتذار بأدب.
وحين بحثت صعقت لبشاعة الأمر، شركات وهمية تعتمد نظام التسويق الشبكي أو الهرمي، أفتى فيها العلماء بفتاوى قاطعة ولايوجد من أفتى بجواز التعامل معها سوى الشيخ شمسو، ضحايا بالآلاف، وأناس خسرت مافوقها وما تحتها.
بحثت كثيرا ونوعت المصادر فوجدت إجماعا بأنها شركات احتيال، تستغل سذاجة الناس واحتياجهم وفاقتهم.

***************
النقطة الأولى المهمة التي أود التحدث عنها هو التحذير من هذه الشركات، وأن أصحابها يلتحقون بدورات تدريبية وكورسات مكثفة لتعلم (الهف والخداع والتحايل).
الفئة التي يستهدفونها هي فئة السذج (النية)، والأغبياء والطماعين.
أكثر كلامهم متشابه، وهو أن يعزف على وترك الحساس( فقرك، مرضك، طموحك وأحلامك).
وينتا دير لافونير؟!
وينتا تتزوج؟!
أمك خاصها عمرة، دوك تموت وهي في قلبها.
ووووووو الكثير من هذا الكلام.

*************
النقطة الثانية هي فضفضة ارتجالية وتنفيس عن الغضب، والحزن، وطلب للنصح.
- صدمتي بما وجدت كانت أقل بكثير من صدمتي بالفتاة وأختها، فعادة أحسن الظن بالناس، وأتعامل بطيبة مع الجميع، خلق بعض الناس لتوزيع الأحكام المسبقة على الناس، وبالتالي تصنيفهم في خانة الأعداء أو الأشخاص غير المحببين من أول نظرة، لكنني لست من هذا النوع، فمنذ طفولتي أحب جميع الناس وجميع الألوان، وجميع الأصناف، لم يكن لدي بالمطلق تلك الأحكام المسبقة، فكل الناس بنظري طيبون ويستحقون الحب والاحترام من أول فرصة.
قريبتي تلك كانت قريبة لقلبي، ولم تر مني إلا كل خير.
الغريب أنها إختارتني أنا بالذات لأكون الضحية القادمة وما أكثر ضحاياهم.
لا أدري حقا ما الذي جذبها في شخصي حتى هيأ لها أنني إنسانة غبية بلهاء وبائسة يسهل خداعها، وبالتالي اعتبرتني فريسة سهلة ؟!
أهي طيبتي الزائدة؟!
أم إحسان ظني؟!
أم تبسمي في وجهها؟!
أم ليونة واحترام أبديهما لجميع الناس؟!
أم نظرات عيني الذابلة والتي لا تقوى على النظر المباشر أمام محدثي؟!
لا أدري حقا لماذا يمتلك الناس مظاهر توحي بالقسوة، ونظرات كفيلة بإرعابك، بينما لا أمتلك شيئا من ذلك؟!
أمنية أن أصبح تلك القوية، فهل سيتحقق هذا يوما؟!

*************
لم أشأ أن أرد على رسالتها وأخبرها برأيي الصريح حول الموضوع، فالفتاة تعمل أستاذة، وتفرق جيدا بين الحلال والحرام، لذا فإن أي فعل تقوم به سيكون غير قابل للنقاش والجدال.
إضافة أن داء الخجل منعني من مصارحتها، ناهيك عن تمثل دور الناصحة أو الواعظة.
تركت طلبها معلقا لعدة أسابيع، لأفاجأ برسائلها اللحوحة اليوم، استجمعت شجاعتي وصارحتها بحقيقة ما وجدت، وبكونه قناعة يعسر الخوض فيها.
لكنتي اكتشفت أنني لا أجيد المواجهة حتى مع الفيس بوك، كانت تمطرني بوابل من الرسائل في حين اكتفيت بسطرين يتيمين، لطالما عرفت بردودي وتعليقاتي القوية والمفحمة، لكنها بهتت أمامها، هل كان بسبب معرفتي بها، أم بسبب الخجل، أم بسبب معرفتي أنها ليست من النوع الذي يقتنع، حقيقة لا أعلم.
لكن ما أعلمه أن رسائلها مزجت بين الجرأة والوقاحة، لقد كانت تقول(ني خايفة يجي نهار وتندمي، أنا بغيتلك الخير، لا تصدقي كل ما يقال على الفيس واليوتيوب من معلومات وووو)، يا شيخة!!
الأمر كان سهلا نوعا ما على الفيس بوك، فلو التقيتها بالواقع لتلعثمت ونسيت جل ما أود قوله.
لا أدري حقا هل أنا مصابة بانفصام الشخصية، تماما كتلك الكاتبة من رواية Nim's Island
التي تزج ببطلها في مغامرات شتى، وجل رواياتها من نوع التحدي والمغامرة.
رواياتها كانت تتكلم عن الشجاعة والمغامرة والإقدام، في حين كانت الكاتبة تعاني من فوبيا الخروج من المنزل، تخاف الليل والحشرات والناس والأماكن العامة.
لست مريضة فصام ولله الحمد، لككني اكتشفت أنني مجرد ثرثارة إلكترونية، وفي الواقع كتلة خجل مبتسمة.
فنحن نكتب عن الشجاعة لأننا غير ذلك، ويكتب  البعض عن الحب لأنه غير موجود في عالمهم، ويكتب البعض عن الأمان لأنهم يفتقدونه.
بالنهاية الكاتب يكتب عن الأمور التي يفتقدها في الواقع.
ما أجمل العالم الافتراضي، وما أقبح الواقع!!
ما أجمل أسماءنا المستعارة، وتسترنا خلفها وتترسنا بها، وما أقبح حقيقتنا!!
*************
أريد عناوين كتب لتطوير الشخصية، وتكون من قبيل:
- كيف ترعب خصمك من نظرة؟!
- ‏أو كتاب كيف تجعل عينك تفيض بالحمرة ؟!
- ‏أو كتاب كيف تكسب مظهرا كمظهر سيف النار؟!
- ‏أو كيف تغضب مثل كورابيكا، وتكسب عيونا تلتهب كجمرة؟!

#شمس الهمة

الجمعة، 12 يوليو 2019

الفتاة القارئة حتما لا تجيد الطبخ!!

الفتاة القارئة حتما لا تجيد الطبخ!!
الفتاة المثقفة، القارئة، أو الكاتبة لا تجيد الطبخ!!
هذه الفكرة أصابتني بالتخمة من كثرة ترداد الشباب لها، وخصوصا أنها باتت رائجة جدا في أوساط المثقفين، فحقيقة مادفعني لكتابة هذه السطور، أنني وجدت هذا الموضوع متناقشا فيه بين طلبة الطب تحديدا.
أولا مغالطة كبيرة أن يظن شباب اليوم أن المرأة المثقفة أو الكاتبة أو القارئة لا تجيد فنون الطبخ أو فنون معاملة الزوج أو فنون العشرة الزوجية ومتطلباتها مع حماتها، أو أخوات زوجها وأقاربه.
لا أدري لم يربط الشباب بين العلم والفكر وسعة عقل المرأة بنقصانها في فن الطبخ والتدابير المنزلية والخياطة والكروشي وووو؟! حقا لا أدري من أين جاءهم هذا الربط الغريب؟!
لا أدري حقا لماذا المرأة الذكية والمثقفة القارئة أو الكاتبة بنظرهم متمردة بالضرورة، وشرسة، ولا تجيد شيئا سوى الثرثرة.
سيدي المرأة القارئة ليس مفروضا عليها أن تبسط لكم أطباقها وتعدد لكم طبخاتها وتصورها لكم على الفيس لتقتنعوا أنها طباخة ماهرة، وتنفع لتكون أما وزوجة وربة بيت ممتازة.
المرأة فطريا وغزيريا تميل إلى الطبخ والمطبخ والتزين والتطيب والحلي والجواهر( أو من ينشأ في الحلية، وهو في الخصام غير مبين)
فتراها وهي طفلة صغيرة تطعم دميتها، دبدوبها وعرائسها، وتزين لهم البيت وتضع له ديكورا ولمسة خاصة بها.
والمرأة القارئة أو المثقفة ليست بدعا من النساء حتى لا تتعلم الطبخ أو غيره، وثقافتها تدفعها دفعا للتميز في هذا المجال لأنها تقرأ بالضرورة عن سيكولوحية الرجل وأن الأكل باب من الأبواب لخطف قلبه ونيل مرضاته.
وقبل ذلك هي تدرك أن تعلمها الطبخ هو جزء يسير لبر والديها وإسعاد أمها وأبيها، حتى أنني صادقت فتاة على الفيس بوك وتحدثنا عن موضوع العجن والخبز، فقالت أنها تعجن يوميا لأن والديها يضعان (طقم الأسنان) والخبز الذي يشترى من السوق يؤذيهما، لذا فإنها تدرس بالجامعة وتعجن يوميا شفقة وبرا بهما، وكم أثر موقفها ذاك في أيما تأثير، وحزنت أن الفتاة الجزائرية متهمة دوما ومن بين تلك الأحكام المسبقة أنها لا تجيد الطبخ، كم أحزن حقا للتعميم الجائر، وتلك الأحكام السطحية.
وسأضيف أن المرأة القارئة والمثقفة والذكية متميزة بالضرورة وتحب التميز في عدة فنون ولعلها تتفوق على كثيرات ممن عقلهن محدود ولم يقرأن كتابا بحياتهن، ولعل المثقفة تحرص أيما حرص على تعلم فن الطبخ الصحي، لحماية زوجها وأطفالها من مخاطر الأكل السريع والمعلب، بصفة لا تدركها ولا تعيها أخريات ممن يخيل اليكم أنهن خلقن للبيت والزوج فقط.
فقد تقرأ كتب ابن النفيس، وتجيد تحضير الرفيس.
وقد تقرأ كتبا لدوستويفسكي وتجيد معها تحضير الكسكسي.
ببساطة لا متناهية قد تنهي قراءة سيرة أبو منصور الحاجب وتذهب بعدها لتعد المحاجب.
هي قادرة على إنهاء الإخوة كامارازوف، وبعدها تنتقل لإعداد البوزلوف.
بإمكانها إن كانت مهندسة أن تصمم مبنى على طريقة زها حديد، وبذات الوقت تعد أطباقا من قناة أم وليد.
بإمكانها ببساطة التهام كتب ابراهيم السكران، لتقوم من فورها لتعد البرزڨان.
أنا أؤمن أن القراءة والتثقيف للفتاة، هو أهم ألف مرة من تعلمها للجلي والطبخ وكيف تدقّ الثوم بطريقة عصرية حسب قناة فتافيت، لكن مهما وصل درجة العلم و التعلم عند الجنسين (الرجل و المرأة)تبقى الأدوار الفطرية هي أدوارهما في الحياة..
إن المرأة المثقفة تدرك مع الوقت، أن جزءا من كونها أنثى كاملة هو العناية بأهل بيتها لأنه تعبير عن حبها لهم
***********
هذا أولا.
أما عن الطبخ والأكل وثقافة البطون، وهذه الفكرة التي تمجد هذا الأمر وتعطيه الأولوية على الدين والفكر والعقل، فهذا برأيي قصور في الفكر، وضعف في الهمة، لدى شبابنا المعاصر المتدينين منهم و العوام لأنني وجدت الفكرة رائجة بشكل فضيع.
أولوية الأولويات يا سيدي هو خلق المرأة ودينها وسعة عقلها وتعدد مداركها وكثرة مطالعاتها.
فإن ظفر المسلم بهكذا امرأة وجعل هذه الأمور من أولوياته ضمن خط حياة مستقيم يبتدئ في الحياة الدنيا بمودة وسكينة وتفاهم، فإنجاب ذرية مستقيمة، ولعل الأخطر أنه يحدد نهايتك ومآلك في الحياة الآخرة.
الزواج يا سيدي لم يجعل للأكل والإنجاب وإلا فهذا تزاوج ولم يحقق معنى كلمة زواج.
هو تزاوج كما تتزاوج الأنعام، وكل الكائنات، فأكل ونوم وشرب.
ثم هل سمعنا قط عن أحد من السلف سأل مخطوبته أو أهلها هل تجيد الطبخ والنفخ والأكلة الفلانية والوصفة العلانية؟!
هل تعلم يا سيدي أن أمنا عائشة رضي الله عنها، كانت تعجن العجين وتنام جنبه؟!
فقد ثبت في حادثة الإفك أن الرسول صلى الله عليه وسلم سأل خادمة السيدة عائشة عن أخلاقها فقال:
"أي بريرة، هل رأيت من شيء يريبك من عائشة؟" فقالت بريرة: والذي بعثك بالحق، إن ما رأيت عليها أمرًا قط أغمضه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها، فتأتي الداجن (الدواجن) فتأكله.
وهل تعرف يا سيدي أن أسماء بنت أبي بكر تزوجت بالزبير واشتغلت بسياسة فرسه، وسقي الماء، والخرز والعجن، ولكنها لم تحسن الخبز، وكانت لها جارات من الأنصار يخبزن لها، وكن نسوة صدق.
صدقا أصبحنا أمة الأكل والنوم، وما يؤيد هذا كتاب چينيس للأرقام القياسية الشاهد على منجزاتنا التي اختزلناها في حجم أطباقنا، فمن أكبر صحن كبسة إلى أكبر حبة كبة إلى..........والقائمة طويلة.
ولعل هذه المقولة تلخص الأمر وتشرحه:
((الإنسان نصفان ، نصف أعلى ونصف أسفل ، النصف الأعلى فيه العقل والقلب (العلم والإيمان) والنصف الأدنى فيه البطن والفرْج (الشهوات) ... فإن تحرّك النصف الأعلى هدأ النصف الأسفل، وإن اشتغل النصف الأدنى تعطّل النصف الأعلى !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شيخنا عبد الرحمن السنوسي حفظه الله نقلًا عن شيخه
عبد الرّزاق عفيفي رحمه الله
*****************
ولعلي أذكر في الأخير أن الشباب الجزائري يحب المرأة الذكية والمثقفة، لكنه لا يقترب منها ولا يتزوجها.
إنه لا يريد مواصفات زوجة، إنه يريد مواصفات تنطبق على نعجة، فيتزوج أخونا فإذا به يجد بدل النعجة كبشا أقرنا.
فلا هو حظي بالمودة والسكينة، ولا بالأطفال النجباء الفاتحين، ولا بالأكلة الطيبة الهنيئة المريئة.
بقلمي شمس الهمة

العيد

 تلك اللحظات الحرجة قبيل يوم العيد، ذلك التعب، والضغط، تلك الأمور التي أنجزت نصفها والنصف الآخر ينتظر منك اتمامه حالا، ذلك التوتر، وتلك الأع...