اللهجة الجزائرية:
بعد مدة قرن ونصف من الاحتلال الفرنسي الغاشم لبلاد الجزائر، رحل المستدمر، لكنه ترك كائنات شوهاء هي بمثابة "مسوخ فرنسية" تسلّلت إلى مفاصل الدولة الجزائرية فعوّقتها سياسيا، وأكسدتها اقتصاديا، وديّثتها خُلقيّا، وشوّهتها خَلقيا، وأنتجت لنا جيلا من الجزائريين معوّق اللسان والفكر والسلوك.
فمحاولة تقليدهم لغة المستعمر، لم تجدِ نفعا ولم تثمر، فلاهم أتقنوها، ولا هم حافظوا على لغتهم الأم، فأصبحنا مسخرة الأمم، بلغة هجينة وغريبة، ضمت كل مفردات العالم - لتفصح عن نفسها- فما زادها ذلك إلا غموضا.
ليس مدعاة للفخر أن اللهجة الجزائرية، هي الوحيدة في اللهجات قاطبة، التي تتضمن كلمات من مختلف لغات العالم، اذ يكفي أن تستمد غناها، من موروثها وماضيها وحاضرها .
كل اللهجات العربية غنية بالمفردات والتعابير الراقية والجميلة، إلا اللهجة الجزائرية، فنحن بحاجة أن نستمد من السورية والمصرية وحتى الخليجية، إضافة إلى الفرنسية والإنجليزية، للتعبير عما يجول به خاطرنا، فأي واقع هذا ؟
ومن مضحكات الأمور أن تجد صفحات الجزائريين في الفيسبوك، تدعو لاستفتاء حول لهجة من هي الأجمل الغرب، الشرق، أم الوسط؟
وترى كل شخص يفخر بمنطقته تعصبا وجهوية، وليس موضوعية، وكل يضحك من لهجة الآخر ويعيبها اذا لم يفهمها، حتى صار بعضنا لا يتحدث بلهجة منطقته اذا زار منطقة أخرى من الوطن، فأي حال وصلنا اليه "كل حزب بما لديهم فرحون"؟
أما التلفزيون فحدث ولا حرج، فأالأفلام القديمة على غرار "فيلم دورية نحو الشرق" أو غيره، رغم أنها بالدارجة، إلا أنها أكثر سهولة وفصاحة وجمالا من لغة العاصميين الدارجة اليوم.
فلماذا تغيرت لكنة الدزيريين؟ رغم أنهم كانوا ولا يزالون يهيمنون على الأعمال التلفزيونية، بالرغم من ركاكة المستوى الحالي، مقارنة بالأعمال القديمة الناجحة والمشرفة، ومقارنة بلهجات الجزائر الأخرى :
حيث نجد أن لكنة الشرق سلسة وجميلة ومفهومة وغنية بالمفردات، ولكنة أهل الغرب كذلك، ولكنة الصحراء تتميز بقربها من الفصاحة.
لكن أكثر لكنة صعبة ومملة ومتكلفة، وغير غنية بالمفردات أو الأدب أو الجمال والذوق، هي اللكنة الدزيرية والتي تطلق عليها الصحافة المكتوبة أبشع النعوت، فيما يعرف ب:"رطانة الدزيريين"على حد قولهم، ومع هيمنة العاصمة على الأعمال التلفزيونية، واختزالها الجزائر الكبيرة في "دزاير" المدينة، وبالتالي فهي المسوق لصورتنا أمام البلدان العربية، والتي شوهت اللهجة الجزائرية الغنية، ولم تتح للبلدان الأخرى أن تفهمنا.
شخصيا أعشق الوسط، فهو وسط في كل شيء، وأحد إيجابياته الكثيرة، أنه يمثل نقطة التقاء كل ولايات الجزائر، إضافة لبعده عن المظاهر والبهرجة وغلاء المهور التي يتميز بها أقصى الشرق وأقصى الغرب.
لكن بالنسبة للكنة فالنشاز في لهجتنا هو اللكنة الدزيرية ورطانتها مع احترامي لأهلها.
الأمر الآخر بعضهم يدعو الى التمسك باللكنة الأم، رافعين شعار "لاتخجل بلكنتك ولاتغيرها "، معتبرين أن الإختلاف جميل.
الاختلاف جميل نعم، لكن حينما لايؤذي المقابل أو يشذ عن القاعدة العامة، فبسبب عشقنا للغة الأم مثلا، نشمئز من أناس لا يملكون مخارج حروف سليمة وصحيحة.
قد أتقبل انسانا بلغ من الكبر عتيا فلا يستطيع تغيير مفرداته، ويقال إذا عاشرت قوما أربعين يوما فقد أصبحت منهم، لذا لا ينبغي للعاقل التمسك بالشاذ من الألفاظ أو العبارات التي تعتبر قلة حياء في مناطق أخرى، على عكس منطقتك الأم، والتي تعتبر فيها تلك العبارات عادية ومقبولة، ولا تمثل ذلك المفهوم السلبي في المناطق الأخرى.
أما الكارثة أن تؤنث المذكر وتذكر المؤنث بكسر التاء أو نصبها، وتتبجح بذلك ولاتريد تغييره، فهذا بلاء نحمد الله أن عافانا منه.
كان هناك غراب .. شاهد حمامة تمشي، فأعجبته مشيتها لما فيها من ملكية طبيعية..
ففكر بنفسه وقارن بينه وبينها .. ووجدها تتميز عنه بالكثير ..فحاول أن يقلد مشيتها .. تدرب وتدرب .. وحاول كثيراً أن يتقنها ولم يستطع .. فشل فشلاً ذريعاً...
ثم أنه عندما يئس ... أراد العودة لمشيته القديمة .. فأكتشف أنه نسيها أيضاً ..
لقد فقد هويته بالكامل، فلا عاد غرابا ولا صار حمامة.
هكذا كل من ترك أصله مبهورا ببريق ليس له، كن أنت نفسك .. ولا تكن غيرك..
#شمس_الهمة