كيف تكتسب الشخصية القوية؟!
قريبة لي أخبرتني أن أختها تود الحديث معي بأمر خاص، وقالت أنها تريد رقم هاتفي، أو لقائي شخصيا( ولأني شديدة الفضول ذهبت بي الظنون كل مذهب، صحيح أنني تعودت على الخيبات وما عدت أنتظر أمرا مفرحا في دنيا البؤس هذه، خصوصا من بني البشر، فالعربي حين يحتاجك لأمر فاعلم أنه أمر يخصه ولا يخصك، لكن لا بأس بمعرفة ماذا تريد، ولا بأس أن يسخرك الله لقضاء حوائج الناس).
التقيتها فعرضت علي مشروعا مربحا - على حد زعمها - لإحدى الشركات العالمية، كنا في مناسبة عائلية، لذلك انفردت بي كما ينفرد الذئب بفريسة سهلة، في ركن بعيد عن الأعين والألسن والآذان المتلصصة، كانت تتحدث همسا وكأنها تخطط لجريمة، أو تسعى لوضع قنابل موقوتة أسفل المبنى، هكذا أحسست، وهكذا بدا شكلها وهي تتكلم، ثم تصمت وتتحسس الموجودات من حولنا.
حدثتني كثيرا عن ضرورة العمل بدل *الفيد* اللي راه قاتلني على حسب تعبيرها.
وقالت أن الله خلقنا للعمل، وليس للأكل والشرب والنوم كالبهائم( الواضح أنها تعلم جيدا من أختها أنني لا أفعل شيئا سوى الأكل والشرب والنوم، الواضح أنني بدوت لها إنسانة بائسة ليس لها طموح).
حدثتني عن الذهب، والملايين التي تنتظر، والمستقبل الذي يشرع جميع أبوابه.
حدثتني عن الفنادق الفخمة بخمسة نجوم، وعن الأسفار والرحلات حول العالم.
حدثتني كثيرا حتى تمنيت أن تصمت، وترحل لتدعني أنهي قراءة الفصل الأخير من رواية خيالية قتلني الفضول بشأن معرفة ما إذا كان البطلان سيتزوجان في النهاية - فهذا هو الجزء المحبب لدى جميع الفتيات ولدي أيضا- 😌.
رفضت إعطائي أبسط التفاصيل حول هذه الشركة، ورفضت إعطائي موقعها على الفيس بوك، بل رفضت إعطائي حتى اسمها.
قالت أن علي إضافتها على قائمة الأصدقاء في الفيس بوك، وستتولى بعد ذلك تزويدي بأي شيء أريد.
لم أكن متحمسة جدا، فشخصيا لا أجيد التعامل على الأنترنت، ناهيك أن أمارس التجارة أو التسويق الإلكتروني، لكنني لم أشأ مقاطعتها أو نقاشها، أولا لأنها كانت معرفة سطحية، وكان ذلك لقاءنا الأول والأخير، فلم أكن سألتقيها بعد ذلك.
أضفتها لقائمة الأصدقاء في الحين، ثم وفي الليل فوجئت بها تلقي السلام(متحمسة ماشاء الله!!)، وتبعث لي بروابط منتقاة تتكلم عن الشركة، وأنها شركة تعود لدولة مسلمة هي ماليزيا، وأن الناس كانت تتخوف منها ومن مثيلاتها في البداية، ووصل بهم الأمر إلى تحريمها، ثم اكتشفوا *حسب زعمها*، أنهم كانوا جهالا وعديمي الخبرة، وأن الشيخ شمسو أفتى بجواز التعامل معها ووووو.
وفي الأخير نصحتني بأن لا أطلع على مصادر أخرى تقول غير هذا الكلام(يا حبيبي!!)،
فهؤلاء *بزعمها*جهال، وحساد وعديمو خبرة كما أفهمتني😑.
لم أجبها حينها، ولكنني رغبت في الاطلاع على الأمر، كي أجد حجة للاعتذار بأدب.
وحين بحثت صعقت لبشاعة الأمر، شركات وهمية تعتمد نظام التسويق الشبكي أو الهرمي، أفتى فيها العلماء بفتاوى قاطعة ولايوجد من أفتى بجواز التعامل معها سوى الشيخ شمسو، ضحايا بالآلاف، وأناس خسرت مافوقها وما تحتها.
بحثت كثيرا ونوعت المصادر فوجدت إجماعا بأنها شركات احتيال، تستغل سذاجة الناس واحتياجهم وفاقتهم.
***************
النقطة الأولى المهمة التي أود التحدث عنها هو التحذير من هذه الشركات، وأن أصحابها يلتحقون بدورات تدريبية وكورسات مكثفة لتعلم (الهف والخداع والتحايل).
الفئة التي يستهدفونها هي فئة السذج (النية)، والأغبياء والطماعين.
أكثر كلامهم متشابه، وهو أن يعزف على وترك الحساس( فقرك، مرضك، طموحك وأحلامك).
وينتا دير لافونير؟!
وينتا تتزوج؟!
أمك خاصها عمرة، دوك تموت وهي في قلبها.
ووووووو الكثير من هذا الكلام.
*************
النقطة الثانية هي فضفضة ارتجالية وتنفيس عن الغضب، والحزن، وطلب للنصح.
- صدمتي بما وجدت كانت أقل بكثير من صدمتي بالفتاة وأختها، فعادة أحسن الظن بالناس، وأتعامل بطيبة مع الجميع، خلق بعض الناس لتوزيع الأحكام المسبقة على الناس، وبالتالي تصنيفهم في خانة الأعداء أو الأشخاص غير المحببين من أول نظرة، لكنني لست من هذا النوع، فمنذ طفولتي أحب جميع الناس وجميع الألوان، وجميع الأصناف، لم يكن لدي بالمطلق تلك الأحكام المسبقة، فكل الناس بنظري طيبون ويستحقون الحب والاحترام من أول فرصة.
قريبتي تلك كانت قريبة لقلبي، ولم تر مني إلا كل خير.
الغريب أنها إختارتني أنا بالذات لأكون الضحية القادمة وما أكثر ضحاياهم.
لا أدري حقا ما الذي جذبها في شخصي حتى هيأ لها أنني إنسانة غبية بلهاء وبائسة يسهل خداعها، وبالتالي اعتبرتني فريسة سهلة ؟!
أهي طيبتي الزائدة؟!
أم إحسان ظني؟!
أم تبسمي في وجهها؟!
أم ليونة واحترام أبديهما لجميع الناس؟!
أم نظرات عيني الذابلة والتي لا تقوى على النظر المباشر أمام محدثي؟!
لا أدري حقا لماذا يمتلك الناس مظاهر توحي بالقسوة، ونظرات كفيلة بإرعابك، بينما لا أمتلك شيئا من ذلك؟!
أمنية أن أصبح تلك القوية، فهل سيتحقق هذا يوما؟!
*************
لم أشأ أن أرد على رسالتها وأخبرها برأيي الصريح حول الموضوع، فالفتاة تعمل أستاذة، وتفرق جيدا بين الحلال والحرام، لذا فإن أي فعل تقوم به سيكون غير قابل للنقاش والجدال.
إضافة أن داء الخجل منعني من مصارحتها، ناهيك عن تمثل دور الناصحة أو الواعظة.
تركت طلبها معلقا لعدة أسابيع، لأفاجأ برسائلها اللحوحة اليوم، استجمعت شجاعتي وصارحتها بحقيقة ما وجدت، وبكونه قناعة يعسر الخوض فيها.
لكنتي اكتشفت أنني لا أجيد المواجهة حتى مع الفيس بوك، كانت تمطرني بوابل من الرسائل في حين اكتفيت بسطرين يتيمين، لطالما عرفت بردودي وتعليقاتي القوية والمفحمة، لكنها بهتت أمامها، هل كان بسبب معرفتي بها، أم بسبب الخجل، أم بسبب معرفتي أنها ليست من النوع الذي يقتنع، حقيقة لا أعلم.
لكن ما أعلمه أن رسائلها مزجت بين الجرأة والوقاحة، لقد كانت تقول(ني خايفة يجي نهار وتندمي، أنا بغيتلك الخير، لا تصدقي كل ما يقال على الفيس واليوتيوب من معلومات وووو)، يا شيخة!!
الأمر كان سهلا نوعا ما على الفيس بوك، فلو التقيتها بالواقع لتلعثمت ونسيت جل ما أود قوله.
لا أدري حقا هل أنا مصابة بانفصام الشخصية، تماما كتلك الكاتبة من رواية Nim's Island
التي تزج ببطلها في مغامرات شتى، وجل رواياتها من نوع التحدي والمغامرة.
رواياتها كانت تتكلم عن الشجاعة والمغامرة والإقدام، في حين كانت الكاتبة تعاني من فوبيا الخروج من المنزل، تخاف الليل والحشرات والناس والأماكن العامة.
لست مريضة فصام ولله الحمد، لككني اكتشفت أنني مجرد ثرثارة إلكترونية، وفي الواقع كتلة خجل مبتسمة.
فنحن نكتب عن الشجاعة لأننا غير ذلك، ويكتب البعض عن الحب لأنه غير موجود في عالمهم، ويكتب البعض عن الأمان لأنهم يفتقدونه.
بالنهاية الكاتب يكتب عن الأمور التي يفتقدها في الواقع.
ما أجمل العالم الافتراضي، وما أقبح الواقع!!
ما أجمل أسماءنا المستعارة، وتسترنا خلفها وتترسنا بها، وما أقبح حقيقتنا!!
*************
أريد عناوين كتب لتطوير الشخصية، وتكون من قبيل:
- كيف ترعب خصمك من نظرة؟!
- أو كتاب كيف تجعل عينك تفيض بالحمرة ؟!
- أو كتاب كيف تكسب مظهرا كمظهر سيف النار؟!
- أو كيف تغضب مثل كورابيكا، وتكسب عيونا تلتهب كجمرة؟!
#شمس الهمة