الأربعاء، 14 أغسطس 2019

كلام يجب أن يقال:

كلام يجب أن يقال:

عقب مقالي الأخير ذكر بعضهم أن أحلام تتناول الواقع بالتشريح في كتاباتها.
و بثينة العيسى وفي أحد لقاءاتها وصفها المضيف بالكاتبة المثيرة للجدل التي تكتب عن الطابوهات بعنف فردت عليه أن الكاتب الحقيقي ليس الذي يهدهد على القراء بل يجب أن يكتب عن الحقيقة و يسمي الأشياء بمسمياتها وأكثر.
تلكم الكاتبات يدعين أنهن يكتبون الواقع، ويضعن أيديهن على الجرح، بينما هن يضغطن بقوة لإيلامنا فقط.
وسأقسم المقال إلى شقين:
أولا:
تناول الشاذ من الانحرافات السلوكية والأخلاقية المسكوت عنها، واظهارها بمظهر الأمر الشائع والعادي لإيهامنا بأن كل العرب منحرفين.
وهذا فيه سيئتان: الكذب والافتراء على الواقع العربي، ومحبة إشاعة الفواحش والرذائل بالكلام عنها والمجاهرة بها عوضا عمن أخفاها واستتر، وكما هو معلوم في الحديث النبوى :"كل أمتي معافى إلا المجاهرين".
وحديث آخر يقول "وإن بليتم فاستتروا".
وهؤلاء يذكرونني بقنوات الصرف الجزائرية وكذا الجرائد الورقية من قبل، حيث ينشر هؤلاء كل ما خفي من أخبار الشر، ويلجون أوكار الرذيلة وينبشون أخبارها.
وهذا ليس منهاج المسلم الحق، ففي ديننا هنالك حديث "يكفيك من شر سماعه"، ولنا فلسفة إسلامية خاصة تستحب نشر الخيرات واجتناب ذكر أخبار الشر حتى لا تكثر وتشيع في المجتمع المسلم.
فلطالما تساءلت لماذا لا ينشر هؤلاء أخبار وقصص الناجحين والمبدعين والمخترعين، بينما يبرعون في اظهار التافهين والساقطين والقتلة واللصوص؟!
وفي هذا الصدد سأنقل اقتباسات من كتاب (من عبث الرواية، نظرات من واقع الرواية السعودية) لصاحبه عبد  الله بن صالح العجيري، وهو كتاب قيم عيبه الوحيد أنه يذكر أسماء تلك الروايات الماجنة وهذا بحد ذاته دعاية غير مباشرة لهؤلاء، فكان يكفيه أن يذكر الاقتباسات مع التحليل وسيعرف القراء أسماء أصحابها اذا كانوا قد قرأوا لهم من قبل، ويجنب الآخرين مغبة البحث عن تلكم الروايات.
قال:((يقدمون رواياتهم على أساس أنها مرايا تنعكس فيها صورة الواقع، لكنها في الحقيقة مرايا مشوهة ، تشوه صورة الواقع ولا تقدمه كما هو، بل تزيد وتنقص وتصغر وتكبر حسب أمزجة الكتاب وميولاتهم.))
وقال أيضا:
أنهم يجعلون الكون سوداويا فلا وجود لعفة، ولا أخلاق، ولا شهامة فكل العرب منافقون، زناة، وسراق.
باختصار الكون كله بشع ومن سلم من ذلك كله فهو(إرهابي) ينوي تدمير الكون ليقف وحده فوق أطلاله.
وقال بخصوص كلامهم عن الرجل الشرقي، وتصويرهم لمظلومية الفتاة العربية مايلي:
((حين تقرأ كلامهم تحسب لوهلة أن قائله يريد أن يكون حرصنا على الشاب بمنزلة حرصنا على الفتاة، لكن حين تتمادى في القراءة وتطوي الصفحات تفاجأ بأن المطلوب هو إفساد الفتاة كما فسد الشاب كي تتحقق المساواة بينهما.))

ويقول الرافعي:
((مالذي يمنع الفجور المتوقح أن يسمي نفسه الأدب المكشوف؟!
ولكن العجب من إبليس هذا، أتراه انقلب أوربيا؟! وإلا فما باله يخرج مجددين من جبابرة العقل والخيال في أوربا، ثم لا يؤتينا نحن إلا مجددين من جبابرة التقليد والحماقة؟!))

هذا الطوفان هو طوفان عقد نفسية وصديد بلاشك، لا أعتقد أن الصديد سائل مفيد للفكر، أو يعبر عن حرية صحية، إنه يلوث كل شيء يلمسه، وإن كان خروجه يريح صاحبه قليلا.
من تأمل قليلا وجد أن الاسهاب في خفايا الرذائل التي يندر حدوثها ويقل وقوعها كان من الأسباب في انتشارها.
من كتاب اللغز وراء السطور للدكتور أحمد خالد توفيق رحمه الله
ثانيا:
هل يكفي حقا تناول الواقع بالتشريح؟!
هل يكفي أن تغرز أصبعك مكان الجرح لتسبب لي ألما أكبر؟!
ثم هل ذكر الواقع بتلك السوداوية ينتج حلا؟!
لا أتذكر أني قرأت يوما رواية خرجت بعدها و أنا أشعر بالتفاؤل و السرور أو و أنا أقول أن العالم بخير.
و يبقى التساؤل مطروحا، أليس من الممكن أن نجد أدبا راقيا مبدعا و في نفس الوقت يبعث فينا الأمل و التفاؤل و التطلع إلى المستقبل بعين إيجابية؟ أم أن مرارة الواقع أقوى من أن تجعلنا نصل إلى هذا الهدف، و مشاكله و شخصياته بكل عيوبها؟
و هذا شيء حسن إذا كان الهدف منه وضع اليد على أصل المشكلة لمحاولة حلها، فنحن نعلم أن فهم مشكل ما يشكل نصف حله. و لكن أ يجب علينا دائما أن نقف عند هذه النقطة؟ أليس الفن و الأدب رسالة؟ أليس من المفروض أن يحاول طرح حلول لهذه المشاكل؟
إذا لم يكن مفكروا المجتمع و مثقفوه هم الذين يجب أن يبحثوا عن الحلول، فعلى من نعول إذن؟ جميل أن نقرأ فنا راقيا مبدعا و لكننا بحاجة إلى فكر بناء أيضا، فكر ينهض بالمجتمع و يرقى به، لا إلى فكر جامد يوقفنا عند المشكل و يتركنا نضيع في دوامة التساؤلات.
هل الكتابة وحدها كافية؟ هل نقل الواقع كاف في ظل الظروف التي نعيشها؟ من وجهة نظري، يجب أن نوسع دور الأدب و الفن بكل مجالاته و نجعله فنا يساهم في التغيير و النهضة.
 أتمنى أن أقرأ أدبا يعيد للدين قيمته و ينصفه و يقدم شخصيات تحاول الحفاظ على دينها و في نفس الوقت تكون إيجابية فعالة في المجتمع، خصوصا و أن هؤلاء أيضا موجودون و لكن للأسف لا يتم تسليط الضوء إلا على الآخرين.
 ‏شحصيا رواية "حبيبي داعشي" والروايات العامية المصرية على ركاكتها أفضل مما تكتبه مثيلات أحلام، فعلى الأقل تلك الروايات تتناول قضايا حقيقية رغم أن بعض كاتباتها مراهقات.
الروايات الرومنسية، هذا ما يسمى أدبا تجاريا، متى تفهمون أن هكذا أدباء يسهل عليهم كسب متابعتكم مستغلين جفافكم العاطفي، هم يعرفون تماما ما تريدون قراءته وإن كان سخيفا.
الهدف هو تحقيق الربح فقط.
تمتلك كل من بثينة وأحلام أرقاما ضخمة من حيث المبيعات!! هل هذا معيار لقياس المستوى الفكري والقيمة المعرفية؟!
#شموسة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

العيد

 تلك اللحظات الحرجة قبيل يوم العيد، ذلك التعب، والضغط، تلك الأمور التي أنجزت نصفها والنصف الآخر ينتظر منك اتمامه حالا، ذلك التوتر، وتلك الأع...